النفاق الشرعي
يقال ( الحرب خدعة )
ويقول النووي في شرح
الحديث ( اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن للخداع الا أن
يكون فيه نقد عهد وأمان فلا يحل ) ومعلوم أنه لا عهد بيننا وبينهم حيث أنهم محاربون
لدين الله سبحانه وتعالى والمسلمون أحرار في اختيار أسلوب القتال المناسب على أن
تحقق الخدعة وهي النصر بأقل الخسائر
وأيسر السبل .
1ـ سرية مقتل كعب بن الأشرف في السنة الثالثة
من الهجرة : في الصحيح البخاري عن جابر بن عبد الله قال النبي من لكعب بن الأشرف فإنه
آذى الله ورسوله فقام محمد بن مسلمة فقال يا رسول الله أتحب أن أقتله، قال نعم،
قال : فأذن لي أن أقول شيئا ( وهو استئذان من النبي بان يتكلم كلاما وحتى لو كان
منافيا للإيمان وقلت لاظهار الكفر منافياً للإيمان وذلك لإظهار الكفر أمام كعب بن
الأشرف فأذن به ).
قال النبي قل: فأتاه محمد بن مسلمة فقال من هذا الرجل (يقصد النبي صلى
الله عليه وسلم )قد سألنا صدقة وقد عنانا ( وهذا قول ظاهره إنكار الصدقة والتعدي
عليه صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ).. وقد يفيد بأنه من الممكن للمسلم إظهار
موالاته الكاملة للعدو في الحرب ولو وصل الأمر إلى إظهار الشرك والكفر .
وإني قد أتيتك استحلفك .. قال: وأيضاً والله
لسلمته ، فقل انا قد اتبعناه فلا نحب أن ندعه حي ننظر إلى شئ يصير شأنه وقد أردنا
أن تسلفنا وسقا أو واسقين فقال كعب نعم : ارهنوني ، قالوا أي شئ تريد ؟ قال
ارهنوني نساءكم .. قالوا كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب ؟ قال ارهنوني أبناءكم
.. قالوا كيف نرهنك أبناءنا فيسب أحدهم فيقال رهن بوسق أو وسقين هذا عار علينا ..
ولكننا نرهنك الامة ( أي السلاح) .. فواعده أن تأتيه فجأة ليلا ومعه أبو نائلة وهو
أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم ، فقالت له امرأته أين تخرج هذه
الساعة ! فقال إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة وقال غير عمرو: فقالت اسمع
صوته كأنه يقطر ، قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم إذا
عمي إلى طعنة بليل لا جاءب.. ويدخل محمد بن مسلمة ومعه رجلين ميل لسفيان سماهم
عمرو قال ( الحارس بن بشر وعباد بن بشر ) قال عمرو فقال محمد بن مسلمة إذا جاء فإني قاتل (أي جاءب بشعره) فاشعة فإذا
رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه( وتلك هي طريقة للتمكن من قتله حيث انه
كان ضخم الجثة قوي البنية ) وفي هذه القصة من الفوائد في فن القتال الكثير وقد زعم
بعض المستشرقين ومن في قلوبهم مرض أن مقتل كعب ابن الأشرف كان غدراً وخيانة له..
والرد عليهم هو أن ذلك الكافر قد نقد عقده وأمعن في إيذاء المسلمين وقد جاء اليهود
إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد مقتل كعب ابن الأشرف فقالوا يا محمد : قد طرق أي قتل صاحبنا الليلة وهو سيد من
سادتنا ، قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه... قال صلى الله عليه وسلم إنه لو فر
كما فر غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل ، ولكنه آذانا وهاجان بالشعر ولم يفعل
هذا أحد منكم إلا كان للسيف .
( الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 71 لابن
تيمية ) .
2ـ سرية عبد الله إلى أبي سفيان ، وكانت في
السنة الرابعة وسببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن شعبان بن خالد الهذلي
يقيم بيعمر وأنه يجمع الجموع لحرب المسلمين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد
الله بن انيس الجهني بقتله ، قال عبد الله : قلت يا رسول الله انعته ( أي صفه لي)
حتى أعرفه فقال صلى الله عليه وسلم ( إنك إذا رأيته اذكرك الشيطان وآية ما بينك
وبينه ذلك ) . قال : واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول ( هو نفس إذن
محمد بن مسلمة ) فأذن لي ، ثم قال لي ( انتسب إلى خزاعة ) ( وهذا كذب ولكنه مباح )
. قال عبد الله : فعرفته بنعت ( أي بوصف) رسول الله صلى الله عليه وسلم وشعرت
بالخوف منه فقلت صدق رسول الله ، قال عبد الله : وكان وقت العصر قد دخل حين رأيته
فخشيت أن تكون بيني وبينه محاوش تشغلني عن الصلاة فصليت وأنا امشي نحوه لأومئ
برأسي، فلما انتهيت إليه قال ممن الرجل ؟ قلت من خزاعة.. سمعت بجمعك لمحمد فجئتك
لأكون معك ( ففي هذا القول إظهار الموالاة) قال: أجل إني لأجمع له قال عبد الله
فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي أنشدته وقلت عجبا له احدث محمد من هذا الدين الحدث
فارق الأباء وسفه أحلامهم ( وهذا القول كفر) .. قال( أبى سفيان انه لم يلق أحد
يشبهني ، وهو يتوكأ على عصا يهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى
منازل قريبة منه وهم يطيقون به، فقال : هلم يا أخا خزاعة فدنوت منه .. فقال اجلس..
قال عبد الله فجلست معه حتى إذا مد الناس وناموا اغتلته فقتلته وأخذت رأسه ، ثم
خرجت وتركت ظمائمه منكبات عليه ، فلما قدمت المدينة وجدت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فلما رآني قال : أفلح الوجه .. قلت أفلح وجهك يا رسول الله ثم وضعت الرأس
بين يديه وأخبرته خبري .
3ـ قصة نعيم بن مسعود في غزوة الأحزاب : لما
جاء نعيم بن مسعود مسلماً أوصاه أن يكتم إسلامه ورده على المشركين يوقع بينهم ..
فذهب نعيم إلى بني قريظة ، وقال لهم على هيئة النصيحة : لا تقاتلوا مع القوم (
يقصد قريش وغطفان ) حتى تأخذوا رهناً من أشرافهم يكونون بأيديكم .. وذلك بعد أن
أقنعهم أن قريشاً وغطفان بصفتهم ليسوا من أهل المدينة فإن حدث شيء لحقوا ببلادهم
وتركوهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : لقد أشرت بالرأي ، ثم أتى قريشاً
وأخبرهم أن يهود بني قريظة قد ندموا على تحالفهم معكم وأرسلوا إلى محمد يقولون (
هل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين رجالاً من أشرافهم .. فتضرب أعناقهم .. وأتى
غطفان فقال مثل ذلك . فأرسل أبوا سفيان ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي
جهل في نفر من قريش وغطفان فقالوا لهم ( أعدوا للقتال حتى نناجز محمداً ) ...
فأجابوا إن هذا يوم السبت لا نعمل فيه شيئاً ولن نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا
فإنا نخشى إن اشتد عليكم القتال أن تنشمروا إلى بلادكم . فلما رجعت الرسل قالت
قريش وغطفان ( والله إن الذي حدثكم به نعيم بن مسعود للحق ) وإنا والله لا ندفع
إليكم رجلا واحدا من رجالنا . فقالت بنوا قريظة إن الذي ذكر لكم نعيما للحق ، ومن
هنا انتسب نعيم للفرقة بين صفوف الأحزاب .