الإسلام دعوة نصرانية

 

صلة محمد بالغيب

النبي ، بحسب اللغة ، حامل نبأ .

وفي اصطلاح القران ليس ( النبي) من يتصل بغيب الله ؛ إنما هو من يأتي بنبإ أي خبر عنه : ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى . النجم 36 . والمعنى متواتر : ( مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ) طه 99؛

( مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ ) . هود 120 ؛ ( مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى ) . هود 100

لكنه يصرح ثلاث مرات بأن ما يتلوه هو (من أنباء الغيب) ( ال عمران 44 ؛ هود 49؛ يوسف 102) .

فهل كان محمد في نبؤته على صلة مباشرة بغيب الله ؟.

ان (الغيب) من علم الله المحجوب : ( وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) هود 123؛

وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ). النحل 77 ؛ ( لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الكهف 26

فلا يطلع على غيبه الا من أرسله به : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا الا من ارتضى من رسله  الجن 26. وبرسوله يطلع الناس عليه : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) . ال عمران 179. فغيب الله عند رسله .

لكن الله قد يطلع رسوله على الغيب مباشرة ، أو مداورة بواسطة الغيب المنزل قبله . فكيف اطلع محمد على غيب الله ووحيه ؟ .

 

1) يعلن مرتين : ( وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) أنعام 50 ؛( وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) هود 31 .

فمحمد لم يتصل بغيب الله مباشرة : ( لو كنت اعلم الغيب ، لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. أعراف 188.

 

2) اكان اتصاله بغيب الله المنزل  في الكتاب من قبله ، فهو يدعو ببلاغ من رسالاته السابقة :

( لما قام عبد الله يدعوه ، كادوا يكونون عليه لبدا ! قل : إنما أدعو ربي ، ولا آشرك به أحدا ! قل:  ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنْ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا . الجن19-23. فنبوة محمد بلاغ من رسالات الله السابقة . والقران ( بينة ما في الصحف الأولى) طه  133،  (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ) . الشعراء 196.

 

3) لذلك يسمي ما يتلوه من بشارة ذكريا بيحيى ، وبشارة مريم بالمسيح ، المكتوبتين في الإنجيل، من أنباء الغيب : ( ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ) ال عمران 44 ) أي الغيب الذي في كتاب الله.

ويختم قصة يوسف بقوله : ( ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ). يوسف 102؛ كما يختم قصة نوح: ( تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) هود 49

وسنرى ان تعبير (الوحي) من متشابهات القران ، لا يقطع بمعنى محدود.

فتلك الايات الثلاث يجب فهمها على ضوء تصريحه في سورة (القلم) ، ثانية السور نزولا :  ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ؟ ام عندهم الغيب فهم يكتبون . القلم 35-42 .

فهو يجعل كتابة الغيب مع دراسة الكتاب ، اللتين يصرح بهما  (الأنعام 105) .

 

4) انه يتحدى المشركين بالغيب الذي يدرسه في الكتاب ، مع المسلمين من قبله : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ! … ام عندهم الغيب فهم يكتبون. القلم 35 -37

محمد يستعلي المشركين المجرمين بالمسلمين من قبله ، فهم عندهم الكتاب الذي فيه يدرس ، وعنه يكتب غيب الله .

وهذا التحدي بالغيب المكتوب في الكتاب من قبله ، متواتر  عنده : ( ام عندهم الغيب ، فهم يكتبون) الطور41.

والنتيجة الحاسمة ان محمد يتصل بغيب الله المنزل في كتاب من قبله : فهو يدرسه ، وعنه يكتبهذا نص القران القاطع .

فنبوءته تبليغ غيب الكتاب ؛ ورسالته( تعليمهم الكتاب والحكمة.

 

ثالثا

صلة محمد بالكتاب المنزل

يتضح من ( الانعام105 و156) ان محمدا ( درس) الكتاب ، على طائفتين من قبله لان بني قومه كانوا (عن دراستهم لغافلين). هذا أمر الله له (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ). الأنعام 90 .

وهذا السر يكشفه لنا منذ سورة (القلم) ، الثانية في تاريخ النزول. فقد رأينا انه يتحدى المشركين المجرمين (بالمسلمينمن قبله ، وبدراسة الكتاب معهم ، وكتابة الغيب المنزل فيه : (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ….  أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ ام عندهم الغيب فهم يكتبون . القلم 35 -37.

ويرد على المشركين الكافرين بدعوته ، بأنها من الكتب المقدسة التي يدرسها ، وينذرهم بها :

( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ . سبإ 43-44.

فلا يحق لهم تكفير محمد ، ولا اتهامه بالأفاك المفترى ، او السحر، لان الحق الذي جاءهم به هو من( كتب يدرسها ) ويستعلي بها عليهم .

(وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ. لقمان 20

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ. الحج 8  .

أما محمد فهو يجادل الناس بهدى الكتاب المنير وعلمه .

وقصة (درس) الكتاب المنزل قبله صريحة في قوله : ( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ - وَلِيَقُولُوادَرَسْتَ ! - وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . انعام 105.

فهو لا يرد التهمة ، بل يبين الغاية من درس الكتاب : انها بيان الكتاب المنزل للناس ، كما يتضح من قوله في السرة عينها : (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ ). أنعام 155-156.

غفل بنو قومه عن دراسة الكتاب ، أي التوراة والإنجيل، فدرسهما محمد، ونقل تنزيلهما في القران ، بأمر ملاك الله له في رؤيا غار حراء .

  فالقران العربي تنزيل لأنه ( تفصيل الكتاب) (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ). يونس 10 أي تعريب التنزيل الكتابي : ( وانه لتنزيل رب العالمين   وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَكما يشهد النصارى من علماء بني إسرائيل (الشعراء 193-197).

فمحمد (درس) الكتاب ، كما ( درسوا ما فيه ) الأعراف 168، ليبينه بتفصيله في القران العربي ( لقوم يعلمون) ، او لقوم كانوا عن دراسته غافلين .

يرد بعضهم على هذا الاستنتاج المحكم بقوله : ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ، ولا تخطه بيمينك ، واذا لارتاب المبطلون) العنكبوت 48 .

لكن فاتهم ما بعدها : ( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ) العنكبوت 49. وتعبير (الذين أوتوا العلم ) اصطلاح عنده ، كناية عن أهل الكتاب (المقسطين) ، (المحسنين) أي النصارى.

فإذا كان محمد لا يخط الكتاب بيده ، ولا يتلو الكتاب بنفسه ، فهذا لا يمنع انه (درسه) على أهله  وأئمتهم ، (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) السجدة 23-24 ؛ لذلك فالقران (هو آيات بينا في صدورهم) ؛ لا بل (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) الأحقاف 10 : إن (مثل) القران موجود قبله، وينقله للعربية ( حكيم خبير) .

 

وقوله : ( ما كنت تتلو من قبله من كتاب) ، يفسره تصريحه لليهود الذين طالبوه ( بالبينة رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ - وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ) البينة 2-5

لقد أعطاهم البينة المطلوبة : فهو يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً ، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ !.

فمن قرائن القران  المتنوعة المتواترة يتضح ان صلة محمد بالكتاب الذي انزل قبله ، كانت صلة (درس) ، وتدريس لكي (يعلمهم الكتاب والحكمة) .

.

عودة للفهرس