المقدمة

1.     إن نبوة عاموس هي الأولى من الأسفار النبوية وتاريخها يرجع إلى سنة 760ق.م. وهو قد عاش في أيام عزيا ملك يهوذا ويربعام الثاني ملك إسرائيل قبل حدوث الزلزلة المشهورة (1:1 + 9:5) والتي أشار إليها زكريا النبي بعد 300 سنة (زك5:14) وقد عاصره هوشع وإشعياء إلاّ أن عاموس سبقهما وعاصره كذلك يونان (2مل25:14).

2.     معنى أمسه "ثقل" أو "حامل الثقل" ويقول التقليد اليهودي أنه كان ثقيل اللسان، يتلعثم في كلماته. ولعل أسمه يتناسب مع السفر، فقد كشف عن ثقل الخطية التي لا يحتملها الله ولا يطيقها. وقد نفهم أن الإعلانات التي أعلنت لهُ عن خطايا شعبه والتأديبات الآتية عليهم كانت تمثل ثقلاً بالنسبة له. ولذلك يسمونه نبي الويلات. وعموماً فكلمة وحي في اللغة العبرانية تعنى ثقل. وهو يتحدث عن دينونة الله لإسرائيل ولكل الأمم بسبب الخطية.

3.     عاش في تقوع على بعد حوالي 12ميلاً جنوب أورشليم في وسط أسرة مجهولة وفقيرة كراعٍ للغنم (7:1) وجاني جميز (14:7) ولم يكن شخص شهير. وهو قد ذهب إلى بيت إيل حيث الهيكل الرئيسي لمملكة إسرائيل (المملكة الشمالية) فهو وإن كان من يهوذا المملكة الجنوبية، إلاّ أنه كان نبياً مرسلاً لإسرائيل المملكة الشمالية، وتحدث عن خرابها بسبب خطاياها الأمر الذي أثار الكاهن الأول لبيت إيل "أمصيا" فقدم عنه تقريراً ليربعام الثاني ملك إسرائيل عن أنه خائن وأمره بترك المدينة. ومماّ يدل على شجاعة عاموس أنه شهد للحق أمام أمصيا وتنبأ بخراب بيته بالرغم من قوة أمصيا لالتصاقه بالملك.

4.     عمله كراعً وجاني جميز أعطاه فرصة للحياة التأملية، مقدماً صوراً كثيرة من الواقع الذي عاشه بروح ملتهب. ويجيب أمصيا في تواضع أنه راعً وجاني جميز، فأخذني الرب من وراء الضأن (14:7،15) كأن الله أختاره للنبوة وهو غير مستحق لذلك.

5.     كان يتردد على مدن إسرائيل ليبيع الصوف، ويلاحظ الأمور السياسية والدينية وتأثر مماّ رآه فيها من الشرور والانحطاط. وكان هذا الوقت وقت نجاح زمني. فكان عزيا ملك يهوذا غنياً وقوياً، وأمتد لمدخل مصر (2أي8:26) وكان يربعام ملك إسرائيل مقتدراً في الحرب ورد تخم إسرائيل من مدخل حماة إلى بحر العربة (2مل25:14) وبيده خلَّص الرب شعبه إسرائيل. ولكن هذا الزمن كان زمن ظلم ورياء وفساد وتمسك بطقوس ومظهريات الدين دون جوهره. وكان عاموس كلوط البار يعذب نفسه البارة بما ينظر ويسمع من سيرة الأردياء فشهد عليهم وكلمهم بكلام الرب بلا خوف.

6.     من المقاصد الإلهية أن يكون وسط الأنبياء هذا التنوع الكثير بين مختلف طبقات الأنبياء، فهناك إشعياء المثقف وهو من عائلة ملكية، وها نحن نرى عاموس البسيط راعي الغنم، فالله ليس عنده محاباة وهو مستعد أن يستخدم أي شخص ويرفعه لأعلى المراتب أي النبوة حيث تنفتح بصيرة الشخص فيرى في عالم الروح. المهم عند الله أنه يبحث لا عن إمكانيات الشخص المالية أو الثقافية لكي يكلفه برسالة النبوة أو أي خدمة لكن الله يبحث عن القلب المستعد، وهذا الشخص يمسحه الله بروحه القدس ويملأه ثم يُرسله.

7.     الله بحث عن هذا القلب الذي يحبه محبة حقيقية فكشف له عن خطايا شعبه. والظلم الاجتماعي الموجود، فهو رأى طبقة الأغنياء جداً وطبقة الفلاحين الفقراء جداً. فالغني ينام على سرير من عاج، بينما الفقير يباع بزوج من النعال. ورأي حالة الانحلال الخلقي من زنا وغش ورشوة وكذب بل أن الأغنياء ظنوا أن كل ما هو مطلوب منهم تقديم الأموال للهيكل أو الذبائح، كأن الله محتاج لأموالهم أو هو يأخذ منهم عطاياهم كرشوة فيقبل تقدماتهم ويتغاضى عن شرورهم. وأمام هذا تنبأ عاموس بالخراب القادم (9:5 + 11:6 + 3:8 + 5:9) وقد يكون عاموس قد رأي في الزلزلة مقدمة لخراب أعم كما حدث مع يوئيل في قصة الجراد. وهو رأى أن الخراب الناتج عن الزلزال هو مجرد إنذار، قد يعقبه ضربة أشد إن لم يتوبوا، لذلك عليهم أن يقدموا توبة سريعاً.

8.     هو يكلم كل فئات الشعب داعياً إياهم للتوبة لأن البديل خراب عام وهو يكلم الجميع لأن الخطية أصبحت جماعية ولذلك تستحق تأديبات عامة.

9.     هو عاصر إشعياء وهوشع، ولكن كل منهم لمس ناحية معينة. فعاموس تكلم عن الفوارق الاجتماعية فهو عاش وسط الفقراء يستمع لمشاكلهم  مع الأغنياء وكيف يظلمهم هؤلاء الأغنياء ويعاملونهم بقسوة واحتقار. كان يسمع ويتقطع قلبه ويسكب شكواه أمام الله في صلواته. وتحول هذا الخادم إلى شخص مثقل بمشاكل الفقراء والمظلومين والخادم المثقل يصبح مكلف، يفكر باستمرار في حل للمشكلة ويصلي باستمرار لحلها. ومثل هذا الشخص تنفتح بصيرته الروحية فيعرف لماذا حدث هذا الأمر. ولماذا سمح الله به ومتى يكون الحل وكيف؟ والتأديبات الآتية ويرى رؤى وهكذا يصبح نبياً.


 

الإصحاح الأول

الآيات (1،2): "أقوال عاموس الذي كان بين الرعاة من تقوع التي رآها عن إسرائيل في أيام عزّيا ملك يهوذا وفي أيام يربعام بن يوآش ملك إسرائيل قبل الزلزلة بسنتين. فقال أن الرب يزمجر من صهيون ويعطي صوته من أورشليم فتنوح مراعي الرعاة وييبس راس الكرمل"

بين الرعاة = بالرجوع إلى (14:7) نجد أن النبي كان جاني جميز فمن هذه الآية وتلك نستنتج أنه كان فقيراً، ولم يذكر اسم أبيه لعدم شهرة العائلة. أقوال.. رآها = فأقواله هي ثمرة رؤى إلهية وإعلانات بالروح القدس. وكانت الإعلانات والأقوال يقينية كأنه رآها. والفعل العبري المستخدم يشير خصيصاً للرؤية النبوية. عن إسرائيل = لقد أقام الله لإسرائيل أنبياء منهم أي من إسرائيل (عا11:2) ولكنهم لم يبالوا بهم، فأرسل الله لهم نبياً من يهوذا لعلهم يتوبون. الرب يزمجر من صهيون = عاموس راعي، وأكثر ما يرعب الرعاة صوت زمجرة الأسد (4:3،8) والمعنى أن الخطية المنتشرة جعلت الله يرى في إسرائيل فريسة سيلتهمها. فعلينا أن نخاف ونتوب فيتحول الله كأسد يدافع عنا وكلمة يزمجر المستخدمة هنا تشير لصوت الأسد وهو يهم بأن يهجم على فريسته. إذاً هذا فيه إشارة لضربة ستأتي سريعاً. من صهيون = حيث الهيكل وتابوت العهد موطئ قدمي الله. فأورشليم هي مسكن الله على الأرض وكرسيه الذي منه يحاكم كل الأرض. وهو أيضاً قد زمجر مرّة على صليبه ضد قوات الشر (تك9:49) "جثا وربض كأسد وكلبؤة من ينهضه" فهو الأسد الذي جثا ومات على الصليب، والكنيسة هي اللبؤة التي ماتت معه لكي تقوم. وهنا هو أسد ينذر بالهدم والخراب، ولكن هذا من أجل أن يبنى (عا11:9،12) فهو يهدم ويبني، يقلع ويغرس (أر10:1) هو يحطم فينا الإنسان القديم ليقيم الإنسان الجديد. قبل الزلزلة = يبدو أنها كانت زلزلة رهيبة، حتى أن زكريا يذكرها بعد عدة قرون (زك5:14) تنوع مراعي الرعاة = من التأديبات القادمة. وييبس رأس الكرمل= ييبس هذا المكان المشهور بجماله ونباته وأشجاره وخصبه وأن كان هذا ما سيحدث لأخصب الأماكن، فماذا يكون حال الباقي ولاحظ أن مراعي الرعاة في تقوع بلدته (في يهوذا) ورأس الكرمل في الشمال. والمعنى أن البلاد كلها ستخرب. هناك عبارات تتكرر مع كل الشعوب الموجه لها إنذارات والتي يدينها الله على لسان النبي وهي:

1.     الذنوب الثلاثة والأربعة: وهذه لها عدة معاني :

أ‌.        ‌رقم (3) يشير إلى الله المثلث الأقانيم ورقم (4) يشير للعمومية فهو يُعبَّر عن أربعة اتجاهات الأرض. وبهذا تكون الذنوب الثلاثة هي خطايا البشر تجاه الله فكل خطية حتى لو كانت تجاه إنسان، هي موَّجهة لله وكَسْرْ لشريعته ونواميسه. والذنوب الأربعة تعني أن خطايا البشر ولو أنها موجهة لله فهي في نفس الوقت ضد الإنسان. فكل خطية أرتكبها تحمل في داخلها عقوبة ضدي. فالخطايا عموماً هي ضد الله، ولكنها تتسبب في عقوبات ترتد على البشر، بل على كل العالم، لذلك قال الله لآدم حين أخطأ " ملعونة الأرض بسببك" وقبل الخطية كان الإنسان عبارة عن قصر يسكن الله فيه وبسبب الخطية ترتد علينا نار تأكل هذه القصور فتخرب. وهذا معنى ما سيتكرر بعد ذلك أرسِلُ ناراً فتأكل قصورها.

ب‌.    النفس مخلوقة على صورة الله مثلث الأقانيم، فهي نفس عاقلة حية والله كائن عاقل حي فيشير رقم(3) للنفس البشرية ورقم (4) يشير للجسد فهو مأخوذ من الأرض وكأن المعنى للذنوب الثلاثة والأربعة هو ذنوب النفس (كالكبرياء والحقد...) وذنوب الجسد (كالشهوات والتخمة...).

ت‌.    ثلاثة وأربعة هو أسلوب عبري في التعبير، فيه يضع الكاتب رقمان متتاليان، وهذا يشير للتمام. أي خطايا هذا الشعب صارت تامة أي امتلأ بها كأس غضب الرب للتمام، مماّ استوجب العقاب، خصوصاً أن 3 + 4 = 7 ورقم (7) هو رقم كامل. ونجد هذا الأسلوب العبري في التعبير في "نقيم عليه سبعة رعاة وثمانية" (مي5:5) بمعنى كمال الرعاية. "أعط نصيباً لسبعة وثمانية" (جا2:11) بمعنى أعط من عطاياك لكل إنسان "هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة" بهذه الخطايا يصير غضب الله تاماً كاملاً" (أم16:6).

2.     لا أرجع عنه = في ترجمات أخرى – لا أرجع عن قصاصها + ألاّ أعاقبها.

3.     قال الرب " من أجل ذنوب " "أرسل ناراً" في كل مرة تتكرر هذه الكلمات كالقرار في الشعر. وهذا يعني من أجل ذنوب هذه الأمم سيعاقب الله بأن يُرسِلْ  ناراً، وهذه النار إشارة للحروب القادمة.

هكذا قال الرب:

هذه العبارة تكررت مع الجميع. ومعناها أنه: مع أن هذه الشعوب المدانة هنا لا تتعبد للرب، لكنه هو ديّان الجميع وإله الأرض كلها، يدين الكل ويهتم أيضاً بالكل. ونجد هنا دينونة لكل جيران شعب الله (دمشق، غزة..) ثم دينونة ليهوذا وإسرائيل على خطاياهم. وقد بدأ بدينونة الأمم أولاً ليعطي شعبه فكرة عن أنه مهتم بهم ويعرف ويرى آلامهم من ظلم هذه الشعوب ضدهم. ثم يدينهم هم حتى يتنبهوا ويقدموا توبة. فهذه الشعوب ما كان لهم سلطان أن يؤذوا شعب الله إن لم تكن هناك خطية في شعب الله. وقد نفهم أن هذه الأمم تشير للشيطان الذي يحقد على أولاد الله فيؤذيهم والله سيدينه ولكنه سيدين أيضاً كل من يتبعه من أولاد الله.

الآيات (3-5) : "هكذا قال الرب.من اجل ذنوب دمشق الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم داسوا جلعاد بنوارج من حديد. فأرسل نارا على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد. واكسر مغلاق دمشق واقطع الساكن من بقعة آون وماسك القضيب من بيت عدن ويسبى شعب آرام إلى قير قال الرب."دمشــــق هي عاصمة أرام "(سوريا).

داسوا جلعاد = جلعاد كانت على الحدود بين أرام وإسرائيل، فكان عليها أول هجوم للآراميين. وقد عاشت إسرائيل مدة طويلة في رعب من أرام (2مل7:8-15) وواضح من هذا الجزء أن بنهدد كان ملكاً على أرام. وهو مؤسس وصاحب قصورها وأغتاله حزائيل وملك عوضاً عنه. وهذا معنى أرسل ناراً على بيت حزائيل فتأكل قصور بنهدد التي أغتصبها حزائيل. والنار هي حرب مدمرة جزاء لهما على تحطيم شعب الله. وأكسر مغلاق دمشق قوة الباب في مغلاقه، وإذا أنكسر الباب سقط السور وبالتالي تنهب المدينة "فإن لم يحرس الرب المدينة فباطلاً سهر الحراس" والله حينما يكسر مغلاق مدينة يعني أنه يرفع حراسته عنها، ولهذا تسقط المدينة بقصورها.

تأمل: يا ليت الله يسكن قلوبنا فتكون هي قصره وبالتالي يكون هو سورنا وحامينا بقعة آون= أي وادي البطل أو وادي الأصنام. فهي كانت مركزاً للأصنام وفيها هيكل بعلبك الشهير في لبنان. فعبادة الأصنام بُطل. وغالباً كلمة بقعة آون هي اسم رمزي وليس الاسم الحقيقي. (كما أطلق هوشع على بيت إيل، بيت آون) والمعنى أنه إينما سكن الشيطان أو الخطية فالنتيجة أن هذا المكان يخرب = لا ساكن. ماسك القضيب = أي كل عظيم أو ملك يمسك صولجانه. بيت عدن = بيت البهجة والتنعم = أي يفقد الإنسان كل سلطانه الذي أعطاه له الله وكل عظمته إذا انغمس في التنعم بالملذات الزمنية. ولكي نرى بشاعة عمل آرام ضد إسرائيل راجع (2مل12:8+ 32:10،33) ويسبى شعب آرام إلى قير = هذه هي عقوبة شعب آرام على وحشيته وتمت هذه النبوة فعلاً راجع (2مل9:16).

 

الآيات (6-8): "هكذا قال الرب.من اجل ذنوب غزّة الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم سبوا سبيا كاملا لكي يسلّموه إلى أدوم. فأرسل نارا على سور غزّة فتأكل قصورها. واقطع الساكن من اشدود وماسك القضيب من اشقلون وارد يدي على عقرون فتهلك بقية الفلسطينيين قال السيد الرب."

غــــزة إحدى مدن فلسطين.

كان للفلسطينيين خمس مدن كبيرة، وعلى كل منها قطب أي رئيس. وهنا مذكور أربع من هذه المدن، والخامسة التي تذكر هي جت، ولعلها كانت مدَّمَرَة في هذا الحين. والمدن المذكورة هي غزة (العاصمة) وأشدود وأشقلون وعقرون. وخطية فلسطين المذكورة هنا هي أنهم ألقوا القبض على بني يهوذا الهاربين إليهم من وجه سنحاريب ملك أشور وباعوهم عبيداً لبني آدوم أعدائهم. ولذلك ارتدت النار عليهم. هذا يفسر معنى الذنوب الثلاثة والأربعة أي حينما أخطأوا تجاه الله في شخص أولاده، أخطأوا في حق أنفسهم إذ ارتدت النار عليهم. سبوا سبياً كاملاً = أي كل من سقط في أيديهم سبوه، أو حين كانوا يضربون مدينة وتسقط في أيديهم يسبون كل أهلها ويبيعونهم وكانت أدوم مركزاً لتجارة العبيد.

 

الآيات (9،10): "هكذا قال الرب من اجل ذنوب صور الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم سلّموا سبيا كاملا إلى أدوم ولم يذكروا عهد الاخوة. فأرسل نارا على سور صور فتأكل قصورها."

 صــــور

كان لها أسطولها البحري وتجارتها الضخمة وكان بين حيرام ملكها وسليمان ملك إسرائيل معاهدة أخوة (1مل1:5-12) + (10:9-14) ولكنهم خانوا العهد وباعوا أولاد اليهود عبيداً لآدوم. وخربت صور حسب النبوة على يد نبوخذ نصر أولاً ثم على يد الإسكندر.

الآيات (11،12) : "هكذا قال الرب من اجل ذنوب أدوم الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنه تبع بالسيف أخاه وافسد مراحمه وغضبه إلى الدهر يفترس وسخطه يحفظه إلى الأبد. فأرسل نارا على تيمان فتأكل قصور بصرة."

آدوم   هو عيسو أخو يعقوب

عداوتهم تقليدية ليعقوب، من البطن، منذ أيام يعقوب وعيسو حينما كانا في بطن أمهما. وفي عودة إسرائيل بعد خروجهم من مصر، أتخذ الآدوميون منهم موقفاً معادياً ولم يسمحوا لهم بالعبور (عد14:20-21) وكان لهم دائماً موقفاً شامتاً من مصائب إسرائيل (وهذا هو موقف الشيطان من أولاد الله دائماً) وكلمة آدوم مأخوذة من آدم. وتعنى إنسان دموي أو أرضي، فهي تشير لحب سفك الدماء من أجل الأرضيات. وخطيتهم هنا تبع أخاه بالسيف = وأخاه أي إسرائيل أو يهوذا (فإسرائيل أخو عيسو  (آدوم)) فهو ملتهب بنار الشر وحب سفك الدم، لذلك ارتدت النار إليه وتيمان = هي قبيلة، وهي أهم أقاليم آدوم، وتيمان هو اسم بكر أليفاز بن عيسو (تك11:36،15،42) وبصرة = هي أكبر مدنهم والاسم يعني قلعة ولكن حين يحكم الرب ضدها تخرب قصورها وقلاعها. والآدوميون لم تكن لهم الشجاعة على الحرب المباشرة ضد إسرائيل، بل هم كانوا ينتظرون سقوط يهوذا تحت حرب دولة أخرى مثل أشور أو بابل، ويضربون الهاربين بالسيف ويتعقبونهم، وهذا معنى افسد مراحمه = وفي ترجمات أخرى " تخلى عن كل رحمة" فحقدهم ضد شعب الله أزال من قلوبهم كل رحمة، فتجردوا من رقة البشر ولبسوا وحشية الوحوش. وعلى هذا الأساس كان دائم الافتراس = وغضبه إلى الدهر يفترس= وهذه صفة إبليس الذي كان من البدء قتالاً للناس وهو الأسد الزائر الذي يلتمس من يبتلعه (يو44:8 + 1بط8:5) سخطه يحفظه إلى الأبد = كان يحفظ سخطه حتى تحين لحظات الضعف لإسرائيل فيظهره.

 

الآيات (13-15) : "هكذا قال الرب من اجل ذنوب بني عمون الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم شقّوا حوامل جلعاد لكي يوسّعوا تخومهم. فأضرم نارا على سور ربّة فتأكل قصورها.بجلبة في يوم القتال بنوء في يوم الزوبعة. ويمضي ملكهم إلى السبي هو ورؤساؤه جميعا قال الرب."

بني عمــــون (نسل لوط) من الابنة الصغرى.

كانوا قساة القلب، يقدمون أولادهم ذبائح لإلههم ملكوم (1مل5:11-33) وكانوا في حروب دائمة مع بني إسرائيل ومن قسوتهم شقوا حوامل جلعاد لكي يوسعوا تخومهم = فالطمع يفسد إنسانية البشر وحنان الإنسان الطبيعي وهذه خطية إبليس ضد البشر فهو يريد إفناء الجنس البشري. فشق البطون للحوامل يفهم على أنه الرغبة في إفناء النسل. وعقوبتهم ناراً على سور ربة = ربة هي عاصمتهم (وهي عمان حالياً) وهذه ستتحول لمنطقة قتال ويسبى ملكها وعظماؤها. هذا نتيجة طبيعية للظلم. وقد وقعت بنى عمون في السبي على يد نبوخذ نصر ملك بابل، وذلك بعد سقوط أورشليم مباشرة.


 

الإصحاح الثاني

الآيات (1-3): "هكذا قال الرب.من اجل ذنوب موآب الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم احرقوا عظام ملك أدوم كلسا. فأرسل نارا على موآب فتأكل قصور قريوت ويموت موآب بضجيج بجلبة بصوت البوق. واقطع القاضي من وسطها واقتل جميع رؤسائها معه قال الرب. "

مـــوآب (نسل لوط) من الابنة الكبرى.

كانت حروب موآب كثيرة مع إسرائيل.  والخطية التي يدينهم عليها الله هنا هي أنهم أحرقوا عظام ملك أدوم كلساً = وهذا يعني أنه أخرجوا عظام ملك أدوم بعد أن نبشوا قبره وأحرقوها لتصير كلساً أي جير كانتقام منه بسبب حروب موآب مع أدوم. ومع أن ملك أدوم هو ملك وثني إلاّ أن الله يرفض هذا العمل الوحشي البربري، وهذه الخطية ضد أي شخص سواء من شعبه أو من أي مكان، فالله ملك على الأرض كلها، سواء من يؤمن به أو من لا يؤمنوا به. والتعدي على عظام ميت هو انتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات. قريوت = يبدو أنها مدينة مهمة، أو تكون كلمة قريوت تعني جمع قرية ويكون المقصود كل مدن موآب، حيث لم تذكر مدينة باسم قريوت في سفر إشعياء إصحاحي 15،16. ويموت موآب بضجيج = أي يقطع موآب بسيف الحرب وأقطع القاضي قد يكون القاضي أو الرئيس الذي حكم هذا الحكم القاسي بحرق عظام ملك أدوم. فيعرف الجميع أن هناك قاضي وملك فوق جميع الملوك وكان دمار موآب على يد بابل.

 

الآيات (4،5): "هكذا قال الرب.من اجل ذنوب يهوذا الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم رفضوا ناموس الله ولم يحفظوا فرائضه وأضلتهم أكاذيبهم التي سار آباؤهم وراءها. فأرسل نارا على يهوذا فتأكل قصور أورشليم."

يهــــوذا  مملكة الجنوب

كل الأمم السابقة كانت خطاياهم موجهة للبشر، أما هنا مع يهوذا فنسمع أن خطاياهم موجهة لله فهم شعبه. خطية يهوذا أنهم احتقروا ورفضوا ناموس الله. هؤلاء كان من المفروض أن يعلنوا إيمانهم بالله بطاعتهم للوصية، ولكنهم عوضاً عن ذلك خالفوها وتبعوا الأوثان = أضلتهم أكاذيبهم أي أوثانهم الكاذبة. والناموس الذي خالفوه هو الناموس الأدبي والروحي فهم ظلموا الفقراء وسلكوا بالطمع والزنى والسكر. ومن كان لهم ناموس الله فدينونتهم أعظم من الباقين.

 

الآيات (6-8): "هكذا قال الرب.من اجل ذنوب إسرائيل الثلاثة والأربعة لا ارجع عنه لأنهم باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين.الذين يتهمّمون تراب الأرض على رؤوس المساكين ويصدّون سبيل البائسين ويذهب رجل وأبوه إلى صبية واحدة حتى يدنسوا اسم قدسي. ويتمدّدون على ثياب مرهونة بجانب كل مذبح ويشربون خمر المغرّمين في بيت آلهتهم."

إسرائيــــل (مملكة الشمال) "وإسرائيل هي هدف النبوة الأساسي لعاموس".

في هذه الآيات يكشف لهم الله الظلم الذي يمارسونه فهم باعوا البار بالفضة = أي أن القضاة باعوا الشخص البرئ بعد أن ارتشوا ظلماً من خصمه الظالم. وهم في بعض الأحيان باعوا هذا البرئ بشئ زهيد كنعلين. ولكن هذه الآية هي نبوة عن المسيح البار الذي بيع بثلاثين من الفضة حسب ما تنبأ أيضاً زكريا النبي (12:11،13) وهذه هي خطيتنا حتى الآن أننا نبيع المسيح بمحبتنا للعالميات. وماذا يعني بقوله والبائس لأجل نعلين = قال الله لموسى أن يخلع نعليه لكي يدخل للمقدسات الإلهية، والمقصود أن لا يسلك كإنسان أرضي مرتبط بالعالم حتى يتمكن من أن يرتفع إلى الإلهيات، فمن يرتبط بالأرضيات (كأنه يلبس نعلين ويتلامس مع طين الأرض) يبيع المسيح (الذي قال أنه أخو البائس والمحتاج). وهم يتهممون من تراب الأرض على رؤوس المساكين = وفي ترجمة أخرى يطأون راس المسكين حتى تراب الأرض فهم ليس فقط لا يرحمونهم بل يدوسونهم. ولكن ليذكر كل ظالم أن المساكين هم أخوة الرب. وهم يصدون سبيل البائسين= يغلقون سبيل الخلاص أمامه حتى لا يُسمع صوته إذا اشتكى إلى القضاة. ثم نأتي لأبشع صور الرجاسات وهي أن يذهب رجل مع أبوه إلى صبية واحدة = (ربما في هذا إشارة لممارسة الزنا في هياكل الأوثان) عموماً مثل هذا العمل يدنس أسم الله القدوس. وفي ظلمهم يتمددون على ثياب مرهونة بجانب كل مذبح وثني من مذابحهم فهم لم يذهبوا فقط لهذه المذابح بل ناموا هناك على ثياب الفقراء الذين رهنوا ثيابهم. ويشربون خمر المغرمين = هم أقاموا ولائمهم الماجنة التي فيها شربوا الخمر من الغرامات التي فرضوها على المساكين غير القادرين على الدفع.

الآيات (9-11): "وأنا قد أبدت من أمامهم الاموري الذي قامته مثل قامة الأرز وهو قوي كالبلوط.أبدت ثمره من فوق وأصوله من تحت. وأنا أصعدتكم من ارض مصر وسرت بكم في البرية أربعين سنة لترثوا ارض الاموري. وأقمت من بنيكم أنبياء ومن فتيانكم نذيرين.أليس هكذا يا بني إسرائيل يقول الرب."

 وفيها يظهر الله أنهم قابلوا إحساناته بالجحود: وهي قصة الإنسان في كل جيل. فالله يفيض من إحساناته علينا، ونحن لا نقابل هذا إلاّ بالجحود. الأموري = سكن الأموريون أورشليم وحبرون وجبعون وباشان. وكانوا طوال القامة كالأرز. وأقوياء كالبلوط لكن الله أبادهم من أمام شعبه وأباد الله.. أصوله من تحته = أي أبادهم تماماً ومن علامات حب الله لهم إقامتهم كأمة مكان الأموريين الأقوياء، والله أقام لهم أنبياء في وسطهم، وأقام منهم مكرسين له، ولكنهم أفسدوا النذيرين وأغووهم أن يشربوا الخمر، فيتفقوا أمام الله وهم فاقدين وعيهم وبلا وقار. وهم منعوا الأنبياء من أن يتكلموا بكلمة الله، وذلك بالتهديد والوعيد والإرهاب، حتى لا يزعجوا بنبواتهم ضمائرهم المخدرة. ولكي نطبق هذه الآيات علينا. فقد حطَّم الله إبليس (الأموري) أمامنا، وهو في قوته (كالبلوط) وهو متكبر (كالأرز) والله أصعدنا من (أرض مصر) أرض العبودية لنرث الأرض التي ملكها الأموري زماناً. وصرنا ملوكاً وكهنة للرب. فيا ليتنا لا نشرب ونفرح بخمر هذا العالم فنتوقف عن روح النبوة والشهادة للرب. والله يملأنا من نعمته لنشهد له حين نكون نذيرين أي مكرسين لله ورافضين لخمر (أفراح) هذا العالم التي يغوينا الشيطان أن نشرب منها.

 

الآيات (12-16): "وأنا قد أبدت من أمامهم الاموري الذي قامته مثل قامة الأرز وهو قوي كالبلوط.أبدت ثمره من فوق وأصوله من تحت. وأنا أصعدتكم من ارض مصر وسرت بكم في البرية أربعين سنة لترثوا ارض الاموري. وأقمت من بنيكم أنبياء ومن فتيانكم نذيرين.أليس هكذا يا بني إسرائيل يقول الرب."

 هنا صورة للتأديب الذي سيشمل الجميع : ها أنذا أضغط ما تحتكم = وفي ترجمة أخرى "هاأنذا أضغطكم في مواضعكم" كما تضغط العجلة (العربة) الملآنة حزماً = أي أن خطاياها سوف تتكدس فوقهم،  ويتكدس أيضاً فوقهم قصاصات خطاياهم حتى ينضغطوا، كما تنضغط الحزم التي في العربة من كثرة الحزم الموضوعة فوقها. ولن يمكنهم الهرب من هذه القصاصات = ويبيد المناص (المفر) من السريع فإنه لا السرعة ولا القوة تنجي في ذلك اليوم، فالله هو الذي يحارب. والبطل الذي عادة ما يدافع عن غيره لن يستطيع حتى أن يدافع عن نفسه. لن ينفعنا في هذا اليوم سوى المسيح برنا الذي يستر عرينا فلا نهرب في ذلك اليوم عرايا، وهو قوتنا وقوسنا وشفيعنا. نلبسه ونحتمي فيه نمسك بصليبه كسر قوتنا.


 

الإصحاح الثالث

الآيات (1،2): "اسمعوا هذا القول الذي تكلم به الرب عليكم يا بني إسرائيل على كل القبيلة التي أصعدتها من ارض مصر قائلا. إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم."

الله يعلن لهم أنه هو الذي أخرجهم من أرض مصر. إيّاكم فقط عرفت = أي أحببتكم وكنتم لي شعباً خاصاً، وكنت لكم كل شئ. ولكن ليس معنى هذا أنه يقبل منهم خطاياهم، بل سوف يحاكمهم عليها لأنه قدوس لا يقبل الشر. هي علاقة شركة بين أثنين الله والإنسان. والله لا يقبل الشركة مع أناس مذنبين. بل هم ازدادوا معرفة بالله أكثر من بقية الشعوب، ومن أزداد معرفة يزداد مسئولية أمام الله.

 

الآيات (3-6): "هل يسير اثنان معا أن لم يتواعدا. هل يزمجر الأسد في الوعر وليس له فريسة.هل يعطي شبل الأسد زئيره من خدره أن لم يخطف. هل يسقط عصفور في فخ الأرض وليس له شرك.هل يرفع فخ عن الأرض وهو لم يمسك شيئا. أم يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد.هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها."

نجد هنا سبعة أسئلة من المنطقي أن إجابة كل منها بلا. هي أسئلة تكشف عن علاقة الله بشعبه، وأنه مزمع أن يؤدبهم على كثرة ذنوبهم. وفيها يكشف النبي عن سبب إرساليته، ملخص الأسئلة أن لكل معلوم علته، ولظهور النبي في إسرائيل أيضاً علَّته، وهذه العلة هي أن هناك خراباً آتياً كعقوبة بسبب خطاياهم، فعليهم أن يصغوا إليه ويتوبوا.

1.     هل يسير اثنان معاً إن لم يتواعدا؟ أي هل يشترك اثنان في السير معاً دون أن يكون بينهما عهد من نوع معين، أو هل يمكن أن يتلاقى اثنان في مكان فيسيران معاً دون أن يكون بينهما اتفاق، أو ملتزمين معاً باتفاقيات الصداقة المتعارف عليها. والاثنان هنا هما الله وشعبه وكان بينهما عهد (لا23:26،24) وقد كسر الشعب هذا العهد. وجاء المسيح بعهد جديد (أر31:31-33) بجسده ودمه. ونحن لا يمكننا أن نسير مع الله أن لم نصطلح معهُ ونلتزم بعهده، ونكون معهُ على اتفاق تام ونعمل من أجل مجد أسمه. ومن لا يلتزم بشروط العهد فهناك عقوبات منصوص عليها في هذا العهد (لا26).

2.     هل يزمجر الأسد.. وليس له فريسة؟ الأسد يظل صامتاً حتى تلوح فريسته لهُ فيبدأ يزمجر، وهذا الصوت معناه أن الهجوم وشيك. ولأن الشعب كسر بنود العهد، وبحسب بنود العهد، ولأن الله لا يعرف التراخي في محاكماته فهو قدوس لا يقبل الخطية، لذلك فهو كأسد يزمجر ليفترس شعبه. والوعر= هو البشرية التي بلا ثمر. الله يزمجر ليضرب على الخطية والخاطئ هو الفريسة. هذه الزمجرة هي قصاصات الله، مثلاً الجيوش المعادية.

3.     هل يعطي شبل الأسد.. إن لم يخطف؟ الزئير هنا هو انذارات الله التي يرسلها بيد عبيده الأنبياء، وهم ينذرون بقصاصات (مثل الحروب والمجاعات) وكلامهم ليس كلاماً في الهواء، بل ان لم يتب الشعب، فما أنذر به الأنبياء سيحدث بكل تأكيد فشبل الأسد يزمجر. وبعدها لابد أن يخطف فريسته. فهم جعلوا أنفسهم فريسة بخطاياهم.

4.     هل يسقط عصفور.. وليس له شرك؟ سقوط عصفور في شرك معناه أن أحداً قد وضع هذا الشرك. وعلينا أن نفهم أن أي تجربة تأتي علينا هي بسماح من الله ضابط الكل. الله هنا يريد أن يفهم الشعب، كيف يفسر الأحداث روحياً فأشور أو بابل أو.... هي أدوات في يد الله، حين يريد يسلطها على شعبه لتأديب شعبه، وحين يريد يمنعهم. فهناك من يميل لتفسير الأحداث بطريقة علمية أو سياسية أو عسكرية، كمن يقول أن أشور قد انتصرت على يهوذا أو إسرائيل (شعب الله) لأن أسلحتهم أقوى، ولكن الله يقول لا، بل أن أشور وبابل.. ألخ هي شرك أنا اضعه أمامكم، وذلك بسبب خطاياكم. نحن بهذا نصير أمام الله كعصفور ساقط في شرك وهذا العصفور لا يستطيع أن يخلص نفسه إن لم يكسر له أحد الفخ" إنفلتت أنفسنا من فخ الصيادين، الفخ أنكسر ونحن نجونا" (مز7:124) وكان إبليس هو الذي نصب لنا فخ الموت فكسره المسيح بصليبه. ولكن بإصرارنا على حب الخطية نعود بإرادتنا وندخل للفخ مرة أخرى، بعد أن حررنا المسيح نُدْخِلْ أنفسنا ثانية لهذا الفخ، والله يسمح بد خولنا للفخ بآلامه حتى نتأدب. فبالخطية يزأر الله ضدنا، وبالتوبة يزأر الله ضد إبليس ويرعبه وينجينا من فخاخه الشيطانية ويكسر لنا الفخ ويحررنا.

5.     هل يُرفع فخ.. وهو لم يمسك شيئاً؟ لماذا سمح الله بالتجربة والألم، أي سقوط الخاطئ في الفخ؟ قطعاً الله صانع خيرات، وهو لن يسمح بهذا إلاً لكي يتوب هذا الخاطئ. والله كطبيب حكيم ماهر، لن يرفع الفخ، أي لن يرفع التجربة ما لمْ تأتي بثمارها، ويقدم هذا الخاطئ توبة حقيقية.

6.     أم يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟ البوق هو إنذارات الله بفم الأنبياء وعلى الشعب أن يرتعد ويقدم توبة. في هذا السؤال نجد إجابة السؤال السابق، أي أن الفخ أمسك شيئاً أي أتت التجربة بثمارها، وثمار الفخ التي تفرح الله هي تقديم توبة برعدة.

7.     هل تحدث بلية (شر) في المدينة والرب لم يصنعها؟ الشر هنا هو الضيق الذي يسمح به الله للتنقية والتأديب. هنا الله يعلن أنه المسئول عن كل ما يحدث لهم، كل شئ من يده.

 

الآيات (7،8): "أن السيد الرب لا يصنع أمرا إلا وهو يعلن سرّه لعبيده الأنبياء. الأسد قد زمجر فمن لا يخاف.السيد الرب قد تكلم فمن لا يتنبأ."

 كانت الإجابة على كل الأسئلة السابقة هي "لا" وهنا الله يعلن أنه سبق عن طريق أنبيائه وأخبر عن كل ما سيعمله. كما سبق وأخبر إبراهيم عن حرق سدوم وعمورة وهو كقدوس رأى الخطايا البشعة التي يعملونها فزمجر كأسد فمن لا يخاف؟ إذاً علينا أن نخاف أمام هذه النبوات. وهو أيضاً أخبر نوح قبل الطوفان، وأخبر فرعون ويوسف قبل المجاعة؟ وأخبر أهل نينوى، وأخبر الرسل قبل خراب أورشليم. ودائماً يخبر الأنبياء ليخبروا شعبه فلا يستطيعون إلاّ أن يتنبأوا. (كلمة وحي = ثقل).

 

الآيات (9-11): "نادوا على القصور في اشدود وعلى القصور في ارض مصر وقولوا اجتمعوا على جبال السامرة وانظروا شغبا عظيما في وسطها ومظالم في داخلها. فانهم لا يعرفون أن يصنعوا الاستقامة يقول الرب.أولئك الذين يخزنون الظلم والاغتصاب في قصورهم. لذلك هكذا قال السيد الرب.ضيق حتى في كل ناحية من الأرض فينزل عنك عزك وتنهب قصورك."

هنا يُشْهِدْ الله الشعوب الوثنية المجاورة على شعبه (مصر وأشدود أي فلسطين) كأن الله لا يجد باراً واحداً في شعبه يلجأ إليه فلجأ للغرباء. وأيضاً في دعوة الله لهذه الشعوب، كأنه يريد أن يشهدهم على قداسته فإن كان قد رفض شعبه من أجل خطاياهم، فهو سيرفضهم بسبب هذه الخطايا وقارن مع (1كو2:6) "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم" لكن الصورة هنا مقلوبة، فالعالم هنا هو الذي يدين شعب الله. هم كانوا ملحاً ولكنهم فسدوا لذلك يدوسهم الناس بعد أن يُطْرَحوا خارجاً. والسبب أنهم يخزنون الظلم والاغتصاب = كناية عن كثرته. ولذلك يحاصرهم الضيق أي جيش أشور. وكل ما خزنوه في قصورهم أخذوه الأشوريون في السبي. هم ظلموا الفقراء ليكنزوا لهم كنوزاً في قصورهم فأكل السوس ما خزنوه بل أكل قصورهم التي في الأرض.

 

الآيات (12-15): "هكذا قال الرب.كما ينزع الراعي من فم الأسد كراعين أو قطعة إذن هكذا ينتزع بنو إسرائيل الجالسون في السامرة في زاوية السرير وعلى دمقس الفراش. اسمعوا واشهدوا على بيت يعقوب يقول السيد الرب اله الجنود. أني يوم معاقبتي إسرائيل على ذنوبه أعاقب مذابح بيت إبل فتقطع قرون المذبح وتسقط إلى الأرض. واضرب بيت الشتاء مع بيت الصيف فتبيد بيوت العاج وتضمحل البيوت العظيمة يقول الرب."

هلاك إسرائيل سيكون هلاكاً كاملاً على يد أعدائهم وذلك بسماح من الله. لكن الله الراعي الحقيقي سينقذ من هذا الهلاك التام البقية التقية. والتصوير هنا من واقع حياة الرعاة: مثل أسد أكل خروف وإلتهمه، وأتي الراعي واستطاع أن ينقذ من فمه أذن الضحية أو رجلين منها. والرجلين =- كُراعين (أو كوارع) والأذن والكراعين هم البقية التي رأى الله أنها تستحق النجاة بعد هذه الضربة الفتاكة. اماّ الباقون الأشرار الجالسون في السامرة في زاوية السرير وعلى دمقس الفراش = أي في حياة تنعم مبنى على المظالم والشرور، فسوف ينتزعون ويلتهمهم الأسد أي أشور ويعاقب الرب مذابح بيت إيل = أي ينزع عبادة الأوثان لأنهم حولوا العبادة فيها لعبادة أوثان. فتقطع قرون المذبح = تنتهي قوته وسحره الذي جعلهم يعبدون ألهته وينتهي ترفهم فهم لهم بيوت للشتاء وبيوت للصيف. وبيوتهم هذه مرصعة بالعاج. وغضب الله سيحل على هذه البيوت لأنها مبنية بمال الظلم.


 

الإصحاح الرابع

الآيات (1-3): "اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة الظالمة المساكين الساحقة البائسين القائلة لسادتها هات لنشرب. قد اقسم السيد الرب بقدسه هوذا أيام تأتي عليكنّ يأخذونكن بخزائم وذرّيتكنّ بشصوص السمك. ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن يقول الرب."

باشان = أرض مستوية. وكانت تشير إلى نصف سبط منسى وتقع شرقي الأردن. وتربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. عرفت بقطعانها المتسمة بالشحم الكثير (مز12:22 + حز19:39 + تث14:32) وبغابات البلوط الدائمة الخضرة (أش3:2) والمقصود ببقرات باشان = هن زوجات أغنياء إسرائيل. الذين شبعوا وسمنوا فإزداد ظلمهم على المساكين ليزداد غناهم وهؤلاء يذهبن لرجالهم الظالمين مثلهم ويقولون هات لنشرب = أي لننعم بالملذات والشهوات. أي أن الزوجات يذهبن لرجالهن = سادتهن= ثم يظلم الرجال الفقراء ليأتوا لزوجاتهم بمزيد من الأموال ليشربوا ويحتفلوا. لذلك أقسم الرب بقدسه = وقداسة الله من صفاته، لذلك هذه تساوي أقسم الله بذاته. وقداسة الله تظهر في قصاصه للأشرار. هوذا تأتي أيام = الله لا يعاقب مباشرة، بل ينذر ثم يعطي فرصة للتوبة. يأخذونكن يخزائم = الخزائم كانت توضع في أنوف الحيوانات لتسحب في مذلة وهكذا صنع بعض الملوك في سباياهم، بل هذا ما صنعه ملك أشور في منسى الملك (وهذا يظهر في النقوشات الأثرية) (2أي11:33) والمعنى أنهم سيؤخذون للسبي في مذلة. وذريتكن بشصوص السمك سيسحب العدو أولادكن من أرضهم كما يسحب السمك خارج المياه. وبالتالي تفرغ الأرض كلها منهم. ومن الشقوق تخرجن كل واحدة = حين تهدَّم السور حاولوا الهرب منه. وتندفعن إلى الحصن = قد يكون المعنى أنهم سوف يحاولون اللجوء للأماكن المحصنة هرباً من العدو ولكن بلا فائدة، والأرجح أنهم سيذهبون للسبي في أشور التي هي كالحصن ولن يمكنهم الهرب منها.

 

 الآيات (4،5): "هلم إلى بيت إبل وأذنبوا إلى الجلجال واكثروا الذنوب وأحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم. وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل وسمّعوا.لأنكم هكذا أحببتم يا بني إسرائيل يقول السيد الرب."

ربما يظن بني إسرائيل أن هذه التحذيرات لا تخصهم فهم يذهبون إلى بيت إيل ليقدموا ذبائحهم، ولكن هناك اختلطت عبادتهم لله بعبادة الأوثان "أنقسم قلبهم (هو2:10) بين الله والبعل" فهم لم يذهبوا بقلب صادق لله وبتوبة حقيقية لذلك فكل عبادتهم المظهرية مرفوضة. هلَّم إلى بيت إيل هذا بلغة التهكم. والجلجال = من الأماكن المقدسة، لكنهم بمظالمهم وقلوبهم المنقسمة إذ يذهبون للعبادة فيها أكثروا الذنوب. احضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشروكم = المطلوب منهم ذبيحة سنوية، والعشور هكذا. والمعنى هنا تهكمي أي مهما زادت عطاياكم لن أقبلها، فالله لا يقبل الرشوة ولكنه يطلب القلب (1كو3:31) وأوقدوا من الخمير = لقد منعت الشريعة تقديم الخمير لأنه يرمز للشر. وكأن كل تقدماتهم غير مقبولة لأمتزاجها بشرورهم كما أن تقدمة الخمير غير مقبولة. نادوا بنوافل= النوافل جمع نافلة، وهي تقدمة طوعية غير مطلوبة. وهم كانوا يقدمون هذه العطايا الزائدة ليس محبة لله، بل ليُسَمَّعُوا الناس كما كان يفعل الفريسيين أيام المسيح.

 

الآيات (6-12): "وأنا أيضا أعطيتكم نظافة الأسنان في جميع مدنكم وعوز الخبز في جميع أماكنكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. وأنا أيضا منعت عنكم المطر إذ بقي ثلاثة اشهر للحصاد وأمطرت على مدينة واحدة وعلى مدينة أخرى لم أمطر.أمطر على ضيعة واحدة والضيعة التي لم يمطر عليها جفّت.  فجالت مدينتان أو ثلاث إلى مدينة واحدة لتشرب ماء ولم تشبع فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. ضربتكم باللفح واليرقان.كثيرا ما أكل القمص جنّاتكم وكرومكم وتينكم وزيتونكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب.  أرسلت بينكم وبأ على طريقة مصر.قتلت بالسيف فتيانكم مع سبي خيلكم وأصعدت نتن محالّكم حتى إلى أنوفكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. قلبت بعضكم كما قلب الله سدوم وعمورة فصرتم كشعلة منتشلة من الحريق فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. لذلك هكذا اصنع بك يا إسرائيل.فمن اجل أني اصنع بك هذا فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل."

يعدد الله لهم هنا التأديبات التي سمح بها ضدهم ولم يستفيدوا = فلم ترجعوا إلىَّ = وهذه الكلمة تعددت هنا خمس مرّات لتشير أن الله يضرب ليشفي. وإذا رفضوا التوبة سيأتي الله بما هو أصعب حتى يفيق الإنسان من سكره. فإستعد للقاء إلهك يا إسرائيل (آية12) ويمكن أن نفهم هذه الآية في ضوء محبة الله، أن الله إنما يسمح بكل هذا لنكون مستعدين للقائه في اليوم الأخير. وما هي التأديبات التي سمح الله بها نظافة الأسنان = بسبب حرمانهم من الطعام وفي السبعينية "صارت أسنانهم عاطلة بلا عمل" أنا أعطيتكم = فالله هو الذي يعطي الخيرات، وهو الذي يمنعها، وحين يمنعها فهذا يكون أيضاً لصالحنا حتى نستعد للقائه. وعوز الخبز = حدث مثل هذا أيام إليشع النبي (2مل1:8) والخطية تسبب مجاعة روحية أيضاً ومنع الله المطر = وهذا حدث أيام إيليا والمطر يشير لعطية الروح القدس التي نحرم منها بإصرارنا على الخطية (فنحزنه فينطفئ فينا). لذلك يشير الوحي أن الله يمطر على مدينة (للأبرار) ولا يمطر على مدينة أخرى (للأشرار) = والمدينة التي يمطر عليها الرب هي إشارة للعذاري الحكيمات لذلك هن لهن زيتاً في أنيتهن أما المدينة التي لا يمطر عليها هي إشارة للعذاري الجاهلات وهؤلاء في جفاف روحي = جفَّت. فجالت مدينتان أو ثلاث إلى مدينة واحدة لتشرب = هذه تساوي سؤال الجاهلات للحكيمات "إعطينا من زيتكن لأن مصابيحنا تنطفئ" وفي (9) اللفح والقمص واليرقان = الحشرات المفسدة. والخطايا هي الحشرات التي تفسد كروم الله أي النفس الطاهرة.  وفي (10) أرسل عليهم وبأ = أي مرض. وقتل الفتيان يشير لتحطيم مواهب الإنسان وطاقاته بسبب الخطية. وسبي خيلكم = الخيل يشير للقوة فقد حرمهم الله من قوتهم. والإنسان فقد سلطانه بالخطية. وأصعدت نتن محالكم قد يكون النتن من أثار الوبأ والموت. وعوضاً أن يحمل الإنسان رائحة المسيح الزكية تفوح منه رائحة نتانة خطيته. هذا يحتاج لصوت المسيح قائلاً له " لعازر هلمَّ خارجاً. قلبت بعضكم كسدوم وعمورة = غالباً بسبب الزلزال (عا1:1) وهذه ضربات شديدة فيها هلاك جماعي، لكن الله ينقذ بعضاً منهم (الأذن والكراعين") = فصرتم كشعلة منتشلة من الحريق = ومع كل هذه التأديبات لم يتوبوا. فلنستعد للقاء إلهنا في اليوم الأخير بالتوبة.

والآن بعد هذه الصورة المظلمة.. هل هناك أمل في التغيير؟

 

آية (13): "فانه هوذا الذي صنع الجبال وخلق الريح واخبر الإنسان ما هو فكره الذي يجعل الفجر ظلاما ويمشي على مشارف الأرض يهوه اله الجنود اسمه"

الإجابة أن الله قادر على كل شئ. إذاً هو قادر على تحقيق الخلاص للإنسان. وهو يخبر الإنسان ما هو فكره= بواسطة الأنبياء يجعل الفجر ظلاماً بالسحاب الكثيف. وهو يمشي على مشارف الأرض = المشارف أي الأماكن العالية فهو يطأ أعلى الأماكن أي له سلطان على الكل فهو يهوة الكائن بذاته، ليس لأحد سلطان عليه. هنا نجد إشراقة الخلاص، فالله وحده القادر أن يعطيه لنا، وهو يضمد جراحنا ويصلح حال البشرية التي فشلت التأديبات في إصلاحها. وعلينا أن نقابله بالمصالحة لا بالخصومة. وجاء هذا النص في السبعينية "الذي يؤسس الرعد ويخلق الروح يعلن للإنسان مسيحه" وبهذا نفهم أن هذه الآية هي نبوة واضحة عن المسيح سر مصالحة الآب مع الإنسان. والرعد هنا هو صوت الإنجيل الذي يهز النفس فتتحول من حالة الجسد لحالة الروح " المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح  " (يو6:3) ويكون المقصود بخلق الروح هنا هو خلق الطبيعة الروحية فينا عوض الجسدانية وبهذا تتكامل الترجمة العبرية مع السبعينية. ويصير معنى يجعل الفجر ظلاماً ليس المقصود الظلام بمعناه، بل كثرة السحب الممطرة. والفجر هو المسيح شمس برنا الذي اشرق بنوره، وأرسل روحه القدس علينا (السحاب الممطر) ليحول طبيعتنا من طبيعة جسدية إلى طبيعة روحية. خلق الريح = الريح والروح في العبرانية وفي اليونانية هما كلمة واحدة. صنع الجبال = المعنى المباشر أن الله الذي صنع الجبال وخلق الريح قادراً أن يخلص البشر. والمعنى الروحي أن الله قادر أن يجعل من البشر قديسين كالجبال ويكون المسيح هو ثابتاً في رأس الجبال (أش2:2) وهؤلاء القديسين لهم طبيعة روحية. هذا هو ما اشتهاه داود حين قال  " قلباً نقياً إخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي" (مز10:51) وهذا ما عمله المسيح أن جعلنا خليقة جديدة (2كو7:5).


 

الإصحاح الخامس

في هذه العظة الثالثة والأخيرة يوجه مرثاة على عذراء إسرائيل الساقطة مع مجموعة من الويلات ضدها.

 

الآيات (1-3): "اسمعوا هذا القول الذي أنا أنادي به عليكم مرثاة يا بيت إسرائيل. سقطت عذراء إسرائيل لا تعود تقوم.انطرحت على أرضها ليس من يقيمها. لأنه هكذا قال السيد الرب.المدينة الخارجة بألف يبقى لها مئة والخارجة بمئة يبقى لها عشرة من بيت إسرائيل."

مرثاة على عذراء إسرائيل = كأنها ماتت في شبابها قبل أن تنعم بحياة الزوجية فلم يكن لها أولاد، وهذا في نظر اليهودي يستحق الرثاء، كما فعلت أبنة يفتاح الجلعادي (قض1:11-37) التي بكت عذراويتها شهرين قبل أن تموت بيد أبيها. وهنا يعتبر النبي إسرائيل عذراء (فهي بدون ثمار، وربما لأنها لم تقع في السبي من قبل) وقد ماتت (لأنها قد اختارت طريق الموت الروحي فإنفصلت عن عريسها الله). الخارجة بألف يبقي لها مئة = الخارجة للحرب وفيها تهلك الأغلبية وتنجو الأقلية (مئة) وهم البقية الأمينة القليلة. هذه هي البقية المنتشلة من النار، كما انتشل لوط وعائلته من سدوم. سقطت = وهذا حدث بعد سنين عديدة من النبوة إلاّ أن النبي لأنه رآه يكتب بصيغة الماضي. ليس من يقيمها = لن ينفعها أحد من محبيها السابقين، فقد رفضها الله عنه، وهو الذي كان يحميها لذلك انطرحت على الأرض.

 

الآيات (4-7): "لأنه هكذا قال الرب لبيت إسرائيل اطلبوني فتحيوا. ولا تطلبوا بيت إبل والى الجلجال لا تذهبوا والى بئر سبع لا تعبروا.لان الجلجال تسبى سبيا وبيت إبل تصير عدما. اطلبوا الرب فتحيوا لئلا يقتحم بيت يوسف كنار تحرق ولا يكون من يطفئها من بيت إبل. يا أيها الذين يحوّلون الحق افسنتينا ويلقون البر إلى الأرض."

مع أن الله قال عنهم أنهم سقطوا إلاّ أنه عاد ليعطيهم أملاً في الخلاص أن لم يذهبوا لبيت إيل والجلجال وبئر سبع. هذه الأماكن التي كانت مقدسة فدنسوها بأوثانهم (تك17:28 + يش2:5-9 + تك15:22-19) وبسبب تدنيس هذه الأماكن ستصير عدماً وتخرب. والله مازال ينادي علينا أن نترك أماكن الخطية لأنها ستخرب، فإذا هربنا الآن نجينا أنفسنا. لئلا يقتحم بيت يوسف كنار تحرق = لعل كثير من أسباط إسرائيل كانوا يطوبون بني يوسف لأن جبل بيت إيل قد جاء من نصيبهم (يش1:16،2) ولكن إذا أسئ استخدامه فسيحرقه الله. وهم بهذا حوّلوا الحق إفسنتيناً وألقوا البر إلى الأرض = بمزجهم العبادة الوثنية مع عبادة الله. والحق حلو جداً والله هو الحق وهم حولوا بيت الله أي بيت إيل إلى مغارة لصوص = افسنتين وهو عشب مر للغاية لا يطيقه الإنسان. والعبادة الحقة تفرح قلب الله، وبالتوبة يصير فرح في السماء ومزج عبادة الله بالخطية يكون بالنسبة لله كالإفسنتين. وفي ترجمات أخرى جاءت يلقون البر إلى الأرض هكذا "تهملون العدل على الأرض" كما جاء في آية (11) تدوسون المسكين. فمثل هذا الظالم حين يذهب ليعبد الرب يكون كالإفسنتين في مرارته بالنسبة لله.

 

الآيات (8،9): "الذي صنع الثريا والجبّار ويحوّل ظل الموت صبحا ويظلم النهار كالليل الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض يهوه اسمه. الذي يفلح الخرب على القوي فيأتي الخرب على الحصن."

الثريا والجبار = هما مجموعتان من الكواكب. وقد عبد إسرائيل النجوم وتركوا خالقهم. ويحول ظل الموت صبحاً = أي يحول الليل صباحاً. ويظلم النهار كالليل = ويحول النهار إلى الليل فهو الذي يحدد الأوقات ولكن إذا تأملنا في هذه الآية نجدها تعنى أيضاً أن المسيح بصليبه وقد قال "قد أكمل" إنكشفت كل النبوات وتحققت ويكون ظل الموت هو ظلال الناموس حيث كان الإنسان ساقطاً تحت الموت وهذا تحَّول إلى نور. وعند الصليب إظلمت الشمس وتحوَّل النهار إلى ليل. وأيضاً بالمسيح تتحول كل آلامنا في هذه الحياة (ظل الموت) لمجد (صبح) أما للأشرار فيتحول نهارهم إلى ليل. الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض = هو يهوة  القادر على كل شئ، يحول مياه البحر إلى سحب تغطى الأرض وتمطر عليها. وإرسال المطر رمز لإرسال الروح القدس ليجعلنا أرضاً مثمرة. الذي يفلح الخرب على القوى = الله القادر على كل شئ قادر أن يعطي نجاحاً للإنسان المسلوب ضد القوى الذي خَرَّ به فيأتي الخرب على الحصن الذي تحصَّنَ          به القوى ويسترد ماله. والخِرب هو الإنسان الذي خدعه إبليس فسقط ومات وخَرِبَ. وبالمسيح انتصرنا عليه وهو القوى واسترد أولاد الله مالهم.

 

الآيات (10-13): "انهم في الباب يبغضون المنذر ويكرهون المتكلم بالصدق. لذلك من اجل إنكم تدوسون المسكين وتأخذون منه هدية قمح بنيتم بيوتا من حجارة منحوتة ولا تسكنون فيها وغرستم كروما شهية ولا تشربون خمرها. لأني علمت أن ذنوبكم كثيرة وخطاياكم وافرة أيها المضايقون البار الآخذون الرشوة الصادّون البائسين في الباب. لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء."

أنهم في الباب يبغضون المنذر = الباب المقصود به القضاء. فالقضاة كانوا يجلسون في أبواب المدينة. وهذه صورة للظلم المتفشي. فهم كانوا يجاملون الظالم ويدوسون المسكين = بل يطالبون المسكين بدفع قوته هدية قمح فيجوع هو ويبنون هم بيوتاً من حجارة. وكانوا يبغضون من ينذرهم بأنهم يخطئون بهذا وإذ تزايد الظلم جداً مع رفضهم سماع أي كلمة صدق = لذلك يصمت العاقل في ذلك الزمان لأنه زمان رديء = العاقل هو من يكتشف أن الزمان رديء وأن لا أمل في قضاء معوج فيصمت حين يُظلم، ولا يلجأ للقضاء بل يلجأ لله القاضي العادل الصالح، أما هؤلاء الظالمين فلن يكون لهم خير ولا طمأنينة فهم يبنون بيوتاً ولا يسكنون فيها ويغرسون كروماً ولا يشربون خمرها. أيها المضايقون البار = أي الذين يظلمون البرئ ليحصلوا على رشوة.

 

الآيات (14،15): "اطلبوا الخير لا الشر لكي تحيوا فعلى هذا يكون الرب اله الجنود معكم كما قلتم. ابغضوا الشر واحبوا الخير وثبّتوا الحق في الباب لعل الرب اله الجنود يترأف على بقية يوسف."

كما قلتم = هم لا يهتمون بالإنذارات بدعوى أن الله معهم. لكن لن يكون الله معهم أن لم يقدموا توبة حقيقية وإن جاءت الضربات سيبقى الله بقية = يتراءف على بقية يوسف = كأنها نبوة عن الخراب الآتي وبقاء بقية. وذكر اسم يوسف ليذكرهم بسلوك هذا البار فيقتدوا به ويتعلموا منه.

 

الآيات (16-17): "لذلك هكذا قال السيد الرب اله الجنود.في جميع الأسواق نحيب وفي جميع الأزقة يقولون آه آه ويدعون الفلاح إلى النوح وجميع عارفي الرثاء للندب. وفي جميع الكروم ندب لأني اعبر في وسطك قال الرب."

الله هنا يعبر في وسطهم لا كسر حياة لهم إنما لمعاقبتهم وتأديبهم لذا تتحول كل إسرائيل للندب والولولة، إذ صار الكل في حالة موت يقولون آه آه = ويل ويل. وفي(17) وفي جميع الكروم ندب = الكروم رمز للبهجة. إذاً ستختفي البهجة وتتحول إلى ندب، وهذا يشير لنهاية أفراح العالم.

الآيات (18-20): "ويل للذين يشتهون يوم الرب.لماذا لكم يوم الرب.هو ظلام لا نور. كما إذا هرب إنسان من أمام الأسد فصادفه الدب أو دخل البيت ووضع يده على الحائط فلدغته الحيّة. أليس يوم الرب ظلاما لا نورا وقتاما لا نور له."

يوم الرب هو نور ولكن للأعمي روحياً الذي فقد بصيرته بمحبته للخطية يصير هذا النور له ظلاماً فهو لا يبصر. فيوم الرب ظلمة لمن يستحق الظلمة. وتحول يوم الرب للخاطئ بدلاً من أن يكون يوم نصرة ليكون يوم دينونة ومرارة، لا يستطيع أحد أن يهرب منه. فمن يهرب منه يكون كمن حاول الهرب من الأسد فوقع في براثن دب، وهذا بطشه أقوى. فالذين لا تؤدبهم قصاصات الله ويحاولون الهرب منها يجدون قصاصات أشد.

 

الآيات (21-24): "بغضت كرهت أعيادكم ولست التذّ باعتكافاتكم. أني إذا قدمتم لي محرقاتكم وتقدماتكم لا ارتضي وذبائح السلامة من مسمّناتكم لا التفت إليها. ابعد عني ضجّة أغانيك ونغمة ربابك لا اسمع. وليجر الحق كالمياه والبرّ كنهر دائم."

لأن عبادتهم مظهرية وليست من القلب قال لهم أعيادكم.. محرقاتكم فالله لا يقبل عبادة سوى من القلب وإذ يُسَّرْ بها يحسبها أعياده.. وحتى ترانيمهم حسبها ضجة = ضجة أغانيك (1كو1:13) وحتى تكون عبادتهم مقبولة = ليجر الحق كالمياه والبر كنهر دائم = أي لتمتزج حياتكم بالعدل وحب العطاء عوض الظلم والقسوة وليكن هذا كنهر دائم أي له صفة الثبات وليس متقطعاً. ولتكن حياتكم وعبادتكم طاهرة كالمياه.

 

الآيات (25-27): "هل قدمتم لي ذبائح وتقدمات في البرية أربعين سنة يا بيت إسرائيل. بل حملتم خيمة ملكومكم وتمثال أصنامكم نجم إلهكم الذي صنعتم لنفوسكم. فأسبيكم إلى ما وراء دمشق قال الرب اله الجنود اسمه."

كان الأنبياء يتطلعون لفترة البرية على أنها أزهي عصور علاقتهم بالله، حيث عالهم بالمن.  وفي البرية لم يهتم الله بالذبائح بل بأتباعهم للوصايا الأدبية = هل قدمتم لي ذبائح = هذه موجهة لأبائهم في البرية ومع هذا ومع أنه لم تكن هناك ذبائح، إلا أن هذه الفترة كانت أزهي عصورهم هنا الله يريد أن يظهر أنه يهتم ويطلب الالتزام القلبي بالوصايا أكثر من تقديم ذبائح.

بل حملتم خيمة ملكومكم = هذه موجهة للجيل الحالي الذي عبد الإله ملكوم الوثني، (وهذا كانوا يشعلون تحته ناراً حتى تحمر ذراعاه فهو من النحاس الأجوف، ثم يلقون الأطفال عليه، أي على ذراعاه، ليقدمونهم كذبائح حية عليه) وعبدوا النجوم = نجم إلهكم. لذلك يسبيهم الرب إلى ما وراء دمشق= أي إلى أماكن بعيدة (أشور) فكما سبوا أنفسهم لعبادة ا لأوثان هكذا يسمح الله ويسبيهم ليد أعدائهم.


 

الإصحاح السادس

الآيات (1-7): "ويل للمستريحين في صهيون والمطمئنين في جبل السامرة نقباء أول الأمم.يأتي إليهم بيت إسرائيل. اعبروا إلى كلنة وانظروا واذهبوا من هناك إلى حماة العظيمة ثم انزلوا إلى جتّ الفلسطينيين.أهي افضل من هذه الممالك أم تخمهم أوسع من تخمكم. انتم الذين تبعدون يوم البلية وتقربون مقعد الظلم. المضطجعون على اسرّة من العاج والمتمددون على فرشهم والآكلون خرافا من الغنم وعجولا من وسط الصيرة. الهاذرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود. الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدهنون بأفضل الادهان ولا يغتمّون على انسحاق يوسف. لذلك الآن يسبون في أول المسبيّين ويزول صياح المتمددين."

ويل للمستريحين = هم الأغنياء والأقوياء الذين لا يخيفهم شئ ولا حتى فكرة الدينونة. هم المطمئنين = في حياتهم المترفة يظنون أن مراكزهم وغناهم يحميانهم. إن انتشار الرخاء والسلام في إسرائيل إلى جانب العبادة المزدهرة في بيت إيل وسائر المعابد، هذه العبادة التي تغضب الله، وَلَّدَ طمأنينة سياسية كاذبة، فعاشوا مستريحين يظنون أنه لا عقاب ولا دينونة، هم ظنوا أن غناهم دليل رضا الله عليهم، ولماذا لا يرضى الله وهم يقدمون ذبائحهم بهمة ونشاط. نقباء أول الأمم = نقباء أي الأشخاص البارزين وهم في إسرائيل التي يعتبرونها أول الأمم فهم شعب الله المختار. هذا الشعور هو ما نبه له القديس بطرس (2بط4:3) ولكن كيف يطمئنون وهم في شرورهم ؟! وهؤلاء يأتي إليهم بيت إسرائيل = أي هم في مراكزهم العالية يأتي إليهم كل بيت إسرائيل يطلبون العدل والحماية. هؤلاء خدعتهم عظمتهم ولذلك في آية (2) يشير لهم الله بأن يتأملوا في مدن كانت حصينة وقوية أكثر منهم لكنها هلكت ودُمَّرت. كلنة = غالباً هي كلنو (أش9:10) وهي مدينة عظيمة على نهر دجلة وهي قديمة بناها نمرود وهي الآن خراب. وحماة = في سوريا ولقد افتخر سنحاريب بأنه أباد ألهتها أي خربها  (2مل34:18) وجت = وهذه قد خربها حزائيل منذ فترة وجيزة (2مل17:12) وعلى كل من يفتخر بقوته وعظمته أن ينظر لمن كان أكبر منه وأين هو الآن. وفي (3) تبعدون يوم البلية = هذه إحدى الوسائل التي بها يزداد إطمئنانهم، فهم يصورون لأنفسهم أن يوم البلية بعيد، ولذلك فليستمتعوا اليوم بل إذ هم يظلمون فهم يقربوا مقعد الظلم = هم بظلمهم لأخوتهم المساكين يقربون زمن مجيء أشور عليهم وأشور هي مقعد الظلم لهم. وهم انغمسوا في كل الملذات الجسدية (4-6) أسرة من عاج بينما الفقراء ينامون عرايا. ويأكلون عجولاً من وسط الصيرة (المعلف) أي أسمن العجول. والفقراء ينامون جوعي. وهؤلاء الجوعى العرايا مظلومين من قبل هؤلاء الأغنياء. واله يتعجب على حالهم!! كيف يطمئنون هكذا نوماً وشراهة في الأكل وخرابهم ودينونتهم قادمة. وهم هاذرون مع صوت الرباب= أي موسيقي خليعة. وقد يكونون في لهوهم يستخدمون التراتيل الدينية لا للتوبة إنما للسخرية. ولذلك يقول لهم كداود. ولكنه يقولها بألم فشتان الفرق بين من يرتل بخشوع كداود وبين من يهذر مثلهم. وهم يشربون خمراً ويبذرون أموال الفقراء في أدهانهم. وأخر الخطايا المذكورة لا يغتمون على إنسحاق يوسف = يوسف يشير لإسرائيل ككل. وكان عليهم أن يحزنوا على الخراب القادم لا أن ينغمسوا في شهواتهم. ولنعرف أن الله يحزن على هلاكنا (بكاء المسيح على قبر لعازر) (وعلى أورشليم). فكيف لا نحزن نحن على هلاك نفوسنا ونفوس الآخرين. وماذا تكون عقوبة هؤلاء (7)..  السبي. بل سيكونون أول المسبيين = هذه بلغة التهكم أي سيحتفظون بمقامهم الأول لكنهم سيكونون أول المسبيين. ويزول صياح المتمددين = أي المتمددين في الولائم يحتسون الخمر وهم يصيحون ويهذرون وحين يأتي السبي سيزول منهم كل سبب لهذا الصياح وهذا الفرح الزائف.

 

الآيات (8-11): "قد اقسم السيد الرب بنفسه يقول الرب اله الجنود أني اكره عظمة يعقوب وابغض قصوره فاسلّم المدينة وملأها. فيكون إذا بقي عشرة رجال في بيت واحد انهم يموتون. وإذا حمل أحدا عمّه ومحرقه ليخرج العظام من البيت وقال لمن هو في جوانب البيت أعندك بعد يقول ليس بعد.فيقول اسكت فانه لا يذكر اسم الرب. لأنه هوذا الرب يأمر فيضرب البيت الكبير ردما والبيت الصغير شقوقا."

أني أكره عظمة يعقوب = أي كبرياء يعقوب فالكبرياء عمل الشياطين. والله يقسم أن يُسلَّم هؤلاء المتكبرين، وحين يقسم الله فالأمر خطير. والله وصل لأن يكره قصورهم = لأنها مملوءة ظلماً. ولأنهم يفتخرون بها. وبسببها يزداد كبرياؤهم. وهؤلاء الذين يكرههم الله يكون هلاكهم هلاكاً تاماً. إذا بقي عشرة رجال في بيت واحد أنهم يموتون = أي إذا نجو من سيف العدو يموتون بالوبأ أو بالمجاعات. وهناك صورة أخرى للهلاك التام = إذا حمل أحداً عمه = أي إذا مات أحد ولم يوجد من يحمله سوى عمه فالمعنى أن كل الشباب قد ماتوا، ولم يتبقي سوى هذا العم العجوز الذي يضطر لحمل جثة هذا الميت. ومُحِرُقُه = الشخص الذي يحرق الجثة. وفي بعض الأحيان كان الحريق للإكرام فيحرق بخور وأطياب حول الجثة (2أي14:16 + 19:21 + أر5:34) ولكن يبدو هنا أن الحريق كان بسبب الوباء المتفشي في الأرض لكثرة الموتي. وحامل الجثة يسأل أعندك بعد؟ أي هل عندك أحد حي بعد. يقول ليس بعد.. اسكت فأنه لا يذكر اسم الرب وفي ترجمة أخرى "لا نجرؤ أن نذكر اسم الرب "  كأنهم لا يريدون أن يذكروا أمام الرب أن هناك أحياء باقين حتى لا يلتفت لهم الرب ويميتهم. أي جهل هذا !! أما كان أسهل أن نتصالح مع الله عوضاً عن أن ندخل مع الله في خصومة. وفي (11) الله سيهدم كل البيوت كبيرة أو صغيرة.

 

الآيات (12-14): "هل تركض الخيل على الصخر أو يحرث عليه بالبقر حتى حوّلتم الحق سمّا وثمر البرّ افسنتينا. انتم الفرحون بالبطل القائلون أليس بقوّتنا اتخذنا لأنفسنا قرونا. لأني هاأنذا أقيم عليكم يا بيت إسرائيل يقول الرب اله الجنود أمة فيضايقونكم من مدخل حماة إلى وادي العربة."

هل تركض الخيل على الصخر أو يحرث عليه بالبقر = لقد تقست قلوبكم فصارت كالصخر، وأي محاولة لإصلاحكم محكوم عليها بالفشل. والمحاولات هي نبوات الأنبياء وإنذاراتهم الدائمة لهم ودعوتهم للتوبة.  ولكن كل محاولات الأنبياء المشبهة هنا بركض الخيل وحرث البقر هي محاولات يائسة لأن قلوبهم صارت كالصخر. وبقساوة قلوبهم = حولتم الحق سماً= ذلك بقضائكم المعوج وظلمكم حولتم الحكم المفروض أن يكون حق إلى سم. وهم حولوا ثمر البر لإفسنتين = الله أعطاهم إمكانيات وناموس ليسلكوا بالبر ويفرح الله ببرهم لكن بسلوكهم المعوج صاروا كالإفسنتين المر أمام الله. وفي (13) هم فرحون بقوتهم وقروناً = هي إشارة للقوة، وكأنهم متصورين أنهم في قوتهم لن يطولهم شئ ولن يصيبهم أذى. وأن الإنذارات لهي إنذارات فارغة لن تتحقق. وعقوبتهم ستكون أمة تضايقهم من حدودهم الشمالية (مدخل حماة) حتى حدودهم الجنوبية (وادي العربة)


 

الإصحاح السابع

في الإصحاحين 7،8 مجموعة من الرؤى التي أراها الله لعاموس وتبدأ كلها بـ هكذا أراني السيد ا لرب. وهم  4 رؤى. وفي إصحاح 9 رأي عاموس الرب نفسه.

 

الآيات (1-3): "هكذا أراني السيد الرب وإذا هو يصنع جرادا في أول طلوع خلف العشب.وإذا خلف عشب بعد جزاز الملك. وحدث لما فرغ من أكل عشب الأرض أني قلت أيها السيد الرب اصفح.كيف يقوم يعقوب فانه صغير. فندم الرب على هذا.لا يكون قال الرب."

الرؤيا الأولى: رؤيا الجراد. الله يصنع جراداً = إذاً فكل الضربات والتأديبات هي من صنع الله ضابط الكل. وكما سبق ورأينا في سفر يوئيل أن الجراد قد يشير لجيش معادٍ يسمح الله أن يؤدب شعبه به. في أول طلوع خلف العشب.. بعد جزاز الملك = يجب أن نلاحظ تدرج الضربات فأول ضربة هنا هي على خلف العشب. وخلف العشب هذا ينمو بعد حصد وتخزين المحصول الأول الرئيسي الذي يقدم منه لمراعي الملك. إذاً فالله سمح بالنمو الأول. والجراد أُرسِلَ على خلف العشب فقط أي المحصول الثاني. فهذه الضربة تمتزج فيها مراحم الله مع تأديباته لعلهم يتوبون. ثم نجد صلاة عاموس وشفاعته عن شعبه وقبول الله لها. ولذلك تصلي الكنيسة لأجل الزروع والعشب ومياه النهر والأهوية حتى لا يهلك شعب الله. فنصلي ليرفع الله غضبه.

 

الآيات (4-6): "هكذا أراني السيد الرب وإذا السيد الرب قد دعا للمحاكمة بالنار.فأكلت الغمر العظيم وأكلت الحقل. فقلت أيها السيد الرب كف.كيف يقوم يعقوب فانه صغير. فندم الرب على هذا.فهو أيضا لا يكون قال السيد الرب."

الرؤيا الثانية: رؤيا النار: هنا التأديب كان أكثر قسوة لأنهم لم يتوبوا. وإذا تصورنا أن الجراد كان يشير لجيش مضايق مثل أرام. فرؤيا النار تشير لجيش مدمر مثل أشور. والنار هنا لتحرق الذنوب وتطهر. والنار هنا تجفف الماء= الغمر العظيم وبالتالي سيحدث قحط إذ لا ماء ويختفي الطعام = أكلت الحقل. راجع وصف العدو في (يؤ5:2،6) وهنا أيضاً قبل الله شفاعة النبي. والنار هنا إذاً تشير أما لجيش مدمر أو لقحط شديد.

 

الآيات (7-9): "هكذا أراني وإذا الرب واقف على حائط قائم وفي يده زيج. فقال لي الرب ما أنت راء يا عاموس.فقلت زيجا.فقال السيد هاأنذا واضع زيجا في وسط شعبي إسرائيل.لا أعود اصفح له بعد. فتقفر مرتفعات اسحق وتخرب مقادس إسرائيل وأقوم على بيت يربعام بالسيف."

الرؤيا الثالثة: رؤيا الزيج : الزيج هو خيط البناء. وهو خيط يوضع في نهايته ثقل رصاص ويستعمل في بناء الحوائط حتى يستقيم الحائط وشريعة الله هي الزيج الذي به يحدد الله استقامة شعبه، فإذا وجدهم قد انحرفوا جعل مرتفعاتهم تقفر أي سقوط كل عزهم وكبريائهم. والبَنَّاء حين يستخدم الزيج على حائط ويجده معيباً أي مائلاً لابد أن يهدمه هنا يستخدم الزيج للهدم لا للبنيان. وقد تشير الرؤى الثلاث لحملات أشور على إسرائيل.  ففي الحملة الأولى كانت هناك مضايقات وهكذا في الثانية مضايقات أي جزية مع بعض الخسائر، ولكن الخراب لم يكن تاماً. أما هنا في الحملة الثالثة فالخراب نهائي لذلك لم نسمع هنا أن الله استجاب لشفاعة النبي. والحائط يشير لإسرائيل التي أقامها الله لحماية مقادسه.

تقفر مرتفعات اسحق = اسحق يعني ضحك لأن الله سيجعلهم هزءاً بين الشعوب. وتخرب مقادس إسرائيل = الله أقام إسرائيل ليقيم مقادسه وسطهم لكنهم نجسوها فسيخربها لهم الله فهم لا يستحقونها. هم ظنوا أنها ستحميهم وهم غارقون في خطاياهم، لكن الله سيخربها وهم سيهلكون.

 

الآيات (10-17): "فأرسل امصيا كاهن بيت إبل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلا قد فتن عليك عاموس في وسط بيت إسرائيل.لا تقدر الأرض أن تطيق كل أقواله. لأنه هكذا قال عاموس.يموت يربعام بالسيف ويسبى إسرائيل عن أرضه. فقال امصيا لعاموس أيها الرائي اذهب اهرب إلى ارض يهوذا وكل هناك خبزا وهناك تنبأ. وأما بيت إبل فلا تعد تتنبأ فيها بعد لأنها مقدس الملك وبيت الملك. فأجاب عاموس وقال لامصيا.لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبيّ بل أنا راع وجاني جميّز. فأخذني الرب من وراء الضأن وقال لي الرب اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل. فالآن اسمع قول الرب.أنت تقول لا تتنبأ على إسرائيل ولا تتكلم على بيت اسحق.  لذلك هكذا قال الرب امرأتك تزني في المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف وأرضك تقسم بالحبل وأنت تموت في ارض نجسة وإسرائيل يسبى سبيا عن أرضه. "

قصة أمصيا مع عاموس : أنتهت الرؤي السابقة بنبوة عن هلاك بيت يربعام الثاني بالسيف. وغالباً علَم عاموس بهذا ونشر نبواته. ووصلت هذه النبوات لأمصيا رئيس كهنة المملكة الذي يكهن في بيت إيل مركز عبادة إسرائيل (المملكة الشمالية). فوشى أمصيا هذا بعاموس عند الملك، ويظهر أنه كان مقرباً عند الملك. وبدلاً من أن يقدموا توبة بعد أن سمعوا هذه الإنذارات، حنقوا على النبي، فهكذا كل شرير لا يطيق أن يستمع لأي إنذار أو توبيخ. وأمصيا هذا حوَّل "الحق سماً" واعتبر إنذارات النبي خيانة وثورة ضد الملك وإثارة للشعب ضده. وهذا ليس عجيباً فقلب رئيس الكهنة ليس متجهاً لله بل للمجد العالمي. لا تقدر الأرض أن تطيق أقواله = لأنهم لو سمعوا كلام النبي لكان عليهم أن يمتنعوا عن عباداتهم كلها ويغلقوا هياكلهم ويهدموا عجولهم، وأن الأغنياء عليهم أن يردوا ما سلبوه من الفقراء المساكين. ويبدو أن الملك لم يهتم بعاموس بل احتقره فقرر أمصيا أن يطرده هو. وقال له إرجع ليهوذا وكل هناك خبزاً = فهو ظنه مثله أتي ليتنبأ ليأكل خبزاً، أي النبوة له مجرد عمل وظيفي يتعيش منه. والحق أن أمصيا كانت له هذه الصفة وهو خاف من التوبة لئلا تنقص أرباحه. لذلك رفض أيضاً كهنة اليهود المسيح. فالأغراض الشخصية تعمى العيون عن الحق. لأنها مقدس الملك = الملك أقامها مقدساً برأيه الشخصي، ولكن هذا ليس رأى الله وهناك ملحوظة هامة في كلمات أمصيا:- دائماً من يسلك وراء الشيطان يكون له أساليب الشيطان. والشيطان هو الكذاب وأبو الكذاب فأمصيا لكي يثير الملك أدّعى أن عاموس قال يموت يربعام بالسيف (11) بينما كان قول عاموس اقوم على بيت يربعام بالسيف (9). وبيت يربعام هم نسل يربعام ولكن أمصيا أراد أن يثير يربعام ضد عاموس. والشيطان في خبثه يقدم أنصاف حقائق حتى نقبلها ويكون الصدق الذي فيها شركاً لنا فنقبل الكذب الذي فيها. وكان كلام أمصيا فيه كثيراً من الدهاء ليقنع عاموس بترك إسرائيل، فبيت إيل مركز ملك مستقر وهي لا تقبلك، وأنت متضايق هنا من خطايانا، فإذهب ليهوذا حيث تجد كل التقدير والأمان.  ولكن عاموس الخادم الحقيقي لا يبحث عن مكان آمن يأكل فيه خبزاً بل عن المكان الذي أرسله له الله. وهو بهذا التواضع أجاب أمصيا لست أنا نبياً ولا ابن نبي بل أنا راعٍ وجاني جميز فأخذني الرب من وراء الضأن = أي أنا لست شيئاً بل الرب قال لي أذهب تنبأ لشعبي إسرائيل = وهذا يشبه قول بولس الرسول " بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان بل بيسوع المسيح والله الآب (غل1:1). والمعنى أني أنا مكلف من الله بهذه الخدمة كمحاولة لإنقاذ شعبه إسرائيل فكيف تمنعني أنت. ولكن مشكلة أمصيا أنه ظن عاموس باحثاً عن الثروة مثله، ولذلك جاء لهذا المكان يبحث عن عمل وليكن هذا العمل هو النبوة. ونجد هنا عاموس في شجاعة وبسلطان من الله وكنبي يتنبأ ينطق بحكم على هذا الكاهن الشرير (16،17). ولعل هذه النبوة قد تحققت في أثناء سبي أشور لإسرائيل وارتكب أحد جنود أشور الشر مع امرأة امصيا، وفقد أولاده وبناته وحُمِلَ هو مسبياً لأرض غريبة ليموت هناك. تقسم بالحبل = فقد أتي ملك أشور بشعوب أخرى وأسكنهم أرض إسرائيل عوضاً عن شعبها الذي سباه لأرض أخرى. ولاحظ في رد النبي على أمصيا لست نبياً ولا ابن نبي = أنه ليس نبياً محترفاً كأنبياء إسرائيل الكذبة الذين يتنبأون بالأجرة. لأنه غالباً فقد خلط الناس بين النبي الحقيقي والنبي الكاذب.


 

الإصحاح الثامن

الآيات(1-3): "هكذا أراني السيد الرب وإذا سلّة للقطاف. فقال ماذا أنت راء يا عاموس.فقلت سلّة للقطاف.فقال لي الرب قد أتت النهاية على شعبي إسرائيل.لا أعود اصفح له بعد. فتصير أغاني القصر ولاول في ذلك اليوم يقول السيد الرب.الجثث كثيرة يطرحونها في كل موضع بالسكوت."

الرؤيا الرابعة:- رؤيا سله القطاف:- السبب الرئيسي الذي يجعل الخطاة يؤجلون توبتهم من يوم إلى يوم انهم يظنون أن الله يؤجل قصاصاته. ولذلك فهنا يشبه الله إسرائيل بسلة للقطاف أي سلة مملوءة بفاكهة الصيف يتهيأ من حولها لالتهامها. فهم مهيأون فوراً للهلاك = قد أتت النهاية وفي العبرية فكلمة النهاية قريبة من كلمه القطاف آو فاكهة الصيف. فالخطاة إن لم يضعوا نهاية للخطية وضع الله نهاية لهم. أغاني القصر = أغاني أفراحهم أو أغاني هياكل أوثانهم. والموت يسود = الجثث كثيرة يطرحونها بسكوت = خائفين من أن العدو يسمع صوت ولولتهم فينقلهم هم أيضا. فالله أعطاهم فرصاً كثيرة بطول أناة وهم استهانوا بها فأتي الهلاك عليهم.

 

الآيات(4-10): "هكذا أراني السيد الرب وإذا سلّة للقطاف. فقال ماذا أنت راء يا عاموس.فقلت سلّة للقطاف.فقال لي الرب قد أتت النهاية على شعبي إسرائيل.لا أعود اصفح له بعد. فتصير أغاني القصر ولاول في ذلك اليوم يقول السيد الرب.الجثث كثيرة يطرحونها في كل موضع بالسكوت."

المتهممون = في ترجمه أخري "الظامئون إلى دم المحتاج". أي كان هؤلاء الظالمين عطشى لدم البائسين أي إلى أرضهم ومحاصيلهم التي يعيشون عليها. أما المسيح فأفتقر ليغنينا (2كو 9:8). وفي آية (5) رأس الشهر= كان يوماً مقدساً يقدمون فيه ذبائح خصوصية، وتضرب الأبواق (عدد11:28-15+10:10) ويمتنعون فيه عن أشغالهم العادية. وهم كانوا يتمنون أن يمر رأس الشهر والسبوت وغيرها من الأعياد سريعاً ليعودوا لتجارتهم بالغش التي يحققون منها مكاسب كبيرة، فهم ضاقوا ذرعاً بالأعياد حيث تتوقف التجارة، وهذا يسبب لهم خسائر عادية. نصغر الإيفة ونكبر الشامل = موازينهم موازين غش فهم امتنعوا عن العمل ظاهرياً ولكن بلا تقوي في القلب بل الغش والظلم يملأن القلب. هي صورة مؤلمة للنفس التي صارت تستثقل خدمة الرب ويوم الرب. وهم يبيعون الحبوب بالأيفة لذلك يصغرون الإيفة ويشترون بالشاقل من المزارعين المساكين لذلك فهم يكبرون الشاقل. وهو أصبحوا يشترون المساكين كعبيد (6) بالفضة والبائس بنعلين = حين لا يقدر هؤلاء المساكين على الدفع يشترونهم كعبيد وبيعهم لنفاية القمح = قد تكون نفاية القمح (1) القمح الفاسد وهذا يبيعونه للفقراء على أنه جيد أو (2) هذا ما تبقي من الجمع في الحقل، أو ما نسيه الشخص في الحقل وبحسب الشريعة لا يرجع صاحب الحقل ليأخذه بل يتركه للفقراء (تث19:24). وفي جمعهم لنفاية الحقل وبيعها مخالفة للناموس وكسر لقانون المحبة، فمن أين يجد الفقراء ليأكلوا. هم باعوا حق الفقراء بالفضة، وإذ لا يجد الفقير فضة ليشتري قمحاً ليحيا هو وأولاده أعطوه قمحاً، ولكن اشتروه بالفضة وباعوه كعبد. اقسم الرب بفخر يعقوب = أي بنفسه فهو فخر يعقوب ومجده. بأنه لن ينسى هذا الظلم وسترتعد الأرض وينوح كل ساكن فيها. وتكون هذه الرعدة كفيضان النيل. فقصاصات الله عليهم ستأتي كفيضان يكتسح كل شئ. تفيض وتنضب = تكتسح وتغرق في ترجمات أخري. ويكون في ذلك اليوم = حين يأتي الخراب أنه سيأتي بغتة فيتحول نورهم إلى ظلام = أغيب الشمس في الظهر وأقتم الأرض في يوم نور = فبعد أن كان كل شئ بهياً مفرحاً إذ به صار مظلماً قاتماً. وتنتهي فيه مباهج حياتهم. هكذا قصاصات الله مرعبة للخطاة. هذه لعنة الخطية ولكن نشكر الله الذي حمل خطايانا ولعنتها، بل صار خطية من أجلنا يوم الصليب الذي فيه غابت الشمس في الظهر. وبذلك تصبح هذه الآية في ذلك اليوم إني أغيب الشمس = نبوة واضحة عن يوم الصليب، حيث حمل المسيح ألامنا التي جلبناها على أنفسنا. وفي يوم الصليب أيضا ارتعدت الأرض بزلزال شقق الأرض وقام الموتي، وفيه أنشق حجاب الهيكل ورُفِض اليهود نهائياً وتشتتوا في العالم لرفضهم المسيح، وتحولت أعيادهم نوحاً وفقدوا هيكلهم فتحولت أغانيهم لمراثي (ومازالوا يبكون عند حائط المبكي) ولبسوا المسح على الأحقاء حين أسلمهم الله للأمم لمدة حوالي 2000سنة وحزنهم كمناحة الوحيد = أي حزن شديد جداً. وأخرها يوماً مراً = هو اليوم الذي يقبلون فيه ضد المسيح، حين ينطلق الشيطان وتأتي الضيقة العظيمة.

 

الآيات(11-14): "هوذا أيام تأتي يقول السيد الرب أرسل جوعا في الأرض لا جوعا للخبز ولا عطشا للماء بل لاستماع كلمات الرب ً. فيجولون من بحر إلى بحر ومن الشمال إلى المشرق يتطوّحون ليطلبوا كلمة الرب فلا يجدونها. في ذلك اليوم تذبل بالعطش العذارى الجميلات والفتيان. الذين يحلفون بذنب السامرة ويقولون حيّ إلهك يا دان وحية طريقة بئر سبع فيسقطون ولا يقومون بعد."

في أيام النهاية سيكون هناك جوع وعطش لكلمة الله الحقيقية التي تشبع وتروي. فالعالم يسير وراء الضلال ووراء شهواته. ولأن البشر لا يطلبون الله بالحقيقة سيعطيهم الله شهوة قلوبهم ويطلق لهم الشيطان من أسره فينطلقون وراء شهوات العالم ليشبعوا منها، ولكن هذه لا تشبع ولا تروي. وبذلك يكون العالم في حالة جوع وعطش وفراغ روحي. وهذه الحالة يصاحبها آلام نفسية وتحطيم نفس، وتملأ النفوس كآبة لأنها قد انفصلت عن سر شبعها وفرحها "الله" وانجذبت لشهوتها، ولا اشتراك للنور مع الظلمة، ولذلك هم يجولون من بحر إلى بحر = وماء البحر مالح ويحاولون أن يرتووا منه لكنهم يزداد عطشهم. هم تركوا الله ينبوع الماء الحي وذهبوا ينقرون لأنفسهم آبارا  مشققه لا تضبط ماء (أر2: 13) ويبحثون عن كلمة الله من الشمال للشرق، أي في كل مكان ولكنهم لا يجدونها. أليس هذا هو حال العالم اليوم. ولنلاحظ ارتفاع عدد حالات الانتحار والالتجاء إلى الأطباء النفسيين. بل الأدهى اللجوء للشياطين والسحر في أكثر بلاد العالم تقدماً. هم يبحثون عن شئ لكنهم يتخبطون غير راغبين في البحث بأمانة عن الله، وستزداد هذه الحالة مع قرب النهاية وظهور ضد المسيح. وتركز الآيات على أن هذا يتم بصورة أوضح في أرض إسرائيل من دان شمالاً إلى بئر سبع جنوباً لأن أرض إسرائيل هي مسرح أحداث النهاية. وكل العمي الذي يصيب اليهود اليوم سببه البرقع الذي على عيونهم (2كو15:3). فكيف يجدون الرب وقد وضعوا البرقع على عيونهم. لذلك هم سيضلون وراء ضد المسيح حين يظهر، لأنهم رفضوا المسيح الحقيقي. تذبل بالعطش العذراي الجميلات (جمالهم سينتهي) والفتيان (قوتهم ستنتهي). الله هو سر جمالهم وقوتهم لكن حين تركوه فقدوا جمالهم وقوتهم. الذين يحلفون بذنب السامرة ويقولون حي إلهك يادان وحية طريقة بئر سبع = الخطية التي اتهموا بها أنهم يحلفون بذنب (إله) السامرة = أي الصنم الذي في بيت أيل الذي يعبده إسرائيل وعاصمتها السامرة. فهم افتخروا بخزيهم وقالوا "حي إلهك يادان" أي يحلفون بهذا العجل الذهبي متوهمين انهم يعبدون الله عبادة صحيحة. ويتخيلون أن طريقتهم في العبادة ومعرفتهم هي الصحيحة = حية طريقة بئر سبع = ولا يدرون أن هذا لخزيهم وهم الآن يرفضون المسيح ومازالوا ينتظرون مجيء المسيح، وهم مصرين ان طريقتهم هي الصحيحة. ولذلك سيقبلوا ضد المسيح متي جاء وسيكون هذا ذنب السامرة وسيكون هذا لخزيهم حين يحلفوا أي يسيروا وراء ضد المسيح. ولذلك هم يسقطون ولا يقومون. وكأن الآيات تشير للمنطقة التي ستحدث فيها هذه الأحداث من البحر للبحر = أي من البحر المتوسط إلى البحر الميت ومن دان إلى بئر سبع.


 

الإصحاح التاسع

الآيات(1-4): "رأيت السيد قائما على المذبح فقال اضرب تاج العمود حتى ترجف الأعتاب وكسّرها على رؤوس جميعهم فأقتل آخرهم بالسيف.لا يهرب منهم هارب ولا يفلت منهم ناج.أن نقبوا إلى الهاوية فمن هناك تأخذهم يدي وان صعدوا إلى السماء فمن هناك أنزلهم. وان اختبأوا في راس الكرمل فمن هناك أفتش وآخذهم وان اختفوا من أمام عينيّ في قعر البحر فمن هناك آمر الحيّة فتلدغهم. وان مضوا في السبي أمام أعدائهم فمن هناك آمر السيف فيقتلهم واجعل عينيّ عليهم للشر لا للخير."

الرؤيا الخامسة:- رؤيا المذبح:- لم يقل هنا "هكذا أراني السيد لأن الرب هنا أراه نفسه = رأيت السيد قائماً على المذبح. ومن على المذبح يعلن الله خصومته معهم لأنهم دنسوا مقدساته. هو أعلن خصومته معهم من علي المذبح لأنه قرر ان يحطم هذا المذبح الذي امتزجت فيه عبادة الله مع العبادة الوثنية. ويبدأ الضرب بتاج العمود = أي عمود الهيكل. وقد يكون هذا إشارة لرئيس كهنتهم أو ملكهم. حتى ترجف الأعتاب = أي تتزلزل الأعتاب وهذه إشارة لبقية الشعب. وإسرائيل هنا مصورة في صورة هيكل يضربه الله من رأس عموده (ملكهم) حتى أصغر إنسان، أي سيهلك الكل ولن يكون هناك هارب من ضربة الله، فهم دنسوا هيكل الله فسيفسدهم الله (1كو17:3) فاقتل أخرهم = إذا الهلاك للجميع حتى أن نقبوا إلى الهاوية وإن صعدوا إلى السماء. إن أختبأوا في رأس الكرمل (اعلي القمم) أو ذهبوا لقعر البحر تجئ عليهم لعنة الله = آمر الحية فتلدغهم. لقد ظن أهل بابل أنهم لو أقاموا برجاً عالياً جداً سينقذهم هذا من الطوفان، وظن يونان انه بهربه إلى البحر سوف يستطيع أن يهرب من الله. ولكن أين نهرب أن جعل الله عينيه علينا للشر لا للخير (وقد تعني الأماكن العالية الكبرياء والبحر لذات العالم) وإن مضوا للسبي.. السيف يقتلهم = خطيتهم كانت السبب في عبوديتهم وذهابهم للسبي وهناك أيضا تدركهم تأديبات الله بالسيف حتى وهم في أرض غريبة.

 

الآيات (5،6): "والسيد رب الجنود الذي يمسّ الأرض فتذوب وينوح الساكنون فيها وتطمو كلها كنهر وتنضب كنيل مصر. الذي بنى في السماء علاليه وأسّس على الأرض قبّته الذي يدعو مياه البحر ويصبها على وجه الأرض يهوه اسمه."

نري هنا مقدار عظمة الله وقدرته على أن يصنع ما يحذرهم به فهو يمس الأرض فتذوب (ترتعد) والقصاصات تطمو كلها كنهر (كطوفان). والمملكة تنضب (أي تغرق) كما يفيض نهر النيل. يهوه اسمه = فهو القادر علي كل شئ. وهو الذي بني في السماء علاليه. وأسس على الأرض قبته. وقبته هي الفضاء الشاسع المحيط بكرة الأرض. وهذا يجذب مياه المحيطات كبخار ليسقط مطرا على الأرض. (هذا يشبه ما رآه حزقيال أن الله جالس على عرشه فوق قبة السماء مرتفعا عن الأرضيات) إذا هو قادر أيضا أن يرفعنا للسماويات، وهذا ما صنعه بصعوده. وجاءت كلمة قبته لتعني أيضا فرقة حراسة قد أسسها على الأرض بها يحمي خاصته على الأرض. وقد تعني شعبه السماوي الذي يحارب كفرقة مجتمعة ضد إبليس وجنوده.

 

الآيات(7-10): "ألستم لي كبني الكوشيين يا بني إسرائيل يقول الرب.ألم اصعد إسرائيل من ارض مصر والفلسطينيين من كفتور والآراميين من قير. هوذا عينا السيد الرب على المملكة الخاطئة وأبيدها عن وجه الأرض غير أني لا أبيد بيت يعقوب تماما يقول الرب. لأنه هاأنذا آمر فأغربل بيت إسرائيل بين جميع الأمم كما يغربل في الغربال وحبة لا تقع إلى الأرض. بالسيف يموت كل خاطئي شعبي القائلين لا يقترب الشر ولا يأتي بيننا."

كان ما يميز شعب إسرائيل أن الله أخرجهم من أرض العبودية (مصر) ودخل معهم في عهد وأعطاهم شريعة وحل بمجده في وسطهم فصاروا له شعباً وصار لهم إلهاً. ولكنهم اتكلوا على هذا وتصوروا أنهم مهما أخطأوا فهم شعب الله. لذلك يقول الله لهم هنا : أنه كما أخرجهم من أرض مصر اخرج الفلسطينيين من كفتور والآراميين من قير. قير أي ما وراء دمشق. فخروجهم من مصر ليس هو ما يميزهم عن غيرهم فقد سبق الله وصنع هذا مع كثيرين وأنقذهم من العبودية. لكن ما كان يميزهم هو وجود الله في وسطهم، وكونهم شعباً مقدساً ملتزما بناموس الله. فإن ساروا بالعكس مع الله وفقدوا صورة قداستهم صاروا بالنسبة لله كبني الكوشيين= وهؤلاء لم يدخل الله معهم في عهده. ولون الكوشيون أسود والمعني الرمزي أنهم صاروا في سواد الخطية (ار23:13) والله هنا يعلن غضبه على الظلمة التي صاروا فيها فلا شركة للنور مع الظلمة وها هو ينذرهم بأنه يبيد المملكة الخاطئة ولكن يبقي بقية أمينة = لا أبيد بيت يعقوب تماماً. ولكنه يغربلهم وسط الشعوب. وهذا ما حدث بعد سبي أشور وبعد سبي بابل وعاد وجمعهم، وهذا ما حدث بعد المسيح، فبصلبهم للمسيح خسروا علاقتهم بالله، وصاروا كالكوشيين وتشتتوا في العالم أجمع لكن لن تقع حبة إلى الأرض = هذا وعد بخلاص البقية في الأيام الأخيرة. وفي (10) هم يعيشون على أحلام باطلة انهم شعب الله المختار ولن يصيبهم الشر ولا يقترب إليهم. لكن إنذار الله واضح بالسيف يموت كل خاطئي الشعب.

 

الآيات(11-15): "في ذلك اليوم أقيم مظلّة داود الساقطة وأحصن شقوقها وأقيم ردمها وابنيها كأيام الدهر. لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا. ها أيام تأتي يقول الرب يدرك الحارث الحاصد ودائس العنب باذر الزرع وتقطر الجبال عصيرا وتسيل جميع التلال.  وارد سبي شعبي إسرائيل فيبنون مدنا خربة ويسكنون ويغرسون كروما ويشربون خمرها ويصنعون جنّات ويأكلون أثمارها. واغرسهم في أرضهم ولن يقلعوا بعد من أرضهم التي أعطيتهم قال الرب إلهك."

آيات نهائية تفتح باب الرجاء خلال المسيح ابن داود ليقيم مملكته الروحية التي تضم العالم كله. وهذا السفر أتسم بهدم قصور يهوذا وإسرائيل وكل الأمم المحيطة بإشعال النار فيها. وعوض هذه يقيم الله مظلة داود الساقطة بقيامته وقيامتنا معهُ. فبيت أو قصر داود انتهى بسبي وهلاك وخراب صدقيا أخر ملوك يهوذا. وهنا يظهر خط عاموس واضحاً. فالله خلقنا وسكن فينا كقصور وكذا على صورته، وبالخطية (الثلاثة لأنها تجاه الله) (وبالأربعة لأن الخطية كانت ناراً جاءت على هذه القصور فتحولت لمظلة ساقطة. والسفر يتحدث عن الخراب والموت ثم أخيراً في صورة مبهجة عن القيامة، من خلال جسد المسيح (وبالمعمودية نموت ونقوم معهُ) فالمسيح أقام جسده أي بيته الجديد فينا بروحه القدوس من خلال الأسرار المقدسة. إذاً الخراب كان مقدمة لإقامة الجسد الجديد فهو يقلع ليغرس ويهدم ليبني (أر10:1) وهو يحصن شقوقها ويقيم ردمها فبعد أن فقدنا مجدنا الملوكي بالخطية وفقدنا جمال قصورنا وصرنا كمظلة منهدمة خربة مثل بيت داود. أعاد المسيح بناؤنا. وجاءت الآية (11) بمعني أرمم ثغراتها وأقيم خربها. لقد أعاد المسيح للكنيسة المجد الروحي وحصلت على عهد جديد. ومهما كان بيت داود فهو بالمقارنة مع كنيسة المسيح كالخيمة. وفي(12) فتح الباب لجميع الأمم لتدخل تحت هذه المظلة. ويتحول فيها أدوم الدموي لوداعة المسيح. والأمم عباد الأوثان لشعب المسيح. وفي (13) فيض النعمة في كنيسة المسيح بلغة الزراعة فالأرض خصبة والحصاد وفير أي المؤمنين سيكونون كثيرين. يدرك الحارث الحاصد = ليعد الأرض للغلة التالية. والمؤمنين راسخين سماويين كالجبال يقطرون عصيراً = فرحاً وبركة وفي (14) عصر الحرية من إبليس، فبعد أن حولنا إبليس لخرب أعاد الروح القدس بنائنا وملأنا فرحاً = خمرها وفي (15) نجد ثبات هذه الكنيسة لن يقلعوا بعد من أرضهم = هي كنيسة تشبع وتفرح بالروح القدس (الحصاد الكثير والخمر الذي يسيل).

 

الصفحة الرئيسية