النفاق الشرعي
نماذج من تقية
الصحابة
وقد استخدم التقية بعض الصحابة أيضاً .
قال السرخسي الحنفي في المبسوط : (وقد كان
حذيفة ممن يستعمل التقية على ما روي أنه يداري رجلاً ، فقيل له : إنّك منافق !! فقال
: لا ، ولكني اشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه) المبسوط السرخسي 24 : 46 ، من كتاب الإكراه .
أخرج الهيثمي ، من طريق إبراهيم بن سعيد ، عن
النبي أنه قال : « كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم واماناتهم وصاروا حثالة ؟ وشبّك
بين أصابعه ، قالوا : كيف نصنع ؟ قال : اصبروا وخالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم
بأعمالهم » . كشف الأستار | الهيثمي 4 : 113 | 2324 .
وفي الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط بسنده عن أبي ذر قال : قال رسول الله:« يا
أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس ـ وشبّك بين أصابعه ـ قلتُ : يا رسول
الله ، ما تأمرني ؟ قال : صبراً ، صبراً ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في
أعمالهم » . المعجم الأوسط | الطبراني 1 : 293 | 473 . مجمع الزوائد | الهيثمي 7 :
282 ـ 283 ، كتاب الفتن ، باب في أيام الصبر..
فقد روى الطبري بسنده عن أبي عبيدة بن محمد
بن عمار بن ياسر ، أنه قال : (أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى باراهم في بعض
ما أرادوا ، فشكا ذلك إلى النبي فقال النبي : « كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئناً
بالايمان ، قال النبي: فان عادوا فعد » ) تفسير الطبري 14 : 122 .
وفي تفسير الرازي أنه قيل بشأن عمار : (يا رسول الله ! إنّ عماراً كفر ! فقال : «
كلاّ ، إنّ عماراً مليء إيماناً من فرقه إلى قدمه ، واختلط الاِيمان بلحمه ودمه ،
فأتى عمار رسول الله وهو يبكي ، فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول : ما لكَ ؟ إن
عادوا لك فعد لهم بما قلت » . التفسير الكبير | الرازي 20 : 121 .
ويدل عليه ما أخرجه الترمذي ـ وحسّنه ـ بسنده عن حذيفة قال :
(قال رسول الله : « لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، قالوا : وكيف يذل نفسه ؟ قال :
يتعرض من البلاء لما لا يطيق » . سنن الترمذي 4 : 522 | 2254 باب رقم 67 بدون
عنوان .
وفي مسند أحمد بلفظ : « لا ينبغي لمسلم... »
. مسند أحمد 6 : 562 | 22934 والطبعة الاُولى 5 : 405 . وأخرجه في كشف الاستار عن
ابن عمر . كشف الاَستار | الهيثمي 4 : 113 | 2324 ، ط2 ، مؤسسة الرسالة ، بيروت |
1404 هـ .
ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية
التقية أوضح من أن يحتاج إلى بيان ؛ لاَنّ ما يخافه المؤمن من تهديد ووعيد الكافر
أو المسلم الظالم ؛ لا شكّ أنه يخلق شعوراً لديه بامتهان كرامته لو امتنع عن تنفيذ
ما أُريد منه ، لاَنّه معرّض ـ في هذه الحال ـ إلى بلاء ، فان عزم على اقتحامه وهو
لا يطيقه فقد أذلّ نفسه ، هذا مع أن بامكانه أن يخرج من هذا البلاء بالتقية شريطة
أن لا تبلغ الدم ، لاَنّها شُرِّعت لحقنه .
روى الطبراني ، بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال : (بعث رسول الله سرية فيها المقداد بن الاَسود ، فلما أتوا القوم وجدوهم
قد تفرقوا ، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح ، فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله ،
فأهوى إليه المقداد فقتله ، فقال له رجل من أصحابه : قتلت رجلاً قال : لا إله إلاّ
الله ، والله ليذكرن ذلك للنبي. فلما قدموا على النبي، قالوا : يا رسول الله !
إنَّ رجلاً شهد أن لا إله إلاّ الله فقتله المقداد ؟ فقال : « ادعوا لي المقداد ،
فقال : يا مقداد قتلت رجلاً قال : لا إله إلاّ الله ، فكيف لك بـ (لا إله إلاّ
الله) ؟ قال : فأنزل الله : ( يا أيُّها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل
الله فتبينوا ولا تقولوا لمن أُلقي اليكم السلام لست مؤمناً) سورة النساء
: 4 | 94 .
فقال رسول الله: « كان رجلاً مؤمناً يخفي
إيمانه مع قوم من الكفار فقتلته ، وكذلك كنت أنت تخفي ايمانك بمكة » . المعجم الكبير | الطبراني 12 : 24 ـ 25 |
12379
وقصة نزول هذه الآية أوردها البخاري مختصرة
في صحيحه بسنده عن عطاء ، عن ابن عباس أيضاً ، ولم يذكر فيها المقداد بل جعل
القاتل هو جماعة المسلمين . صحيح البخاري 6 : 59 ، كتاب التفسير ، باب سورة النساء
. المطالب العالية | ابن حجر 3 : 317 | 3577 في باب تفسير سورة النساء الآية : 94 .
تفسير الطبري 5 : 142 ، في تفسير الآية 94 من سورة النساء .
وقد عرفت أن في هذا الحديث تصريحين من النبي أحدهما
: ان المقتول كان مؤمناً يكتم ايمانه خوفاً من الكفار ، وهذا هو عين التقية . والآخر
: إنّ القاتل ـ وهو المقداد ـ كان حاله بمكة كحال المقتول .