عزرا
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
يد الرب إلهي عليّ!
إن كان سفرا عزرا ونحميا اللذان في الأصل هما سفر واحد، يصلحان لكل العصور، فهما بالأكثر يناسبان المؤمنين في بداية القرن الواحد والعشرين، إنه سفر المؤمن المعاصر!
الجالس على العرش يحرك كل العروش
يقف الإنسان المعاصر في حيرة، لا يستطيع أن يتنبأ ماذا يحدث في المستقبل القريب أو البعيد. حتى رجال السياسة في العالم صاروا يخشون المستقبل. وكأن العالم قد صار ألعوبة في أيدي أناسٍ مجهولين.
سفر عزرا يقدم للمؤمن طمأنينة، أن فوق كل العروش والسلاطين والقادة والمتآمرين، سواء كانوا الظاهرين أو الخفيين، يوجد صاحب العرش، ضابط العالم، في يده التاريخ كله. فبحسب الفكر البشري لم يكن ممكنًا للشعب المسبي أن يصدق بأن وثنيًا يعتقد أن الرب إله السماء قد دفع إليه جميع ممالك الأرض وأوصاه أن يبني له بيتًا في أورشليم. نقف في هذا السفر في دهشة أمام يد الله العجيبة الصالحة التي عملت في كل الاتجاهات بما لم يكن يتوقعه أحد قط!
يد الرب إلهه عليه!
سرَّ قوة عزرا ونجاحه في مهمته الشاقة تلك العبارة التي كثيرًا ما تكررت: "يد الرب إلهه عليه" (7: 6، 9، 28؛ 8: 22، 31). فكان عزرا يثق بأن الرب إلهه أمين في وعوده، رحوم نحو مؤمنيه، قدير وصالح، يُخرج من الأحداث المرة عذوبة لشعبه ومؤمنيه، يحميه تحت يده الإلهية، فلا يقدر أن يقترب إليه أحد بدون سماحه الإلهي.
إنه سفر انفتاح عيني المؤمن، ليدرك أنه لا يعمل وحده، بل يد الرب إلهه عليه، تسنده، وتعمل به وفيه، وتحقق أهدافه التي خلقه الله ليحققها.
عاش الكاتب العظيم رجل الكتاب المقدس عزرا، كما في حضن الله القدوس، يؤمن بالعمل الجماعي خلال شعبٍ طاهرٍ لا يطيق الخطية. جاد في مواجهتها، ليختبر بالحق عربون السماء بالحياة المقدسة المتهللة في الرب.
إنه الرجل الشجاع الذي لا يُداهن أحدًا، حتى رئيس الكهنة وكل القيادات. يعمل بروح التواضع، لكن بدون مداهنة على حساب الحياة المقدسة.
قائد ناجح
لعل من أبرز ما اتسم به هذا القائد الشجاع القديس أنه حسب حياته جزءً لا يتجزأ من خطة الله العاملة عبر التاريخ، فلم يفصل عمله عن عمل الله مع سابقيه، ولا استخف بالقيادات التي جاءت لاحقة له. فيكتب بكل قوةٍ واعتزازٍ عن عمل الله مع القائدين السابقين له زربابل الوالي ويشوع الكاهن، كما يقف بجوار الوالي الجديد بعده نحميا يعمل معه بقوة!
بالحق قدم عزرا نفسه درسًا عمليًا للقادة كما للشعب.
|
الأصحاح الرابع (مقاومة عنيفة) |
|
|
الأصحاح الخامس (إصلاح داخلي وعودة للبناء) |
|
- الخطوط العريضة لسفر عزرا |
|
الأصحاح السادس (داريوس يحث على بناء بيت الله) |
|
- الباب الثاني الأصحاحات [7-10] |
|
|
الأصحاح السابع (إرسال عزرا) |
|
- الباب الأول الأصحاحات [1-6] |
|
الأصحاح الثامن (انطلاق الفوج الثاني) |
الأصحاح الأول (الجالس على العرش) |
|
الأصحاح التاسع (صلاة مثالية) |
الأصحاح الثاني (موكب العائدين المتهللين) |
|
الأصحاح العاشر (توبة عملية) |
الأصحاح الثالث (ذبيحة وهيكل وأعياد) |
|
|
في أرض السبي
بسبب الخطايا سقط الشعب اليهودي تحت السبي البابلي، فسكنوا في مستعمرات في مملكة بابل، مثل تل أبيب (حز 3: 15) وهي غير تل أبيب الحالية، وتل ملح وتل حرشا (عو 2: 59)، وكسفيا (عز 8: 17). لقد عانت الغالبية العظمى من أتعاب العبودية ومشقاتها. لكن البعض أقاموا مشاريع تجارية ومؤسسات وجمعوا أموالاً وفيرة (عز 2: 65، 69؛ زك 6: 10-11)، وبنوا بيوتًا، وغرسوا جنات (إر 29: 5)، واقتنوا عبيدًا وإماء (عو 2: 65).
العبادة أثناء السبي
تهدم هيكل سليمان، وخربت مدينة الله أورشليم، وتحولت إلى قفرٍ. أما في أرض السبي فلم يكن ممكنًا لهم إقامة هيكل لله هناك. بحكم الناموس، إذ تُعتبر الأرض التي يسكنون فيها نجسة (عا 7: 17)، لم يكن أمام اليهود من الطقوس الهامة سوى حفظ السبت وممارسة الختان.
خروج جديد
قصة خروج شعب الله من عبودية فرعون وانطلاقهم إلى أرض الموعد محفورة في قلب كل مؤمنٍ، يحتفل بها مع كل الشعب سنويًا في عيد الفصح، بل ويحتفل بها في كل عبادته يوميًا. إنها قصة حياة الشعب المتحرر من العبودية، وقصة حياة كل عضوٍ فيها. أما قصة العودة من أرض السبي إلى أورشليم فهي خروج جديد، والقائد الحقيقي الخفي هو الرب نفسه أيضًا.
ربما يبدو أن الرب قد تأخر على شعبه حين تركهم تحت التأديب في السبي لمدة سبعين عامًا، لكنه هو بنفسه سبق فوعد بأفواه أنبيائه عن هذا الخروج. لقد حدد المدة بسبعين عامًا كما جاء في إرميا (29: 10-13). وسبق فأعلن اسم الملك كورش الذي مسحه، وهو وثني لتحقيق هذا الهدف قبل تحققه بحوالي قرنين (إش 45: 1، 13).
كلٍ من الخروج الأول والخروج الثاني هو رمز للخروج الذي نتمتع به خلال العهد الجديد. فقد جاء كلمة الله متجسدًا، هذا الذي يقول: "من عند الآب خرجت" (يو 16: 30). خرج إلينا ليحملنا فيه، فيخرج بنا من البنوة لآدم الساقط إلى البنوة لله الآب السماوي خلال نعمة التبني.
القائد الحقيقي في الخروجين هو الرب، الذي أكد لموسى النبي: "أنا أكون معك"، وأكد في لقائه أفواج الراجعين من السبي أن يده الصالحة على ملك كورش وعلى القادة، كما نبه روح الرب الملك ومن حوله، والقادة والكهنة والشعب. إنه العامل في الجميع.
تم الخروج الأول دفعة واحدة تحت قيادة موسى النبي، وتم الخروج الثاني على ثلاث دُفع تحت قيادة كثيرين، فهو العامل بكل الطرق حسب خطته الإلهية الفائقة. فالتحرر من فرعون القاسي القلب كل أصعب بكثير من خروجهم بأمرٍ كورش الفارسي المتسامح، ومع هذا فالخروج الأول ثم دفعة واحدة، ليؤكد أن الرب هو القائد القدير، أما الرجوع من السبي، فمع سهولته بالنسبة للعمل الأول لكن الله وضع خطة محكمة لصالح الشعب.
يعمل الله بالفرد أو القائد الواحد، كما يعمل بالجماعة حيث يوجد أكثر من قائد!
الخروج الأول يرمز إلى خروجنا من عبودية إبليس إلى البرية على يد مسيحنا لننطلق إلى كنعان السماوية، على يد مسيحنا بالصليب.
والخروج الثاني يرمز إلى تحديدنا وإعادة خلقتنا بذات الرب المُصلح الحقيقي للإنسان، والمجدد له بروحه القدوس.
سبعون سنة وتسبيت الأرض
قبل السبي بحوالي 490 عامًا شعر الشعب بأن تقديم سنة كاملة كل سبع سنوات كسبتٍ للرب حتى تستريح الأرض وتسترد خصوبتها هو مضيعة للطاقات والإمكانيات التي بين أيديهم. ظنوا أنهم قد انتفعوا بسبعين سنة خلال الـ 490 عامًا، فكان لزامًا أن يتحقق تسبيت الأرض بغير إرادتهم، حيث يحملون إلى أرض السبي، وتترك أراضيهم خرابًا، يسكنها الأعداء، وترعى فيها الحيوانات. كأن الأرض صرخت تطلب راحة من عدم حكمة الشعب في ذلك الحين، فسمع الرب لصراخها الخفي. قيل: "وسُبى الذين بقوا من السيف إلى بابل، فكانوا له ولبنيه عبيدًا إلى أن ملكت مملكة فارس، لإكمال كلام الرب بفم ارميا حتى استوفت الأرض سبوتها، لأنها سُبتت في كل أيام خرابها، لإكمال سبعين سنة" (2 أي 36: 20-21).
يظن الإنسان أنه أكثر حكمة من شريعة الله، وإذا به يجلب الخراب والمرارة لنفسه.
قديسون في أرض السبي
لم يروِِ لنا الكتاب المقدس تاريخ الشعب في أرض السبي بالتفصيل، ولا تحدث عن ظروفهم الدينية والنفسية والاقتصادية والتعليمية، لكنه ركز على أحداث العودة من السبي، كما قدم صورة ساطعة لشخصيات قيادية ومن الشعب عاشت أمينة له في أرض السبي، بل وقدمت بطولات فائقة رائعة ونادرة. إنه يود أن يؤكد لنا حقيقتين:
ا. ما يشغل الله حتى في لحظات التأديب هو العودة من السبي؛ أي عودة النفس من سبي إبليس إلى الأحضان الإلهية في أورشليم العليا.
v ستذهبون إلى السبي، يا شعب صهيون، تُرحَّلون إلى بابل، ولكن بعد سنوات تعودون من هناك، ليس بجندي يُسرع بكم، وإنما بذاك القائد الذي بصعوده إلى السماء جعل من السبي أسيره. إنكم ستتبعونه مع رفقاء بولس في جيشه ورؤساء جيشنا، هؤلاء الذين يأسرون أذهاننا لحساب المسيح[1].
ب. ظهور أبطال وسط الضيق: بلا شك حمل الأسْر الكثير من المرارة، خاصة من الجانب النفسي، حيث عانى الغيورون من الحرمان من هيكل الرب بكل ما يرافقه من عبادة لله الحي، ومن الكيان السياسي لدولتهم، بجانب الحرمان من أمور كثيرة اجتماعية، وقد عبّر سفر حزقيال عن هذه المرارة. وسط هذا المرّ ظهر جبابرة إيمان يصعب أن نجدهم في أيام الفرج.
سقطت إسرائيل ثم يهوذا تحت السبي للتأديب؛ وفي أرض السبي وُجد قديسون على كل المستويات، من بين هؤلاء ننعم بالشخصيات التالية، التي حملت سمات متنوعة، كل منهم له شخصيته المتباينة عن غيره، لكنها تكمل بعضها البعض، وتسند بعضها البعض.
1. دانيال: أُخذ أسيرًا في سبي يهوذا. وهو الرجل المحبوب جدًا لدى الله كشهادة رئيس الملائكة جبرائيل (دا 10: 11، 19). هزّ قلوب أباطرة! وتحول جب الأسود الجائعة إلى سماء، حيث رأى ملاك الرب يسد أفواههم، ويتحدث معه. انفتحت عيناه الداخليتان ليرى المستقبل، خاصة مجيء المسيا ليخلص البشرية، ومجيئه الأخير في انقضاء الدهر. يُعلق القديس جيروم على تعبير: "المحبوب"، قائلاً: [إنه تعبير لائق، فإن كل قديس يحمل جمالاً في نفسه، وهو محبوب من الرب[2].]
2. الثلاثة فتية: كانوا أمناء لله، فحوّل لهم أتون النار إلى ندى، إذ صاروا في صحبة كلمة الله. جاء في تسبحتهم وهم في الأتون:
"باركوا الرب يا حنانيا وعزريا وميصائيل،
سبحوه وارفعوه إلى الدهور.
لأنه أنقذنا من الجحيم، وخلصنا من يد الموت،
وانتشلنا من وسط أتون اللهيب المضطرم،
ومن وسط النار انتشلنا" (دا 3: 88).
v نزل حنانيا ورفقاؤه إلى بركة روحية توهب لجميع القدِّيسين والتي نطق بها إسحق عندما قال ليعقوب: "ليعطك الله ندى من السماء" (تك 27: 28)، أعظم من الندى المادي الذي أطفأ لهيب نبوخذنصر؟![3]
v الآن أيضًا ينطق نبوخذنصر بنفس الكلمات التي لنا، فإننا نحن العبرانيون الحقيقيون عبرانيو الحياة العتيدة (عب 11: 13)، نختبر الندى السماوي الذي يطفئ كل النيران عنا وبنفس الجانب الأسمى لنفوسنا نقتدي بهؤلاء الفتية[4].
v الثلاثة فتية الأبطال الطوباويون الذين جربوا في بابل. حنانيا وميصائيل وعزاريا، عندما صاروا في أمان وأصبحت النار بالنسبة لهم مثل الندى، شكروا الله مسبحين إياه وممجدينه.
وأنا أيضًا كتبت إليكم يا إخوتي، واضعًا هذه الأمور في ذهني، لأن الله إلى أيامنا هذه لا يزال يصنع أمورًا هي في نظر البشر مستحيلة. وما لا يستطيع البشر أن يفعلوا، مستطاع لدى الله... ألا وهو أن يُحضرنا إليكم، ولا يسلمنا كفريسة في فم أولئك الذين يريدون أن يبتلعونا[5].
3. حزقيال: كاهن لم يمارس العمل الكهنوتي قط، أراه الله هيكل الرب الفائق في رؤيا، وانفتحت أمامه أبواب السماء ليرى العرش الإلهي، وانفرد برؤية المدينة المقدسة السماوية، مقدمًا نبواته العجيبة، خاصة عن هيكل العهد الجديد.
4. زرُبابل: قاد أول دفعة إلى إسرائيل (عز 2:2)، واشترك مع يشوع رئيس الكهنة وإخوته الكهنة في بناء المذبح لتقديم المحرقات وتنظيم العبادة (عز 1:3-9). أقيم واليًا، ووضع أساس الهيكل (زك 6:4-10). سعى في إعادة بناء الهيكل، لذا دُعي هيكل زرُبابل، وظل البناء قائمًا حتى سنة 20 ق.م، حيث قام هيرودس بإعادة بنائه من جديد.
دُعي شيشبصر (عز 1: 8) ومعناه "الفرح وسط المتاعب". فقد رأى فيه الملك ورجال الدولة والقادة حتى الشعب الفارسي صورة رائعة للإنسان المتهلل داخليًا حتى في أرض السبي ووسط المتاعب
5. مردخاي: مسبي مجهول يعمل في القصر، أنقذ الملك من مؤامرة ضده، وأنقذ شعبه كله بإيمانه العجيب بالله مخلص شعبه وانسحاق قلبه وشجاعته ومساندته لأستير الملكة. جاء في صلاته:
"أنت تعرف كل شيءٍٍ.
أنت تعلم يا رب، إني لا إفراطًا ولا تكبرًا ولا زهوًا فعلت هذا: عدم السجود لهامان المتكبر،
فإنه يطيب لي أن أقَّبل أخمص قدميه لإنقاذ إسرائيل، لكني فعلت هذا لكيلا أضع مجد إنسانٍ فوق مجد الله.
ولا أسجد لأحدٍ سواك يا رب، ولن أفعل هذا تكبرًا" (أس 4: 17).
6. أستير: فتاة مسبية يتيمة الوالدين، صارت ملكة، لكنها لم تشتهِ قط أن تجلس على المائدة الملوكية. جاء في تكملة أستير أنها صلت لا بتذللٍ ونسكٍ فحسب، وإنما أعلنت في صلاتها كيف كانت تكره الأبهة كخرقة الطامث؛ ولا تلذذت بالقصر وولائمه، بل بالرب وحده.
أطاعت مردخاي ووضعت عنقها لتفتدي شعبها، لا بروح العجرفة، بل بالتواضع مع الصوم والصلاة. جاء في صلاة أستير:
"إنك تعرف كل شيء، وتعلم بأني أبغضت مجد الذين لا شريعة لهم، وبأني أكره مضجع الغُلف وجميع الغرباء.
أنت عالم بحاجتي، وبأني أكره شارة عظمتي التي على رأسي أيام ظهوري، وأمقتها مقت منديل (خرقة) الحائض، ولا أحملها في أيام راحتي.
لم تأكل أمتك على مائدة هامان، ولم أحبذ مأدبة الملك، وما شربت خمر السُكب". (أس 4: 17)
7. عزرا: كان محبوبًا من الإمبراطور الفارسي الذي وثق فيه، فسمح لليهود بالعودة إلى أورشليم، وإقامة حكم ذاتي مع خضوعهم سياسيًا للفرس. وهو كاهن غيور عاد إلى أورشليم مع جماعة من الكهنة لممارسة العبادة في الهيكل، واهتم بتأسيس الهيكل. عاد ثانية إلى بابل، ثم رجع إلى إسرائيل عندما صار نحميا واليًا عليها. أحب كلمة الله وجمع أسفار الكتاب المقدس. كما اهتم بتنقية الدم اليهودي وإبعاد الزوجات الأجنبيات مع أبنائهم، ووجد استجابة لدى الشعب. إنه يمثل الكاهن الذي يهتم بروح العبادة، مع التمتع بكلمة الله والحياة المقدسة، دون تجاهل الجوانب الأخرى من الحياة.
8. نحميا: قائد حي، مركزه السامي كساقي الملك لم يشغله عن الاهتمام بشعبه وبلده. لم يكن وهو في السبي قائدًا دينيًا ولا مدنيًا ولا عسكريًا لشعبه، لكنه قام بدور هذه القيادات خلال حبه لله وممارسته للتوبة وشخصيته الروحية الفريدة، مع إيمانه الحي بوعود الله: "اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك..." (نح 8:1).
الأسر والرؤى
حينما يُطرد المؤمن الحقيقي من أرضه يجد أبواب السماء مفتوحة أمامه، خلالها يتعرف على أسرار الله ويجد له موضع راحة. فلا نجد في العهد القديم أنبياء تمتعوا بالرؤى السماوية مثل دانيال وحزقيال في أرض السبي، وفي العهد الجديد مثل القديس يوحنا الحبيب في منفاه.
العودة إلى أورشليم
كما أن يهوذا سُبي على ثلاث مراحل (605، 597، 586 ق.م) عاد اليهود من السبي إلى أورشليم على ثلاث مراحل:
الفوج |
القائد |
العدد |
الأحداث |
الفوج الأول 538 ق.م |
زرُبابل (شيشبصر) ويهوشع الكاهن |
49897 رجلاً |
بدأ بناء الهيكل، وتوقف حتى عام 520 ق.م.، تم البناء عام 516. وإذ انشغل الشعب ببناء بيوتهم لا بيت الرب، قام النبيان حجي وزكريا بتشجيع الشعب (عزرا 1:6). 483-471 أحداث سفر إستير. |
الفوج الثاني 458 ق.م. |
عزرا الكاتب |
1754 رجلاً |
مشاكل مع الزيجات المشتركة(عز 7-10). |
الفوج الثالث 444 ق.م. |
نحميا الوالي |
العدد غير معروف |
سًُمح له ببناء السور. بُني السور في 52 يومًا بالرغم من معارضة سنبلط وطوبيا وجشم. تكريس الأسوار وقراءة الشريعة (نح 1-13). |
كأن الله يدفع شعبه دفعًا للعودة إلى أورشليم وإعادة بناء الهيكل، أحيانا بواسطة ملوك وثنيين، وكان كثيرون قد استقروا في بابل، وأقاموا مشاريع تجارية ضخمة، فلم يرغبوا في العودة. حتى الذين عادوا إلى أورشليم انهمك بعض الأغنياء منهم في بناء بيوتهم، مقدمين أعذارًا كثيرة بأنه لم يحن بعد وقت بناء الهيكل بسبب المقاومة الخارجية من السامريين وغيرهم من الشعوب.
في هذا العصر اجتذب بوذا في الهند (560-480 ق.م) بأفكاره السلوكية البحتة كثيرًا من الهنود إليه، وأيضًا كونفشيوس في الصين (551-479 ق.م) ليقيموا منهما إلهين! واجتذب سقراط بأفكاره الفلسفية كثيرًا من اليونانيين (470-399 ق.م) ليعشقوه، بينما لا يريد شعب الله الالتصاق بالله الحقيقي، والتمتع بسكناه في وسطهم.
الموقف السياسي بعد العودة
لقد عاد اليهود من السبي ولكن بلا ملك. زال عنهم نير السبي، وتحسنت أحوالهم، وسُمح لهم ببناء الهيكل، لكنهم كانوا تحت رعوية ملك فارس ونيره. إذ كان يقيم لهم واليًا يحكم أورشليم وما جاورها. كانت الشعوب المحيطة بهم تكيل لهم العداء، يغتنمون كل فرصة لاتهاماتهم بالخيانة والتمرد على ملك فارس. وكان الشعب ملتزمًا بتقديم جزية للملك وخراج للوالي وخفارة للإدارة المحلية (عز 7: 24، نح 5: 4).
كان أغلب السكان فقراء، عاجزين عن دفع الجزية والخراج والخفارة.
رجل الشريعة
عزرا كاهن بالميلاد، من نسل حلقيا رئيس الكهنة الذي وجد نسخة من الشريعة أثناء حكم يوشيا (2 أي 14:34). لم يمارس عمله الكهنوتي، إذ نشأ في السبي. أحب كلمة الله، وعكف على دراسة الشريعة (10:7) بغيرة وتقوى. أقامه الله لتعليم الشريعة وجمع أسفار الكتاب المقدس وترتيبها. جاء في التقليد أنه أنشأ مجمعٍ السنهدريم، يتكون من 120 شخصًا، وكان رئيسًا للمجمعٍ، وضع المجمعٍ قانون أسفار العهد القديم.
اهتم بالعبادة تحت قيادته في أرض السبي. وإذ كان الهيكل مهدمًا والشعب مشتتًا، أقيمت مجامع للعبادة استمرت حتى بعد العودة إلى أورشليم بجانب المجامع التي في أرض الموعد.
دُعي بالكاتب لأنه كان موظفًا في البلاط الفارسي ومستشارًا للإمبراطور ارتحشستا الفارسي في الشئون اليهودية للطائفة المقيمة ما بين النهرين. لكن الملك تأثر جدًا به، إذ لمس من حياته أنه ليس كبقية الكتبة الذين في بلاطه الملكي، إنما يحمل مسحة سماوية فريدة. لهذا كان يلقبه: "كاتب شريعة إله السماء الكامل" (عز 7: 12، راجع عز 7: 21). وجاء في كتابات الملك عن إله إسرائيل أنه "إله السماء" (7: 23).
كان عزرا غيورًا، حتى حسبه اليهود زعيمًا في مقام موسى النبي، مؤسسًا للنظم اليهودية المتأخرة (القرن 5 ق.م).
سفر عزرا
تناول تاريخ نحو 80 عامًا تبدأ بصدور أمر كورش الفارسي بعودة اليهود إلى أورشليم تحت قيادة زرُبابل (شيشبصر) من نسل داود لبناء الهيكل. لكن في أيام قمبيز أوقف العمل بتحريض من السامريين وغيرهم من الأمم غرب نهر الأردن. وفي أيام داريوس هستاسيس ظهر النبيان حجي وزكريا اللذان شجعا القادة والشعب على إعادة البناء، وقام الملك بمساعدتهم على تحقيق هذا.
أخيرًا استطاع عزرا بعلاقاته الطيبة والقوية أن يرجع إلى أورشليم ومعه الفوج الثاني من اليهود، يحملون المال والمجوهرات. وكان تركيزه بالأكثر على "شريعة الله" كسرّ العبادة لله وبناء الهيكل الداخلي.
كورش
رجل وثني، ملك على فارس 20 سنة، ثم احتل بابل في سنة 539/538 قبل الميلاد. جاء في سفر دانيال أنه لما بدأ بيلشاصر الملك يستخدم آنية بيت الله في الشرب وهو سكران مع عظمائه دخل كورش ملك فارس، واستولى على بابل وهم في حالة سُكر (دا 5). وكان دانيال قد شاخ، ولعله مع غيره من أتقياء اليهود، قدموا للملك ما تنبأ عنه إشعياء النبي منذ قرنين (إش 28:44؛ 1:45-4)، وما تنبأ به دانيال نفسه، منها الآتي:
1. ذكر إشعياء كورش بالاسم، مؤكدًا أن قيامه بسماح إلهي، وأن غلبته على بابل العظيمة من قبل الله. يدعو الله كورش "مسيحه" (1:45)، ويفتح أمامه الأبواب المغلقة، وتنهار قدامه الحصون، وينال كنوز بابل الخفية.
يعلق القديس باسيليوس الكبير على وعد الله لكورش: "وأعطيك ذخائر الظلمة وكنوز المخابئ" (إش 45: 3)، بأن الله كشف له أعماق مخازن الله، وتعرف على أسرار النبوات ومعانيها. هذه المخازن التي تتجدد معرفتنا لها يومًا فيومًا، كمن يأخذ خمرًا جديدًا من الكرمة الجديدة توضع في أوانٍ جديدةٍ، كما قيل في الإنجيل[6].
v مع أن كورش نفسه كان عبدًا لخطأ الوثنية، نال الملوكية من إله المسكونة، وتمتع بعونٍ عظيم منه، ولم يدرك سرّ هذه المزايا. مع هذا حسبه الله أهلاً، لذلك بالرغم من خطئه، عينه أداة لتأديب البابليين وتحرير إسرائيل.
v لقد أعطى كورش لقب "مسيحي" ليعلن أنه هو الذي يختاره ملكًا بطريقة بها يهزم إمبراطورية البابليين، ويضع نهاية لسبي اليهود وإقامة هيكل الله.
v بهذا كله كأنه يقول إنه اختار كورش ملكًا، وأعطاه السلطان اللازم ليوجه إمبراطوريته بإرادة صالحة، ويلطف من الأمور الصعبة ويسهلها. هذا ما تعنيه العبارة: "الجبال أمهد، أكسر مصراعيّ النحاس" (إش 45: 2)
2. تنبأ دانيال النبي عن اتحاد مملكتي فارس ومادي بكل وضوح وصراحة.
هذا ما دفع كورش نحو إصدار منشوره بعودة اليهود لبناء الهيكل. استجاب للمنشور أقل من خمسين ألف يهوديٍ انطلقوا إلى أورشليم كفوجٍ أول تحت قيادة زرُبابل، حيث ساروا أكثر من 700 ميلاً ليبلغوا المدينة الخربة في ذلك الحين.
لا نعرف ما في ذهن كورش، لكن خطابه عجيب لا يقف عند إعطاء السماح بالرجوع إلى أورشليم فحسب، بل كان يحث اليهود على ذلك. لقد أمر المسئول عن خزائن القصر أن يُخرج آنية بيت الرب التي أخذها نبوخذنصر، ويسلمها كلها ويُرجعها إلى أورشليم، كأنها كانت محفوظة لهذا اليوم. كما دعا إلى التبرع لبيت الرب. تعهد كورش بنفسه هذا العمل إذ قال: "هو أوصاني أن أبني له بيتًا في أورشليم التي في يهوذا" (عز 2:1).
حقًا قصة كورش تبرز أن الله ضابط التاريخ أو إله التاريخ أو ضابط الكل، هو إله المستحيلات، أو صانع العجائب. شهد إرميا هذا المنظر قبل حدوثه، وتكلم عنه بكل صراحةٍ (إر 10:29-14).
بين كورش والسيد المسيح
بالرغم من أن كورش وثني، لكنه كان رمزًا للسيد المسيح من بعض جوانب، مثل:
1. كلمة كورش تعني شمس، وكان يعتبر نفسه الشمس التي أشرقت على البلاد، وكان رمزًا للسيد المسيح، شمس البرّ (مل 4: 2).
2. قال كورش إن الرب دفع إليه جميع ممالك الأرض (عز 1: 2)، لأنه استلم ورثة نبوخذنصر الذي كان يحسب نفسه ملك الأرض كلها. والسيد المسيح هو ملك الكنيسة الممتدة في العالم كله من آدم إلى آخر الدهور.
3. حسب كورش أن عمله هو أن يبني بيت الرب وهيكله(عز 1: 3)، وجاء السيد المسيح ليقيم كنيسته بيت الرب الروحي، ولكي يبني هيكله في داخل كل قلبٍ.
4. حرر كورش الشعب، وطلب منهم أن يتركوا الأراضي إن أرادوا، والمسيح أيضًا هو المحرر. "إن حرركم الابن، فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو 8: 36).
5. لم يُلزم كورش الناس بالتحرر من السبي قهرًا، إنما حثهم عليه. والسيد المسيح أيضًا لا يُلزم الناس بالخلاص بغير إرادتهم.
6. طلب كورش أن يستخدموا الذهب والفضة والأمتعة لحساب بيت الرب (عز 2: 69)، والسيد المسيح يريدنا أن نقدم مواهبنا وإمكانياتنا وقدراتنا لحساب مملكة المسيح.
7. تنبأ إشعياء عن كورش، وتنبأ الأنبياء ومن بينهم إشعياء عن السيد المسيح.
8. جاء كورش في الزمن المعين للعودة من السبي، وجاء السيد المسيح في ملء الزمان.
هل كان كورش يؤمن فعلاً بإله إسرائيل؟
وُجدت في ملفات كورش مخطوطات له ينسب انتصاراته لمردوخ الإله البابلي، فهو لم يترك الوثنية، إنما توجد احتمالات كثيرة:
1. لما دخل بابل قدم له دانيال ومن معه نبوة إشعياء، وأدرك أن ما ناله من نصرة هو من قبل هذا الإله، فأراد أن يتمم النبوة، واعتبر نفسه مدينًا لهذا الإله بالنصرة.
2. كان يؤمن بالإله البابلي، لكنه كان يحترم جميع الآلهة. لذا أعطى تصريحًا لجميع الشعوب أنه إن كل أحد يرغب في الرجوع إلى بلده يأخذ آلهته معه، أما اليهود فليست لهم آلهة ولا أصنام يأخذونها، لذا أعطاهم آنية بيت الرب.
3. أراد أن يكسب الشعوب فبدلاً من أن يتركهم في بابل ويضغط عليهم، سمح لهم أن يسكنوا في بلادهم، ويأخذ منهم الجزية، فلا يشعروا بالضيق ولا يُحرموا من ثقافتهم وعلمهم وأرضهم ماداموا خاضعين له عسكريًا. وقد انتهج كثير من الملوك العظماء هذا الطريق خاصة في الدولة الرومانية.
كاتب السفر
كاتب السفر غالبًا عزرا. يُقال إنه بدأ السفر وهو في بابل، وأكمله في أورشليم.
وكلمة "عزرا" قريبة من كلمة لعازر، ومعناها "إلهي معيني". و"عزرا" تعني "الله عوني" أو "الله راحتي".
كان عزرا من سبط هارون من أصل كهنوتي، وُلد في السبي، ولم يمارس عمله الكهنوتي، ولكن كان في دمه اشتياق شديد لإعادة مجد إسرائيل، وإعادة بناء الهيكل، والرجوع إلى العمل الكهنوتي والشريعة بكل أنواع طقوسها وخاصة الذبائح.
من الصعب أن نفهم في الوقت الحالي مشاعر عزرا ككاهنٍ يهوديٍ محرومٍ من ممارسة عمله الكهنوتي. فالكاهن بالنسبة لهم الشفيع، والإنسان المختار من قبل الله ليكون عوض الشعب كله، وله إمكانية دخول الهيكل في أوقات معينة. وأيضًا من فمه تُطلب الشريعة، وكان يأخذ العشور من الشعب، لأنه يمثل الله. وله أجزاء مخصصة من الذبيحة، لا يستطيع أن يأخذها غيره، وهو يمثل الأبكار نصيب الرب. وُلد عزرا في السبي وكان محرومًا من كل هذه البركات، فشغل نفسه بدراسة الكتاب المقدس. فكانت كلمة الله تمس أعماقه، لذلك يُقال إنه كاتب المزمور 119 الذي يتكلم عن الكتاب المقدس، وكل مقطع مكون من 8 آيات، وهو مرتب حسب الحروف الأبجدية العبرية.
وهو أيضًا كاتب سفري أخبار الأيام الأول والثاني، وأيضًا سفر عزرا، ويقال أنه كاتب سفر نحميا الذي أكمل سفر عزرا. يرى الدارسون السمات المشتركة بين سفري أخبار الأيام الأول والثاني وسفر عزرا، مثل:
أ. الاهتمام بالطقوس الدينية، مثل حفظ الأعياد (عز 3: 4، 6، 19، 22)؛ وخدمة اللاويين (عز 2: 40؛ 8: 15-19؛ 9: 1؛ 10: 5)؛ وآنية الرب (عز 1: 7-11)؛ وفرق الكهنة (عز 6: 18).
ب. الاهتمام بالإنسان (عز 8: 1-20؛ 10: 18-44).
ج. يد الله ضابط التاريخ (عز 8: 22).
واستطاع عزرا أن يكون قائدًا، وسر قوة قيادته اللهيب الذي في داخل قلبه والشوق لإقامة بيت الله. آمن بالنبوات وبوعود الله أنه يعيد شعبه من السبي ويعيد بناء الهيكل، كما كان أيضًا حريصًا على تقديس كل وقته، فكان الكتاب المقدس أمامه باستمرار ليشبع من كلمة الله.
قيل إنه وهو في السبي جمع أسفار الكتاب المقدس ونسقه، فهو الكاهن والكاتب والقائد لشعبه.
سفرا عزرا ونحميا
في الأصل هما سفر واحد يروي قصة عودة الشعب من السبي، كأهم حدث في تاريخ اليهود بعد خروجهم من أرض مصر أو على قدم المساواة معه، لهذا يدعى الخروج الثاني. في ترجمة الفولجاتا اللاتينية التي قام بها القديس جيروم سنة 400 م قُسم سفر عزرا إلى قسمين: عزرا ونحميا. وفي الترجمات العربية كانا يُدعيان: الكتاب الأول لعزرا والكتاب الثاني لعزرا.
يشترك السفران في أمور كثيرة، نذكر منها الآتي:
1. مركز كل سفر منهما هو الرب القدير والمحب العامل في إنسان الله بالرغم من عدم إمكانياته للعمل. لكي يدرك كل مؤمنٍ أنه بالله القدير يتحقق الخلاص. وكما جاء في زكريا: "هذه كلمة الرب إلى زربابل قائلاً: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود" (زك 4: 6).
2. يبدأ كل سفر منهما بمنشور من ملك فارس الوثني بالعودة. فإن الله هو ضابط التاريخ، العامل بالجميع، حتى بالوثنيين والملحدين لبنيان كنيسته.
3. انتهى كل سفر منهما بأورشليم، أورشليم العليا. حياتنا رحلة عمل مفرحة. تكلم نحميا عن الفوج الأخير فقط بينما تكلم عزرا عن الفوجين الأول والثاني.
4. موضوعهما بناء للهيكل والعودة إلى العبادة فيه أو السور مع بناء الجماعة من كل جوانبها. موضوع كل من السفرين هو البناء والعمل. يقول ربنا يسوع: "أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). ونحن كأبناء له نعمل به لحساب ملكوته. اهتم نحميا ببناء الأسوار الخارجية، واهتم عزرا بالحديث عن بناء للهيكل والعودة إلى العبادة فيه. بدأ الكتاب المقدس بعزرا ثم تكلم عن نحميا. كنا نتوقع إن يبدأ بالعمل في السور، ثم يُبنى الهيكل، لكن العجيب أن عزرا تكلم عن الهيكل وجاء بعده نحميا يتكلم عن السور. هكذا يبدأ من الداخل وليس من الخارج. للأسف نهتم بالشكل الخارجي وننسى الداخل، ننسى أن ندخل إلى العمق حيث مجد ابنة الملك من الداخل.
5. في الأصحاح التاسع من كلا السفرين نجد صلاة جماعية واعتراف جماعي، فمع إبراز دور الأشخاص كزرُبابل وعزرا ونحميا وغيرهم، لكن العمل الإلهي يتحقق من خلال الجماعة، خاصة بالصلاة بروح التوبة.
6. انتهى كل من السفرين بتطهير الشعب وتقديسه، أي الإصلاح الداخلي الروحي. فغاية رحلتنا على الأرض هي التمتع بنقاوة القلب حتى يمكننا معاينة الله أبديًا" (مت 5: 8).
7. اهتم الأول بالجانب الكنسي وبناء الهيكل، والثاني بالجانب المدني وبناء السور.
8. يخبرنا كلاهما عن قصة تذكير الله بالمواعيد الإلهية. فإنه وإن أبطأ، لكنه حتمًا يتمم ما وعد به في الوقت المعين لديه. وكما تنبأ إرميا: "لأنه هكذا قال الرب: إني عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأُقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع... وأرد سبيكم، وأجمعكم من كل الأمم" (إر 10:29، 14).
ظهر في أيام عزرا زكريا وحجي النبيان وظهر في أيام نحميا ملاخي.
أهمية سفر عزرا
غاية هذا السفر كيف يُصلح الله من شأن شعبه أثناء السبي، وأن وعود الله لابد أن تتحقق بغض النظر عن الأشخاص، وكيف أن الله يقيم قيادات في أحلك الظروف الصعبة. كما كشف أيضًا عن حركات الإصلاح وصوَّر رب المجد يسوع كمصلحٍ.
شخصية عزرا
1. رجل متعبد: كان يحب المذبح، بالرغم من حرمانه منه في أرض السبي، ومحب للعبادة الشخصية والجماعية (عز 8: 35؛ 9: 6 الخ).
2. يثق في وعود الله: متمسك بإيمانه أن الله قادر أن يحقق وعوده. آمن بالله القادر أن يحفظه، فلم يطلب من الملك حراسة عند رحيله إلى أورشليم، مهتمًا بالصوم والصلاة لكي تتحرك السماء لحمايته هو وكل الفوج. "وناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا ولأطفالنا و لكل ما لنا. لأني خجلت من أن اطلب من الملك جيشًا وفرسانا لينجدونا على العدو في الطريق، لأننا كلمنا الملك قائلين إن يد إلهنا على كل طالبيه للخير، وصولته وغضبه على كل من يتركه. فصمنا وطلبنا ذلك من إلهنا فاستجاب لنا" (عز 8: 21-23).
3. منكر ذاته: يعطي المجد لله: "مبارك الرب إله آبائنا الذي جعل مثل هذا في قلب الملك لأجل تزيين بيت الرب الذي في أورشليم، وقد بسط علي رحمة أمام الملك ومشيريه وأمام جميع رؤساء الملك المقتدرين، وأما أنا فقد تشددت حسب يد الرب الهي علي، وجمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا معي" (عز 7: 27-28).
4. رجل صوم وصلاة وبكاء وتذلل (21:8)، وقد طلب مشاركة معه في هذا. "وناديت هناك بصوم على نهر أهوا، لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقًا مستقيمة لنا ولأطفالنا و لكل ما لنا" (عز 8: 21).
5. رجل إيمان، لا يتكل على ذراع بشرٍ، بل على ذراع الله. "ثم قام عزرا... فانطلق إلى هناك ولم يأكل خبزًا" (6:10). يثق في الله لكنه يتذلل أمامه وينكر ذاته. لم يقل في ذاته إني صاحب سلطان وقائد، بل بكى ودخل المخدع وصلى (عز 10: 6).
6. مصلح لطيف مؤمن بعمل ربنا؛ رجل مذلة ورجل دموع يتكل على ذراع الله لا على ذراع بشر، لكنه حازم. "وأطلقوا نداء في يهوذا وأورشليم إلى جميع بني السبي لكي يجتمعوا إلى أورشليم. وكل من لا يأتي في ثلاثة أيام حسب مشورة الرؤساء والشيوخ يُحرم كل ما له وهو يفرز من جماعة أهل السبي" (عز 10: 7-8).
7. يسلم قلبه للروح القدس: يسلم قلبه لكي ينقش الروح القدس الكلمة في داخل قلبه.
8. رجل الكتاب المقدس: لم ينشغل عزرا بعلوم الكلدانيين الذين اهتموا بالآداب والفنون والفلك، لكنه كان مشغولاً بالمعرفة الحقيقية، مهتمًا بالأسفار الإلهية. أحبها بكونها كنز الوعود الإلهية، ويؤمن بقوة الكلمة في حياته. الشريعة بالنسبة له وعد، قد يطيل الله أناته ولكن لابد أن يحقق الله الوعد. سفر عزرا هو دراسة لكلمة الله من الجانب العملي.
هيأ عزرا قلبه للكلمة الإلهية، أي لطلب شريعة الرب، يبحث عنها ويتعلمها ويعمل بها ويعلم بها (عز 10:7).
بين عزرا والسيد المسيح
1. كان عزرا كاهنًا من سبط لاوي، والسيد المسيح هو رئيس كهنتنا الأعظم (عب 4: 14).
2. دُعي راعيًا (إش 44: 28)، والسيد المسيح هو الراعي الصالح.
3. صلى عزرا وبكى من أجل خطايا الشعب، وبكي السيد المسيح على أورشليم، وحمل خطايا العالم.
4. عاد عزرا مع المسبيين إلى أورشليم، وردّ السيد المسيح الذين سباهم إبليس ودخل بهم إلى أورشليم السماوية.
5. دعا الرب عزرا "مسيحي" (إش 45: 1)؛ و"رجل مشورتي" (إش 46: 11)؛ "قد أحبه الرب" (إش 48: 14)؛ "كل مسرتي يتمم" (إش 44: 28).
موسى النبي وعزرا الكاتب
v قاد موسى النبي الخروج الأول من مصر، وقاد عزرا الكاتب الفوج الثاني من الخروج الثاني من بابل إلى أورشليم.
v كان كل منهما قائدًا روحيًا، ومدبرًا لشئون الشعب.
v استلم الأول الشريعة واهتم بالوصية الإلهية، وجمع الثاني الكتاب المقدس واهتم بالشريعة.
v اهتم كل منهما بالتعليم.
v حقق كل منهما خطة الله للتمتع بالحرية.
v اتسم كل منهما بالحزم مع الحب.
ملوك فارس
1. كورش Cyrus 538-529 ق.م. مؤسس دولة مادي وفارس، سمح لليهود بالعودة إلى أورشليم. [ الأحداث الواردة في عزرا الأصحاح الأول حوالي سنة 538].
2. قمببز (كامبيس) Cambyses (أرتحششتا) 529-522. ابن كورش، نجح الوشاة في إقناعه بوقف العمل في بناء المدينة والهيكل، فأصدر أمرًا بذلك (عز 4: 17- 25)، قُتل أثناء حربه مع مصر.
3. سمرديس 522-521 ق.م. تولى سمرديس أخو قمببز الحكم أثناء غيابه في الحرب. لكن محتالاً يشبهه تملك بدلاً منه لمدة 7 شهور.
4. داريوس هستاسيس الأول 521-486 ق.م.: صهر كورش، قتل المحتال وتولى العرش. واتسعت في أيامه المملكة من الهند إلى نهر الدانوب في أفريقيا. في أيامه ظهر النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب على العمل في بناء الهيكل (عز 4: 24). حكم 36 عامًا، ومات سنة 486 ق.م.
5. أحشويرش الأول (زركسيس الأول أو أكسركيس) 486-465 ق.م. هو زوج إستير. جمع جيشًا عظيمًا، بلغ قوامه 5 مليون ومائتين ألفًا. كثرة العدد أدت إلى هزيمته في سلاميس سنة 480 عند محاولته غزو اليونان. كان مستهترًا، أغتيل عام 465 ق.م.
6. أرتحشستا الأول (لونجيمانوس) 465-424 ق.م. أي طويل اليد، لاطف اليهود، وسمح لعزرا أن يذهب إلى أورشليم مع عدد من اليهود، ولنحميا ببناء أسوار أورشليم (عز 7: 11- 13، نح 2: 1-10).
7. أحشويرش الثاني (زركسيس الثاني أو أكسركيس) 424-423 ق.م.
8. داريوس الثاني (نوتوس) 423-404 ق.م.
9. أرتحشستا الثاني (بينومن) 404-359 ق.م.
10. أرتحشستا الثالث (أدخوس) 359-338 ق.م.
8. آخرهم داريوس الثالث (قدمانوس أو كودومانوس) 388-331 ق.م، الذي انتصر عليه الإسكندر الأكبر سنة 331 ق.م، حيث بدأت الإمبراطورية اليونانية.
الله في سفر عزرا
يقدم لنا هذا السفر الله بكونه إله السماء والأرض (1: 2؛ 5: 11)، يتعرف عليه شعبه ويتكل عليه.
1. حافظ الوعود (1: 1).
2. يتمم أهدافه ويحققها في الوقت المعين (1: 5).
3. القدوس، يطلب أن يقدس المؤمنين (4: 3؛ 9: 15).
4. الله صالح ورحوم (3: 11)، يحول الأحداث المرة إلى أحداث لنفع مؤمنيه، أي بصلاحه يجعل كل شيء صالحًًا لهم (5: 3-6: 12).
5. يؤكد هذا السفر أن الله لا يترك الحكام حتى الأباطرة يعملون حسب هواهم بلا ضابط. إنه يحرك العروش والقلوب أو يسمح لها بالتحرك، ويحول تصرفاتهم لبنيان شعبه (7: 27-28).
6. حافظ شعبه وحارسهم (8: 22-23): لن ينساهم. إنه يؤدبهم على خطاياهم، لكنه، يبعث لهم قادة عظماء كزرُبابل وعزرا ونحميا، وأنبياء، حتى وهم تحت التأديب في السبي، يدفعونهم إلى التوبة.
7. سامع صلوات المتواضعين (8: 23، 31).
8. ما يطلبه الله من الإنسان كفردٍ أو البشرية كجماعةٍ هو الرجوع إليه بالتوبة.
سمات كنيسة الله
1. يعتز الله بالعمل الكنسي الجماعي، دون تجاهل دور كل عضوٍ فيها (3: 1).
2. الكنيسة مجتمع متهلل بالروح (3: 11-13، 6: 16).
3. يليق بالكنيسة ألا تسلك بأنصاف الحلول (4: 1-3، 6: 21).
4. الكنيسة مجتمع تائب وراجع إلى الله (6: 17).
5. تتسم الكنيسة الحقيقية بروح الطاعة (3: 2، 6: 18).
6. ليس كل من يسجل اسمه كعضوٍ في الكنيسة يُحسب عضوًا حقيقيًا. فعندما فتح الرب الأبواب للكنيسة اليهودية أن ترجع إلى أورشليم وتبني مذبح الرب وهيكله ومدينته وأسوارها، لم يغتنم الكل هذه الفرصة بالرغم من اعتزازهم أنهم شعب الله، أبناء الموعد، وأبناء إبراهيم.
موقفنا من الخطية
1. الجدية في مقاومتها (9: 3-4؛10: 6).
2. لا مهادنة مع الخطية (4: 1-3؛ 9: 1-3).
3. الحاجة إلى اعتراف صادق دون تبرير للنفس (9: 5-15).
4. ليس من علاج لها سوى الالتجاء إلى مراحم الله (9: 13).
5. أخذ خطوات عملية للخلاص منها (10: 7-17).
الخطوط العريضة لسفر عزرا
العودة تحت قيادة زرُبابل وبناء الهيكل ص 1-6
يرى عزرا الكاتب أن العودة إلى أورشليم وبناء الهيكل وممارسة العبادة هو تحقيق لكلمة الله، غايته ارتباط الشعب بكلمة الله ووصيته. لذلك كثيرًا ما يذكر "كلمة الله" معلنًا دورها في حياة شعب الله الدينية، والاجتماعية والمدنية.
عزرا 1: الجالس على العرش يحرك العروش الأرضية
تحقيق كلمة الله بالعودة من السبي: إعلان بالسماح لعودة اليهود، بعد أن قرأ دانيال ما كتب على الحائط بخصوص سقوط بابل في يد فارس وتحقق في نفس الليلة (دا 5: 25-31). يحتمل أن دانيال أظهر لكورش النبـوات التي تحققت (إر 25: 11-12؛ 29: 10؛ إش 44: 26-28؛ 45: 1، 13) وقد ذكر اسم كورش قبل مجيئه بحوالي قرن ونصف (إش 44: 26-28)، وفي عهده يرجع اليهود ويعيدون بناء أورشليم.
عزرا 2: موكب المتهللين
لقد سجل أسماء الذين عادوا ليضعوا أساسات الهيكل، فمن يهتم بسكنى الله وسط شعبه يهتم الله بهم وبأسمائهم.
[كل إسرائيل 2: 70؛ 6: 17؛ 8: 35]. لم يعد بعد السبي مملكتان أو شعبان بل شعب واحد واثنا عشر سبطًا (لو 22: 30؛ أع 26: 7؛ يع 1:1).
عزرا 3: ذبيحة وهيكل وأعياد!
تحقيق كلمة الله ببناء المذبح والهيكل: اجتمع الشعب كرجلٍ واحدٍ (1:3)، وبنوا مذبح الرب قبل أن يهتموا ببيوتهم. اهتموا بالمذبح بكونه قلب الهيكل، كما أن الصليب هو قلب الكنيسة، مقدمين قلوبهم مع هذا العمل.
في الشهر 7 من السنة 1 من العودة: بُنيَ المذبح، وحُفظ عيد المظال بابتهاج وشكر لله، بالرغم من أن الوقت كان صعبًا.
في شهر 2 من السنة 2 وضعت أساسات الهيكل. اختلط حزن الذين رأوا الهيكل الأول، بفرح الصغار بتعيين زربابل حاكمًا على اليهودية. من يركز عينيه على الماضي وحده، لا يتمتع بأمجاد المستقبل (في 3: 12-14). يمكن أن يكون الماضي دفة تدفع سفينة حياتك للعمل، أو مرساة تشل حركتها.
عزرا 4: مقاومة عنيفة
مقاومة الأعداء لهم: ما أن يبدأ الرب يبارك في العمل، حتى يثب العدو للمقاومة. استخدم إبليس عدة وسائل خطيرة:
الوسيلة الأولى: بالخداع أنهم يساعدونهم.
الوسيلة الثانية: الإرهاب والتخويف. عندما تشعر بالخوف ارجع إلى إش 12: 2.
الوسيلة الثالثة: بتثبيط الهمم.
الوسيلة الرابعة الالتجاء إلى السياسة، فيُحسب كل بنيان هو تمرد وخيانة ضد الحكام والدولة، مع استئجار بطالين. اعتراض الجيران الذين استولوا على أراضي اليهود [توقف 15 سنة حتى حكم داريوس].
الوسيلة الخامسة: الزواج بوثنيات يفسدن قداستهم (خر 12: 38، عد 11: 4).
عزرا 5-6: استئناف بناء الهيكل في أيام داريوس
ظهور النبيين حجي وزكريا: في السنة الثانية، بعد 16 سنة من عودة اليهود ما بين 4: 24 و5: 1. أعد الله نبيين هما حجي وزكريا لتجديد الإرادة للعمل وتقويتهم، وذلك خلال كلمة الله وتذكيرهم بوعوده الإلهية. حين نتمسك بكلمة الله، عينا الله تكون علينا (5: 5)، والعمل ينجح ويزدهر (6: 14، يش 1: 8، مز 1: 1-3). فكما يثير عدو الخير الأشرار ضد العمل الإلهي يرسل الله رجاله الأتقياء للمساندة.
تأثر داريوس بشجاعتهما، فطلب منهما الصلاة لأجله ولأبنائه. تم البناء في أربع سنوات (520-516ق. م)، ودُشن بفرحٍ عظيم. بدأ العمل بخليطٍ من الهتاف والصراخ المُر (3: 8-13)، وانتهى بالبهجة (6: 16-22).
لسبب أو آخر بعد إتمام بناء الهيكل، صار تجديد المدينة مستمرًا لمدة 70 عامًا.
كان هيكل زرُبابل بسيطًا ليس في عظمة هيكل سليمان. حزن الشيوخ الذين عاصروا هيكل سليمان وبكوا بصوتٍ عالٍ، لكن الشعب شكر الرب على عمله معهم.
العودة تحت قيادة عزرا وإصلاح الشعب ص 7-10
توجد فترة حوالي 60 عامًا ما بين الأحداث فنهاية الأصحاح السادس والأحداث مع بداية الأصحاح السابع، أي بين ظهور النبيين والعودة من السبي تحت قيادة عزرا. في هذه الفترة تحققت الأحداث الواردة في أستير.
عزرا 7 رسالة الملك لعزرا
إرسال الملك لعزرا: بعث الملك برسالة رائعة لعزرا تكشف عن مدى حب الملك له، وتأثره به وتشجيعه للشعب للعودة والتبرع لبيت الرب، والاهتمام بإرضاء الرب بكل حبٍ، وخضوعه لشريعته. بعد 13 سنة أعطى نفس الملك نحميا حق بناء أسوار أورشليم. الملوك الفارسيون الأحباء جدًا لليهود هم كورش وداريوس وأرتحشستا.
تحققت الرحلة عام 457 ق.م في أيام أرتحشستا الأول ابن زوج الملكة أستير، بعد حوالي 60 عامًا من إتمام بناء الهيكل و80 عامًا من عودة أول فوج من اليهود إلى أورشليم. وصل عزرا إلى أورشليم، وللأسف كان الشعب قد انحدر إلى الخطية. وكان دور عزرا هو ردهم إلى الرب.
كان عزرا إنسانا موهوبًا لكنه يعجز عن العمل بدون أن تكون يد الله عليه (7: 6، 8: 18)، اليد الحامية (8: 22، 31)، اليد المشجعة (7: 28)، اليد القائدة (7: 9).
كانت كلمة الله في قلب عزرا، كما في يده (7: 10). درس عزرا كلمة الله، وأطاعها، وعلَّم بها.
عزرا 7-8: رحلة عزرا إلى أورشليم
حملت أيدي اليهود الكنوز إلى الهيكل، أما الاستعداد للرحلة فهو:
ا. اجتماع الرؤساء، عند النهر (المعمودية).
ب. الصلاة.
ج. الصوم وتقديم ذبائح .
كان عزرا كاهنًا، جاء ليعلم يهوذا شريعة الله، ويقوم بتجميل الهيكل واستعادة خدمة الهيكل. أسس مجمع السنهدريم وكان أول رئيسٍ له.
عزرا 9: إصلاح الموقف بسبب الزواج بالوثنيات
إذ عاد عزرا إلى أورشليم وجد الأمور أسوأ مما كان يتوقع سواء على مستوى الشعب أو القيادات المدنية، فمزق ثيابه ونتف شعره في مرارة. وتذلل أمام الله، معترفًا بخطايا الشعب حاسبًا نفسه خاطئًا معهم.
سقط عزرا في حيرة (9: 1-4): أولاً كان يليق بالبقية أن تطيع كلمة الله من جهة الزواج وأن يتعلموا من تأديبهم بالسبي، ومن أحداث الماضي. وسقط في خجل (9: 5-9)، فقط صار الشعب ثملاً بسبب الخطية (9: 8).
قدم تحذيرًا (9: 10-15) فقد أعلن لهم كلمة الله، وهم لم يطيعوها. سبق فأدبهم ولم ينتفعوا من التأديب، لم يعد من طريق سوى العقوبة الأكثر مرارة. إذ صلى عزرا ارتعب (9: 4)، وركع (9: 5)، وانحنى (9: 6)، إذ لا يقدر أحد أن يقف أمام الله (9: 15، مز 130: 3).
عزرا 10: شعاع الرجاء وسط الظلمة
شجع شكنيا (وهو ابن يحبئيل الذي تزوج إمرأة وثنية) الشعب على الاعتراف بخطاياهم والطاعة للكلمة. ربما كان يفكر في وعود الله في خر 34: 6: 7؛ إش 55: 6- 7؛ إر 3: 11-13. المؤمنون اليوم يرجعون إلى يو 1: 9.
الاعتراف لا يتم بطريقة حرفية قاتلة بالشفاه وحدها، إنما بادراك مهابة كلمة الرب (عز 9: 4؛ 10: 3؛ إش 66: 2)، فيتمتع المؤمن بالقلب المنكسر (مز 51: 16-17).
لم يقبل الكل أن يطيعوا (10: 15)، لكن الذين أطاعوه اعترفوا بخطاياهم علانية، وقدموا ذبيحة، وتركوا الوثنيات.
كان الأمر مؤلمًا بالنسبة لهم، لكن لم يكن يوجد طريق آخر للتمتع بالطهارة. ليس من طريق سهل للتعامل مع الخطية.
انسحاق عزرا أثمر انسحاقًا وسط كل الشعب الذي اعترف بخطاياه وبكى بكاءً مرًا، وأعلنوا رغبتهم في تنفيذ كل ما ينطق به عزرا، وعزل النساء الغريبات (10). هكذا خُتم سفر عزرا ببناء بيت الرب في قلوب الشعب بالاعتراف والتوبة العملية الصادقة.
أقسامه
يمكن تقسيمه إلى قسمين:
1. عودة الشعب من بابل تحت قيادة زربابل 1-6.
2. عودة الشعب من بابل تحت قيادة عزرا 7-10.
السنة |
الملك |
الأحداث |
539 |
انتصار كورش |
نهاية الدولة البابلية وبدء مملكة مادي وفارس. |
538 |
نداء كورش منشوره |
نداء بعودة الشعب بقيادة زرابابل ويشوع، والبدء في بناء الهيكل. البدء في مقاومة الأعداء (عز 1: 2، عز 4: 5). |
529 |
قمبيز |
وقف البناء (عز 4: 17-25). |
522 |
الملك المحتال |
|
521 |
داريوس هستاسيس |
|
520 |
|
ظهور النبيين حجي وزكريا (الأمر بإعادة البناء). |
516 |
[520-516] |
الانتهاء من بناء الهيكل وتدشينه في أربع سنوات. مرور 70 عامًا من السبي النهائي 586 ق.م. |
486 |
زركيس الأول |
(أحشويروش) زوج إستير. |
480 |
|
هزيمته في معركة سلاميس. |
464 |
ارتحشستا لونجيمانوس |
تعاطف مع اليهود. |
458 |
|
الدفعة الثانية للعودة بقيادة عزرا. |
457 |
|
قرار بإعادة بناء الأسوار (دا 9: 25). |
445 |
(نح 2: 1-9) |
دفعة 3 للعودة مع نحميا كوالٍٍ. معه الأمر ببناء السور. |
433 |
(نح 5: 14) |
صعود نحميا إلى أورشليم ثانية وإصلاحاته. |
424 |
|
وفاة ارتحشستا لونجيمانوس. |
331 |
|
نهاية دولة مادي وفارس، وبداية الإمبراطورية اليونانية. |
يُلاحظ في سفر عزرا أنه ذُكر اسم "أرتحشستا" أحيانًا "أرتحششتا"، ولعل السبب في الاختلاف هو نطق الاسم تارة بحرف الشين، وأخرى بحرف السين.
عودة الشعب من بابل تحت قيادة زرُبابل
عزرا 1-6
تقدم لنا الأصحاحات الستة الأولى صورة عن الأحداث ابتداء من العودة من السبي من بابل (عز ا) وتنتهي بإصلاح الهيكل (عز 6).
العودة البدائية في بدء حكم كورش حيث استولى على بابل، كانت تحت قيادة شيشبصر "رئيس يهوذا" (1: 8)، غالبًا هو نفسه زرُبابل الأمير الملكي، ومعه يشوع الكاهن. وقام داريوس الملك الفارسي فيما بعد بمساندتهما على إتمام إعادة بناء الهيكل.
ما ورد في هذه الأصحاحات كان مدعمًا بمستندات، فذُكرت أسماء الأشخاص والأماكن والتواريخ والتقدمات والمراسيم الملكية مثل مرسوم كورش، والمراسلات بين رجال الدولة في غرب نهر الفرات والأباطرة الفارسيين.
غطت هذه الأصحاحات فترة حوالي 22 سنة، من سنة 538 ق.م (مرسوم كورش) إلى تدشين الهيكل عام 516 ق.م، وإن كان الكاتب قد تجاهل الإشارة إلى جوانب كثيرة من الحياة خلال العودة والإصلاح.
الجالس على العرش
يحرك العروش والقلوب
يبدأ السفر بإبراز عمل الله لأجل شعبه، أو بالكشف عن يد الله الصالحة التي تعمل المستحيلات. فينبه روح كورش ملك فارس ليطلق نداء في كل مملكته كما بالكتابة بالسماح بعودة اليهود المسبيين إلى وطنهم. كما نبه الرب الكهنة واللاويين ورؤساء الشعب من يهوذا وبنيامين ليعدوا أنفسهم للعودة، وإن كان الله لم يُلزم أحدًا بالعودة قسرًا.
تنبأ إرميا أن الرجوع من السبي البابلي يتحقق بعد 70 عامًا (إر 25: 12؛ 29: 10).
عندما فتح كورش بابل التقى به دانيال النبي وقدم له نبوات إشعياء وإرميا، فاهتز قلب الملك أن ما يحدث معه قد أُعلن لليهود منذ قرنين، وأن إله السماء دفع إليه ممالك الأرض، ودعاه مسيح الرب. هنا يقدم الملك الوثني المستعمر ما يستحيل توقعه منه:
1. آمن بإله السماء (وإن كان قد حسبه أحد الآلهة).
2. حث الوثني الكهنة والشعب للتحرك والعودة.
3. قدم آنية بيت الرب التي استولى عليها نبوخذنصر، ولم يقم ملوك بابل طوال عشرات السنين بصبها تماثيل لآلهتهم. يا للعجب روح الله يحرك الملك الوثني ويقيم قادة قديسين ويحرك قلوب الكهنة والشعب، بل ويحرك الشعب الوثني لتقديم هبات لإقامة هيكل إله السماء في أورشليم! هذا عمل الله ضابط التاريخ في حياة الكنيسة، كما في حياة كل مؤمن يتكئ على صدره! إنه يقدم لنا ما يبدو لنا مستحيلاً!
يسجل لنا الأصحاح الأول منشور الرجوع من السبي في السنة التي فيها غلب كورش بابل. نلاحظ أمانة الله الذي سمح بالتأديب إلى حين لأجل الإصلاح.
تظهر بعض النقوش المعاصرة لهذا الحدث أن كورش سمح لأممٍ أخرى أن ترجع إلى وطنها ومعها أصنامها. وإذ لم يكن لليهود أصنام يتعبدون لها لكي يأخذوها معهم عند عودتهم، أُعطيت لهم الأواني المقدسة التي للهيكل (1: 7؛ دا 5: 2).
كان يمكن لأي إنسان أن يعود، لكن لم يفعل الكل هكذا. فقد استقر البعض في بابل وازدهرت حياتهم، بينما كانت الحياة في اليهودية قاسية. ففضلوا أن يدفعوا الآخرين للرجوع بتقديم تبرعات لبناء بين الرب، دون أن يرجعوا.
1. تحقيق الوعد الإلهي 1-4.
2. الرب ينبه روح الشعب 5-6.
3.عودة آنية بيت الرب 7-11.
1. تحقيق الوعد الإلهي
جاءت فاتحة هذا السفر تطابق خاتمة سـفر أخبار الأيام الثاني (2 أي 36: 22-23). إذ لم يرد كاتب سفر أخبار الأيام الثاني أن يختم السفر بأحداث مؤلمة ومرة، وإنما أراد تأكيد أن الله لا ينسى شعبه حتى وإن طالت مدة التأديب. لقد سبق فوعد الله بأرميا النبي أن السبي لن يدوم أكثر من 70 عامًا (إر 25: 12؛ 29: 11). وجاء سفرا عزرا ونحميا يسجلان تحقيق هذا الوعد الإلهي حرفيًا وبدقة.
سبق أن وهب الله دانيال فهمًا للأحداث وتعَّرف مدة السبعين عامًا، فانسكب في صلاة بتذلل يعترف بخطاياه وخطايا شعبه التي سببت هذا السبي: "أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم. فوجهت وجهي إلى الله السيد طالبًا بالصلاة والتضرعات بالصوم والمُسح والرماد، وصليت إلى الرب إلهي واعترفت وقلت..." (دا 9: 2-4).
وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا،
نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ،
فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلاً: [1]
لا تعني السنة الأولى من ملكه في فارس (إيران)، بل السنة الأولى من ملكه على بابل؛ أي سنة 538 ق.م. لأنه لم يكن له سلطان على بابل (العراق) المدينة العظيمة، ولم يتخيل أحد إن فارس تحتل بابل، لأن نبوخذنصر اعتبر نفسه ملك الأرض كلها، وفارس كانت دُوَيلة صغيرة.
على خلاف ملوك بابل الذين كانوا يجدون مسرتهم في إذلال الشعوب المسبية، فكانوا يحملون آلهتها إلى بابل ويقيموها كأنصبة تذكارية، كنوعٍ من الإعلان عن عجزها وهزيمتها، وكافتخار لبابل غالبة الشعوب كان ملوك مادي وفارس، خاصة كورش، يحترمون الآلهة، كما يحترمون الشعوب ما دامت تدفع الجزية وتخضع لهم سياسيًا.
إذ قدم دانيال النبي النبوات لكورش، معلنًا له أن نصرته من قبل الرب، وأن ما تم سبق فتنبأ عنه الأنبياء، إلا أن عزرا يرى اليد الخفية العاملة في قلب كورش، فيقول: "نبه الرب روح كورش ملك فارس"، وكما يقول سليمان الحكيم: "قلب الملك في يد الرب، كجداول مياه حيثما شاء يميله" (أم 21: 1). الله الذي سمح لنبوخذنصر بالاستيلاء على أورشليم وهدم الهيكل وسبي الشعب لتأديب إسرائيل، هو الذي تكلم في قلب كورش ليصدر أمره بالعودة لمن يشاء، وبناء المدينة والهيكل. يقول دانيال النبي: "الذي له الحكمة والجبروت، وهو يغير الأوقات والأزمنة، ويعزل ملوكًا وينصب ملوكًا" (دا 2: 20-21). كما يقول الحكيم: "للهدم وقت، وللبناء وقت" (جا 3: 3), فقد سبق فكان وقت للهدم، والآن جاء الوقت المناسب للبناء.
بعث الملك نداءً في كل مملكة، يعلن عن رغبته في بناء بيت الرب في أورشليم، شفاهًا وكتابة. كما احتفظ بنسخة من هذا المنشور في سجلات الدولة الرسمية، هذه التي ظهرت قيمتها بعد في أيام داريوس الملك (عز 6: 1).
كورش: وُلد في عيلام سنة 590 ق.م، وملك في عيلام سنة 558، وفتح مادي سنة 549، وفارس سنة 548، ولود سنة 540، وبابل سنة 538، ولأن فارس كانت أهم أجزاء مملكته لُقب "ملك فارس"، وكان من أفضل الملوك القدماء في أخلاقه، كما في اقتداره في الحروب، وعُرف بسماحنه الدينية.
هل آمن كورش بإله إسرائيل؟
لا نعجب من أن كورش ينسب نفسه للرب إله السماء، فإن كان قد عرف أنه توجد نبوة منذ حوالي قرنين بأن يبني لله إله السماء بيتًا في أورشليم (إش 44: 28 ، 45: 1)، فلا يعني هذا أنه قبل الإيمان بالله الواحد، إنما كان يحترم جميع الديانات والآلهة. لذلك أصدر مراسيم مكتوبة لشعوب كثيرة خاضعة له كي يردوا الآلهة إلى بلادها في كرامة. وقد وجد بين حفريات هورمزد راسام Hormuzd Rassam لبابل سنة 1879- 1882 قطعة من الطين على شكل برميل، منقوش عليها مرسوم مشابه لما ورد هنا[7].
"وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا": أصدر منشورًا مكتوبًا كوثيقة قانونية تُحفظ في سجلات الحكومة.
70 سنة السبي: يرى البعض بدأ السبي في السنة الرابعة ليهواقيم ملك يهوذا أي سنة 605 ق.م، وجاء النداء بالعودة إلى أورشليم عام 538، فتكون مدة السبي حوالي 70 عامًا. ويرى البعض أن سبي يهوذا تحقق بالكامل سنة 568 ق.م حيث تهدم لهيكل وأعيد بناؤه سنة 516 ق.م، فتكون مدة السبي 70 عامًا تمامًا.
هَكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ:
جَمِيعُ مَمَالِكِ الأَرْضِ دَفَعَهَا لِي الرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ،
وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا [2].
يرى يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن دانيال أطلع كورش على ما ورد في سفر إشعياء عن مجيء كورش ليبني بيت الرب ويطلق المسبيين (إش 45: 13). شعر كورش أن ما بلغه من نجاح هو من قبل الله، وليس بقدرته الشخصية، وشعر بالالتزام والمسئولية في تحقيق رسالته.
يرى إشعياء النبي في عودة الشعب من بابل خروجًا ثانياً، إذ قيل: "اخرجوا من بابل، اهربوا من أرض الكلدانيين، بصوت الترنم أخبروا نادوا بهذا، شيعوه إلى أقصى الأرض، قولوا قد فدى الرب عبده يعقوب" (إش 48: 20). كان كورش رمزًا للسيد المسيح الذي أرسله الآب ليبني كنيسة الله، بيته.
امتدت مملكة فارس في أيام كورش، فكانت تضم إثيوبيا جنوبًا، وقبرص ومصر غربًا، وتسيطر على الماديين والفارسيين والأرمن والسريان والآشوريين والعرب والكبادوك وسكان فيرجينا وليديا وفينيقية والهند وكيلكيا وشعوب أخرى كثيرة[8].
ما يجب ملاحظته أن الأسفار التي وردت بعد السبي غالبًا ما تلقب الله "إله السماء" بينما التي سبقت السبي غالبًا ما تدعوه: "رب الجنود"[9].
يرى البعض أن الله تدخل عن طريق رؤيا أو حلم لتأكيد أن ما حدَّثه عنه دانيال من نبوات إنما هو من الله إله السماء.
يشعر المؤمن أنه بالحق قد صار ملكًا صاحب سلطان، ليس لعدو الخير أن يقتحم أعماقه. وأمام هذه العطية الإلهية يلتزم أن يبني لله بيتًا في قلبه، أورشليم الداخلية، بعمل روح الله القدوس. يقول الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم، لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو 3: 16-17). "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم... الذي لكم من الله، وأنكم لستم لأنفسكم" (1 كو 6: 19).
v هيكل الله مقدس، لكن من يرتكب الزنا فهو يدنس المقدسات[10].
القديس يوحنا الذهبي الفم
v في النظرة الأفلاطونية الجسد سجن، أما نظرة بولس له أنه هيكل الله، لأنه في المسيح[11].
العلامة ترتليان
v إنه ساكنٌ في السماء جالسٌ عن يمين العظمة، ولكنه أيضًا على الأرض متحدٌ بجميع القديسين اتحادًا وثيقًا وساكنٌ فيهم. هو في العلا، ولكنه أيضًا مع السفليين[12].
v والآن، إذن، يا أبنائي الأحباء، اقتنوا هذه الحرارة الثانية (الروحية) لكي يصير كل شيءٍ خفيفًا عليكم. ففي الحقيقة إنّ هذه الحرارة التي بحسب الله تطرح إلى خارج كل هوى، وتطرد من الإنسان كل ثقلٍ (أي همٍّ أو ضجر)، وتجعل اللاهوتية تُسكنه بحيث يصير هيكلاً لله، كما هو مكتوبٌ: "سأسكن فيهم وأسير بينهم" (2 كو 6: 16)[13].
القديس مقاريوس الكبير
v احترس من داخل ومن خارج لكي لا تَدِينْ أحدًا، ولا تلُوم أحدًا. لأن رجل الصلاة هو الذي يقف مصلِّيًا أمام الله، فهو يناجيه ويسبِّحه، إذ إنه يتفرَّغ لله ويمجِّده كل حين. مشدود الحقوين، يحمل مصباحه، وله في أوعيته زيتًا. إنه متشدِّدٌ بقوته، فهو قوي بالله. يحارب مقابل الشياطين ويحمل ثمرًا لله. قلبه نقيٌّ. وهو هيكلٌ لله ومسكن للروح القدس. وهو بيت مبني على الصخر. إنه طويل الأناة، وديعٌ يقظٌ[14].
القديس إسطفانوس الطيبي
v لا تجعل جسدك في القلاية بينما قلبك في مصر! لكن اجعل جسدك هيكلاً لله، ووجِّه أفكارك واقتنِ لك فكرًا ثابتًا.
رسالة أنبا بولا
v إن قال أحدٌ إنّ له محبة فلا يكن له شيء مكروه عند المسيح إطلاقًا. دعنا نهتم بتنقية قلوبنا من أوجاع الإنسان العتيق التي يُبغضها الله، لأننا نحن "هيكل الله" (2 كو 6: 16)، واللاهوت لا يسكن في هيكل ملوث بالأوجاع. فلندخل، إذن، ونتمِّم هدوءنا القليل، لأنه يكفي ما عُمِل. ولنصلِّ طالبين أن تكون حياتنا الهادئة حسب مشيئته، ممجِّدين ثالوثه القدوس الذي بلا عيب.
القديس برصنوفيوس
مَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ لِيَكُنْ إِلَهُهُ مَعَهُ،
وَيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا،
فَيَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ.
هُوَ الإِلَهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [3]
جاء أمر كورش يحترم إرادة الإنسان وحريته، فترك للمسبيين كامل الحرية للبقاء في أماكنهم أو العودة إلى وطنهم.
نحن نعلم أن أورشليم قائمة على جبال مرتفعة، فمن يرغب في الذهاب إليها يصعد، "َيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا". وكما يقول المرتل: "أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة وردية، تعود فتحيينا، ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا" (مز 71: 20).
إن كان كورش يدعو المؤمنين أن يصعدوا إلى أورشليم، فقد جاء سفر المزامير يحمل قسمًا يُدعى "مزامير المصاعد"، يضم المزامير 120 إلى 134. وكان هذا التجميع يستخدمه الزائرون القادمون إلى أورشليم في الأعياد العظمى، حيث كان الصاعدون إلى أورشليم يعطون ظهورهم للعالم ويتمتعون بجبال أورشليم المقدسة وهيكل الرب المقدس، فتتهلل نفوسهم. إنه صعود إلى عربون السماء.
في هذا الصعود يشعر المؤمن أنه كفطيم على صدر أمه (مز 131: 2). يشعر أن سرّ راحته هو سكنى الله وسط شعبه (مز 132)، واجتماع الكهنة مع الشعب في شركة صادقة. يتغنى القادمون للرب، ويسبحونه حتى بالليالي (مز 134).
كانت هذه المزامير الخمسة عشر يطابقها درجات السلم للهيكل (7 درجات في الخارج و8 درجات في الداخل). وكأنه يليق بمن يود الدخول إلى هيكل الرب أن يصعد على هذه الدرجات.
v من كان لا يزال في أدنى الدرجات فليثبت عينيه نحو أعلى الدرجات، أي الدرجة الخامسة عشرة. من بلغ الدرجة الخامسة عشرة، فقد بلغ ردهة الهيكل. هذا هو الهيكل الذي نراه الآن في خرابٍ، لأنه أخطأ ضد الرب. ماذا يقول الرب؟ "قم، لنصعد من هنا... تأملوا إلى لحظة كيف أن الهيكل الأرضي هو رمز للهيكل السماوي[15].
القديس جيروم
هذا الصعود يصاحبه صعود روحي لا يمكن تحقيقه ما لم يرافقه صاحب المدينة والبيت: "ليكن إلهه معه"، فقد نزل إلينا إلهنا لكي بصعوده يحملنا معه إلى أورشليم العليا، ونستقر في الهيكل السماوي.
v الآن (في عيد الصعود) نحن الذين قبلاً حُسبنا غير أهلٍ للبقاء على الأرض رفعنا إلى السماوات.
نحن الذين كنا قبلاً غير مستحقين للمجد الأرضي، نصعد الآن إلى ملكوت السماوات، وندخل السماوات، ونأخذ مكاننا أمام العرش الإلهي.
هذه الطبيعة التي لنا، التي كان الشاروبيم يحرس أبواب الفردوس منها، هوذا اليوم ترتفع فوق الشاروبيم!
كيف يمكننا أن نعبر على حادث عظيم هكذا عبورًا سريعًا؟!
لأننا نحن الذين أسأنا إلى مثل هذه المراحم العظيمة، حتى صرنا غير مستحقين للأرض ذاتها، وسقطنا من كل سلطان وكرامة، بأي استحقاق نرتفع إلى كرامة علوية كهذه؟!
كيف انتهى الصراع؟!
لماذا زال غضب الله؟
فإن هذا هو بحق عجيب: إن السلام قد حلّ، لا بعمل قام به الذين أثاروا غضب الله، بل الذي غضب علينا بحق هو نفسه يدعونا إلى السلام. إذ يقول الرسول: "إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا" (2 كو 5: 20). وماذا يعني هذا؟ أنه بالرغم من أننا أسأنا إليه، فإنه هو الذي يسعى إلينا ويدعونا إلى السلام. إنه حقًا هكذا، فإذ هو الله، وهو الإله المحب يدعونا إليه...
انظروا إلى طبيعتنا كيف انحطت ثم ارتفعت. فإنه ما كان يمكن النزول أكثر مما نزل إليه الإنسان، ولا يمكن الصعود إلى أكثر مما ارتفع إليه المسيح. ويوضح بولس ذلك إذ يقول: "الذي نزل هو الذي صعد أيضًا". وأين نزل؟! "إلى أقسام الأرض السفلى"، وصعد إلى "فوق جميع السماوات" (أف 4: 9-10).
افهموا من هذا الذي صعد؟!
إنني أتأمل في عدم استحقاق جنسنا حتى أدرك الكرامة التي نلناها خلال مراحم الرب المملوءة حنوًا. فإننا لم نكن سوى ترابًا ورمادًا... لكن اليوم ارتفعت طبيعتنا فوق كل الخليقة!
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
"يبني بيت الرب إله إسرائيل"، إذ لم يعد الشعب منقسمًا إلى مملكتين أو شعبين: إسرائيل ويهوذا، إنما انضم الشعبان معًا، أو عادت الوحدة إلى الشعب وهم تحت التأديب.
وَكُلُّ مَنْ بَقِيَ فِي أَحَدِ الأَمَاكِنِ حَيْثُ هُوَ مُتَغَرِّب،ٌ
فَلْيُنْجِدْهُ أَهْلُ مَكَانِهِ بِفِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ،
مَعَ التَّبَرُّعِ لِبَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [4]
في الخروج الأول طلب اليهود من المصريين أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا (خر 12: 3)، أخذها العبرانيون معهم عند تركهم مصر. أما هنا فقد أصدر ملك فارس نفسه أمرًا، طالبًا من شعبه، سواء كانوا يهودًا أو من الأمم أن يساهموا في تحقيق رغبته: بناء بيت الرب. بقوله: "فلينجده" يبرز أن هذا العطاء عمل إنساني كريم فيه نجدة للعائدين لبناء هيكل الرب.
إذ كان بعض اليهود محبوبين من أهل الأماكن الوثنية، حث كورش هؤلاء الوثنيين على مساندة اليهود بالفضة والذهب والأمتعة والبهائم مع التبرع لبيت الرب في أورشليم، وكما جاء في رؤ 12: 16 أن الأرض أعانت المرأة (الكنيسة).
كل خليقة الله صالحة، الفضة والذهب والأمتعة والحيوانات، يُمكن استخدامها فيما هو للخير، أن أحسنا استخدامها. أما إن تعلقت قلوبنا بها لا بالخالق فنسيء استخدامها وتصير عثرة لنا في طريق خلاصنا.
v لا تظن أن الفضة أو الذهب يجب أن يُلاما بسبب الجشعين، ولا الطعام والخمر بسبب النهمين والسكارى، ولا الجمال النسائي بسبب الزناة والفاسقين. وهكذا في كل الأمور الأخرى، خاصة حينما ترى طبيبًا يستخدم نارًا بطريقة صالحة بينما قاتل يستخدم خبزًا به سم لتنفيذ جريمته[16].
v إذ فقد أيوب كل غناه وبلغ إلى أقصى الفقر، احتفظ بنفسه غير مضطربة، مركزًا على الله ليظهر أن الأمور الأرضية ليست بذات قيمة في عينيه، بل كان هو أعظم منها، والله أعظم منه. فلو أن رجال أيامنا هذه لهم ذات الفكر، لما كنا مُنعنا بإصرارٍ في العهد الجديد من امتلاك هذه الأشياء لكي ما نبلغ الكمال. لأن امتلاكنا مثل هذه الأشياء دون التعلق بها لشيء جدير بالثناء أكثر من عدم امتلاكها نهائيًا[17].
v إن أردنا أن نرجع إلى بلدنا الأصلي حيث توجد سعادتنا، يلزمنا أن نستخدم هذا العالم، لا أن نتمتع به، لكي ما نرى "أمور الله غير المنظورة مُدركة بالمصنوعات" (رو 1: 20). بمعنى أننا ندرك الأبدي الروحي من خلال ما هو جسدي وقتي.[18]
القديس أغسطينوس
2. الرب ينبه روح الشعب
فَقَامَ رُؤُوسُ آبَاءِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ،
مَعَ كُلِّ مَنْ نَبَّهَ اللهُ رُوحَهُ،
لِيَصْعَدُوا لِيَبْنُوا بَيْتَ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ. [5]
روح الله الذي أشرق بنور المعرفة على الأنبياء،: إشعياء وإرميا ودانيال ليروا العودة بروح النبوة هو نفسه الذي حرك روح كورش لإصدار الأمر بالعودة، وهو بنفسه حرك روح رؤساء آباء يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويين وغيرهم ليصعدوا لبناء بيت الرب دون اعتبار لمقاومة الأعداء أو للمخاطر التي تقابلهم سواء في الطريق أو في أورشليم نفسها. وإن كان البعض صمم على البقاء في أماكنهم من أجل مكاسبهم المادية. لم يكن قرار العودة إلى أورشليم سهلاً، فالمدينة محروقة بالنار، وبلا أسوار، والأعداء محيطون بها، والطريق شاق، مملوء بالمخاطر وغير معروف لديهم. أكثرهم لم يروا أورشليم من قبل، والبعض رأوها وهم أطفال صغار. هذا ومن الصعب عليهم أن يتركوا مصالحهم في بابل من أراضٍٍ وأموال وعبيدٍ ومغنين ومغنيات (عز 2: 65). هؤلاء كانوا في حاجة أن ينبه الله أرواحهم لينطلقوا إلى أورشليم.
الذين تجاوبوا مع روح الله ترنموا قائلين: "إن نسيتك يا أورشليم تُنسى يميني، ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك. إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي!" (مز 137: 5-6). هذه هي أغنية كل مؤمنٍ حقيقي يشتهي الانطلاق إلى أورشليم العليا لينعم بالوجود في الأحضان الإلهية، ويتمتع بالأمجاد السماوية.
يرى القديس جيروم في هؤلاء الصاعدين من بابل لبناء بيت الرب، الخطاة الذين يذكرون حياتهم الماضية المقدسة، ولا ينسونها، بل يطلبون أن يعملوا العمل الروحي كما بأياديهم اليمنى، ويردد لسانهم عمل الله معهم، لكي يرجعوا إلى حياتهم الأولى المقدسة[19].
وَكُلُّ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ أَعَانُوهُمْ،
بِآنِيَةِ فِضَّةٍ وَبِذَهَبٍ وَبِأَمْتِعَةٍ وَبِبَهَائِمَ وَبِتُحَفٍ،
فَضْلاً عَنْ كُلِّ مَا تُبُرِّعَ بِهِ. [6]
حين يركز الإنسان على أورشليم العليا، يستخف بكل الزمنيات، فإذا بها تجرى وراءه وتلتصق بقدميه. وكما قيل عن الرسل أن أصحاب الحقول أو البيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل (أع 4: 24-35).
3.عودة آنية بيت الرب
وَالْمَلِكُ كُورَشُ أَخْرَجَ آنِيَةَ بَيْتِ الرَّبِّ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ،
وَجَعَلَهَا فِي بَيْتِ آلِهَتِهِ [7]
يمثل كورش الإنسان الجاد، يقرن كلماته بالعمل. فقرن كورش أمره بإخراج آنية بيت الرب التي سبق نبوخذنصر فسلبها (2 مل 25: 13-15). والعجيب أن تبقى هذه الآنية نحو 70 عامًا ولم يفكر أحد من الملوك بابل في صهرها واستخدامها كحلي أو صنع تماثيل لهم أو لآلهتهم.
أَخْرَجَهَا كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ عَنْ يَدِ مِثْرَدَاثَ الْخَازِنِ،
وَعَدَّهَا لِشِيشْبَصَّرَ رَئِيسِ يَهُوذَا. [8]
مثرداث: اسم فارسي معناه "معطى من مثرا Mithra أي إله النور أو إله الشمس". كان خازن كورش، وكان مُستأمنًا على آنية الهيكل.
شيشبصر: يرى البعض أنه شخصية أخرى غير زربابل، لكن الرأي السائد أنه هو زربابل نفسه، اسمه البابلي شيشبصر، ومعناه "الفرح وسط المتاعب[20]" أو "إله الشمس" ويرى البعض أنه يعني "عابد النار[21]". ويرى آخرون أنه اسم أكادي معناه "ليت سن (إله القمر) يحمي الأب". أما اسمه العبراني "زربابل" ومعناه "المولود أو المزروع أو الغريب[22] في بابل". وذلك مثل دانيال والثلاثة فتية، كانت لهم أسماؤهم العبرية، وأعطاهم البابليون أسماء كلدانية. زربابل هو ابن شالتيئل الابن الأكبر للملك يهوياكين الذي مات بدون ذرية، فتزوج أخوه الأصغر من امرأته، وأنجب له نسلاً حسب الشريعة (تث 25: 5-6). فيحسب الشريعة زربابل هو ابن شالتيئيل (عز 3: 2)، ويحسب الطبيعة هو ابن فدايا (أي 3: 9).
وَهَذَا عَدَدُهَا: ثَلاَثُونَ طَسْتًا مِنْ ذَهَبٍ،
وَأَلْفُ طَسْتٍ مِنْ فِضَّة،ٍ
وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ سِكِّينًا [9]
حفظت آنية بيت الرب في هيكل للأوثان، وربما استخدمت هناك، لكنها كأوانٍ للكرامة تبقى عين الرب ساهرة لردها إلى بيته، فإن الرب يعلم الذين هم له (2 تي 2: 19).
وَثَلاَثُونَ قَدَحًا مِنْ ذَهَب،ٍ
وَأَقْدَاحُ فِضَّةٍ مِنَ الرُّتْبَةِ الثَّانِيَة،ِ
أَرْبَعُ مِئَةٍ وَعَشَرَةٌ وَأَلْفٌ مِنْ آنِيَةٍ أُخْرَى. [10]
ردّ الآنية الذهبية والفضية أعطى الراجعين دفعة قوية لبناء بيت الرب، فقد حملوا مقدسات ثمينة، ليس فقط من جهة قيمتها المادية، وإنما كمقدسات ثمينة خاصة ببيت الرب.
جَمِيعُ الآنِيَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خَمْسَةُ آلاَفٍ وَأَرْبَعُ مِئَةٍ.
الْكُلُّ أَصْعَدَهُ شِيشْبَصَّر،
عِنْدَ إِصْعَادِ السَّبْيِ مِنْ بَابِلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ [11]
واضح أننا إذا جمعنا الآنية الواردة في العددين 9 و10 لا تبلغ 5400 آنية. غالبًا ما سجل في العددين 9 و10 الآنية الكبيرة، وهنا يذكر المجموع كله من آنية كبيرة وصغيرة.
من وحي عزرا 1
لتُقم مسكنك في داخلي!
v نفسي تئن مع المسبيين في بابل.
علقت قيثارتي على شجرة الصفصاف.
كيف أسبح لك، وأنا في أرض الخطية؟
كيف أتهلل ونفسي مُستعبدة للعدو؟
أنت تعلم الذين هم لك،
ها أنا لك، لا تتركني في بابل العنيفة!
v قلبي يصرخ: ردني إلى أورشليمك.
ارفعني من المزبلة، وضمني إلى حضن أبيك!
قُدني في مواكب الإيمان المتهللة!
أصعدني إلى مقدساتك السماوية.
v تسبحك نفسي من أجل كل عطاياك!
لكن تبقى في عطش إليك وحدك!
عطاياك تشهد لحبك لي،
فلست أود أن يمتلكني العالم الذي خلقته لأجلي.
بل أنت وحدك تمتلكني يا ملك الملوك.
حررني من كل شهوة زمنية،
ولتصب كل شهواتي فيك.
أنت هو حياتي وإكليلي!
موكب العائدين المتهللين
في الأصحاح الأول ردّ كورش ملك فارس آنية بيت الرب الثمينة إلى أورشليم حيث يُبنى هيكل الله. في هذا الأصحاح نرى الآنية البشرية الكثيرة الثمن، التي هي شعب الله الذي يسكن الله في وسطه. هذا هو البيت الإلهي الذي يُسر الله أن يبنيه بنفسه.
إذ صدر الأمر الملكي بإمكانية العودة، وأوصى الملك الشعب بتقديم تبرعات لبناء بيت الرب، كما أخرج الآنية التي كانت مودعة في بيت آلهة نبوخذنصر. استجاب للدعوة حوالي 50 الفًا، وهو عدد يُعتبر قليلاً جدًا بالنسبة للمسبيين. لكن ما يشغل الله لا العدد بل نقاوة القلوب. إنهم يمثلون القلة القليلة الأمينة التي لم تستطع أرض السبي ولا عشرات السنوات أن تحول أبصارهم عن مدينة الله المحروقة بالنار وهيكله المهدم.
القائمة الخاصة بالراجعين من السبي في الأصحاح الثاني تكررت في نحميا (7: 6-73).
إنها قائمة موكب عجيب، موكب أصحاب القلوب النقية المتهللة بعمل الرب. أما فئاته فكثيرة: وقد بوِّبت القوائم هكذا:
أ. القادة [1-2]: تشمل إثني عشر شخصًا ذكر عزرا أحد عشر منهم، وذكر نحميا نفس الأسماء بالإضافة إلى نحماني (نح 7: 7). وإن كان جميعهم من سبطي يهوذا وبنيامين، لكنهم كانوا يحسبون أنفسهم ممثلي الاثني عشر سبطًا. قدموا اثني عشر ثورًا، محرقة عن كل الأسباط (عز 8: 35).
كان موكب العودة تحت قيادة زرُبابل حفيد الملك يهوياكين، وهو يمثل السلطة المدنية، ويشوع الكاهن يمثل السلطة الدينية. إنه موكب التحرر من إبليس والصعود إلى أورشليم العليا تحت قيادة رب المجد يسوع بكونه ملك الملوك ورئيس الكهنة السماوي في نفس الوقت، يحمل الملوكية والكهنوت في نفس الوقت.
في كل جيل يرسل الله قديسين عظماء متنوعي المواهب.
ب. الشعب [3-35]: تم تصنيف بعضهم حسب عشائرهم وقبائلهم [3-19]. وتصنيف الآخرين حسب أماكن الاستقرار [20-35]. إنه أشبه بسفر الحياة التي يُسجل فيه أسماء المجاهدين في الرب، الذين أحبوا الهيكل السماوي أفضل من كل غنى الأرض ومراكزها. الله ينقش اسمك على كفه (إش 49: 16).
ج. الكهنة [36-39]: عاد منهم 4289 كاهنًا من أربع فرق: بنو يدعيا، وبنو أمير، وبنو فشحور، وبنو حاريم.
د. اللاويون [40-43]: عاد من اللاويين 74 شخصًا، فقد أحب بقيتهم خدمة العالم عن خدمة الهيكل. ومن البوابين 139 شخصًا، الذين يقومون بحراسة الهيكل. ومن الْمُغَنُّينَ بَنُو آسَافَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ [41].
لم يكن ممكنًا للكهنة أو اللاويين أو المغنين أو الشعب أن يسبّحوا في أرض السبي: "كيف نسبح تسبحة الرب في أرضٍ غربية" (مز 137: 4). لقد أضفى المغنون على موكب العودة روح التسبيح والفرح والتهليل، مما جعل الرحلة ممتعة، ونسي الكل - الكبار والصغار، الرجال والنساء - مشاق الرحلة. لهم دور أساسي في الموكب، فهو موكب الانطلاق إلى أورشليم العليا، موكب متهلل. بالفرح والتهليل ننسى مشقة رحلة جهادنا وغربتنا!
هـ. النثينيم [43-54]: اسم عبري معناه "مكرسون" هم غالبًا أحفاد الجبعونيين والمديانيين الذين قاموا بالعمل في بيت الرب أمام موسى ويشوع. كَّرسهم داود الملك لخدمة الهيكل. مع أنهم ليسوا من شعب الله، لكنهم فضلوا الخدمة في خرائب أورشليم والهيكل المتهدم عن أمجاد بابل.
و. بنو عبيد سليمان [55-58]: من نسل الكنعانيين.جنَّدهم في خدمة الهيكل. بهذا انسلخوا من اللعنة التي حلت عليهم (تك 9: 25)، إذ التصقوا بالرب وتقدسوا فيه.
كان النثينيم ومعهم بنو عبيد سليمان أكثر غيرة من اللاويين. كثيرون يأتون من المشارق والمغارب، ويتمتعون بالأحضان الإلهية (مت 8: 11)، بينما يتراخى أبناء الملكوت في التمتع به. هوذا الموكب يسع العالم كله، أبواب الله المفتوحة للجميع!
كان من الضروري أولاً أن يستقر هذا العدد الضخم من الراجعين من السبي [64-70]، لكن أورشليم كانت موضعًا فقيرًا (مراثي 5: 18). لذلك فقد ذهبوا إلى المدن والقرى المحيطة يستقرون فيها.
1. الصاعدون من السبي 1-58.
2. الذين لم تثبت أنسابهم 59-67.
3. عطاء حسب الطاقة 68-70.
1. الصاعدون من السبي
وَهَؤُلاَءِ هُمْ بَنُو الْكُورَةِ الصَّاعِدُونَ مِنْ سَبْيِ الْمَسْبِيِّينَ،
الَّذِينَ سَبَاهُمْ نَبُوخَذْنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ،
وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا،
كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ [1].
يقصد بالكورة هنا يهوذا الني كانت قبلاً مملكة عظيمة لها توابع، فقد صارت مجرد كورة، أي مقاطعة تابعة لملك فارس. هذا هو عمل الخطية التي تذل الإنسان كما الأمم والممالك. لقد ارتبط الشر بالعار والخزي وفقدان السلام مع الفشل والهزيمة الداخلية، والبرً بالكرامة الحقيقية. فالشرير لا يحتاج إلى من يردعه ويعاقبه، إنما ما يفعله يقدم له المرارة والموت! يشرب من ذات الكأس التي ملأها لنفسه، اللهم إلا إذا ألقى بالكأس خلال تمتعه بالشركة مع مخلصه، وجهاده الجاد خلال الإرادة المقدسة في الرب.
"البرّ يرفع شان الأمة، وعار الشعوب الخطية" (أم 14: 34).
"إذا جاء الشرير جاء الاحتقار أيضًا، ومع الهوان عار" (أم 18: 3).
"فكانوا كلما عبدوا غير إلههم أُسلموا للغنيمة والسيف والعار" (يهوديت 5: 18).
"ليخز ويفن مخاصمو نفسي، ليلبس العار والخجل الملتمسون لي شرًا" (مز 71: 13).
"لا سلام قال الرب للأشرار" (إش 48: 22).
"ولا تصر عدوُا بعد أن كنت صديقًا، فإن القبيح السمعة يرث الخزي والعار، وكذلك الخاطئ ذو اللسانين" (سي 6: 1).
"الكذب عار قبيح في الإنسان، وهو لا يزال في أفواه فاقدي الأدب (سي 20: 26).
v إن بقيت فيما يخص التراب، فستتحول إليه في النهاية. يليق بك أن تتغير، يجب أن تتحول، يجب أن تصير سماويًا[23].
العلامة أوريجينوس
v إذ أنا ملوم بكل غضن خطاياي، أقضي أيامي ولياليَّ في رعبٍ، لكنني إذ أنظر الله يحل القيود، ويسند النفس المتواضعة المرتعبة، يقول لي وأنا منبطح في قبر شري: "چيروم هلم خارجًا"[24].
القديس چيروم
v يتَّجه هؤلاء الأشرار نحو قتل أنفسهم بكل أنواع الشهوات... نعم، فإنَّهم حتى عندما يعيشون يكونون في عارٍ، إذ يحسبون بطونهم آلهتهم، وعندما يموتون يتعذبون[25].
القدِّيس أثناسيوس الرسولي
الَّذِينَ جَاءُوا مَعَ زَرُبَّابَِلَ:
يَشُوعُ نَحَمْيَا سَرَايَا رَعْلاَيَا مُرْدَخَايُ بِلْشَانُ مِسْفَارُ بَغْوَايُ رَحُومُ بَعْنَةَ.
عَدَدُ رِجَالِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ [2].
إذ قبل العائدون إلى أورشليم ترك الكثير واحتمال المتاعب والمخاطر من أجل بناء مدينة الله أورشليم وهيكله، كرَّمهم الله بذكر أسمائهم. "فإني أكرم الذين يكرمونني" (1 صم 2: 30). يحفظ الله أسماء متقيه، إذ "ذكر الصديق للبركة" (أم 10: 7)، ويكرمهم في هذا العالم كما في الدهر الآتي.
تُسجل أسماء للعاملين لحساب ملكوت الله، حتى تُسجل أيضًا في سفر الحياة الأبدية (رؤ 3: 5).
هذا السجل لم يذكر كل الأسماء مكتفيًا أحيانًا بأسماء رؤساء البيوت والعشائر، وأحيانًا بالعدد فقط. أما متقو الرب، فأسماؤهم مُسجلة عند الرب في سفر التذكرة (مل 3: 16-17).
v "ذكر الصدِّيق يُمتدح". لم يقل هذا ليعني أن النفوس المنتقلة يسندها مديحنا. إنما قال هذا لأن الذين يمدحون الراحلين ينالون النفع الأعظم من ذكراهم، لذلك إذ ننال نفعًا كثيرًا من ذكرهم المقدس، ليتنا لا نزدري بكلمات الإنسان الحكيم، بل بالحرى نعطي اهتمامًا بها[26].
القديس يوحنا الذهبي الفم
نحميا هنا غير نحميا قائد الفوج الثالث الذي أعاد بناء السور بعد ذلك بحوالي 80 سنة، كذلك مردخاي هنا غير مردخاي الوارد في سفر أستير.
بَنُو فَرْعُوشَ أَلْفَانِ وَمِئَةٌ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ [3].
بَنُو شَفَطْيَا ثَلاَثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَسَبْعُونَ [4].
بَنُو آرَحَ سَبْعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ [5].
بَنُو فَحَثَ مُوآبَ مِنْ بَنِي يَشُوعَ
وَيُوآبَ أَلْفَانِ وَثَمَانُ مِئَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ [6].
"فحث موآب"، أي حاكم موآب، ربما كان أبوهم حاكمًا لموآب حين كانت خاضعة لإسرائيل.
بَنُو عِيلاَمَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ [7].
بَنُو زَتُّو تِسْعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ [8].
بَنُو زَكَّايَ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتُّونَ [9].
بَنُو بَانِي سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ [10].
بَنُو بَابَايَ سِتُّ مِئَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ [11].
بَنُو عَرْجَدَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ [12].
بَنُو أَدُونِيقَامَ سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ [13].
"أدوينقام" تعني "السيد الكبير". ونلاحظ أن رقم 666 هو رقم الوحش (رؤ 13)، أو الشيطان. وكأنه مع كل رجوع إلى الله، نتوقع محاربات من عدو الخير مادمنا لازلنا في الجسد.
بَنُو بَغْوَايَ أَلْفَانِ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ [14].
بَنُو عَادِينَ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ [15].
بَنُو آطِيرَ مِنْ يَحَزَقِيَّا ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ [16].
بَنُو بِيصَايَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ [17].
بَنُو يُورَةَ مِئَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ [18].
بَنُو حَشُومَ مِئَتَانِ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ [19].
بَنُو جِبَّارَ خَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ [20].
"جبار"، هي جبعون (نح 7: 25، يش 9).
بَنُو بَيْتِ لَحْمٍ مِئَةٌ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ [21].
رِجَالُ نَطُوفَةَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ [22].
رِجَالُ عَنَاثُوثَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ [23].
رجال عناثوث [23]: وهم أهل قرية إرميا النبي الذين اتهموه بالخيانة، وتخلوا عنه. تنبأ إرميا عن العودة من السبي وهو في السجن، حيث حبسه صدقيا الملك بتهمة أنه عميل نبوخذنصر. جاءه ابن عمه حنئيل يشتري منه حقله الذي في عناثوث، ومع علمه أن الكلدانيين سيستولون على الأرض. اشترى الحقل وكتب الصك وأشهد الشهود، وأمر باروخ بأن يضعه في إناء خزفي، شهادة على أنه بعد خراب الأرض ستعود إليها الحياة (إر 32: 43-43). هوذا قد تحقق وعد الله وعاد المسبيون، ورجع رجال عناثوث ليعمروا الأرض.
بَنُو عَزْمُوتَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ [24].
بَنُو قَرْيَةِ عَارِيمَ كَفِيرَةَ وَبَئِيرُوتَ سَبْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَأَرْبَعُونَ [25].
بَنُو الرَّامَةِ وَجَبَعَ سِتُّ مِئَةٍ وَوَاحِدٌ وَعِشْرُونَ [26].
رِجَالُ مِخْمَاسَ مِئَةٌ وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ [27].
رِجَالُ بَيْتِ إِيلَ وَعَايَ مِئَتَانِ وَثَلاَثَةٌ وَعِشْرُونَ [28].
بَنُو نَبُو اثْنَانِ وَخَمْسُونَ [29].
"نبو": ليس الجبل الذي صعد عليه موسى، بل هي مكان في يهوذا.
بَنُو مَغْبِيشَ مِئَةٌ وَسِتَّةٌ وَخَمْسُونَ [30].
بَنُو عِيلاَمَ الآخَرِ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ [31].
"عيلام الآخر" تميزًا له عن عيلام المذكور في آية 7، الأول اسم شخص، أما هنا فاسم مكان.
بَنُو حَارِيمَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ [32].
بَنُو لُودَ بَنُو حَادِيدَ وَأُونُو سَبْعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ [33].
بَنُو أَرِيحَا ثَلاَثُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ [34].
بَنُو سَنَاءَةَ ثَلاَثَةُ آلاَفٍ وَسِتُّ مِئَةٍ وَثَلاَثُونَ [35].
أَمَّا الْكَهَنَةُ فَبَنُو يَدْعِيَا مِنْ بَيْتِ يَشُوعَ تِسْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثَةٌ وَسَبْعُونَ [36].
كنا نتوقع عودة كل الكهنة، لكن للأسف عادت مجموعات من أربع فرق فقط، والبقية فضلت العمل في أرض السبي والمشروعات عن هيكل الرب.
"يشوع" المذكور هنا غير المذكور في آية 2.
يلاحظ أن مجموع عدد الكهنة حوالي 4200، وهم حوالي عُشر العائدين من أورشليم، وكأن الله أراد أن يحتفظ لنفسه بالعشور.
بَنُو إِمِّيرَ أَلْفٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ [37].
بَنُو فَشْحُورَ أَلْفٌ وَمِئَتَانِ وَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ [38].
بَنُو حَارِيمَ أَلْفٌ وَسَبْعَةَ عَشَرَ [39].
أَمَّا اللاَّوِيُّون،َ فَبَنُو يَشُوعَ وَقَدْمِيئِيلَ مِنْ بَنِي هُودُويَا أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ [40].
يلاحظ أن عدد اللاويين قليل للغاية، ربما لأنهم رفضوا وظيفتهم واستخفوا بها، إذ أرادوا أن تكون لهم أرضٍ وممتلكات، ونسوا أن الرب هو نصيبهم، وهم نصيب الرب.
الْمُغَنُّونَ بَنُو آسَافَ مِئَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ [41].
بَنُو الْبَوَّابِينَ بَنُو شَلُّومَ بَنُو آطِيرَ بَنُو طَلْمُونَ بَنُو عَقُّوبَ
بَنُو حَطِيطَا بَنُو شُوبَايَ الْجَمِيعُ مِئَةٌ وَتِسْعَةٌ وَثَلاَثُونَ [42].
النَّثِينِيمُ بَنُو صِيحَا بَنُو حَسُوفَا بَنُو طَبَاعُوتَ [43].
النثنييم: غالبًا من نسل الجبعونيين، عُينوا في خدمة اللاويين.
بَنُو قِيرُوسَ بَنُو سِيعَهَا بَنُو فَادُونَ [44].
بَنُو لَبَانَةَ بَنُو حَجَابَةَ بَنُو عَقُّوبَ [45].
بَنُو حَاجَابَ بَنُو شَمُلاَيَ بَنُو حَانَانَ [46].
بَنُو جَدِّيلَ بَنُو حَجَرَ بَنُو رَآيَا [47].
بَنُو رَصِينَ بَنُو نَقُودَا بَنُو جَزَّامَ [48].
بَنُو عُزَّا بَنُو فَاسِيحَ بَنُو بِيسَايَ [49].
بَنُو أَسْنَةَ بَنُو مَعُونِيمَ بَنُو نَفُوسِيمَ [50].
بَنُو بَقْبُوقَ بَنُو حَقُوفَا بَنُو حَرْحُورَ [51].
بَنُو بَصْلُوتَ بَنُو مَحِيدَا بَنُو حَرْشَا [52].
بَنُو بَرْقُوسَ بَنُو سِيسَرَا بَنُو ثَامَح [53].
بَنُو نَصِيحَ بَنُو حَطِيفَا [54].
بَنُو عَبِيدِ سُلَيْمَانَ بَنُو سَوْطَايَ بَنُو هَسُّوفَرَثَ بَنُو فَرُودَا [55].
"بنو عبيد سليمان": من نسل الكنعانيين الذين سخرهم سليمان لبناء الهيكل (1 مل 9: 20-21).
بَنُو يَعْلَةَ بَنُو دَرْقُونَ بَنُو جَدِّيل [56].
بَنُو شَفَطْيَا بَنُو حَطِّيلَ بَنُو فُوخَرَةِ الظِّبَاءِ بَنُو آمِي [57].
جَمِيعُ النَّثِينِيمِ وَبَنِي عَبِيدِ سُلَيْمَانَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَتِسْعُونَ [58].
2. الذين لم تثبت أنسابهم
وَهَؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ تَلِّ مِلْحٍ وَتَلِّ حَرْشَا كَرُوبُ أَدَّانُ إِمِّيرُ.
وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُبَيِّنُوا بُيُوتَ آبَائِهِمْ وَنَسْلَهُم.ْ
هَلْ هُمْ مِنْ إِسْرَائِيلَ [59].
كان لجداول الأنساب أهمية كبرى عند العبرانيين، خاصة بالنسبة للكهنة واللاويين. فمن لا يستطيع أن يثبت أنه من نسل إبراهيم يُحرم من بعض الامتيازات الخاصة.
مما يُخجل أن بعض العائدين بسبب محبتهم للمال، فقدوا اهتمامهم بإثبات بيوت آبائهم [59].
"لم يستطيعوا أن يبينوا بيوت آبائهم"، هؤلاء إسرائيليون، لكنهم فقدوا قوائم انتسابهم. وكان من هؤلاء كهنة، ويلزمهم أن يكونوا من نسل هرون.
بَنُو دَلاَيَا بَنُو طُوبِيَّا بَنُو نَقُودَا سِتُّ مِئَةٍ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ [60].
"دلايا" معناه "من حرره يهوه. "طوبيا" معناه "جودة يهوه". و"نقودا" معناه "شهير". فمع ما تحمله هذه الأسماء من دلالات روحية جميلة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا نسبهم إلى شعب الله، ربما لأن اباءهم كانوا قد تزوجوا بوثنيات. حُسب هؤلاء كغرباء مختونين لهم حق العبادة وتقديم الذبائح (عد 15: 14-16) لكن ليس لهم نصيب في الأرض.
وَمِنْ بَنِي الْكَهَنَةِ بَنُو حَبَايَا بَنُو هَقُّوص،َ
بَنُو بَرْزِلاَّيَ الَّذِي أَخْذَ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ بَرْزِلاَّيَ الْجِلْعَادِيِّ،
وَتَسَمَّى بِاسْمِهِمْ [61].
غير بعض الكهنة نسبهم إلى برزلاي الجلعادي عوض انتسابهم لسبط هرون [61]، فحُرموا من أكل قدس القداس، إي من أنصبتهم ككهنة، وأُعطي لهم فقط القدس الذي هو أنصبة عائلات الكهنة [61-63]. كثير من الشعب بل ومن كان أصلهم أمميًا سبقوا الكهنة ودخلوا الموكب، وصاروا أبطالاً عند الرب. يسبق بعض الشعب الكهنة في الأمجاد السماوية. "بنو برزلاي": هؤلاء فقدوا الكهنوت، إذ فقدوا الاستحقاق له. لأن أباهم كان كاهنًا، فضّل أن يتسمى باسم رجل مشهور هو برزلاي الجلعادي، وترك نسبة لهرون. لم يدرك كرامة الكهنوت وخدمة الله، فرذل نسبة الكهنوتي. من ينكر ابن الإنسان ينكره ابن الإنسان أيضًا.
هَؤُلاَءِ فَتَّشُوا عَلَى كِتَابَةِ أَنْسَابِهِمْ فَلَمْ تُوجَدْ،
فَرُذِلُوا مِنَ الْكَهَنُوتِ [62].
وَقَالَ لَهُمُ التِّرْشَاثَا أَنْ لاَ يَأْكُلُوا مِنْ قُدْسِ الأَقْدَاسِ،
حَتَّى يَقُومَ كَاهِنٌ لِلأُورِيمِ وَالتُّمِّيمِ [63].
هؤلاء المرفوضون من الكهنوت حرموا أنفسهم من خبز الوجوه والشركة في لحم الذبيحة المقدسة والسكيب، هذه التي لا يأكل منه سوى الكهنة وتُدعى مجازًا قدس الأقداس. أما البكور وتقدمات الشكر والعشور، فيأكلها بيت الكاهن كله، وتُسمى القدس.
الترشاثا: كلمة فارسية تشير إلى الوالي، وقد تعني لقبًا للاحترام مثل "سعادة فلان". الوالي هنا زربابل.
"كاهن للأوريم والتميم":كانا حجرين مسطحين على صدرة رئيس الكهنة التي تُدعى "صدرة القضاء (خر 28: 30، لا 8: 8)"، والتي من خلالهما يجيب الله على أسئلته، فهما يشيران إلى تسليم المشيئة لله، في الأمور الخاصة بالشعب ككلٍ.
كلمة "أوريم" معناها "الأنوار"، و"التميم" معناها "إتمام" أو "الكمالات".
هنا نجد إشارة إلى انتظار الإسرائيليين إلى مجيء رئيس الكهنة الذي فيه كل الأنوار والكمالات، أي السيد المسيح.
على أي الأحوال فإن "الأوريم والتميم" يؤكدان في حياة الكاهن ألاَّ يعتمد في خدمته على الأذرع البشرية والمشورات البشرية، لكنه يلجأ أولاً إلى المذبح، حيث ينسكب أمام الله طالبًا نوره الإلهي يشرق في قلبه ويكمل كل ضعف فيه. فالتزامات الكاهن الكثيرة والخطيرة والمتشابكة، إذ يقوم بإرشاد الناس في أثمن ما لديهم – خلاص نفوسهم – وتعامله مع أنواع مختلفة من الناس، تحت ظروف متباينة، هذا الأمر الذي يجعله محتاجًا أن يكون على صلة مستمرة بالله مرشده حتى لا تهلك نفس بسبب جهله أو عجزه عن القيام بالعمل.
v الرب نفسه هو الذي يعمل وهو الذي يقدم الكل[27].
القديس يوحنا الذهبي الفم
كُلُّ الْجُمْهُورِ مَعًا اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا وَثَلاَثُ مِئَةٍ وَسِتُّون [64].َ
فَضْلاً عَنْ عَبِيدِهِمْ وَإِمَائِهِمْ،
فَهَؤُلاَءِ كَانُوا سَبْعَةَ آلاَفٍ وَثَلاَثَ مِئَةٍ وَسَبْعَةً وَثَلاَثِينَ
وَلَهُمْ مِنَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُغَنِّيَاتِ مِئَتَانِ [65].
يذكر مجموع الجموع دون العبيد والإماء 42360 كما ورد في سفر نحميا، بينما مجموع الأعداد الواردة هنا 29818، ومجموع الأعداد الواردة في نحميا 31089، فما هو سبب ذلك؟
1. رقم 42360 هو عدد أعيان اليهود الذين أرادوا العودة، وهذا الرقم ثابت في عزرا ونحميا. لكن من ذكرهم عزرا هم الذين تحركوا للعودة وكتبوا أسماءهم وهم في بابل، بينما كتبها نحميا وهو في اليهودية بعد بناء أسوار أورشليم. فحدث اختلاف بسبب المدة الطويلة بينها، فلابد أن مات البعض أثناء السفر، والبعض بعد الوصول، قبل تسجيل نحميا الأسماء. هذا وقد عدل البعض عن السفر، فسقطت أسماؤهم من الأصحاح السابع من سفر نحميا.
2. بعد أن سجل عزرا أسماء الذين تحركوا للسفر، سافر آخرون أيضًا، فسجلهم نحميا، لذا زاد كشف نحميا.
أمثلة ذلك:
1. لم يرد ذكر مغبيش في قائمة نحميا لكنه ورد في عزرا 2: 30. فمع أن عزرا في بابل سجل اسمه، بينما أورد نحميا أسماء الذين وصلوا بالفعل إلى أورشليم.
2. بنو عادين عددهم في قائمة عزرا 454، وعددهم في قائمة نحميا 655، لأن الذين سافروا بالفعل أكثر من الذين سجلوا أسماءهم.
3. من عادة اليهود في ذلك الوقت استعمال أكثر من اسم، ولازالت هذه العادة موجودة في صعيد مصر إلى يومنا هذا. فنجد اسم الشخص في شهادة الميلاد مختلف عن اسم شهرته منذ ميلاده، وغالبًا ما لا يعرف الناس اسمه المُسجل في شهادة الميلاد حتى يدخل إلى المدرسة أو عندما يتزوج ويحتاج إلى تقديم شهادة الميلاد. هنا نجد كمثال بنو سيعا (نح 7: 47) هم بنو سيعها في عزرا 2: 44.
"المغنين والمغنيات" هنا ليسوا من اللاويين الذين يسبحون الله في الهيكل، وإنما الذين يقيمون الحفلات والولائم.
خَيْلُهُمْ سَبْعُ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلاَثُونَ.
بِغَالُهُمْ مِئَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ [66].
جِمَالُهُمْ أَرْبَعُ مِئَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَلاَثُونَ.
حَمِيرُهُمْ سِتَّةُ آلاَفٍ وَسَبْعُ مِئَةٍ وَعِشْرُونَ [67].
هؤلاء ذهبوا إلى السبي وليس معهم شيء، وعادوا معهم خيل وجمال وعبيد وذهب وفضة، هذه عطايا الله يقدمها للإنسان الذي يقبل التأديب بشكر في جدية ويهتم بخلاص نفسه فلا يتركه مخلصه فارغًا.
3. عطاء حسب الطاقة
وَالْبَعْضُ مِنْ رُؤُوسِ الآبَاءِ،
عِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
تَبَرَّعُوا لِبَيْتِ الرَّبِّ لإِقَامَتِهِ فِي مَكَانِهِ [68].
هؤلاء تبرعوا لهيكل الرب، لذلك باركهم الرب.
لم يجسر أحد على تغيير مكان الهيكل، بل أقيم هيكل زربابل في ذات الموقع الذي أقيم فيه هيكل سليمان. لا زال اليهود إلى يومنا هذا يأملون في بناء الهيكل في ذات الموقع، مما يسبب مشاكل مع الفلسطينيين يصعب، بل ربما يستحيل حلها.
أَعْطُوا حَسَبَ طَاقَتِهِمْ لِخِزَانَةِ الْعَمَلِ،
وَاحِدًا وَسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ مِنَ الذَّهَبِ،
وَخَمْسَةَ آلاَفِ مَنًا مِنَ الْفِضَّةِ،
وَمِئَةَ قَمِيصٍ لِلْكَهَنَةِ [69].
اشترك الكل في ترك بابل بأمجادها، وجاءوا إلى أورشليم التي صارت خربة، محروقة بالنار. وربما دفع الكل العشور. هذا هو الميل الأول، أما الميل الثاني فهو تقديم هبات وعطايا لبيت الرب، كل واحدٍ حسب طاقاته. وكما يقول الرسول: "لأنهم أعطوا حسب الطاقة، أنا أشهد وفوق الطاقة، من تلقاء أنفسهم" (2 كو 8: 3).
v هذا هو علوّ التسبيح، لأنه في الأحزان يبقون في سلام، وفي أعماق الفقر يعطون بسخاء مما لديهم[28].
ثيؤدورت أسقف قورش
الدرهم هو قطعة نقود مستعملة في مملكة فارس. هنا أول ذكر للنقود المسكوكة في الكتاب المقدس.
قدم العائدون من السبي أقمصة للكهنة، هذه التي يرتدونها وقت الخدمة، ويخلعونها بعد الانتهاء من الخدمة، حيث يحتفظون بها في خزانة الهيكل (خر 28: 41، 31: 7). قدموها ليحفزوا الكهنة على بدء الخدمة فورًا عقب العودة.
منا: اسم عيار لما يُوزن به، وليس اسم بعض النقود المسكوكة، وتقدر قيمته بحوالي 50 شاقلاً.
فَأَقَامَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَبَعْضُ الشَّعْبِ،
وَالْمُغَنُّونَ وَالْبَوَّابُونَ وَالنَّثِينِيمُ فِي مُدُنِهِمْ،
وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمْ [70].
عادوا إلى مساكنهم يسبحون مزاميرهم: "رضيت يا رب على أرضك..." (مز 85: 1-3). هكذا يليق بنا أن نعود إلي مدينتنا السماوية، ولا ترتبط قلوبنا بأرض غربتنا في هذا العالم.
من وحي عزرا 2
ضمني إلى موكبك المفرح!
v إن كانت خطاياي قد دفعتني إلى السبي،
فأنت محرر النفوس من سيي إبليس،
ومنقذها من العبودية.
من يقدر أن يحررني من عدو الخير غيرك؟
من يرد لي كرامة مجد أولاد الله التي وهبتني إياها؟
من يضمني إلى موكبك المتهلل إلا نعمتك!
v اجذبني وكل إخوتي في البشرية وراءك.
فتفرح نفوس الكل بفيض حبك.
فننضم إلى موكب النصرة المتجه إلى أورشليم العليا،
وتتحول حياتنا إلى سماء متهللة.
وتُسجل أسماء الجميع في كتابك،
وتنقشها على كفك الإلهي.
v لتضم الكل: كهنة وشعبًا إليك.
لتضم الأطفال والشيوخ مع الشباب والرجال والنساء.
ليجد الكل له موضعًا في موكبك الفريد.
v هب لنا أن نقدم القليل مما وهبتنا.
نقدم لك ذهبًا وفضة وحجارة كريمة روحية!
اقبلها واشتمها رائحة رضا وسرور!
فإننا نشتهي أن تقيم هيكلك المقدس في داخلنا!
وتكون كل البشرية - إن أمكن - حجارة حية مكَّرمة!
نقدم لك ذبائح الشكر الدائم مع تسابيح الملائكة!
لك المجد يا أيها القائد المحب والعجيب!
ذبيحة وهيكل وأعياد
عاد الفوج الأول إلى أورشليم، لكنهم لم يلتقوا مع الله خلال المذبح والذبيحة. مرّ على عودتهم نحو ثمانية أشهر، واقبل عليهم الشهر العبري السابع، الذي يعتبر شهر الذروة من حيث الأعياد. اجتمعوا معًا كرجلٍ واحدٍ، وأقاموا المذبح وقدموا الذبائح، ثم شرعوا في تأسيس الهيكل.
إذ بلغوا أورشليم شغلتهم ثلاثة أمور.
1. أولاً إقامة المذبح: كانوا خائفين من غير اليهود الذين كانوا قد استقروا في المنطقة المحيطة، والذين كانوا حتمًا يحسدونهم لرجوعهم من السبي. أما العلاج فهو الرجوع إلى الله بالصلاة، والمصالحة معه بدم المسيح الثمين، فليس من ملجأ لنا وحصن سوى صليبه، المذبح العجيب! كانت الأولوية هي لإقامة المذبح لتقديم الذبائح.
2. الاهتمام ببناء هيكل الرب القدوس: كان بناء الهيكل يلي المذبح في الأهمية. لقد استخدموا المنحة التي وهبهم إياها كورش أن يجمعوا المادة اللازمة للبناء [7]. خرائب الهيكل المتهدم كانت مصدرًا للحجارة، أما الأخشاب فكانت كلها قد احترقت (2 مل 25: 9). وكما يقول الرسول: "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1 كو 3: 16). كان الله مهتمًا حتى باحتياجاتهم المادية، ولكن كان يليق بالأغنياء أن ينفقوا على الهيكل الذي سمح لهم كورش ببنائه، وذلك قبل أن ينفقوا أموالهم على أمورهم الشخصية.
حقًا شيشبصر كحاكم كان هو الملتزم ببناء المذبح والهيكل (5: 16)، لكنه لم يقم بهذا، إنما كان له رجاله الذين يستخدمهم مثل يهوشع رئيس الكهنة وزرُبابل الذي من نسل داود.
3. كان الشهر السابع أهم الشهور في الاحتفالات بالأعياد اليهودية (لا 23: 24-36؛ نح 8)، وقد اجتمع الشعب في أورشليم الخربة، بعد غيبة عشرات السنوات في أرض السبي، فانطلقوا يحتفلون بالأعياد. لم تعد قيثاراتهم معلقة على الصفصاف بسبب مرارة نفوسهم، بل صاروا يسبحون للرب في مدينته المقدسة (راجع مز 137: 2). مسيحنا هو عيدنا الذي يهبنا فرحه السماوي!
جاء اليوم العظيم الذي فيه وضعت أساسات الهيكل. كان اللاويون هم المسئولين عن الرقابة على العمل. بدأت الأبواق تضرب كما يليق، ومزامير داود يُسبح بها. العدد [11] يُظهر أن المزمور الرئيسي هو 136، الذي رُنم به عند تدشين هيكل سليمان (2 أي 5: 13؛ 7: 3). عادة يوجد مزمور أو أكثر يناسب كل مناسبة في حياتنا (أف 5: 19؛ يع 5: 13).
لا نخجل من التعبير عن فرحنا بعمل الله خلال عواطفنا بالفرح والتسبيح لله. لقد انتظر الشيوخ خمسين عامًا منذ تهدم الهيكل عام 587 ق.م، هؤلاء بكوا، إما من أجل فرحهم بوضع الأساسات وإعادة بناء الهيكل، أو لأنهم رأوا أن الأساسات التي وضعت لا تُقارن بتلك التي كانت للهيكل القديم (حج 2: 3).
حسن جدًا أن نتطلع إلى الماضي ونحزن ونتنهد على ما فقدناه، ولكن ليس بطريقة نفقد فيها رجاءنا والتمتع بما نبدأ به البوم (جا 7: 10؛ في 3: 13-14).
1. إقامة مذبح الرب 1-3.
2. الاحتفال بالأعياد 4-6.
3. تأسيس الهيكل 7-9.
4. احتفالات التأسيس 10-11.
5. دموع الرجاء مع دموع الحسرة 12-13.
1. إقامة مذبح الرب
وَلَمَّا اسْتُهِلَّ الشَّهْرُ السَّابِعُ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ فِي مُدُنِهِمُِ
اجْتَمَعَ الشَّعْبُ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ [1].
الشهر السابع يوافق نصف سبتمبر الأخير ونصف أكتوبر الأول. غالبًا بدأوا رحلتهم التي تستغرق ما بين ثلاثة وأربعة أشهر في الربيع. كان الشهر السابع هو شهر الأعياد المقدسة الهامة عند اليهود: أعياد هتاف البوق والكفارة وعيد المظال.
أ. في اليوم الأول يُحتفل بعيد الأبواق (عد 29: 1).
ب. في اليوم العاشر يحتفل بعيد الكفارة العظيم (عد 29: 7).
ج. في اليوم الخامس عشر يُحتفل بعيد المظال حيث يستغرق الاحتفال به سبعة أيام، وفي اليوم الثامن اعتكاف للرب (عد 29: 12).
"اجتمع الكل كرجل واحدٍ إلى أورشليم"، حيث تنبه الكل إلى الحاجة إلى مذبح الرب، القادر أن يحميهم ويسندهم من الرعب الذي حلّ عليهم من شعوب الأراضي. ومن جانب آخر فإنهم محتاجون إلى الاحتفال الجماعي بالأعياد الذي يرد لهم فرحهم في الرب.
اجتمع الكل من كهنة ولاويين وشعب كرجلٍ واحدٍ لإقامة مذبح للرب. وفي العهد الجديد "لما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة" (أع 2: 1)، حيث حلّ الروح القدس، ووُلدت كنيسة العهد الجديد، بكونها هيكل الرب المقدس.
حيث يوجد روح الحب والوحدة يعلن الله حضوره، ويقيم مسكنه وسط شعبه.
v ينصحنا الله بذلك ليس فقط خشية أن ينفصل الواحد عن الآخر، وإنما لكي نقدم فيضًا من الحب والاتفاق. فإن كان كيان كل إنسان يقوم على سلام قريبه فلا تقل أقل ولا أكثر من هذا، إذ لا يوجد أقل من أن تحبه ولا أكثر. لكي يستمر الجسم ترى الاختلاف أيضًا واضحًا بين الأعضاء، وعندما يهلك لا تجد ذلك. فالدمار حتمًا يحدث ما لم تعمل الأعضاء الأقل[29].
القديس يوحنا الذهبي الفم
v جميعكم واحد في المسيح يسوع. ليس أن البعض أصحاب معرفة مستنيرون، والآخرين أقل كمالاً في الروحانيات. ليضع كل واحدٍ جانبًا كل الشهوات الجسدية، فتكونوا متساوين وروحيين أمام الرب[30].
وَقَامَ يَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ وَإِخْوَتُهُ الْكَهَنَةُ وَزَرُبَّابَِلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَإِخْوَتُهُ،
وَبَنُوا مَذْبَحَ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،
لِيُصْعِدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى رَجُلِ اللهِ [2].
قام يشوع رئيس الكهنة مع إخوته الكهنة وزربابل مع إخوته، أي رجال الدولة إن صح التعبير، لبناء المذبح حتى يقدموا ذبائح ومحرقات للرب ويترنموا له بالتسبيح، بعد أن طالت مدة حرمانهم من تقديم الذبيحة وتعليق قيثاراتهم على الصفصاف.
يشوع هو أول رئيس كهنة بعد السبي. يُذكر اسمه هنا قبل زربابل. لأن العمل هنا خاص بتقديم ذبائح، وهو عمل كهنوتي بحت. بينما في الآية 8 نجد اسم زرُبابل مذكورًا قبل يشوع، لأن العمل خاص ببناء الهيكل، العمل الذي أمر به الملك كورش ويقوم زربابل بتنفيذه.
هنا يظهر التدقيق والالتزام بحفظ الشريعة كما تسلمها موسى رجل الله.
يشير المذبح إلى الحضرة الإلهية، أو بمعنى أدق إلى المصالحة مع الله خلال الذبيحة.
في بناء المذبح اعتراف الشعب بالحاجة إلى التكفير عن الخطايا، وإيمان في مراحم الله غافر الخطايا.
في بناء المذبح رمز للصليب، حيث قدم كلمة الله المتجسد حياته ذبيحة لأجلنا.
وَأَقَامُوا الْمَذْبَحَ فِي مَكَانِهِ.
لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ رُعْبٌ مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي
وَاصْعَدُوا عَلَيْهِ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ،
مُحْرَقَاتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ [3].
"وأقاموا المذبح في مكانه، لأنه كان عليهم رعب" إذ شعروا بخطورة أعدائهم احتموا في مذبح الرب، أي تحت جناحيه، يتكلون على قوته. يلاحظ هنا أنهم بنوا المذبح قبل بناء السور، فهو أهم من السور، وهو السور الخفي الذي يحمي شعب الله. بنوا المذبح قبل الهيكل ليمارسوا شعائرهم، مدركين أن هيكل الرب إنما يقوم على الذبيحة التي تقدس شعب الله، هيكله المقدس.
إن كانت الخطية تربك حياة الإنسان، فيفقد سلامه وأمانه، فإن الله وحده هو ملجأنا وحصننا وسلامنا. "اسم الرب برج حصين، يركض إليه الصديق ويتمنع" (أم 18: 10). وكما يقول المرتل: "إنما هو صخرتي وخلاصي، وملجأي فلا أتزعزع. على الله خلاصي ومجدي، صخرة قوتي، محتماي في الله" (مز 62: 6-7).
اختبر الرسول بولس قوة مذبح العهد الجديد، صليب ربنا يسوع المسيح، فقال: "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله" (1 كو 1: 18).
2. الاحتفال بالأعياد
وَحَفِظُوا عِيدَ الْمَظَالِّ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ،
وَمُحْرَقَةَ يَوْمٍ فَيَوْمٍ بِالْعَدَدِ كَالْمَرْسُومِ أَمْرَ الْيَوْمِ بِيَوْمِهِ [4].
ربما تعرض الشعب للسخرية عندما بدأوا في جمع بقايا المذبح، وقد التفوا حوله لبنائه، فسخرت بهم الشعوب الأخرى. أما هم فلم يبالوا بالسخرية، مدركين ان سّر قوتهم في الذبيحة المقدمة لله.
عيد المظال: حفظوه ليذكروا أنهم كانوا غرباء، فيحيوا بروح الغربة. كان يليق بهم أن يبنوا المذبح ويحتفلوا بعيد المظال، حيث يتقدسون بدم المسيح، مدركين أنهم غرباء في هذا العالم. ويوافق عيد المظال ذكرى تدشين هيكل سـليمان وحلول مجد الله فيه (1 مل 8: 2). اهتموا بتقديم محرقات (3: 3-6)، إذ هي محرقة وقود ورائحة سرور للرب" (لا 1: 13).
جاء العائدون من أرض السبي ليجدوا المدينة خرابًا والهيكل كأن لا وجود له، وقد حطَّم رعب الشعوب نفسية شعب الله. ليس من ملجأ لهم سوى الله نفسه.
أخذ زرُبابال التصريح من ملك فارس ببناء الهيكل بما فيه المذبح، لكن عند البناء كان لرئيس الكهنة أن يتقدمه.
محرقة يوم فَيَوْمٍ بالعدد: كان عيد المظال 7 أيام ثم يوم العيد الكبير، وكان لكل يوم عدد معين من الذبائح (عد 29: 13، 17).
وَبَعْدَ ذَلِكَ الْمُحْرَقَةُ الدَّائِمَةُ وَلِلأَهِلَّةِ وَلِجَمِيعِ مَوَاسِمِ الرّبِّ الْمُقَدَّسَة،ِ
وَلِكُلِّ مَن تبرَّعَ بِمُتَبَرَّعٍ لِلرَّبِّ [5].
"وبعد ذلك": من ذلك اليوم فصاعدًا كانوا يقدمون الذبائح يوميًا وفي رأس كل شهر.
"الأهلة ولجميع مواسم الرب": أي الأعياد المحددة.
ابْتَدَأُوا مِنَ الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ السَّابِع،ِ
يُصْعِدُونَ مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ،
وَهَيْكَلُ الرَّبِّ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَأَسَّسَ [6].
3. تأسيس الهيكل
وَأَعْطُوا فِضَّةً لِلنَّحَّاتِينَ وَالنَّجَّارِين،َ
وَمَأْكَلاً وَمَشْرَبًا وَزَيْتًا لِلصَّيْدُونِيِّينَ وَالصُّورِيِّينَ،
لِيَأْتُوا بِخَشَبِ أَرْزٍ مِنْ لُبْنَانَ إِلَى بَحْرِ يَافَا،
حَسَبَ إِذْنِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ لَهُمْ [7].
"حسب إذن كورش": لم يتسلط كورش على لبنان، لكنه أذن للإسرائيليين أن يتفاوضوا معهم للحصول على الأخشاب.
وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مَجِيئِهِمْ إِلَى بَيْتِ اللهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي،
شَرَعَ زَرُبَّابَِلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ
وَبَقِيَّةُ إِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَجَمِيعُ الْقَادِمِينَ مِنَ السَّبْيِ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَأَقَامُوا اللاَّوِيِّينَ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقُ،
لِلإِشْرَافِ عَلَى عَمَلِ بَيْتِ الرَّبِّ [8].
حسب ما ورد في سفر العدد 4: 3، 23، 30، 35، 39، 43، 47 يلزم أن يكون اللاوي ليس بأقل من 30 سنة ولا أكثر من 50 سنة، وجاء في عدد 8: 24-25 أن السن المطلوب هو 25 سنة حتى الخمسين، وفي 1 أي 23: 24، 27؛ 2 أي 31: 17؛ عز 3: 8 يبدأ بالعشرين عامًا دون وضع حد أقصى. هذا الاختلاف نابع عن الظروف المحيطة، فمتى كانت هناك حاجة إلى لاويين والعدد غير كافٍ يُقبل السن الأصغر، ويُسمح بالعمل لمن هم فوق الخمسين القادرين على ممارسته.
وَوَقَفَ يَشُوعُ مَعَ بَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ قَدْمِيئِيلَ وَبَنِيهِ بَنِي يَهُوذَا مَعًا،
للمناظرة على عَامِلِي الشُّغْلِ فِي بَيْتِ اللهِ،
وَبَنِي حِينَادَادَ مَعَ بَنِيهِمْ وَإِخْوَتِهِمِ اللاَّوِيِّينَ [9].
يلاحظ في توزيع العمل هنا حسن التخطيط، وتحديد المسئولين عن العمل والعائلات المسئولة عن الأشراف على العمل [9]
"للمناظرة"، أي عينوا اللاويين كمسئولين عن البناء والإشراف علي العمال.
"قي بيت الله" أي المكان المزمع أن يقام عليه بيت الله.
حيناداد لم يذكر في ص ٢ ربما جاء من مكان آخر غير بابل أو كان مقيمًا في إسرائيل ولم يذهب إلى السبي.
4. احتفالات التأسيس
اجتمع النحاتون والبناؤن والنجارون مع الشعب في موقع العمل، وارتدى الكهنة ملابسهم الكهنوتية، وصاروا يبوقون علامة البهجة والتهليل. كان الاحتفال مهيبًا، وعّم الفرح بوضع أساسات البيت.
وَلَمَّا أَسَّسَ الْبَانُونَ هَيْكَلَ الرَّبِّ،
أَقَامُوا الْكَهَنَةَ بِمَلاَبِسِهِمْ بِأَبْوَاق،ٍ
وَاللاَّوِيِّينَ بَنِي آسَافَ بِالصُّنُوجِ،
لِتَسْبِيحِ الرَّبِّ عَلَى تَرْتِيبِ دَاوُدَ مَلِكِ إِسْرَائِيلَ [10].
كان البناء في الهيكل يتم وسط التسابيح والترانيم، والكل بملابسهم الكهنوتية، والكهنة بأبواقهم. ود قام داود بوضع نظام دقيق لهذه الأمور.
وَغَنُّوا بِالتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ لِلرَّبِّ،
لأَنَّهُ صَالِحٌ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ عَلَى إِسْرَائِيلَ.
وَكُلُّ الشَّعْبِ هَتَفُوا هُتَافًا عَظِيمًا بِالتَّسْبِيحِ لِلرَّبِّ
لأَجْلِ تَأْسِيسِ بَيْتِ الرَّبِّ [11].
كان البناء يتم وسط تسابيح الشكر والرجاء حتى يبارك الله العمل ويتممه.
5. دموع الرجاء مع دموع الحسرة
وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَرُؤُوسِ الآبَاءِ الشُّيُوخِ
الَّذِينَ رَأَوُا الْبَيْتَ الأَوَّلَ
بَكُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ عِنْدَ تَأْسِيسِ هَذَا الْبَيْتِ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ.
وَكَثِيرُونَ كَانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْهُتَافِ بِفَرَحٍ [12].
بين خراب الهيكل بيد البابليين وتجديده الآن حوالي ٥٠ سنة؛ فمن المؤكد أن كبار السن يذكرون الهيكل القديم، وحينما رأوا الهيكل الجديد، وأنه ليس فخمًا مثل الهيكل السابق بكوا على مجدهم القديم الذي ضاع، وعلى يأسهم من أن يُبنى هيكل عظيم مثل السابق إلا أن هذا ليس مقبولاً. فالله الذي أسس الهيكل السابق قادر أن يعين فى بناء الهيكل الجديد. ونحن ليس من المقبول أن نيأس مهما كان حجم العمل أمامنا ضخمًا، فالله هو الذي يعين وما علينا إلا أن نبدأ، والله يفرح ببداياتنا مهما كانت صغيرة (زك ٦:٤). يجب علينا أن نفرح ونسبح ونشكر الله على بدايات أعماله معنا. فإذا بدأ الله فسيكمل وإن كان هناك حزن وبكاء فليكن على خطايانا وإذا بكينا على خطايانا يتحول هذا إلى فرح (مز 30 : 5).
كان أولى بهؤلاء الباكين أن يبكوا على خطاياهم التي سببت خراب الهيكل الأول.
وَلَمْ يَكُنِ الشَّعْبُ يُمَيِّزُ هُتَافَ الْفَرَحِ مِنْ صَوْتِ بُكَاءِ الشَّعْبِ،
لأَنَّ الشَّعْبَ كَانَ يَهْتِفُ هُتَافًا عَظِيمًا،
حَتَّى أَنَّ الصَّوْتَ سُمِعَ مِنْ بُعْدٍ [13].
القديس مار يعقوب السروجي
القديس باسيليوس الكبير
القديس أغسطينوس
القديس جيروم
من وحي عزرا 3
لتسمر صليبك في داخلي!
v احملني معك إلى جبل الجلجثة.
هناك أجتمع مع كل إخوتي بروح واحدة.
نلتف حولك يا رئيس الكهنة الأعظم والذبيحة الفريدة.
تشفع فينا لدى أبيك،
وتقتنينا بدمك الثمين!
v لسنا بعد في حاجة إلى ذبائحٍ حيوانيةٍ،
فصليبك هو قوة الله للخلاص،
صليبك ينزع عنا روح العداوة،
ويقدمنا لله أبيك أبناء له.
v لتغرس صليبك في قلوبنا،
فنصير بالحق هيكلاً مقدسًا لك.
تسكن فيه مع أبيك القدوس وروحك القدوس.
لن يقدر عدو ما أن يرعبنا،
ولا فخ أن يصطادنا،
فإننا مختفون فيك، وأنت ساكن فينا.
v مع كل نسمة نذكر أننا غرباء،
لكن غربتنا تدفعنا للاحتفال بعيد لا ينقطع.
نغترب عن محبة العالم،
فتتعلق نفوسنا بسماواتك.
حياتنا عيد لا ينقطع،
فأنت هو عيدنا الدائم.
ملحق عزرا 3
مقارنة بين هيكل سليمان وهيكل زربابل
هيكل سليمان |
هيكل سليمان |
استغرق بناؤه سبع سنوات (1 مل 6: 38) |
استغرق بناؤه أربع سنوات (عز 6: 15) |
أعد داود الملك الكثير من احتياجاته من ذهب وفضة ونحاس (1 أي 22: 1-5). |
معظم مواد بنائه كانت من أنقاض هيكل سليمان، يقدرها البعض بـ1%1000 من مواد الهيكل الأول. |
طوله 60 ذرعًا وعرضه 20 ذراعًا (1 مل 6: 2) |
التزموا بذات أبعاد هيكل سليمان. |
كان آية في الروعة، مُزين بكميات ضخمة من النحاس والفضة والذهب والأخشاب الثمينة. |
"الذي رأى هذا البيت في مجده الأول، وكيف تنظرونه الآن. أما هو في أعينكم كلا شيء (حج 2: 3). |
في يوم تدشينه، ملأ مجد الرب البيت (1 مل 8: 11). |
لم يحل مجد الرب فيه بصورة ملموسة. |
أصعدوا تابوت العهد إلى الهيكل بمجدٍ عظيمٍ وذبائح، لا تُعد (1 مل 8: 5) |
غالبًا لم يكن تابوت العهد موجودًا في هيكل الرب. |
كان مُلحق به العديد من المباني، ويشرف على مدينة حية. |
بلا مباني ملحقة، ويشرف على مدينة خربة بلا أسوار وأبوابها محروقة. |
في يوم التدشين قدموا 22 ألف ثورٍ و120 ألف خروفٍ. |
قدموا 100 ثور و200 كبش و400 خروف. |
كان سليمان ملك إسرائيل أعظم وأحكم وأغني ملك في عهده. |
لم يعد لإسرائيل ملوك، بل كانوا تحت الاحتلال حتى جاء ملك الملوك. |
كانت المملكة واحدة، قوية وعظيمة أثناء التدشين. |
كان بالبلاد قلة قليلة عائدة من السبي من سبطي يهوذا وبنيامين، مع المعدمين من الشعب في البلاد الأخرى. |
مقاومة عنيفة
لم يكن ممكنًا للشيطان أن يقف أمام هذا المنظر الرائع! مذبح الرب يُبنى، والكهنة مع الحكام والشعب يتهللون، حتى وإن امتزج بدموع المتحسرين على الهيكل القديم، أثار العدو أهل السامرة لمقاومتهم بأكثر من وسيلة.
الآن يد الله الصالحة التي استخدمت الكثير من الوسائل لعودتهم، سمحت بوجود هذه المقاومة، لأن بدونها لن نكتشف فسادنا الداخلي، فنرجع ونتمتع بالنصرات والأكاليل السماوية.
1. قاومهم السامريون وهم خليط من اليهود والأمم، لكي يطالبوا بالشركة في العمل، فإنهم يعبدون إله إسرائيل، لكنه كأحد الآلهة. كانت غايتهم لا الشركة في العمل بل تحطيم العمل من الداخل.
2. دُعي السامريون المقاومون "شعب الأرض" [4]، لا شعب الله، إذ ارتبطوا بالأرضيات لا الإلهيات. هكذا لا يطيق شعب الأرض الذي يضع قلبه في الأمور الزمنية شعب الله الذي يكرس قلبه لله.
3. قدم المقاومون شكاوى لدى قمبيز بن كورش، تحمل افتراءات كاذبة.
4. أخيرًا باستخدام بعض المشيرين للملك نال المقاومون القرار بوقف البناء.
يليق بنا ألا نخاف من المقاومة الخارجية، مهما بلغ خداعها أو عنفها، وإنما نحسبها دعوة لمراجعة نفوسنا، ونخاف من خطايانا التي هي العلة الحقيقية للفشل.
1. رفض شركة غير المخلصين 1-5.
2. شكاوى باطلة 6-10.
3. افتراءات كاذبة 11-13.
4. مداهنة السلطات 14.
5. بلد متمرد منذ القدم 15-16.
6. الأمر بوقف البناء 17-24.
1. رفض شركة غير المخلصين
وَلَمَّا سَمِعَ أَعْدَاءُ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ
أَنَّ بَنِي السَّبْيِ يَبْنُونَ هَيْكَلاً لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ [1].
"أعداء يهوذا" السامريون وهم خليط من الأسباط العشرة ومن الشعوب الذين أتى بهم ملوك أشور وأسكنوهم في إسرائيل.
صارت عبادة أهل السامرة مزيجًا بين عبادة الله الحيّ والأصنام. وهم يمثلون خطرًا أكثر من الوثنيين، كما كانوا يحملون عداوة ضد يهوذا وأورشليم والهيكل أكثر منهم.
هذا الخلط بين الحق والباطل، يفسد القلب، ويحطم الإيمان بنوعٍ من الميوعة وعدم الجدية. وكما يقول الرسول بولس: "لا تكونوا تحت نيرٍ مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟ وأي نصب للمؤمن مع غير المؤمن؟ وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان؟ (2 كو 6: 14-16).
v ألا ترى أن "المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة؟" بها لا تقدر أن تنطق بالإنجيل، وإنما تسمع كلمات الأوثان. بها تفقد الحق أن المسيح هو الله، وما تشربه هناك تتقيأه في الكنيسة[36].
v شاب يصاحب شابًا للشر، فليبكِ عليهما المفرزون.
v أيها المحب لله، حين ترى المنافقين يتراشقون بألفاظ الغش والتدليس اهرب من هناك، لئلا يتعلق بأذنيك ألفاظهم القاتلة.
الشيخ الروحاني
v يقول الرسول: "أية شركة بين النور والظلمة"؟ حيث يوجد تناقض فاصل، ولا يمكن المصالحة بين النور والظلمة. فالشخص الذي يشترك في الاثنين معًا لا يساهم في شيءٍ، لأجل تعارضهما، وتناقض الواحد للآخر في نفس الوقت في حياته المشتركة. إيمانه يمد الجانب المنير، لكن عاداته المظلمة تطفئ مصباح العقل.
حيث أنه من الاستحالة ومن غير المعقول أن يتوافق النور والظلمة، فالشخص الذي يضم الاثنين معًا يصير عدوًا لنفسه، إذ ينقسم إلى طريقين بين الفضيلة والشر.
إنه يقيم معركة معادية في داخله. وذلك أنه إذ يوجد عدوان غير ممكن أن ينتصر الاثنان كل على الآخر (لأن نصرة أحدهما تسبب موتًا للثاني)، هكذا أيضًا تحدث الحرب الداخلية بالارتباك في حياته، ليس ممكنًا للعنصر القوي أن يغلب دون أن يتحطم الطرف الآخر تمامًا. كيف يمكن للجيش الموقر أن يكون أقوى من الشر، عندما تهاجمه كتيبة الشر المقاومة؟
إن كان يليق بالأقوى في طريق للنصرة أن يقتل العدو تمامًا، هكذا فإن الفضيلة سيكون لها النصرة على الشر فقط عندما يفسح لها العدو كله الطريق خلال اتحاد العناصر المعقولة ضد العناصر غير السليمة... إذ لا يمكن للصالح أن يوجد فيّ ما لم يحيا خلال موت عدوّي.
يستحيل علينا أن نحتفظ بالمضادات التي نمسك بها بكلتا اليدين، إذ لا توجد شركة بين كلا العنصرين في ذات الكائن. إن كنا نقتني الشر نفقد القوة لاقتناء الفضيلة[37].
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
"يهوذا وبنيامين": هم أغلبية العائدين الذين استطاعوا معرفة نسبتهم لآبائهم.
"بنى السبى يبنون هيكلاً:" صاروا يُدعون بنى السبي، لأنهم أهملوا الهيكل سابقًا.
تَقَدَّمُوا إِلَى زَرُبَّابَِلَ وَرُؤُوسِ الآبَاءِ وَقَالُوا لَهُمْ:
نَبْنِي مَعَكُمْ لأَنَّنَا نَظِيرَكُمْ،
نَطْلُبُ إِلَهَكُمْ، وَلَهُ قَدْ ذَبَحْنَا مِنْ أَيَّامِ أَسَرْحَدُّونَ مَلِكِ أَشُّورَ،
الَّذِي أَصْعَدَنَا إِلَى هُنَا [2].
جاءوا بكلمات معسولة تحمل سمًا قاتلاً، تعلن عن اشتهائهم في الشركة في بناء بيت الرب، لا لهدفٍ إلا تعطيل العمل، وإدخال العبادات الوثنية فيه.
"لأننا نظيركم"، لأنهم يتصورون أنهم يعبدون الله، لكن ديانتهم كان فيها القليل من عبادة الله والكثير من العبادة الوثنية.
لماذا رُفض طلب هؤلاء الذين سبق فذبحوا للرب في أيام أسرحدون ملك أشور أن يشتركوا في بناء بيت الرب؟
هؤلاء من منطقة السامرة الذين يكنون كل عداوة ليهوذا وبنيامين، هم من سلالة الشعوب التي استقرت في مملكة الشمال، بعث بهم ملوك أشور من مناطق مختلفة بعد ترحيل عدد كبير من الإسرائيليين إلى العاصمة سنة 722 ق.م واختلطوا باليهود، فمزجوا بين عبادة الله الحي والعبادة الوثنية. جاء في سفر الملوك الثاني: "وأتى ملك أشور بقومٍ من بابل وكوث وعوَّا وحماة وسفروايم وأسكنهم في مدن السامرة عوضًا عن بني إسرائيل، فامتلكوا السامرة، وسكنوا في مدنها. وكان في ابتداء سكنهم هناك أنهم لم يتقوا الرب، فأرسل الرب عليهم السباع فكانت تقتل منهم... فأمر ملك أشور قائلاً ابعثوا إلى هناك واحدًا من الكهنة الذين سبيتموهم من هناك فيذهب ويسكن هناك ويعلمهم قضاء إله الأرض. فأتى واحد من الكهنة الذين سبوهم من السامرة، وسكن في بيت إيل وعلمهم كيف يتقون الرب. فكانت كل امة تعمل آلهتها ووضعوها في بيوت المرتفعات التي عملها السامريون كل أمة في مدنها التي سكنت فيها" (2 مل 17: 24-29).
فطلبهم بالشركة في البناء يبدو في الظاهر أن فيه إخلاص ومشاركة في العمل، لكنهم لم يحملوا ذات القناعة، ولا الولاء للكتاب المقدس كله، ولا الارتباط بيهوه وحده. أرادوا الشركة في العمل مع بقائهم يعبدون الأوثان ويرفضون الأسفار الأخرى غير أسفار موسى الخمسة. لقد شك زربابل في إخلاص السامريين من جهة إقامة عبادة الله الحي في نقاوة، وأن تقدمهم بالطلب يحمل نوايا سياسية خفية[38]. لقد أرادوا أن يساعدوا في البناء، بكونه مقدسًا لأحد الآلهة التي يتعبدون لها. لكن هذا المزج بين عبادة الله والعبادة الوثنية قد سبب خرابًا قبل السبي، ولم يرد يشوع وزرُبابل أن تتكرر هذه المأساة. كثيرًا ما تكون مساعدة العالم للكنيسة ثمنها باهظٌ للغاية (رؤ 2: 20). وفى نفس الوقت رفض قبول هذه المساعدة يولد روح مقاومة قاسية ضد الكنيسة.
كان هؤلاء من نسل الذين أصعدهم أسرحدون (آية ٢) وأسنفر (آية 10)، وهؤلاء كان دينهم مزيجًا فيه شيء من تقوى الرب، ولكن أكثره أباطيل وثنية، ولذلك محا هؤلاء هوية إسرائيل (إش ٨:٧) والعداوة لشعب الله هي عداوة تقليدية نشأت منذ صارت هناك عداوة بين نسل المرأة ونسل الحية. وإبليس قطعًا سيقاوم بناء الهيكل وسيقاوم أي بناء لجسد المسيح.
فَقَالَ لَهُمْ زَرُبَّابِلُ وَيَشُوعُ وَبَقِيَّةُ رُؤُوسِ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ:
لَيْسَ لَكُمْ وَلَنَا أَنْ نَبْنِيَ بَيْتًا لإِلَهِنَا،
وَلَكِنَّنَا نَحْنُ وَحْدَنَا نَبْنِي لِلرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،
كَمَا أَمَرَنَا الْمَلِكُ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ [3].
كان الردّ حازمًا، فإن الأمر بالبناء صدر من ملك فارس إلى الشعب اليهودي وحده. فإن أراد السامريون وغيرهم أن يشتركوا في العمل، فليرجعوا إلى ملك فارس. لا يمكن القول بأن هذا الردّ أدى إلى نوعٍ من العداوة بين الفريقين، إنما كشف عن الحقيقة الخفية، في قلوب الأعداء.
لم يكن ممكنًا فبول هذه الشركة التي لا تحمل روح القداسة ولا الإخلاص. "لأنه أية خلطة للبّر والإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال، وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن، وأية موافقة لهيكل الله مع الأوثان" (2 كو 6: 14-16). وكما قال القديس بطرس لسيمون الساحر: "ليس لك نصيب ولا قرعة في هذا الأمر، لأن قلبك ليس مستقيمًا أمام الله" (أع 8: 21).
"ليس لكم ولنا" رفض اليهود الاتحاد معهم، لأنهم عرفوا غايتهم. ولكن اليهود لم يستطيعوا أن يقولوا السبب الحقيقي للرفض بسبب الخوف منهم، واكتفوا بقولهم إن الأمر ببناء الهيكل كان من الملك كورش لليهود فقط وليس لآخرين، فعليهم أن يلتزموا بالبناء وحدهم.
وَكَانَ شَعْبُ الأَرْضِ يُرْخُونَ أَيْدِيَ شَعْبِ يَهُوذَا،
وَيُذْعِرُونَهُمْ عَنِ الْبِنَاءِ [4].
"يرخون" ابتدأوا المقاومة، فظهرت حقيقة نواياهم ،وأنهم لا يطلبون الرب ولا بناء بيته.
إذ كشفت إجابة زربابل ويشوع ما في قلب هذا الشعب المقاوم من خداع، صار هذا الشعب، "شعب الأرض"، مقاومًا لهم، تارة بالاستخفاف والتعطيل، وتارة بالتخويف. إن كان المؤمنون يُدعون "شعب الله"، فإن الأشرار بدورهم يُدعون "شعب الأرض" إذ ترتبط قلوبهم وأفكارهم بالأرضيات، وليس من موضع للسماويات في حياتهم.
وَاسْتَأْجَرُوا ضِدَّهُمْ مُشِيرِينَ
لِيُبْطِلُوا مَشُورَتَهُمْ كُلَّ أَيَّامِ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ
وَحَتَّى مُلْكِ دَارِيُوسَ مَلِكِ فَارِسَ [5].
"استأجروا ضدهم مشيرين" في ديوان الملك وقصره ومن مشيريه. استطاع هؤلاء المشيرون المرتشون في أيام قمبيز بن كورش أن يقنعوه بإصدار أمر بوقف البناء، وتوقف فعلاً حتى ملك داريوس.
لو كان هؤلاء يريدون البناء فعلاً لما كانوا دفعوا رشاوى لوقف البناء.
“داريوس" هو داريوس هستاسب الذي أمر بإعادة البناء، ملك بعد أرتحشستا.
2. شكاوى باطلة
وَفِي مُلْكِ أَحْشَوِيرُوشَ فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِه،ِ
كَتَبُوا شَكْوَى عَلَى سُكَّانِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ [6].
الآن يشرح الكاتب في شيءٍ من التفصيل ما ورد في الآية 5، حيث أبرز المقاومة.
يرى البعض أن كلمة أحشويرش وأيضًا أرتحششتا هما لقبان لملوك فارس، كما يُقال عن ملوك مصر "فراعنة". وان أحشويرش المذكور هنا هو قمبيز بن كورش (529-522 ق.م).
كلمة "شكوى": في العبرية سطنة أو شطنة، مشتقة من كلمة شيطان أو المشتكي.
واضح أن الآية ٦ اعتراضية وسط الكلام، وضعها عزرا كمثالٍ آخر لمقاومة الأعداء الدائمة لعمل الله. غالبًا ما تشير إلى محاولة الأعداء لوقف بناء الأسوار، ويبدو أنهم نجحوا في مسعاهم هذا، وتوقف بناء الأسوار حتى حصل نحميا على إذن بالبناء من خليفة أحشويرش وهو أرتحششتا لونجيمانوس.
وَفِي أَيَّامِ أَرْتَحْشَسْتَا
كَتَبَ بِشْلاَمُ وَمِثْرَدَاثُ وَطَبْئِيلُ وَسَائِرُ رُفَقَائِهِمْ إِلَى أَرْتَحْششْتَا مَلِكِ فَارِسَ.
وَكِتَابَةُ الرِّسَالَةِ مَكْتُوبَةٌ بِالأراميَّةِ وَمُتَرْجَمَةٌ بِالأراميَّةِ [7].
استغل الأشرار موت كورش فاستأجروا ضدهم مشيرين من ديوان الملك لإيقاف العمل. وبالفعل أمر قمبيز بن كورش بإيقاف العمل.
معظم الأسماء مثل بشلام ومثردات أسماء أجنبية، وليست يهودية، فهم من الأمم الذين سكنوا في إسرائيل.
أرتحششتا المذكور هنا يُقصد به الملك المنتحل الذي اغتصب العرش وهو غومانا أو سمردس (522-521 ق.م). وقد نجحت مساعي الأعداء في إقناعه بأن يصدر مرسومًا بوقف البناء في الهيكل.
غالبًا كان هناك رسالتان في أيام أرتحششتا، الأولى من بشلام ورفقائه وهذه لم تسجل، والثانية من رحوم ورفقائه.
"طبئيل"، ربما يكون طوبيا العبد العموني الذي قاوم بناء السور على يد نحميا.
مكتوب بالأرامية ومترجم بالأرامية، أي بأحرف أرامية وباللغة الأرامية وليست بالفارسية، وابتداء من آية ٨ وحتى 6: 18 باللغة الأرامية. واللغة الأرامية هي لغة الحكومة ولغة التجارة الأجنبية وهى لغة الترجوم. استخدم عزرا الأرامية هنا لأنه يورد رسائل استحسن أن ينقلها كما كتبت بدون ترجمة.
رَحُومُ صَاحِبُ الْقَضَاءِ وَشِمْشَايُ الْكَاتِبُ،
كَتَبَا رِسَالَةً ضِدَّ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَرْتَحْشَشتَا الْمَلِكِ هَكَذَا: [8]
هذه شكوى ثالثة كتبها رحوم صاحب القضاء وأمين سّر شمشاي، أرسلها باسم المستوطنين الذين أتي بهم ملك أشور للسكنى في مدن السامرة.
ورحوم صاحب القضاء تعنى رئيس المراسيم أو حاكم البلاد ، وشمشاى كاتبه.
كَتَبَ حِينَئِذٍ رَحُومُ صَاحِبُ الْقَضَاءِ وَشِمْشَايُ الْكَاتِبُ وَسَائِرُ رُفَقَائِهِمَا الدِّينِيِّينَ
وَالأَفَرَسْتِكِيِّينَ وَالطَّرْفِلِيِّينَ وَالأَفْرَسِيِّينَ وَالأَرَكْوِيِّينَ وَالْبَابَِلِيِّين،َ
وَالشُّوشَنِيِّينَ وَالدَّهْوِيِّينَ وَالْعِيلاَمِيِّين َ[9].
هم قبائل مختلفة من الشعوب التي أصعدها الآشوريون ليعيشوا في إسرائيل. لاحظ كثرة الأجناس التي تكون منها شعب السامرة.
الدينيونDinaites : ورد هذا الاسم في الترجمة العربية المتداولة بين أيدينا لقبيلة كانت تقطن في السامرة بدلاً من الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى السبي. لكن جاءت معظم الترجمات الحديثة تتفق مع الترجمة السبعينية على أنها تعني "قضاة" أو الذين يدينون أو يحكمون في القضايا.
يرى البعض أنهم مستوطنون من Dayen، وهي بلد كثيرًا ما أُشير إليها في النقوش الأشورية على أنها على حدود كيليكيا وكبادوكيا[39].
يرى آخرون أنهم شعب أرسله الملك آشوربانيبال Osnappar الذي يُدعى أيضًا أسنفر Ashurbanipal لاستعمار مدن السامرة[40].
يرى آخرون أنهم ربما يكونون من الشعوب الأرمنية حيث عرفهم الأشوريون بأنهم Dayani[41].
الأفرستكيون – أفرسكيون: اختلفت الآراء حول هذا الشعب[42].
ا. يرى البعض أنهم قبيلة أو شعب جبلي يسكن ما بين مديان وفارس.
ب. يرى آخرون أنهم سكان إحدى مدينتين في مديان، أُشير إليهما في نقوش آسرحدون، تدعيان بارتاكا Partakka وبارتوكا Partukka.
ج. يرى آخرون أنهم ليسوا قبيلة معينة، وإنما جماعة من المواطنين تحت قيادة داريون
د. يرى آخرون أنها كلمة إيرانية قديمة aparasarka معناها "حاكم أقل".
الطرفليون Tarpelites: مستعمرون أقامهم ملك أشور في السامرة، يُظن أنهم قبيلة مديانية تُدعى Tapyri، في شرق عيلام[43] Elymais.
يرى Rawlinson أنها قبيلة Tuplai التي وردت في النقوش لتعادل الكلمة اليونانية Tibarenoi، وهي قبيلة على ساحل بنتس. ويرى Hitzig أنها في طرابلس Tripolis في شمال فينيقية[44].
يرى آخرون أن الكلمة لا تحمل معنى عرقيًا (للأجناس)، وإنما هو اسم خاص ببعض الضباط الفارسيين في السامرة[45]. كما يرى البعض أن الكلمة الأشورية معناها "كتبة الألواح"، أي تشير إلى فئة تمارس وظيفة معينة.
الأفرسيون Aphorsites: يظن البعض أنهم قبيلة ميدية، ورد ذكرها في نقوش سنحاريب باعتبارهم سكان إقليم بارستو. ويرى البعض أنه يُقصد بهم الفارسيون.
العيلاميون Elamites: سكان إقليم عيلام (تك 10: 22).
أركيون Archevites: هم سكان أرك (تك 10:10).
الشوشنيون Susanchites: شعب من شوشن، عاصمة عيلام. تقع جنوب غربي بلاد فارس بالقرب من نهر أولاي، ويدعى حاليًا نهر قارون.
الدهويون Dehavites: من الجماعات التي سباها أسنفر (أشور بانيبال) ملك أشور، وأسكنهم في مدن السامرة.
وَسَائِرِ الأُمَمِ الَّذِينَ سَبَاهُمْ أُسْنَفَّرُ الْعَظِيمُ الشَّرِيفُ،
وَأَسْكَنَهُمْ مُدُنَ السَّامِرَةِ،
وَسَائِرِ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ وَإِلَى آخِرِهِ [10].
أسنفر: غالبًا ما يُقصد به أشوربانيبال الذي ملك في أشور سنة ٦٦٨- سنة ٦٢٦ ق م وكان هذا ملكًا عظيمًا، عُرف بطغيانه، حارب أخاه والي بابل الذي كان قد عصاه وحارب عيلام فلعله الملك الذي نفي بعض البابليين والشوشنيين (سكان شوشن) أسكنهم مدن السامرة، وقد يكون هو أسرحدون نفسه أو قائدًا أنابوه لهذه العملية.
3. افتراءات كاذبة
هَذِهِ صُورَةُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلُوهَا إِلَيْهِ إِلَى أَرْتَحْشَشتَا الْمَلِكِْ:
عَبِيدُكَ الْقَوْمُ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ [11].
في عبر النهر، أي ما غرب نهر الفرات.
لِيُعْلَمِ الْمَلِكُ أَنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ صَعِدُوا مِنْ عِنْدِكَ إِلَيْنَا،
قَدْ أَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَيَبْنُونَ الْمَدِينَةَ الْعَاصِيَةَ الرَّدِيئَةَ،
وَقَدْ أَكْمَلُوا أَسْوَارَهَا،
وَرَمَّمُوا أُسُسَهَا [12].
اليهود: أطلق هذا الاسم أولاً على أهل المملكة الجنوبية أي يهوذا وبنيامين وبعد العودة من السبي صار اسمًا لكل اليهود من كل الأسباط.
اليهود الذين صعدوا من عندك، أي الذين عادوا من السبي.
يُعتبر أول افتراء هو تغافلهم في شكواهم أمر كورش ببناء بيت الرب، وحسبوا أن العائدين من السبي عصاة ومتمردين، جاءوا ليبنوا المدينة العاصية الشريرة.
الافتراء الثاني: ادعاؤهم أن القادمين من السبي قد أكملوا أسوارها ورمموا أسسها، مع أنهم لم يفعلوا شيئًا سوى وضع أساسات الهيكل.
العاصمة الرديئة إشارة إلى تاريخ أورشليم التي عصت ملوك أشور وبابل قديمًا.
أَنَّهُ إِذَا بُنِيَتْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ،
وَأُكْمِلَتْ أَسْوَارُهَا،
لاَ يُؤَدُّونَ جِزْيَةً وَلاَ خَرَاجًا وَلاَ خِفَارَةً،
فَأَخِيرًا تَضُرُّ الْمُلُوكَ [13].
الافتراء الثالث: نجد هنا أن أعداء اليهود يصورون للملك أن اليهود يبنون الأسوار ليمتنعوا عن دفع الجزية، بينما هم يبنون الهيكل الآن وليس الأسوار. ادعاؤهم أنهم لا يؤدون الجزية ولا الخراج ولا الخفارة [13]، مع أنهم لم يمتنعوا عن هذا كله. الجزية ما يدفع للملك، والخراج هو الرسوم على التجارة وغلة الأرض للإنفاق على المحاكم المحلية. والخفارة هي الرسوم على عابري الطرق لأجل إصلاحها ودفع مرتبات رجال أمن الطرق.
لاحظ أن أعداء اليهود في رسالتهم يهولون الأمور، ويبالغون حتى يثيروا الملك ضدهم، فقد اشتهر الفرس بأنهم مولعون بتحصيل الضرائب والجزية لينفقوا على جيوشهم الجرارة.
لقد اعتاد الأعداء على ترديد الأكاذيب ضد المؤمنين، وإثارة الملوك ضد الكنيسة وضد شعب الله. إنها حيلة دائمة، وقد فعل اليهود ذلك ضد المسيح حين اتهموه بأنه عدو لقيصر.
4. مداهنة السلطات
وَالآنَ بِمَا إِنَّنَا نَأْكُلُ مِلْحَ دَارِ الْمَلِكِ،
وَلاَ يَلِيقُ بِنَا أَنْ نَرَى ضَرَرَ الْمَلِكِ،
لِذَلِكَ أَرْسَلْنَا، فَأَعْلَمْنَا الْمَلِك [14].
إنهم يثنون على الملك، ليس مديحًا فيه، وإنما لتحقيق هدفهم من المقاومة، ووقف بناء الهيكل.
"نأكل ملح دار الملك" تعبير أنهم في خدمة الملك، وأنهم يتقاضون مرتباتهم من دار الملك، فلا يليق بهم أن يروا ضرر الملك ولا يخطروه، إنما يلزمهم أن يكونوا أمناء من نحو من يرعى حياتهم. هكذا حاولوا أن يستروا غايتهم الحقيقية.
في نفس الوقت يقدمون تفسيرًا خاطئًا لتصرفات الراجعين من بابل أنهم يسببون ضررًا للملك، الأمر الذي لا يُسكت عليه. العجيب أن هذا الاتهام قائم عبر العصور، حيث تُتهتم الكنيسة في اهتمامها بالعبادة لله أنها تسبب ضررًا للدولة، وأنه تمرد على الحكام. هذا ما نادت به السلطات اليهودية حين قدمت السيد المسيح لمحاكمته: "إن أطلقت هذا، فلست محبًا لقيصر" (يو 19: 12).
لنلاحظ أن من يأكل ملح دار الملك يجد نفسه ملزمًا بهذا، فكم وكم نحن الذين نلنا كل خيراتنا من الله، يكون مجد الله هو هدفنا.
5. بلد متمرد منذ القدم
لِيُفَتَّشَ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ آبَائِكَ،
فَتَجِدَ فِي سِفْرِ الأَخْبَارِ،
وَتَعْلَمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ مَدِينَةٌ عَاصِيَةٌ وَمُضِرَّةٌ لِلْمُلُوكِ وَالْبِلاَدِ،
وَقَدْ عَمِلُوا عِصْيَانًا فِي وَسَطِهَا مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ،
لِذَلِكَ أُخْرِبَتْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ [15].
استغل الأعداء بعض الأحداث القديمة، مثل تمرد يهوياقيم على نبوخذنصر، فصعد عليه وقيده بسلاسل وقادة إلى بابل. من مثل هذا الحادث صّور الأعداء الموقف في أورشليم موقف تمرد على فارس، يُفهم منه الرغبة في إقامة مملكة لإسرائيل يمكنها أن تسيطر على المنطقة، فلا يكون لفارس سلطان على كل الأمم التي في نهر النهر. كأن نية الذين يبنون بيت الله، هي التمتع بالسلطة، وسحب سلطة فارس من المنطقة.
سفر الأخبار، أي سجلات الحكومة.
للملوك والبلا،د أي الملوك وغيرهم من حكام البلاد الذين كانوا تحت سلطة الملك أرتحششتا.
وَنَحْنُ نُعْلِمُ الْمَلِكَ ،
أَنَّهُ إِذَا بُنِيَتْ هَذِهِ الْمَدِينَةُ وَأُكْمِلَتْ أَسْوَارُهَا،
لاَ يَكُونُ لَكَ عِنْدَ ذَلِكَ نَصِيبٌ فِي عَبْرِ النَّهْرِ [16].
هنا مكر الحية، فلو فُرِض أن اليهود بنوا أسوار أورشليم، فهل يمنع هذا كل البلاد غرب نهر الفرات من دفع الجزية، هذا لن يتم إلا بتكوين دولة يهودية كبيرة تسيطر على كل ما في غرب النهر، وهذا هو التهويل لإثارة الملك.
6. الأمر بوقف البناء
فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ جَوَابًا:
إِلَى رَحُومَ صَاحِبِ الْقَضَاءِ وَشَمْشَايَ الْكَاتِبِ،
وَسَائِرِ رُفَقَائِهِمَا السَّاكِنِينَ فِي السَّامِرَةِ،
وَبَاقِي الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ.
سَلاَمٌ إِلَى آخِرِهِ [17].
بعث الملك الشرير رسالة إلى رحوم وشمشاي ورفقائهما لبحث الأمر، والتأكد مما جاء في رسالتهم له، مع إعطائهم سلطة لإيقاف العمل.
وثق الملك في خدامه غير الأمناء، وجعل من الخصوم حكامًا وقضاة ومنفذين للحكم. وكما يقول الحكيم: "الحاكم المٌصغي إلى كلام كذب كل خدامه أشرار" (أم 29: 12).
الحاكم أو القائد الشرير في أية جماعة يمثل بؤرة تضم أشرارًا يشاركونه شره، وبمشورتهم الشريرة يدفعونه بالأكثر إلى الشر. فعندما طلب يربعام وكل إسرائيل من رحبعام بن سليمان أن يخفف النير عنهم، استشار أحداثًا غير حكماء، وأجاب: "إن خنصري أغلظ من مَتُنَي أبي... أبي أدَّبكم بالسياط، وأما أنا فبالعقارب" (2 أي 10:10-11) فانقسمت المملكة، واعتزله عشرة أسباط.
v المشير الأحمق حارس أعمى، والمشير الحكيم حصن للثقة.
القدِّيس مار اسحق السرياني
الرِّسَالَةُ الَّتِي أَرْسَلْتُمُوهَا إِلَيْنَا،
قَدْ قُرِئَتْ بِوُضُوحٍ أَمَامِي [18].
وَقَدْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي أَمْرٌ،
فَفَتَّشُوا وَوُجِدَ أَنَّ هَذِهِ الْمَدِينَةَ مُنْذُ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ تَقُومُ عَلَى الْمُلُوكِ،
وَقَدْ جَرَى فِيهَا تَمَرُّدٌ وَعِصْيَانٌ [19].
وَقَدْ كَانَ مُلُوكٌ مُقْتَدِرُونَ عَلَى أُورُشَلِيمَ،
وَتَسَلَّطُوا عَلَى جَمِيعِ عَبْرِ النَّهْر،ِ
وَقَدْ أُعْطُوا جِزْيَةً وَخَرَاجًا وَخِفَارَةً [20].
فَالآنَ أَخْرِجُوا أَمْرًا بِتَوْقِيفِ أُولَئِكَ الرِّجَالِ،
فَلاَ تُبْنَى هَذِهِ الْمَدِينَةُ،
حَتَّى يَصْدُرَ مِنِّي أَمْرٌ [21].
لا نستطيع أن ننكر الجوانب الطيبة في الرسالة، والتي بلا شك هي عطية من يد الله الصالحة على شعبه. فالأمر صدر بوقف البناء وليس هدم مبني، وهو وقف مؤقت، وفي نفس الوقت لم يأمر برجوع العائدين من بابل إلى بلاد السبي كما كانوا عليه قبلاً.
"حتى يصدر مني أمر" إذا لم يغلق الباب نهائيًا فجاء من بعده وأعطى الأمر وها هي يد الله تعمل.
لقد خالف هذا الملك شريعة مادي وفارس التي لا تُنسخ (دا 6: 8). لم يحترم منشور الملك كورش، ولا التزم بشريعة الإمبراطورية.
ربما كان هذا الوقف تأديبًا من الله بسبب عدم قداسة الشعب، أو اهتمامهم ببيوتهم أكثر من الاهتمام ببيت الرب، كما يظهر في الأصحاح التالي.
v دُعي الشيطان قويًا ليس لأنه بالطبيعة هو هكذا، إنما بالإشارة إلى سلطانه الذي صار له بسبب ضعفنا[46].
القديس يوحنا الذهبي الفم
فَاحْذَرُوا مِنْ أَنْ تَتَهَاوَنُوا عَنْ عَمَلِ ذَلِكَ.
لِمَاذَا يَكْثُرُ الضَّرَرُ لِخَسَارَةِ الْمُلُوكِ؟ [22]
الملك أرتحششتا كممثل لإبليس عدو المؤمنين يطلب من خدامه ألا يتهاونوا في مقاومتهم، حاسبًا أن كل تهاون معهم هو خسارة خطيرة لمملكته. حرب عدو الخير ضد الإنسان لن تتوقف.
v كما إن الرب يلقي الشبكة ويصطاد عددًا ضخمًا من السمك، وتلاميذه كصيَّادي سمك يجمعون الذين يَقبلون الإيمان به خلالهم ويحضرونهم إليه، هكذا أيضًا إبليس له شيَّاطينه الخاضعة له الذين ينصبون الشباك للناس ويقتادونهم إليه.
القدِّيس جيروم
v تحسدنا الأرواح الشريرة منذ أن عرفت أننا حاولنا أن نرى عارنا وخزينا، وقد بحثنا عن طريقة للهروب من أعمالهم التي يعملونها معنا، ولم نحاول فقط أن نرفض مشورتهم الشريرة التي يزرعونها فينا، بل أن كثيرين منا يهزأون بحيلهم. والشياطين تعرف إحسان خالقها في هذا العالم، وقد حُكم عليهم بالموت، وأعد لهم جهنم ليرثوها بسبب غفلتهم وكثرة خبثهم[47].
القديس أنبا أنطونيوس الكبير
حِينَئِذٍ لَمَّا قُرِئَتْ رِسَالَةُ أَرْتَحْشَشْتَا الْمَلِكِ،
أَمَامَ رَحُومَ وَشِمْشَايَ الْكَاتِبِ وَرُفَقَائِهِمَا،
ذَهَبُوا بِسُرْعَةٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى الْيَهُود،ِ
وَأَوْقَفُوهُمْ بِذِرَاعٍ وَقُوَّةٍ [23].
"بذراع وقوة" يقف الشيطان بكل قوته لمنع العمل.
لماذا توقف البناء؟ هل هذا يرجع لقوة المقاومة؟ بالحري لتراخي من يبني، إذ لم يصلوا ولا صاموا، وظلوا في حالة تراخٍ إلى أن قام حجى النبي وزكريا ابن عدو النبيان وكلماهم بعنفٍ.
وقف المرتل في دهشة أمام عمل الله العجيب، وسط المعركة التي بين الله وإبليس. رأى نفسه عصفورًا لا حول له ولا قوة. لا يقدر أن يفلت من فخ الصيادين، أي إبليس وملائكته، لكن القدير أعانه، فكسر له الفخ وأطلقه حرًا. ترنم المرتل، قائلاً:"انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيَّادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 123: 7).
v ما هو الفخ الذي انكسر؟ يقول الرسول: "(الرب) سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20)، "فتستفيقوا من فخ إبليس" (2 تي 2: 26). ها أنتم ترون الشيطان هو الصيَّاد، يشتاق أن يصطاد نفوسنا للهلاك. الشيطان هو سيِّد فخاخ كثيرة، وخداعات من كل نوع... متى كنَّا في حالة النعمة تكون نفوسنا في أمان. لكن ما أن نلهو بالخطيَّة، حتى تضطرب نفوسنا وتصير كسفينة تلطمها الأمواج[48].
حِينَئِذٍ تَوَقَّفَ عَمَلُ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيم،َ
وَكَانَ مُتَوَقِّفًا إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُلْكِ دَارِيُوسَ مَلِكِ فَارِسَ [24].
توقف العمل ولكن إلى حين، فإن كانت العلة الحقيقية هي الفساد الداخلي، فإن الله واهب النصرة يسمح بالجراحات والهزيمة المؤقتة حتى يرجع أولاده إليه فيقدم لهم النصرة.
v في اللحظة التي فيها لا نزال وسط المعركة نُحارب ونُجرح، نسأل أنفسنا: من الذي يغلب؟
الغالب أيها الإخوة هو ذاك الذي يعتمد علي الله الذي يسنده وهو يحارب، ولا يعتمد علي قوته. للشيطان خبرته في الحرب، لكن إن كان الله معنا فسنغلبه. يحارب الشيطان بذاته، فإن حاولنا أن نفعل ذات الأمر، فسيغلبنا. إنه مُحارب مُختبر، لهذا يليق بنا أن نستدعي القدير ليقف ضده.
ليقطن فيك ذاك الذي لا يُغلب، فستغلب ذاك الذي اعتاد أن ينتصر. من هم الذين يغلبهم؟ أولئك الذين قلوبهم فارغة من الله[49].
v يعرف الله سعيكم وإرادتكم الصالحة، وينتظر جهادكم، ويسند ضعفكم، ويكلل نصرتكم[50].
من وحكمة عزرا 4
لتتبدد الغيمة ويشرق نورك علينا!
v إبليس عدونا لن يتوقف عن مقاومتنا.
يصب علينا اتهامات لا حصر لها.
يبث ضدنا افتراءات لا أساس لها.
يستخدم كل وسيلة لتحطيم عملنا في ملكوتك.
عنفه لا يوصف، وقسوته لا تُقدر!
v في وسط هذه المعركة وإن ظن العدو أنه قد غلب،
فسرّ نصرته ضعفنا وليس قوته.
خطيتنا هي طريق نجاحه.
لتعمل نعمتك فينا،
وليشرق نورك علينا.
تقدسنا، فنتمتع بقوتك.
نختفي فيك، فننال النصرة!
v لك المجد يا من تسمح لنا بالهزيمة إلى حين،
لك المجد يا من تدعونا للنصرة الأبدية!
صالح أنت يا أيها القدوس!
أنت هو سرّ نصرتنا ونجاحنا.
إصلاح داخلي وعودة للبناء
في الأصحاح الثالث وُضعت أساسات الهيكل، وفرح الشعب بذلك، لكن يبدو أن كثيرين منهم ما كان يشغلهم هو مصالحهم الخاصة. لهذا إذ قام الأعداء بالمقاومة، وجاءت رسالة الملك بوقف العمل، حدث تجاوب داخلي مع هذا القرار من بعض الأغنياء.
يبدو كأن وقف البناء علته المقاومة الخارجية والشكاوى والمشيرون الذين أثروا على الملك، إنما حقيقة الموقف أن السبب هو فساد قلوب القادة والعظماء. لهذا أرسل الله النبيين حجي وزكريا للإصلاح الداخلي. فقد تكاسل العائدون عن العمل، وكانت قلوبهم تميل إلى بناء قصورهم وبيوتهم وتزيينها عوض إعادة بناء بيت الرب. إذ كانت كلمة الرب: "هل الوقت لكم أن تسكنوا في بيوتكم المغشاة وهذا البيت خراب؟" (حج 1: 4).
إذ تحرك النبيان وتحركت القلوب للعمل بإخلاص، أعطاهم الرب نعمة في أعين الكل، مثل تتناي والي كل منطقة غرب نهر الفرات، الذي يخضع له ولاة الدول في المنطقة ومنها يهوذا، وأيضًا كاتبه شتربوزناي ومن معهما، والملك داريوس هستاسيس.
تشجع زربابل ويشوع بواسطة النبيين حجي وزكريا، وشرعا في البناء من جديد. على أثر العودة إلى البناء كان لازمًا أن يتحرك تتناي ومن معه، لكنهم تحركوا بروحٍ جديدةٍ، ليس للمقاومة بل للمساندة خفية، ففي رسالة الوالي للملك داريوس قدم التقرير التالي:
1. أنهم يبنون بيت للإله العظيم [7].
2. أن يدّ الله عامله معهم: يعملون بسرعة ونجاحٍ.
3. قدم كشف الأسماء حتى لا يبدو أنه متواطئ معهم، أو مهمل في السؤال.
4. قدم إجابة اليهود عن سبب بنائهم البيت أنه بأمر الملك كورش.
5. لم يشر إلى إصدار قمبيز أمرًا بوقف البناء.
6. طلب من الملك أن يبحث عن المنشور الملكي لكورش.
رسالة تتناي لداريوس ليست شكوى، إنما تحمل تقريرًا عما حدث بروح تحمل التقوى والمساندة! إنه عمل الله في النفوس التائبة، يجعل الأعداء يسالمونها. والعجيب أن الوالي لم يطلب إيقاف العمل لحين صدور الرد من الملك داريوس.
تصالح مع الله، فتتصالح مع نفسك وإخوتك، عندئذٍ يعمل حتى الأعداء لحسابك!
1. قيام حجي وزكريا النبيين 1-2.
2. عين إلههم عليهم 3-7.
3. رسالة تتناي إلى داريوس 8-17.
1. قيام حجي وزكريا النبيين
فَتَنَبَّأَ النَّبِيَّانِ حَجَّيِ النَّبِيُّ وَزَكَرِيَّا بْنُ عِدُّو،
لِلْيَهُودِ الَّذِينَ فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
بِاسْمِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ عَلَيْهِمْ [1].
رأينا في الآيات الأخيرة من الإصحاح السابق أن الشيطان يقف بكل قوة ضد البناء، ونجح في إيقاف العمل، فهل للشيطان قوة أن يوقف عمل الله؟ قطعًا لا يستطيع ذلك ما لم نعطه نحن الفرصة لذلك. وبالرجوع إلى نبوة حجي النبي (حج 1 :3) نجد أن الشعب هو الذي أهمل بناء بيت الرب واهتم كل واحد ببناء بيته الخاص، بل بتغشية هذه البيوت، أي الاهتمام بزينتها اهتمامًا مبالغًا فيه. فالمنع الخارجي من الملك أرتحششتا لم يكن لهُ أن يوقف البناء إن لم يكن هناك تكاسل وإهمال من الشعب، وحينئذ يتوافق الهجوم الخارجي مع التكاسل الداخلي، ومع هذا فلم يترك الله الحال كما هو عليه.
أرسل الله نبيين ليتنبآ بقوة "باسم إله إسرائيل عليهم". فروح الله ينبه للعمل "لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي، قال رب الجنود" (زك 4: 6). فالنبيان كان لهما سلطة وقوة من قبل روح الله، لأن غرضهما كان مجد اسم الله، لذلك كان لكلامهما تأثير قوي في تشديد الأيادي المتراخية.
يرى القديس أغسطينوس أن النبيين هنا وإن كانا قد شجعا الشعب على إعادة بناء الهيكل الذي تهدم، إلا أن ما كان يشغلهما هو إقامة هيكل الله في حياة الإنسان. يقول أيضًا أن من يبني بيت الرب في أعماقه يسبح الرب ليس بلسانه بقدر ما يسبحه بحياته ذاتها[51].
v اخرجوا من البيوت المزينة والمنحوتة بالشر، واصعدوا إلى جبل الأسفار الإلهية السماوية، واستخرجوا خشبًا من شجرة الحكمة، وشجرة الحياة، وشجرة المعرفة. اجعلوا طرقكم مستقيمة، ودبروا أعمالكم حتى تكون لائقة مفيدة ونافعة لبناء بيت الرب[52].
حِينَئِذٍ قَامَ زَرُبَّابَِلُ بْنُ شَأَلْتِئِيلَ وَيَشُوعُ بْنُ يُوصَادَاقَ
وَشَرَعَا بِبُنْيَانِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَمَعَهُمَا أَنْبِيَاءُ اللهِ يُسَاعِدُونَهُمَا [2].
ربما فترت عزيمة كل من زرُبابل ويشوع أمام الضغوط الداخلية من الأغنياء والفقراء، حيث استهان الأغنياء ببناء بيت الرب، معطين الأولوية لبيوتهم. وفترت همة الفقراء بسبب الضيق المادي وإجحاف الأغنياء، وأيضًا أمام مقاومة الأعداء الخارجيين. لكن الله لا يترك أبناءه الأمناء، فأرسل نبيين عظيمين يسندان هذين القائدين ومن معهما للعمل الإلهي.
أنصت زرُبابل إلى الصوت الإلهي على لسان زكريا النبي: "هذه كلمة الرب إلى زرُبابل قائلاً: لا بالقدرة ولا بالقوة، بل بروحي قال رب الجنود. من أنت أيها الجبل العظيم، أمام زرُبابل تصير سهلاً. فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين: كرامةً، كرامةً له" (زك 4: 6-7). جاءت الدعوة لزرُبابل لتكملة البناء، فإنه فيما هو كان يبدأ في العمل رأى المبني الجديد، كنيسة العهد الجديد بكل جمالها وبهائها، هذا الذي يقيمه حجر الزاوية وسط هتافات الآباء والأنبياء، بل وكل السمائيين: كرامةً كرامةً، أي كرامة لرجال العهد القديم الذين طال انتظارهم لمجيئه، وكرامة لرجال العهد الجديد الذين يتمتعون بما اشتهى الآباء والأنبياء أن يروه.
عاد العمل للهيكل بقيادة زربابل ويشوع ونلاحظ وظائف المهتمين بالبناء:
١. نبيان هما حجى وزكريا.
٢. والٍ (ملك) هو زرُبابل بن داود.
٣. رئيس كهنة وهو يشوع.
أليست هذه وظائف السيد المسيح باني الهيكل الحقيقي، أي جسده وهو الأعظم من هيكل سليمان أو هيكل زرُبابل (حج 2: 9)؟
لاحظ أن موضوع نبوة حجى هو التوبيخ على إهمال بيت الرب والتشجيع على إعادة العمل، ولقد استجاب زرُبابل ويشوع فعلاً.
كثيرًا ما تحدث الآباء عن زرُبابل بكونه رمزًا للسيد المسيح. فيرى يوسابيوس القيصري أن السيد المسيح هو زرُبابل الجديد، الذي أقام الكنيسة هيكل الله[53].
ويرى القديس أمبروسيوس أن زرُبابل الذي جعله الله خاتمًا (حج 2: 23) يشير إلى السيد المسيح – ملك السلام – الذي يختم الصورة الإلهية على النفس البشرية، فتصير شولميث (مؤنث سليمان).
v قيل له بطريقة سرائرية: "آخذك يا زرُبابل، وأجعلك كخاتمٍ لأني قد اخترتك" (حج 2: 23). لأنه عندما تصير نفوسنا في سلام يقال لها: "ارجعي، ارجعي يا شولميث" (نش 6: 13)، وتعني في سلام... عندئذ تتقبل المسيح مثل خاتم عليها، إذ هي صورة الله. فإنها بهذا تصير على صورة الله، إذ يصير الإنسان سماويًا[54].
2. عين إلههم عليهم
فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ جَاءَ إِلَيْهِمْ تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ،
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا،
وَقَالُوا لَهُمْ:
مَنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تَبْنُوا هَذَا الْبَيْتَ،
وَتُكَمِّلُوا هَذَا السُّورَ؟ [3].
إذ أثمرت خدمة النبيين، والتهبت قلوب الكل للعمل، كانت عينا الله عليهم. حقًا لقد جاء إلي عبر النهر تتناي وكاتبه ورفقاؤهما يسألونهم عن العمل الذي يمارسونه، لكن بروحٍ جديدةٍ، ليس روح المقاومة والعداوة، إنما روح الاستفسار والمساندة. إذ كان يمكنهم إيقاف العمل بناء على الرسالة التي سبق فأرسلها ارتحششتا، وإنما تركوهم يعملون، وبعثوا برسالة لداريوس الملك تحمل روح طيبة.
تتناي: اسم فارسي معناه "هبة". كان واليًا على المقاطعات الخاضعة لفارس غرب نهر الفرات في أيام داريوس الملك، مثل سوريا وكيليكية وصحراء العرب والسامرة وفينيقية، وكان زرُبابل يتبعه.
شتربوزناي: اسم معناه "كوكب لامع"، لعله كان كاتب الوالي أو ضابط فارسي تحت قيادة الوالي.
من أمركم؟ نستنتج من هذا السؤال أن أهل البلاد كانوا قد قدموا شكوى ضد اليهود، وجاء الوالي ليفحص الأمر.
حِينَئِذٍ أَخْبَرْنَاهُمْ بِأَسْمَاءِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَبْنُونَ هَذَا الْبِنَاءَ [4].
ما هي أسماء الرجال؟ من المؤكد أن هذا رد على سؤال الوالي الذي يسأل عن أسماء المسئولين عن العمل ليرسل تقريرًا للملك.
في اتزانٍ وبحكمة طلبوا أسماء العاملين حتى لا يتهمهم الملك بالإهمال والتواطؤ. فكان سؤالهم عن الأسماء وإرسالها إلى الملك يعطيه طمأنينة أنه ليس من تواطؤ قد حدث بين الوالي ورجاله وشيوخ إسرائيل.
في نفس الوقت يبدو أن أسلوب الوالي ومن معه أعطى طمأنينة للعاملين، فلم يخشوا أن يقدموا الأسماء، وإن يتحدثوا معهم في صراحة عن عمل الله معهم، مع خضوعهم للسلطات، وأن هذا العمل قام بناء على منشور كتابي من كورش الملك [11-13].
وَكَانَتْ عَلَى شُيُوخِ الْيَهُودِ عَيْنُ إِلَهِهِمْ،
فَلَمْ يُوقِفُوهُمْ حَتَّى وَصَلَ الأَمْرُ إِلَى دَارِيُوسَ،
وَحِينَئِذٍ جَاوَبُوا بِرِسَالَةٍ عَنْ هَذَا [5].
وراء هذه الأحداث عنصر هام يحركها: "كانت على شيوخ اليهود عين إلههم" [5]. وكما يقول المرتل: "هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته، لينجي من الموت أنفسهم وتحييهم في الجوع" (مز 33: 18-19). وأيضًا: "عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي" (مز 101: 6). كما قيل: "لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه" (2 أي 16: 9).
"عين إلههم" إذا كانت عين الله علينا فممن نخاف؟ فحين يرضى الله عن طريق إنسان يحيطه بعنايته ورعايته، وهو قادر أن يحيل قلوب الحكام غير المؤمنين ليعملوا ما يوافق مقاصده.
v "عيناي على أمناء الأرض لكي يجلسوا معي" (مز 101: 6). لم يقل المرتل: "على الأغنياء، أو الأباطرة أو الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة"، وإنما "على الأمناء"، أسكن معهم. الأسقف القديس من حقه أن يقول تلك الكلمات، إذ يقول: "لم أقمه كاهنًا لأنه يتذلل لي، أو لأنه قريبي، إنما جعلته كاهنًا لأنه أمين... "المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عينيّ" (مز 101: 7)[55].
v في الحقيقة لم يقل القديسون قط إن أعمالهم ومجهوداتهم الذاتية هي التي ضمنت اتجاه الطريق الذي فيه يسيرون نحو التقدم والكمال في الفضيلة، بل بالحري صلّوا لأجلها أمام الرب، قائلين: "دربني في حقك"، و"درب طريقي في عينيك" (مز 25: 5؛ 6: 9). يعلن قديس آخر أنه اكتشف تلك الحقيقة ذاتها، لا بالإيمان فحسب، بل وبالخبرة أيضًا من عمق طبيعة الأشياء: "عرفت يا رب أنه ليس للإنسان طريقه، ليس لإنسانٍ يمشي أن يهدي خطواته" (إر10: 23). ويقول الرب نفسه لإسرائيل: "أقوده أنا كسروةٍ خضراء؛ من قِبلي يُوجد ثمرك" (هو14: 8)[56].
الأب بفنوتيوس
v تعمل نعمة الله (ورحمته) فينا دائمًا لما هو لخيرنا. وعندما تفارقنا تصير أعمال الإنسان ومجهوداته كلها بلا فائدة. فمهما جاهد الإنسان، وحاول بجديةٍ لا يقدر أن يستعيد حالته الأولى بدون مساعدة (الله). يتحقق هذا القول دائمًا فينا؛ أعني: "ليس لمن يشاء، ولا لمن يسعى، بل الله الذي يرحم" (رو 9: 16)[57].
الأب دانيال
v عناية الله تهتم بنا كل يوم، على مستوى الجماعة كما في الحياة الخاصة، سرًا وعلانية، حتى حينما لا نعرف عن تدبيره شيئًا[58].
v خُلقت كل الأشياء مبدئيًا لأجل نفع الكائن العاقل... الله ليس كما يظن صلسسCelsus يهتم فقط بالكون ككلٍ، بل بجانب هذا يهتم بكل كائنٍ عاقلٍ على وجه الخصوص. مع ذلك فعنايته بالكل لا تخيب، لأنه حتى إن انحل جزء من الكل بسبب خطية الإنسان العاقل يسعى الله من أجل تطهيره وتنقيته واستعادة الكون إليه[59].
العلامة أوريجينوس
"حينئذ جاوبوا"، أي تتناي ورفقاؤه جاوبوا اليهود بعدما وصل لهم أمر الملك.
صُورَةُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ،
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا الأَفَرْسَكِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْر،
إِلَى دَارِيُوسَ الْمَلِكِ: [6]
"الإفرسكيين" يجوز ترجمة الكلمة بالحكام.
بحق كانت رسالة الوالي تتناي منصفة، فقد حقق في الشكاوى التي وصلته، ولم ينحز ضد اليهود.
3. رسالة تتناي إلى داريوس
تظهر يد الله الصالحة في هذه الرسالة، حيث لم يشر تتناي ومن معه إلى أمر أرتحششتا بإيقاف العمل، وإنما أشار إلى أمر كورش ببناء بيت الرب.
لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ كُلُّ سَلاَمٍ [7].
لِيَكُنْ مَعْلُومًا لَدَى الْمَلِك،ِ
أَنَّنَا ذَهَبْنَا إِلَى بِلاَدِ يَهُوذَا إِلَى بَيْتِ الإِلَهِ الْعَظِيم،ِ
وَإِذَا بِهِ يُبْنَى بِحِجَارَةٍ عَظِيمَة،ٍ
وَيُوضَعُ خَشَبٌ فِي الْحِيطَانِ.
وَهَذَا الْعَمَلُ يُعْمَلُ بِسُرْعَةٍ،
وَيَنْجَحُ فِي أَيْدِيهِمْ [8].
إنها يد الله التي سكبت المهابة على تنتاي ومن معه، فكتبوا بأسلوبٍ وقورٍ عن ما يفعله شيوخ اليهود. فمع أنهم وثنيون كتبوا: "ذهبنا إلى بيت الإله العظيم" [8].
مع أن البيت كان يُبني من أنقاض هيكل سليمان لكنهم كتبوا: "وإذا به يُبنى بحجارة عظيمة"، وكما جاء في سفر أخبار الأيام الأول: "وأقام نحات لنحت حجارة مربعة لبناء بيت الله" (أي 22: 2).
ما هي هذه الحجارة العظيمة إلا مؤمني العهد الجديد الذين بهم يُبنى هيكل الرب كما قال القديس بطرس الرسول. "كونوا أنتم أيضًا مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا، كهنوتًا مقدسٍا، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح" (1 بط 2: 5). إذ السيد المسيح هو الحجر الحي نُبني نحن عليه كحجارة حية. فكما هو حي نحن نحيا به (يو ١٤: ١٩). لقد جعلنا بيتًا روحيًا، مسكنًا لله بالروح (أف ٢: ١٨–٢١).
v أتظنون أنكم قادرون أن تصمدوا وتحيوا إن انسحبتم لتقيموا لأنفسكم بيوتًا (روحية) ومواضع مختلفة، وقد قيل لراحاب: "اجمعي إليك في البيت أباكِ وأمكِ وإخوتك وسائر بيت أبيكِ، فيكون أن كل من يخرج من أبواب بيتك إلى خارج، فدمه على رأسه، ونحن نكون بريئين؟![60]
الشهيد كبريانوس
v ما هو هدف هذا البناء؟ لكي يسكن الله في هذا الهيكل. كل واحد منكم هو هيكل، وكلكم معًا هيكل. الله يسكن فيكم بكونكم جسد المسيح وهيكل روحي. لم يستخدم الكلمة التي تعني مجيئنا نحن إلي الله، بل ما يعني أن الله هو الذي يحضرنا إلي نفسه. فإننا لم نأت من تلقاء أنفسنا، بل الله هو الذي قرّبنا إليه. يقول المسيح: "ليس أحد يأتي إلي الآب إلاَّ بي"، وأيضًا: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يو ١٤: ٦)[61].
القديس يوحنا الذهبي الفم
لم يكن ممكنًا لتتناي ومن معه إنكار الشهادة لعمل الله الذي "يُعمل بسرعة وينجح في أيديهم" [8].
"بيت الإله العظيم": إن تتناي لم يعرف الإله الحقيقي، ولكن يد الله كانت عليه، فشعر بخوفٍ ورهبةٍ من الله، ولأنه خاف هذا الإله لم يجرؤ أن يوقف العمل، وسأل الملك هل يوقف العمل أم لا، أي ألقى بالمسئولية على الملك. ولأن تتناي هذا كان يعبد الأوثان قال الإله العظيم، لأن في نظره هناك آلهة كثيرة. ونلاحظ أن الله أوقع رعبه على الوالي، لأن الشعب بدأ يعمل ويهتم، فلم يكن هناك سلطان للشيطان أن يوقف العمل، ولذلك مهما كان حجم الصعوبات، فهي تصغر جدًا أمام عمل يد الله، ولكن الله لا يتدخل ليعمل مع زرُبابل والشعب إن لم يتحرك زربابل نفسه والشعب للعمل (زك 7: 4). إن كانت المشاكل التي يثيرها الأعداء مثل الجبل تصير سهلة حينما يتدخل الله.
حِينَئِذٍ سَأَلْنَا أُولَئِكَ الشُّيُوخَ:
مَنْ أَمَرَكُمْ بِبِنَاءِ هَذَا الْبَيْت،
وَتَكْمِيلِ هَذِهِ الأَسْوَارِ؟ [9]
وَسَأَلْنَاهُمْ أَيْضًا عَنْ أَسْمَائِهِمْ لِنُعْلِمَكَ،
وَكَتَبْنَا أَسْمَاءَ الرِّجَالِ رُؤُوسِهِمْ [10].
عندما سأل والي المنطقة عن من أصدر لهم الأمر ببناء الهيكل، وعن أسماء العاملين، لم يرتبك العاملون، بل بقوة وشجاعة وفي أدبٍ قدموا الأسماء.
حينما يخاف الإنسان أو الجماعة الله، لا يخشون البشر، لأن الله نفسه في جانبهم يحوط حولهم، ويهبهم النجاح والنعمة أمام الآخرين. مخافة الله تطرد عنا مخافة البشر، بل وحتى الخوف من الشياطين.
v اخش الرب واحفظ وصاياه التي تقوّيك في كل أمورك، فلا يكون مثيل لأعمالك... لا تخف الشيطان إذا خشيت الرب، فإن خشيتك لله تعطيك سلطانًا على الشيطان[62].
هرماس
v ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطر عظيمة في وقت الشتاء.
الأب دوروثيؤس
v إرادة الله لا أن يخلّصك من المخاوف بل يحثّك على ازدرائها، فإن هذا أعظم من التخلُّص منها[63].
v لا يقدر أحد أن يؤذي إنسانًا ما لم يخطئ هذا الإنسان نفسه.
v كن صادقًا مع نفسك فلن يؤذيك أحد.
القديس يوحنا الذهبي الفم
وَبِمِثْلِ هَذَا الْجَوَابِ جَاوَبُوا:
نَحْنُ عَبِيدُ إِلَهِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ،
وَنَبْنِي هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي بُنِيَ قَبْلَ هَذِهِ السِّنِينَ الْكَثِيرَة،
وَقَدْ بَنَاهُ مَلِكٌ عَظِيمٌ لإِسْرَائِيلَ وَأَكْمَلَهُ [11].
لم يخشَ شيوخ إسرائيل من الإشارة إلى أن الأمر ببناء البيت منذ حوالي عدة قرون صدر من إله السماء والأرض قبل أن يُهدم، كما لم ينكروا فضل سليمان الحكيم في بنائه للبيت، إذ قالوا: "بناه ملك عظيم لإسرائيل وأكمله" [11].
بُني هيكل سليمان قبل هذه السنين أي قبل داريوس بحوالي ٥٠٠ سنة.
وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ أَسْخَطَ آبَاؤُنَا إِلَهَ السَّمَاءِ،
دَفَعَهُمْ لِيَدِ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ الْكِلْدَانِيِّ،
الَّذِي هَدَمَ هَذَا الْبَيْتَ،
وَسَبَى الشَّعْبَ إِلَى بَابِلَ [12].
في شجاعة وبروح الصراحة اعترفوا بأن السبي الذي حلّ بآبائهم أيام نبوخذنصر ليس بسبب قوة هذا الملك، وإنما بسبب سخط الله عليهم، لأنهم أغضبوه. السخط الذي سبق فصوره حزقيال النبي (حز 16: 35-43).
"بعد أن أسخط"، أي أن الله دفع الشعب ليد نبوخذنصر لأنهم أسخطوه بأفعالهم الشريرة، إذًا ليس أن آلهة بابل، قد انتصروا على الله بل أن الله أسلم شعبه ليد ملك بابل ليؤدب شعبه.
عَلَى أَنَّهُ فِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكَ بَابِلَ،
أَصْدَرَ كُورَشُ الْمَلِكُ أَمْرًا بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا [13].
يدعوه هنا كورش ملك بابل مع أنه هو ملك فارس وتتبعه بابل بعد أن سقطت في يده.
حَتَّى إِنَّ آنِيَةَ بَيْتِ اللهِ هَذَا
الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَأَتَى بِهَا إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي بَابِل،َ
أَخْرَجَهَا كُورَشُ الْمَلِكُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي بَابِلَ،
وَأُعْطِيَتْ لِوَاحِدٍ اسْمُهُ شِيشْبَصَّرُ الَّذِي جَعَلَهُ وَالِيًا [14].
شيشبصر هو زربابل كما سبق فرأينا.
وَقَالَ لَهُ: خُذْ هَذِهِ الآنِيَةَ وَاذْهَبْ،
وَاحْمِلْهَا إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ،
وَلْيُبْنَ بَيْتُ اللهِ فِي مَكَانِهِ [15].
حِينَئِذٍ جَاءَ شِيشْبَصَّرُ هَذَا،
وَوَضَعَ أَسَاسَ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الآنَ يُبْنَى وَلَمْ يُكْمَلْ [16].
"من ذلك الوقت إلى الآن يبنى". العمل سبق وأن توقف، والآن هم يكملون، أي أن التوقف كان لفترة فقط.
وَالآنَ إِذَا حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ،
فَلْيُفَتَّشْ فِي بَيْتِ خَزَائِنِ الْمَلِكِ الَّذِي هُوَ هُنَاكَ فِي بَابِل،َ
هَلْ كَانَ قَدْ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ كُورَشَ الْمَلِكِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا فِي أُورُشَلِيمَ،
وَلْيُرْسِلِ الْمَلِكُ إِلَيْنَا مُرَادَهُ فِي ذَلِكَ [17].
بعد هذا العرض الصادق والأمين، طلب تتناي ومن معه أن يتأكد الملك من وجود منشور كورش الملك في سجلات الدولة، تاركًا الأمر في يد الملك ليصدر قراره، وأنهم تحت طوعه في كل ما يقوله.
كلمتك هي سندي!
v أَرسلت حجي وزكريا النبيين يسندان القادة والشعب.
امتلأ الكل بروح القوة،
وانطلق الجميع للعمل بروح الشجاعة.
متى أرى بيتك المقدس قائمًا في أعماقي؟
كلمتك هي سندي القوي للقيام ببنائه.
وعودك الإلهية هي رصيدي!
v في مخافة أسلمك كل أموري،
فتطمئن نفسي وتستريح!
أنت تحرك كل الطاقات لبنيان نفسي.
أنت تعمل في الجميع لحساب ملكوتك في داخلي.
v يدك حركت الوالي تتناي ومن معه،
ويدك وجَّهت قلب داريوس الملك.
شهد الجميع أننا لك.
وفرح حتى الغرباء بعملك فينا!
v أخيرًا نعترف لك:
إن كل فشل لحق بنا هو يسبب خطايانا.
وكل نجاح يحل بنا هو من غنى حبك.
أنت سرّ نجاحنا وبنياننا!
داريوس الوثني يحث على
بناء بيت الله
في الأصحاحين السابقين لاحظنا أنه يمكننا الاستفادة حتى من اضطهاد العالم لنا، ولا نعجب أن نجد عونًا وتعاطفًا يصدر حتى من غير المؤمنين متى رجعنا إلى الله بالتوبة. تحركت قلوب اليهود بالتوبة، فتحركت عناية الله ووجهت قلب تتناي ومن معه للسؤال عن ما يفعلونه بروحٍ طيبة، وبعث رسالة للملك تحمل نية صادقة، ولم يطلبوا إيقاف العمل! الآن نرى عمل العناية الإلهية في قلب الملك داريوس نفسه.
1. طلب الملك البحث عن كتابة الملك كورش في سجلات الدولة، هذا احتاج إلى سنوات دون أن يطلب داريوس إيقاف العمل [1-5].
أ. طلب داريوس من الوالي ورجاله ابتعادهم عن المدينة حتى يتمموا "عمل بيت الله" [6-7].
ب. تقديم عون مالي سريع من جزية الملك حتى لا يتوقف العمل [8].
ج. إن كان كورش قد علم عن وجود يهوه (1: 3)، الآن نجد داريوس يسأل اليهود لكي يصلوا ليهوه ويقدموا ذبائح من أجله [9].
د. طلب داريوس الصلاة عن حياة الملك وبنيه [10].
هـ. إصدار تشريع بصلب من يقاوم العمل [11].
2. لم يتباطأ الوالي ومن معه في تنفيذ ما ورد في الرسالة الملكية [13].
3. استمر اليهود في البناء، وفى عام 516 ق.م، أي بعد أربع سنوات من بداية التجديد (4: 24)، تم بناء الهيكل [15]. كما قاموا بتدشينه بفرحٍ عجيبٍ، مع الاحتفال بعيد الفصح بتهليلٍ عظيمٍ [14-22]. "لأن الرب فرّحهم وحوَّل قلب ملك أشور نحوهم لتقوية أيديهم في عمل بيت الله إله إسرائيل" [22].
1. كتابة كورش والعناية الإلهية 1-5.
2. داريوس يخشى الرب 6-12.
3. فرح المسبيين 13-22.
1. كتابة كورش والعناية الإلهية
حِينَئِذٍ أَمَرَ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ،
فَفَتَّشُوا فِي بَيْتِ الأَسْفَارِ،
حَيْثُ كَانَتِ الْخَزَائِنُ مَوْضُوعَةً فِي بَابِلَ [1].
أصدر الملك أمره بالتفتيش في خزائن الملك عن منشور ادعى اليهود أن كورش أصدره لبناء هيكل الرب. وبالفعل وجدوه في الأرشيف الذي في مدينة احمثا، مصيف الملوك. فجاءت توصية داريوس الملك بعدم التعرض لهم، بل وأصدر داريوس أمرًا أن يُدفع مبلغ من مال الملك، أي من الجزية، للمساهمة في نفقة البناء، وما يحتاجون إليه من حيوانات لتقديمها ذبائح. بالفعل نفذ تنتاي ومن معه أمر الملك وبُني البيت ودُشن بفرحٍ عظيمٍ.
"بيت الأسفار" أي بيت الكتب، حيث تُحفظ الوثائق الهامة.
فَوُجِدَ فِي أَحْمَثَا فِي الْقَصْرِ الَّذِي فِي بِلاَدِ مَادِي
دَرْجٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ هَكَذَا: تِذْكَارٌ [2].
"أحمثا"
اسم أرامي مشتق من الاسم الفارسي القديم "هجمتاثا"، وهي عاصمة ميديا.
يدعوها اليونانيون"اكتبانا"، وهي عاصمة بلاد مادي، موقعها الآن همدان، كانت مصيفًا للملوك. ويظهر أن الكتابات الهامة القديمة، فهي من أيام كورش، قد نقلت إلى هناك. وهناك احتمال آخر أن مشيري الملك الذين تم رشوتهم (٥:٤) أخفوا الدليل - أمر كورش - في هذا المكان والله أراد كشفه الآن ليتم البناء. في منطقة أحمثا ثم اكتشاف الكثير من الوثائق المكتوبة على ألواح طينية وبرديات سُجلت فيها أعمال تجارية وبيانات تاريخية.
"درج": كانوا قديمًا يكتبون على قطعة من نسيج الكتان أو الرقوق عند كل من طرفيها قضيب خشب يلف الدرج عليه.
فِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ الْمَلِك،ِ
أَمَرَ كُورَشُ الْمَلِكُ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ اللهِ فِي أُورُشَلِيمَ:
لِيُبْنَ الْبَيْتُ الْمَكَانُ الَّذِي يَذْبَحُونَ فِيهِ ذَبَائِحَ،
وَلْتُوضَعْ أُسُسُهُ ارْتِفَاعُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا [3].
"ارْتِفَاعُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا" ارتفاع القدس وقدس الأقداس على التوالي. وكون أن الملك يعطى تصريح بأن يكون الارتفاع ستون ذراعًا، فهذا لا يعنى أنه يتدخل في ارتفاع القدس أو قدس الأقداس، بل أقصى ارتفاع للمباني الملحقة بالهيكل.
الملك كورش الذي يدعو اليهود لإعادة بناء الهيكل في أورشليم يديننا إن كنا لا نهتم ببناء هيكل الرب في قلوبنا بناء على دعوة الله، الذي يقدم لنا كل إمكانية لتحقيق ذلك.
v واضح أننا هيكل الله إن صنعنا الصلاح. إن كان إنسان ما هيكلا لله، فإن ما بالهيكل بالضرورة يكون خاصًا بالله... لا يوجد هيكل لله حيث تكون كثرة من الرذائل[64].
الأب فاليريان
v إني أقول لكم أيضًا عن الهيكل، إن هؤلاء الضالين الأشقياء انحصر رجاؤهم في بناء الهيكل، وليس بالله صانعهم. لقد فعلوا كما يفعل الوثنيّون عندما حصروا الله في الهيكل كالصنم، لكنّه سوف يُهدم الهيكل. تعلموا: "من قاس السماوات بالشبر وكال بالكيل (تراب) الأرض؟ ألست أنا يقول الرب؟ السماوات كرسيّ والأرض موطئ قدميّ. أين البيت الذي تبنون لي؟ وأين مكان راحتي؟" (راجع إش ٤٠: ١٢؛ ٦٦: ١)... قبل أن يكون لنا الإيمان بالرب كان داخلنا حقيرًا فاسدًا كهيكل مبني بأيدٍ بشريّة. كان هذا الهيكل مليئًا بعبادة الأصنام، ومسكنًا للشيطان عندما كنا نعمل ما يخالف الرب. انتبهوا حتى يأتي البناء عظيمًا، لأنّه يُبنى باسم الرب... يُبنى بعد نوالنا غفران الخطايا ووضع رجائنا في الرب وتجديدنا، فيُعاد بناؤنا، ويسكن الرب في داخلنا.
كيف يتم ذلك؟ تتنبّأ فينا كلمته، وهي غرض إيماننا ودعوة موعده وحكمة وصاياه وتعاليمه، وتفتح لنا باب الهيكل، أي تفتح فمنا بالصلاة، نحن الذين كنا مستعدّين للموت، ويهبنا مغفرة الخطايا، ويدخل بنا إلى الهيكل غير الفاسد. من أراد أن يخلّص لا يتطلّع إلى الإنسان وإنّما إلى الساكن فيه... هذا ما يعنيه الهيكل الروحي الذي بناه الله[65].
v لنعمل ما ينبغي علينا عمله، معتبرين أنّه حالّ فينا، ونحن هياكله، وهو إلهنا الساكن فينا. وهذا سيظهر لنا بكل وضوح إن أحببناه باستقامة[66].
v اعتبرتم نفوسكم حجارة هيكل الآب، أُعدت لبناء الله، ورُفعتم إلى فوق بأداة يسوع المسيح، أي بالصليب، وبحبل الروح القدس. إيمانكم يسحبكم إلى فوق، والمحبّة هي الطريق الذي يؤدي بكم إلى الله.
أنتم إذن رفاق الطريق، حاملون الله Theophoroi والهيكل Naophoroi والمسيح Christophori والقدسات[67]Agiaphoroi.
القدِّيس أغناطيوس الثيوفورس
بِثَلاَثَةِ صُفُوفٍ مِنْ حِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ وَصَفٍّ مِنْ خَشَبٍ جَدِيد.
وَلْتُعْطَ النَّفَقَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ [4].
"بثلاثة صفوف من حجارة عظيمة": هذه إشارة لطريقة بناء الحوائط وبناء الغرفات عليها.
v رأى يوحنا المدينة المقدسة نازلة من السماء مبنية على أسس من حجارة كريمة ولها اثنا عشر بابًا (رؤ 10:21-21)... في هذه المدينة يملك المسيح؛ وسكانها أنفسهم هم سكان وأبواب، بيوت وسكان. المسيح ساكن فيهم، المسيح يتحرك فيهم. يقول: "أنا أسكن وأتحرك فيهم".
فكروا في النفس القديسة كيف أنها أقدس من أن تُوصف. إنها تضم المسيح الذي السماء ليست متسعة لتحويه!... يتحرك فيها! فبالتأكيد هي بيت متسع فيه يسير.
قيل: "أنتم هيكل الله، والروح القدس يسكن فيكم" (راجع 1 كو 16:3). لنعد هيكلنا حتى يأتي المسيح ويجد مسكنه فينا، وتصير نفوسنا صهيون، وتكون برجًا يُقام في الأعالي، فتكون دومًا إلى فوق وليس إلى أسفل[68].
القديس جيروم
وَأَيْضًا آنِيَةُ بَيْتِ اللهِ الَّتِي مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ،
الَّتِي أَخْرَجَهَا نَبُوخَذْنَصَّرُ مِنَ الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ
وَأَتَى بِهَا إِلَى بَابَِلَ،
فَلْتُرَدَّ وَتُرْجَعْ إِلَى الْهَيْكَلِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ إِلَى مَكَانِهَا،
وَتُوضَعْ فِي بَيْتِ اللهِ [5].
2. داريوس يخشى الرب
حوّل الله هذا الموقف لصالح شعبه. فإذا بحث الملك عن منشور كورش، يبدو أنه تأثر من أسلوب المنشور بجانب يد الله الصالحة التي تعمل في قلوب الملوك والرؤساء لحساب شعبه. فنجد في هذه الرسالة صورة حية لهذا العمل.
وَالآنَ يَا تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ
وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاءَكُمَا الأَفَرْسَكِيِّينَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ،
ابْتَعِدُوا مِنْ هُنَاكَ [6].
جاء الأمر الملكي يمنع تنتاي أو غيره من تعطيل العمل [6-7].
كشفت رسالة داريوس عن شخصيته الوقورة، فإنه لم يصدر أمرًا بإيقاف العمل إلى حين وجود منشور كورش. وعندما وُجد المنشور احترم شريعة مادي وفارس التي لا تُنسخ، كما لم يضرب بعرض الحائط أوامر الملوك السابقين له.
اتْرُكُوا عَمَلَ بَيْتِ اللهِ هَذَا.
أَمَّا وَالِي الْيَهُودِ وَشُيُوخُ الْيَهُودِ،
فَلْيَبْنُوا بَيْتَ اللهِ هَذَا فِي مَكَانِهِ [7].
حقًا قلب الملك في يد الله، وها نحن نجد الملك يصدر أمرًا للوالي بأن يكمل بناء الهيكل، ويظهر من لغة الكلام أن الملك كان يميل لليهود فديانة الفرس تعتقد بوجود إله واحد، ومنهم هذا الملك غالبًا، لا يميلون إلى عبادة الأصنام. ونلاحظ وجود مذاهب متعددة، فكان كورش يمجد آلهة بابل، ولكن هناك ملوك مثل هذا الملك كانوا يؤمنون بمبدأ الإله الواحد، فتوافقوا في هذا مع اليهود.
وَقَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
مَعَ شُيُوخِ الْيَهُودِ هَؤُلاَءِ فِي بِنَاءِ بَيْتِ اللهِ هَذَا.
فَمِنْ مَالِ الْمَلِكِ، مِنْ جِزْيَةِ عَبْرِ النَّهْرِ، تُعْطَ النَّفَقَةُ عَاجِلاً،
لِهَؤُلاَءِ الرِّجَالِ حَتَّى لاَ يَبْطُلُوا [8].
لم يقف الأمر عند منع التعرض للذين يعملون، وإنما قدم الملك مما يخصه من جزية مساهمة سريعة وعاجلة لإتمام لعمل.
وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الثِّيرَانِ وَالْكِبَاشِ وَالْخِرَافِ،
مُحْرَقَةً لإِلَهِ السَّمَاءِ،
وَحِنْطَةٍ وَمِلْحٍ وَخَمْرٍ وَزَيْتٍ،
حَسَبَ قَوْلِ الْكَهَنَةِ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ
لِتُعْطَ لَهُمْ يَوْمًا فَيَوْمًا حَتَّى لاَ يَهْدَأُوا [9].
عَنْ تَقْرِيبِ رَوَائِحِ سُرُورٍ لإِلَهِ السَّمَاءِ وَالصَّلاَةِ،
لأَجْلِ حَيَاةِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ [10].
واضح أن داريوس الوثني كان يقدر الإله الحي، ويطلب بركته، ويسأل رجال الله أن يصلوا من أجله ومن أجل بنيه.
"الصلاة لأجل حياة الملك". من هذا يتضح أن الملك مقتنع بقوة صلاة شعب الله عنه. ألم نسمع أن عين الله كانت على شعبه، فهل بعد هذا يُمكن أن نخاف من أي أعداء للكنيسة؟ هنا نرى الله يوقف عمل الشيطان متى أراد إذا كان هناك أناس مخلصون يعملون بجدية. لقد هاج الشيطان وأوقف العمل، ولكن العمل عاد ومعه بركات أكثر من الأول.
كما أن بعض غير المؤمنين إذ يتعرفون على الله يطلبون الصلاة عنهم، كذلك يليق بالمؤمنين الصلاة من أجل كل الناس، خاصة الملوك والرؤساء وأصحاب السلاطين (1 تي 2: 1-3).
وَقَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ أَنَّ كُلَّ إِنْسَانٍ يُغَيِّرُ هَذَا الْكَلاَمَ،
تُسْحَبُ خَشَبَةٌ مِنْ بَيْتِه،ِ
وَيُعَلَّقُ مَصْلُوبًا عَلَيْهَا،
وَيُجْعَلُ بَيْتُهُ مَزْبَلَةً مِنْ أَجْلِ هَذَا [11].
وَاللهُ الَّذِي أَسْكَنَ اسْمَهُ هُنَاكَ،
يُهْلِكُ كُلَّ مَلِكٍ وَشَعْبٍ يَمُدُّ يَدَهُ لِتَغْيِيرِ،
أَوْ لِهَدْمِ بَيْتِ اللهِ هَذَا الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ.
أَنَا دَارِيُوسُ قَدْ أَمَرْتُ فَلْيُفْعَلْ عَاجِلاً [12].
يا للعجب فإن الملك الوثني يحمل مهابة نحو بيت الله، فيحكم بصلب من لا يبالي ببنائه. ويتم الصلب على خشبة من بيته. وكأنه حكم على نفسه بنفسه بصلبه بسبب اهتمامه ببيته دون بيت الله. فالخطية تحمل في ذاتها الموت والفساد لمن يرتكبها.
3. فرح المسبيين
حِينَئِذٍ تَتْنَايُ وَالِي عَبْرِ النَّهْرِ وَشَتَرْبُوزْنَايُ وَرُفَقَاؤُهُمَا،
عَمِلُوا عَاجِلاً حَسْبَمَا أَرْسَلَ دَارِيُوسُ الْمَلِكُ [13].
لم يبحث تتناي عن حجج لتأجيل أمر الملك، وإنما أسرع عاجلاً بتنفيذ ما ورد في رسالة الملك. لم يكن هذا الوثني يحمل كراهية للمؤمنين، ولا مقاومة لله.
"عملوا عَاجِلاً": لقد خافوا من أمر الملك، كما أن روح الله كان يحرك الجميع.
وَكَانَ شُيُوخُ الْيَهُودِ يَبْنُونَ وَيَنْجَحُونَ،
حَسَبَ نُبُوَّةِ حَجَّيِ النَّبِيِّ وَزَكَرِيَّا بْنِ عِدُّو.
فَبَنُوا وَأَكْمَلُوا حَسَبَ أَمْرِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ،
وَأَمْرِ كُورَشَ وَدَارِيُوسَ وَأَرْتَحْشَشتَا مَلِكِ فَارِسَ [14].
سرّ نجاحهم في العمل سماعهم للصوت الإلهي، وارتباطهم بكلمة الله.
"أكملوا حسب أمر إله إسرائيل": أمر الله أولاً، واستجاب لهُ الملك، والملك أمر واستجاب لهُ الولاة. لكن الذي بدأ هو الله وهو أيضًا الذي أمال قلوب الشعب ليعملوا ويبنوا.
وَكَمُلَ هَذَا الْبَيْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ شَهْرِ أَذَارَ،
فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ مِنْ مُلْكِ دَارِيُوسَ الْمَلِكِ [15].
استغرق البناء أربع سنوات في جهد متواصل وبقلب ملتهب بالحب لله.
كورش وداريوس وأرتحششتا: كورش وداريوس هستاسبس أصدرا أوامر بالبناء، أما أرتحششتا (قمبيز) فأصدر أمرًا بوقف البناء، ولكن البناء استمر شهورًا في عهده حتى صدر الأمر بالتوقف أو يكون أرتحششتا هو لونجيمانوس ويكون ذكره هنا لتكريمه لأنه هو الذي أصدر أمرًا ببناء السور.
وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّون،َ
وَبَاقِي بَنِي السَّبْيِ،
دَشَّنُوا بَيْتَ اللهِ هَذَا بِفَرَحٍ [16].
كان الاحتفال عظيمًا، سكب روح الفرح على الجميع. فقد عاد الهيكل بعد غيبة عشرات السنوات، وصار لهم إمكانية تقديم الذبائح، وممارسة طقوس الهيكل، والاحتفال بالأعياد.
تدعى الكنيسة "بيت التسبيح"، ففي تدشين الهيكل الأول بارك سليمان الرب وسبحه. يقول القدِّيس أغناطيوس النوراني: [اهتمُّوا في أن تجتمعوا بكثافة أكثر لتقديم الشكر والمجد لله، فعندما تجتمعون مرارًا معًا في الاجتماع الأفخارستي تضمحل قوى الشيطان وتنحل قوَّته أمام إيمانكم وتآلفه[69].]
وَقَرَّبُوا تَدْشِينًا لِبَيْتِ اللهِ هَذَا،
مِئَةَ ثَوْرٍ وَمِئَتَيْ كَبْشٍ وَأَرْبَعَ مِئَةِ خَرُوفٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ تَيْسَ مِعْزًى
ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ عَنْ جَمِيعِ إِسْرَائِيل،َ
حَسَبَ عَدَدِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ [17].
تدعى الكنيسة "بيت الذبيحة"، ففي تدشين الهيكل الأول قدم سليمان والشعب ذبائح كثيرة، لأنَّه بدون سفك دم لن تحصل مغفرة. لقد عرَّف القدِّيس أغناطيوس النوراني الكنيسة بأنَّها "موضع الذبيحة[70]". ففي الكنيسة نلتقي بالسيِّد المسيح الذبيحة الحقيقيَّة، ونتَّحد به فتصير حياتنا ذبيحة حب فائقة.
كان الاحتفال مع بهجته العظيمة، لكن التقدمات والذبائح أقل بكثير من التي قدمها حزقيا الملك (2 أي 30: 24)، أو يوشيا الصالح (2 أي 35: 7). فمهما قدموا، فإن إمكانياتهم ضعيفة كجماعة قليلة عائدة من السبي.
"إثني عشر تيسًا": العدد ١٢ يدل على وجود أعداد من كل الأسباط وأنهم عادوا للاتحاد. فالتأديب أعادهم كشعبٍ واحدٍ. ولذلك في آية ١٦ قال: "وبنو إسرائيل،" فهنا عزرا يرى أن الشعب شعب واحد والكهنة واللاويين هم للجميع.
وَأَقَامُوا الْكَهَنَةَ فِي فِرَقِهِمْ،
وَاللاَّوِيِّينَ فِي أَقْسَامِهِمْ عَلَى خِدْمَةِ اللهِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ،
كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ مُوسَى [18].
لصق بهم التعبير "بنو السبي"، فمع ما أعطيت لهم من حرية في العبادة، وبناء بيت الرب، إلا أنهم لازالوا تحت سلطان ملك فارس، ليس لهم ملك خاص بهم مستقل له حرية الحركة في الأمور السياسية. ومن جهة أخرى فإن هذا اللقب يذكرهم بخطيتهم وخطايا آبائهم، التي بسببها سقطوا تحت السبي.
وَعَمِلَ بَنُو السَّبْيِ الْفِصْحَ فِي الرَّابِعَ عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ [19].
عملوا الفصح الذي به تحقق خروجهم الأول من عبودية فرعون ليعبروا إلى البرية ويدخلوا أرض الموعد. الآن إذ يحتفلون بعيد الفصح يذكرون عمل الله الخلاصي، وأن ما تم على أياديهم إنما هو عطية الله مخلصهم.
يذكر العهد القديم خمسة أعياد للفصح:
1. عند جبل سيناء (عد ٥:٩).
2. في الجلجال (يش ١٠:٥).
٣. في زمان حزقيا.
٤. في زمان يوشيا.
٥. والآن في زمان زرُبابل.
كل من هذه الأعياد الخمسة دل على إصلاح العبادة، وتجديد العهد بين الله وشعبه.
يحدثنا الأب ميليتو أسقف ساردس[71] عن ارتباط عيد الفصح بمذبح العهد الجديد:
v يتحقق سرّ الفصح في جسد الرب...
فقد اُقتيد كحمل، وذبح كشاه، مخلصًا إيَّانا من عبودية العالم (مصر)، ومحررنا من عبودية الشيطان كما من فرعون، خاتمًا نفوسنا بروحه، وأعضاءنا الجسدية بدمه...
إنه ذاك الواحد الذي خلصنا من العبودية إلى الحرية، ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، ومن الظلم إلى الملكوت الأبدي...
إنه ذاك الذي هو (فصح) عبور خلاصنا...
هو الحمل الصامت... الذي أخذ من القطيع، واُقتيد للذبح في المساء، ودُفن بالليل.
من أجل هذا كان عيد الفطر مرًا، كما يقول كتابكم المقدس: تأكلون فطيرًا بأعشاب مرَّة،
مرَّة لكم هي المسامير التي استخدمت،
مُرّ هو اللسان الذي جدف،
مرَّة هي الشهادة الباطلة التي نطقتم بها ضده...
تأمل هذا أيها العزيز المحبوب، كيف أن سرّ الفصح جديد وقديم، أبدي وزائل، غير قابل للفساد وقابل للفساد، خالد ومائت!
إنه قديم حسب الناموس، وجديد حسب اللوغس (الكلمة الإلهي).
زائل خلال عبارات الرمز، وأبدي في عبارات النعمة.
قابل للفساد خلال موت الحملان، وغير قابل للفساد خلال حياة الرب...
هكذا ذبيحة الحملان وطقس الفصح وحرف الناموس، هذه قد تحققت في المسيح يسوع. عوض الناموس جاء اللوغوس، فصار القديم جديدًا، وصارت الوصية نعمة، والرمز حقيقة[72].
ميليتو أسقف ساردس
v والآن وأنتم تحتفلون بالبصخة (الفصح) المقدسة، يلزمكم أن تعرفوا أيها الإخوة ما هي البصخة؟... البصخة تعني العبور، وهكذا دُعيَ العيد بهذا الاسم، لأنه في هذا العيد عبر ابن الله من هذا العالم إلى أبيه.
أي نفع لكم أن تحتفلوا بعيد الفصح إن لم تمتثلوا بذاك الذي تتعبدون له... فتعبرون من ظلمة الأفعال الشريرة إلى نور الفضيلة، ومن محبة هذا العالم إلى محبة البيت السماوي؟! فإنه يوجد كثيرون يحتفلون بهذا العيد المقدس ويُكرمون قدره لكنهم يفعلون هذا بغير استحقاق، وذلك بسبب شرهم، وعدم عبورهم فوق هذا العالم إلى أبيهم، أي لا يعبرون شهوات هذا العالم ومن الملذات الجسدية إلى محبة السماء. يا لهم من مسيحيين تُعساء، لا يزالون تحت سيطرة إبليس، مبتهجين بهذا الشر...
لأجل هذا أُنذركم يا إخوتي، بأن تحتفلوا بعيد الفصح كما يلزم، أي ينبغي أن تعبروا. فمن كان من بينكم لا يزال في الخطية، فليُقدس هذا العيد، عابرًا من الأعمال الشريرة إلى حياة الفضيلة. ومن كان فيكم سالكًا في حياة مقدسة، فليعبر من فضيلة إلى فضيلة وهكذا لا يوجد فيكم أحد لا يعبر[73].
القدِّيس أمبروسيوس
لأَنَّ الْكَهَنَةَ وَاللاَّوِيِّينَ تَطَهَّرُوا جَمِيعًا،
كَانُوا كُلُّهُمْ طَاهِرِين،
وَذَبَحُوا الْفِصْحَ لِجَمِيعِ بَنِي السَّبْي،ِ
وَلإِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ وَلأَنْفُسِهِمْ [20].
"وَلإِخْوَتِهِمِ الْكَهَنَةِ وَلأَنْفُسِهِمْ" ذبح اللاويون الفصح للكهنة ولأنفسهم، ليتفرغ الكهنة لخدماتهم الأخرى.
لم يكن ممكنًا أن يأكل الفصح أحد، حتى من الكهنة واللاويين خدام الهيكل، ما لم يتطهروا.
v الإنسان المخادع وغير النقي القلب والذي ليس فيه شيء طاهر... هذا بالتأكيد غريب عن القدِّيسين ويُحسب غير مستحق أن يأكل الفصح، لأن كل ابن غريب لا يأكل منه. لهذا عندما ظن يهوذا أنه حفظ الفصح بينما كان يدبر خداعًا ضد المخلص، صار غريبًا عن المدينة التي هي من فوق، وبعيدًا عن الصحبة الرسولية، إذ أمرت الشريعة أن يؤكل الفصح بحرص لائق، أما هو فبينما كان يأكل نقبه الشيطان، ودخل إلى نفسه (يو 22: 31) [74].
البابا أثناسيوس الرسولي
وَأَكَلَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الرَّاجِعُونَ مِنَ السَّبْي،ِ
مَعَ جَمِيعِ الَّذِينَ انْفَصَلُوا إِلَيْهِمْ مِنْ رَجَاسَةِ أُمَمِ الأَرْض.
لِيَطْلُبُوا الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ [21].
"الذين انفصلوا إليهم": أكل الفصح الراجعون من السبي، أو الإسرائيليون الذين بقوا في البلاد زمان السبي وانفصلوا عن رجاسات أمم الأرضو ربما كانوا من السامريين أو الوثنيين الذين تابوا وانفصلوا عن آلهتهم وتهودوا.
وَعَمِلُوا عِيدَ الْفَطِيرِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ بِفَرَحٍ.
لأَنَّ الرَّبَّ فَرَّحَهُمْ.
وَحَوَّلَ قَلْبَ مَلِكِ أَشُّورَ نَحْوَهُمْ،
لِتَقْوِيَةِ أَيْدِيهِمْ فِي عَمَلِ بَيْتِ اللهِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ [22].
في تدشين الهيكل الأول مارس سليمان وكل القيادات مع الشعب الاحتفال بتدشين الهيكل لمدَّة سبعة أيَّام، تلاها سبعة أيَّام أخرى حيث احتفلوا بعيد المظال، وفي اليوم الثامن بارك الشعب وصرفهم وهو متهلِّلون بالفرح.
ليس فقط وجد الشعب فرحه الفائق وشعبه في بيت الرب، بل حملوا هذا الفرح معهم إلى بيوتهم ليمارسوه كل أيَّام حياتهم.
هنا أيضًا أكلوا الفصح بروح الفرح والتسبيح، مقدمين الشكر لله الذي فرَّح قلوبهم، وعمل في قلب ملك أشور الوثني لمساندتهم في البناء.
نلاحظ هنا قولهُ" بفرح"، فالفرح يصاحب تجديد العهد مع الله بالتوبة، ونحن لا نفرح سوى بذبيحة الصليب فصحنا الحقيقي.
"ملك أشور" كان داريوس ملك فارس وأشور تتبعه، فيجوز تسميته ملك أشور كما أسماه من قبل ملك بابل. وهنا يسميه ملك أشور حتى يذكر القارئ بأن ما بدأه ملك أشور السابق بتشتيت الشعب أنهاه ملك فارس هذا، وها هم يجتمعون ثانية وهذا ما يفرحهم. ويفرحهم أيضًا أن الله أمال قلب ملك فارس نحوهم وأن الله قواهم في بناء البيت. لقد سبت أشور إسرائيل، وهوذا أشور الجديد تحث على العمل الإلهي وبناء بيت الرب والعبادة فيه! التوبة الصادقة هي الطريق العملي لبلوغ النجاح في الحياة.
ما نود أن نوضحه هنا هو أن عيد الفطير كان يدعى "خبز الحزن" (تث 17: 3)، إذ كان يرمز للمرارة التي عاشها الشعب في عبوديته لفرعون، وقد تحول الحزن إلى فرح وبهجة، وصار من أكثر الأعياد المفرحة. وبعد أن كان الإمتناع عن أكل الخمير إشارة إلى سرعتهم في الخروج من مصر (خر 12: 33، 39، تث 16: 3)، صار علامة ترك خمير الحياة القديمة والتمتع بحياة جديدة (إش 52: 11-12) لا ترتبط بخمير الماضي.
جاء في عنوان المزمور 112 ترجمة الفولجاتا: "تغيير المسار بواسطة حجي وزكريا". وهو مزمور مفرح يبدأ بالعبارة: "هللويا. طوبى للرجل المتقي الرب المسرور جدًا بوصاياه". وجاء تعليق القديس أغسطينوس على هذا العنوان بقوله: ["لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو 3: 17). لهذا من يغير مساره بالعمل في هذا البناء معًا، وبرجاء البنيان الثابت المقدس يكون كحجرٍ حيّ قائم من خرائب هذا العالم البائس، يفهم عنوان هذا المزمور... لهذا فليتغنَ بالعبارات التالية لا بصوت لسانه، بل بحياته. فإن إتمام البناء هو سلام الحكمة الذي لا يُعبر عنه[75].]
هكذا يدعونا القديس أغسطينوس أن نكون حجارة حية مقدسة في بيت الرب فننعم بالحياة المطوَّبة ونمتلئ بسرور الرب العظيم، وتتحول حياتنا كلها إلى تسبحة وترنم مفرح!
سجل لنا عزرا الكاتب في الأصحاحات الستة السابقة موكب الفوج الأول تحت قيادة زربابل (شيشبصر) ويشوع اللذين نجحا أخيرًا في بناء بيت الرب.
ربما أعطى الملك لزربابل اسم شيشبصر، ومعناه "الفرح وسط المتاعب"، لأنه رآه دائم الفرح، فأُعجب به. فإنه ليس من شهادة لإيماننا الحقيقي مثل الفرح الدائم في الرب!
من وحي عزرا 6
أقم ملكوتك في داخلي يا إله المستحيلات
v يا لحبك الفائق يا إله المستحيلات.
تحوِّل كل الأحداث لحساب ملكوتك في داخلي.
تقيم من قلبي الفاسد هيكلاً مقدسًا لك.
تصنع عجائب في داخلي.
وتشتم ذبائح حب وتسبيح ورضا!
v هوذا أعماقي بين يديك.
ليعمل روحك القدوس فيها.
ليطهرها ويقدسها.
فتقيم فيها وليمة سماوية مفرحة!
تصير أنت سرّ فرحي وعيدي الدائم.
الفوج الثاني للراجعين من السبي
عزرا 7-10
مع نهاية الأصحاح السابق انتهي الحديث عن الفوج الأول من الراجعين من السبي تحت قيادة زرُبابل ويشوع.
أما الفترة ما بين نهاية الأصحاح السابق وبداية الأصحاح السابع فتبلغ حوالي 58 عامًا، من عام 516 ق.م إلى 458 ق.م. لقد جرت فيها الأحداث الواردة في سفر أستير مع الملك أحشويرش الكبير. لدينا كتابات سُجلت في هذه الفترة مثل جزء من سفر زكريا وربما ملاخي ويوئيل.
ومع بداية هذا القسم لا نسمع عن زرُبابل أو يشوع الكاهن أو حجي وزكريا النبيين.
في هذه الفترة عاد بعض أبناء القادمين من السبي إلى التزوج بالوثنيات، وكادوا أن يرجعوا إلى العبادة الوثنية عن طريق هؤلاء الزوجات. الله في محبته أرسل لهم عزرا الكاتب والكاهن، قادمًا مع فوج جديد ويقوم بالإصلاح الداخلي، خاصة طرد النساء الوثنيات مع أولادهن.
يبدأ الحديث بعرضٍ مختصرٍ للأحداث، ثم يعود فيتحدث عنها في شيء من التفصيل.
إرسال عزرا رجل الشريعة للإصلاح
موكب روحي جديد!
الآن يبدأ بالحديث عن موكب روحي جديد، هو موكب الفوج الثاني تحت قيادة رجل الشريعة والإصلاح الروحي، عزرا نفسه.
بعد مرور حوالي 80 سنة من نداء كورش و58 سنة من بناء الهيكل، وبعد نجاة اليهود من خطة هامان الواردة في سفر أستير في أيام الملك أحشويرش الذي يُسمى أيضًا أجزركسيس الكبير امتدت يد الله الصالحة لتعمل خلال الملك ارتحشستا الأول لونجيمانوس (ابن الملك أحشويرش). لقد أعطى الله نعمة لعزرا في عيني الملك ليعطيه سلطانًا مفتوحًا للعمل في أورشليم.
كان عزرا دارسًا عظيمًا للشريعة [6]، وهو من نسل هرون. وواضح أنه نال مركزًا مرموقًا في بلاد فارس، ربما كان أشبه بكاتب الدولة لشئون اليهود. في نفس الوقت كان رجل عملي [6-10]. كانت مسرته تكمن في دارسة للكتاب المقدس. أرسله الملك لكي يدرس الموقف ويُلزم اليهود على حفظ الناموس [25-26]. توجد شواهد أخرى على اهتمام ملوك فارس على ممارسة العبادة التي للشعوب الخاضعة لهم، كما يظهر من ورقة بردي أُرسلت إلى مستعمرة يهودية في جزيرة الفيلة بأسوان في مصر.
1. يد الله الصالحة 1-10.
2. رسالة الملك لعزرا 11-26.
3. مبارك الرب إله آبائنا 27-28.
1. يد الله الصالحة
وَبَعْدَ هَذِهِ الأُمُورِ فِي مُلْكِ أَرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ فَارِس،َ
عَزْرَا بْنُ سَِرَايَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا [1].
"بعد هذه الأمور". يبدأ السفر هنا في حقبة جديدة. فالإصحاحات الستة الأولى تمت في عهد داريوس هستاسب وارتحششتا وكورش. فأذن كورش ببناء الهيكل كان سنة ٥٣٦ ق. م وانتهى بناء الهيكل في أيام داريوس هستاسب سنة ٥١٥ .ق م، والآن نجد عزرا وقد صعد من بابل إلى أورشليم وكان ذلك سنة ٤٥٨ ق.م. فقوله" بعد هذه الأمور" أي بعد أمور بناء الهيكل والمقاومة التي تعرضوا لها. ونلاحظ أن بين نهاية أحداث أصحاح ٦ وبداية أصحاح ٧ حوالي 58 سنة.
يبدأ حديثه بإعلان انتسابه لهرون، مؤكدًا أن ما تحقق هو بيد الله الصالحة عليه، ليقود موكبًا روحيًا جديدًا، حيث أعطاه الرب نعمة في عيني ارتحشستا الملك.
عزرا بن سرايا: عزرا اسم عبري معناه معونة، فقد أرسل الله عونًا إلى شعبه، لكنه يرجع إلى الشريعة الإلهية، ويتطهر من الخطايا التي سقط فيها.
سرايا ليس والد عزرا، وإنما جده، فما يشغل عزرا هو البلوغ إلى نسبه لهرون مع ذكر الشخصيات الهامة في نسبه. فقد أراد إثبات نسبه الكهنوتي فقط وهذا مهم جدًا ليقوم بوظيفته ككاهنٍ. سرايا هذا هو رئيس الكهنة وقت خراب الهيكل سنة 588 ق.م، قبض عليه نبوزادان رئيس الشرط مع صفنيا الكاهن الثاني ونحو 70 شخصًا، وسار بهم إلى نبوخذنصر ملك بابل الذي ضربهم وقتلهم في رمله في أرض حماة (2 مل 25: 18-21).
حلقيا: رئيس الكهنة أيام الملك يوشيا الصالح، وهو الذي عثر على سفر الشريعة، فسلمه إلى شافان الذي قرأه أمام الملك (2 مل 22: 13).
بْنِ شَلُّومَ بْنِ صَادُوقَ بْنِ أَخِيطُوب [2].
بْنِ أَمَرْيَا بْنِ عَزَرْيَا بْنِ مَرَايُوث [3].
بْنِ زَرَحْيَا بْنِ عُزِّي بْنِ بُقِّي [4].
بَنِ أَبِيشُوعَ بْنِ فِينَحَاسَ بْنِ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ الرَّأْس [5].
فينحاس: الكاهن الذي بغيرته رد غضب الله عندما قتل الرجل الإسرائيلي الذي زنى مع امرأة موآبية (عد 25: 8).
هرون: أول رئيس كهنة، أخ موسى النبي.
عَزْرَا هَذَا صَعِدَ مِنْ بَابِل،َ
وَهُوَ كَاتِبٌ مَاهِرٌ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى الَّتِي أَعْطَاهَا الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.
وَأَعْطَاهُ الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ الرَّبِّ إِلَهِهِ عَلَيْهِ كُلَّ سُؤْلِهِ [6].
كاتب ماهر: كان عزرا موظفًا في البلاط الفارسي، ومستشارًا للملك أرتحشستا، لذلك دُعي بالكاتب بحكم وظيفته. استغل معرفته وموهبته في نسخ الشريعة ودراستها وتعليمها للشعب. كان ماهرًا ليس من جهة براعة الخط فحسب، وإنما أيضًا من جهة تعلم الشريعة ودراستها وفهمها، والسلوك فيها. وكما يقول المرتل: "لساني قلم كاتب ماهر" (مز 45: 1).
"في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل": يذكر هذا ليؤكد أن سرّ مهارته وعلمه هو تمسكه بالشريعة الإلهية الموهوبة من الله كعطية للشعب. فكل ما ناله من مكانه أو معرفة سَّره كلمة الله. دعاه الشعب "موسى الثاني".
"يد الرب": يحسب عزرا كل النعم التي تمتع بها الشعب في ذلك الحين عطية من يد الله الصالحة، وقد ذكر هذه العبارة وما يعادلها ست مرات في الاصحاحين 7، 8: (عز 7: 6، 9، 28، 8: 18، 22، 31). يد الله هي التي تساعد وتحمى وتقود.
"كل سؤله": أي أن يتعين ويتفوض كما هو مرسوم بالتفصيل في مكتوب الملك.
اقتدى عزرا الكاتب بداود النبي والملك والمرتل هذا الذي كان له شهرته، وله إمكانياته وخبراته، ومع هذا حسب نفسه غريبًا، محتاجًا إلي وصايا الله لتكون له قائدًا ومرشدًا ورفيقًا ومعزيًا له في غربته. إنه يصرخ قائلاً: "غريب أنا على الأرض، فلا تخفِ عني وصاياك" (مز 119: 19). شعوره بالغربة يدفعه إلي الالتصاق بالوصية كي تسنده كل زمان غربته، وتهبه نجاحًا في الرب، كما ترفعه إلي الحياة السماوية.
v يحتاج الغرباء على الأرض إلي وصايا الله لكي تحميهم من أعمال الجسد ومحبة العالم.
من يتبع هذه الوصايا تعتاد نفسه عليها، ولا يقدر العالم أن يغلبه.
لكن توجد وصايا كثيرة مكتوبة برموز مثل: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من أمتعته شيئًا" (مت 17:24؛ مر15:13؛ لو31:17)؛ "دع الموتى يدفنون موتاهم" (مت 22:8)... كل هذه ليست واضحة في المعنى، كذلك الوصايا الخاصة بالذبائح والأعياد والحيوانات الطاهرة والنجسة... لهذا يليق بالغريب على الأرض أن يطلب من الله أن يضيء له وصاياه ولا يخفيها عنه، لكي يتممها ويحبها ويصير بلا لوم.
يوسابيوس القيصري
v بكونه غريبًا على الأرض صلى ألا تُخفي عنه وصايا الله، حيث يتمتع بالحب كأمرٍ فريدٍ أو رئيسيٍ، الآن يُعلن أنه يشتهي أن يكون له الحب من أجل أحكامه. هذه الشهوة تستحق المديح لا الدينونة...
القديس أغسطينوس
وَصَعِدَ مَعَهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَالنَّثِينِيمِ إِلَى أُورُشَلِيمَ
فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ [7].
وَجَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ لِلْمَلِكِ [8].
لأَنَّهُ فِي الشَّهْرِ الأَوَّلِ ابْتَدَأَ يَصْعَدُ مِنْ بَابِلَ وَفِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الْخَامِس،ِ
جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ حَسَبَ يَدِ اللهِ الصَّالِحَةِ عَلَيْهِ [9].
لأَنَّ عَزْرَا هَيَّأَ قَلْبَهُ لِطَلَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ وَالْعَمَلِ بِهَا،
وَلِيُعَلِّمَ إِسْرَائِيلَ فَرِيضَةً وَقَضَاءً [10].
بدأ أولاً بحفظ الشريعة وطلبها في قلبه، يحملها في داخله أينما ذهب، سواء في القصر في بابل، أو في الرحلة في أورشليم. لقد خبأها في قلبه ليحيا بها. أما المرحلة الثانية والمكملة الأولى فهي تحويل الوصية الإلهية إلى عمل وسلوك يمس مشاعر الشخص وكلماته وسلوكه. وأخيرًا يقوم بالكرازة بها وتعليمها. وكما يقول السيد المسيح من عمل وعلم، فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات؟ (مت 5: 19).
v لا يكفينا أن نقتني الوصايا فقط، لكننا نحتاج إلى حفظ مستقصى وبليغ لها.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v غاية التلذذ بوصايا الله هو وضعها موضع التنفيذ والعمل...
من يتلذذ بالحق أولاً، قائلاً: "أتلذذ بوصاياك التي أحببتها جدًا"، يقول بعد ذلك: "ورفعت أذرعي إلى وصاياك التي وددتها جدًا". ما أجمل أن نتلذذ بالوصايا ونفهم معانيها، ثم نرفع أذرعنا إلى الأعمال التي تتفق مع الوصايا.
لا نتمم عمل الوصايا عن حزنٍ أو اضطرارٍ (2 كو 9: 7)، وإنما بفرحٍ.
إذ نتلذذ بها وننفذها يلزمنا أن ننطق بها (تث 6: 7)، لهذا يضيف: "وتلوت (أناجي) في حقوقك"، بمعنى أنه من أجل حبي لوصاياك لا أتوقف عن الحديث عنها، وإنني أتلو وأنا متلذذ جدًا بكل ما يمس حقوقك.
العلامة أوريجينوس
v الذي عنده (وصاياي) في ذاكرته ويحفظها في حياته؛ الذي عنده في شفتيه ويحفظها سلوكيًا؛ الذي عنده في أذنيه ويحفظها في العمل؛ الذي عنده في الأعمال ويحفظها بالمثابرة، مثل هذا "يحبني". بالعمل يعلن الحب، وبالتطبيق بغير ثمر يكون مجرد الاسم (للحب)[76].
القديس أغسطينوس
v البعد عن العمل بوصايا الله هو بعد عن الله؛ وهذا هو جوهر الخطيئة التي هي انفصال عن الله وبعد عن الوحدة معه[77].
القديس باسيليوس الكبير
v أخفيت التعاليم الخفية في قلبي، وأيضًا العلوم والمعارف المستترة، أما هذه الأحكام فأظهرتها للكل، حيث تدركها كل البشرية وتتفهمها، إذ يجب أن يظهر الكل أمام كرسي المسيح (2 كو 10:5).
2. رسالة الملك لعزرا
تكشف رسالة الملك لعزرا عن يد الله، وروحه العامل لحساب شعبه.
أ. حث الملك الوثني الكهنة والشعب للذهاب إلى أورشليم لإعادة العبادة بقوة، وإصلاح الشعب [13].
ب. دعا عزرا "كاتب شريعة إله السماء" [21]، رأى فيه مسحة سماوية فريدة!
ج. قدم الملك ومشيروه عطايا وآنية من عندهم، لأن آنية بيت الرب ردها كورش.
د. حث الملك الوثني الشعب اليهودي وكهنتهم على التبرع لبيت إلههم [16].
هـ. ترك القرارات في يد عزرا حسب شريعة إلهه [25] وأعطاه سلطات واسعة ليقيم حكامًا وقضاة لجميع الشعب أينما وجدوا في عبر النهر.
و. أعطاه سلطات لإصدار أحكام ضد المخالفين وتنفيذها سواء بالإعدام أو النفي أو دفع غرامة أو السجن [26].
وَهَذِهِ صُورَةُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا الْمَلِكُ أَرْتَحْشَسْتَا
لِعَزْرَا الْكَاهِنِ الْكَاتِبِ،
كَاتِبِ كَلاَمِ وَصَايَا الرَّبِّ وَفَرَائِضِهِ عَلَى إِسْرَائِيلَ: [11]
مِنْ أَرْتَحْشَسْتَا مَلِكِ الْمُلُوكِ
إِلَى عَزْرَا الْكَاهِنِ كَاتِبِ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ الْكَامِلِ إِلَى آخِرِهِ [12].
ظهرت يد الله الصالحة في هذه الرسالة التي كشفت عن تأثير عزرا الروحي على الملك، فشعر انه ليس كاتبًا عنده في الديوان الملكي، وإنما هو "كاتب شريعة إله السماء الكامل". لم نسمع عن ملك في إسرائيل يدعو كاتبًا له أو نبيًا بهذا اللقب العجيب. فقد حسب ارتحشستا أن إله عزرا هو إله السماء الكامل.
قَدْ صَدَرَ مِنِّي أَمْرٌ،
أَنَّ كُلَّ مَنْ أَرَادَ فِي مُلْكِي مِنْ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ وَكَهَنَتِهِ وَاللاَّوِيِّين،َ
أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مَعَكَ فَلْيَرْجِعْ [13].
مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ مُرْسَلٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ وَمُشِيرِيهِ السَّبْعَة،ِ
لأَجْلِ السُّؤَالِ عَنْ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ،
حَسَبَ شَرِيعَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بِيَدِك [14].
السبعة المشيرون كانوا رؤساء بيوت في مملكة فارس. جاء ذكر هؤلاء المشيرين السبعة في سفر أستير: "وكان المقربون إليه كرشنا وشيتار ووادماثار وترشيش ومرس ومرسنا ومموكان، سبعة رؤساء فارس ومادي" (إس 1: 14). وهم يمثلون مجلس شورى الملك، وكان العدد ٧ له اعتباره عند الأمم كما كان عند اليهود.
"لأجل السؤال" عن أحوال اليهود الروحية والأدبية، ويظهر من مضمون الرسالة أن عزرا كان مفوضًا في العمل وليس في السؤال فقط، وعمله كان إقرار الشريعة، وكان له سلطة أن يعاقب المخالف.
وَلِحَمْلِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ تَبَرَّعَ بِهِ الْمَلِكُ وَمُشِيرُوهُ،
لإِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ مَسْكَنِهُ [15].
من العجيب أن ملوك يهوذا أفقروا الهيكل وملوك فارس الوثنيون تبرعوا للهيكل (إش 49: 23؛ 60: 4-16).
وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّتِي تَجِدُ فِي كُلِّ بِلاَدِ بَابَِلَ،
مَعَ تَبَرُّعَاتِ الشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ الْمُتَبَرِّعِين،َ
لِبَيْتِ إِلَهِهِمِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيم [16].
كانت هناك تبرعات من الملك ومشيريه ومن الشعب البابلي المحبين لأصدقائهم اليهود ومن اليهود الذين فضلوا البقاء في بابل. هذه التبرعات لشراء حيوانات للتقدمة ولشراء السكائب وللصرف على باقي أوجه الخدمة.
من أهداف هذه الإرسالية أن تحمل الفضة والذهب كتبرع من الملك كما من مشيريه السبعة علامة خضوع الكل لهذا الإله، وحرصًا على استمرار العبادة بأورشليم.
لِتَشْتَرِيَ عَاجِلاً بِهَذِهِ الْفِضَّةِ
ثِيرَانًا وَكِبَاشًا وَخِرَافًا وَتَقْدِمَاتِهَا وَسَكَائِبَهَا،
وَتُقَرِّبَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي فِي بَيْتِ إِلَهِكُمُ،
الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ [17].
يفتح الملك باب للتبرعات من كل الشعب في بابل، سواء اليهود أو الأمم، كما من الكهنة الذين لم يرجعوا إلى أورشليم، حتى يمكن شراء حيوانات لتقديم ذبائح في أورشليم.
وَمَهْمَا حَسُنَ عِنْدَكَ وَعِنْدَ إِخْوَتِكَ،
أَنْ تَعْمَلُوهُ بِبَاقِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَب،ِ
فَحَسَبَ إِرَادَةِ إِلَهِكُمْ تَعْمَلُونَهُ [18].
يوجه الملك الوثني في القرن الخامس ق.م. رجل الله ليتصرف مع إخوته في الفضة والذهب حسب الإرادة الإلهية. يطلب منه العمل الديمقراطي المشترك!
وَالآنِيَةُ الَّتِي تُعْطَى لَكَ لِخِدْمَةِ بَيْتِ إِلَهِك،َ
فَسَلِّمْهَا أَمَامَ إِلَهِ أُورُشَلِيمَ [19].
"الآنية التي تعطى لك": ليست هذه الآنية من آنية بيت الرب التي أخذها نبوخذنصر من هيكل أورشليم، بل هي أوانٍ هدية وتبرعات من الملك ومشيروه ورؤساءه ومن كل الشعب (شعب بابل وشعب إسرائيل).
سبق أن رد كورش الآنية التي أغتصبها نبوخذنصر، والآن يتبرع ارتحشستا بآنية ثمينة جدًا لبيت الله في أورشليم.
"إله أورشليم" أي إله إسرائيل الذي في أورشليم مسكنه.
وَبَاقِي احْتِيَاجِ بَيْتِ إِلَهِكَ الَّذِي يَتَّفِقُ لَكَ أَنْ تُعْطِيَه،
فَأَعْطِهِ مِنْ بَيْتِ خَزَائِنِ الْمَلِكِ [20].
وَمِنِّي أَنَا أَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ،
صَدَرَ أَمْرٌ إِلَى كُلِّ الْخَزَنَةِ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ،
أَنَّ كُلَّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْكُمْ عَزْرَا الْكَاهِنُ
كَاتِبُ شَرِيعَةِ إِلَهِ السَّمَاءِ،
فَلْيُعْمَلْ بِسُرْعَة [21]. ٍ
إِلَى مِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ،
وَمِئَةِ كُرٍّ مِنَ الْحِنْطَةِ،
وَمِئَةِ بَثٍّ مِنَ الْخَمْرِ،
وَمِئَةِ بَثٍّ مِنَ الزَّيْتِ،
وَالْمِلْحِ مِنْ دُونِ تَقْيِيدٍ [22].
١٠٠ كر حنطة تعادل ١٥٠ ألف كيلو جرام، و١٠٠ بث خمر أي ٣٥٠٠ لترًا تقريبًا.
كُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ إِلَهُ السَّمَاء،
فَلْيُعْمَلْ بِاجْتِهَادٍ،
لِبَيْتِ إِلَهِ السَّمَاءِ،
لأَنَّهُ لِمَاذَا يَكُونُ غَضَبٌ عَلَى مُلْكِ الْمَلِكِ وَبَنِيهِ؟ [23]
الشعب اليهودي في أورشليم لا يخشى غضب الرب، فيكسر الناموس من أجل شهوات الجسد، ويتزوج بعضهم وثنيات. بينما الملك الوثني في بابل يحرص ألا يحل غضب الله على مملكته أو على بيته. الملك الوثني هنا خائف من أن يغضب الله. "لماذا يكون غضب؟" هذه هي يد الله.
الملك الوثني يدين هنا المؤمنين المتراخين في عمل الرب، والخدام الذين يمارسون الخدمة في تهاون وكسلٍ، إذ يطلب أن يُمارس ما يطلبه إله السماء باجتهاد.
يقول الحكيم: ""العامل بيدٍ رخوة يفتقر، أما يد المجتهدين فتُغني" (أم 10: 4)؛ ""طريق الكسلان كسياج من شوك، وطريق المستقيمين منهج" (أم 15: 19).
v يتقبل العامل الصالح أجرة عمله بجرأة، أمّا الكسول والمتهاون فلا يجسر أن ينظر بعينيه إلى رب عمله[78].
القديس إكليمنضس الروماني
v يوجد أولئك الذين يُدعون كسالي في سفر الحكمة، الذين يكسون طريقهم بالأشواك، ويحسبون الغيرة في حفظ وصايا الله أمرًا مضرًا للنفس، المعترضون على الوصايا الرسولية، الذين لا يأكلون خبزهم بالتعب، وإنما يترددون على الغير، ويجعلون من الخمول سُنة الحياة. عندئذ الحالمون، الذين يحسبون خداعات الأحلام موضع ثقة أكثر من تعاليم الأناجيل، ويدعون الخيالات إعلانات. بخلاف هؤلاء يوجد أيضًا الذين يقيمون في بيوتهم، ويحسبهم الغير غير اجتماعيين وحشيين لا يعرفون وصية الحب ولا يعرفون ثمر طول الأناة والتواضع[79].
وَنُعْلِمُكُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ
وَالْمُغَنِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَالنَّثِينِيمِ وَخُدَّامِ بَيْتِ الله
هَذَا لاَ يُؤْذَنُ أَنْ يُلْقَى عَلَيْهِمْ جِزْيَةٌ أَوْ خَرَاجٌ أَوْ خِفَارَةٌ [24].
أعفى الملك الفارسي خدام بيت الرب من كافة أنواع الضرائب والجزية، لكي يتفرغوا للعبادة والتعلم.
أَمَّا أَنْتَ يَا عَزْرَا،
فَحَسَبَ حِكْمَةِ إِلَهِكَ الَّتِي بِيَدِكَ،
ضَعْ حُكَّامًا وَقُضَاةً يَقْضُونَ لِجَمِيعِ الشَّعْب،ِ
الَّذِي فِي عَبْرِ النَّهْرِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ يَعْرِفُ شَرَائِعَ إِلَهِكَ.
وَالَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ فَعَلِّمُوهُمْ [25].
وثق الملك في عزرا، إذ وجد فيه الرجل الأمين، الكاتب لشريعة إله السماء الكامل، فأرسله إلى أورشليم لإقرار الشريعة ومنحه السلطة لتعيين الحكام والقضاة الذين يراهم صالحين.
"حكمة إلهك": شريعة إلهك التي في يدك. يلتزم عزرا أن يجرى هذه الشريعة بالحكمة لا بالقسوة.
"جميع من يعرف شرائع إلهك": كانت سلطة عزرا على شعب اليهود فقط الذين يدينون بشريعة موسى، لذلك نفهم أن عزرا كان مسئولاً دينيًا، لكن كان هناك والٍ من قبل ملك فارس للأمور المدنية، أما عزرا فكان له الاختصاص في الأمور الروحية فقط وهدفه التعليم للشعب وإصلاح أمورهم الروحية.
وَكُلُّ مَنْ لاَ يَعْمَلُ شَرِيعَةَ إِلَهِكَ وَشَرِيعَةَ الْمَلِك،ِ
فَلْيُقْضَ عَلَيْهِ عَاجِلاً،
إِمَّا بِالْمَوْتِ أَوْ بِالنَّفْيِ أَوْ بِغَرَامَةِ الْمَالِ أَوْ بِالْحَبْسِ [26].
أدرك الملك عظمة شريعة إله السماء الكامل من حياة عزرا وسلوكه، لهذا يقدمها عن شريعته، ويعطيها الأولوية. يا للعجب، الملك الوثني يحث رجل الله على تعليم الشعب شريعة إله السماء بكل حزمٍ في غير تهاونٍ.
3. مبارك الرب إله آبائنا
مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ آبَائِنَا الَّذِي جَعَلَ مِثْلَ هَذَا فِي قَلْبِ الْمَلِكِ،
لأَجْلِ تَزْيِينِ بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ [27].
أمام هذا العمل الإلهي الفائق والعجيب في قلب الملك الوثني من جهة شعب الله لم يكن لدى عزرا سوى الشكر والتسبيح للرب. لم يجد عزرا ما يعبر به عن يد الله العجيبة والصالحة التي حركت هذا الملك الوثني للعمل بكل إمكانية مادية وسلطان لحساب ملكوت الله، بسخاء شديد وثقة ويقين في الله مع تواضع، إلا أن يقدم هذه التسبحة.
"تزيين بيت الرب": لم تكن رسالة عزرا هي إقامة مبانٍ وزينة للهيكل، فالزينة هنا هي الاهتمام بقدسية البيت وقدسية الشعب مع الكهنة.
وَقَدْ بَسَطَ عَلَيَّ رَحْمَةً أَمَامَ الْمَلِكِ وَمُشِيرِيه،ِ
وَأَمَامَ جَمِيعِ رُؤَسَاءِ الْمَلِكِ الْمُقْتَدِرِينَ.
وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ تَشَدَّدْتُ حَسَبَ يَدِ الرَّبِّ إِلَهِي عَلَيَّ،
وَجَمَعْتُ مِنْ إِسْرَائِيلَ رُؤَسَاءَ لِيَصْعَدُوا مَعِي [28].
جاءت رسالة الملك وتصرفاته تكشف أن ما سيحققه عزرا، إنما هو من يد الرب إلهه الصالحة! يذكر عزرا في إصحاحي 7 و8 "يد الله "٦ مرات، إذ ينسب كل العمل ليد الله، وليس لنفسه.
من وحي عزرا 7
هيئ قلبي لطلب وصيتك!
v في أرض السبي أشرقت بنور شريعتك على عزرا.
أقمت منه كاتبًا ماهرًا.
يطلب قلبه وصيتك، ويجد فيها لذته.
حفظها في قلبه، وصارت له مرشدًا في غربته.
انعكس بهاؤها عليه،
فنال نعمة عند الملك ومشيريه.
v بوصيتك صار قائدًا لموكبٍ جديدٍ.
يعبر من أرض السبي إلى مدينة أورشليم.
يحمل الكثير من التقدمات،
كما يقود آنية بشرية ثمينة جدًا لديك.
وصيتك قدمت له كل إمكانية.
v وقف في دهشة يتساءل:
ماذا يقدم لك من أجل كثرة احساناتك عليه؟
ليس له إلا أن يقدم ذبيحة الشكر والتسبيح.
ليس له إلا أن يلهج بحبك ومراحمك الفائقة
مبارك أنت يا صانع الخيرات!
انطلاق الفوج الثاني ووصوله
في أعماق قلب كل إنسانٍ ٍ توجد شهوة واضحة أو خفية نحو الرغبة في إدراك كيف يسلك في هذا العالم ليعبر إلى الحياة الأخرى، حيث لا يعود يصارع، أو يخشى الموت. والمؤمن الحقيقي يدرك أن أورشليم العليا تنتظره، والسمائيون يتهيأون لاستقباله، لا كضيفٍٍ أو نزيلٍ، وإنما كصاحب بيت يشاركهم الأبدية. بهذا يتطلع إلى حياته كرحلة، وإن كانت شاقة لكنها سرية وممتعة.
وسط الأتعاب تتطلع عيناه إلى العرش الإلهي وإلى حضن الآب.
هذا الإصحاح يحمل رمزًا لهذه الرحلة التي تبدو طويلة ولكنها مفرحة، حيث انطلق عزرا ومعه قرابة 8000 شخصًا من بابل إلى أورشليم.
سبق فكشف عزرا عن يد الله الصالحة التي عملت في قلب ملك فارس ومشيريه لخير شعب الله. الآن يتلمس يد الله الصالحة والعاملة في قلوب الذين رافقوا عزرا في هذه الرحلة من بابل إلى أورشليم. إنه ليس بالأمر السهل أن يقبل أحد من الرؤساء أو الشعب أن يرجع إلى أورشليم ويترك عمله وتجارته ليبدأ من جديد في بلدٍ حلّ بها الخراب، وأحاط بها الأعداء من كل جانب. هذا بجانب قسوة الرحلة التي تبلغ طولها حوالي 1400 كم، يسيرونها على الأقدام لمدة حوالي أربعة أشهر.
لم يجد عزرا أحدًا من اللاويين لمرافقته مع الرؤساء والشعب في هذه الرحلة [15]، فأرسل يطلب بعض اللاويين والمساعدين لهم (النثينيم)، وظهرت يد الله بوضوح في قبول البعض المجيء معه [18].
بدأ رحلته بالاستعداد لها بالصوم والصلاة ثلاثة أيام، وفي نهاية الرحلة مكث ثلاثة أيام يقدم ذبائح الشكر لله الذي رافقهم وحفظهم من مخاطر الطريق.
بلغت رحلة عزرا حتى بلغ نهر الفرات ثم عبر إلى فلسطين من الشمال. كانت القافلة تحمل كنوزًا تقدر بحوالي المليون جنيهًا [26-27]. لم يطلب عزرا أن ترافقه فرقة عسكر [22]، بعد أن سَّلم الأمر تمامًا في يد الله. هذا لا يعني أن يلتزم كل مؤمنٍ بنفس الفكر، فإن نحميا وهو رجل إيمان على ذات مستوى عزرا لم يمتنع عن أن تكون معه فرقة من قبل الملك (نح 2: 7، 9).
عزرا رجل الحكمة العظيمة، إذ يعلم أن الناس سرعان ما يتعثرون، ولئلا يشوِّه الأعداء صورته فيظنون أنه أخذ لنفسه فضة أو ذهبًا، لذلك وزن الكنوز وسجلها بدقة قبل الرحلة وبعدها [24-34]. هكذا فعل الرسول بولس أيضًا عندما جمع للقديسين (2 كو 8: 20-21).
كانت التقدمات والذبائح المقدمة في بيت الله باسم الاثني عشر سبطًا، حيث صار الكل شعبًا واحدًا، بكونهم رمزًا للكنيسة الواحدة الراجعة من سبي إبليس (أف 4: 3-4).
لماذا سمح الله بالعودة من بابل إلى أورشليم على ثلاث دفعات؟
أما كان يُمكن أن يسمح الله بأن يُصدر الملك كورش أمرًا بعودة جميع اليهود معًا دفعة واحدة تحت قيادة زرُبابل ويشوع؟ هل من ضرورة للفوج الثاني تحت قيادة عزرا، والثالث تحت قيادة نحميا؟
1. الله الذي وهب الإنسان حرية الإرادة لم يرد أن يحقق العودة قسرًا، إنما قدمها للجميع، وترك لكل إنسان كامل الحرية، حتى يُكافأ على عودته التي يحققها دون إلزام.
2. وجود الدفعات الثلاث يكشف عن رحلة البشرية من سبي إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، والبعض يتجاوبون مع الدعوة سريعًا، هؤلاء يحسبون أصحاب الساعة الأولى، ويبقى الباب مفتوحًا للعبور في الساعات التالية حتى آخر لحظة من لحظات النهار، أي أصحاب الساعة الحادية عشرة، عند غروب شمس هذا العالم. والكل يتمتعون بالدخول إلى أورشليم العليا.
3. اختار الله قادة متنوعين: ففي الفوج الأول برز زُربابل من نسل داود الملك، كرمز للمسيح ملك الملوك. وفي الفوج الثاني برز عزرا الكاهن بكونه رمزًا لكلمة الله ورئيس الكهنة الأعظم، وفي الفوج الأخير برز نحميا الأمين في عمله كرمز للسيد المسيح المدعو الآمين. وكان الله يريد من جميع المؤمنين أن يكونوا قادة روحيين، سواء كانوا من نسل ملوكي، أو من نسل كهنوتي، أو من الشعب.
4. وإن اشتركت الأفواج الثلاثة في طابعها الروحي، وقيامها تحت قيادة الله نفسه العامل في القادة كما في الشعب، لكن لكل رحلة سمات خاصة. كمثالٍ لم يطلب عزرا حراسة للحماية من العدو، لئلا يتعثر الملك الوثني، فيظن أن الله عاجز عن حمايتهم، بينما لم يرفض نحميا الحراسة التي قدمها الملك له. هذا لا يعني أن أحدهما يفوق الآخر في الإيمان، إذ كلاهما اعتمد على حراسة الله نفسه، وإن اختلف الأسلوب نتيجة اختلاف الظروف.
5. بلغت الأفواج الثلاثة أورشليم، لكن لكل فوج دوره، ولا يستغني الواحد عن الفوجين الآخرين. الفوج الأول رسالته بناء المذبح والهيكل، والثاني إقامة الشعائر والذبائح والاحتفال بالأعياد، والثالث بناء الأسوار. لكن الثلاثة كانوا ملتزمين بالإصلاح الداخلي.
1. رؤوس الآباء 1-14.
2. الاستعداد للرحلة 15-30.
3. الرحلة من أهوا إلى أورشليم 31.
4. تقديم الشكر لله 32-35.
5. تقديم أوامر الملك للمرازبة والولاة 36.
1. رؤوس الآباء
وَهَؤُلاَءِ هُمْ رُؤُوسُ آبَائِهِمْ،
وَنِسْبَةُ الَّذِينَ صَعِدُوا مَعِي فِي مُلْكِ أَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ مِنْ بَابَِلَ [1].
نجد هنا قائمة الذين صعدوا مع عزرا. هذه هي القائمة الثانية، تختلف عن القائمة في الأصحاح الثاني، والفارق بينهما حوالي 80 سنة. فالمجموعة الأولى صعدت مع زرُبابل ويشوع سنة ٥٣٦ ق م. وهذه القائمة يُمكن اعتبارها أصحاب الساعة السادسة - صعدت مع عزرا سنة ٤٥٨ ق. م، أما الفوج الثالث الذي انطلق تحت قيادة نحميا بعد ذلك فيُمكن اعتباره أصحاب الساعة الحادية عشرة. والجميع مقبولون لدى الله، ولهم نصيب في أورشليم السماوية. فإن أبواب السماء مفتوحة تنتظر لتستقبل كل إنسانٍ ولو في النسمة الأخيرة، دون عتابٍ على تأخيره.
وجه عزرا نداء لرؤوس العائلات، وهؤلاء بدورهم دعوا الأسر معهم. فاستجاب لندائه 1496 رجلاً، يقدر البعض عدد الأفراد بحوالي 8000 نسمة، وهم يمثلون الفوج الثاني من العائدين من السبي. استحقوا تسجيل أسمائهم كأناس أمناء فضلوا بنيان مملكة الله، عن مصالحهم الزمنية الشخصية.
الله الأمين يعتز بأسماء الأمناء المخلصين في حبهم له وخدمتهم في كرمه، والعمل لحساب ملكوته، فيسجلها في سفر الحياة الدائم.
في مثَل العاملين لحساب الملكوت(مت 20: 1-16) الذي قدمه لنا السيد للمسيح نرى الله يعد الكل بالدينار، هذا لا يعني أن يؤجِّل الإنسان توبته وطاعته للعمل في كرم الرب، وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [هل أولئك الذين استأجرهم في كرْمه، عندما جاءهم صاحب الكرم في الساعة الثالثة كمثال قالوا له... انتظر إننا لا نذهب حتى الساعة السادسة؟ أو أولئك الذين وجدهم في الساعة السادسة، هل قالوا: إننا لسنا ذاهبين إلاّ في الساعة التاسعة؟... إذ نعطي الكل بالتساوي، لماذا نذهب ونُتعب أنفسنا أكثر ما يلزم؟... فإنه ما كان يعطيهم لو لم يذهبوا... بل يجاوبهم: ألا تريدون أن تعملوا الآن يا من لا تعرفون إن كنتم ستعيشون حتى تكبروا في السن أم لا؟ لقد دُعيتَ في الساعة السادسة، تعال، حقًا إن صاحب الكرم يعدك بدينار، إن أتيت في الساعة الحادية عشر، لكنّه لم يعدك أنك تعيش حتى الساعة السابعة؛ لا أقول الحادية عشرة بل ولا السابعة. إذن لا تؤجّل، فإن الذي دعاك يؤكّد لك المكافأة، لكن الأيام غير مؤكدة[80].]
كما يقول القدّيس أغسطينوس أيضًا: [إن السيِّد في هذا المثل قد فتح الباب للجميع، فلا ييأس أحد، إنه يكرّر الدعوة قابلاً الجميع، لكن لنبدأ أيضًا لئلا نتحطّم بالرجاء الفاسد خلال التأجيل، إذ يقول: لا تؤجل، لا تغلق أمامك الباب المفتوح الآن. هوذا واهب المغفرة فاتح الباب أمامك، فلماذا تؤجِّل؟ لتبتهج، فإن الباب مفتوح وأنت لم تقرع، لكن هل يبقى مفتوحًا إلى الأبد بالنسبة للذين سيقرعون ويبقون خارجًا؟... إنك لا تعلم ما سيحدث غدًا[81].]
مِنْ بَنِي فِينَحَاسَ جِرْشُومُ.
مِنْ بَنِي إِيثَامَارَ دَانِيَآلُ.
مِنْ بَنِي دَاوُدَ حَطُّوشُ [2].
ذكر عزرا أسماء الكهنة أولاً، جرشوم بن فينحاس بن اليعازر بن هرون، ودانيال من بني إيثامار بن هرون، فكان بعض الكهنة من نسل فينحاس، والبعض من نسل ايثامار شقيق اليعازر الأصغر.
مِنْ بَنِي شَكَنْيَا مِنْ بَنِي فَرْعُوشَ زَكَرِيَّا،
وَانْتَسَبَ مَعَهُ مِنَ الذُّكُورِ مِئَةٌ وَخَمْسُونَ [3].
يضع الذين من بيت داود الملك من بني داود حطوش من بني شكنيا، ومن بني فرعوش زكريا هذه تفهم بإحدى المعنيين:
1. حطوش من بني داود، وزكريا هو من بني فرعوش، وفرعوش هو من بني شكنيا.
٢. من بني داود حطوش من بني شكنيا، ثم زكريا من بنى فرعوش.
مِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبَ أَلِيهُوعِينَايُ بْنُ زَرَحْيَا،
وَمَعَهُ مِئَتَانِ مِنَ الذُّكُورِ [4].
مِنْ بَنِي شَكَنْيَا ابْنُ يَحْزِيئِيل،َ
وَمَعَهُ ثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ الذُّكُورِ [5].
وشكنيا في آية ٥ غير شكنيا في آية ٣.
مِنْ بَنِي عَادِينَ عَابِدُ بْنُ يُونَاثَانَ،
وَمَعَهُ خَمْسُونَ مِنَ الذُّكُورِ [6].
مِنْ بَنِي عِيلاَمَ يَشَعْيَا ابْنُ عَثَلْيَا،
وَمَعَهُ سَبْعُونَ مِنَ الذُّكُورِ [7].
وَمِنْ بَنِي شَفَطْيَا زَبَدْيَا بْنُ مِيخَائِيلَ،
وَمَعَهُ ثَمَانُونَ مِنَ الذُّكُورِ [8].
مِنْ بَنِي يُوآبَ عُوبَدْيَا ابْنُ يَحِيئِيلَ،
وَمَعَهُ مِئَتَانِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنَ الذُّكُورِ [9].
وَمِنْ بَنِي شَلُومِيثَ ابْنُ يُوشَفْيَا،
وَمَعَهُ مِئَةٌ وَسِتُّونَ مِنَ الذُّكُورِ [10].
وَمِنْ بَنِي بَابَايَ زَكَرِيَّا بْنُ بَابَاي،َ
وَمَعَهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مِنَ الذُّكُورِ [11].
وَمِنْ بَنِي عَزْجَدَ يُوحَانَانُ بْنُ هِقَّاطَان،َ
وَمَعَهُ مِئَةٌ وَعَشَْرَةٌ مِنَ الذُّكُورِ [12].
وَمِنْ بَنِي أَدُونِيقَامَ الآخَرِين،َ
وَهَذِهِ أَسْمَاؤُهُمْ أَلِيفَلَطُ وَيَعِيئِيلُ وَشَمَعْيَا،
وَمَعَهُمْ سِتُّونَ مِنَ الذُّكُورِ [13].
غالبًا عاد البعض من بني أدونيقام مع زرُبابل في الفوج الأول، والبعض مع عزرا مع الفوج الثاني.
"بنو أدونيقام الآخرين" معنى هذا غالبًا أن العدد الأكبر من أبناء أدونيقام صعد مع زربابل في الصعود الأول، والعدد الأقل صعدوا الآن مع عزرا، وكان المتبقي من بيت أدونيقام ستون من الذكور، في ثلاثة بيوت وهم "اليفلط ويعيئيل وشمعيا".
وَمِنْ بَنِي بَغْوَايَ عُوتَايُ وَزَبُّود،ُ
وَمَعَهُمَا سَبْعُونَ مِنَ الذُّكُورِ [14].
2. الاستعداد للرحيل
فَجَمَعْتُهُمْ إِلَى النَّهْرِ الْجَارِي إِلَى أَهْوَا،
وَنَزَلْنَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَتَأَمَّلْتُ الشَّعْبَ وَالْكَهَنَة،َ
وَلَكِنَّنِي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنَ اللاَّوِيِّينَ هُنَاكَ [15].
مئونة الرحلة [15-30]: اجتمع العائدون إلى أورشليم عند نهر أهوا الجاري، ليمكثوا هناك ثلاثة أيام. هكذا يجتمع موكب الكنيسة المنطلقة إلى أورشليم العليا كما عند مياه المعمودية، حيث ينالون بالروح القدس روح التبني، ويختبرون الحياة المقامة مع المسيح الذي دفن ثلاثة أيام. هذا هو رصيد الكنيسة كلها، بل ورصيد كل مؤمن الذي يسنده كل أيام رحلته على الأرض حتى يعبر إلى المسيح القائم من الأموات الصاعد إلى السماء.
بنوتنا لله وتمتعنا بقوة القيامة وتجديد الروح القدس لحياتنا، هذه هي سندنا وسط معارك العدو المستمرة أثناء عبورنا من هذا العالم حتى نبلغ الفردوس في سلام وأمان.
v لنا ميلادان: أحدهما أرضي، والآخر سماوي.
الأول من الجسد، والثاني من الروح.
الأول صادر عن مبدأ قابل للفناء، والثاني عن مبدأ أبدي.
الأول من رجل وامرأة، والثاني من الله والكنيسة.
الأول يجعلنا أبناء الجسد، والثاني أبناء الروح.
الأول يصيرنا أبناء الموت، والثاني أبناء القيامة.
الأول أبناء الدهر، والثاني أبناء اللَّه.
الأول يجعلنا أبناء اللعنة والغضب، والثاني أبناء البركة والمحبة.
الأول يقيدنا بأغلال الخطيئة الأصلية، والثاني يحلّنا من رباطات كل خطيئة[82].
القديس أغسطينوس
أهوا: اسم النهر، وغالبًا ما كان قناة من قنوات بابل أو أحد روافد نهر الفرات بالقرب من بابل. دُعيت اسم المنطقة التي بها هذا النهر باسم النهر. قطنت عائلات يهودية كثيرة في هذه المنطقة، إذ كان اليهود يميلون إلى السكنى بجوار مجاري المياه لحاجتهم إلى المياه في الغسلات الكثيرة التي يمارسونها. فيقول المرتل: "على أنهار بابل هناك جلسنا" (مز 137: 1). ويقول حزقيا النبي: "وأنا بين المسبيين عند نهر خابور" (حز 1: 1). وتشير المياه الجارية إلى عمل الروح القدس، كما إلى نعمة الله العاملة في المؤمنين، فيُقال عن المؤمن: "يكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه" (مز 1: 3).
بقاؤهم عند النهر 3 أيام يشير إلى التمتع بالقيامة مع السيد المسيح في اليوم الثالث خلال المعمودية.
v عظيمة هي المعمودية التي تَهِب لكم: عتق الأسر، غفران المعاصي، موت للخطيئة، ولادة ثانية للنفس، ثوب النور، ختم مقدس لا ينحل، مركبة إلى السماء، نعيم الفردوس، سبب الملكوت، عطية التبني[83].
v كنتم تولدون في نفس اللحظة التي فيها كنتم تموتون، فقد كانت مياه الخلاص بالنسبة لكم قبرًا وأمًا[84].
القديس كيرلس الأورشليمي
إذ جلس عند النهر في هدوء اكتشف عزرا أنه لا يوجد أحد من اللاويين خدام بيت الله وسط هذا الفوج. لقد عاد معهم 74 شخصًا في الفوج الأول، أما الفوج الثاني فلم يجد أحدًا معهم. أرسل عزرا رسالة خاصة إلى إدو الرأس، وكان لهذه الرسالة أثرها، وذلك لا بفعل كلمات عزرا الحماسية أو توبيخه لهم، وإنما "حسب يد الله الصالحة علينا" [18]. صعد من اللاويين نحو 40 لاويًا.
في الصعود الأول مع زربابل كان عدد اللاويين قليلاً، وهنا لا نجد أحدًا منهم. مما يحزن القلب أن بعض خدام الرب كاللاويين لا يبالون بالانطلاق اليومي إلى الحياة الفردوسية المفرحة، إذ هم مرتبكون بأمور العالم الزمنية، بينما يسبقهم الكثير من الشعب، من كبارٍ وصغارٍ، بل ويسبقهم حتى القادمون من الأمم ليقبلوا الإيمان بفرحٍ شديدٍ.
لماذا هرب اللاويون من الصعود إلى أورشليم؟
ربما للأسباب التالية أو بعضها:
أ. السبب الرئيسي هو أنهم حصلوا على أعمال ومناصب في بابل واستصغروا وظيفتهم في الهيكل، فلم يريدوا العودة.
ب. ربما لم يرَ بعضهم أورشليم، إنما سمعوا عنها من آبائهم، ففترت رغبتهم في الذهاب إليها، إذ لم يذوقوا عذوبة خدمة الرب.
ج. سمعوا عن آبائهم وأجدادهم اللاويين الذين كانوا يمارسون الكثير من الطقوس الدينية حين كان الهيكل في مجده العظيم، والآن ليس من وجه للمقارنة بين هيكل سليمان وهيكل زرُبابل.
د. صعودهم إلى أورشليم يكلفهم الكثير، إذ يتركون ممتلكاتهم في بابل، دون أن يكون لهم الحق في شراء أراضٍ وحقولٍ في أورشليم أو إسرائيل.
هـ. ربما خشوا مخاطر الرحلة ومشقاتها، إذ سمعوا عن الأعداء الكامنين في الطريق لمقاومتهم.
فَأَرْسَلْتُ إِلَى أَلِيعَزَرَ وَأَرِيئِيلَ وَشَمَعْيَا
وَأَلْنَاثَانَ وَيَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ وَنَاثَانَ وَزَكَرِيَّا
وَمَشُلاَّمَ الرُّؤُوس،ِ
وَإِلَى يُويَارِيبَ وَأَلْنَاثَانَ الْفَهِيمَيْن [16].ِ
الفهيمين غالبًا كانا معلمين يتميزون عن الباقين من العشرة المذكورين هنا بفهمٍ خاص.
وَأَرْسَلْتُهُمْ إِلَى إِدُّو الرَّأْسِ فِي الْمَكَانِ الْمُسَمَّى كَسِفْيَا،
وَجَعَلْتُ فِي أَفْوَاهِهِمْ كَلاَمًا،
يُكَلِّمُونَ بِهِ إِدُّوَ وَإِخْوَتَهُ النَّثِينِيمَ فِي الْمَكَانِ كَسِفْيَا،
لِيَأْتُوا إِلَيْنَا بِخُدَّامٍ لِبَيْتِ إِلَهِنَا [17].
إدو الرأس غالبًا كان إدو رئيس مدرسة اللاويين والنثينيم في كسفيا، حيث تكثر مساكنهم هناك.
كسفيا: يوجد رأيان، وهما:
١. تشير كلمة كسفيا إلى الفضة، فقيل أن هؤلاء اللاويين كانوا يعملون في مناجم الفضة التي في مقاطعة ميديا.
٢. هناك من اخذ بالتفسير الرمزي، فقالوا أن كسفيا هي مدرسة لللاويين بقيادة إدو، وفيها يعلمون كلمة الله التي هي كالفضة، ورئيس هذه المدرسة هو إدو الذي أرسل إليه عزرا ليرسل لهُ بعضًا من اللاويين ليكونوا خدامًا في الهيكل.
لاحظ أن مجموعة من اللاويين تحركوا إلى أورشليم بعد أن تلقوا دفعة من عزرا ومن إدو رئيسهم. كثيرون يحتاجون إلى دفعة للسير في طريق الله، فهم يريدون الله لكنهم متثاقلون، يحتاجون إلى من يشجعهم.
فَأَتُوا إِلَيْنَا حَسَبَ يَدِ اللهِ الصَّالِحَةِ عَلَيْنَا،
بِرَجُلٍ فَطِنٍ مِنْ بَنِي مَحْلِي بْنِ لاَوِي بْنِ إِسْرَائِيل،َ
وَشَرَبْيَا وَبَنِيهِ وَإِخْوَتِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ [18].
برجل فطن: هو من بنى محلى، ولكن اسمه لم يرد قبل ذلك، وهذا له عدة تفاسير:
1. أن اللفظة العبرانية المترجمة "رجل فطن" هي اسم علم أي "أشتسقيل" من بنى محلى، فيكون هذا اسمه.
٢. هناك من يترك واو العطف أو الباء، فيكون شربيا هو الرجل الفطن.
٣. هناك من يقول أن اسم الرجل الفطن متروك قصدًا من الكاتب.
وَحَشَبْيَا وَمَعَْهُ يَشَعْيَا مِنْ بَنِي مَرَارِي،
وَإِخْوَتُهُ وَبَنُوهُمْ عِشْرُونَ [19].
وَمِنَ النَّثِينِيمِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ دَاوُدُ مَعَ الرُّؤَسَاءِ لِخِدْمَةِ اللاَّوِيِّين،َ
مِنَ النَّثِينِيمِ مِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ.
الْجَمِيعُ تَعَيَّنُوا بِأَسْمَائِهِمْ [20].
موقف النثينيم، أو مساعدي اللاويين يخزي اللاويين، فقد صعد منهم 220 شخصًا، بينما صعد 40 لاويًا بعد عدة نداءات. وقد سبق لنا الحديث عن التثينيم عند حديثنا عن الموكب الأول تحت قيادة زرُبابل (عز 2: 43 الخ).
"الجميع تعينوا بأسمائهم"، أي نادوا على أسمائهم لمقارنتها بالكشوف، ولعل عزرا لم يرد أن يذكر أسماءهم لأنهم لم يأتوا من أنفسهم أولاً.
وَنَادَيْتُ هُنَاكَ بِصَوْمٍ عَلَى نَهْرِ أَهْوَا.
لِنَتَذَلَّلَ أَمَامَ إِلَهِنَا،
لِنَطْلُبَ مِنْهُ طَرِيقًا مُسْتَقِيمَةً لَنَا،
وَلأَطْفَالِنَا وَلِكُلِّ مَالِنَا [21].
"ناديت بصوم" هو للتوبة وللتذلل ليساعدهم الله على صعوبات الطريق لتكون طريقهم طريقًا مستقيمة بلا عائق (إش 40: 3). ونحن في طريقنا للملكوت توجد صعاب كثيرة تحتاج إلى الصلاة والصوم. اهتم عزرا بالصوم والتذلل كحراسة إلهية... لم يطلب حراسة من الملك!
كان عزرا على علم بأنه يوجد أعداء يكرهون اليهود يتربصون لهم في الطريق. وإن الرحلة شاقة من كل الجوانب، خاصة وأنها تضم نساءً وأطفالاً، يصعب أن يسيروا قرابة أربعة شهور على الأقدام. رفع عزرا قلبه إلى الله طالبًا العون والمساندة والحماية، نادي عزرا بالصوم بكونه السلاح الفائق في رحلتهم الشاقة.
إن كان اجتماعهم عند نهر أهوا يشير إلى الحاجة إلى نعمة المعمودية، فإن تمتعنا بالنعمة يحثنا بالأكثر على الصوم والتذلل في جهادنا الذي يتكئ على نعمة الله. فالنفس تتهلل بنعمة الله، وفي تهليلها تجاهد فتتأهل بالحماية الإلهية، كعطية مجانية من قبل الله.
v الصوم حارس للنفس، ورفيق أمين للجسد،
الصوم سلاح الشجعان، ومدرب النُساك،
الصوم يصَّد التجارب، ويُمهد الطريق للتقوى،
إنه رفيق الهدوء وصانع العفة
الصوم يعمل أعمالاً باهرة في الحروب،
ويُعلَّم السكينة في وقت السلام
الصوم يُقدِّس النذير ويجعل الكاهن كاملاً.
الصوم يجعل العاقر تلد أولادًا،
ويصنع الأقوياء، ويجعل المشرّعين حكماء
لأنه كيف يمكن للكاهن أن يصلي بدون صوم؟ لقد كانت ممارسة الصوم أمرًا ضروريًا ليس فقط في عبادة العهد الجديد السرائرية ولكن أيضًا بالنسبة للعبادة الناموسية[85].
v الصوم يُصعد الصلاة إلى السماء كما لو كانت ريشة تطير نحو الأعالي. الصوم هو سبب رُقيّ وتقدم الشعوب، الصوم أصل الصحة، الصوم مربي للشباب وزينة الشيوخ، والرفيق الصالح للمسافرين. الصوم هو خيمة آمنة للذين يطلبون مأوى. فالرجل المتزوج لا يرتاب من زوجته عندما يراها تصوم دائمًا. بالمثل فالمرأة تثق في رجلها ولا تدع الغيرة تتملكها عندما تراه يصوم دائمًا[86].
القديس باسيليوس الكبير
لأَنِّي خَجِلْتُ مِنْ أَنْ أَطْلُبَ مِنَ الْمَلِكِ جَيْشًا وَفُرْسَانًا،
لِيُنْجِدُونَا عَلَى الْعَدُوِّ فِي الطَّرِيق،ِ
لأَنَّنَا قُلْنَا لِلْمَلِكَ: إِنَّ يَدَ إِلَهِنَا عَلَى كُلِّ طَالِبِيهِ لِلْخَيْر،ِ
وَصَوْلَتَهُ وَغَضَبَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ يَتْرُكُهُ [22].
ظهر إيمان عزرا الحي، فقد آمن برب الجنود القادر أن يحفظه، فلا يليق به أن يطلب من الملك الوثني حراسة بشرية.
"جيشًا وفرسانًا": لقد تكلم عزرا عن إلهه أمام الملك أنه إله قادر أن يحمى شعبه، فكيف يطلب الآن جيشًا وفرسانًا لحمايته؟ لذلك اعتمد على الله أن يحميه ولم يطلب حماية. أما نحميا ففي صعوده كان معه جيش لحمايته، لكن نحميا لم يطلب أن يُرسل معه جيش. إنما قبل هذا، ولماذا يرفض، فالله له وسائله المتعددة ليحمى أولاده.
فَصُمْنَا وَطَلَبْنَا ذَلِكَ مِنْ إِلَهِنَا، فَاسْتَجَابَ لَنَا [23].
إذ اتكأ عزرا ومن معه على قوة الله ونعمته بقلوب نقية، وتسليم كامل بين يدي الله، لذلك نسمع العبارة "فاستجاب لنا". إنه إله المستحيلات القدير، الذي يشتاق أن يجد قلوبًا نقية تطلب منه ما يطابق إرادته، ففي أبوه حانية يستجيب لها. بالصوم والصلاة مع نقاوة القلب استجاب الله لطلبة عزرا ومن معه.
v "ليت طلباتي تأتي أمام الرب". فإنه إن بلغت صلاتي العلا، يهلك أعدائي (مز 92: 2)؛ الصديق يثبت (حك 5: 1)، الشبكة تنكسر، والعصفور إذ يتحرر يطير في حرية (مز 124: 7)؛ والمضطهدون يحنون رؤوسهم، والمضطَهَدين يفرحون (مت 5: 10-12).
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
v الصلاة النقية تجد طريقها لدى الله، فهي تتحدث إليه، تسمعه وتثق فيه.
v لا تضجر في طلبك. لا تفكر بأن طلبك يعود فارغًا.
القديس مار يعقوب السروجي
v ليس أحد يعينه الله ما لم يصنع هو شيئًا. إنه سيُعان إن صلي[88].
v الأثر الكامل للإيمان هو هذا: يجعلنا نسأل فنأخذ، نطلب فنجد، نقرع فيُفتح لنا. بينما الإنسان الذي يجادل يغلق باب رحمة الله أمام نفسه[89].
القديس أغسطينوس
v لنؤمن أنه مهما سألنا الآب ننال باسمه، لأن إرادة الآب هي أن نطلب خلال الابن، وإرادة الابن أن نطلب من الآب... لا تفهم من ذلك أن الآب غير قادر أن يفعل، وإنما توجد قوة واحدة تتكشف[90].
القديس أمبروسيوس
وَأَفْرَزْتُ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ:
شَرَبْيَا وَحَشَبْيَا،
وَمَعَْهُمَا مِنْ إِخْوَتِهِمَا عَشَرَةٌ [24].
كان ملوك فارس أغنياء جدًا. قدم الملك الكثير من الذهب والفضة، حتى النحاس كان من نوع خاص "صقيل جيد ثمين كالذهب" [27].
سلم عزرا هذه الكنوز لأيدٍ أمينة تحملها معه إلى أورشليم لتقديمها لبيت الرب.
وَوَزَنْتُ لَهُمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالآنِيَةَ،
تَقْدِمَةَ بَيْتِ إِلَهِنَا الَّتِي قَدَّمَهَا الْمَلِكُ،
وَمُشِيرُوهُ وَرُؤَسَاؤُهُ وَجَمِيعُ إِسْرَائِيلَ الْمَوْجُودِين [25].
مع ثقته في أمانة رؤساء الكهنة والكهنة ومعهم اللاويين، لكنه سلم لهم كل شيءٍ بالوزن، لتجنب الشبهات، ولقطع الطريق على الذين يفترون عليهم. وكما يقول الرسول: "معتنين بأمورٍ حسنةٍ ليس قدام الرب فقط، بل قدام الناس أيضًا" (2 كو 8: 21).
وَزَنْتُ لِيَدِهِمْ سِتَّ مِئَةٍ وَخَمْسِينَ وَزْنَةً مِنَ الْفِضَّة،ِ
وَمِئَةَ وَزْنَةٍ مِنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ،
وَمِئَةَ وَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَب [26].ِ
وَعِشْرِينَ قَدَحًا مِنَ الذَّهَبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ،
وَآنِيَةً مِنْ نُحَاسٍ صَقِيلٍ جَيِّدٍ ثَمِينٍ كَالذَّهَبِ [27].
وَقُلْتُ لَهُمْ: أَنْتُمْ مُقَدَّسُونَ لِلرَّبِّ،
وَالآنِيَةُ مُقَدَّسَةٌ،
وَالْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ تَبَرُّعٌ لِلرَّبِّ إِلَهِ آبَائِكُمْ [28].
في اعتزاز يقول عزرا إنهم مقدسون للرب، والآنية مقدسة، مكرسة للرب. مع اهتمام عزرا بآنية بيت الرب المقدسة، فإن هذه الآنية من أجل تقديس الشعب، لهذا يقول عزرا: "أنتم مقدسون للرب، والآنية مقدسة..."، مقدمًا النفوس عن الآنية الذهبية والفضة.
فَاسْهَرُوا وَاحْفَظُوهَا حَتَّى تَزِنُوهَا،
أَمَامَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَرُؤَسَاءِ آبَاءِ إِسْرَائِيلَ،
فِي أُورُشَلِيمَ فِي مَخَادِعِ بَيْتِ الرَّبِّ [29].
يطالبهم عزرا الكاهن بحياة السهر والأمانة، فإن كان السيد المسيح يُدعى "الأمين"، يليق بأعضائه، أن يشتركوا معه في سمة "الأمانة". ففي يوم الرب العظيم يُقال للمؤمن الحقيقي: "كنت أمينًا في القليل، فأقيمك على الكثير" (مت 25: 21)
الأمانة واجبة في جميع الأمور، ولاسيما في مال الرب، لهذا سلم عزرا الآنية للكهنة ومعهم اللاويين بالوزن ليسلموها في بيت الله بالوزن، فلا يضيع شيء. والأهم من الآنية نفوس البشر فهي أمانة في عنق الكهنة والخدام.
كما تسلموا كل شيءٍ بالميزان، يليق بهم تسليمه بالميزان، حتى لا يتشكك أحد فكر في أمانتهم.
فَأَخَذَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ وَزْنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالآنِيَةِ،
لِيَأْتُوا بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ إِلَهِنَا [30].
3. من أهوا إلى أورشليم
ثُمَّ رَحَلْنَا مِنْ نَهْرِ أَهْوَا فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ،
لِنَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَكَانَتْ يَدُ إِلَهِنَا عَلَيْنَا،
فَأَنْقَذَنَا مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ وَالْكَامِنِ عَلَى الطَّرِيقِ [31].
انطلقت الرحلة التي سبق فرآها إشعياء النبي بروح النبوة، قائلاً: "اخرجوا من وسطها (بابل)، تطهروا يا حاملي آنية الرب. لأنكم لا تخرجون بالعجلة، ولا تذهبون هاربين، لأن الرب سائر أمامكم، وإله إسرائيل يجمع ساقتكم" (إش 52: 11-12).
لم يذكر عزرا الكاتب كيف أنقذهم الله من يد العدو في الطريق, لقد اختبر ما يقوله المرتل: "يقوم الله، يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجه..." (مز 68: 1 الخ).
"فأنقذنا" الله، إذ يحفظ مسيرتنا إلي أورشليم السماوية، وهنا حفظهم الله من الأعداء الكامنين علي الطريق، أي قطاع الطرق، وهم منتشرون جدًا، لكن عناية الله دفعت الأعداء بعيدًا عنهم.
بدأ بالإقامة 3 أيام يقدمون الشكر للذي وهبهم الحياة المقامة، وعادوا إلى أورشليم سالمين. في اليوم الرابع قدموا التقدمات لبيت الرب وسلموا أوامر الملك للمرازبة والولاة.
وصف الرحلة كلها التي استغرقت حوالي أربعة أشهر في هذه العبارة الواحدة. لم يروِ لنا عزرا من هو العدو، وماذا عانى الشعب من قطَاع الطرق، إنما كل ما كتبه أن الله أنقذ الموكب كله.
عندما نبلغ الفردوس نتطلع إلى كل سنوات عمرنا كأنها لحظات عبرت، وما نذكره في ذلك الحين هو عمل الله معنا، دون التفكير في أشخاص المضايقين ومرارة الضيق. تبلغ الأمجاد الفائقة فكرنا، وشوقنا لخلاص العالم كله يشغلنا، وتسبيحنا مع الطغمات السماوية يصير عملنا، هذا ما نبلغه يوم خروجنا من العالم ودخولنا الفردوس. ليتنا نتمتع بعربون ونحن بعد في الجسد.
فَأَتَيْنَا إِلَى أُورُشَلِيم،َ
وَأَقَمْنَا هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ [32].
ربما يصعب تصوير استقبال أقاربهم ومعارفهم وبني جنسهم لهم. إنما العجيب كما بقوا معًا في بدء الرحلة عند نهر أهوا صائمين ومصلين لكي يبدأ معهم الرب الرحلة ويتقدمهم، الآن لم يتفرقوا. لم يذهب أحد منهم إلى بيت من بيوت أقربائه لكي يستريح. وإنما بقي الجميع ثلاثة أيام كأن الرحلة لم تنتهِ بعد، يقدمون ذبائح التسبيح والشكر لله الذي سار معهم في الطريق، وحافظ عليهم.
لم ينشغل القادمون من بابل بالتعرف على أخبار أقربائهم، ولا تدبير مواضع للراحة، ولا التفكير فيما سيفعلونه. إنما أقاموا معًا هناك ثلاثة أيام، كأنهم يعيشون معًا في خبر القيامة مع المسيح في صورة رائعة مجيدة.
وَفِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ وُزِنَتِ الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ وَالآنِيَةُ فِي بَيْتِ إِلَهِنَا،
عَلَى يَدِ مَرِيمُوثَ بْنِ أُورِيَّا الْكَاهِن،ِ
وَمَعَهُ أَلِعَازَارُ بْنُ فِينَحَاس،َ
وَمَعَهُمَا يُوزَابَادُ بْنُ يَشُوعَ وَنُوعَدْيَا بْنُ بَنُّويَ اللاَّوِيَّانِ [33].
"وفي اليوم الرابع وُزنت الفضة" والآنية. في أيام كورش سلمت بالعدد، وهنا سُلمت بالعدد والوزن حتى لا ينقص شيء، وهذا يدل علي اهتمام الله بأولاده، وأن ه يلزم على خدام الله أن يكونوا أمناء على كل نفسٍ، فأولاد الله هم آنيته المقدسة، وقد ائتمن خدامه عليهم (2 تي ٢:٢).
تسلم اثنان من الكهنة واثنان من اللاويين الفضة والذهب، وطابقوا بين المرسل من بابل، وما تسلموه في أورشليم.
في اليوم الرابع قدم الوكلاء حساب الوكالة، وسلموها بالعدد والميزان لبيت الله.
بِالْعَدَدِ وَالْوَزْنِ لِلْكُلِّ،
وَكُتِبَ كُلُّ الْوَزْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ [34].
وكتب كل الوزن لأجل الضبط والحفظ في السجل.
وَبَنُو السَّبْيِ الْقَادِمُونَ مِنَ السَّبْيِ،
قَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ لإِلَهِ إِسْرَائِيل،َ
اثْنَيْ عَشَرَ ثَوْرًا عَنْ كُلِّ إِسْرَائِيلَ وَسِتَّةً وَتِسْعِينَ كَبْشًا
وَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ خَرُوفًا وَاثْنَيْ عَشَرَ تَيْسًا ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ.
الْجَمِيعُ مُحْرَقَةٌ لِلرَّبِّ [35].
قدم بنو السبي القادمون محرقات عن أسباط إسرائيل، للشكر علي حفظ الله لهم في الطريق، ولتكريس أنفسهم لله. كما قدموا ذبائح خطية للتكفير عن خطاياهم.
لاحظ تكرار رقم ١٢ في عدد الأسباط، فهم الآن شعب واحد.
وَأَعْطُوا أَوَامِرَ الْمَلِكِ لِمَرَازِبَةِ الْمَلِكِ وَوُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ،
فَأَعَانُوا الشَّعْبَ وَبَيْتَ اللهِ [36].
لم يسرع عزرا باللقاء مع مرازبة الملك والولاة لتقديم أوامر الملك، إنما انتظر حتى يقضي الفوج ثلاثة أيام شكر لله، ويقدم الوكلاء حساب وكالتهم، وبعد تقديم المحرقات وذبائح الخطية لله. هكذا كان الله أولاً في حياة عزرا، بل وفي حياة الفوج المرافق له كله.
"فأعانوا الشعب" صار الأعداء والمقاومين معينين للشعب، وذلك من تدبير الله الذي بيده قلوب الملوك والحكام.
أخيرًا قدموا أوامر الملك للمزاربة والولاة، فأعانوهم في بناء بيت الرب، إنها صورة لما يحدث في يوم البر العظيم حيث يتهلل السمائيون بوعود الله، الفائقة للبشر يرون الكنيسة الجميلة المُزينة بالأمجاد الأبدية، فيسبحوا الله من أجل عمله مع بني البشر. يرون في البشرية المتمتعة بالأمجاد شركاء معهم، فيصير السمائيون معهم كنيسة سماوية.
من وحي عزرا 8
احسبني من أصحاب الساعة الحادية عشرة
v سبقني كثيرون إلى مواكب النصرة.
نفسي تئن بسبب خمولي وتراخيّ وإهمالي.
ليعمل روحك القدوس فيُ،
فألحق بأصحاب الساعة الحادية عشرة.
v اخترتني ابنًا لك، يا من تريد خلاص الجميع.
ليُنقش اسمي على كفك، ولا يُمح من سفر الحياة الأبدية.
v فتحت أمامي باب المعمودية، كما عند نهر أهوا.
وهبتني أن أدفن معك لأقوم معك.
هب لي أن أتنعم بالحياة المقامة كل أيام غربتي.
لأصوم وأتذلل مع عزرا الكاتب.
لتصرخ أعماقي: غربتي قد طالت عليَّ!
لماذا كثر الذين يحزنونني؟
كثيرون يقولون: ليس له خلاص بإلهه.
لكن أنت هو حصن حياتي،
تمتد يدك لتحوط حولي، فلا يقترب الأعداء إليّ.
v رحلتي في العالم معركة لا تنقطع،
لكنها بك تصير وليمة مفرحة،
مع كل يوم تقدم لنفسي نصرات هي من عندك.
تكشف عن عيني قلبي، فأرى الأكاليل معدة لأولادك.
v متى أبلغ مع شعبك أورشليم العليا.
هناك لا أعود أذكر متاعب الطريق،
بل يمتلئ قلبي فرحًا ولساني تهليلاً،
أشارك السمائيين تسابيحهم.
هناك اختبر قيامتك على مستوى فائق.
أقدم لك حساب وكالتي،
ليس لي ما أبرر به نفسي،
إنما نعمتك كانت سندًا لي كل أيام غربتي.
هناك بفرح وتهليل أتغنى قائلاً:
هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الله.
v هناك تتجلى أمامنا صورة الصليب البهي،
فنقدم ذبائح الشكر والتسبيح.
هناك تتحقق وعودك الفائقة,
أتمتع بما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن.
أتمتع بما لم يخطر على قلب بشرٍ.
لك المجد يا أيها الأمين في بوعودك!
V V V
|
رحلة عزرا |
ورحلتنا إلى أورشليم العليا |
1 |
بدأت بتسجيل أسماء رؤوس الآباء وعدد الراغبين في الرجوع. |
اختيارنا من قبل الله، وتسجيل أسمائنا في سفر الحياة، ونقشها على كف الله. |
2 |
الاجتماع عند نهر أهوا. |
البدء بالمعمودية والتمتع بالبنوة لله. |
3 |
بقاء الفوج ثلاثة أيام عند نهر أهوا. |
التمتع بالقيامة مع السيد المسيح الذي دفن ثلاثة أيام. |
4 |
الصوم والتذلل أمام الله فهو الذي يقوم بحراستنا. |
الجهاد الروحي في جدية والإيمان بالله حارس النفوس. |
5 |
أورد الرحلة في عبارة واحدة [31]. لم يرو لنا ما فعله الأعداء في الطريق. |
لا يشغلنا في رحلتنا سوى أورشليم. لا نخشى إبليس ولا الخطية؛ الله مخلصنا. |
6 |
بقاؤهم 3 أيام في أورشليم دون الذهاب إلى بيوت أو خيام. |
ما يشغلنا في السماء هو حضن الآب مسكن للجميع. |
7 |
تقديم ذبائح وتقدمات عن كل إسرائيل. |
انشغال الذين في الفردوس بالطلبة عن كل البشرية لدى المصلوب. |
8 |
تسليم الهبات الذهبية والفضية لبيت الرب. |
تقديم حساب الوكالة، وثمر شهادتنا للسيد المسيح. |
9 |
تسليم أوامر الملك للمرازبة والحكام. |
التمتع بالوعود الإلهية الخاصة بالحياة الأبدية وأمجادها. |
صلاة مثالية
توبة وانسحاق باسم الشعب كله!
وصل الفوج الثاني من الراجعين من السبي تحت قيادة عزرا، وبعد حوالي أربعة أشهر تقدم رؤساء الشعب إلى عزرا يخبرونه أن بعض الرجال تزوجوا بوثنيات [1-2]. تحول فرح عزرا إلى حزن ومرارة نفس، إذ لم يحتمل عزرا هذا الخبر، فإنه يحمل خيانة عظمى ضد الله القدوس، بسببها سمح الله بالسبي في بابل 70 عامًا. الزواج المختلط بالوثنيات هو علة انحراف الكثيرين عن الإيمان.
لم يأخذ عزرا موقف القاضي ليحكم، وكان في سلطانه ذلك، لكنه مزق ثيابه، ونتف شعر رأسه ولحيته، وجلس متحيرًا طول اليوم [3-5]. التف حوله كثيرون من رجال ونساء وأطفال، لم يجسر أحد أن ينطق بكلمة. وإذ جاء وقت تقدمة المساء قدم صلاة اعتراف قوية كان لها أثرها القوي على الشعب.
جمع عزرا الشعب لتقديم تقدمه المساء، وقد سكب عزرا قلبه أمام الله معترفًا عن خطايا الشعب الماضية، حاسبًا ما فعله الشعب كما لو كان فعله هو. اعترف باسم الشعب أنه سبق فأخطأ الكل، وكلحيظة أدبهم الرب بالسبي، وها هو قد حررهم ووهبهم نعمة عند الملك واستنارة، لكنهم عادوا فأخطأوا. إنهم يستحقون الفناء، ويخجلون من الوقوف أمامه!
1. أخبار الخيانة 1-2.
2. انسحاق عزرا 3-5.
3. صلاة واعتراف 6-15.
1. أخبار الخيانة
وَلَمَّا كَمُلَتْ هَذِهِ تَقَدَّمَ إِلَيَّ الرُّؤَسَاءُ قَائِلِينَ:
لَمْ يَنْفَصِلْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ وَالْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ،
مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي حَسَبَ رَجَاسَاتِهِمْ،
مِنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ
وَالْعَمُّونِيِّينَ وَالْمُوآبِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ [1].
"ولما كملت هذه"، أي بعد وصول الفوج إلى أورشليم واصعاد محرقات وذبائح الخطية، وتم إبلاغ المرازبة والولاة بأمر الملك، وربما قام عزرا نفسه بالالتقاء معهم وإبلاغهم بأمر الملك، واستقر القادمون، (8: 36).
"ولما كملت هذه" أمور السفر وتسليم الأواني الخ. وكان اجتماع الرؤساء مع عزرا بعد وصوله بأربعة أشهر. فقد وصل في الشهر الخامس (7: 9) والاجتماع مع الرؤساء كان في الشهر التاسع (10: 9).
لأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا مِنْ بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ وَلِبَنِيهِمْ،
وَاخْتَلَطَ الزَّرْعُ الْمُقَدَّسُ بِشُعُوبِ الأَرَاضِي.
وَكَانَتْ يَدُ الرُّؤَسَاءِ وَالْوُلاَةِ فِي هَذِهِ الْخِيَانَةِ أَوَّلاً [2].
للأسف من بين الذين جاءوا في الفوج الأول مع زرُبابل ويشوع من نسي أولادهم مذلة السبي، وعوض الاهتمام بتقديس حياتهم ليصيروا خميرة مقدسة للشعب الذي فقد حريته وبلده وسلطانه، انشغلوا بشهواتهم الجسدية، وتزوجوا بفتيات أو نساء وثنيات، متجاهلين الشريعة الإلهية. للأسف سقط في هذه الخيانة أيضًا رؤساء وكهنة ولاويون. عوض أن يكونوا قادة صالحين يحثون الشعب على الحياة المقدسة وحفظ العهد مع الله، صاروا عثرة للشعب.
الآن هم في بلادهم المقدسة في حبٍ ووحدةٍ، وبلا أي مظهر لعبادة الأوثان، لكن الرؤساء بإرشاد الروح القدس اكتشفوا أن هناك زيجات سياسية بين أفراد من الشعب وبين نساء وثنيات ربما للمنفعة العامة، وهذه الزيجات قد تؤدي أن يرتد الشعب إلى العبادة الوثنية، وهذا ما حدث مع سليمان الملك نفسه.
وكانت العبادة الوثنية سببًا في غضب الله الذي بسببه أرسلهم الله للسبي من قبل.
"اختلط الزرع المقدس"، أي سيتعلم الأزواج مع الأبناء من النساء الوثنيات طرقهن وعبادتهن، وكان هناك استثناء لهذا من هن مثل "راعوث الموآبية". لكن لا يجوز أن يتحول الاستثناء إلي قاعدة، فشعب الله يلزم أن يكون مقدسًا، أي مكرس ومخصص للرب، وأن يكون طاهرًا في حياته. كان الشعب الوحيد في كل الأرض الذي يعبد الله. فكان لابد لهم أن يعيشوا منعزلين عن الشعوب الوثنية، ليستمر نقاؤهم ولا يندمجوا مع الأمم، فيضيعوا كما حدث مع أهل السامرة.
"في هذه الخيانة" يُسمى عملهم خيانة، لأنهم تركوا وصية إلههم.
ترجع هذه الضربة الخطيرة إلى أيام نوح حيث قيل: "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون علي الأرض ووُلد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا" (تك 6: 1، 2).
إذ يتحدث القديس أغسطينوس في كتابه "مدينة الله" عن مدينتين إحداهما أرضية وأخري سماوية، الأولي تمثل جماعة الأشرار المرتبطين بالأرضيات، والأخرى جماعة المؤمنين المرتبطين بالسماويات، لذلك عندما تعرض للعبادة التي بين أيدينا رأي في زواج أبناء الله ببنات الناس الخلطة بين المدينتين، الأمر الذي يفسد مواطني المدينة السماوية. هذا الأمر حذرنا منه الرسول بولس بقوله: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين، لأنه أية خلطة للبر والإثم؟! وأية شركة للنور مع الظلمة؟! وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟" (2 كو 6: 14، 15).
ولأجل حفظ العهد مع الله وعدم السقوط في عبادة الأوثان، جاءت الوصية الإلهية: "احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض، فيزنون وراء آلهتهم، ويذبحون لآلهتهم، فتدعى وتأكل من ذبيحتهم. وتأخذ من بناتهم لبنيك، فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن" (خر 34: 15-16). وأيضًا: "ولا تصاهرهم، بنتك لا تعطي لابنه، وبنته لا تأخذ لابنك. لأنه يرد ابنك من ورائي فيعبد آلهة أخرى، فيحمى غضب الرب عليكم ويهلككم سريعًا" (تث 7: 3-4).
غاية هذه الوصية هي النقاوة، فإن الله لا يهدف نحو فصل الأمم عن بعضها البعض، لكنه يشتاق أن يصير الكل واحدًا فيه. إنه يريد جيلاً ملوكيًا وشعبًا خاصًا وبشرية متجددة تحت قيادة آدم الجديد كرأس واحد لكل المؤمنين في العالم. وإذ لم تكن البشرية مهيأة بعد لهذه الوحدة المقدسة عزل المؤمنين عن الوثنيين، وحدد حريتهم في الزواج.
v أبناء المؤمنين كانوا بمعنى ما معينين للقداسة والخلاص، وبعربون هذا الرجاء يسند بولس الزيجات التي يود أنها تستمر[91].
العلامة ترتليان
v الزواج عطية روحية، ولكن لا تكون هكذا إن تمت مع غير المؤمنين. لا يُعطى روح الله ليسكن في هؤلاء الذين هم غير مؤمنين[92].
v يلزم أن تتم أسرار الزواج بقدسيةٍ وبتريثٍ وليس بأهواء مشوشة[93].
العلامة أوريجينوس
v الزواج أعظم من أن يكون بشريًا، إنه مملكة مصغّرة هو بيت صغير للرب.
v ذهب مخلّصنا إلى عرس ليقدس أصل الحياة البشريّة.
v من هم الاثنان أو الثلاثة المجتمّعون باسم المسيح، الذين يحل الرب فيهم؟ أليسوا الرجل وزوجته وطفلهما، لأن الرجل وزوجته يتّحدان بالله.
v بمشورات القدّيسين تُدبّر الدول حسنًا، وأيضًا البيوت.
v الزواج صورة مقدّسة يجب حفظها طاهرة مما يدنسها. يليق بنا أن نقوم مع المسيح من سباتنا، ونرجع لننام بشكر وصلاة.
v قلوب الأحبّاء لها أجنحة... الحب يمكن أن يتحوّل إلى بغضة إن زحف إليه أسباب هامة لعدم الاحترام المتبادل.
v من يطلب اللذّة الجسديّة وحدها يحوّل الزواج إلى زنا.
القدّيس إكليمنضس السكندري
2. انسحاق عزرا
فَلَمَّا سَمِعْتُ بِهَذَا الأَمْرِ،
مَزَّقْتُ ثِيَابِي وَرِدَائِي،
وَنَتَّفْتُ شَعْرَ رَأْسِي وَذَقْنِي،
وَجَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا [3].
إلى مجيء عزرا لم نسمع عن أحدٍ أنه صار في رعدةٍ وحيرة أمام هذه الخيانة، بل كانوا يتطلعون إلى هذه التصرفات كأنها أمور عادية، لا يهتز لها أحد. أما عزرا، فإذ سمع بالأمر مزق ثيابه ونتف شعر رأسه ولحيته وجلس في حيرة. فمع ما لديه من سلطان بأمر الملك، لكن هذه الخيانة لا تُعالج بالأوامر، بل بالتوبة الخارجية من القلب. ومن يعطي هؤلاء الساقطين في هذه الخطية التوبة؟
هذا ومن جانب آخر، فإن هؤلاء الساقطين حديثو المعرفة والخبرة الروحية، فقد عاش آباؤهم وأمهاتهم في السبي في جفافٍ روحيٍ شديدٍ. فخشي أن يستخدم الكلمات القاسية والتأديب القاسي فلا يحتمل الشعب ذلك.
وأيضًا كان في حيرة لأن هذا الشعب الذي يُحسب إلى حدٍ ما جديدًا في ممارسته للعبادة في أورشليم لم يتعظ مما حدث مع أجدادهم الذين سقطوا في السبي البابلي بسبب الخطية. لقد تحير عزرا، خائفًا أن يحل غضب الله على الشعب كله!
"مزقت ثيابي" عادة يهودية علامة الحزن الشديد والاشمئزاز.
"نتفت شعر رأسي" عادة يهودية أخرى تعبر عن الحزن.
"وجلست" عمله هذا أثر في الشعب تأثيرًا عظيمًا.
v يوجد انسحاق للقلب، روحي ومفيد، وهذا يلمس القلب في أعماقه. ويوجد انسحاق آخر، مضر ومقلق، هذا يقوده إلى الهزيمة فقط (كاليأس).
القديس مرقس الناسك
فَاجْتَمَعَ إِلَيَّ كُلُّ مَنِ ارْتَعَدَ مِنْ كَلاَمِ إِلَهِ إِسْرَائِيل،َ
مِنْ أَجْلِ خِيَانَةِ الْمَسْبِيِّين،َ
وَأَنَا جَلَسْتُ مُتَحَيِّرًا إِلَى تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ [4].
سرعان ما تسربت هذه الأخبار إلى الشعب والقادة، منهم من استخف بالأمر، وحسب أنه ما كان يليق بعزرا أن يفعل هذا، متطلعين إليه كمن هو مبالغ في الأمر. وفريق آخر تأثر عندما سمع بما فعله عزرا رجل الله، وحزنوا أن رجلاً كعزرا ترك مركزه في بابل ومكانته وقد حلّ به إحباط لما بلغ إليه الشعب بأورشليم. أما الفريق الثالث الذي يحمل مخافة الرب فشاركوا عزرا رعدته ومرارة نفسه، فاجتمعوا إليه صامتين، ينتظرون منه كلمة أو أمرًا يقومون بتنفيذه أو بمعاونته في التنفيذ.
v إن أراد أحد أن ينال حب الله، فليكن فيه مخافة الرب، لأن الخوف يولِّد بكاء، والبكاء يولد قوة. وإذا ما كملت هذه كلها في النفس، تبدأ النفس تثمر في كل شيء. وإذ يرى الله في النفس هذه الثمار الحسنة، فإنه يشتمها رائحة بخور طيبة، ويفرح بها هو وملائكته، ويشبعها بالفرح، ويحفظها في كل طرقها حتى تصل إلى موضع راحتها دون أن يصيبها ضرر.
إذ يرى الشيطان الحارس العلوي العظيم يحيط بالنفس، يخاف أن يقترب منها أو يهاجمها بسبب هذه القوة العظيمة.
إذًا، اقتنوا هذه القوة حتى ترتعب الشياطين أمامكم، وتصير أعمالكم سهلة، وتتلذذوا بالعمل الإلهي، لأن حلاوة حب الله أشهي من العسل.
حقًا أن كثيرين من الرهبان والعذارى في المجامع، لم يتذوقوا هذه الحلاوة الإلهية، ولم يقتنوا القوة الإلهية، ظانين أنهم قد نالوها، بالرغم من عدم جهادهم. أما من يجاهد لأجلها فينالها حتمًا خلال المراحم الإلهية، لأن الله لا يحابى الوجوه.
فمن يريد أن يكون له نور الله وقوته، يلزمه أن يستهين بكرامات هذا العالم ودنسه، ويبغض كل أمور العالم ولذة الجسد، وينقى قلبه من كل الأفكار الرديئة. ويقدم لله أصوامًا ودموعًا ليلاً ونهارًا بلا هوادة كصلوات نقية، عندئذ يفيض الله عليه بتلك القوة.
اجتهدوا أن تنالوا هذه القوة، فتصنعوا كل أعمالكم بسهولة وُيسر، وتصير لكم دالة عظيمة قدام الله، ويهبكم كل ما تطلبونه[94].
القديس الأنبا أنطونيوس الكبير
"إلى تقدمة المساء" كان عزرا قد جلس زمانًا وهو حزين وعند تقدمة المساء انتبه إلى الخدمة، ورفع قلبه بالصلاة لله. نلاحظ أن تقدمة المساء هي رمز لذبيحة المسيح الذي يرفع خطايانا، وربما كانت عينا عزرا على المسيح المخلص
وَعِنْدَ تَقْدِمَةِ الْمَسَاءِ قُمْتُ مِنْ تَذَلُّلِي،
وَفِي ثِيَابِي وَرِدَائِي الْمُمَزَّقَةِ جَثَوْتُ عَلَى رُكْبَتَيَّ،
وَبَسَطْتُ يَدَيَّ إِلَى الرَّبِّ إِلَهِي [5].
غالبًا ما ساد الكل حالة من الصمت حتى جاء وقت تقدمة المساء، حيث قام عزرا من التذلل وجثا بثيابه الممزقة على ركبتيه، وبسط يديه إلى الرب ليصلي.
"جثوت على ركبتي" هكذا تكون الصلاة، إما وقوفًا أو ركوعًا على الركبتين.
3. صلاة واعتراف
وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَخْجَلُ وَأَخْزَى مِنْ أَنْ أَرْفَعَ يَا إِلَهِي وَجْهِي نَحْوَك،
لأَنَّ ذُنُوبَنَا قَدْ كَثُرَتْ فَوْقَ رُؤُوسِنَا،
وَآثَامَنَا تَعَاظَمَتْ إِلَى السَّمَاءِ [6].
بدأ صلاته بالحديث بصيغة المتكلم، حاسبًا أن كل ما ارتكبه هؤلاء الخونة كأنه قد ارتكبه هو.
لقد تعاظمت الخطية جدًا حتى بلغت إلى السماء؛ فصارت مثل خطايا سدوم وعمورة (تك 18: 20) التي بسببها أرسل الله نارًا وكبريتًا.
نجد هنا صلاة عزرا، وهى ليست صلاة طلبات، بل هي اعتراف بالذنب من قلبٍ نقيٍ يحب الله. وهو يضع نفسه في صف شعبه، ويعترف بخطاياه معهم. فيقول: "ذنوبنا... آثامنا ...فنعود... ونصاهر شعوب هذه الرجاسات". مع أنهُ هو نفسه لم يخطئ في هذه الأمور. لكنه لا يلقي باللوم على الآخرين ويبرر نفسه، بل هو ككاهن محب لشعبه مثل موسى النبي وبولس الرسول (خر ٣٢:٣٢؛ رو ٣:٩) يضع نفسه عن شعبه كأنه هو الذي فعل خطاياهم، وهذا ما صنعه السيد المسيح الذي حمل خطايانا. أثرت صلاة عزرا ومحبته لشعبه ودموعه في الشعب، فتركوا نساءهم الوثنيات.
"تعاظمت إلى السماء"، أي كانت عظيمة جدًا كبرج بابل رأسه بالسماء (تك ٤:١١)، وكصراخ خطايا سدوم وعمورة الذي دخل إلى أذني الرب (تك ٢٠:١٨).
v من يخبر عن خطاياه، مشمئزا منها، يلزمه أن يتكلم في مرارة نفسه، حتى إن المرارة ذاتها تعاقب اتهامات لسانه في تبريره لضميره. لكن يلزمنا أن نضع في ذهننا أنها تجلب نوعًا من الأمان من آلام الندامة التي تسدد ضربة إلى نفسها، وعندئذ ترتفع بثقة أعظم لمواجهة استجواب الديان السماوي.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v أية خطايا يمكن للندامة أن تفشل في غسلها؟ أيّة وصمات راسخة لا يمكن لمثل هذه الدموع أن تغسلها؟ باعتراف بطرس الثلاثي مسح إنكاره الثلاثي[95].
القديس جيروم
v الصلاة الممتدَّة والدموع الغزيرة تجتذبان الله للرحمة.
v أراد يسوع أن يُظهر في نفسه كل التطويبات، إذ قال: "طوبى للباكين"، وقد بكى هو نفسه لكي يضع أساس هذا التطويب حسنًا[96].
العلامة أوريجينوس
مُنْذُ أَيَّامِ آبَائِنَا نَحْنُ فِي إِثْمٍ عَظِيمٍ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ.
وَلأَجْلِ ذُنُوبِنَا قَدْ دُفِعْنَا نَحْنُ وَمُلُوكُنَا وَكَهَنَتُنَا لِيَدِ مُلُوكِ الأَرَاضِي،
لِلسَّيْفِ وَالسَّبْيِ وَالنَّهْبِ وَخِزْيِ الْوُجُوهِ كَهَذَا الْيَوْمِ [7].
"ملوكنا وكهنتنا"، أي رؤساؤنا المدنيون والروحيون.
"ملوك الأراضي"، ولاسيما ملوك أشور وملوك بابل.
يعترف عزرا أن الخطية ليست أمرًا طارئًا في حياة شعبه، إنما تأصلت منهم منذ آبائهم، لهذا فإنهم عن استحقاق تأهلوا للتأديب بالسيف والسبي والنهب والعار.
v لتفرح وأنت تحت الجلدات، فإن الميراث محفوظ لك، لأنه لا يطرد شعبه. هو يؤدب إلى حين، ولا يدين إلى الأبد[97].
القديس أغسطينوس
v يحتمل الله كل ضعفات البشر، لكنه لن يسمح بترك الإنسان الدائم التذمر بدون تأديب[98].
القديس مار اسحق السرياني
وَالآنَ كَلُحَيْظَةٍ كَانَتْ رَأْفَةٌ مِنْ لَدُنِ الرَّبِّ إِلَهِنَا،
لِيُبْقِيَ لَنَا نَجَاةً،
وَيُعْطِيَنَا وَتَدًا فِي مَكَانِ قُدْسِهِ،
لِيُنِيرَ إِلَهُنَا أَعْيُنَنَا،
وَيُعْطِيَنَا حَيَاةً قَلِيلَةً فِي عُبُودِيَّتِنَا [8].
مع ما نتأهل به للغضب بسبب خطايانا، غير أن غضب الله يعبر كما إلى لحيظة، ليسكب رحمته، ويثبتنا فيها كما بوتدٍ في مكان قدسه. يُستخدم الوتد لتثبيت الخيمة، هكذا يود الله أن يثبتنا في بيته المقدس كما بوتدٍ لننعم بمراحمه الإلهية. بمراحمه ينير أعيننا فنعيش معه في النور، وندرك قسوة ظلمة عبودية الخطية.
"كلحيظة": كانت سنوات السبي كحياة قليلة مظلمة أشبه بلحيظة. هذه اللحيظة من التأديب كانت حوالي 70 سنة.
"ليبقى لنا نجاة" من خراب أورشليم، ومن بابل وشرورها.
"لينير إلهنا أعيننا" كانت أيام السبي كأيام ظلمة والرجوع كأيام نور. أيام السبي مشبهة أيضًا بالموت وأيام الرجوع كحياة قليلة.
v "لقد ضربتني" ليس كديانٍ، بل كأب تصلحني!
v من يقدر أن يرفع عصا الله، أي غضبه الإلهي، فلا يعود يرتعب الإنسان منه؟ إنه ربنا يسوع المسيح الذي وضع إثمنا عليه، ودخل بنا إلى الحب الإلهي فصرنا بروحه القدوس أبناء لله، لنا من الدالة عليه.
" ليرفع عني عصاه" [34]، فإنه إذ تجسد وصار مثلنا فلا يضربنا بالعصا ولا بالخوف، بشرط أن نهرب إلى نعمته وإلي الإيمان، نهرب إلى ذاك الذي قام من الأموات: قال الملاك للنسوة: "لا تخفن" (مت 28: 5، 10). وعندما ظهر للتلاميذ استخدم ذات اللغة مرة أخرى... هذا ما كتبه يوحنا اللاهوتي: "المحبة الكاملة تطرد خوفنا" (راجع 1 يو 4: 18).
الأب هيسيخيوس الأورشليمي
v يدعو بولس عقوبتنا تأديبًا، لأنها هي تحذير أكثر منها إدانة، إنها للشفاء أكثر منها للانتقام، للتصليح أكثر منها للعقوبة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
لأَنَّنَا عَبِيدٌ نَحْنُ، وَفِي عُبُودِيَّتِنَا لَمْ يَتْرُكْنَا إِلَهُنَا،
بَلْ بَسَطَ عَلَيْنَا رَحْمَةً أَمَامَ مُلُوكِ فَارِسَ،
لِيُعْطِيَنَا حَيَاةً لِنَرْفَعَ بَيْتَ إِلَهِنَا،
وَنُقِيمَ خَرَائِبَهُ،
وَلْيُعْطِيَنَا حَائِطًا فِي يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ [9].
لن ينسى عزرا أن الله الذي سمح لشعبه بالتأديب بالسبي، حرك قلوب ملوك فارس لبناء بيته ورد شعبه إلى أورشليم.
"لأننا عبيد"، كانوا عبيدًا في بابل، ولم يزالوا عبيدًا لملك فارس.
"ليعطينا حائطًا"، مسرة الله وحمايته كانت لهم كحائطٍ، "أكون لهم سور من نار" (زك 2: 5)، ولكن الله لهُ أدواته، والأداة هنا هي الملك الذي سخره الله لحماية شعب إسرائيل. على أن سور أورشليم بدأ العمل فيه أيام عزرا.
وَالآنَ فَمَاذَا نَقُولُ يَا إِلَهَنَا بَعْدَ هَذَا،
لأَنَّنَا قَدْ تَرَكْنَا وَصَايَاكَ [10].
"وبعد هذا"، بعد كل مراحم الله عادوا وخانوه.
الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا عَنْ يَدِ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ، قَائِلاً:
إِنَّ الأَرْضَ الَّتِي تَدْخُلُونَ لِتَمْتَلِكُوهَا،
هِيَ أَرْضٌ مُتَنَجِّسَةٌ بِنَجَاسَةِ شُعُوبِ الأَرَاضِي بِرَجَاسَاتِهِم،
ِ الَّتِي مَلأُوهَا بِهَا مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ بِنَجَاسَتِهِمْ [11].
"عن يد عبيدك الأنبياء"، ليس من نبوة للأنبياء بهذه الألفاظ، ولكن موسى في تثنية 7: 1-3 منع الزواج بالوثنيات، وما يورده عزرا هو روح التشريع، وهو الفكر الذي نادى به الأنبياء بالانعزال عن الشر.
وَالآنَ فَلاَ تُعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِبَنِيهِمْ،
وَلاَ تَأْخُذُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيكُمْ،
وَلاَ تَطْلُبُوا سَلاَمَتَهُمْ وَخَيْرَهُمْ إِلَى الأَبَدِ،
لِتَتَشَدَّدُوا وَتَأْكُلُوا خَيْرَ الأَرْض،ِ
وَتُورِثُوا بَنِيكُمْ إِيَّاهَا إِلَى الأَبَدِ [12].
"لا تطلبوا سلامتهم"، لا تقيموا معهم معاهدات سلام وأمن وتحالفات سياسية عسكرية، حتى لا تسقطوا في شراك وثنيتهم.
وَبَعْدَ كُلِّ مَا جَاءَ عَلَيْنَا لأَجْلِ أَعْمَالِنَا الرَّدِيئَةِ وَآثَامِنَا الْعَظِيمَةِ،
لأَنَّكَ قَدْ جَازَيْتَنَا يَا إِلَهَنَا أَقَلَّ مِنْ آثَامِنَا،
وَأَعْطَيْتَنَا نَجَاةً كَهَذِهِ [13].
يعترف عزرا بأن التأديب أقل مما تستوجبه خطايا الشعب، وكان يليق بالشعب أن يضع المراحم الإلهية موضع اعتبار.
أَفَنَعُودُ وَنَتَعَدَّى وَصَايَاك،
وَنُصَاهِرُ شُعُوبَ هَذِهِ الرَّجَاسَاتِ؟
أَمَا تَسْخَطُ عَلَيْنَا حَتَّى تُفْنِيَنَا،
فَلاَ تَكُونُ بَقِيَّةٌ وَلاَ نَجَاةٌ؟ [14]
إذ تعدوا الوصية الإلهية فقدوا علاقتهم بالحق الإلهي. فبكسر الوصية فقد آدم مفهوم الوصية، وبكسرها فقد الفريسيون قدرتهم على التعرف على الله ومحبته. لذلك يؤكد الرب: "إن ثبتم في كلامي، فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق، والحق يحرركم" (يو 8: 31-32)، "الكلام الذي أكلمكم به روح وحياة" (يو 6: 63). "لأن كلمة الله حية وفعالة" (عب 4: 12).
v الشخص الذي لا يحفظ الوصايا ليس فيه حب للرب.
v يختفي الله في وصاياه، فمن يطلبه يجده فيها (بتنفيذه إيَّاها).
لا تقل إنني أتممت الوصايا ولم أجد الرب، لأن من يبحث عنه بحق يجد سلامًا!
v يظن البعض أنهم يؤمنون بالحق وهم لا ينفذون الوصايا، والبعض بينما ينفذون الوصايا يتوقعون الملكوت كجزاء عادل (لاستحقاقاتهم الذاتية)؛ كلاهما يخطئان ضد الحق.
v برهان الحب هو إعلانه خلال العمل. هذا هو السبب الذي لأجله يقول يوحنا في رسالته: "من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب" (1 يو 2: 4). حبنا حقيقي إن حفظنا إرادتنا متناغمة مع وصاياه. من يجول هنا وهناك خلال شهواته الشريرة لا يحب الله بالحق، لأنه يضاد الله في إرادته[99].
البابا غريغوريوس (الكبير)
v لا يكفينا أن نقتني الوصايا فقط، لكننا نحتاج إلى حفظ مستقصى وبليغ لها.
v الذي عنده (وصاياي) في ذاكرته ويحفظها في حياته؛ الذي عنده في شفتيه ويحفظها سلوكيًا؛ الذي عنده في أذنيه ويحفظها في العمل؛ الذي عنده في الأعمال ويحفظها بالمثابرة، مثل هذا "يحبني". بالعمل يعلن الحب، وبالتطبيق بغير ثمر يكون مجرد الاسم (للحب)[100].
القديس أغسطينوس
أَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ أَنْتَ بَارٌّ،
لأَنَّنَا بَقِينَا نَاجِينَ كَهَذَا الْيَوْمِ.
هَا نَحْنُ أَمَامَكَ فِي آثَامِنَا،
لأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَقِفَ أَمَامَكَ مِنْ أَجْلِ هَذَا [15].
يخجل عزرا من طلب الصفح عن خطايا ما كان يليق السقوط فيها، إنما يطلب من الله العون حتى يقيمهم من الخطية.
"أنت بار، لأننا بقينا ناجين"، فمن مراحم الله حفظهم، فبقوا ناجين مع أنهم استحقوا الموت، ولولا رحمة الله لما بقت لهم بقية.
"ها نحن أمامك"، سلم الأمر للرب، ولم يقدر أن يقول شيئًا أمام رحمة الله.
من وحي عزرا 9
هب لي قلبًا متسعًا للعالم كله!
v أشرقت بشريعتك على عبدك عزرا،
فصار كاتبًا ماهرًا، يعشق وصيتك.
التهب قلبه بالحب لك،
واتسع ليحتضن فيه إخوته.
هب لي قلبًا متسعًا للعالم كله.
فأحب بالحق كل خليقتك.
أشتهي قداسة كل الجنس البشري،
وأترقب يوم عرسهم الأبدي.
v لم يحتمل عزرا خيانة إخوته لك.
حسب نفسه كأنه هو الخائن!
انسحقت نفسه في داخله،
ولم يكف عن البكاء أمامك.
مَّزق ثيابه ورداءه ونتف شعر رأسه وذقنه.
صرخ وجلس في حيرة.
v كان في إمكانه أن يصدر أحكامًا قاسية.
وكان في قدرته أن يوبخ بعنفٍ، وينتهر!
لكنه ارتعد في داخله، إذ يحمل مخافتك.
لم يحتمل قلبه كسر الوصية الإلهية.
ولا احتمل حبه هلاك إخوته كاسري الوصية.
v تشَّبه بموسى، فوقف يشفع في إخوته:
اغفر لهم وإلا امحي اسمي من كتابك.
وكأنه يشارك الرسول بولس في أبوته الحانية، فيقول:
من يضعف، وأنا لا أضعف؟
من يعثر، وأنا لا أحترق؟
من يصير مقيدًا، ولا أحسب نفسي كأني مقيد معه؟
v في تقدمه المساء رفع وجهه إليك.
جثا على ركبتيه وصرخ إليك.
تطلع كما إلى ذبيحة الصليب، فصرخ:
ذنوبنا قد كثرت فوق رؤوسنا،
وآثامنا تعاظمت إلى السماء!
v ألقى باللوم على نفسه مع إخوته,
وحسب تأديباتك للشعب كأنها إلى لحيظة عابرة.
اعترف أنه بدون رحمتك لما بقيت بقية لشعبك.
اعترف أنه مع بقية الشعب قد كسر وصيتك واهبة الحياة.
لم يعد له وجه حتى للوقوف أمامك!
فصار بالحق عظيمًا في عينيك!
فأنت قابل التوبة وغافر الخطايا.
لا تشاء موت الخطاة،
بل أن يرجعوا إليك ويحيوا.
هب لي توبة عزرا وحبه لك.
هب لي تواضعه أمامك!
املأ قلبي بالمحبة لك ولإخوتي!
توبة عملية
فاعلية الصلاة المنسحقة
جاء الأصحاح الأخير من سفر عزرا يكشف عن روعة شخصية عزرا كراعٍ حكيمٍ محبٍ وحازمٍ. فإن كان قد بدأ السفر بتحقيق الله وعده بالرجوع من السبي بعد 70 عامًا في عهد كورش ملك فارس، فإن ما يشغل قلب عزرا هو قدسية إسرائيل، كهنة وشعبًا، ليرجعوا إلى أحضان الله القدوس، ويكون لهم نصيب في أورشليم العليا التي لن يدخلها شيء نجس قط.
خُتم السفر بإبراز فاعلية الصلاة المنسحقة، حيث حرك روح الرب النفوس للتوبة العملية.
1. اشترك الأولاد في البكاء العظيم مع بقية الشعب [1].
2. جاء شكنيا الذي تزوج والده بامرأة وثنية، ولعل نفسه كانت مرة لذلك، واعترف عن والده وعن كل الساقطين، ولكن بروح الرجاء في غافر الخطايا [2-3]
3. احتاج عزرا الشجاع إلى تشجيعٍ من أشخاصٍ من بين الشعب [4].
4. اشترك الرؤساء الكهنة واللاويون في إصلاح الموقف، أي طرد الوثنيات بأولادهن مادمن لم يتركن العبادة الوثنية ولا أقمن عهدًا مع الله وأطعن الوصية [2-3].
5. بقى عزرا صائمًا حتى بعد أن استحلف القادة لإصلاح الموقف ودخل ينوح أمام الرب [6].
6. دعوة لاجتماع عاجل لكل الشعب في خلال 3 أيام [8] وإلا تعرض الشخص لعقوبة صارمة.
7. انهارت الأمطار، وكأن السماء تشارك عزرا وشعبه دموعهم [13].
8. أخذ قرار بتشكيل لجان لدراسة موقف كل شخصٍ بتروٍ.
9. ذكر أسماء التائبين كدرسٍ عملي للكل، وأبرز أن يشوع رئيس الكهنة العظيم، قائد الفوج الأول، جاء من نسله من تزوج بوثنيات [18].
1. الراعي التائب باسم الشعب 1-6.
2. السماء تبكي والكل يتحرك 7-17.
3. أسماء التائبين 18-44.
1. الراعي التائب باسم الشعب
فَلَمَّا صَلَّى عَزْرَا وَاعْتَرَفَ وَهُوَ بَاكٍ،
وَسَاقِطٌ أَمَامَ بَيْتِ الله،
اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْ إِسْرَائِيل،َ
جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ،
لأَنَّ الشَّعْبَ بَكَى بُكَاءً عَظِيمًا [1].
يُدعى عزرا موسى الثاني، ليس لأنه قام بخروج جديد فحسب، وإنما لأنه حمل قلب موسى المملوء حبًا لخلاص شعبه. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن أروع صورة لشخصية موسى لا في صنعه معجزات فائقة باسم الرب، وإنما بوقوفه يشفع في شعبه قائلاً: "والآن إن غفرت خطيتهم، وإلا فاُمحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 33). هذه الصورة الرائعة للنبي العظيم تتكرر بالنسبة لعزرا الكاتب الماهر كما نراها هنا في هذا الأصحاح: "اعترف وهو باكٍ وساقطٍ أمام بيت الله" [1]. انطلق إلى مخدع يهوحنان بن ألياشيب "وهو لم يأكل خبزًا، ولم يشرب ماءً، لأنه كان ينوح بسبب خيانة أهل السبي" [6]. إنها ذات الصورة التي للرسول العظيم القائل: "فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 3)، وأيضًا: ""من يضعف وأنا لا اضعف؟ من يعثر وأنا لا التهب؟" (2 كو 11: 29).
هكذا هذه الشخصيات الثلاث: موسى النبي وعزرا الكاتب وبولس الرسول، حملت صورة السيد المسيح الراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن الخراف، ويشتهي أن يموت لخلاص إخوته.
v سبي إخوتنا يجب أن يُحسب كأنه سبينا نحن. أحزان الذين في خطر هي أحزاننا. يلزمكم أن تتأكدوا بأنه يوجد جسم واحد لوحدتنا. ليست محبتنا وحدها بل وأيضًا تديننا يدفعنا ويشجعنا أن ننقذ أعضاء أسرتنا[101].
القديس كبريانوس
v يا له من شعور عجيب في الراعي. يسقط الآخرون ويقول: إني أؤكد حزني. يتعثر آخرون فيقول: تلتهب نيران آلامي!
ليت كل الذين عُهد إليهم قيادة القطيع العاقل أن يتمثلوا بهذا، ولا يظهروا أنهم أقل من الراعي الذي يهتم إلى سنوات كثيرة بقطيع غير عاقلٍ.
ففي حالة القطيع غير العاقل لا يحدث ضرر يًذكر حتى إن حدث إهمال، أما في حالتنا فإن هلك خروف واحد أو اُفترس سيكون الضرر خطيرًا جدًا ومرعبًا والعقوبة لا يُنطق بها، فوق هذا كله إذ سبق الرب واحتمل سفك دمه من أجله، فأي عذر يقدمه هذا الإنسان أن يسمح لنفسه أن يهمل ذاك الذي اهتم به الرب وبذل كل الجهد من جانبه لرعاية القطيع؟[102]
القديس يوحنا الذهبيّ الفم
انهارت نفس عزرا عندما عرف أن من بين الذين جاءوا من السبي عوض تقديم ذبائح شكر لله القدوس، والالتزام بالحياة المقدسة، اختلطوا بشعوب الأرض، وتزوجوا بنساء وثنيات. إنها خيانة عظمى لله! إذ سمع عنها عزرا يقول: "مزقت ثيابي وردائي، ونتفت شعر رأسي وذقني وجلست متحيرًا" (9: 3).
قدم عزرا صلاة بصوت مرتفع لكي يسمعه كل الشعب الذين اجتمعوا لخدمة المساء. منظر هذا الكاهن القائد ساقط أمام بيت الرب يبكي على خطايا شعبه هزّ قلوب الرجال والنساء، حتى الأطفال، فصار الكل يبكون بكاءً عظيمًا. فالحب الحقيقي النابع عن قلب متواضع أكثر قوة وفاعلية من العظات المنمقة والتهديدات.
لم يحسب عزرا سقوطه وبكاءه يفقدانه مهابته ككاهنٍ قائدٍ، بل هما سمات القائد المحب الحقيقي.
محبة عزرا ودموعه عن شعبه أثرت فيهم جدًا، فبكوا معهُ.
وَقَالَ شَكَنْيَا بْنُ يَحِيئِيلَ مِنْ بَنِي عِيلاَمَ لِعَزْرَا:
إِنَّنَا قَدْ خُنَّا إِلَهَنَا،
وَاتَّخَذْنَا نِسَاءً غَرِيبَةً مِنْ شُعُوبِ الأَرْض.
وَلَكِنِ الآنَ يُوجَدُ رَجَاءٌ لإِسْرَائِيلَ فِي هَذَا [2].
"شكنيا" اسم عبري معناه "يهوه يسكن"، "يحيئيل" معناه "الرب يحيي".
"شكنيا بن يحيئيل" هو غير شكنيا في عز 8: 3، وشكنيا في عز 8: 5، وفي عز 10: ٢٦.
ذكر يحيئيل من بنى عيلام الذين كانوا قد تزوجوا بنساء غريبات. وإذا كان هو يحيئيل المذكور هنا فيكون شكنيا ابنه قد عانى من زوجة أبيه الوثنية، واستغل الله هذا الألم الشخصي لخير الجماعة كلها. وكان رأي شكنيا أن يتخلص الشعب من النساء الوثنيات.
تقدم شكنيا نيابة عن كل الجماعة يعترف عن الخطأ بالزواج بالوثنيات، وإن كان هو شخصيًا لم يسقط في هذا الخطأ، إنما سقط فيه أبوه [26]. لم يجامل شكنيا أباه، لأن من يسكن الله فيه لا يحابي أحدًا على حساب الحق الإلهي.
لقد بكى الشعب بكاءً عظيمًا، أما هذا الرجل فلم يقف عند البكاء، بل تقدم بالاعتراف باسم والده وكل الذين سقطوا في هذه الخيانة، وكان قلبه كما كلماته مملوءة رجاء في الله غافر الخطايا للراجعين إليه بالتوبة.
"والآن يوجد رجاء لإسرائيل في هذا"، يوجد رجاء إن قدموا توبة صادقة (تث 30:1-10)، فرجاء شكنيا مبني على وعود الله.
يليق بالقائد أن يكون مملوء رجاءً، ففي وسط كل الظروف القاسية يرى أحضان الله مفتوحة تنتظر النفوس الساقطة أن ترجع وتتوب. أما هنا فنرى شكنيا يسند القائد العظيم عزرا بروح الرجاء. فكما يحتاج الشعب إلى مساندة القائد، فإن القائد أيضًا إنسان يحتاج إلا مساندة المؤمنين روحيًا. هذا ما يدفع الكنيسة أن تصلي في كل ليتورجياتها من أجل البابا والأساقفة والكهنة والشمامسة وكل الخدام، كما تحث الشعب على صلاة من أجلهم في صلواتهم الخاصة.
v المدبِّرون أيضًا يوصون الشعب للصلاة من أجلهم، هكذا يقول الرسول للكنيسة: "مصلِّين في ذلك لأجلنا نحن أيضًا" (كو ٤: ٣).
فالرسول يطلب من أجل الشعب، والشعب يصلِّي لأجل الرسول.
يا إخوتي... إنَّنا نصلِّي من أجلكم، فهل تصلُّون أنتم من أجلنا؟!
ليصلِّ كل عضو من أجل الآخر، وليشفع الرأس المسيح من أجل الجميع (شفاعة كفاريَّة)[103].
v أما بخصوص الكاهن (اسمه Boniface) فلا أقول لكم ألاَّ تحزنوا عليه، لأنَّه كيف لا نحزن على من فقد حب المسيح، وصارت لذَّته في خداعات الشيطان؟! إنه يجب أن تنوحوا، لكن لا يؤدِّي حزنكم إلى برودة الحب والتراخي في الحياة المقدَّسة. بل أنقذوه بصلواتكم إلى الله، حتى إن كان كاهنكم مذنبًا، فإن الله يصلحه سريعًا ليقوم بأعماله الرعويَّة في حياة مقدَّسة.
v إنك تهتم بشئونك الخاصة، ومتى أجدت إدارتها لا تكون مسئولاً عن شئون غيرك، أمَّا الكاهن فإنَّه إن سلك – في حياته الشخصيَّة – سلوكًا حسنًا، ولم يهتم بحياتك وحياة كل الذين حوله، سيُطرد مع الشرِّير إلى الجحيم. فإن لم يخنه سلوكه الشخصي، يهلك بسبب سلوكك أنت، ما لم يقم هو بالاعتناء بك.
والآن إذ عرفت مقدار الخطر الذي يتعرَّضون له، قدِّم لهم نصيبًا وافرًا من السلام... "لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم" بل والأمر ليس إلى هذا الحد، إنَّما "كأنهم يعطون حسابًا" (عب ١3: ١٧).
لذلك يليق بهم أن ينالوا عناية منكم، لكنكم إن صرتم كالباقين تهينوهم (بإدانتكم لهم) فإن أموركم لن تدبَّر حسنًا. لأنَّه متى كان قائد السفينة متشجِّعا من الطاقم، صار الطاقم كله في أمان. أمَّا إذا سبّوه وأظهروا شروره متعِبين إيَّاه، فإنَّه لا يقدر أن يقود السفينة حسنًا، ولا أن يستخدم مهارته.
هكذا أيضًا الكاهن. إن كرَّمتموه (أطعتموه) يقدر أن يدبِّر أموركم. أمَّا إن ألقيتم به في اليأس، فإنكم تُضعِفون يديه، وتجعلونه كما تجعلون أنفسكم نهبًا للأمواج مهما بلغت شجاعتكم!
القدِّيس أغسطينوس
فَلْنَقْطَعِ الآنَ عَهْدًا مَعَ إِلَهِنَا،
أَنْ نُخْرِجَ كُلَّ النِّسَاءِ وَالَّذِينَ وُلِدُوا مِنْهُنَّ حَسَبَ مَشُورَةِ سَيِّدِي،
وَالَّذِينَ يَخْشُونَ وَصِيَّةَ إِلَهِنَا.
وَلْيُعْمَلْ حَسَبَ الشَّرِيعَةِ [3].
"حسب مشورة سيدي"، أي الأمر متروك لحكمة عزرا ومشورته.
"حَسَبَ الشَّرِيعَةِ" أي حسب ما ورد في تثنية 7: 1-3.
إن كان الزواج بالوثنيات هو خيانة لله القدوس، وكسرًا للعهد الإلهي، وعصيان للشريعة، فإن علامة التوبة الصادقة هو قطع العهد مع الله لتصحيح الموقف، والخضوع للوصية والشريعة، وطرد النساء الوثنيات مع أولادهن.
في حكمة وتواضع يقول شكنيا لعزرا: "حسب مشورة سيدي". في رقة عجيبة يقدم الاحترام اللائق بعزرا الساقط أمام بيت الله باكيًا!
ما هو موقف هؤلاء النساء الغريبات؟ وماذا يعني بالقول: "نُخرج كل النساء والذين ولدوا منهن؟
هل هذا يُحسب تطليقًا؟
ألم تُعطَ لهم الفرصة لقبول الإيمان بالله الحي؟
نحن نعلم أن التطليق ليس بالأمر الذي يُسر به الله (مل 2: 16)، إنما يبغضه.
هؤلاء الذين تزوجوا بالنساء الغريبات هم من العائدين من السبي، بعضهم كهنة، والبعض لاويون، والبعض من الشعب، وقد حرمت الشريعة الزواج بالأجنبيات الوثنيات (خر 34: 11-16؛ تث 7: 1-5). وُجد استثناء لذلك مثل راعوث الموآبية، وراحاب الزانية، وزوجة موسى الكوشية، والثلاثة قبلن الإيمان، بل ربما فقن في إيمانهن بالله عن كثير من اليهود.
واضح أن هؤلاء النسوة اللواتي تزوجهن بعض العائدين من السبي لم يقبلن الإيمان، وكن يمثلن خطرًا على المجتمع الجديد بإدخال العبادة الوثنية.
يرى البعض أن القول: "تخرج كل النساء" هنا موقف فريد، فهو ليس بالتطليق، لأنه لم يتم زواج شرعي ديني، ولا العلاقة بهن تُحسب زنا، لأنه لم تكن هكذا نية الذين ارتبطوا بهن، لكنها هي زنا روحي، إذ هي خيانة للرب.
قُمْ، فَإِنَّ عَلَيْكَ الأَمْرَ وَنَحْنُ مَعَكَ.
تَشَجَّعْ وَافْعَلْ [4].
عزرا الشجاع المتكل على الله لم يطلب من الملك حراسة عسكرية لمرافقته أثناء رحلته إلى أورشليم، ينهار أمام الخطية التي بها خان الشعب الله.
يتطلع شكنيا إلى عزرا الباكي ويشجعه، قائلاً له إنه وقت للإصلاح والعمل. "قم فإن عليك الأمر"؛ كأنه يقول له دموعك وانسحاقك لا يعفيانك من التزامك بالعمل، فإنه ليس من يقدر أن يصحح الأوضاع سواك، أما نحن فنتحرك معك حسبما تشاء. "ونحن معك، تشجع وافعل".
كلنا نحتاج إلى كلمات المساندة والتشجيع. فيشوع بن نون سمع الصوت الإلهي: "تشدد وتشجع" (يش 1: 16)، وسليمان احتاج إلى كلمات أبيه داود: "تشدد وتشجع واعمل. لا تخف، ولا ترتعب، لأن الرب الإله إلهي معك" (1 أي 28: 20).
عزرا له سلطات من قبل الملك، ولكن الأمر يبدو صعبًا، لذلك نجد الشعب يسانده ويشجعه ليعمل.
فَقَامَ عَزْرَا وَاسْتَحْلَفَ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَكُلَّ إِسْرَائِيلَ،
أَنْ يَعْمَلُوا حَسَبَ هَذَا الأَمْرِ، فَحَلَفُوا [5].
حسب عزرا كلمات شكنيا كما من الله الذي يسند في وقت الضعف، ويقيم كما من الموت، لذا "قام عزرا". وفي وسط البكاء المُر للشعب استحلف رؤساء الكهنة واللاويين وكل إسرائيل أن يعملوا حسب هذا الأمر، فحلفوا. استحلفهم أن يصححوا الأوضاع، فاستجاب الكل له.
"استحلف رؤساء الكهنة"، حتى لا يرجعوا ويلقوا بالمسئولية على عزرا وحده، بل يكون القرار جماعيًا، والجميع ملزمين بتنفيذه.
"وأطلقوا نداءً"، أي أطلق الرؤساء النداء.
ثُمَّ قَامَ عَزْرَا مِنْ أَمَامِ بَيْتِ الله،
وَذَهَبَ إِلَى مِخْدَعِ يَهُوحَانَانَ بْنِ أَلْيَاشِيبَ.
فَانْطَلَقَ إِلَى هُنَاكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا، وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً،
لأَنَّهُ كَانَ يَنُوحُ بِسَبَبِ خِيَانَةِ أَهْلِ السَّبْيِ [6].
بدأت الأزمة في الانفراج، وأقسم رؤساء الكهنة واللاويون وكل إسرائيل أن يلتزموا بالعمل على تصحيح الموقف، لكن عزرا ظل صائمًا ودخل مخدع يهوحانان يبكي وينوح أمام الله، إذ لم تحتمل نفسه أن يرى شعبه خائنًا لله.
2. السماء تبكي والكل يتحرك
وَأَطْلَقُوا نِدَاءً فِي يَهُوذَا وَأُورُشَلِيم،َ
إِلَى جَمِيعِ بَنِي السَّبْيِ،
لِكَيْ يَجْتَمِعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ [7].
إن كان عزرا قد تقدم أمام الله باكيًا ونائحًا وساقطًا على الأرض في انسحاق أمام بيت الله، فإن الشعب أيضًا جاء باكيًا، اجتمع الكل في رعدة وخوف أمام الله، يبكون بكاءً عظيمًا، وانهارت الأمطار الغزيرة، كأن السماء تشاركهم دموعهم.
لم يتحرك عزرا بمفرده، مع أنه كان قادرًا أن يصدر أمرًا واجب التنفيذ حسب الصلاحية المعطاة له من قبل الملك: "كل من لا يعمل شريعة إلهه وشريعة الملك فليُقضَ عليه عاجلاً، إما بالموت أو بالنفي أو بغرامة المال أو بالحبس" (عز 7: 26). لكن عزرا آمن بأن الإصلاح لا يتحقق بإصدار أمر فردي حاسم، وإنما بتحرك الجماعة كلها المقتنعة بضرورة التقديس للرب. لذلك خرج النداء من القادة معًا إلى جميع بني السبي لكي يجتمعوا في أورشليم.
وَكُلُّ مَنْ لاَ يَأْتِي فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ حَسَبَ مَشُورَةِ الرُّؤَسَاءِ وَالشُّيُوخ،ِ
يُحَرَّمُ كُلُّ مَالِهِ،
وَهُوَ يُفْرَزُ مِنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ السَّبْيِ [8].
رقم 3 كثيرًا ما يشير في الكتاب المقدس بعهديه إلى قيامة السيد المسيح في اليوم الثالث. وكما يقول العلامة أوريجينوس أن إبراهيم سار مسيرة ثلاثة أيام وراء علامة القيامة، لذلك قدم ابنه اسحق للذبح واثقًا أن الله يقيمه من الأموات. ويُغطس المعُمد ثلاث مرات في مياه المعمودية ليتمتع بالحياة الجديدة المقامة مع المسيح. وهنا جاءت الدعوة بالاجتماع معًا بعد ثلاثة أيام ليحملوا قوة قيامة المسيح فيهم، والقادرة أن تقيم من موت الخطية وتدخل بنا إلى برّ المسيح.
جاءت الدعوة مشفوعة بعقوبة صارمة، أن من يتخلف عن الحضور يحرم من كل ماله ويُفرز من السبي، لماذا؟
ا. يشير هذا الاجتماع إلى التمتع بالعضوية الكنسية المقدسة، بدونها يفقد الإنسان ماله، خاصة أرضه التي نالها هبة من الله، فلا تترك له ليسلمها للنساء الوثنيات وأولادهن. هكذا من لا يحفظ عضويته في كنيسة المسيح بالحياة المقدسة يُحرم من الميراث الأبدي، ولا يكون له نصيب في كنعان السماوية.
ب. عزله أو فرزه من الجماعة، فلا يكون له حق الانتساب لشعب الله والبنوة لإبراهيم، والتمتع بالوعود الإلهية الخ. يصير غريبًا عن الرب، وليس أهل بيت الله (أف 2: 19).
"في ثلاثة أيام"، كانت أرض اليهود صغيرة، فيمكنهم الحضور من أبعد مكان إلى أورشليم في ٣ أيام.
"يُحرَم كل ماله"، كان لعزرا سلطان من قبل الملك (عز 7: 26)، حتى لا يذهب مال إسرائيل وميراثه للوثنيين.
"يُفرز من جماعة أهل السبي"، أو يُقطع، أي يُحسب كأجنبي ووثني، ليس لهُ المواعيد والحقوق والإمتيازات التي لشعب الله، ولا تكون له علاقة بالهيكل.
فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ يَهُوذَا وَبِنْيَامِينَ إِلَى أُورُشَلِيم،َ
فِي الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ، أَيْ فِي الشَّهْرِ التَّاسِعِ فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْر،ِ
وَجَلَسَ جَمِيعُ الشَّعْبِ فِي سَاحَةِ بَيْتِ اللهِ مُرْتَعِدِينَ مِنَ الأَمْرِ وَمِنَ الأَمْطَارِ [9].
جلس جميع الشعب في ساحة بيت الله، ربما تكون ساحة بجوار الهيكل قبل الساحة التي أمام باب الماء (نح 8: 1)، التي اجتمع فيها الشعب بعد ذلك مع نحميا وعزرا لسماع كلام الشريعة.
جاء الكل في رعدة، فإن الخطية تثمر رعدة وخوفًا، وتُفقد الإنسان سلامه الداخلي.
"يهوذا وبنيامين"، لأن أكثر أهل السبي كانوا من هذين السبطين.
"الشهر التاسع"، وهو شهر مطير.
"ساحة بيت الله"، لم يكن في أورشليم أماكن تستوعب كل هؤلاء والأيام أيام مطر. ولكن لنلاحظ الجدية، فهم لم يؤجلوا الإصلاح والتوبة حتى شهور الربيع، وهذا دليل الجدية والتوبة الحقيقية.
فَقَامَ عَزْرَا الْكَاهِنُ وَقَالَ لَهُمْ:
إِنَّكُمْ قَدْ خُنْتُمْ وَاتَّخَذْتُمْ نِسَاءً غَرِيبَة،ً
لِتَزِيدُوا عَلَى إِثْمِ إِسْرَائِيلَ [10].
كشف عزرا الكاتب للشعب عن جراحاتهم بقوله: "قد خنتم واتخذتم نساء غريبة!" لم يسترسل في الحديث عن الجوانب السلبية وتفاصيل الخيانة ضد الله.
فَاعْتَرِفُوا الآنَ لِلرَّبِّ إِلَهِ آبَائِكُمْ،
وَاعْمَلُوا مَرْضَاتَهُ،
وَانْفَصِلُوا عَنْ شُعُوبِ الأَرْض،ِ
وَعَنِ النِّسَاءِ الْغَرِيبَةِ [11].
قدم عزرا العلاج للشفاء من هذا الجرح الخطير، ألا وهو التوبة والاعتراف لله، مع أخذ موقف عملي بالانفصال عن الخطية، وعمل ما يرضي الله، ليرجعوا إلى الله إله آبائهم، فهو ليس بغريبٍ عنهم، ولا هم غرباء عنه.
"وانفصلوا عن شعوب الأرض"، بزواجهم من نساء وثنيات اتحدوا مع شعب الأرض في حياتهم وأعمالهم ولذاتهم وعباداتهم القبيحة، ولما انفصلوا عن النساء انفصلوا عن تلك المعاشرات كلها.
فَأَجَابَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:
كَمَا كَلَّمْتَنَا كَذَلِكَ نَعْمَلُ [12].
جاءت الاستجابة من كل الجماعة سريعة، فدموع عزرا وانسحاقه وحبه لخلاص إخوته وثقته في عمل الله، هذه جميعها أثمرت في قلوب الجماعة بالطاعة لله ولكاهنه.
"فأجاب كل الجماعة"، أي صدقوا على كلام عزرا، ووافقوا برضا.
إِلاَّ أَنَّ الشَّعْبَ كَثِيرٌ وَالْوَقْتَ وَقْتُ أَمْطَار،ٍ
وَلاَ طَاقَةَ لَنَا عَلَى الْوُقُوفِ فِي الْخَارِج،ِ
وَالْعَمَلُ لَيْسَ لِيَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ لاِثْنَيْنِ،
لأَنَّنَا قَدْ أَكْثَرْنَا الذَّنْبَ فِي هَذَا الأَمْرِ [13].
طلبت الجماعة من عزرا أن يدبر الله، فالكل خاضعون لله ولشريعته، وإصلاح الموقف لن يتحقق وهم مجتمعون تحت أمطار غزيرة. إنما يلزم تدبير الأمر مع رؤساء الجماعة وشيوخ المدن للنظر في كل القضايا الخاصة بهذه الخيانة.
فَلْيَقِفْ رُؤَسَاؤُنَا لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ.
وَكُلُّ الَّذِينَ فِي مُدُنِنَا قَدِ اتَّخَذُوا نِسَاءً غَرِيبَةً،
فَلْيَأْتُوا فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَعَهُمْ شُيُوخُ مَدِينَةٍ فَمَدِينَةٍ وَقُضَاتُهَا،
حَتَّى يَرْتَدَّ عَنَّا حُمُوُّ غَضَبِ إِلَهِنَا مِنْ أَجْلِ هَذَا الأَمْرِ [14].
"لكل الجماعة"، بما أن العمل كثير ويحتاج إلى وقت اقترحوا تعيين رؤساء مع شيوخ كل مدينة ليفحصوا ويقضوا وينفذوا الأمر، وتكون قراراتهم صادرة كأنها من الجماعة كلها.
طلبوا تشكيل لجان لفحص المدن تحت إشراف الرؤساء والشيوخ والقضاة، وتحديد أوقات معينة لتصدر الأحكام في غير تسرعٍ، بل بتروٍ ودراسة.
"فليأتوا في أوقات معينة": كان الرؤساء في أورشليم كمحكمة وعينوا لكل مدينة وقتًا ليحضر الذين أخذوا نساء غريبات ومعهم شيوخ تلك المدينة وقضاتها.
"حتى يرتد عنا حمو غضب إلهنا": حتى ذلك الوقت لم يكن قد أصابهم شيء، لكنهم فهموا أنهم إن لم يرجعوا إلى الله بالتوبة فالغضب آتٍ بلا شك.
وَيُونَاثَانُ بْنُ عَسَائِيلَ وَيَحْزِيَا بْنُ تِقْوَةَ فَقَطْ قَامَا عَلَى هَذَا،
وَمَشُلاَّمُ وَشَبْتَايُ اللاَّوِيُّ سَاعَدَاهُمَا [15].
كانت الجماعة كلها متفقة برأيٍ واحدٍ، ولم يعارضهم سوى أربعة رجال قاوموا هذا العمل، هم يوناثان وَيَحْزِيَا يساعدهما لاويان هما َمَشُلاَّمُ وَشَبْتَايُ، غالبًا ما كان لهم أقرباء ارتكبوا هذه الخيانة. لكن مقاومتهم لم تجدِ شيئًا.
"هما قاما على هذا"، وفي ترجمة أخرى قاوما هذا[104].
وَفَعَلَ هَكَذَا بَنُو السَّبْيِ.
وَانْفَصَلَ عَزْرَا الْكَاهِنُ وَرِجَالٌ رُؤُوسُ آبَاءٍ حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ،
وَجَمِيعُهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ،
وَجَلَسُوا فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْعَاشِرِ لِلْفَحْصِ عَنِ الأَمْرِ [16].
وَانْتَهُوا مِنْ كُلِّ الرِّجَالِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا نِسَاءً غَرِيبَةً،
فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الأَوَّلِ [17].
تم الأمر بكل تدقيق وفي تروٍ. استغرق العمل ثلاثة اشهر، حيث بدأ في أول الشهر العاشر، وانتهى في اليوم الأول من الشهر الأول.
3. أسماء التائبين
خُتم السفر بذكر أسماء التائبين، ويلاحظ في هذه العبارات الآتي:
1. لم يحابِ عزرا الكاتب أحدًا من إخوته الكهنة، بل ذكرهم أولاً.
2. قدم كل كاهن ذبيحة إثم كبش غنم [19]، حاسبًا أن هذه الخطية كانت سهوًا (لا 5: 15-16).
3. للأسف يشوع الكاهن الذي قاد أول فوج مع زرُبابل إلى أورشليم جاء من نسله من تزوج بوثنيات، وقد ذكروا في مقدمة القائمة!
4. ذِكر أسماء الذين أخذوا نساء وثنيات وتسجيلها، درس عملي كنوعٍ من التأديب، ليصيروا عبرة للأجيال القادمة.
كما يوجد سجل فيه أسماء الذين عادوا لأورشليم، وهو سجل تكريم، يوجد أيضًا سجل لمن خان الرب، تُسجل فيه خيانته. كل خطية بلا توبة تذخر لنا غضبًا في يوم الغضب (رو 2: 5). كل خطايانا التي بلا توبة مسجلة ضدنا.
عدد الذين خانوا الرب ١١٣ منهم ١٧ من الكهنة و١٠ من اللاويين والمغنيين والبوابين و٨٦ من العامة.
فَوُجِدَ بَيْنَ بَنِي الْكَهَنَةِ مَنِ اتَّخَذَ نِسَاءً غَرِيبَةً.
فَمِنْ بَنِي يَشُوعَ بْنِ يُوصَادَاقَ وَإِخْوَتِهِ
مَعْشِيَّا وَأَلِيعَزَرُ وَيَارِيبُ وَجَدَلْيَا [18].
وَأَعْطُوا أَيْدِيَهُمْ لإِخْرَاجِ نِسَائِهِمْ،
مُقَرِّبِينَ كَبْشَ غَنَمٍ لأَجْلِ إِثْمِهِمْ [19].
"َأَعْطُوا أَيْدِيَهُمْ": علامة قول الصدق.
وَمِنْ بَنِي إِمِّيرَ حَنَانِي وَزَبْدِيَا [20].
وَمِنْ بَنِي حَارِيمَ مَعْسِيَّا وَإِيلِيَّا وَشَمَعْيَا وَيَحِيئِيلُ وَعُزِّيَّا [21].
وَمِنْ بَنِي فَشْحُورَ أَلْيُوعِينَايُ وَمَعْسِيَّا وَإِسْمَعِيلُ وَنَثَنْئِيلُ وَيُوزَابَادُ وَأَلْعَاسَةُ [22].
وَمِنَ اللاَّوِيِّينَ يُوزَابَادُ وَشَمْعِي وَقَلاَيَا (هُوَ قَلِيطَا).
وَفَتَحْيَا وَيَهُوذَا وَأَلِيعَزَرُ [23].
وَمِنَ الْمُغَنِّينَ أَلْيَاشِيب،
وَمِنَ الْبَوَّابِينَ شَلُّومُ وَطَالَمُ وَأُورِي [24].
وَمِنْ إِسْرَائِيلَ مِنْ بَنِي فَرْعُوشَ رَمْيَا وَيِزِّيَّا وَمَلْكِيَّا وَمِيَّامِينُ وَأَلِعَازَارُ وَمَلْكِيَّا وَبَنَايَا [25].
"ومن إسرائيل"، أي من العامة.
وَمِنْ بَنِي عِيلاَمَ مَتَّنْيَا وَزَكَرِيَّا وَيَحِيئِيلُ وَعَبْدِي وَيَرِيمُوثُ وَإِيلِيَّا [26].
وَمِنْ بَنِي زَتُّو أَلْيُوعِينَايُ وَأَلْيَاشِيبُ وَمَتَّنْيَا وَيَرِيمُوثُ وَزَابَادُ وَعَزِيزَا [27].
وَمِنْ بَنِي بَابَايَ يَهُوحَانَانُ وَحَنَنْيَا وَزَبَايُ وَعَثْلاَيُ [28].
وَمِنْ بَنِي بَانِي مَشُلاَّمُ وَمَلُّوخُ وَعَدَايَا وَيَاشُوبُ وَشَآلُ وَرَامُوثُ [29].
وَمِنْ بَنِي فَحَثَ مُوآبُ عَدْنَا وَكَلاَلُ وَبَنَايَا وَمَعْسِيَّا وَمَتَّنْيَا وَبَصَلْئِيلُ وَبِنُّويُ وَمَنَسَّى [30].
وَبَنُو حَارِيمَ أَلِيعَزَرُ وَيِشِّيَّا وَمَلْكِيَّا وَشَمَعْيَا وَشَمْعُونُ [31].
وَبِنْيَامِينُ وَمَلُّوخُ وَشَمَرْيَا [32].
مِنْ بَنِي حَشُومَ مَتَّنَايُ ومَتَّاثَا وزَابَادُ وَأَلِيفَلَطُ ويَرِيمَايُ وَمَنَسَّى وَشَمْعِي [33].
مِنْ بَنِي بَانِي مَعَدَايُ وَعَمْرَامُ وَأُوئِيلُ [34].
وَبَنَايَا وَبِيدْيَا وكَلُوهِي [35].
ووَنْيَا وَمَرِيمُوثُ وَأَلْيَاشِيبُ [36].
وَمَتَّنْيَا وَمَتَّنَايُ وَيَعْسُو [37].
وَبَانِي وَبِنُّويُ وَشَمْعِي [38].
وَشَلَمْيَا وَنَاثَانُ وَعَدَايَا [39].
َمَكْنَدْبَايُ وَشَاشَايُ وَشَارَاي [40].
وَعَزَرْئِيلُ وَشَلْمِيَا وَشَمَرْيَا [41].
وَشَلُّومُ وَأَمَرْيَا وَيُوسُفُ [42].
مِنْ بَنِي نَبُو يَعِيئِيلُ وَمَتَّثْيَا وَزَابَادُ وَزَبِينَا وَيَدُّو وَيُوئِيلُ وَبَنَايَا [43].
كُلُّ هَؤُلاَءِ اتَّخَذُوا نِسَاءً غَرِيبَة،ً
وَمِنْهُنَّ نِسَاءٌ قَدْ وَضَعْنَ بَنِينَ [44].
غالبًا ما صرفوا النساء والأولاد، ومعهم عطايا وهدايا، ولكن هذا لم يُذكر، فهو سفر توبة، والكلام هنا عن التوبة. وهكذا فعل إبراهيم مع هاجر وإسماعيل، إذ عوضها وصرفها.
اتسم عزرا في إصلاحاته بمنهجه الكتابي الروحي:
1. كانت كلمة الله أو الوصية الإلهية هي دستور القيادة في العمل الروحي الكنسي. أحب الأسفار الإلهية بكونها كنز الوعود الإلهية، وآمن بقوة الكلمة في حياته كما في خدمته.
2. عدم الاتكال على ذراع بشري: فلم يطلب حماية الملك وجيوشه، حافظ الله عليهم فعلاً.
3. الصوم والصلاة لكي يسمع الله صوتنا ويستجيب لنا. فقد نادى بصومٍ بالرغم من طول الطريق وصعوبته، مع التواضع أمام الله. فرحمهم الله وحافظ عليهم، وهكذا ينبغي أن نفعل في بداية كل مشروع.
4. التذلل أمام الله والرجوع إليه مع التوبة والاعتراف بخطايانا: بكى وصلى، بل واعترف بأنه أخطأ، إذ شعر أن خطايا الشعب هي خطاياه هو في حق الله. فهل نصلي من أجل إخوتنا الذين يخطئون ونعترف كما لو كنا المخطئين، أم نبرر أنفسنا، ونلقي باللوم على الآخرين.
5. عزل الشر: بعزل الزوجات الوثنيات. فالإيمان الحق بالرب يتأثر بالاختلاط الشديد كالزواج بغير المؤمن. على كلٍ يلزم أن يعتزل مؤمن الشر والخطية.
6. صلاة عزرا وتواضعه ومحبته لشعبه واعترافه بخطاياهم هي التي حركت قلوب الشعب، فقدموا توبة، وبكوا بكاءً عظيمًا. نلاحظ أنه لو طلب عزرا من الشعب أن ينفصلوا عن زوجاتهم دون أن يصلي ويتذلل أمام الله، لرفضوا وثاروا ضده، وتحولت أفراح الرجوع إلى انشقاقات. كما أرسل الله النبيين حجي وزكريا للشعب ليحرك قلوبهم، فيبنوا الهيكل، أرسل لهم عزرا ليحرك قلوبهم للتوبة، ولإصلاح حالهم روحيًا.
7. وثق الملك الفارسي في عزرا، وأعطاه بعض الصلاحيات في توقيع العقوبات، ولكن حين أتى نحميا كوالٍ على اليهود لم يتضايق عزرا من أن سلطاته سُلبت منه، بل اهتم بتجميع الكتاب المقدس. يليق بكل خادم، أنه إن حُرم من خدمة معينة، يعلم أن الله يطلب منه عمل آخر. ليفهم فلا يغير من نجاح خادم آخر في خدمته، بل يهتم هو بخدمته التي ائتمنه عليها الله.
من وحي عزرا 10
قُدنا في موكب التوبة الجماعية
v من منا يقدر أن يتبرر أمامك؟
كلنا في الموازين إلى فوق!
الأسقف مع الكاهن والخدام وكل الشعب،
كلنا ننسحق أمامك.
الرجال مع النساء والأطفال،
الكل ينصب العدو لهم الشباك.
يريد أن يخلط الزرع المقدس بالزوان.
v في أبوتك تسمح لنا بالتأديب كما إلى لحيظة.
نشعر بحنوك فنرجع إليك.
نقرع صدورنا أمامك!
نرجع إليك، فقد أفسدت الخطية حياتنا.
رجوعنا إليك يرد لنا بهجة خلاصك.
رجوعنا بالتوبة يُمتعننا بالحياة الفردوسية!
v لنرجع إليك، فنراك تركض إلينا لتغمرنا بقبلاتك.
نرجع إليك، فتفرح السماء بنا.
نرجع إليك لا بالكلام،
وإنما بالسلوك حسب إرادتك المقدسة.
نتمتع بلذة العمل بوصيتك.
نحيد عن الشر، ونفعل الخير.
v هب لنا قادة وشعبًا، أن يسند كل أحدٍ أخاه.
نقوم ونعمل معًا بروحك القدوس،
نتشدد ونتشجع بك، ونمارس عملك!
v لنعتزل الخطية وكل فسادٍ!
ونصرخ لأجل تقديس الخطاة.
لنعمل كلنا معًا من أجل بنيان كنيستك المقدسة.
[1] Commentary on Micah 4:10.
[2] PL 25: 697G.
[3] On Prayer, 16:3.
[4] Exhortation to Martyrdom 33.
[5] Paschal Letters, 10.
[6] Cf. Exegetic Homilies, Homily 15, Catholic University of America, vol 46, p. 237.
[7] Kaiser, Davids, Bruce and Brauch: Hard Sayings of the Bible, 1996, p.248.
[8] ِAdam Clarke Commentary.
[9] ِAdam Clarke Commentary.
[10] Homilies on Corinthians, Homily 9:7.
[11] On the Soul, 54: 5.
[12] الرسالة 2: 9.
[13] الرسالة 7: 4.
[14] على الحياة الرهبانية، 96.
[15] On Ps. homily 41.
[16] On Free Choice of the will, 1:6:15.
[17] The way of Life of the Catholic Church, 1:23:42.
[18] Christian Instruction, 1:3:4
[19] cf. on Ps. Homily 48.
[20] Cf. Adam Clarke Commentary.
[21] Jamieson, Fausset, and Brown Commentary.
[22] Cf. Adam Clarke Commentary.
[23] Homilies on Genesis, 9.
[24] Fifth Letter to Florentium. PL 22:336.
[25] Paschal Letters 7.
[26] Against the Anomoens, homily 6:3.
[27] In 1 Cor. Hom 27:4.
[28] PG 82:422-423.
[29] In 1 Corinth., hom. 31:4.
[30] Paedagogus 1:5:31.
[31] Augustine: Sermon on the Mount 10: 72.
[32] ST. Clement of Alexandria: Miscellainies, book 7.
[33] St. Augustine: City of God 10: 6, 23..
[34] St. Augustine: Sermon 829 to the Newly – baptized..
[35] St. Augustine: Sermon 2 – 2 to the Newly – baptized.
[36] Sermons on New Testament Lessons.
[37] On Perfection.
[38] Kaiser, Davids, Bruce and Brauch: Hard Sayings of the Bible, 1996, p.248-49.
[39] Barnes’ Notes.
[40] Nelson’s Illustrated Bible Dictionary, article Dinaites.
[41] The New Unger Bible Dictionary, article Dinaites.
[42] International Standard Bible Encyclopedia, article Apharstchites.
[43] Fausset’s Bible Dictionary.
[44] International Bible Dictionary.
[45] The New Unger’s Bible Dictionary.
[46] In Matt hom 41
[47] الرسالة السادسة.
[48] On Ps. hom. 20.
[49] Com. on 1 John, 4:3.
[50] Robert Llewelyn, The Joy of the Saints, Spiritual Readings throughout the Year, Springfield, Illinois, 1989, p. 56.
[51] On Ps. 112 (111 Vulgate).
[52] Letter 80.
[53] Eccl. Hist. 10:4.
[54] Letter 50.
[55] On Ps., homily 27.
[56] Cassian: Conf. 3; 13. (See N. & P.N. Frs).
[57] Ibid 4:5. (N. & P.N. Fathers).
[58] Sel. Ps. 14:44.
[59] Contra Celsus 4:99.
[60] Unity of the Church, 8; Epistle 75:4.
[61] In Eph. hom 6.
[62] Hermas: The Shepherd, Commandment 7:1-2.
[63] In Matt. hom 34:2.
[64] Homilies, 11:4, 5.
[65] Barnabas, 16.
[66] Ephes. 15:3.
[67] Ephes. 9:1, 2.
[68] On Ps. Hom. 46.
[69] Ephes. 13.
[70] Ephes. 5:2; Tral. 7:2; Philad. 4.
[71] من رجال القرن الثاني.
[72] Mileto of Sardis: Paschal Homily.
[73] للمؤلف: الحب الإلهي.
[74] رسائل القيامة 6: 11.
[75] St. Augustine: On Ps. 112.
[76] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 75: 5.
[77] راجع الأب الياس كويتر المخلصي: القديس باسيليوس الكبير، منشورات المكتبة البولسية، بيروت، 1989، ص 313. عظة 3: 1.
[78] 1 Clem 34: 1.
[79] On Virginity, 23.
[80] Ser. on N. T. 37:8.
[81] Ser. on N. T. 37:11.
[82] In Joan. hom 19.
[83] Procatchesis 16.
[84] Cat Mys. 2:4.
[85] عظة 1: 6؛ ص 17-18.
[86] عظة 1: 7؛ ص 20.
[87] الرسالة الثامنة والثلاثون.
[88] On Man’s Perfetion in Righteousnes 20:43.
[89] On Man’s Perfetion in Righteousnes 20:40.
[90] On the Christian Faith, Book 1:2:12.
[91] On the Soul 39:4.
[92] Commentary on 1 Cor. 3:34:42-45.
[93] On Prayer 2:2.
[94] Epistle 6.
[95] Letter, 77:4.
[96] In Jer. hom 3:49; In Luc. hom 18.
[97] On Ps. 94 (93).
[98] Ascetical Homilies, 48.
[99] Hom. 30, PL 76: 1220. Forty Gospel Homilies,
[100] St. Augustine: On the Gospel of St. John, tractate, 75: 5.
[101] Letter 62 : 1.
[102] On Genesis, hom 57.
[103] Homilies on 1 John 1:8:2.
[104] Barnes’ Notes; Keil and Delitzsch Commentary on the Old Testament on Ezra 10:15.
[105] راجع المقدمة " شخصية عزرا"؛ والقس انطونيوس فكري: عزرا.