النفاق الشرعي
التقيّة عند المعتزلة
مرّ في الفصل الثاني إن واصل بن عطاء رأس الاعتزال (ت
/ 131ه) قد اتّقى من الخوارج كما نصّ عليه ابن الجوزي الحنبلي (ت / 597ه)، وقد
ذكرنا تقيته برقم / 50 في موقف التابعين من التقية.
وذكرنا أيضاً ضمن موقف تابعي التابعين من التقية، برقم / 78 تقية
ابن أبي الحديد المعتزلي (ت/ 656ه).
امّا الزمخشري المعتزلي (ت / 538ه) فقد استثنى
المكره من حكم الافتراء كما مرّ في الآية الثانية من الآيات الدالّة على مشروعية
التقية، في الفصل الأوّل.
كما رخّص للمكره التلفّظ بكلمة الكفر تقية، ولا شيء عليه مع
اطمئنان القلب بالإيمان - وقد مرّ ذلك أيضاً في الآية الاُولى في الفصل الأوّل.
ويمكن أن يقال بأنّ ردّ الجاحظ المعتزلي (ت / 255ه)
على الحنابلة المتقدّم في تقية أحمد بن حنبل برقم / 70، قد تضمن اعتراف الجاحظ
بالتقية، حيث أشار إلى الإكراه المبيح للتقية كما في قوله : «على أنّه - أي الإمام
أحمد - لم يرَ
سيفاً مشهوراً، ولا ضرب ضرباً كثيراً».
فهذا الكلام يدلّ على انّ من اكره بالسيف أو ضرب ضرباً
شديداً أو خُوّف به فله - عند الجاحظ أن يداري من أكرهه بالتقية.
وقد صرّح الهادي المعتزلي يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي
- من أعلام القرن الثالث الهجري بمشروعية التقية، قال : «أمّا المداراة للظالمين
باللسان، والهبة، والعطية، ورفع المجلس، والإقبال بالوجه عليهم، فلا بأس»(1).
وبهذا نكون قد أعطينا صورة واضحة عن التقية في فقه المسلمين
بشتّى مذاهبهم وفرقهم المعروفة.
______________________________
(1) مسائل الهادي يحيى بن الحسين الرسي : 107 -
نقلاً عن : معتزلة اليمن - دولة الهادي وفكره / علي محمّد زيد : 190.