النفاق الشرعي
السُّنّة المطهّرة - القولية والفعلية
ورد مفهوم التقية في كثير من النصوص المخرجة في كتب الصحاح
والمسانيد، وكتب السيرة وقد اُسندت إلى النبيّ ، وسنذكر منها ما يصحّ الاحتجاج به
على مشروعية التقية، وعلى النحو الآتي:
الحديث المشهور بين علماء المسلمين : «رفع اللّه من
اُمّتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه»فتح
الباري بشرح صحيح البخاري / ابن حجر العسقلاني 5 : 160 - 161، مسند الربيع بن حبيب
3 : 9، تلخيص الحبير / ابن حجر 1 : 281، كشف الخفاء / العجلوني 1 : 522، كنز
العمال / المتّقي الهندي 4 : 233 / 10307، الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة /
السيوطي : 87.
وهذا الحديث يدلّ على مشروعيّة التقية، وانّ صاحبها لا يؤاخذ
بشيءٍ ما دام مكرهاً عليها
الحديث المروي عن ابن عمر (ت / 65ه)، عن النبيّ أنّه قال :
«المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من المؤمن الذي لا يخالط
الناس ولا يصبر على أذاهم»( سنن ابن ماجة 2 : 1338
/ 4032، والسنن الكبرى / البيهقي 10 : 89، ورواه البيهقي من طريق آخر بلفظ :
(أفضل) مكان (أعظم أجراً)، ومثله في حلية الأولياء / أبو نعيم 5 : 62 و7 : 365،
والجامع لأحكام القرآن / القرطبي 10 : 359 - رواه عن البغوي.
ولا تخفى ما في مخالطة الناس من اُمور توجب المداراة، التي
تدخل من هذا الباب في حقل التقية.
أخرج الهيثمي (ت / 807ه) من طريق إبراهيم بن سعيد، عن
النبيّ أنّه قال : «كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأماناتهم وصاروا حثالة ؟
وشبّك بين أصابعه. قالوا : كيف نصنع ؟ قال: اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم،
وخالفوهم بأعمالهم». كشف الأستار / الهيثمي 4 :
113 / 2324.
أخرج المحدّثون عن علي بن ابي طالب (ت / 40ه) وابن عبّاس (ت
/ 68ه)، ومعاذ بن جبل (ت / 18ه)، وعمر بن الخطّاب (ت / 23ه)، عن النبيّ أنّه
قال : «استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، فإنّ كل ذي نعمة محسود». المعجم الكبير / الطبراني : 20 : 94 / 183، حلية الأولياء /
أبو نعيم 6 : 96، الجامع الصغير / السيوطي 1 : 150 / 985، كنز العمال / المتّقي
الهندي 6 : 517 / 16800 و6 : 250 / 16809.
ما رواه ابن العربي المالكي (ت / 543ه) في أحكام القرآن حول
إرسال النبيّ جماعة من الصحابة لقتل كعب بن الأشرف الطائي في السنة الثالثة من
الهجرة، وكان فيهم محمّد بن مسلمة (ت / 43ه)، وكيف انّ ابن مسلمة وأصحابه قد
استأذنوا النبيّ في أن ينالوا منه، فقالوا : «يا رسول اللّه أتأذن لنا أن ننال منك
؟» أحكام القرآن / ابن العربي 2 : 1257.
فأذن لهم بذلك، وهكذا مكّنهمعلى قتله بعد أن تظاهروا لكعب
تقية - وبإذن النبيّ (ص) - بأنّهم كرهوا دينه.
الحديث المخرج في كتب الطرفين، وهو من قوله : لا ضرر ولا
ضرار.
وفي لفظ آخر:
«لا ضرر ولا ضرار في الإسلام». ورد اللفظ
الأوّل في مسند أحمد 1 : 313، وسنن ابن ماجة 2 : 784 في الأحاديث : 2340 و2341
و2342، والسنن الكبرى للبيهقي 6 : 69 و70 و457، و10 : 13، والمعجم الكبير للطبراني
2 : 81 و11 : 302، وسنن الدارقطني 3 : 77، ومستدرك الحاكم 2 : 58، ومجمع الزوائد
للهيثمي 4 : 110، وكنز العمّال 4 : 59 / 9498، وحلية الأولياء 9 : 76، وتهذيب
تاريخ دمشق لابن عساكر 6 : 325.
وورد اللفظ الثاني في نصب الراية للزيلعي 4 :
384 و386، وارواء الغليل للألباني 3 : 411، ورواه من الشيعة : الصدوق في من لا
يحضره الفقيه 4 : 243 حديث 777، والاحسائي في عوالي اللآلي 1 : 383.
ما رواه الحسن البصري (ت / 110ه) وأيّده عليه سائر
المفسّرين من أنّ عيوناً لمسيلمة الكذّاب (ت / 12ه) قد أخذوا رجلين من المسلمين
فأتوه بهما، فقال لأحدهما : أتشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ؟ قال: نعم. قال : أتشهد
انّي رسول اللّه، فأبى ولم يشهد، فقتلهُ. وقال مثل ذلك للثاني فشهد لمسيلمة
الكذّاب بما أراد، فأطلقه، فأتى النبيّ (ص)، وأخبره بما جرى، فقال (ص) : «أمّا
صاحبك فمضى على إيمانه، وأمّا أنت فأخذت بالرخصة».
تفسير الحسن البصري2 : 76.
ما رواه ابن ماجة (ت / 273ه) في قصّة عمّار بن ياسر (ت /
37ه) واُمّه سميّة بنت خباط (ت /7 ق 0ه)، وصهيب (ت / 38ه)، وبلال ( ت / 37ه)
والمقداد (ت / 33ه) قال : «فأخذهم المشركون وألبسوهم أدراع الحديد وصهروهم في
الشمس فما منهم أحد إلا وقد وآتاهم على ما أرادوا إلا بلالاً» سنن ابن ماجة 1 : 53، 150 / باب 11 - في فصل سلمان وأبي ذرّ
والمقداد.
جامع البيان / الطبري 14 : 122.التفسير الكبير
/ الرازي 20 : 121، وقد تقدّمت قصّة عمّار بن ياسر وما قبلها =
وما يستدلّ به على التقية في هذا الباب ما اتّفق عليه جميع
المسلمين وبلا استثناء من أنّ النبي كان يدعو الناس سرّاً إلى الإسلام في أوّل
الأمر، إشفاقاً منه على هذا الدين العظيم حتى لا يُخنق في مهده، وتباد أنصاره.
فالدعوة إلى الإسلام قد بدأت إذاً من دائرة التقية، حيث اتّفق
علماء السيرة، والمؤرّخون، والمفسّرون وغيرهم على القول بأنّ النبي لم يجهر
بالدعوة إلى الإسلام إلا بعد ثلاث سنين من نزول الوحي.
=
راجع كتب السيرة النبويّة مثل : السيرة
النبويّة / ابن هشام 1 : 280، والسيرة النبويّة / ابن كثير 1 : 427، والسيرة
الحلبية / ابن برهان 1 : 283، والسيرة النبويّة / دحلان 1 : 282 - مطبوع بهامش
السيرة الحلبية.
تاريخ الطبري 1 : 541، والكامل في التاريخ /ابن
الأثير 2 : 60، والبداية والنهاية / ابن كثير 3 : 37، وكذلك سائر كتب التفسير - لا
سيّما ما اختصّ منها بالأثر - في تفسير قوله تعالى : (وأنذِر عشيرتَكَ الأقربينَ)
الشعراء 26 : 214.
2 - وقال ابن العربي المالكي (ت / 543ه) : «لما سمح
اللّه تعالى في الكفر به... عند الإكراه، ولم يؤاخِذ به، حمل العلماء عليه فروع
الشريعة، وعليه جاء الأثر المشهور عند الفقهاء : رُفِع عن اُمّتي الخطأ، والنسيان،
وما استُكرهوا عليه... فأنّ معناه صحيح باتّفاق من العلماء». أحكام القرآن / ابن العربي 3 : 1179.
وقال عبد الرحمن المقدسي الحنبلي (ت / 624ه) : «أجمع
العلماء على إباحة الأكل من الميتة للمضطرّ، وكذلك سائر المحرّمات التي لا تزيل
العقل». العدّة في شرح العمدة / عبد الرحمن المقدسي :
464.
وقد مرّ في هذا الفصل ان الاضطرار إلى أكل الميتة قد يكون
بسبب الجوع أو بسبب الإكراه من ظالم أو كافر وذلك في الآية الخامسة فراجع.
4 - وقال القرطبي المالكي (ت / 671ه) : «أجمع أهل
العلم على أن من اُكرِه على الكفر حتى خشي على نفسه القتل أنّه لا إثم عليه إن كفر
وقلبه مطمئن بالإيمان». الجامع لأحكام القرآن /
القرطبي 10 : 180.
5 - وقال ابن كثير الشافعي (ت / 774ه) بعد أن نقل
قول رسول اللّه (ص) لعمّار حين اُكره على الكفر : «كيف تجد قلبك ؟ قال :
مطمئناً بالإيمان. فقال : إن عادوا فعُد».
قال : «ولهذا اتّفق العلماء على أنّ المكره على الكفر يجوز
له أن يوالي إبقاءً لمهجته، ويجوز له أن يأبى».
تفسير القرآن العظيم / ابن كثير 2 : 609.فتح القدير / الشوكاني 3 : 197.محاسن
التأويل / القاسمي 4 : 197.تفسير المراغي 3 : 136.الإكراه وأثره في التصرّفات / عيسى
شقرة : 114 - نقلاً عن كتاب : التقية في إطارها الفقهي للاُستاذ علي الشملاوي :
131.
مجموعة بحوث فقهية / د. عبد الكريم زيدان : 208
- نقلاً عن كتاب الاُستاذ الشملاوي المتقدّم: 132.