الرسالة الثانية إلي تيموثاوس

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 2

الإصحاح الثاني. 8

الإصحاح الثالث.. 16

الإصحاح الرابع. 21

 


 

المقدمة

v     هذه الرسالة هي آخر ما كتبه بولس الرسول من سجنه الأخير في روما وقبل استشهاده مباشرة. قدم فيها كل ما في قلبه إلي تلميذه الحبيب تيموثاوس، ربما شعر بأنه لن يراه ثانية، فكتب له هذه الرسالة. وكان تيموثاوس أحب تلميذ لقلب بولس الرسول.

v     ارسلها إلى تلميذه تيموثاوس الذي كان أسقفاً علي أفسس.

v     الأضاليل التى طالب القديس تيموثاوس بمقاومتها هى بعينها المذكورة في الرسالة الأولى، فهؤلاء الهراطقة ما زالوا في أفسس.

v     كتبها الرسول حوالي سنة 67 أو 68 وكان استشهاده سنة 68م. وكان بولس في سجن روما. وقد سجن بولس في روما مرتين أيام نيرون، المرة الأولي سنة 63 ثم أطلق سراحه، أما هذه المرة فاستشهد فيها.

v     في سجنه الأول كان يتوقع إطلاق سراحه (في 1 : 24) + (فى 2 : 24) + (فل 22). أما هنا في سجنه الثاني فتوقع هو أن يستشهد (2 تي 4 : 6).

v     طلب الرسول هنا من تيموثاوس أن يحضر ومعه مارمرقس ليلتقي معهم في السجن قبل استشهاده. ولكنه خشي أن يستشهد قبل وصولهما لهذا قدم في هذه الرسالة وصايا أبوية وداعية يؤكد فيها ضرورة الجهاد بروح القوة لا بروح اليأس، من أجل الحفاظ علي الإيمان المستقيم ومقاومة الهرطقات بحزم مع وداعة ومحبة.

v     لأن الكنيسة مقبلة علي عصر استشهاد شجع الرسول الكنيسة علي احتمال الألم بغير تذمر أوشك. كما يكرر عبارة لا تخجل، فالضيق لا يقيد كلمة الإنجيل، بل يسند الكثيرين للعمل بلا خجل من صليب ربنا يسوع.

v     هى رسالة يقدمها خادم منتصر يودع عالماً مملوءاً بالضيق، ويعلن إتمام جهاده وحفظه للوديعة الإيمانية حتي النفس الأخير منتظراً الإكليل الأبدي.

v     بولس يكتب لتيموثاوس هذه الرسالة الثانية لأنه وعده في رسالته الأولى أنه سيأتي له "راجياً أن آتى إليك عن قريب" (1تي 3 : 4). ولكنه لم يستطع بسبب إلقاء القبض عليه وسجنه في روما. فهو أرسل له هذه الرسالة ليواسيه.


 

الإصحاح الأول

آيات 1، 2 :- بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله لأجل وعد الحياة التي في يسوع المسيح إلى تيموثاوس الإبن الحبيب نعمة و رحمة و سلام من الله الآب و المسيح يسوع ربنا.

بولس يرسل هذه الرسالة لتلميذه تيموثاوس لأنه يعلم أن الراعي تواجهه صعوبات كأمواج البحر، وذلك ليقويه فلا يتزعزع، وعلي الخادم أن لا يكل من الصعوبات التي تثور في وجهه واضعاً رجاؤه في المسيح فهو رأس الكنيسة، وهو في المركب فلماذا الخوف من الأمواج.

بمشيئة الله = ينسب بولس رسوليته وتكليفه لمشيئة الله، هنا الإشارة لمشيئة الله تتمشى مع روح التسليم الهادئ الذي نتلمسه في متضمنات هذه الرسالة، فالمشيئة الإلهية هي التي إختارته رسولا وقادته في كل خطوة في حياته وهي التي سمحت بسجنه ثم باستشهاده. لأجل وعد الحياة = بولس قبل المسيحية وقبل أن يكون رسولاً بالرغم من كل الآلام التي واجهته لأجل وعد الحياة. كان الرسول يقول أنا أعلم أن هناك آلام واجهتني وإستشهاد ينتظرني، وإقبل هذا لأنني أومن بأن هناك حياة أفضل لمن يثبت وينتصر. وكانت هذه الحياة الأبدية موضوع كرازته، وكانت عينيه مثبتة على هذه الحياة الأبدية كمكافأة طالما أنتظرها. ولأجل هذه الحياة الأبدية نحتمل نحن كل آلم. الإبن الحبيب = نجد بولس لا يكبت المشاعر الإنسانية بل يطلقها بطريقة روحية.

 

آيات 3، 4 :- إني اشكر الله الذي أعبده من أجدادي بضمير طاهر كما أذكرك بلا إنقطاع في طلباتي ليلا و نهارا.مشتاقا أن أراك ذاكرا دموعك لكي امتلئ فرحا.

أعبده من أجدادي = بولس في نهاية حياته يحلل حياته وأحداثها فيري يد الله فيها، ويري أن الله هيأ له بيئة صالحة يتربي فيها وأن الله رعاه منذ صغره، وربما هو يذكر أجداده إذ شعر بقرب لقائهم فى السماء وها هو يقدم الشكر لله الذى أحس بعمله المستمر معه = أشكر الله  بضمير طاهر = لقد أضطهد بولس الكنيسة وإفتري عليها، لكنه حتي في ذلك كان ضميره طاهراً. هو كان يبحث عن مجد الله ولكن بجهل. والله أرشده للطريق الصحيح إذ رأي أن ضميره كان طاهراً. والضمير الطاهر يعني أنه بلا غش ولا خداع يعبد الله بلا غرض سوي إبتغاء رضي الله. ولا حظ أن سجن بولس وقرب إنتقاله لم يمنعاه عن الصلاة عن أحبائه وأولاده.

كما أذكرك بلا انقطاع في طلباتي ليلاً ونهاراً = هكذا كان المسيح علي صليبه مهتماً بأمه أن يسلمها ليوحنا ليعولها، بل بصالبيه ليغفر الله لهم. الصلاة هى سر قوة الخدمة هنا نري شفاعة الأحياء في الأحياء علامة الحب في قلوبهم لبعضهم البعض وعلامة علي عجز الخادم أن يقدم شيئاً لمخدوميه فيلجأ لله ليعطيهم.

ذاكراً دموعك = ربما في الوداع الأخير شعر تيموثاوس  بأنه لن يري معلمه ثانية فبكى، وهذه المحبة كانت تملأ قلب بولس فرحاً وتعزية، فبولس نفسه يحمل مشاعر رقيقة وعواطف محبة لكل الناس.

 

آية 5 :- إذ أتذكر الإيمان العديم الرياء الذي فيك الذي سكن أولا في جدتك لوئيس و أمك أفنيكي و لكني موقن أنه فيك أيضا.

المحبة التي أظهرها تيموثاوس لمعلمه كانت دليلاً لبولس أن ورائها إيمان قوي بالمسيح، فهي ليست محبة بشرية عادية بل هي محبة في المسيح. وهذا الإيمان ليس عارضاً بل له جذوره في العائلة، في الجدة وفي الأم. وهذا ما يفرح قلب الرسول، وجود عائلات مقدسة، كنيسة حية يتربي فيها أولاد الله.

 

آية 6 :- فلهذا السبب أذكرك أن تضرم أيضا موهبة الله التي فيك بوضع يدي.

قارن آية 5 مع آية 6 فنجد أن تيموثاوس كان فيه إيمان قوي لذلك إختاره الله لنعمة الأسقفية، لكنه عليه أن يضرمها. وبولس هنا يذكره بهذا لئلا تنسيه مشاغل الخدمة حياته الروحية. هو نال  موهبة من الله ولكن عليه أن ينميها حتي لا تنطفئ. إذاً حياة النعمة هي عمل مشترك بين الله والإنسان، الله يمنح الموهبة لإنسان مؤهل لها، لكن علي هذا الإنسان أن يحفظها ويصونها وينميها ويغذيها بعد الحصول عليها لئلا يطفئها بإهماله "لا تطفئوا الروح" (1تي 5 : 19)، وتنمية الموهبة يكون بالعبادة الروحانية الصادقة، ومضاعفة الصلوات والصوم والخلوات الروحية ومحاسبة النفس والتوبة والقراءة والتأملات، ومن يفعل يعطى ويزاد (مت 13 : 12)، والمعني من عنده عمل أو ثمر فإنه يعطي مواهب أكثر، من ليس عنده عمل أو ثمر فيسحب ما عنده. ولربط ما مضى بهذه الآية نفهم أن الرسول كأنه يقول لتيموثاوس إن كنت تحبني حقيقة فإضرم موهبة الله التي فيك = وموهبة الله هي موهبة الكهنوت هنا لدرجة الأسقفية، ورسامة أسقف تحتاج لوضع يد أكثر من أسقف، وهذا ما حدث مع تيموثاوس (1تي 4 : 14) ومع بولس (أع 13 : 2، 3).

 

آية 7 :- لأن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة و المحبة و النصح.

الله لم يعطنا روح الفشل = فمع أن المصاعب شديدة، فهو صغير السن ومعلمه بولس سجين وسيرحل عن العالم وهناك مقاومين من اليهود والغنوسيين، لكن عليه ألا يخاف، ولا يتهيب فالخدمة هي خدمة الله، والله  يعطي لخدامه روح القوة إن كانوا لا يتهيبون، ويثقوا أن الله يعطيهم معونة. وروح المحبة = القادرة علي البذل والعطاء وروح النصح = sound mind فيكون الراعي حكيماً وناصحا لرعيته. الروح القدس الذي فينا يعطى حكمة ونصح فنعرف الطريق بوضوح وبلا تردد ويعطي للراعي فهماً وحكمة ونصحاً. الروح ينصح الراعي فينصح الراعي رعيته. فإن كان الله يعطي روح قوة ومحبة بها نشتعل في الخدمة وروح نصح أي عقل سليم به نواجه الهراطقة فلماذا الخوف ولماذا روح الفشل.

 

آية 8 :- فلا تخجل بشهادة ربنا و لا بي إنا أسيره بل أشترك في إحتمال المشقات لأجل الإنجيل بحسب قوة الله.

فلا تخجل بشهادة ربنا = إذا علمنا بمن أمنا وبعظمته وقوته ومحبته لن نخجل أن نشهد له.

فلا تخجل = كان يمكن أن يخجل من بولس لو كان بولس صانع شر. ولا بي أنا أسيره ولم يقل أسير الرومان، بل المسيح هو الذي سمح بذلك، فهو كرسول للمسيح لا يملك شيئاً في نفسه، بل هو أسير لأجله، لمحبته له وهذا ليس عن ضعف بل هو قبول للصليب، والصليب قوة وليس ضعف. ونلاحظ أن الخجل لا يصدر إلا من الخوف والتهيب. أما من له روح القوة والمحبة والنصح فلا يخشي شيئاً ولا يخجل من شهادة ربنا يسوع المسيح (غل 6 : 14) وعليه ألا يخجل فقط بل يشترك في إحتمال المشقات هو أيضاً لأجل المسيح ويشهد للإنجيل فالصليب ليس ضعف بل بالصليب تمم الله المقاصد الأزلية، فلا نخجل من الصليب وبآلامنا نكمل نقائص شدائد المسيح في أجسامنا (كو 1 : 24).

 

آية 9 :- الذي خلصنا و دعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد و النعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية.

لئلا يظن القارئ أن إحتمال المشقات في ذاته هو ثمن خلاصنا أكد الرسول أننا مدينون في ذلك للمقاصد الإلهية والنعمة المجانية المقررة لنا منذ الأزل

 

آيات 10، 11 :- و إنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت و أنار الحياة و الخلود بواسطة الإنجيل. الذي جعلت أنا له كارزا و رسولا و معلما للأمم.

لقد ظهرت المراحم الأزلية والتدابير الإلهية معلنة فى المسيح الذي ظهر في ملء الزمان مصلوباً لأجل خلاصنا، وكانت سراً قبل ذلك ومكتومة فى النبوات. فمحبة الله للبشرية كانت أزلية، ومن يحتمل الأن  بعض المشقات فإنما يرد الجميل لله الذي سبق وغمره بمحبته.

أبطل الموت = في اليونانية جعله عديم الفعالية، فالموت الآن هو مجرد إنتقال، هذا بالنسبة لمن يغلب. فالمسيح أبطل الموت الثاني الذي هو إنفصال عن الله (رؤ 2 : 11) + (رؤ 21 : 8) + (رؤ 20 : 6) هذا بأن نزع السم من شوكة الموت لذلك تغني الرسول "أين شوكتك يا موت".

وأنار الحياة = فتح عن بصيرتنا الداخلية للتمتع بالنور والحياة الخالدة ولم يعد الموت بالنسبة للمفديين طريق الظلمة الخارجية إنما فتح المسيح الطريق إلي الفردوس الذي كان مغلقاً في وجه الإنسان. ولأن الرسول أنار الله له طريق الحياة إستهان بالآلام وإشتهي الموت.

 

آية 12 :- لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضا لكنني لست أخجل لأنني عالم بمن آمنت و موقن أنه قادر أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم.

هذه كلمات رسول مفتوح العينين، يعرف من هو الذي يؤمن به ولا يخجل بصليبه، ولا يهاب الموت فهو يري بعينيه الداخليتين إلي أين هو ذاهب. يحفظ وديعتي = هو مقدم نفسه للإستشهاد شهادة للمسيح وهو واثق أنه يحفظ وديعته أي روحه فلا تهلك، والله قادر أن يحميها وأن يخلصها من كل شر وأن يحفظها للحياة الأبدية.

إلي ذلك  اليوم = يوم الدينونة ويوم الأبدية (2 تي 4 : 8).

 

آيات 13، 14 :- تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان و المحبة التي في المسيح يسوع. إحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا.

تمسك بصورة الكلام الصحيح = يحثه علي عدم الانحراف عما سلمه له في الإيمان والمحبة = لقد طبع الرسول على قلب تلميذه صورة حية لوديعة الإيمان سواء من جهة العقيدة (الكلام الصحيح) أو من جهة السلوك (المحبة) والمحبة للمسيح تظهر في إحتمال الألم والمحبة لشعبه تظهر في جهاده لأجلهم. أحفظ الوديعة = وديعة الإيمان السليم المستقيم والتعليم الصحيح الذي تسلمته مني وما دام هو وديعة إذاً هو أمانة في عنقنا نحفظها بلا زيادة ولا نقصان ونسلمها للآتين بعدنا كما تسلمناها (رؤ 22 : 18، 19) والوديعة أيضاً هي وديعة النفوس المؤمنة التى سلمها بولس لتيموثاوس وبولس عند موته كان عنده وديعتان:

1.     نفسه وهو يسلمها بين يدي الله.

2.     الإيمان الصحيح ويسلمه ليد تيموثاوس أي الكنيسة عموماً.

بالروح القدس = ليس في قدرة نفس بشرية أن تحفظ أموراً عظيمة كهذه فهناك مؤامرات تدبرها قوات الظلمة، لكن هذا يمكن بالروح القدس ونحن قد حصلنا كلنا علي الروح القدس في سر الميرون ومن يضرم الموهبة التي أخذها بدون عناد للروح القدس ينير له الروح طريق الإيمان الحقيقي

 

آية 15 :- أنت تعلم هذا أن جميع الذين في اسيا إرتدوا عني الذين منهم فيجلس و هرموجانس.

هجر الرسول بعض من تلاميذه وهو فى السجن وكان هذا سبباً فى زيادة آلام هذا الرسول ذو المشاعر الرقيقة. الذين في آسيا = هم من آسيا ولكنهم الآن في روما ولعلهم بعد أن تركوه  في سجنه عادوا إلي آسيا وآسيا هي مقاطعة في آسيا الصغرى عاصمتها أفسس. ولاحظ أن الرسول لم يلم هؤلاء الذين تخلوا عنه، لكن مدح الذين خدموه وأظهروا نحوه حنواً و طلب أن تحل عليهم البركات.

 

آيات 16 – 18 :- ليعط الرب رحمة لبيت أنيسيفورس لأنه مرارا كثيرة أراحني و لم يخجل بسلسلتي. بل لما كان في رومية طلبني بأوفر إجتهاد فوجدني. ليعطه الرب أن يجد رحمة من الرب في ذلك اليوم و كل ما كان يخدم في أفسس أنت تعرفه جيدا.

طلب الرسول رحمة لبيت أنيسيفورس ويري معظم المفسرين أن انسيفورس كان قد إنتقل من العالم فى ذلك الحين، لذلك يطلب له الرسول أن يجد رحمة لدى الله في يوم الرب العظيم.  وقد أخذ هذا النص كمثال للصلاة من اجل الراقدين، فنطلب لهم الراحة لا بمعني أن الصلاة عنهم تسند الأشرار غير التائبين وإنما نطلب عنهم من أجل أي توان أو تفريط سقط فيه المؤمنون. وأيضا صلي الرسول أن يهب الله رحمة لبيته وكان انسيفورس قد آمن على يدي بولس في أيقونية وعمل كتاجر في أفسس، وقد أراح الرسول أثناء سجنه، وربما أهتم بتضميد جراحاته أو زاره في السجن معرضاً حياته للخطر. وأيضا ما يثبت أن انيسيفورس كان قد مات ما جاء في (2 تى 4 : 19).

 

الصلاة علي الموتي = نحن نصلي لأجل الخطايا التي ليست للموت كما قال معلمنا يوحنا (1يو 5: 16، 17). وما قاله يوحنا ينطبق علي الأموات الذين انتقلوا. وطالما أن القاضي لم يلفظ الحكم بعد. فهناك مجال للشفاعة في الراقدين ممن رقدوا في الإيمان لكنهم كبشر لا تخلو حياتهم من توان أو تفريط أو خطايا غير مميتة وفي (1يو 5 : 16، 17) يقول يوحنا أن الصلاة عن الاخوة تعطي حياة، وهذا يصدق علي الذين لا تؤدي خطاياهم إلي الموت. وغالبا فمعلمنا يوحنا يقصد الصلاة عن الراقدين. فنحن نصلي لجميع الناس حتي ولو كانت خطاياهم تؤدي للموت طالما هم أحياء، لعل الله يعطيهم توبة أما الذين لا فائدة من الصلاة لأجلهم فهم الراقدون الذين ماتوا في غير الإيمان، أو ماتوا بغير توبة، أما الذين ماتوا في الإيمان ولكن لا تخلوا حياتهم من هفوات غير مميتة أي لا تؤدي للموت فالصلاة عنهم والترحم عليهم بعد رقادهم يفيدهم. خصوصاً أن المسيح له المجد قد قرر أن هناك من الخطايا لا تغفر لا في هذا الدهر ولا الدهر الآتي (مت 12 : 31، 32) + (مر 3 : 29). مما يتضح معه أن هناك من الخطايا ما يمكن أن يغفر في الحياة الأخرى مثل الخطايا غير المميتة كالسهوات والهفوات. لذلك فالكنيسة لا تصلي علي المنتحرين مثلاً ولا الهراطقة.


 

الإصحاح الثاني

آية 1 : - فتقو أنت يا إبني بالنعمة التي في المسيح يسوع.

الرسول يقدم النعمة الإلهية كسر القوة فى الجهاد، أما بطرس الذى إعتمد على قوته وغيرته البشرية أنكر والنعمة تزداد بجهادنا فى الصلاة وإستعمال وسائط النعمة من أسرار الكنيسة (إيجابيات) والهروب من الشر (سلبيات) والنعمة كالرصيد ينبغي أن نزيده فهى تستنفذ فى مقاومة حروب إبليس و فى الخدمة. ولنرى ماذا قدم الرسول لتلميذه لتزداد له النعمة:

1.     إهرب من الشهوات الشبابية (22:2) سلبيات.

2.     اعكف على القراءة والوعظ والتعليم (1تى 4: 13) + إضرم موهبة الله التى فيك (6:1) إيجابيات.

 يا إبنى = تمثل بى أنا أبوك فى الإيمان فكما واجهتنى آلام لكننى مازلت قوياً، فإفعل  هذا، وتحمل كما تحملت أنا معلمك وأبوك.

 

آية 2 :- و ما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسا أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضا.

التقليد هو تسليم وتسلم، فالتلاميذ أقاموا تلاميذ لهم وسلموهم ما إستلموه من المسيح. وبولس إستلم من المسيح وسلم تيموثاوس وعلى تيموثاوس أن يودع ما إستلمه لمن هو قادر أن يسلم غيره. والراعى الصالح هو الذى يقيم تلاميذ قادرين على الخدمة. بشهود كثيرين = فتعاليم المسيحية ليست أسرار ولا فى الخفاء أودعه = ككنز

 

آيات 3 – 6 :- فإشترك أنت في إحتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح. ليس إحد و هو يتجند يرتبك بأعمال الحياة لكي يرضي من جنده. و أيضا ان كان احد يجاهد لا يكلل إن لم يجاهد قانونيا. يجب أن الحراث الذي يتعب يشترك هو اولا في الأثمار.

يقدم الرسول ثلاثة أمثلة للجهاد الروحى :-

1.     الجندي الصالح :- ايات 4،3 وهذا يحارب لحساب ملكه أو رئيسه بأمانة. وهكذا المسيحى يحارب ضد إبليس وضد الخطية تحت قيادة رب المجد نفسه الذى جنده (عب 10:2) وقائدنا غلب فى معركة الصليب وما زال يغلب فينا، فإن غلبنا ننسب الفضل كله له. (رؤ 2:6) وكما للجندية مشقاتها هكذا للخدمة آلامها ولكن على الجندى أن يضحى بنفسه. هنا نرى ان المؤمن يجب أن يجاهد لأجل المسيح الملك.

2.     المتسابقون فى الألعاب الرياضية :- آية 5 وهؤلاء يناضلون لكى يحصلوا على إكليل، ويتحملون تداريب يومية ويمتنعون عن بعض الأطعمة والملذات حتى ينعموا بالفوز (الفائز كانوا يلبسونه إكليل).

3.     الحراث :- آية 6 وهذا يتعب لأجل الثمر، ومن يحرث ويتعب من المؤكد يشترك فى الثمر فهو يستحق نصيبه، وهكذا نحن فى جهادنا من المؤكد لنا نصيبنا المحفوظ عند الرب. ومن يتعب فى خدمته ينال هنا عزاء داخلى وهناك مجد أبدى إكليل مجد سمائى.

وعدم الارتباك بأعمال الحياة لها معنيين:

1.     للشعب العادى تعنى تكريس القلب لله فيكون القلب والشعور والحب لله ولكن يحيا الإنسان حياته بطريقة عادية ويكون طبيعياً فى عمله، على أن يفهم أن العمل وسيلة وليس غاية.

2.     الكاهن والمكرسين لله عليهم أن لا يعملوا سوى خدمتهم، ولا يكون لهم عمل خارجى بالإضافة لتكريس القلب لله (1كو9: 7 – 14) + (مت10 : 10) + (لو 10 : 7).

يجاهد قانونيا :- يصل فى جهاده الى حد موت شهواته وأهوائه وعليه أن يقبل كل صليب، كما يضحى الجندى بحياته لآجل الملك، على المسيحي أن يقدم نفسه ذبيحة حية (غل20:2) + (غل24:5) + (رو1:12). لكن عليه أن لا يعرف يساره ما تفعله يمينه أي لا يشعر بالبر الذاتى، أو لا ينسب لنفسه الفوز، وكما أن الفوز فى المعارك العادية ينسب للملك لا للجندى. هكذا النصرة فى معاركنا الروحية تنسب للمسيح (رو 3 : 27، 28)، نحسب أنفسنا كلا شئ والمسيح هو كل شئ، لا نرى فى أنفسنا سوى أننا عبيد بطالون وانه هو الإله الصالح المتحنن، وأيضاً لا نيأس من بلوغ المستويات العالية فاليأس ضد فكرة أن المسيح هو الذى ينتصر وليس أنا، فعلىّ الجهاد برجاء ودون كبرياء أو شعور بالبر الذاتى. والجهاد يكون بالصوم كما يفعل المتسابقون الرياضيون والصلوات الطويلة ودراسة الكتاب والسهر ومحاولة تنفيذ الوصايا (فلا معنى مثلاً للصلوات والخدمة دون محبة) فاللاعب له مدرب وكل لعبة لها قوانينها، وحياتنا مع المسيح لها وصايا علينا أن نجاهد لننفذها. والحراث يحرث الأرض ليزرعها وينتظر بثقة نمو النبات ليفرح، وهكذا فلنجاهد بثقة وصبر لنكلل بدون إرتباك بأمور الحياة، فلنعمل ولكن القلب يكون مكرساً لله، ليكن العمل وسيلة نعيش بها ولكن لا يكون هدف يشغل القلب راجع تفسير (1تى 8:1).

 

آية 7 :-إفهم ما أقول فليعطك الرب فهما في كل شيء.

على تيموثاوس أن يتأمل فى نصائح معلمه ويأخذها بإهتمام = إفهم فليعطك الرب فهماً = لن يفهم الوصية كما ينبغى إن لم يفتح الروح بصيرته. فالروح هو روح النصح (2تي 1: 7).

 

آيات 8 : 10 :- أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي.الذي فيه أحتمل المشقات حتى القيود كمذنب لكن كلمة الله لا تقيد.لأجل ذلك أنا أصبر على كل شيء لأجل المختارين لكي يحصلوا هم أيضا على الخلاص الذي في المسيح يسوع مع مجد أبدي.

ليشجع الرسول تلميذه على إحتمال المشقات يذكره بالرب يسوع الذى إحتمل الصليب، وكما تمجد المسيح هكذا سيتمجد كل مجاهد.

المقام من الأموات = وسيقيم معه كل مؤمن مجاهد، بحسب إنجيلي هذا موضوع كرازة بولس، أنه كما أن الموت لم يستطع أن يحبس المسيح فقام، هكذا سيقيمنا معه = كلمة الله لا تقيد = المسيح هو كلمة الله ولا يستطيع الموت أن يحبسه أو يقيده فهو الخالق المحيى. وهكذا فى خدام الله مثل بولس يمكن أن يقيدوهم لكن كلمة الله التى يكرزوا بها لا تقيد. وبعد أن قدم المسيح كمثال قدم نفسه كمثال فهو أيضاً يحتمل المشقات. وبولس يقيدوه أما كلمة الله فلا تقيد، وهو لا يهتم بنفسه لكي يحصل من يكرز لهم على الحياة الأبدية = يحصلوا هم أيضاً على الخلاص. لأجل المختارين = هو يكرز للجميع ولكن الله عرف أناس إنهم سيقبلون البشارة فأختارهم، وهؤلاء تألم المسيح عنهم فيجب على خدام المسيح أن يكرزوا لهم ويتألموا لأجلهم.

 

آيات 11 – 13 :- صادقة هي الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضا معه. إن كنا نصبر فسنملك أيضا معه إن كنا ننكره فهو ايضا سينكرنا. ان كنا غير امناء فهو يبقى أمينا لن يقدر أن ينكر نفسه.

إن كنا قد متنا معه فسنحيا أيضا معه = غالباً هى ترتيله كانت معروفة فى ذلك الوقت. متنا معه = فى المعمودية (رو 6: 4-6) ومتنا معه عن الخطية (2كو 10:4) ومستعدين للموت بالإستشهاد إن إقتضى الأمر ذلك. إن كنا نصبر = نحتمل الآلام بصبر لكى نملك معه = فسنملك أيضا معه = نملك أي نرث ملكوت السموات (متى 34:25) + (عب 28:12) + (رؤ 21:3 + 10:5 +4:20 + 5:22) + (2كو 17:4، 18) + (رو17:8، 18). وإن أنكرناه ينكرنا (مت 10 : 32، 33)  فهو يبقى أميناً = إن كان البعض أنكره فهو سيظل أميناً مع الباقين الذين لم ينكروه فالأمانة هى طبعه (عد 19:23) + (رو 3:3، 4) وهؤلاء الذين لم ينكروه خوفاً من الإضطهاد سيتمم لهم وعوده.

لن يقدر أن ينكر نفسه = إن أنكر أحد أنه المسيح فهو سيظل المسيح وإن أنكر أحد تجسده فهذا لن يغير من الأمر شيئ،عدم إيماننا لن يضره، كما أنه لن يغير شيئاً من الحقيقة. وتفيد الآية أن وعوده للأمناء لن تسقط

 

تعليق على الآيات السابقة 5-13

هنا نرى أن المؤمن ما هو إلا جندى صالح فى جيش الرب، هو مكلف بأن يحارب تحت اسم الملك وراية الملك دون أن يرتبك بأمور الحياة وهذا ما قاله السيد المسيح " لاتهتموا لحياتكم بما تأكلون... (مت 25:6-34) وينهي هذه الآيات الرائعة بقوله فلا تهتموا للغد. والسيد المسيح يقول لمرثا، مرثا مرثا أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة الى واحد (لو 38:10-42). فلنعمل طول النهار لكن بإشتياق للخلوة مع الرب يسوع كما كانت مريم تجلس عند قدمى يسوع، وهذه الخلوة تكون يوميا يسمع فيها الرب صوت تسابيحنا ونسمع نحن فيها صوته الذى يعطى سلاما والجهاد يجب أن يكون قانونياً أي لا نسرق من الرب يسوع عطاياه وننسبها لأنفسنا فإذا ما جلسنا عند قدمى يسوع سنأخذ حياة وغلبة وقوة وتعزية وعيون مفتوحة، ولكن علينا أن لا ننسب كل هذا لأنفسنا فكل عطية صالحة هى نازلة من فوق من عند أبى الأنوار (يع 1 : 17) فلماذا ننسب الصالح لأنفسنا، إذا كنا قد أخذنا فلماذا نفتخر كأننا لم نأخذ (1كو 6:4،7). بل ماذا يكون الحال لو تخلت عنا نعمة المسيح. حينئذ سنرى حقيقة أنفسنا ونجاسة قلوبنا، بل هذا ما سنكتشفه إذا ما جلسنا عند قدمى يسوع ولذلك قال المسيح "إن  فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون" وكون أننا ننسب الصالح الذى يعطيه لنا الرب لأنفسنا فهذا هو ما عناه السيد المسيح بلا تعرف شمالك ما تصنع يمينك.

وعلى الجندى الصالح ان يجاهد حتى إلى الموت (عب 12 : 4). ويكون جهادنا كمتسابق يبحث عن الإكليل يدرب نفسه ويحرم نفسه (بصلوات وأصوام وخدمة باذلة) وعلى الخادم ان يكون كحراث، يأخذ من الثمار ولكن الثمار كلها للمالك (أي المسيح) الخراف لصاحب القطيع أما الراعى فله أن يشرب من لبن القطيع (الخادم يشبع ويتعزى ولكن القطيع هو للمسيح).

 

آية 14 :- فكر بهذه الأمور مناشدا قدام الرب أن لا يتماحكوا بالكلام الأمر غير النافع لشيء لهدم السامعين.

فكر=  ذكر شعبك. مناشداً = مناشداً شعبك. لا يتماحكوا = أمثلة ونماذج للمحاكات الكلامية (1تى 1 : 4 + 6 : 4) + (تى 3 : 9 + 1 : 14) فالمماحكات الكلامية تهدم الروحيات، والمماحكات هي كثرة الكلام غير البناء يتماحكوا = مناقشات غير مجدية حول كلمة فالرسول يعرف طبع البشر وميلهم للنزاعات والمناقشات لأثبات الذات.

 

آية 15 :- إجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى عاملا لا يخزى مفصلا كلمة الحق بالإستقامة.

عوض الكلام غير البناء أهتم بأن تجاهد وتكون حياتك العملية في تقوي لتتزكى أمام الله وتكون قدوة للناس. مفصلاً كلمة الحق بالإستقامة = تكلم بالحق لترضي الله ولا تعوج كلمة الله لترضي الناس. والمعني أن لا تجاري الغنوسيين في مبارياتهم الإستعراضية لفلسفتهم بل إهتم بأن تكون حياتك في تقوي وتعلم كلمة الحق ومن يفعل هذا لا يخزي.

 

آيات 16 – 19 :- و أما الأقوال الباطلة الدنسة فإجتنبها لأنهم يتقدمون إلى أكثر فجور. و كلمتهم ترعى كاكلة الذين منهم هيمينايس و فيليتس.اللذان زاغا عن الحق قائلين أن القيامة قد صارت فيقلبان إيمان قوم. و لكن أساس الله الراسخ قد ثبت إذ له هذا الختم يعلم الرب الذين هم له و ليتجنب الإثم كل من يسمي اسم المسيح.

إعلان الراعي في حزم عن بطلان الأفكار الهدامة هو بتر لها وقد يبتر بعض الأعضاء لكن هذا يكون لصالح الجسم، فأفكار الهراطقة هي كأنها آكلة = غرغرينا جزء فاسد في الجسم يجب بتره حتي لا ينتشر المرض في الجسم كله وتهلك الكنيسة فالغنوسيون اعتقدوا أن الجسد شر ولأنه شر رفضوا القيامة فكيف  يقوم الشرير، ولأنه شر منعوا الزواج وبعض الأطعمة، ولكنهم أباحوا الزنا لأن الجسد في نظرهم عنصر ظلمة فلماذا لا يتركوا العنان لشهواته، وهكذا كانوا ينحدرون من شر إلي ما هو أشر، وشرهم هذا ينتشر بين الناس من واحد إلى واحد ومن شعب إلي شعب آخر، كما إنتشرت بدعة أريوس، وعلي الراعي أن لا يدخل في حوارات فلسفية معهم بل يبترهم ويتجنب الشر.

هيمينايس وفيليتس = هذين قالا إن القيامة قد حدثت للنفس وأنكروا أن هناك قيامة في المستقبل للأجساد.  والحقيقة أن هناك قيامتان، قيامة للنفس الآن "إبني هذا كان ميتا فعاش" وقيامة في نهاية الأيام للجسد وهذا ما أشار إليه السيد المسيح (يو 5 : 25 -29).

 أساس الله الراسخ قد ثبت = مهما دخلت الضلالات والهرطقات فلا خوف فمن هم للمسيح سوف يرفضون هذه الهرطقات، الكنيسة لا خوف عليها ومن ينشق فقد حكم علي نفسه، مهما دخلت الهرطقات فأساس الله ثابت وكنيسته قائمة وسيظل أولاده معروفون ومحفوظون، مختوم عليهم بختم الروح القدس، هؤلاء متأسسون علي المسيح نفسه.

الختم : كانت العادة في أي بناء وما زلت وضع وثائق تبين هوية البناء وغرض أقامته، توضع مع حجر الأساس. وهذا ما تم بالنسبة للكنيسة، إذ كان الختم الذي وضع عند بنائها له وجهين:

1.     الأول "يعلم الرب الذين هم له" = الله يعلم كل واحد وقد إختارهم بسابق علمه الإلهي (رو 8 : 29 30). ولكن ليسأل كل واحد نفسه هل هو لله أم للشيطان ولكل إنسان حريته (تث 30: 15 – 20) + (يش 24 : 14، 15) + (تث 11 : 26 -28).

2.     لوجه الثاني للختم : - الذين هم لله يتجنبون كل إثم = يتجنب الإثم كل من يسمي إسم المسيح. فكل من يدخل الكنيسة ويعلن إنضمامه لها عليه أن يتجنب كل إثم ومن يفعل الإثم يرفضه الله يوم الدينونة (مت 7 : 22، 23) + (لو 13 : 27). ومن له هذا الختم (الروح القدس) سيكون له مجد أبدي.

 

آية 20 :- و لكن في بيت كبير ليس آنية من ذهب و فضة فقط بل من خشب و خزف أيضا و تلك للكرامة و هذه للهوان.

يوجد كثيرون يدعون مؤمنين في الكنيسة ولكن هناك من له الختم، وهؤلاء آنية ذهب وفضة، ومن ليس له الختم هم آنية خشب وخزف، الأولى للكرامة والثانية للهوان. الذهب يشير لطبيعتهم الجديدة السماوية، والفضة تشير لأنهم يحبون كلمة الله المصفاة كفضة سبع مرات (مز 12: 6) أما الخشب فهم أولئك الذين يحترقون بنار الشهوات فلا يوجدون. والخزف هم من يحملون الفكر الترابي ويطلبون الماديات فقط ولا يقدّرون على معاينة السماويات أو التعرف عليه. يقول فم الذهب لا تتعجبوا من وجود أشرار في الكنيسة (آنية خشب) فلا بد من وجود كل الأنواع في الكنيسة كما يوجد كل أنواع الآنية في بيت كبير ووجود هذه الآنية الخشبية لن يكون سبباً في ضياع أو فتور الكنيسة. وكما أن صاحب المنزل لن يستخدم الآنية الخشبية إلا فيما يناسبها، فالله يستخدم الأشرار فيما يناسبهم. كل له دوره.  وفي يد كل إنسان أن يتحول نوعه كإناء. فبولس كان آنية خشبية وتحول لآنية ذهب، ويهوذا العكس تماماً. وحينما قال الرسول في (2 كو 4 : 7) أننا لنا كنز في أوان خزفية كان يقصد المادة المصنوع منها الجسد أي الطين ولا يقصد جوهر الإنسان ولأننا آنية خزفية ننكسر ونموت فهذه هي طبيعة الجسد.

يعلم الرب الذين هم له = إذاً لا نحكم نحن علي إنسان فالله وحده هو الذي يعلم طبيعة كل نفس.  وعلي الخادم أن يقدم الخدمة للجميع دون أن يفكر في أن يحكم علي أحد.

 

آية 21 :- فإن طهر أحد نفسه من هذه يكون إناء للكرامة مقدسا نافعا للسيد مستعدا لكل عمل صالح.

عندما نغطس في جرن العمودية نتعري من خطايانا إذ نتخلص من الإنسان القديم ونتجدد، وعندما نخرج من المعمودية نلبس المسيح مخلصنا. وبعد المسح بالميرون ندمغ بختم الروح القدس علامة جنديتنا وعلامة حماية الله لنا. والإنسان بحريته يعود ليعيش بالإنسان العتيق وبحريته ينضم للكنيسة ويعيش بالإنسان الجديد، الفرصة متاحة للجميع للخلاص فإن طهر أحد نفسه من هذه = الله يدعو الجميع للتوبة ومن يستجيب يطهره الله. هذه الآية تظهر أن الله لم يخلق إنسان ليكون آنية ذهب وأخر ليكون خشب، بل الأمر في يد كل إنسان ليتحول من خشب إلي ذهب والعكس. لقد كان بولس أناء خزفيا فصار ذهباً ويهوذا كان ذهباً فصار خشباً وإحترق.

 

آية 22 :- أما الشهوات الشبابية فإهرب منها و إتبع البر و الايمان و المحبة و السلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي.

الشهوات الشبابية فإهرب منها = كان تيموثاوس شاباً وبتولاً وعلي كل إنسان أن لا يظن أنه محصن ضد الشر مهما كان ماضيه أو درجته الكنسية أوعمره ولا يحسب هروبه ضعفاً بل علامة جدية. والشهوات الشبابية ليست هي فقط شهوة الزنا بل حب السلطة والملذات الجسدية والغني والإعجاب بالقوة وحب المدح وحب الإفتخار بالذات.

وإتبع البرو... = أن يهرب من كل ما هو معثر أو كل ما هو مثير، هذا هو الجانب السلبي، وهذا لا يكفي، بل عليه أن يسعي وراء الإيجابيات وأن يلتزم باتباع  البر أي كل فضيلة. وأن تكون معاشراته مع الأطهار = مع الذين يدعون الرب من قلب تقي = التصق بهؤلاء لتساندوا بعضكم وعموماً فليس المهم ترك المعثرات بل أن يكون الوقت كله مشغولاً في ما هو بناء،  فهناك مثل معروف " اليد البطالة نجسة) فعلي الشاب أن يملأ حياته من أعمال البر والإيمان والمحبة ويتعاون مع إخوته الذين لهم نفس الهدف فتهرب الشهوات الشبابية منهم فهى لن تجد في القلب فراغاً فضلاً عن أن أعمال البر تتسامي بالروح والأفكار وتشد الإنسان لكل ما هو حق ولاحظ أن هناك من يدعو الرب وقلبه غير نقي.

 

آيات 23 – 26 :- و المباحثات الغبية و السخيفة إجتنبها عالما أنها تولد خصومات. و عبد الرب لا يجب أن يخاصم بل يكون مترفقا بالجميع صالحا للتعليم صبورا على المشقات. مؤدبا بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق. فيستفيقوا من فخ ابليس اذ قد اقتنصهم لارادته.

لا يقف تقديس الحياة الداخلية عند الهروب من الشهوات الشبابية وإتباع البر بل هناك جانب هام آخر وهو رفض الخصومات المفسدة لنقاوة النفس تحت ستار الدفاع عن الحق، فالراعي عليه أن يدعو للحق دون منازعات سخيفة تفسد نقاوة قلبه وسلامه الداخلي ولا يجب أن تكون هناك خصومات لأن الله إله سلام (مت 12 : 19) مترفقاً بالجميع = صبورا علي أخطائهم ويحتملها ولا ييأس من أحد ولا يخاصم أحد ولاحظ أن الوداعة مع المخطئين ربما تجعلهم يستفيقوا.


 

الإصحاح الثالث

آية 1 :- و لكن إعلم هذا أنه في الأيام الأخيرة ستاتي أزمنة صعبة.

يطلق علي أيام العهد الجديد الأيام الأخيرة. ومع ظهور عمل المسيح الفدائي هاج الشيطان ضد الكنيسة الوليدة في حروب خارجية وداخلية وفي نهاية الزمان وقبل المجئ الثاني تسمي أيضاً هذه الأيام الأيام الأخيرة وكلما تتقدم الأيام يزداد الشر الذي نراه موجوداً الآن، وكلما زاد اقترابنا من النهاية سيزداد الشر، بل وفي النهاية ينطلق ضد المسيح. وهنا تشجيع من المعلم لتلميذه حتى لا ييأس  من المقاومات والضيقات من أعداء الإيمان، وهؤلاء نجدهم فى خارج الكنيسة وفى داخل الكنيسة. وهذا التشجيع هو لنا نحن أيضاً. فالشيطان دائماً يقاوم الحق ولكن ما يطمئننا أن الكنيسة لن تقوى عليها أبواب الجحيم، فالله يعلن محبته فى كل عصر وأيضاً الشيطان يثير أتباعه في هجوم يائس في كل عصر إذاً علينا أن لا نضطرب إذا رأينا أزمنة صعبة أو هرطقات كثيرة تنتشر فالله سبق وأخبرنا بهذه الحروب الشيطانية وأنها لا بد وستحدث.

 

آيات 2 – 5 :- لأن الناس يكونون محبين لأنفسهم محبين للمال متعظمين مستكبرين مجدفين غير طائعين لوالديهم غير شاكرين دنسين. بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة شرسين غير محبين للصلاح. خائنين مقتحمين متصلفين محبين للذات دون محبة لله.لهم صورة التقوى و لكنهم منكرون قوتها فإعرض عن هؤلاء.

نجد هنا صورة سيئة لما ينجح الشيطان أن يسقط فيه آنية الخشب والخزف. ولاحظ أن كل خطية تقود للخطية التي تليها.

محبة النفس = يقول أغسطينوس أن هناك مدينتان تبنيان، مدينة لله تبتدئ بمحبة الله وتقوم وتعلو حتي تنتهي إلى بغضة النفس، وهناك مدينة للشيطان بدايتها محبة النفس ونهايتها بغض الله مروراً ببغض القريب الذى هو على صورة الله ثم بغض الله نفسه خالق الكل إذاً جذر الشر (أول خطية مذكورة في هذه السلسلة) هي محبة الإنسان لذاته فيتقوقع حولها ويقيمها الهاً، يود لو الكل يخدمها، عوضاً أن يخدم هو الآخرين، فيضر نفسه وهو لا يدري. محبة الذات أو الأنا أو الكبرياء هي أساس لكل هرطقة ولكل شر، وصاحبها قلبه منغلق لا يستطيع أن يري الله بل يرى نفسه فقط، أما من يحب الله فسيحب الناس ويخدمهم، سيكون متشبها بالمسيح الذي جاء ليخدم لا ليخدم، من يتشبه بالمسيح يعرف المسيح ويراه وهذه هي الحياة (يو 17 : 3).

محبة المال = المحب لذاته يطلب كل شئ لحسابها، مال أو كرامة وعلي حساب أخوته

متعظمين = المحب للمال يطلب الكرامة لنفسه والمجد الزمني.

مجدفين = هذه النفس المتكبرة تحتقر إلهها إذ هي غير قادرة أن تعرف محبته.

غير طائعين لوالديهم = الذي يجدف علي الله  يجدف ويحتقر والديه، ويعصي ويتحدي.

غير شاكرين = فهم بكل ما عندهم نجدهم ليسوا في حالة شبع، هم في حالة يكرهون فيها كل البشر ولا يشعرون بجميل أحد. أما أولاد الله يحيون في شبع وشكر، أما محب المال فهو لا يشبع أبداً. وبالتالي لا يشكر.

دنسين = الفراغ الذي يحيون فيه يلهبهم نحو الأمور الدنسة لعلها تشبعهم.

بلا حنو= الحنو الذي يظهره هو لإشباع ملذاته الخاصة كما طردت وسجنت إمراة فوطيفار يوسف، الأنا جعلتها تكرهه فجأة، فما كان ليس حباً بل شهوة.

بلا رضي  = الكلمة اليونانية تشير لمن ينقض عهده مع الآخرين.

ثالبين = إتهام الآخرين زوراً.

عديمي النزاهة = عدم قدرة الإنسان علي ضبط نفسه ولسانه وشهواته.

شرسين = الخطية تفقد الإنسان إنسانيته ليحيا شرساً.

مقتحمين = يتدخلون بالشر فيما لا يعنيهم.

لهم صورة التقوي ولكنهم منكرون قوتها = يحملون منظر خارجي براق مخادع أما الداخل فمملوء فساداً، وهؤلاء يرون أنهم أفضل من الآخرين فيرفضون أن يتعلموا أو يقبلوا نصحاً إذ يعيشون في  رياء. ولا حظ أن التقوي لها قوة، فمن يريد أن يعيش فى تقوى سيجد قوة تسانده ولكن هؤلاء  مهتمين بالمظاهر وليس بحياة التقوي الحقيقية.

 

آية 6 – 9 :- فإنه من هؤلاء هم الذين يدخلون البيوت و يسبون نسيات محملات خطايا منساقات بشهوات مختلفة.يتعلمن في كل حين و لا يستطعن ان يقبلن الى معرفة الحق ابدا. و كما قاوم ينيس و يمبريس موسى كذلك هؤلاء أيضا يقاومون الحق أناس فاسدة أذهانهم و من جهة الإيمان مرفوضون. لكنهم لا يتقدمون أكثر لأن حمقهم سيكون واضحا للجميع كما كان حمق ذينك ايضا.

بعض الهراطقة من الغنوسيين الذين يمنعون الزواج ويبيحون الزنا بدعوي أن الجسد شر، هؤلاء تظاهروا بأنهم يمارسون العمل الرسولي والكرازي، ودخلوا البيوت بدعوي الكرازة، لكنهم كانوا يجرون وراء شهواتهم، وللأسف تقابلوا مع نسيات = هي تصغير نساء إشارة وتعبير عن احتقار الرسول لهن وذلك لأنهن سلمن أجسادهن لهؤلاء الرسل الكذبة. وهؤلاء النسوة يتظاهرون بأنهم يريدون التعليم =  يتعلمن كل حين ولكن الحقيقة أنهن منساقات بشهوات مختلفة = ولأنهن هكذا فهن لا يستطعن  أن يقبلن إلي معرفة الحق أبداً، فهن نساء منحرفات فاسدات وهنا لا يلوم الرسول الهراطقة فقط بل يلوم من استسلم لهم. نسيات مترجمة في الإنجليزية نساء سهل خداعهن وذلك بسبب شهواتهن. ويقول الرسول: لا تتعجب يا تيموثاوس من وجود هؤلاء المقاومين، ففي كل زمان يوجد مقاومين للعمل الإلهي. وفي أيام موسى وُجد ينيس ويمبريس وهذه الأسماء حصل عليها بولس الرسول من التقليد اليهودي. وهما ساحران خدعا الشعب بحيلهما، إذ حولا العصى إلى ثعابين والماء إلى دم، أي أعمال تبدو مشابهة لما عمله موسى، لكنهما في الحقيقة أناس فاسدين، وفي كل عصر وجد أنبياء صالحين وأنبياء كذابين، فمقاومة إبليس وتزييفه للحق هما في كل مكان.ولكن دائماً أبداً يظهر صدق رجال الله وأمانة الله، والأن يا تيموثاوس لا تخف من هؤلاء الغشاشين فهم سيفتضح أمرهم.

لا يتقدمون = سبق الرسول وقال أنهم يتقدمون إلي أكثر فجور (2 تي 2 : 16). والمعني أنهم سيتقدمون أكثر في خطاياهم، ولكن الله سوف يكشفهم حتي لا يخدعوا أحدا أكثر. ولن يستميلوا أكثر من أولاد الله، لأن الله سيكشف حمقهم فلا يستطيعوا خداع أحداً بعد ذلك = حمقهم سيكون واضحاً.

 

آيات 10، 11 :- و اما أنت فقد تبعت تعليمي و سيرتي و قصدي و إيماني و أناتي و محبتي و صبري. و إضطهاداتي و الآمي مثل ما اصابني في انطاكية و أيقونية و لسترة اية إضطهادات إحتملت و من الجميع أنقذني الرب.

تبعت تعليمي = إشارة للمبادئ الإيمانية وسيرتي = يسير إلي سلوكه. وقصدي = غيرته وثباته. بولس يشير لنفسه كقدوة لتيموثاوس أصابني في إنطاكية = وهي أمثلة من آلام الرسول يعرفها تيموثاوس والمعني أن قبول الآلام والصليب هو جزءاً لا يتجزأ من التسليم الرسولي ولكن بجانب الآلام هناك تعزيات وسلام الله الذي يفوق كل عقل. (في 4 : 4، 7) + (2كو 1 : 5) والآلام تنقي (يو 15 : 2).  ومن الجميع أنقذني الرب = أنقذه بالتعزيات، وأنقذ حياته إلي أن يتم عمله، وبعد أن يتمم عمله يسمح الله له وبسلطان من الله أن يستشهد (يو 19 : 11). إذاً إن كانت الآلام وحتي الموت بسماح من الله فلنحتملها بثبات، وإن كان بولس إحتمل فلتحتمل يا تيموثاوس ولنحتمل جميعاً. هنا نري أن التسليم الرسولى ليس فقط عقائد إيمانية بل سيرة وحب وإحتمال ألم بثبات. الرسول يذكر إنطاكية وايقونية ولسترة بالذات لأنها وطن تيموثاوس.

 

آية 12 :- و جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون.

ليس بولس ولا تيموثاوس فقط هم الذين يتعرضون للآلام بل كل مسيحي مؤمن تقي "فليس عبد أفضل من سيده" (مت 10 : 24)، وإبليس لا يحتمل من يحيا في تقوي ويهاجمه ولكن الله في محبته يستخدم هذه الآلام لتنقية عبيده. عموماً لا يمكن لإنسان يسلك في حياة الفضيلة أن لا تقابله أحزان وآلام وضيقات (يو 16 : 33) لكن لنقابلها بثبات.

 

آية 13 :- و لكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردا مضلين و مضلين.

الأشرار عوضاً عن إحتمال الألم مثل رجال الله الأتقياء نجدهم يتقدمون لأكثر فجور. هؤلاء الأشرار بدلاً من أن يرجعوا عن غيهم ويتوبوا يتمادون سوءاً وشراً ويمسون أكثر تعنتاً وإثما وفجوراً ويزدادون ضلالاً، فمن يضل الآخرين لا بد وسيضل هو أيضاً. ولاحظ أنهم يحيون بلا تعزيات، وإن فرحوا فإلي حين فالعالم لا يقدر أن  يشبع أحد، هم يظنون الملذات الوقتية شبعاً فيزدادون رداءة.

 

آيات 14 – 17 :- و أما أنت فاثبت على ما تعلمت و ايقنت عارفا ممن تعلمت. و أنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله و نافع للتعليم و التوبيخ للتقويم و التأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا متأهبا لكل عمل صالح

الرسول يعلن أن سر قوة الإنسان الروحي هو التحصن بكلمة الله،  فالكتاب سند وبالأخص للراعي، وسط المشقات ومعين ضد هجمات المخادعين. الرسول يوضح لتلميذه تيموثاوس أن الكتاب المقدس عنده  قادر أن يجعله كاملاً حتي في غياب معلمه بولس. تحكّمك = تجعلك حكيماً والسبب أن  الكتاب هو موحي به من الله = لم يكتبه إنسان بل كتبه روح الله وأوحي به (مز 118: 98 – 104) + (2 بط 1 : 21). وكما أوحي به لمن كتب هو قادر أن يهب فهماً لمن يدرسه. وبولس كان يقصد العهد القديم ونفهم نحن الآن الآية أنها تشمل العهدين، وإن كان العهد القديم نافع هكذا فكم وكم يكون نافعاً الآن بعد أن اتضحت نبواته بإضافة العهد الجديد. الكتاب المقدس قادر أن يدخل بنا من خبرة إلي خبرة لنتعلم. والكتاب كنز لا ينتهي، ولا يصح أن يقول راعي أنا درست الكتاب وفهمته ويتوقف عن الدراسة، فنحن كل يوم نستخرج منه لآلي جديدة. لا يمكن أن يتأثر إنسان حتي ولا من كلمات القديسين كما يتأثر من الكتاب المقدس. فالكتاب كلمة نارية تلين قساوة النفس وتهيئها لكل عمل صالح، ينقي، ينزع الشهوات الطاغية، يعمق الفضلية، يتسامي بالعقل، يحمي من ضربات الشياطين، ينقلنا إلي السماء، يوبخ ويقوم ويهذب ويعلم في البر = تجعلك مقدسا.


 

الإصحاح الرابع

آية 1، 2:- انا أناشدك اذا أمام الله و الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء و الأموات عند ظهوره و ملكوته. إكرز بالكلمة إعكف على ذلك في وقت مناسب و غير مناسب وبخ انتهر عظ بكل أناة و تعليم.

يقدم الرسول وصايا وداعية لتلميذه، ويستحلفه ويناشده أمام الله والمسيح أن لا يتقاعس، وهو كأنه يقيم الآب والإبن شاهدين علي تيموثاوس حتي  يهتم بالكرازة. أمام الله = الرقيب علي كل الناس وعلي ضمائرهم المسيح العتيد أن يدين = فهو يذكره بالدينونة الرهيبة، فهو كأسقف مسئول أمام الله عن خدمته وسيحاسبه الله علي أمانته فيها يوم الدينونة. الأحياء = هم الذين سيكونون أحياء وقت مجيء المسيح الأموات = هم الذين سبقوا فرقدوا. وهناك تفسير آخر فالأحياء هم الأبرار الذين خلصوا والأموات هم الأشرار الذين هلكوا إذاً يا خادم الله جاهد حتي تكون رعيتك أحياء في ذلك اليوم. اكرز = المناداة بالإنجيل. اعكف = الإقامة في الأمر وملازمته والإقبال عليه وعدم الإنصراف عنه وبخ = النهي عن أمر مكروه. عظ = التذكير بما يحمل علي التوبة إلي الله وإصلاح السيرة تعليم = نقل معرفة. فالتوبيخ دون تعليم وإقناع يجعل الناس تنفر. فالتوبيخ لا يكون بغضب أو إحتقار أو كراهية بل بتعليم وتشجيع كمن يتعاطف مع المخطئ

في وقت مناسب وغير مناسب = حتي في الوقت الذي يظن أو يظن الناس أنه غير مناسب، أخلق الفرصة في كل وقت. في الوقت الذي تظن أن الوعظ لن يأتـي بثمار، لا تكف فلربما كان هذا الوقت هو الذى سيعمل فيه الله ويأتى بثمار، وربما تكون هذه آخر فرصة لهذه النفس.

 

آية 3، 4 :- إنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم. فيصرفون مسامعهم عن الحق و ينحرفون إلى الخرافات.

انتهز الفرصة الآن، وعلم فإنه سيأتي أيام يرفضون التعليم ولا يحتمل الناس سماع التعليم الصحيح وتتصلف القلوب، إذاً الزمن ليس في صالحنا إن أهملنا الخدمة، فالقلب المستعد الآن لقبول الكلمة قد لا تجده مستعداً غداً. معلمين مستحكة مسامعهم = أي يطلبون لهم معلمين يسمعونهم بحسب أهوائهم، يعظونهم بما يسر قلوبهم ويدغدغ مشاعرهم فيزدادون ضلالاً. مستحكة = أذان أصابتها الحكة (أكلان) لا تطيق التعليم الصحيح، بل ترغب في سماع كل ما هو غريب وجديد. ويوجد معلمين لا يهتمون بما هو حق بل بما يرضي الناس ليكسبوا جماهير كثيرة.

 

آية 5 :- و أما أنت فاصح في كل شيء إحتمل المشقات إعمل عمل المبشر تمم خدمتك.

هنا يشجعه حتي لا ييأس مما قاله له، فما عليه إلا أن يكون صاحياً متيقظاً حتي لا تدخل الذئاب بين الحملان فتفترسهم = فاصح هذه أول صفة للأسقف كحارس للإيمان والثانية إحتمال المشقات.

 

آية 6 :- فإني أنا الأن أسكب سكيبا و وقت إنحلالي قد حضر.

وقت إنحلالي قد حضر = كلمة إنحلال في اليونانية تعني حل ربط السفينة من مرساها لتغادر الميناء، وهي إشارة أيضاً لحل أوتاد الخيمة استعداداً للرحيل. والمعني التحرر من قيود الجسد بالموت.

أسكب سكيباً = هو تعبير يعنى الموت والإستشهاد فما يسكب لا يمكن جمعه ثانية، كانوا يسكبون خمراً مع تقديم الذبائح (خر 29 : 40، 41) والخمر رمز للفرح في الكتاب المقدس وكأن الرسول ينظر لنفسه علي أنه ذبيحة ودمه الذي سيسفك في سبيل أيمانه بالمسيح هو السكيب الذي يراق علي الذبيحة، ومن يبذل نفسه في ثباته علي الإيمان بالمسيح يفرح الله بل سيكون أيضاً فرح لمن يسكب نفسه وهذا معني سكيب الخمر أنه فرح حينما يسكب بولس نفسه. فهذا يمنح بولس فرحاً عجيباً وتعزية داخلية. ولاحظ أن الرسول يحث تلميذه علي إحتمال الآلام فيقدم آلامه هو في أروع صوره، والسكب هو أكثر من تقديم النفس ذبيحة فالذبيحة جزء منها يكون للذبح وجزء للآخرين، أما السكيب فكله لله، هو بذل النفس بالكلية لله.

 

آيات 7، 8 :- قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الإيمان. و أخيرا قد وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل و ليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا.

يليق بك أن تفرح يا تيموثاوس. لأنني جاهدت وأكملت السعي هذه الآية ليست للفخر بل لتعزية تيموثاوس. ومن يجاهد لأجل المسيح يعطيه المسيح إكليل. أكملت السعي = يليق بنا أن نجاهد محتملين الآلام بثبات. فأكملت السعي تشير لمن يجري ويسعي لأدراك شئ. حفظت الإيمان = ضد كل محاولات الهراطقة،  أخيراً وضع لي إكليل البر = الإكليل الذي يعطي لمن تبرر (عاش في الفضيلة، كانت له حياته هي حياة المسيح البار (في 1 : 21)) وهذا ليس لي فقط بل لجميع الذين يحبون ظهوره = إذاً هو لك يا تيموثاوس ونفهم من باقي رسائل بولس الرسول أن جهاده وسعيه كانا بقوة المسيح (2 كو 3 : 5) + (1كو 15 : 57) + (رو 9 : 16) + (1كو 7 : 25) + (أف 2 : 9).

 

آية 9 :- بادر أن تجيء إلي سريعا.

الرسول يعلن حاجته لتلميذه إذ تخلي عنه الكثيرون، وربما لأنه أدرك أن وقت رحيله قد إقترب ويريد أن يوصيه الوصايا الأخيرة

 

آية 10 :- لأن ديماس قد تركني إذ احب العالم الحاضر و ذهب إلى تسالونيكي و كريسكيس إلى غلاطية و تيطس إلى دلماطية.

ديماس واحد من الذين تركوا بولس إذ احب الطريق السهل البعيد عن المخاطر، وتعلق بمحبة الدنيا وأباطيلها، أما كريسكيس وتيطس فقد تركاه بخصوص أمور خاصة بالخدمة.

 

آية 11، 12 :- لوقا وحده معي خذ مرقس و إحضره معك لأنه نافع لي للخدمة. اما تيخيكس فقد ارسلته الى افسس

حدث خلافا من قبل بين بولس من ناحية وبرنابا ومرقس من ناحية ولم يقبل بولس أن يستمر في خدمته مع مرقس فإنفصل برنابا  ومرقس عنه وكان هذا لصالح كنيسة الإسكندرية، فبعد هذا الإنفصال أتي مارمرقس لمصر ليصبح كاروز ديارنا المصرية، وبعد هذا كما نري في هذه الآية يكتشف بولس الرسول أن مرقس نافع للخدمة.

 

آية 13 :- الرداء الذي تركته في ترواس عند كاربس إحضره متى جئت و الكتب أيضا و لا سيما الرقوق.

ربما ترك ترواس في الصيف والآن شتاء فطلب الرداء حتي لا يثقل علي أحد ويطلب منه رداء. وربما أراد منح الكتب لمؤمني روما لتعزيتهم

 

آيات 14، 15 :- إسكندر النحاس أظهر لي شرورا كثيرة ليجازه الرب حسب أعماله. فإحتفظ منه أنت أيضا لأنه قاوم أقوالنا جدا.

سبق وأسلم بولس هذا الإسكندر للشيطان ليؤدبه (1تي 1 : 20) ولكنه لم يستفد من التأديب، والآن يتركه بولس لله ليعاقبه، وينبه تيموثاوس أن ينتظر منه أو من غيره مضايقات لكن عليه أن يسلم الأمر لله كما فعل هو.  سينقذني = هو لا يري الخلاص فقط  في نجاته من الموت، بل أن الله سيحفظه من كل أمر ردئ أي من كل خطية حتي ينطلق للسماء مستعداً.

 

آيات 16 – 18 :- في إحتجاجي الأول لم يحضر أحد معي بل الجميع تركوني لا يحسب عليهم. و لكن الرب وقف معي و قواني لكي تتم بي الكرازة و يسمع جميع الأمم فانقذت من فم الاسد. و سينقذني الرب من كل عمل رديء و يخلصني لملكوته السماوي الذي له المجد الى دهر الدهور امين.

في احتجاجي الأول = حين وقف أمام نيرون لأول مرة ليدافع عن نفسه تخلي عنه الكثيرين وهو هنا يسامحهم = لا يحسب عليهم مع ما تركه هذا في نفسه من مرارة. ولكنه يشهد لله أنه وقف معه وقواه، وهذا وعد السيد لا تخافوا إذ تقفون أمام ولاة وملوك (مت 10 : 16 -20) بل هو كرز حتى أمام نيرون = لكي تتم بي الكرازة ويسمع جميع الأمم. وهو هنا يسمي نيرون أسداً = فأنقذت من فم الأسد = الله نجاه في احتجاجه الأول إذ كان ما زال له عمل وكرازة يؤديها. وبعد أن يتممها ينطلق للسماء = يخلصنى لملكوته السماوي. وكان وقوفه أمام نيرون تتميماً لما قاله الرب (أع 9 : 15).

 

آية 19 :- سلم على فرسكا و اكيلا و بيت أنيسيفورس.

فرسكا = من إرتباط اسمها مع أكيلا نفهم أنها اسم شهرة لبريسكلا زوجة أكيلآ، ويذكر إسمها قبل زوجها فلا فرق بين رجل وإمراة في المسيح، وهذا وسط جيل لا يعطي حقوقاً للمرآة. ولأن بريسكلا أقوي إيمانياً من زوجها أكيلا في نظر الرسول. بيت أنيسيفوريس = لأنه هو نفسه قد مات.

 

آية 20 :- أراستس بقي في كورنثوس و أما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضا.

بولس لم يستطع شفاء تلميذه تروفيموس:

1.     حتي لا يسعي المؤمنون ليعرفوا المسيح بسبب مطالب مادية كالشفاء.

2.     شفاؤه لن يفيد روحياً ولن يكون له فائدة لحساب مجد الله.

3.     حتي لا يدخل بولس في كبرياء إذا شفي كل إنسان وعلي المؤمنين أن يحتملوا المرض شاكرين (في 2 : 27) + (1تي 5 : 23) إذاً هو أيضا لم يستطع شفاء تيموثاوس نفسه ولا ابفرودتس.

 

آية 21 :- بادر أن تجيء قبل الشتاء يسلم عليك افبولس و بوديس و لينس و كلافدية و الأخوة جميعا.

قبل الشتاء = هو يريد أن يقول قبل أن أرحل ولكن لا يريد أن يحزنه لينس = أول أسقف يقام علي روما بعد استشهاد بطرس وبولس

 

آية 22 :- الرب يسوع المسيح مع روحك النعمة معكم امين

الروح هى تسكن فى الجسد وتحركه وسر قوة الروح أن يكون المسيح معها فالروح هي الجوهر العاقل المريد والمسئول، لذلك يطلب أن النعمة تشمل الروح أولاً وبالتالي الإنسان كله. إذاً هو يهتم بأن تكون له معونة روحية بالأولى

الصفحة الرئيسية