مقدمــة

1-    الله لم يترك طريق إلا وسلكه حتى يعلمنا. فنجد الكتاب المقدس قد اشتمل على عدة طرق للتعليم:

‌أ.      القصص: وفيها يعلمنا الله قصص سقوط وتوبة كثيرين لنتعلم.

‌ب.  الوصايا والشريعة: إذا إلتزمنا بها تتقدس النفس.

‌ج.   النبوات: حينما نرى تحقيقها نؤمن بقوة الكلمة.

‌د.     الأناشيد والتسابيح والمزامير: هذه يسهل حفظها لترديدها فنتعلم الصلاة.

‌ه.     الأمثال: جمل قصيرة تحوى حكمة ملخصة يكون شرحها كلاماً كثيراً.

والله استخدم كل هذه الطرق المتنوعة ليتركنا بلا عذر إذا فضَّلنا طريق الخطية بلا توبة.

2-    التعليم بالأمثال:

‌أ.          هي طريقة قديمة استعملها المصريين واليونان والفرس وشعوب أخرى كثيرة.

‌ب.      هي طريقة مباشرة وسهلة للتعليم.

‌ج.   الأمثال تعبر عن الشعوب فالأجيال تتسلم الأمثال من القدماء كخلاصة فكرهم واختباراتهم وتسلمها للأجيال التالية. فهي تشكل فكر الشعوب، بل تعبر عن ثقافة وحضارة هذه الشعوب. (1صم13:24)

‌د.   تستعمل الأمثال في الحوار على أنها بديهيات لا يناقشها أحد. ويحاول كل طرف في مناقشته أن يستعمل الأمثال في صالحه. بل أن الكلمة العبرية "مشل" وتعني مثل تحمل معنى يحكم أو يسيطر أو شئ سائد. ومن يستخدم الأمثال في تعليمه فهو بهذا يريد أن يسود على فكر سامعه فالمثل خلاصة حكمة القدماء وكأن من يستخدم المثل يقول للآخر "كيف تناقشني والقدماء قد قالوا كذا وكذا" (أي8:8).

‌ه.   وتوجد لدى الشعوب أمثال كلها حكمة فعلاً ولكن هناك أمثال شعبية سيئة تفسد عقول الناس ومنها ما انتشر مثلاً في مصر ويدعو للنفعية والأنانية.

    "إن رحت بلد بتعبد العجل حش وإديله".. وهذا المثل لا يمانع في عبادة الأوثان.

    "إن جالك الطوفان حط ولادك تحت رجليك".. وهل هناك أنانية أكثر من هذا.

    ومثل هذه الأمثال السيئة تقسى الإنسان في طريق الخطية. ومثل هذه الأمثال السيئة أيضاً انتشرت أمثال سيئة وسط الشعب اليهودي. (راجع حز22:12 + حز2:18).

‌و.   والله حتى يحمي عبيده من تأثير الأمثال السيئة المفسدة سمح بوجود أمثال مقدسة، أوحى الله بها بواسطة روحه القدوس لبعض رجاله في كل مكان. ولنفس السبب تستخدم الكنيسة التراتيل والألحان والتسبحة لتحمي شعبها من تأثير الأغاني العالمية الهابطة.

3-    أمثال سليمان وأمثال الشعوب

بعض الدارسين من نقاد الكتاب المقدس عقدوا دراسات مقارنة بين أمثال سليمان الحكيم وبين الأمثال التي جمعوها من بين الشعوب ووجدوا هناك تشابهاً بينهم واستخلصوا من هذا أن سليمان ما كان سوى جامعاً وناقلاً لأمثال الشعوب من حوله ولنرد على هذا نقول الآتي:

‌أ-        ينسى هؤلاء أن "كل الكتاب موحى به من الله" (2تي16:3 + 2بط21:1)

‌ب-  الله لم يقتصر عمله على شعب اليهود فقط، بل كان الله يتعامل مع كل الشعوب في كل العالم ويلقي أضواء بوحي من روحه القدوس على الحقيقة، فالله لا يترك نفسه بلا شاهد. ودليل على ذلك:

     [1] قال أيوب وأصحابه كلاماً كله حكمة إلهية عجيبة.

     [2] بلعام تنبأ عن المسيح وهو ليس بيهودي.

‌ج-  وُجِد بين الشعوب نوعين من الحكمة، الحكمة الجيدة المقدسة وهذه تقود لقداسة الناس، والحكمة الفاسدة النفعية. ويجب أن نفهم أن كل حكمة حقيقية مصدرها هو الله (يع16:1،17). فإذا وجدت حكمة جيدة وسط الشعوب فمصدرها هو الله. ومن أين أتى أيوب وأليفاز وبلدد وأليهو بكل ما قالوه وهم من القبائل العربية. أما الحكمة الفاسدة التي انتشرت وسط الشعوب فهي خلاصة تجاربها النفعية وخبراتها الشريرة وهي حكمة نفسانية شيطانية (يع15:3).

‌د-   ويكون بهذا أن التصور الصحيح للتشابه بين أمثال سليمان والأمثال المنتشرة وسط الشعوب مرجعه.. أن الله أوحى بالتعاليم الصحيحة لبعض عبيده الأمناء في بعض الشعوب. وانتشرت هذه الأقوال وسط هذه الشعوب ووسط الشعوب التي احتكت بها سواء بالمصاهرة أو بالتجارة. ثم أضيفت لهذه الأمثال ذات المصدر الإلهي أمثال سيئة مصدرها الخبرات الشخصية لهذه الشعوب. ويكون سبب التشابه بين أمثال سليمان الحكيم الواردة في الكتاب المقدس وأمثال الشعوب راجع إلى:

i)    الروح القدس الذي أوحى لسليمان أن يكتب هنا هو نفسه الذي أوحى للآخرين وطالما أن المصدر واحد في الحالتين وهو الروح القدس سيكون الكلام واحداً.

ii)   سليمان بوحي من الروح القدس انتقي من وسط الأمثال الشعبية التي للشعوب الأخرى الأمثال المقدسة التي أوحى بها الله أولاً لهذه الشعوب قبل أن يضاف إليها. والرأي الأول أرجح.

‌ه-   سليمان بحكمته نطق بأمثال (3000مثل) (1مل32:4). والوحي لم يسجلها كلها. وربما كانت هذه الأمثال صالحة لوقت سليمان ولمملكته فقط، أما الروح القدس حين يُسَّجلْ في الكتاب المقدس لا يسجل سوى ما هو مفيد لكل الناس في كل العصور. ومن هذا نفهم أن سليمان حين كتب هذا السفر لم يكن حراً تماماً في أن يسجل ما يختاره من أمثال الشعوب ولا حتى أن يسجل كل ما كتبه هو نفسه. بل بوحي من الروح القدس انتقي ما كُتِبَ هنا، وهو النافع للتعليم والتوبيخ والتقويم والتأديب الذي في البر بحسب ما رأي الروح القدس الذي أوحي به (2تي16:3،17)

‌و-   بنفس المنطق نجد أن كل الشعوب الوثنية كانت تقدم ذبائح حيوانية إرضاءً لآلهتها وجاءت شريعة موسى تطلب تقديم ذبائح حيوانية فهل نقل موسى عن الشعوب الوثنية؟ الصحيح أن فكر تقديم ذبيحة حيوانية كرمز للمسيح ثابت منذ البدء والله علَّم آدم أنه بواسطة الذبيحة يستر عُرْيَهْ وغضب من قايين إذ لم يقدم ذبيحة حيوانية. ومن هنا تسلمت الأجيال فكرة تقديم الذبيحة الحيوانية ولكن الشعوب في جهلها ظنت أنها بهذا ترضي آلهتها الوثنية واختفت من وسط هذه الشعوب الوثنية فكرة الكفارة. وجاء موسى ليقدم الفكر الصحيح وينقيه من كل الشوائب الوثنية. وأيضاً قيل أن موسى نقل قصة الطوفان من أساطير الشعوب الوثنية لأنهم وجدوا أن قصة الطوفان منتشرة في كل العالم تقريباً. والصحيح أن قصة الطوفان قد حدثت فعلاً وتناقلتها الأجيال ومع فساد البشر بسبب الخطية دخلت العبادة الوثنية لمعظم الشعوب فتحورت القصة الصحيحة ونسبت لآلهة كل شعب وجاء موسى وبوحي من الروح القدس ليكتب ما حدث فعلاً وينقي القصص المشوهة المنتشرة في كل العالم مقدماً الصورة الحقيقية. وهكذا قدم سليمان الصورة الحقيقية للفكر الإلهي والحكمة الإلهية انتقاها من وسط كم هائل من حكمة الشعوب وبوحي من الروح القدس ولكن بعد أن تنقت واستبعد منها كل فكر شيطاني نفساني دخيل وانتقى منها ما هو صالح لكل إنسان في كل زمان وفي كل مكان.

4-  الأمثال في هذا السفر كلها حكمة وقداسة وتقدس من يتبعها فهي بوحي من الروح القدس، وليست مجرد خبرات سليمان الحكيم أو خبرات أي إنسان. ولذلك ففي بداية السفر نسمع أن مخافة الرب رأس المعرفة (7:1). وهذا ما قاله أيضاً أيوب "هوذا مخافة الرب هي الحكمة" (أي28:28). فالروح القدس الذي أوحى لسليمان هو نفسه الذي أوحى لأيوب. وهو أوحى بهذا لكليهما لنتعلم نحن (2تي16:3 + عب5:12)

5-    الأسفار الشعرية لها تسلسل رائع: هي خطة إلهية متكاملة مع كل نفس.

‌أ-   أيوب: يقدم عمل الله مع الإنسان ليؤدبه ويروضه ليترك بره الذاتي ويمتنع عن أن يبرر نفسه وينسب الخطأ لله، ويتعلم أن الله مصدر كل حكمة وأنه لا يخطئ.

‌ب-      المزامير: الخطوة الثانية طالما إقتنع الإنسان بأن الله هو القادر على كل شئ وأن الإنسان خاطئ، يبدأ الإنسان يلجأ لله بروح الاتضاع والخشوع، يلجأ لله مصلياً مسبحاً. وبعد أن تعلم الإنسان في سفر أيوب أن تموت ذاته نجده في حياة الصلاة والتسبيح يختبر حياة القيامة المقرونة بالتسبيح والعبادة والفرح.

‌ج- الأمثال:هي حديث شيق من الرب، يوجه فيه المؤمن كيف يسلك عملياً بحكمة في هذه الحياة، وقد أظهر سليمان هدف هذا السفر في (2:1،3). إذاً هذا السفر يرينا كيف نعيش حتى لا نعثر بل ننجح.

‌د-  الجامعة: يخبرنا فيه سليمان الحكيم عن بُطل العالم وقصوره عن إشباع النفس. وهذا هو نفس ما توصل له بولس الرسول (فى7:3،8). فكل نفس تسير في طريق الله بطريقة صحيحة لابد وستكتشف بطلان هذا العالم وأنه لا شئ بل نفاية إذا ما قورن بمعرفة يسوع المسيح.

‌ه-     النشيد: يخبرنا عن النفس التي وجدت المسيح فدخلت معه في علاقة حب. وهذا أيضاً ما توصل له بولس الرسول في (رو35:8-39)

وبذلك نجد أن الأسفار الشعرية تعرض علينا طريقاً روحياً يتبعه الله مع النفس البشرية ليصل بها الرب لقمة الفرح. فالنفس البشرية متمردة بطبعها بعد السقوط والله يعلم ذلك. والنفس المتمردة تميل للإنفصال عن الله ولكن سيكون هذا سبباً في غمها وحزنها وموتها نهائياً في إنفصال كامل عن الله. لذلك نجد الله يبدأ مع هذه النفس كمؤدب ومعلم، يؤدب الإنسان حتى يمتنع عن تمرده ويشعر بحاجته إليه وهذا هو دور سفر أيوب. وإذا شعر الإنسان بالحاجة لله سيصلي وهذا هو دور سفر المزامير. ثم يأتي سفر الأمثال ليقدم للنفس المجاهدة أسلوباً مثالياً للتعليم فيشرح لها كيف تسلك في العالم. ولا يوجد كتاب نافع للصلوات بقدر المزامير لذلك استخدمته الكنيسة في صلوات الأجبية. وهكذا لا يوجد كتاب نافع للحياة بقدر الأمثال الذي يتكلم عن كل شئ المرأة والاقتصاد والسياسة.. الخ. وكما أن سفر المزامير مدرسة للصلاة هكذا سفر الأمثال مدرسة للحياة وكلا السفرين مشحونين بالفوائد لتقديس حياتنا. ويأتي بعد ذلك سفر الجامعة([*]) ليلخص حكمة هذه الحياة "أن كل شئ باطل ومصيره إلى الزوال. وكل خاطئ يتمسك بهذه الحياة الباطلة مصيره للموت، وأنه مهما حصل الإنسان على ملذات هذا العالم سيكتشف أنه قبض الريح. وحكمة هذا السفر لكل نفس "لا تسعى وراء الباطل". ثم يأتي سفر النشيد ولا يشعر بحلاوته سوى من خضع لتأديب الله وسلك في حياة الصلاة بالمزامير وسلك في حياته بطريقة صحيحة واكتشف بطلان هذا العالم حينئذ تتذوق هذه النفس حلاوة الحب الناشئ عن حلاوة التوبة والشعور بالغفران، حينئذ فقط تتلذذ النفس بعريسها المسيح، وهذا هو هدف خطة الله مع كل نفس، أن تفرح وتتلذذ به. اكتشاف بطلان العالم هو نضج الحكمة. واكتشاف حب المسيح هو كمال النضج.

6-  كاتب السفر هو سليمان الملك ابن الملك داود. وهو أيضاً نبياً ابن نبي. وكان حكيماً بل لم يكن مثله في الحكمة، وكان غنياً لم يكن مثله في الغنى واتسع سلطانه جداً. ومع هذا كرس نفسه لدراسة الحكمة وطلبها وقام بتعليمها للناس. وسليمان سأل الله أن يعطيه حكمة ليقود شعب الله فأعطاه الله حكمة وثروة بحكمته أدار مملكته وحياته بل أعطانا خلاصة حكمته لكل البشرية ولكل العصور فهو تاجر بوزنته وربح كثيراً لحساب الله.

7-  والله لم يقتصر في تعامله مع الحكماء والملوك، بل استخدم الله العديد من الناس على مختلف درجاتهم لكتابة الكتاب المقدس، فإختار الله عاموس النبي الذي أتى به من وراء الضأن وكان يقطف الجميز أي فلاح بسيط واختار الله بطرس ويعقوب ويوحنا الصيادين، فإختار الله الجهلاء ليخزي بهم حكمة الحكماء (1كو27:1-29).

8-  العجيب أن سليمان في نهاية أيامه فعل عكس ما كتبه هنا وأنحرف عن طريق الله (راجع 1مل11) وكان هذا الارتداد لملك حكيم شئ محزن حقاً. ولكن نلاحظ أيضاً أن الشيطان هو ملاك ساقط ومن رتبة الكاروبيم المملوئين أعيناً أي حكمة ولكننا لم نسمع عن سقوط ملائكة من رتبة السارافيم الملتهبين حباً. فالمحبة لا تسقط أبداً (1كو8:13). بينما المعرفة تنفخ. وهذا هو الدرس من سقوط هذا الملك الحكيم أن نسعى للحب، حب الله وحب كل إنسان قبل أن نسعى للمعرفة، فربما حينما نحصل على المعرفة ننتفخ ونتكبر فنسقط. ولنفهم أنه ليس هناك من هو محصن ضد الخطية فلا داعي للكبرياء والافتخار بمعرفة أو بقوة أو بغني فكل قتلى الخطية أقوياء (أم26:7). ومن يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط (1كو12:10).

9-  دعوة سليمان في هذا السفر هي "اقتن الحكمة" وإذا فهمنا أن المسيح أقنوم الحكمة أو اللوغوس. فالمسيح هو حكمة الله (1كو24:1). واللوغوس (الكلمة يو1:1) يعنى عقل الله الناطق، فكيف نقتني المسيح؟ بأن نحفظ وصاياه (يو23:14) "إن احبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً". + (يو21:14-25). فمن يريد أن يكون حكيماً ويقتني الحكمة عليه أن يحفظ الوصايا فيسكن الآب والابن عنده ويكون هيكلاً للروح القدس. وهذا معنى لقول المسيح "هوذا أحكم من سليمان ها هنا" فمن يقتني المسيح يقتني كل كنوز الحكمة المذخرة فيه (كو3:2) ونقتني المسيح بأن نتخلى عن خطايانا فلا شركة للنور مع الظلمة وأي إتفاق للمسيح مع بليعال (2كو14:6،15).

10-   الأمثال هي كلمات حكمة مصوغة في عبارات موجزة في صيغة سجع (في اللغة العبرية) وهي من أقدم طرق التعليم واستخدمتها كل الشعوب، ونفشها اليونانيون على الأعمدة. فهي طريقة سهلة وجيدة للتعليم، يسهل حتى على الأطفال حفظها، والله استخدمها كما قلنا لتعليم شعبه، ولكن الشيطان أيضاً استخدم هذه الوسيلة فبث في العالم الكثير من الأمثال المضللة التي تنافي روح الله حتى تضلل البشر عن معرفة الرب، وهذه الأمثال الشيطانية هي من روح الشيطان، لذلك على ابن الله أن يحفظ الأمثال الواردة في كتاب الله المقدس ويرددها ويعمل بها ولا يردد الأمثال الأخرى الشريرة ولا يقتدي بها. على ابن الله أن يحفظ أمثال هذا السفر ويتخذها مرشداً له في سلوكه اليومي في رحلة هذه الحياة وهو على أرض الغربة فهي صالحة للوالدين والأبناء، الأزواج والزوجات، السادة والعبيد، الرعاة والرعية، التاجر، الصانع، الناضج، الشاب.... لكل أحد.

11-   الأمثال الواردة هنا هي بلا ترتيب واضح بل يمكن اعتبارها مثل كومة لآلئ ثمينة غير منظومة في سلك واحد. ونفس الموضوع تجد عنه أمثال متفرقة عبر السفر وهناك من قام بتجميع الأمثال عن موضوع واحد لدراسة هذا الموضوع ولنأخذ أمثله لذلك:-

الاجتهاد وعدم الكسل:
الإتكال على الله:
الغضب:
الحسد:
النميمة:
العطاء:
الخمر:

 

 

4:6،11+ 5:10،26+ 24:12+ 4:13، 19:15+24:19.

5:3+ 3:16،20+22:20+ 19:22+ 25:18+ 25:29+25:23.

16:12+17:14،29+1:15،18+22:16+11:19،19+24:22+15:2.

31:3-33+30:14+17:23+1:24،2+4:27+34:16.

12:6-19+13:11+28:16+9:17+8:18+19:20+20:26.

9:3،10،27،28+21:14،31+17:19،25:21،26+9:22،22+21:2.

17:21 + 20:23،29

12-      تقسيم السفر:

(1)     الحكمة والحث على اقتنائها وطريق اقتنائها وبركات اقتنائها         (ص1-ص7)

     طريق اقتنائها= مخافة الرب/ قبول تأديب الآباء/ الهروب من الأشرار/

                    الحذر من النساء الشريرات.

      بركات اقتنائها= النجاة من الأشرار/ الحياة في بركة وسلام.

(2)     الحكمة هي الأقنوم الثاني، الكلمة المتجسد                             (ص8-ص9)

     في هذين الإصحاحين نرى الحكمة كائن حي عاقل مع الله منذ الأزل

     وأنه كان معه صانعاً. وفي هذا الجدول مقارنة بين الحكمة والكلمة.

الحكمة في سفر الأمثال

الكلمة المتجسد في العهد الجديد

(23:8) منذ الأزل، منذ البدء

(27:8) لما ثبت السموات كنت هناك أنا.

(14:8) لي المشورة والرأي. أنا الفهم.

 

(30:8) كنت عنده صانعاً. (هو الخالق).

 

(30:8) كنت كل يوم لذته (لذة الآب).

 

 

(35:8) من يجدني يجد الحياة (هو واهب الحياة).

(22:8) الرب قناني أول طريقه.

 

(1:8،4) العل الحكمة لا تنادي (الحكمة تتادي)

(32:8) طوبى للذين يحفظون طرقي

 

(6:8) أتكلم بأمور شريفة.

(5:8) يا جهال تعلموا فهماً.

 

(1:9) الحكمة بنت بيتها.

 

(1:9) نحتت أعمدتها السبعة.

 

 

 

 

(2:9) ذبحت ذبحها. مزجت خمرها (ذبيحة كفارية)

(2:9) رتبت مائدتها (التناول)

(3:9) أرسلت جواريها تنادي.

(يو1:1) في البدء كان الكلمة (الكلمة الأزلي).

(يو1:1،2) هذا كان في البدء عند الله.

(1كو24:1،30) يسوع الذي صار لنا حكمة من الله.

(يو3:1) كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان

(يو22:3) أنت هو ابني الحبيب بك سررت + (يو24:17) + (أفسس6:1) الكلمة هو الابن المحبوب.

(يو47:6) من يؤمن بي فله حياة أبدية.

(يو25:11) أنا هو القيامة والحياة.

(كو17:1) الذي هو قبل كل شئ وفيه يقوم الكل.

(يو37:7) وقف يسوع ونادى....

 

(يو10:15) إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي.

(لو22:4) كلمات النعمة الخارجة من فمه.

(لو21:10) أخفيت عن الحكماء.. وأعلنتها للأطفال.

(عب1:3-6) المسيح هو باني بيته (جسده) وهو الكنيسة

(مت16:16-18) الكنيسة مبنية على المسيح ابن الله الذي له الأرواح السبعة (رؤ1:3) والروح القدس عامل في الأسرار السبعة يبنى بهم الكنيسة.

(مت28:26) خذوا كلوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس.. اشربوا منها.

(لو1:9،2) إرسالية التلاميذ للكرازة.

(لو1:10)

(3)     مجموعة من الأمثال لسليمان جمعها هو بنفسه                 (ص10-ص24)

(4)     مجموعة من الأمثال كتبها سليمان ونقلها رجال حزقيا         (ص25-ص29)

(5)     مجموعة أقوال أجور                                            (ص30)

(6)     مجموعة أقوال لموئيل                                          (ص31)

13-     كاتب السفر

      كتب سليمان السفر كله فيما عدا الإصحاحين الأخيرين (30،31) لذلك فالسفر كله ينسب لسليمان. وسليمان هو الذي أعطاه الرب حكمة وفهماً كثيراً جداً ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر. وفاقت حكمة سليمان جميع بني المشرق، وكل حكمة مصر، وكان أحكم من جميع الناس. وهذه الحكمة ملأته وأشبعته وفاضت منه علينا في هذا السفر. فجاء ترجمة عملية للحياة مع الله خلال السلوك العملي.

والإصحاح 30 منسوب إلى أجور بن متقية مسّا. ويُنْطَقْ أجور بن ياقة. وحيث أن كلمة أجور تعني الجامع وكلمة ياقة تعني مفيض بالحقائق قال بعض المفسرين أن أجور هو سليمان (الجامع) وياقة هو داود المملوء من روح الله وكانت مزاميره نبوات. ومسّا هي اسم سامي معناه حمل وهو ابن اسمعيل (تك14:25) وقد يكون هو أب لقبيلة أخذت اسمه قطنت شمال جزيرة العرب. ومنها أيضاً لموئيل ملك مسا والإصحاح 31 منسوب إلى لموئيل ومعنى اسمه "مكرس الله" وإذ لا يعرف ملك بهذا الإسم ظن بعض المفسرين أنه اسم آخر لسليمان وظن آخرين أنه ملك آخر لقبيلة مسّا.

وإذا فهمنا بحسب رأي بعض المفسرين أن أجور ولموئيل هما أسماء رمزية لسليمان يكون سليمان هو كاتب السفر كله. وعموماً فالسفر ينسب لسليمان فهو كاتب معظم السفر. ومن يظن أن كاتب السفر كله هو سليمان يفسر كلمة مسا على أنها "وحي" أو وسيط الوحي الذي عن طريقه أوحى الله بهذه الكلمات "تفسير آدم كلارك" وسليمان كمعلم وحكيم استخدم لفظ يا ابني كثيراً في هذا السفر كما يعلم ابنه وخصوصاً السبعة الإصحاحات الأولى وملخصهم "يا ابني اقتني الحكمة.. إصغ إلى حكمتي" ثم في الإصحاحات 8،9 نجد الحكمة هي التي تتكلم، وتبرز كشخص، وكأن الأب عندما كلم ابنه عن الحكمة اشتهاها ابنه فظهرت الحكمة نفسها كشخص أمامه وبدأ الابن يسمع الحكمة نفسها تتكلم. ونفهم أن المتكلم في الإصحاحات 1-7 هو الآب يكلمنا عن الابن وفي الإصحاحات 8،9 يتكلم الابن نفسه، بل أن الآب تكلم معنا في إبنه وقال "هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا" ثم تأتي الإصحاحات 10-29 وفيها أمثال عديدة، هي وصايا المسيح وتعاليمه، هي تعاليم الحكمة، من يتبعها يصير حكيماً ومن لا يتبعها يصير جاهلاً وأحمق. وكلمتي جاهل وأحمق يتكرران كثيراً في سفر الأمثال ويشيران لمن يرفض وصايا الله وتعاليم المسيح الذي أرسله الله "الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وقداسة وفداء". من يرفض هو الجاهل ومن يصر على الرفض والعناد هو الأحمق. أما من يستجيب ويسمع فيتعلم الحكمة يسمى حكيماً. ولابد أن نفهم أننا في العهد الجديد لنا الروح القدس وصوته يدعونا لأن نسمع بل يعطي معونة لو قررت أن أسلك في طريق الله وبذلك أصير حكيماً فهو روح الحكمة والمشورة. وهذه  الأمثال (ص10-ص29) تكون مرشد لكل واحد يطلب هذه الحكمة.

ثم يأتي إصحاح (30) وفيه نجد كلام أجور بن متقية مسّا أي الجامع بن داود وسيط الوحي ليكلمنا عن المسيح وعمله الفدائي بصورة رمزية ويكلمنا عن حالة الإنسان بعد سقوطه وعمل المسيح معه ثم واجب الإنسان الآن.

ثم يأتي إصحاح (31) وفيه نجد كلام لموئيل ملك مسا أي من هو لله أو المكرس لله وسيط الوحي ويعطي نصيحة لكل من يريد أن يكون حكيماً أي يستجيب لوصايا الله، هو وصايا الكنيسة لأولادها. ثم مواصفات المرأة الكاملة أي الكنيسة أو النفس الحكيمة التي استمعت ونفذت الوصايا أي عروس المسيح.

14-   سفر الأمثال ليس مجرد حكمة شخصية لسليمان بل هو وحي الروح القدس له. لذلك نجد تطابق في حكمة وأمثال هذا السفر مع تعاليم السيد المسيح ورسله.

بين تعاليم السيد المسيح وسفر الأمثال:

قارن

1)     (أم6:25،7)

2)     (أم11:14)

3)     (أم1:27)

4)     (أم4:30)

مع

(لو7:14-11)

(مت24:7-27)

(لو19:12)

(يو13:3)

ففي (1) الكلام عمن يحبون الجلوس في المتكآت الأولى. وفي (2) نجد الكلام عن الحكماء والجهلاء وبيوتهم وفي (3) مثل الغنى الغبي وفي (4) المسيح يجيب عن تساؤل أجور. هذا وفي (مت19:11) يقول المسيح عن الحكماء الذين يطيعونه "الحكمة تبررت من بنيها".

وقد استخدم ربنا يسوع المسيح في أمثاله نفس الطريقة التعليمية الموجودة في سفر الأمثال بالضبط. فكلمة مثل بالعبرية هي نفس الكلمة اليونانية المستخدمة، فكان المسيح يكلمهم بأمثال وهم بسبب عماهم الروحي لا يفهمون (مر10:4-13). فكان المسيح يقدم كل شئ يتصل بملكوت الله إلى أولئك الذين لا يقبلوه في صورة ألغاز) وربما يكون هذا ليدفعهم للتفكير والتأمل وربما قادهم التفكير لقبول المسيح.

بين تعاليم تلاميذ المسيح وسفر الأمثال:

كما أحب المسيح سفر الأمثال وأخذ منه بل أخذ طريقته في التعليم هكذا صنع تلاميذه

قارن

(16:1)

(7:3)

(11:3،12)

(34:3)

(12:10)

(31:11)

(21:25)

مع

مع

مع

مع

مع

مع

مع

(رو15:3)

(رو16:12)

(عب5:12،6) + (رؤ18:3)

(يع6:4)

(1بط8:4)

(1بط17:4،18)

(رو20:12)

(11:26)

(1:27)

(13:17)

(13:17)

(13:17)

(21:24)

(7:16)

مع

مع

مع

مع

مع

مع

مع

(2بط22:2)

(يع13:4)

(رو17:12)

(1تس15:5)

(1بط9:3)

(1بط17:2)

(1بط13:3)

 

15-      كونوا حكماء كالحيات       "هذا الجزء من محاضرات لقداسة البابا شنوده الثالث"

يخطئ من يظن أن الإنسان الروحي هو إنسان يسلك بلا عقل (أو كما يقولون في اللغة العامية "هلهلي" أو "ماشي بالبركة"، لأن المسيح يمدح الحكمة فيقول "كونوا حكماء كالحيات" بل مدح المسيح وكيل الظلم إذ بحكمة فعل" (لو8:16). وعلينا أن نتعلم الحكمة، بل إن وجدنا حكمة لدى أي إنسان حتى لو كان عدواً لنا أن نأخذها منه. ولاحظ أن المسيح مدح وكيل الظلم لأنه تصرف بحكمة بالرغم من الشرور التي كانت فيه. وفي اختيار الشمامسة اختاروا أناساً مملوئين من الروح والحكمة. وخدام الله إن كانوا غير حكماء يفسدون العمل. وبولس الرسول يقول أما نحن فنتكلم بحكمة بين الكاملين. وقول الكتاب. اختار الله جهال العالم ليس معناها أن الكنيسة لا تجمع سوى الجهلة ولكن معناها أن الله يختار الذين مهما أعطاهم يقفون أمامه كجهال. ولقد اشتهر عن الأقباط أنهم "مكارين" وليسوا هو بمكارين بل حكماء وعلينا أن نحتفظ بميراث أبائنا. ولنلاحظ أن كون الإنسان ليس حكيماً في عيني نفسه تجعله يطلب المشورة، بل أن المشورة نوع من وسائل الحكمة، ومن لا يستمع المشورة فهو مغرور في نفسه، فلا تكن حكيماً في عيني نفسك، بل أطلب دائماً أن تتعلم شاعراً أنك لا شئ. فإنه توجد طرق تبدو للإنسان أنها مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. وهذه العبارة كررها سليمان الحكيم مرتين لأهميتها (أم12:14،25:16) فكل إنسان متكبر مغرور يكون معجباً بالطرق التي يسلك فيها ويحاول أن يبرهن أنها أحسن طريق، لذلك ينبه الحكيم على ضرورة وجود مرشد نستمع منه ولمشورته (أم15:12). وعموماً فالهراطقة والشباب الطائش يرون كل منهم أن طريقه هي الطريق المستقيمة.

16-   سفر الأمثال هو سفر سلوكي يساعد على ضبط وتوجيه سلوك الإنسان أثناء حياته اليومية، لذلك إعتاد بعض الناس على قراءة إصحاح يومياً منه خصوصاً أنه (31) إصحاح خاصة أن العالم يؤثر فينا بمبادئه وفساده فنحتاج لكلمة الله التي توجهنا لتصحيح مسارنا أو ما أسماه بولس الرسول تجديد الذهن فلا ننحرف وراء مبادئ العالم الفاسدة.

17-   دعوة سفر الأمثال لأن نقتني الحكمة ونتمسك بها، هي ذات النغمة التي نجدها في سفر النشيد ولكن بصورة أخرى. فعروس النشيد (النفس البشرية) حينما وجدت عريسها (المسيح) قالت "أمسكته ولم أرخه" (نش4:3). ونلاحظ أن المسيح هو نفسه الحكمة أو أقنوم الحكمة المتجسد. والتمسك بالمسيح يملأ الحياة حكمة ويعطينا الروح القدس أن نرى التصرف السليم بل يعيننا في كل قرار ليكون قرار صحيح، أما الارتداد عن المسيح فهو جهل والإصرار والعناد في هذا الإرتداد هو الحماقة "ديماس تركني إذ أحب العالم الحاضر. أي أحب متع العالم وملذاته وخطاياه وشهواته. أما من اكتشف طريق الحكمة قبل بولس الرسول فيعتبر العالم بما فيه نفاية" (في7:3،8)

18-      في قراءة الأمثال ينبغي عدم التقيد بالحرف بل الفهم الروحي لمعنى المثل فمثلاً :

أ‌-   هلاك المساكين فقرهم (15:10) فهل معنى هذا أن كل فقير سيهلك. وقارن مع (9:30) ففي (9:30) نجد أن الفقر والغني كلاهما خطير، فالمسيح حذر أن دخول جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت السموات ولكنه كان يقصد المتكلين على أموالهم كما شرح السيد المسيح هذا بنفسه، وكم من غني دخل ملكوت السموات (إبراهيم، إسحق، يعقوب، يوسف ونيقوديموس....) وكما أن الغني الذي يتكل على أمواله يهلك، هكذا يهلك الفقير الذي يلعن فقره ويعيش يشتهي المال بل يحاول أن يحصل عليه بطرق ملتوية (أم9:30) + (1تي9:6،10). وهذا هو الفقر المهلك الذي لا يكتفي فيه صاحبه بما عنده ويقنع، هو الفقر الذي يشتهي ويجعل صاحبه لا يعتمد على الله.

ب‌- مخافة الرب تزيد الأيام أما سنو الأشرار فتقصر (27:10) وهذه أيضاً لا يمكن تطبيقها حرفياً فهابيل مات صغيراً وعاش قاتله كثيراً. ويوناثان القديس وشاول الملك الشرير ماتا سوياً ويوناثان هو ابن شاول. ولكن نفهم هذه الآية كما نفهم الوصية أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك، أي بمعني البركة. فتكون أيام خائف الرب كلها بركة هنا على الأرض وفي السماء، الأرض التي سوف يعطينا الرب إلهنا في الحياة الأخرى والتي يحيا فيها الآن الشهيد العظيم أبانوب الذي استشهد ومات وعمره 12سنة فقط.... وهكذا نفهم آيات هذا السفر.


 

الإصحاح الأول

آية (1): "أمثال سليمان بن داود ملك إسرائيل."

أمثال= كلمة مثل مشتقة من فعل معناه يحكم. وأتت هذه الكلمة لأول مرة في (تك16:1-18) "النور الأكبر (الشمس) لحكم النهار والنور الأصغر (القمر) لحكم الليل.. ولتفصل بين النور والظلمة. وعلى ذلك يكون معنى كلمة أمثال هو "مبادئ الحكم" فهي تحكم بنورها السماوي سلوك المؤمن في هذا العالم وتميز سلوكه عن سلوك أهل العالم أي تميز بين من يسلك في النور ومن يسلك في الظلمة.

سليمان بن داود ملك إسرائيل= هو رمز للمسيح فهو مشهور بالحكمة وهو ابن داود وهو ملك إسرائيل. والمسيح هو أقنوم الحكمة المتجسد كابن لداود ليملك على كنيسته إسرائيل الحقيقية بل كلمة سليمان تعني من يحيا في سلام والمسيح هو ملك السلام. وكانت أيام سليمان كلها سلام. ولنلاحظ أن داود بعكس سليمان كانت أيامه كلها حروب وداود اشتهر بكتابته للمزامير. وحياتنا هي مزيج من أيام يسودها السلام وأيام أخرى تسودها الحروب والآلام. فلنتعلم من سليمان حينما تسود حياتنا فترات سلام أن تكون هذه الفترات للتعليم والتأديب ولنتعلم من داود أنه حينما تسود حياتنا الآلام والحروب أن نصلي (يع13:5) ليملك المسيح علينا كل أوقات حياتنا.

 

الآيات (1-5): "لمعرفة حكمة وأدب لأدراك أقوال الفهم. لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة. لتعطي الجهال ذكاء والشاب معرفة وتدبراً. يسمعها الحكيم فيزداد علماً والفهيم يكتسب تدبيراً."

نجد هنا عشر كلمات (حكمة/ أدب.. تدبر) وهي صفات يحصل عليها كل من يتغذى على دراسة كلام الله ويعيش به، وهي بالعدد عشر لتناظر العشر وصايا.

1.  لمعرفة حكمة= الحكمة هنا ليست ذكاء الإنسان أو مهارته. بل هي حكمة إلهية يعطيها الله. وهو شئ عجيب أن يضع الله حكمته تحت طلب الإنسان لأجل راحته وسعادته وحتى تقوده بأمان وسط إضطرابات العالم، والله سمح بكتابة هذا القدر من أمثال سليمان الـ3000 لتعليم الأجيال المتعاقبة من الكنيسة كيف تسلك في حكمة وتميز بين الأشياء (في10:1).

2.     أدب= ونفس الكلمة ترجمت تأديب وقد وردت في هذا السفر 26مرة. وهي تعني التعليم بطريق التأديب (عب5:12).

3.     الفهم= تعني التمييز.

4.  تأديب المعرفة= تعني التعلم عن طريق الإختبار سواء اختباري أنا الشخصي أو اختبارات غيري (قصص الكتاب المقدس والسنكسار، بل ربما تعنى أيضاً أن أرى بعيني المصير السيئ للخاطئ فأتعلم أن للخطية عقوبة مؤلمة فأتوب). وبنفس الفكر إن لم أتعلم من قصص الكتاب المقدس ولا من تبكيت الروح القدس على خطيتي ولا من مشاهداتي لمصير الأشرار، هنا يلجأ الله لأسلوب التجارب المؤلمة حتى يستيقظ الإنسان من غفلته ويصبح معنى تأديب المعرفة هو الحصول على المعرفة عن طريق التأديب، (مثل مجاعة الابن الضال)0

5.     العدل= JUSTICE  "الحكم بدون تحيز"

6.     الحق=  JUDGMENT "اتحاد قرار بعد تمييز الأمور"

7.     الاستقامة= كلمة تشير للمبادئ القويمة.

8.     تدبر= تفكير سليم في المشاكل.

9.     الذكاء= القدرة على اكتشاف ما في الآخرين.

10. معرفة= أي علم "معلومات ذات طابع سليم.

لتعطي الجهال ذكاء= كلمة جاهل هنا تشير للإنسان عديم الخبرة وهذا يكون معرضاً لكل تأثير. ولكن بدراسته لهذا السفر ودراسة كلمة الله عموماً لا يعود يخطئ ويبدأ يتعلم، وحتى أبسط الناس في معرفته قادر أن يستفيد من هذا السفر، والشاب المندفع يكتسب حكمة الشيوخ. يسمعها الحكيم فيزداد علماً= سفر الأمثال الذي هو بوحي الله لا ينفع الجهال والشباب فقط بل هو نافع أيضاً للحكماء فيزدادون حكمة، وهذه طبيعة تعاليم كلمة الله (1كو6:2،7). والحكيم حقاً هو من يشعر بإستمرار أنه في حاجة لأن يعرف المزيد (1كو18:3). وأما الحكيم في عيني نفسه فهو جاهل لأنه يشعر أنه أعظم من أن يتعلم. والعكس فالحكيم حقيقة يشعر في نفسه أنه جاهل ويريد أن يتعلم، فطابع الحكيم هو أنه على استعداد دائماً أن يتعلم. الفهيم= هو من اكتسب فهماً وتمييزاً صحيحاً ونما إدراكه بما يسمعه ويقبله من أقوال الحكمة. تدبير= مشورات حكيمة وقوة للتمييز. يكتسب تدبيراً= في السبعينية مترجمة "يصير مدير الدفة" أي يصير الفهيم فهيماً بالأكثر ومشوراته كلها حكمة فيقود دفة حياة من حوله بمشوراته.

 

آية (6): "لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم."

اللغز= الكلمة الأصلية تحمل معنى "استخدام كنايات ومجاز للسخرية من شخص أو تأنيبه لدفعه على أن يترك ويتخلى عن طريقه الشرير. وهي نفس الكلمة التي استخدمت في أمثال المسيح لليهود" (راجع مت11:13،16 + يو16:12) غوامضهم= الكلام غير الواضح (راجع أع24:18-28، 27:8-39). والمسيح لم يكن يكلم اليهود سوى بأمثال أو ما يسمى ألغاز أي كلام يستخدم فيه الكناية وهم لقسوة قلوبهم لم يفهموا (راجع مت34:13 + مر34:4 + يو6:10 + يو25:16،29).

والله اختار أن يكون تعليمنا عن طريق التأمل واكتشاف الحقائق بمعونة الروح القدس ولم يقدم الحقائق الإيمانية بطريقة مباشرة فهو بحكمته وجد أن طريق التعلم أفضل لنا. وعمل الخدام هو مساعدة الشعب على فهم كلمة الله. وهكذا شرح فيلبس الكتاب للخصي الحبشي وهذا ما ينبه بولس تلميذه تيموثاوس أن يعمله فيفصل كلمة الحق بالاستقامة (2تي15:2) فهناك كلمات صعبة كتبها بولس الرسول وأساء البسطاء فهمها(2بط16:3). أما المتقدمين فهم يقارنون الروحيات بالروحيات.

 

آية (7): "مخافة الرب رأس المعرفة أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب."

مخافة الرب رأس المعرفة= تعتبر هذه الآية شعاراً للسفر كله ومبدأه الأساسي. وكلمة رأس تفيد نقطة الأبتداء والجوهر. فبدون معرفة الرب الإله ومخافته لا يمكن البدء بإكتساب الحكمة، التي تقدم إرشاداً للحياة كلها. ونفس هذا الشعار مكرر ثانية في(10:9) مع فارق طفيف في الكلمات (وراجع أش1:11،5) حيث تبدو معظم الهبات هنا كصفات المسيا وثمرة حضور روح الله.

الجاهلون= هم ذوي القلوب الفاسدة والطرق والأفكار الفاسدة. وهؤلاء يحتقرون الحكمة والأدب= فمن يخاف الله يحترم وصاياه ووصايا الله يمكن تلخيصها في محبة الله ومحبة القريب (والقريب هو كل إنسان أعرفه حتى لو كان عدوي). ونلاحظ أن محبة الله تنسكب في قلوبنا بالروح القدس (وهو أيضاً الذي يبكت على الخطايا). وبدون حب فلا طاعة "ومن يحبني يحفظ وصاياي" والعكس فمن لا يخاف الله ومن لا تكون عينه على وصايا الله لينفذها لن يعرف معنى الحب ولن تنسكب محبة الله في قلبه فيزداد جهلاً. وسفر الأمثال يؤكد في هذه الآية التي هي شعار السفر كله، أنه لا معرفة حقة بعيداً عن مخافة الرب.

 

الآيات (8،9): "اسمع يا ابني تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك. لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائد لعنقك."

نجد هنا المبدأ الثاني للمعرفة وهو طاعة الوالدين. والمبدأ الأول هو مخافة الله. وطاعة الوالدين هي وصية من الوصايا العشر وهي أيضاً تعليم للعهد الجديد "راجع (أف2:6 + كو20:3 + لو51:2). ونرى في الكتاب المقدس أن طاعة الوالدين مقترنة مع الخضوع لله، لذلك فكثير من المفسرين يرون أن وصية أكرم أباك وأمك" هي من وصايا اللوح الأول، فهي من الوصايا التي تتجه نحو الله، فإكرام الوالدين هو اعتراف وتسليم بالسلطان الإلهي. وفي (2تي2:3) يضع الرسول عدم طاعة الوالدين في قائمة علامات إرتداد الأيام الأخيرة. ولنقارن بين التعاليم السماوية التي جاءت في الكتاب المقدس وبين تعاليم الشعوب التي لها سمات الحكمة العالمية البشرية فالفرس والرومان كانوا يعلمون بوجوب طاعة الأب فقط. أسمع= معناها أَطِعْ. شريعة= أي تعليم (تث9:4،7:6،19:11،46:32) نرى هنا ماذا يجب أن يعلم الآباء أبنائهم. فطاعة الوالدين واجبة إذا كانت تعاليمهم في ضوء مخافة الله.

يا ابني= سليمان كمعلم للحكمة يخاطب شعبه ومستمعيه وكل قارئ بلقب يا ابني وهذه الطريقة اتبعها معلمي الحكمة. وقد وردت في هذا السفر 26 مرة سواء بصيغة الفرد كما وردت هنا أو بصيغة الجمع "أيها البنون 1:4". وهذا أسلوب رقيق في التخاطب وقد استعمل حزقيا نفس الأسلوب في (2أي11:29).

إكليل نعمة= نعمة أي جمال أو حلية والقلائد رمز للجمال (نش10:1) وللسلطان (دا7:5) وهكذا علينا أن لا نشعر بفخر أو مجد في شئ عالمي، بل نشعر بهما في طاعة وصايا الله.

ويبدأ من هنا 13 درساً في الحكمة:

1-    تجنب أصدقاء السوء (8:1-19)

2-    طلب الحكمة بجدية ومكافأتها (1:2-9)

3-    ثق وأطع (1:3-10)

4-    مسرات الحكمة (11:3-20)

5-    مظاهر الحكمة ونتائجها (21:3-35)

6-    سليمان تعلم الحكمة من أبيه (1:4-9)

7-    ضرورة كراهية الشر (10:4-19)

8-    ضرورة الالتصاق بالخير (20:4-27)

9-    الحكمة في العلاقات بين الجنسين (1:5-23)

10-           تحذير من بعض التصرفات الخاطئة (1:6-19)

11-           تحذير من خطية الزنى (20:6-35)

12-           خطورة الزنى (1:7-27)

13-           الحكمة تقدم نفسها (1:8-36)

وفي الإصحاح الثامن نجد الدروس تصل إلى ذروتها، ونجد هنا درساً فيه الحكمة تتشخص في شخص المسيح وتكمل الصورة في الإصحاح التاسع بأن يقدم المسيح نفسه ذبيحة بل يقدم نفسه مأكلاً ومشرباً. وتختتم الدروس في الإصحاح التاسع بملخص مقارن بين الحكمة والجهالة ونرى وليمة يقيمها كلاهما يدعوان لها البشر. وكل منا حر في أن يستجيب لأحدهما.

 

الآيات (10-19): "يا ابني أن تملقك الخطاة فلا ترض. أن قالوا هلم معنا لنكمن للدم لنختف للبريء باطلاً. لنبتلعهم أحياء كالهاوية وصحاحاً كالهابطين في الجب. فنجد كل قنية فاخرة نملأ بيوتنا غنيمة. تلقي قرعتك وسطنا يكون لنا جميعاً كيس واحد.  يا ابني لا تسلك في الطريق معهم امنع رجلك عن مسالكهم. لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم. لأنه باطلاً تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح. أما هم فيكمنون لدم أنفسهم يختفون لأنفسهم. هكذا طرق كل مولع بكسب يأخذ نفس مقتنيه."

هو درس تحذير من المعاشرات الرديئة:

أن تملقك الخطاة= فالشرير يحاول إغراء صديقه البسيط كما أغوت الحية أمنا حواء. لنختف للبريء= أي نتربص للبريء لأذيته. نبتلعهم أحياء كالهاوية= أي نفترسهم أحياء، كما تقع فريسة في الحفرة التي يحفرها الصياد. أرجلهم تجري إلى الشر= كناية عن شدة رغبتهم وشوقهم إلى فعل الشر. قنية فاخرة= هكذا كل إنسان عالمي شرير يتصور أن ما يحصل عليه هو قنية تملأ بيته، بينما ما يجب أن نعرفه ويعرفه كل إنسان روحي أن العالم باطل وما نمتلكه ما هو إلا تراب، بل أن ما نمتلكه بواسطة الظلم ما هو إلا نار تحرق ما هو موجود عندنا أصلاً. تلقي قرعتك وسطنا= يشرح سليمان هنا أن الغواية تبدأ بدعوة بسيطة من الأشرار لنا، أن نكون معهم ونعيش معهم. ثم تكون لنا معهم شركة= كيس واحد= وهذا الكيس يجب أن يكون ممتلئ لننفق منه على ملذاتنا. ولكن كيف نملأ هذا الكيس= نكمن للدم= أي نقتل الأبرياء لنسرق منهم ما يمتلكونه.

وسليمان هنا يدعو لاعتزال الشر والأشرار فلا يكون لنا قرعة معهم ولا أي شركة ولا كيس واحد (رؤ4:18،5 + أش11:52) ومع من تكون لنا شركة (أع42:2-47) وكل مفتوح العينين سيرى شباك الأشرار في محاولاتهم إغوائه، فالأشرار يحبون غواية الآخرين ليكونوا جماعة شريرة، فالخاطئ يحب الصحبة في طريقه الشريرة، وطريقهم في هذا غواية الأبرياء البسطاء. ودعوة سليمان هنا أن نمتنع عن الخطوة الأولى وهي أن لا نقبل صحبة الأشرار وإلا تبع ذلك خطوات كثيرة مخيفة في طريق الإنحدار إلى هاوية الشر. ولنلاحظ أن السلوك في طريق الشر يشبه الإنحدار على تل لأسفل، ولا شئ يستطيع أن يوقف المتدحرج، بل هو كلما أنحدر لأسفل تزيد سرعته ويزيد إقترابه للهاوية، وهل يقف الشرير أو يتحذر من العواقب السيئة لباقي الأشرار؟! أبداً!! فهو يندفع بالأكثر وذلك لأنه يصبح غير قادراً على ذلك بينما هو يهوي لأسفل التل. لأنه باطلاً تنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح= الطائر المفتوح العينين يرى الشبكة المعدة لاصطياده فيهرب منها مستخدماً في ذلك جناحين القويين. ولاحظ أن الله يعطي بصيرة لأولاده يرون بها الشباك المنصوبة لهم ويعطيهم أجنحة ليهربون (الأجنحة هي حياتهم السماوية التي يرفضون بها الشر). أما هم فيكمنون لدم أنفسهم= أي يكون إندفاعهم في مؤامراتهم الشريرة لإهلاك الأبرياء هو إندفاع نحو هاويتهم وهلاكهم هم أنفسهم، أي أن الشرير سيمسك في نفس الشبكة التي ينصبها للبريء (هامان صُلب على الصليب الذي أعده لمردخاي البار) يأخذ نفس مقتنيه= الكسب الشرير يهلك نفس الذي اقتناه بطريق شرير (1تي9:6،10). وطريق فتح العينين هو كلمة الله التي تضئ الطريق فلا نبدأ في الإنحدار للهاوية. ولنرى التسلسل في الإنحدار الذي ينتهي بدمار الأشرار.

1- صداقة الأشرار       2- قبول غوايتهم (تملقهم)    3- يكون وجودنا معهم (قرعتنا)

4- شركة معهم (كيس)        5- إغراء المال (قنية فاخرة)      6- نكمن للدم (قتل)

 

الآيات (20-33): "الحكمة تنادي في الخارج في الشوارع تعطي صوتها. تدعو في رؤوس الأسواق في مداخل الأبواب في المدينة تبدي كلامها. قائلة إلي متى أيها الجهال تحبون الجهل والمستهزئون يسرون بالاستهزاء والحمقى يبغضون العلم. ارجعوا عند توبيخي هأنذا أفيض لكم روحي أعلمكم كلماتي. لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. بل رفضتم كل مشورتي ولم ترضوا توبيخي. فأنا أيضاً اضحك عند بليتكم اشمت عند مجيء خوفكم. إذا جاء خوفكم كعاصفة وأتت بليتكم كالزوبعة إذا جاءت عليكم شدة وضيق. حينئذ يدعونني فلا استجيب يبكرون إلىّ فلا يجدونني. لأنهم ابغضوا العلم ولم يختاروا مخافة الرب. لم يرضوا مشورتي رذلوا كل توبيخي. فلذلك يأكلون من ثمر طريقهم ويشبعون من مؤامراتهم. لأن ارتداد الحمقى يقتلهم وراحة الجهال تبيدهم. أما المستمع لي فيسكن أمناً ويستريح من خوف الشر."

في الآيات (10-19) أظهر سليمان خطورة من يستمع لغواية إبليس، وفي هذه الآيات يظهر خطورة من لا يسمع لنداء الله.

رؤوس الأسواق= أي أهم الأسواق حيث يزدحم الناس. مداخل الأبواب= حيث يجتمع شيوخ المدينة والقضاة. والمقصود أن صوت الله ينادي لكل واحد ويصل لكل إنسان، في كل مكان. والمسيح لم يتكلم سراً (يو20:18) وهكذا علم تلاميذه (مت27:10 + أش19:45). وقارن مع الحكمة تنادي في الخارج. في الشوارع. وهنا نرى الحكمة شخصاً يتكلم وينادي ويدعو الناس ليبتعدوا عن طريق الجهل، تدعوهم وهم في التجارة والأسواق وبين طالبي العدل عند الأبواب، ونلاحظ أن الحكمة كشخص تكون المسيح أقنوم الحكمة. ثم نجد هنا درجات الرافضين لنداء الحكمة ومواصفاتهم فهم:

1.  الجهال= البسطاء، عديمو المعرفة، والدعوة لهم هنا معناها إلى متى لا تطلبون المعرفة "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4). وهؤلاء البسطاء يسهل إنقيادهم للشر.

2.  المستهزئون= وهؤلاء يسخرون من الحكمة. ونلاحظ هنا درجة أعمق في الشر من الجاهل فالجاهل حينما يتقدم خطوة جديدة في الشر يبدأ في الاستهزاء بالحكمة. ونلاحظ أن من يرفض الحكمة ويرفض أن يتعلمها، سريعاً ما يتحول إلى مستهزئ.

3.  الحمقي= نرى هنا المنحدر الذي ينحدر عليه الجاهل، فهو أولاً كان جاهلاً بلا معرفة ثم بدأ طريق الإنحدار وصار مستهزئاً، وإزدادت سرعة الإنحدار ووصل لدرجة أسوأ وهي الحمق، فهو ينحدر من سيئ إلى أسوأ. والأحمق هو من صار في عناد يرفض المعرفة. ومعنى الكلمة العبرية المستخدمة هنا عن الأحمق أنه شخص عديم الشعور بالنسبة للحق الأدبي، ويتصرف بغير اعتبار له.

وهذه الدرجات رأيناها مع الفريسيين فقد سمحوا للرب يسوع أولاً أن يقرأ لهم في المجمع ولكنهم رفضوا أن يتعلموا فصاروا جهال ثم بدأوا يستهزئون به ثم أخيراً صلبوه. (لو10:4+2:15+14:16+مت20:27). وهنا نرى المسيح (أقنوم الحكمة) يخاطبهم لأني دعوت فأبيتم ومددت يدي وليس من يبالي. وقوله مددت يدي كناية عن التوسل والتضرع. (وقارن مع أش12:65+4:66_أر13:7،14).

هأنذا أفيض لكم من روحي. ولاحظ أن المتكلم.. هو المسيح الحكمة تنادي وقارن مع قول المسيح أنه يرسل لنا الروح القدس (يو7:16+يو26:15+يو38:7،39) ونلاحظ أنه بمعونة الروح القدس يتوب الإنسان ويكون للكلمة تأثير وقوة فالروح القدس عمله التبكيت (يو8:16) ولذلك يقول هنا إرجعوا عند توبيخي. وقوله هذا يشير للتوبة التي تنشأ عن تبكيت الروح القدس (زك3:1). فالحكمة (المسيح) يدعو الخطاة للتوبة والروح القدس يبكت ويعين على التوبة.

أضحك.. أشمت= تعبيران مجازيان بلغة بشرية للتعبير عن موقف الله إزاء من احتقر دعوته. وقوله كزوبعة.. كعاصفة= إشارة للهلاك السريع المباغت ولاحظ في آية (29) ارتباط العلم بمخافة الله. وفي (28) يدعونني فلا أستجيب الله يعطي زماناً للتوبة، فإذا أضاع الإنسان فرصة التوبة لا يستجيب له الله بل يؤدبه ويعاقبه (رؤ21:2-23). وأيضاً رفض العذارى الجاهلات. وبنفس المفهوم فالغني في الجحيم كان يصرخ بلا استجابة. لأن ارتداد الحمقى يقتلهم= أي تحولهم عن طريق الحكمة إلى طريق الجهالة والشر. وعكس هذا تماماً المستمع لي يسكن آمناً= لأنه بنى بيته على الصخر (مت24:7،25). فمن يزرع يحصد فساداً (غل7:6،8).


 

الإصحاح الثاني

الآيات (1-5): "يا ابني أن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك. حتى تميل آذنك إلى الحكمة وتعطف قلبك على الفهم. أن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلى الفهم. أن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز. فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله."

سبق سليمان في الإصحاح السابق وحذر من خطورة الانسياق لإبليس وللأشرار من أتباعه ثم حذر من خطورة من لا يسمع لكلام الله. وهنا يوجه كلامه لمن يرغب في أن يتعلم وتكون له النية على أن يسمع صوت الله.

إن قبلت كلامي= إن أصغيت وانتبهت إلى أقوالي سواء كانت وعود أو تأنيب وتوبيخ أو وصايا أو إعلانات عن فكر الله، فكلام الله أعم من الوصايا وهو يشمل هذا كله. ونفهم من هذا القول أن الإنسان حر في أن يختار طريق الاستماع أو طريق الرفض لكلام الله. والبداية هي أن نقرر وتكون لنا النية أن نقبل كلام الله.

وخبأت وصاياي عندك= الخطوة الثانية هي الاهتمام بما سمعناه من كلام الله. حتى تميل أذنك إلى الحكمة= توجه أذنك إلىّ وتصغى بانتباه وشوق واهتمام، وتعني أن تتحول الأذن عن الاهتمام بسماع صوت العالم وتتعطش إلى المعرفة عن الله أكثر. تعطف قلبك على الفهم= عطف يعني مال، والمقصود توجه قلبك إلى الفهم. والقلب في العبرية يشير للقوى العقلية والأدبية والعاطفية فهو يعبر عن كل الكيان الإنساني فهو مركز الحياة. ونجد هنا طالب الحكمة وقد سيطرت على مشاعره وعقله فكرة التعمق في طلب الله. ورفعت صوتك= صرخت بشوق وطلبت بلهفة من الله، في صلاة حارة وتضرعات. وهذا ما فعله سليمان نفسه حين طلب من الله في صلاته أن يمنحه الحكمة (1مل9:3). وبحثت عنها كالكنوز= هنا يصل طالب الحكمة لدرجة أعلى، لقد اكتشف أن كلمة الله هي أثمن ما يمكن أن يحصل عليه المرء فهي كالكنوز (مت44:13).. حينئذ تجد معرفة الله، حينئذ تفهم مخافة الرب= هذا هو الهدف وقد رسمت الآيات السابقة طريقة الوصول لهذا الهدف والحصول عليه. فهذه الآيات التي أمامنا تكشف لنا كيف نجد الحكمة أو معرفة الله؟ والإجابة على ذلك:- أن الله أعطانا كلمته ولكن هل نحن على استعداد أن نقرر أننا نريد قبولها، الموضوع لا يحتاج ذكاء بشري عادي بل يتطلب حالة النفس هل هي تريد أو لا تريد؟ فكلمة الله موجودة وعلينا أن نفتش فيها والروح القدس سيعطينا فهماً لها. والخطوة الثانية بعد أن نتخذ قرارنا أن نميل أذاننا لنسمع، أو نبدأ لنفتش عن الطريق الذي قررنا أن نسلكه ونترك طريق العالم الخاطئ. والخطوة التالية هي أن يصير طلبنا لطريق الله، طريق الحكمة باهتمام وبجدية وما نعرفه نخبأهُ ولا نفرط فيه. والنمو في هذا الطريق يجعلنا نطلبه باهتمام أكثر وتصبح شهوة معرفة المسيح هي من كل القلب، فلا تكون قراءة الكتاب المقدس قراءة سطحية بل بعمق وفيها نميل الأذن ونوجه القلب للفهم. بل نصرخ لله طالبين أن نفهم وما نفهمه لا نفرط فيه بل نخبأهُ في القلب كمن يخبئ شئ ثمين. وعلينا أن نبحث في كلمة الله كمن يبحث عن كنز وتشبيه كلمة الله بالكنز لسببين [1] هي قيمة جداً ولكنها مختبأة [2] مثل أي كنز تحتاج لمن يفتش عنها وينقب وراءها ليجد المعاني وراء الكلمات، ننقب لنفهم المعاني العميقة وراء الكلمات، وهي تستحق كل عناء (في8:3) وكلمة الله قادرة أن تجعلنا حكماء، ولنفهم أننا لن نجد حكمة حقيقية خارجاً عن كلمة الله، لذلك علينا أن نقبلها دون تذمر أو مناقشة أو اعتراض. ومن يقبلها يأخذ حكمة، ومن يجد ويتعب ليفهم سيعطيه الله المعرفة والحكمة. فالحكمة هي عطية الله وليست نتيجة مجهود بشري فقط.

 

الآيات (6-9): "لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. يذخر معونة للمستقيمين هو مجن للسالكين بالكمال. لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. حينئذ تفهم العدل والحق والاستقامة كل سبيل صالح."

الآيات السابقة تكلمت عن البحث عن الحكمة وهنا تتكلم عن السير في طريق الكمال. فطالما وجدنا معرفة الله ووجدنا الحكمة علينا أن نسلك بموجبها. وهنا تنبيه يشدد عزيمتنا أن الله سوف يساعدنا في طريق الحق فنحن إذاً لسنا وحدنا في الطريق.

معونة= من يقرر أن يسلك في طريق الله، عليه أن لا يخاف فالله سيعطيه معونة ويؤيده بالمشورة الصالحة والقوة التي تسنده. المستقيمين= هم الأبرار الذين يسلكون في طريق الله. مجن= عدة من عدد الحرب لحماية الصدر والظهر. هنا الله يعد بالحماية لمن يسلك في طريقه "لا تخف يا إبرام أنا ترس لك" (تك1:15) يذخر معونة= يخبئ الله المعونة ويظهرها للأبرار فقط السالكين بالكمال= أي الأمناء في سلوكهم مع الله ومع الناس بلا إعوجاج. طريق أتقيائه= الرب يحفظ طريقهم فهم يسيرون في طريقه. لنصر مسالك الحق= علينا أن نقرر أن نسلك بالحق في طريق الله، والله لن يتخلى عنا أو يتركنا بل إذا سلكنا في مسالك الحق يعطينا الله مهماً أعمق للحق والعدل والاستقامة، بل في كل سبيل صالح فينتقل من نمو إلى نمو ومن عمق إلى عمق في الحكمة والمعرفة. ولنذكر أننا لن نعرف طرق الحق والعدل والاستقامة إلا لو مارسناها. لن نعرف قوة كلمة الله إلا لو قررنا أن نحيا بها ونطبقها بأمانة فحينئذ يساعدنا الله ويفتح عيوننا فنعرف أكثر عنه وعن جمال وقوة كلامه ووصاياه، وهكذا من نمو إلى نمو. فكلمة الله في كتابه المقدس تقودنا للكمال (2تي16:3،17). والكمال يأتي ليس بالمعرفة النظرية بل بالسلوك (كو9:1-11). والله يعطي لمن يسلك أن يفهم العدل= يكون الإنسان باراً غير منحازاً في أحكامه. ويفهم الحق= الرأي السديد وتمييز الأمور المتخالفة (في9:1،10). والإستقامة= السلوك في طريق الله. وبهذا يعطي الله لمن يسلك في طريقه فهماً أكثر ووضوح رؤية لواجباته تجاه الله (الاستقامة) وواجباته تجاه الناس (العدل والحق) والله وحده مصدر هذه الحكمة الحقيقية =لأن الرب يعطي حكمة= والله يعطيها لمن يطلب (يع5:1) من فمه المعرفة= فالله أعطى من فمه لأنبيائه ورسله وهم كتبوا الكتاب المقدس. ولنلاحظ أن المسيح مذَّخر فيه كل كنوز الحكمة (كو3:2) وهو يعطيها لمن يطلب (اف17:1) ويعطي بالأكثر لمن يسلك في طريق الكمال. والروح القدس الذين نحن هيكلاً له هو روح الحكمة فهو يهبنا حكمة (أش2:11 + يو13:16-15).

 

الآيات (10-22): "إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك. فالعقل يحفظك والفهم ينصرك. لإنقاذك من طريق الشرير ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب. التاركين سبل الاستقامة للسلوك في مسالك الظلمة. الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر. الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم. لإنقاذك من المرأة الأجنبية من الغريبة المتملقة بكلامها. التاركة أليف صباها والناسية عهد إلهها. لأن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة. كل من دخل إليها لا يؤوب ولا يبلغون سبل الحياة. حتى تسلك في طريق الصالحين وتحفظ سبل الصديقين. لأن المستقيمين يسكنون الأرض والكاملين يبقون فيها. أما الأشرار فينقرضون من الأرض والغادرون يستأصلون منها."

هذه الآيات تشرح أن الحكمة الحقيقية التي يعطيها لنا الله قادرة أن تحفظنا من طريق الخراب والدمار والهلاك الذي تقودنا له الخطية وبالتالي فالحكمة الإلهية هي أثمن من كل كنوز الدنيا، فكل كنوز الدنيا إذا امتلكتها وسلكت في طريق الخطية ستذهب هباءً، أما لو إمتلكت الحكمة فلقد امتلكت كل شئ "كأن لا شئ لنا ونحن نملك كل شئ" (2كو10:6 + أع6:3). ولكن عدو الخير يسعى وراء كل واحد منا حتى يوقع به كما أوقع بأمنا حواء، ومن يتمسك بالحق تكون له حكمة فلا ينخدع بغوايات إبليس، بل تهدينا الحكمة للطريق السليم أمام الخداعات التي نتعرض لها وهذه الخداعات هي: خداع الأشرار (10-15)  خداع المرأة الشريرة (16-22) وهذه صورة لنهاية الأيام فهناك عدوين للكنيسة الوحش (رؤ13) وبابل الزانية (رؤ17) وكيف نختبر أنفسنا هل لنا حكمة أم لا؟ الإجابة بأن نسأل أنفسنا هل نرفض الغواية (إذاً لنا حكمة) أن نقبلها (فليست لنا حكمة).

الحكمة تحفظنا من خداع الأشرار (10-15)

إذا دخلت الحكمة قلبك= القلب هو مركز الحياة بما فيها من دوافع وأفكار محركة. ولذت المعرفة لنفسك= النفس هي مجموعة الشهوات والرغبات والميول. فالعقل يحفظك= أي تكون لك البصيرة ويكون لك الرأي السديد الذي به ترى الطريق الصحيح والفهم ينصرك= أي يكون لك التمييز بين ما ينفعك وما يضرك. من المتكلم بالأكاذيب= أي من يتكلم بالغش والخداع سواء في الروحيات أو العقيدة أو أي شئ أخر ليجذب النفس البارة لطريق معوج. ومن يفعل هذا فهو لا علاقة له بالله، بل يهاجم الله وكلام الله مباشرة أو يهاجم العقيدة الصحيحة مدعياً أنه وحده الذي يعرف الله. هو إنسان له مظهر الحكمة ولكنها حكمة عالمية غاشة بها يخدع ويجذب البسطاء وعديمي الحكمة الذين لم يحصلوا على حكمة إلهية من فوق. وعادة يكون المتكلم بالأكاذيب شخص له كبرياء وإعجاب بالذات، يجذب حوله عديمي الخبرة. ولكن حين يملك حق الله على القلب فإنه ينقذ من طريق الشرير= أي يحفظ الإنسان من السلوك في نفس طريق الأشرار. والمطلوب حتى ينجو الإنسان من طريق الأشرار أن تدخل الحكمة للقلب وتلذ المعرفة للنفس أي أن المطلوب أن لا تكون الحكمة مجرد أفكار نظرية في العقل بل يبدأ الإنسان في ممارسة ما تعلمه من كلمة الله ويشعر بقوة كلمة الله ولذة السلوك في وصاياه فيكون لهذه اللذة وهذه الخبرات قوة دافعة للإنسان تملك على مشاعره فيزداد إصراراً على السلوك في طريق الله. فحين تملك الحكمة على إنسان تحكم كل حياته كما تؤثر الخميرة على العجين كله، بل يملك المسيح على القلب بل كل الحياة بل يغير الإنسان إلى صورته. وحينئذ تلذ  المعرفة للنفس أي يكون تنفيذ الوصايا ليس عن طريق الضغط والكبت ولكن بحرية وسرور. وربما يكون السلوك بالحق والطهارة غير مرضي للجسد تماماً، لأن الجسد والخطية ساكنة فيه والشهوة موجودة فيه سيقاوم الروح ولكن الروح سيقاوم الجسد ويرضى بالحق الذي يسلك فيه الإنسان، وحينئذ تمتلئ الحياة سلاماً وعزاء وفرحاً لا يعرفه سوى من اختبر حياة التقوى ولا يختبر هذا السلام من يسلك في حياة العالم الشرير بملذاتها. وهذه هي لذة النفس الحقيقية أي سلام الله يحصل عليها من يعرفه.

الحكمة تحفظ من المرأة الأجنبية (16-22)

الآيات السابقة تكلمت عن العقل غير المقدس، وخداع الأشرار العقلي الذي يتحدى الله. وهنا نرى الشهوات الجسدية، فالخداع العقلي يقود لطريق الشهوة الجسدية وغوايتها. المرأة الأجنبية= أطلق هذا التعبير أولاً على المرأة الأممية الزانية، فالنساء الوثنيات كن يتسللن من الأمم المجاورة الوثنية ليضللن ويغوين شباب شعب الله (عد1:25،2). وهي دعيت أجنبية لأنها امرأة رجل آخر ولأنها ليست زوجة للشاب العبراني الذي تزنى معه ولأنها ليست عبرانية ولأنها تعبد إله وثني، فعبادتها لأوثانها تختلف عن عبادة شعب الرب، العبادة المقدسة، بل هي ستجذب شعب الرب لعبادة أوثانها (وهذا حدث أيام غواية بلعام وحدث مع سليمان نفسه للأسف). ولأنها بإنحرافها لا تسلك في شريعة الرب المقدسة. وعموماً كانت الشريعة تحتم رجم الزانية فلم يكن يوجد زواني سوى من الأجنبيات الوثنيات وكانت الكنعانيات يمارسن الزنا كطقس ديني، ولذلك كان كثير من رجال شعب الرب ينجذب لهذه العبادة النجسة. أليف صباها= أي زوجها الشرعي (أر1:3-4) الناسية عهد إلهها= أي عهد زواجها، الذي قطعته على نفسها باسم إلهها أن تظل أمينة لزوجها، فهذه المرأة الأجنبية هي خائنة، زانية ومتمردة على إلهها ومتمردة على زوجها بل متمردة على كل أدب وفضيلة وهي خائفة:- [1] لألهها الذي كسرت شريعته [2] لزوجها [3] للشاب الذي تزنى معه فهي تدعى أنها تحبه وهي تريد أن تقوده بشهوتها لخسارة ماله أو إرضاء لشهواتها، وهي ستقوده للخراب عموماً. وبهذا المفهوم تصبح المرأة الإسرائيلية أجنبية لو عاشت حياة الزنا. وبنفس المفهوم لم تُحسب راعوث أجنبية لسلوكها بحسب شريعة الرب "إلهك إلهي" (را16:1) المتملقة بكلامها= هي تدَّعي الحب وشفتاها تقطران عسلاً لكن عاقبتها مُرَّة (أم3:5،4) وفي (18) بيتها يسوخ إلى الموت= أي يهوى إلى أسفل حتى يتوارى عن الأنظار (كما حدث مع قورح وقومه) فكل خطوة إلى بيت الزانية هي خطوة تجاه الموت فطريق الزنا هو طريق الخراب. الأخيلة= الأموات في هاوية العذاب. يؤوب= يرجع ويعود (آية19). لا يبلغون سبل الحياة= أي لا نصيب لهم في قيامة الحياة وهنا نرى نهاية من يسلك في طريق الزنى، فهو طريق الخراب للزانية وبيتها ومن يزنى معها. بل أن هلاكهم أبدي ومصيرهم مع الأخيلة في هاوية الجحيم. وهنا تحذير بأن من يبدأ هذا الطريق يصعب رجوعه فهو كلما سلك في طريق لذة الجسد ينجذب بالأكثر فتضعف مقاومته، وكلما مارس هذه الخطية يتقسى قلبه بالزيادة ويظلم عقله بخداعات الخطية فلا يعود يرى سوى اللذة البهيمية الجسدانية الشهوانية في هذه الخطية لذلك يصعب رجوعه بل ربما يستحيل رجوعه= كل من دخل إليها لا يؤوب.

وفي الآيات (20-22) يعرض نصيب من يسلك بالحكمة رافضاً طريق الأشرار الخطاة ورافضاً غواية المرأة الزانية. فهم يسكنون الأرض= وهذا بمفهوم العهد القديم. وبمفهوم العهد الجديد يكون لهم نصيباً سماوياً مع القديسين. وهذه دعوة من سليمان لكل واحد حتى يسلك في طريق الصالحين= أي من اختاروا أن يسيروا في طريق الله، ويسلكون معه بأمانة، هذا قد يخطئ فالصديق يسقط في اليوم 7 مرات لكنه يقوم أي يقدمون توبة فورية كمن لا يستطيع أن يبقى في هذا الجو الغريب. ومن هم الكاملين= هؤلاء الذين كرسوا قلبهم  تماماً لله. وعكس هؤلاء فهم الغادرون= أي الرافضين لله في عدم إيمان وتصرفاتهم فيها خيانة لله وهؤلاء يستأصلون= لا بركة لهم على الأرض وقد ينهي الله حياتهم على الأرض كما فعل بأهل سدوم وكما فعل في الطوفان وهم لا نصيب سماوي لهم في القيامة الأبدية.


 

الإصحاح الثالث

خلاصة هذا الإصحاح أنه هو دعوة لكل إنسان أن يرضى الله فيبارك الله حياته.

فمن يسلك بحسب وصاياه يحصل على طريق السعادة             (الآيات 1-4)

ومن يتكل عليه بالكامل يحصل على الأمان الكامل                (الآيات 5-6)

ومن يخاف الله تكون له صحة الجسد                             (الآيات 7-8)

ومن يخدم الله بما يملك يغتني                                    (الآيات 9-10)

ومن يحتمل الآلام يكمل ويتأدب                                  (الآيات 11-12)

ومن يجتهد ليحصل على الحكمة يقتنيها ويستفيد منها              (الآيات 13-20)

ولذلك على كل إنسان أن يعيش ليصنع خيراً فالله سيعطينا

بحسب ما نفعل خيراً كان أم شراً.                               (الآيات 27-35)

 

الآيات (1-4): "يا ابني لا تنس شريعتي بل ليحفظ قلبك وصاياي. فأنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة. لا تدع الرحمة والحق يتركانك تقلدهما على عنقك اكتبهما على لوح قلبك. فتجد نعمة وفطنة صالحة في أعين الله والناس."

شريعتي= تعليمي أو توجيهي والكلمة الأصلية تفيد مد اليد كما في إرشاد مسافر في طريقه. ليحفظ= أي يحرس، كما يحرس إنسان بيته أو كرمه وكلمة يحفظ جاءت في هذا السفر 25 مرة. وصاياي= الكلمة مشتقة في الأصل من فعل "وصف"  كما يصف الطبيب الدواء للمريض. فسليمان يعتبر وصاياه لأبنائه هنا كمرشد لهم في الطريق. والله أعطى الوصايا عموماً لشعبه كطبيب لمريضه حتى ينعم بالصحة، ومن يسلك بحسب وصايا الله فلفائدته هو ولسلامة حياته على الأرض وضماناً لحياته الأبدية. تزيدك طول أيام= علامة الرضا الإلهي في العهد القديم (وصية اكرام الوالدين وارتبطت بهذا الوعد). وسنى حياة وسلامة= بمفهوم العهد القديم تعنى البركة في نتاج الأرض والكرم والأولاد والصحة وبمفهوم العهد الجديد يضاف لهذه البركة المادية السلام الإلهي الذي يملك على القلب وأن يشعر الإنسان في حياته بالأمان والإكتفاء والرضى. وعموماً فالعهد القديم حين يعد بطول الأيام لا يقصد حياة طويلة مؤلمة بل حياة طويلة كلها فرح. ليحفظ قلبك وصاياي= "إن أحبني أحد يحفظ كلامي (يو23:14). وحفظ القلب لوصايا الله بهذا المعنى لا يعني فقط الرضوخ للواجب بل تكريس القلب في حب لله والطاعة الكاملة في حب لمشيئته. وخلاصة القول، علينا أن نطيع وصايا الله طاعة قلبية  بكل المشاعر ونخبئ وصاياه في القلب كما كان لوحي الشريعة يختبآن داخل تابوت العهد.

لا تدع الرحمة والحق يتركانك= الرحمة والحق من صفات الله. وهما صفتان انطبقتا بالكامل على المسيح، ولأنه كان هو مصدر الحق والرحمة كان يتقدم في النعمة والحق (لو52:2) ونلاحظ قوله الرحمة قبل الحق، فالمسيح قدَّم رحمته في الصليب قبل أن يحكم علينا بالحق. وبالمسيح كانت النعمة والحق. وهنا دعوة أن نتعلم من المسيح ونسلك في نفس خطواته فنتعلم الرحمة والحق، الرحمة تجاه إخوتنا البشر والحق تجاه الله أي الإلتزام الكامل بوصاياه، ونتعلم أن نقول الحق لكل إنسان ولكن في محبة ورحمة تجاه كل إنسان. وكل من يسلك بالرحمة والحق يتوقع أن ينمو في النعمة والفطنة في رضا الله الذي يفيض عليه كليهما. وإذا كانت الرحمة والحق من صفات الله، فإذا تعلمهما إنسان يصعد هذا الإنسان إلى أعلى مستويات الكمال الإنساني وبهذا فقط أي بالرحمة والحق يفتخر الإنسان= تقلدهما على عنقك= أي تشعر بالسعادة والفخر وأنت تطبق وصايا الله، وتضعهم أمام عينيك كمن يلبس قلادة على عنقه ويتأملها دائماً لتقوده في طريق تعلم الرحمة والحق، فيتقلدهما على عنقه كقطعة ثمينة من الحلي. أكتبهما على لوح قلبك اللوح هو ما كان يكتب عليه في العهد القديم (أر1:17+أر33:31+لو63:1) والمعنى في كتابة الوصايا على القلب أن تكون وصايا الله هي المحرك لكل أعمال الإنسان بل وكل مشاعره. وكيف تكتب الوصايا على لوح القلب؟ نلاحظ قول السيد المسيح من يحبني يحفظ كلامي.. إذاً السر في الحب.. وكيف نحب؟ نلاحظ قول بولس الرسول في (رو5:5).. أن محبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس. إذاً الله أعطانا الروح القدس الذي يملأ قلوبنا محبة بها تنقش على قلوبنا وصايا الله. وهذا معنى وعد الله في (أر33:31).

فتجد نعمة= أي رضى من الله والناس. وفطنة صالحة= فهماً وذكاء. أي يجد الإنسان نعمة في عيني الله وفهماً في أعين الناس إذا إزدان بالرحمة والحق. والناس تفهمه وتحبه ويجد نجاحاً في وسط الناس حين يثقوا به.

 

الآيات (5،6): "توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد. في كل طرقك اعرفه وهو يقوم سبلك."

توكل على الرب= أي آمن وثق واحتمي بالله في إتكال كامل عليه، آمن وثق بأن الله قادر وقدير، قادر أن يفعل ما يريد وآمن بأنه حكيم سيصنع الصالح وأنه صالح سيصنع الخير لمن يحبه ويخدمه ويطيعه، بل آمن أن الله منبع كل خير وصلاح. بكل قلبك= أي لا يكن لك ثقة في غيره. وعلى فهمك لا تعتمد= من يثق في الله ينجح ومن يثق في نفسه يفشل (أم26:28) وهكذا سقطت حواء إذ تركت وصية الله وظنت أنها تحصل على السعادة بما تراه أنه حسن ومبهج من وجهة نظرها هي. في كل طرقك أعرفه= أي بتسليم كل شئ له والإتكال الكامل عليه وبأنه السيد المطلق على حياتنا فنحفظ وصاياه. وقوله في كل طرقك نطبقه عملياً بأن نبدأ كل مشروع لنا أو نبدأ يومنا بالله، بالصلاة ليشترك الله معنا في عملنا ونصلي في أثناء عملنا حتى يبارك الله علمنا ويومنا، نصلي طالبين المعونة والبركة قبل أن نبدأ وفي أثناء أي عمل، وبعد أن ننتهي نصلي شاكرين لله ما بدأه وأنهاه معنا. يقوم سبلك= كلمة يقوم في معناها الأصلي تحمل معنى التقسيم والفصل فعندما تتشعب السبل أمام الإنسان ويتحير في أيهما يسلك يتدخل الرب ويفصل بين هذه السبل ويرشده إلى السلوك في الطريق الصالح. فقط علينا أن نطيعه ونتبعه ومن يمشي وراء السحابة لابد وسيصل إلى كنعان السماوية، وكل ما علينا عمله أن نصلي دائماً وبلا إنقطاع طالبين معونته وإرشاده وهو يفتح أعيننا لنرى الطريق الصحيح وهذا معنى في كل طرقك إعرفه ويكون هذا بالصلاة دائماً.

 

الآيات (7،8): "لا تكن حكيماً في عيني نفسك اتق الرب وابعد عن الشر. فيكون شفاء لسرتك وسقاء لعظامك."

لا تكن حكيماً في عيني نفسك= من يتصور أنه حكيم يتكل على ذاته، ومن يثق في نفسه وفي حكمته فهذا يتعارض مع الثقة الكاملة في الله. ومن لا يثق ثقة كاملة في الله يفشل. إتق الرب وأبعد عن الشر= تقوى الله هي مخافته، ومخافته هي في حفظ وصاياه والابتعاد عن الشر. شفاء لسرتك وسقاءً لعظامك= أي صحة للجسد كله. والسرة(في السبعينية جاءت جسد) فالسرة هي مدخل الغذاء للجنين، بل هي المصدر الوحيد لغذائه، ولو أنقطع الحبل السري الذي يأتي بالطعام للجنين يموت فوراً. فشفاء السرة كناية عن صحة الجسد كله، وهكذا حفظ وصايا الله هي ضمان الحياة لنا وضمان الصحة. وسقاء لعظامك هو تعبير يقصد به صحة العظام ونضارتها بواسطة النخاع الذي بدونه تصير العظام هشة والجسم غير قادر على الوقوف.

فعلينا أن نقاوم بحزم ميلنا الطبيعي للشر ولا نتجاوب مع شهوات الجسد، والله يعطي قوة لذلك. والبعد عن الشر فيه صحة وغذاء للجسد وللنفس وفيه قوة لكليهما.

 

الآيات (9،10): "اكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك. فتمتلئ خزائنك شبعاً وتفيض معاصرك مسطاراً."

اكرم الرب من مالك= كل بركة عندي هي من الرب، وإذا أعطينا الرب فإننا نعترف بأن كل شئ منه وله (1أي14:29) وبهذا يبارك الرب فيما عندنا بركة مادية فلن يحتاج المؤمن لشئ (مز25:37) وبركة روحية تشبع النفس وتملأ القلب فرحاً= خزائنك تمتلئ شبعاً وتفيض معاصرك مسطاراً. هنا سليمان يحثنا على العطاء، بل تكريس كل شئ للرب. ونحن حين نعطي فيه إعلان بأننا لا نهتم بالأرضيات ولا نتمسك بها بل نتمسك بالسماويات، وفيه إعلان إيماننا بأن الأرضيات (المال والثروات.. الخ) ما هي إلا أشياء تافهة.

 

الآيات (11،12): "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به."

هذه الآية أخذها بولس الرسول (عب5:12،6) ولكن بحسب الترجمة السبعينية وسليمان هنا يطلب أن لا نستخف بتأديب الرب. ولا نتذمر عليه= لا تحتقر تأديب الرب بل علينا أن نفكر لماذا يعاقبنا الله فنقدم توبة. ولنفهم أن الآلام هي طريق تكميل الإنسان وتأديبه. والله هو المؤدب كأب وليس كقاضٍ أي تأديبه يكون برحمة وحب. وتأديب الله يكون كما من يد طبيب ماهر يعرف دوائنا تماماً ومقدار إحتمالنا.

 

الآيات (13-18): "طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم. لأن تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص. هي اثمن من اللآلئ وكل جواهرك لا تساويها. في يمينها طول أيام وفي يسارها الغنى والمجد. طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام. هي شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط."

طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة= كلمة يجد في الأصل تأتي بمعنى يستخرج كما من منجم بالحفر والتنقيب، فهو يستخرجها من مخازن الحق الإلهي (الكتاب المقدس) وكون أن الإنسان يستخرجها فهذا يشير [1] أنها ليست من عنده بل يسعى لإقتنائها [2] هي من عند الله يأخذها بصلاته كما فعل سليمان [3] يصلي بلجاجة ويتأمل في كلمة الله ويدرسها ويلهج بها كمن يتعب ويجتهد ليشق منجم. لأن تجارتها خير من.. = كلمة تجارة تشير لاستخدام الحكمة في خدمة الآخرين فمن حصل على خمس وزنات يتاجر ليحصل على خمس وزنات أخر. واكتساب وزنات جديدة (ربح نفوس للمسيح) خير من أي تجارة أخرى أو مكسب آخر (ذهب، فضة.. ) وكل جواهرك= حرفياً تعني كل ما تجد فيه لذتك وسرورك وما تشتهيه. في يمينها.. وفي يسارها= كأن الحكمة لها يدان تعانق بهما من يقتنيها فتحيطه بطول الأيام (على الأرض وحياة أبدية في السماء) وأيامه تكون أيام سعادة وغنى ومجد. ولاحظ أن الحكمة تعطى بكلتا يديها. ولأن الحكمة هي المسيح سمعنا بولس الرسول يقول أن محبة المسيح تحصره أي يحيطه بكلتا يديه ويطوقه في حب ورعاية.

طرق نعم= من يرضى الله عن طرقه يفيض عليه من نعمته. هي شجرة حياة= مصدر دائم النمو للحياة لمن يحصل عليها، هي مصدر حياة وسعادة وصحة، وهي تعطي حياة أبدية (تك9:2، 22:3 + رؤ7:2) فبالخطية كان الموت وبالمسيح شجرة الحياة كانت الحياة. ولنلاحظ في هذا النص أن المسيح هو الحكمة وهو اللؤلؤة الثمينة (مت46:13) وهو شجرة الحياة. بينما أن كنوز العالم طالما كانت مصدر شقاء وتعاسة لمن يقتنيها بينما من يمتلك الرب يسوع يمتلك كل شئ ويمتلك حكمة الله وسلام يفوق كل عقل.

 

الآيات (19،20): "الرب بالحكمة أسس الأرض اثبت السماوات بالفهم. بعلمه انشقت اللجج وتقطر السحاب ندى."

هنا سليمان يريد أن يظهر أهمية الحكمة حتى يدفعنا أن نطلبها باجتهاد فيظهر أن الله بحكمته أسس الأرض وأثبت السموات.. ونلاحظ أن المسيح هو الذي به كان كل شئ، فهو أقنوم الحكمة (يو3:1). فما يعطي للحكمة أهمية قصوى أن الله خلق بها العالم وهو بالحكمة يديره، وحينما سقط الإنسان كانت حكمة الله هناك لتعيده كخلقة جديدة. والله الذي له كل هذه الحكمة مستعد أن يعطينا حكمة حقيقية من عنده، والحكمة الحقيقية التي يعطيها الله بالتالي هي إمتلاك للغني الحقيقي والمجد الحقيقي والسعادة والشبع الحقيقيين. فالذي يضبط الكون بحكمته يعطينا من حكمته. وأي فرح ومجد أن يعطينا الله من حكمته.

 

الآيات (21-26): "يا ابني لا تبرح هذه من عينيك احفظ الرأي والتدبير. فيكونا حياة لنفسك ونعمة لعنقك. حينئذ تسلك في طريقك أمناً ولا تعثر رجلك. إذا اضطجعت فلا تخاف بل تضطجع ويلذ نومك. لا تخشى من خوف باغت ولا من خراب الأشرار إذا جاء. لأن الرب يكون معتمدك ويصون رجلك من أن تؤخذ."

لا تبرح هذه من عينيك= أي دائماً تكون وصايا الله أمام أعيننا. وهذه= إشارة للحكمة والتعاليم المتضمنين في التعاليم التي ستأتي بعد ذلك، أو هو يقصد بقوله هذه هنا طلب الحكمة الإلهية والمعرفة الإلهية عموماً وهذا موضوع هذا الإصحاح إحفظ الرأي والتدبير= إحفظ بمعنى السهر والملاحظة الدقيقة كما يحرس إنسان كنزاً ثميناً. والرأي هو الحكمة الصحيحة أو المشورة الصالحة والتدبير هو التدبر والتفكير حياة لنفسك= أي تكون في صحة نفسية من الداخل وصحة جسدية من الخارج. ونعمتة لعنقك= أي نتزين بالنعمة، وتكون كقطعة حلي ثمينة تحيط بالعنق، يراها كل واحد علينا، أي يظهر عمل الله فينا ونعمته المنسكبة علينا أمام الناس. آمناً= تحيطك حماية الله فتسلك في حياتك شاعراً بسلام داخلي وحماية خارجية. لا تعثر= فمن يسلك في النور لا يعثر. يلذ نومك= يكون نومك بلا قلق بل في سلام وشعور بالطمأنينة. لا تخشى من خوف باغت= هو شعور داخلي بحماية الله وعكس هذا فالشرير دائماً في خوف من المجهول. يصون رجلك من أن تؤخذ= لا تقع رجلك في الشبكة التي ينصبها العدو لك لأن الله سيحفظك منها وينير لك الطريق. إلا أن الله يسمح في بعض الأحيان أن يكون الأشرار أداة تأديب لشعبه الأبرار (السبئيين والكلدانيين في حالة أيوب) ولكن يكون ذلك بسماح من الله وليس بحريتهم الشخصية.

 

الآيات (27-31): "لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غداً وموجود عندك. لا تخترع شراً على صاحبك وهو ساكن لديك أمناً. لا تخاصم إنساناً بدون سبب أن لم يكن قد صنع معك شراً. لا تحسد الظالم ولا تختر  شيئاً من طرقه."

تحتوي على أمثال قصيرة منفصلة، وفيها ما يتفق مع تعاليم معلمنا يعقوب في (يع16:2 + 13:3-18). فهنا يوصي بأن نهتم بأعمال المحبة، ونلاحظ أن المحبة وصية في عنق كل إبن لله (رو8:13) والامتناع عن عمل المحبة للآخرين يحمل معنى وجود الطمع في القلب. لا تمنع الخير عن أهله= هذه تتضمن عدم منع العشور والبكور والنذور وتتضمن أيضاً عدم تسديد الديون لأصحابها بل تتضمن الإلتزام بتقديم أي خدمة لكل من يحتاجها. فأعطيك غداً وموجود عندك= فقد تموت أنت أو يموت هو في هذه الليلة، ولماذا تتركه أصلاً معذباً لمدة ليلة. لا تختزع شراً= المعنى الأصلي لا تدبره، أي لا تدبر الشر على الآخرين وأشر أنواع الخيانة هو خيانة إنسان ساكن لديك آمناً= أي يضع ثقته فيك. وقد يفهم أيضاً عدم تلفيق الشر ضد أحد. لا تخاصم= بل المسيح يطلب أن أسامح الجميع. لا تحسد الظالم= الذي يجمع ثروة عن طريق الظلم، هذا لا تحسده، وهل نحسد من يقف الله ضده، ومصيره هلاك أبدي وخراب زمني قد يكون بعد حين، فلا تحسد النجاح الوقتي. لا تختر شيئاً من طرقه= أي طرق الاغتصاب والسرقة حتى تكون قوياً غنياً مشهوراً مثله.

 

الآيات (32-35): "لأن الملتوي رجس عند الرب أما سره فعند المستقيمين. لعنة الرب في بيت الشرير لكنه يبارك مسكن الصديقين. كما أنه يستهزئ بالمستهزئين هكذا يعطي نعمة للمتواضعين. الحكماء يرثون مجداً والحمقى يحملون هواناً."

هذه الآيات تحمل مفارقات واضحة بين طريقتين، أحدهما هو طريق يبغضه الرب والطريق الآخر يؤدي للتوافق الحقيقي مع الله

الملتوي.. رجس عند الرب (أي نجس)

بيت الشرير.. لعنة الله عليه

المستهزئ. يستهزئي به الله

الحكماء.. يرثون مجداً

المستقيم..له سر الله(رضاه ومحبته)(تك17:18 + مز14:25)

مسكن الصديق.. له بركة

المتواضعين.. يعطيهم نعمة

الحمقي.. يحملون هواناً


 

الإصحاح الرابع

الآيات (1-9): "اسمعوا أيها البنون تأديب الأب و أصغوا لأجل معرفة الفهم. لأني أعطيكم تعليماً صالحاً فلا تتركوا شريعتي. فأني كنت ابناً لأبي غضاً ووحيدا عند أمي. وكان يريني ويقول لي ليضبط قلبك كلامي احفظ وصاياي فتحيا. اقتن الحكمة اقتن الفهم لا تنس ولا تعرض عن كلمات فمي. لا تتركها فتحفظك أحببها فتصونك. الحكمة هي الرأس فاقتن الحكمة وبكل مقتناك اقتن الفهم. ارفعها فتعليك تمجدك إذا اعتنقتها. تعطي رأسك إكليل نعمة تاج جمال تمنحك."

اسمعوا أيها البنون= كلمة فيها سلطان وحنان أبويين. تأديب الأب= سليمان الحكيم هنا يقدم تعاليمه لنا كأب، مقدماً نفسه نموذجاً فهو كذلك تعلَّم من أبيه وسمع له. شريعتي= أرشاداتي. فأني كنت ابناً لأبي= هذه لها معنيان [1] إعزاز أبي لي وهذا ظهر في أنه علمني وأدبني. [2] محبتي وطاعتي لأبي وهذه ظهرت في استماعي له. وحيداً عند أمي= هي تعني نفس المعنيين السابقين إعزاز أمه له ومحبته هو لها، هي كانت تعلمه وهو كان يستمع في خضوع. ولكن الآية لا تعني أن سليمان كان وحيداً لأمه بثشبع بل تعني إعتزاز أمه به ورعايته كما لو كان وحيداً (2صم14:5 + 1أي5:3) وكلمة وحيد هي نفس الكلمة التي استخدمت عن اسحق في (تك2:22،12). وهي نفس الكلمة التي ترجمت محبوب في (أف6:1). والله أحب سليمان وأسماه يديديا أي المحبوب (2صم25:12) ولأن الله أحبه فقد أحبه والداه واهتما به. وداود حين أحب سليمان علمه وأدبه وهكذا المحبة الصحيحة لا تعرف التدليل بل التأديب.

وسليمان كان رمزاً للمسيح:- فهو الابن المحبوب، ابن داود الملك، ملك السلام وهو باني الهيكل (الهيكل  هو جسد المسيح أي كنيسته)، هو الملك الحكيم والمسيح أقنوم الحكمة. إبناً لأبي.. وحيد عند أمي= هو ابن لله بالطبيعة وصار له جسداً وكان وحيداً عند أمه العذراء، وعريساً واحداً لكنيسته عروسه.

غضاً= أي شاباً صغيراً، كغصن رخص. والشاب الصغير يكون قابلاً للتعليم، مثل الغصن الأخضر الرخص يمكن جعله يميل "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر" وعموماً غضاً تشير للقابلية للتعليم، فكل قابل للتعليم هو ابن صغير لم يشيخ روحياً، أما من يظن نفسه حكيماً يصبح غير قابل للتعليم ويتحول إلى شيخ عجوز جاهل فلنقبل التعاليم كأطفال ولا نظن أنفسنا حكماء. وممن نقبل التعاليم، من الأب ومن الأم، أي من الله  ومن الكنيسة، فالله أبونا والكنيسة أمنا([†]).

ومع أن سليمان كان رجلاً حكيماً حكمة غير عادية. وقطعاً كان تعليم سليمان وثقافته أكثر من داود أبيه، فداود كان راعي غنم ثم مقاتل تربي في بيئة فقيرة، أما ابنه سليمان فقد تربى في قصر أبيه الملك فنشأ في بيئة كلها ثقافة وتعليم، بل هو نال حكمة طلبها من الله لم تكن لأحد قبله ولا بعده. ومع هذا نجد سليمان هنا يشيد بتعليم أبيه وأمه كمصدر من مصادر حكمته ولم يحتقر تعاليمها بل نراه يوقرها، بل يستخدم كلمات أبيه التي علمها له. وكأنه في هذه الآيات يقول تعالوا يا أولادي لكي أعلمكم تعاليماً صالحة سبق وتعلمتها من أبي وأمي. هي صالحة لأنه قبلها من أبيه وهو تأكد أن مصدرها الحقيقي هو الله، وهي صالحة لأنه اختبرها في حياته ووجد أن نتائجها صالحة، وهو يقدم نفسه هنا كوالد يعلم أبنائه كما تعلم هو من أبيه، ولقد تعلم أبيه من الله. وللأسف فرحبعام بن سليمان لم يستفد من كل هذا كإبن فهل نستفيد نحن؟ وداود علّم سليمان كثيراً، وسفر الملوك والأيام يوردان بعض هذه التعاليم (راجع 1مل2:2-4 + 1أي12:22،13) بالإضافة إلى سفر المزامير. وتعاليم داود لسليمان يوردها سليمان هنا ضمن تعاليمه في هذا الإصحاح خصوصاً الآيات (4-13) ونلاحظ تكرار التعاليم في هذا السفر فهكذا يتعلم الأبناء بالتكرار (أش13:28)

ليضبط قلبك كلامي= إحفظ الملاك ولا تفرط فيه وخبأه في قلبك واحتفظ به بكل مشاعرك. احفظ وصاياي= هنا يخرج إلى مجال التنفيذ، والمعنى المقصود أن لا تحفظ الكلام في قلبك فقط فيتحول لجدال عقلي بل نفذه واحيا به، والممارسة وتنفيذ وصايا الله هو الطريق لزيادة المعرفة (يو17:7).

اقتن الحكمة. اقتن الفهم= كلمة اقتن أي اشتري وأملك لنفسك. وإذا كانت كنوز الدنيا لا تساوي الحكمة فلن يستطيع أحد شراؤها، لذلك فالله يهبها مجاناً لمن يطلبها ويصلي بلجاجة للحصول عليها. وهنا يميز بين الحكمة والفهم. فالحكمة قد تكون معلومات نظرية أما الفهم فهو كيف تطبق الحكمة عملياً وتميز الطرق المتخالفة في الحياة، وإلا تحولت الحكمة إلى معلومات فلسفية نظرية تقود للكبرياء. وبذلك تكون الحكمة هي البصيرة التي بها نرى الطرق المتخالفة، ويكون الفهم هو التطبيق الواعي لما رأيناه وأكتشفناه، نطبقه بإقتناع.

الحكمة هي الرأس= أي الأساس، هي أسمى شئ يستحق أن نقتنيه، ويمكن ترجمة الآية "الحكمة هي الأولى" بمعنى هي أول ما تطلب أن تقتنيه، فهي اللؤلؤة كثيرة الثمن. ونلاحظ أن المسيح هو رأس الجسد فمن يقتني المسيح إمتلك كل شئ. وكيف نقتني المسيح وبالتالي نقتني حياة لأنفسنا؟ الطريق هو حفظ الوصايا (مت17:19 + يو51:8 + يو21:14،23 + يو10:15). فالمسيح هو نبع الحكمة وهو الذي تمت فيه كل هذه الأقوال. تمجدك إذا اعتنقتها= لقد سبق ورأينا الحكمة تعانق بكلتا يديها من يطلبها (16:3) وإذا عانقت أحد تسعده. وهنا دعوة لكل أحد أن يعانق هو الحكمة لترفعه وتعليه وتكون له إكليل نعمة وتاج جمال= وهذا البهاء عكس الحمقى الذين يحملون هواناً. (35:3). لذلك فلتحب الحكمة وتحتضنها كما يحتضن الإنسان العالمي ثروته بشغف بل إرفعها فتعليك= وإرفعها بمعنى الإعلان أن علاقتك بالله هي أكثر ما تهتم به بل أكثر من حياتك، وأن علاقتك بالله هي التي ترفعك. ولنلاحظ أن سليمان كان ملكاً وأخاب الشرير كان ملكاً، وكان توقير الناس لسليمان كان ليس لأنه ملك بل بسبب حكمته واحتقار الناس لأخاب بينما كان ملكاً راجع لخطيته.

 

الآيات (10-15): "اسمع يا ابني واقبل أقوالي فتكثر سنو حياتك. أريتك طريق الحكمة هديتك سبل الاستقامة. إذا سرت فلا تضيق خطواتك وإذا سعيت فلا تعثر. تمسك بالأدب لا ترخه احفظه فانه هو حياتك. لا تدخل في سبيل الأشرار ولا تسر في طريق الآثمة. تنكب عنه لا تمر به حد عنه واعبر."

اسمع يا ابني واقبل= اسمع باحترام وتوقير ونفذ ما تسمعه. تكثر سنو حياتك (10)، إحفظه فإنه هو حياتك (13)= الحكمة وحفظ وصايا الله هي التي نعيش بها على الأرض في سلام، وبها نضمن حياتنا الأبدية. والآية (12) معناها من يحفظ الحكمة تحفظه الحكمة لا تضيق خطواتك= لا تعاق ولا تتعطل خطواتك، بل تسرع ولا تتعثر. أريتك طريق الحكمة= الطريق الذي تحصل به على الحكمة والطريق الذي تقودك فيه الحكمة.

لا تدخل في سبيل الأشرار (14) تنكب عنه (15) الدرس المهم هنا هو عدم مسايرة الأشرار فطريقهم هو طريق الهلاك. وقوله لا تدخل هو تحذير من الخطوة الأولى في هذا الطريق، فالأشرار كالمرض المعدي فلا تخالطهم (شريعة عزل الأبرص)، ولنلاحظ أن الدخول في طريقهم سيؤدي أخيراً لمسايرتهم في شرهم. وتنكب= تجنب الطريق وأرفضه والشاب في غروره يتصور أنه قادر أن يقاوم الشر ويرفضه في أي لحظة، لذلك يقول سأجرب وسأترك هذا الطريق وقتما أريد لكن شباك الخطية سرعان ما تمسك به. ولذلك يرسم له الوحي الإلهي هنا طريق الحياة وهو الهروب السريع من الخطية (2تي10:3-17) هي دعوة له للثبات في نفس طريق بولس الرسول نفسه. أما من دخل فعلاً لطريق الشر فسليمان يطلب منه أن يهرب منه بأسرع ما يستطيع= لا تَسِرْ في طريق الأثمة= فلو دخل إنسان لطريق الأشرار وأعلن له الله شر هذا الطريق واكتشف نية هؤلاء الأشرار فعليه أن يبتعد بأسرع ما يستطيع قبل أن تحيط به شباك الخطية فلا يستطيع الهرب.

 

الآيات (16،17): "لأنهم لا ينامون أن لم يفعلوا سوءاً وينزع نومهم أن لم يسقطوا أحداً. لأنهم يطعمون خبز الشر ويشربون خمر الظلم."

لا ينامون= تعبير مجازي عن شره الأشرار للخطية ولذتهم في فعلها وسعيهم إليها. خبز الشر وخمر الظلم= تعبير مجازي يشير للثروة التي تجمع بالظلم والباطل (مز4:14 + أي16:15). أو هي تشير للأشرار الذين يشربون الظلم ويأكلون الشر، أي هذه هي حياتهم، أما المسيحي الحقيقي فخبزه وخمره هو جسد ودم المسيح الأقدسين، يأخذهما باستحقاق أي بحياة توبة ونقاوة فيشبع ويفرح.

 

 

 

الآيات (18،19): "أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل. أما طريق الأشرار فكالظلام لا يعلمون ما يعثرون به."

               المسيح شمس البر                                                                                                                                                  

 

الخطية مشبهة بسحاب يحجب نور الشمس.

 

                                                                         المؤمن بحسب حالته.

 

 


 

حالة المؤمن في             بداية طريق التوبة      بسبب كثرة الخطية

الحياة الأبدية               والخطايا تقل. ويبدأ      تحيط المؤمن ظلمة

يصير هو نفسه نور        نور الله يصل للمؤمن

                            فينير بتوبته للآخرين

Text Box: اتجاه إنسان سائر في طريق التوبة
 


 

طريق التوبة يقود المسيحي من نور إلى نور بل يتحول هو نفسه بعد إن كان ظلمة ليصير نور.

 

 

 

Text Box: المسيح
شمس البر
 


 

Text Box: طريق الشر

Text Box: يتحول الإنسان إلى ظلمة تضل الآخرين

نجد هنا وضعين متعارضين الأول لمن يسلك في طريق التوبة، فتقل خطاياه ويظهر عليه نور المسيح الذي يبكت الأشرار ويفضح خطيتهم، وهذا معنى أن المسيحي نور للعالم، فقداسته ورفضه للخطية يبكت من لا يزال في طريق الخطية. والثاني لمن يسلك في طريق الأشرار فتزداد خطيته بل يتحول إلى ظلمة تضل الآخرين ويكون شركاً لهم.

 

نور متزايد= نور يزداد يوماً بعد يوم، ويزداد شيئاً فشيئاً. حتى يصل للنور الكامل= النهار الكامل= والإشارة هنا لنـور

الفجر الذي يبدأ ضعيفاً ويزداد رويداً رويداً حتى يصير في أكثر حالاته ضياءً بإشراق نور الشمس بالكامل، أو يكون التصوير بحسب الرسم أن نور الشمس يحجبه السحاب وكلما أخذ السحاب في الإنقشاع (بالتوبة) يزداد نور الشمس وصولاً للأرض. وبالتوبة يصل لنا نور المسيح ونصير نوراً والطريق مفتوح أمامنا حتى قامة ملء المسيح (أف13:4). وعموماً فالأبرار في السماء في الحياة الأبدية سيضيئون لأنهم سيكونون على صورة المسيح (2كو18:3 + 1يو2:3 + رؤ4:22،5 + دا 3:12). ومن يتبع المسيح النور الحقيقي والحكمة الحقيقية يسير في النور ولا يمشي في الظلمة بل يكون له النور (يو9:11،10 + 35:12،36) ويكون له نصيب في مجده الأبدي حيث لا ظلام إلى الأبد بل نور دائم (رؤ23:21-25) وعكس هذه الصورة تماماً تحدث لمن يسلك في طريق الأشرار، فهو سيسير في الظلمة ظلمة الخطية، وفي ظلمته يعود لا يعلم أنه يخطئ= يعلمون ما يعثرون به. ويزداد تعثراً وبالتالي يزداد ظلمة، بل يتحول إلى ظلمة أي يضل إخوته الجهلاء. ومصير هؤلاء ظلام أبدي وطرد من حضرة الله لسلطان الظلمة.

 

الآيات (20-27): "يا ابني أصغ إلى كلامي أمل أذنك إلى أقوالي. لا تبرح عن عينيك احفظها في وسط قلبك. لأنها هي حياة للذين يجدونها ودواء لكل الجسد. فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة. انزع عنك التواء الفم وابعد عنك انحراف الشفتين. لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيماً. مهد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك. لا تمل  يمنة ولا يسرة باعد رجلك عن الشر."

في الآيات السابقة حذَّر سليمان من فعل الشر وهنا يعلمنا كيف نفعل الصلاح، هي دعوة لترك طريق الشر والثبات في طريق الخير، بل نجد هنا منهجاً متكاملاً ودعوة للإلتصاق بالخير ونداء لحفظ القلب واللسان والعين والقدمين في الاتجاه المؤدي للحياة. فالحكمة تعطي حياة= هي حياة للذين يجدونها (22) وهي دواء لكل الجسد= أي صحة وشفاء. وطالما هي حياة ودواء يوجه سليمان دعوة لكل أحد أن يحفظها= احفظها في وسط قلبك (21).. لأن منه مخارج الحياة (23). وهكذا يعلمنا داود في (مز11:119) "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك". فالقلب الذي يحكمه كلام الله ووصاياه يضمن أن يسلك في الحق وتكون له حياة، لذلك فلنهتم بحفظ الوصايا أكثر من أي شئ آخر. وكما أن القلب هو مصدر الحياة فهو الذي يدفع الدورة الدموية التي بها حياة كل إنسان، هكذا حفظ الوصايا قلبياً (أي باهتمام وجدية وإرادة كمن يحافظ على حياته) فيه حياة وصحة للإنسان. فلا يكفي السماع للوصايا، بل علينا استيعابها والتأمل فيها= لا تبرح عن عينيك) وتنفيذها= لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر. فليثبت كل واحد نظره على الله وعلى وصاياه "لننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدّام.. إلى جعالة دعوة الله العليا. وإذا تثبتت العين على الهدف ننظر إلى الأمام مستقيماً ويكون هدفنا المسيح لا نميل عن وصاياه يمنة ولا يسرة. فحفظ الوصايا هو ضمان الحياة (مت10:15-20). ويحذر سليمان من التواء الفم= الخداع والتضليل. وانحراف الشفتين= تحريف الكلام بقصد تشويه الحقيقة وإفسادها. ولنلاحظ أن صاحب الفم الملتوي والشفاه المنحرفة هو شخص غير خاضع لله

فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. وحين تحتل كلمة الله مكانها في القلب فإن الشفاه تعكسها وتبينها. وفي (25،26) يتكلم عن القدمين والمسيرة أي تطبيق ما حفظه القلب، أو ما يسمى بالسلوك العملي. وكما أنه علينا أن نحفظ كلام الله في القلب فعلينا أن نحفظ أقدامنا من السير في طريق الشر.وكما أن الفم يكشف ما  هو مختبئ في القلب هكذا القدمين يسلكان بحسب حالة النفس. مهد سبيل رجلك= أي قَوِّم أو إجعل الطريق مستقيمة أي حاول أن تزيل كل ما يكون عائقاً في طريق الله. وفيما يلي ملخص لخطة سليمان لنسير في طريق الخير.

1-    سماع كلمة الله باهتمام.............................................. (أية 20)

2-    الاهتمام بها والالتصاق بها ووضعها في قلوبنا كشئ عزيز وكأوامر..................(آية 21)

3-    يقدم تفسير لماذا يجب أن نهتم بكلمة الله.. ففيها حياة وشفاء لألامنا الروحية........... (آية22)

4-    نضع أعيننا عليها لنحفظها وتكون محل إهتمامنا، بل نطلب معونة إلهية تساعدنا في ذلك....  (آية23)

5-    حفظ الشفاه (خطايا اللسان هي كذب، حلف، كلام باطل.. ) واللسان يقود الجسم كله (يع3)..(آية 24)

6-    حفظ العينين لنثبتهما على الله بدلاً من أن تزيغا وراء العالم (العين البسيطة)............ (آية25)

7-    حفظ القدمين، فكل سلوك وكل تصرف يجب أن يكون في خوف الله ومتوافق مع كلمته.. (آية26،27)

    + + لنفهم أن حفظ وصايا الله فيه شفاء للعالم المتألم، وللأسف فالناس يظنون الوصية قيد عليهم.


 

الإصحاح الخامس

الآيات (1-14): "يا ابني أصغ إلى حكمتي أمل أذنك إلى فهمي. لحفظ التدابير ولتحفظ شفتاك معرفة. لأن شفتي المرأة الأجنبية تقطران عسلاً وحنكها انعم من الزيت. لكن عاقبتها مرة كالافسنتين حادة كسيف ذي حدين. قدماها تنحدران إلى الموت خطواتها تتمسك بالهاوية. لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر. والآن أيها البنون اسمعوا لي ولا ترتدوا عن كلمات فمي. ابعد طريقك عنها ولا تقرب إلى باب بيتها. لئلا تعطي زهرك لآخرين وسنينك للقاسي. لئلا تشبع الأجانب من قوتك وتكون أتعابك في بيت غريب. فتنوح في أواخرك عند فناء لحمك وجسمك. فتقول كيف أني أبغضت الأدب ورذل قلبي التوبيخ. ولم اسمع لصوت مرشدي ولم أمل أذني إلى معلمي. لولا قليل  لكنت في كل شر في وسط الزمرة والجماعة."

تحذير من المرأة الأجنبية

سبق أن نبه سليمان لهذه النقطة في (ص2). وهنا يفرد لها موضوعاً خاصاً لأهميتها ويستفيض في الكلام عن الموضوع فكثيرين يسقطون في هذا الشرك المخادع. ولأهمية الموضوع يكرر سليمان التحذير بخصوصه، بل في الآيات (1،2) نرى تركيز على شدة الحرص في مواجهة هذه الخطية، فالأمر يحتاج إلى حكمة وفهم وتدابير ومعرفة. ونلاحظ أن من له هذه سيرفض الخطية وبالتالي تزداد حكمته وفهمه، فمن يحفظ نفسه طاهراً تكون له حكمة وفهم والعكس فمن يسلك مندفعاً وراء شهوته يفقد ما كان عنده من حكمة وفهم.. فإن من له سيعطى ويزاد، وأما من ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه (مت12:13)

تقطران عسلاً= كلمات الزانية معسولة بقصد التملق، والشهوة الجسدية لها إغرائها الشديد وهو عسل غاش مسموم، أما العروس الحقيقية فصلواتها وتسابيحها فهي شهد حقيقي (نش11:4) وتحت لسانها عسل حقيقي. أنعم من الزيت= كلماتها رقيقة، ولكنها عاطفة غاشة خادعة قاتلة لمن ينخدع بها (مز21:55). ولنلاحظ أن طريق الخطية هو له هذه المواصفات، طريق فيه لذة، ناعم، مخادع ولكن نهاية هذه الطرق ونتائجها مرة جداً= عاقبتها مرة كالإفسنتين= والإفسنتين كلمة فارسية معناها بالعربية علقم وتشير هذه الكلمة في العهد  القديم للألم. حادة كسيف= أي مؤلمة للضمير، فنتائج الخطية دائماً حزن في الداخل ومرار، وفي الخارج متاعب لا حصر لها. فما هو حلو في الفم (عسل الخطية أي الشهوة) إذا دخل للداخل (لو نُفِّذّتْ الخطية فعلاً) يكون في الداخل مرارة (مت28:5-30). وما هي نتيجة هذا الطريق الهاوية= الموت والهلاك في جهنم. ولنلاحظ خطة إبليس التقليدية في (آية6).

لئلا تتأمل طريق الحياة تمايلت خطواتها ولا تشعر= الخطية مراوغة ومخاتلة، تغير طرقها وأساليبها، وهي دائماً تخدع بخداعات ولذات متنوعة لتشغل بها عيون الجهلاء فيظلوا مفتونين بإغراءاتها، ناظرين إلى خداعاتها، ناسين أو تاركين النظر إلى طريق الحياة، فهم لو انتبهوا لطريق الحياة لتركوا الخطية. بل كلما اكتشفوا مرارة حالهم تخدعهم الخطية بغواية جديدة قبل أن يفكروا أن يتركوها. وأسلوب الغواية المستمر وإثارة الغرائز الشهوانية المستمر هدفه أن لا يعطي إبليس فرصة للإنسان أن يفكر في [1] مرارة الطريق الذي هو فيه، صحيح فهناك لذات حسية لكن يسود الحياة نوع من المرار [2] حلاوة الطريق الذي يسلكه أولاد الله وكيف هم ناجحون فرحون وفي سلام [3] أن الإنسان قد يموت في أي لحظة ويقف أمام الله ليحاسب. إذاً هدف الغواية المستمرة أن لا تكون للإنسان فرصة للتفكير، فلو فكر لعرف أن طريقه هو طريق الهلاك.

ولاحظ في الآيات (7،8) أيها البنون.. أبعد طريقك. ومعنى هذا أن سليمان يوجه تحذيراً شخصياً لكل واحد. لئلا تعطي زهرك لآخرين= نضارة شبابك وزهرة عمرك أي أفضل سنى شبابك. وسنينك للقاسي= أي افضل سنى الشباب والقوة يضيعوا في طريق الشر، ومن يقبل من يد عدو الخير خطايا ولذات جسدانية يقع تحت عبودية عدو الخير، وهو يذل من يسقط تحت يده، وهو حين يسود الإنسان يصير سيد قاسي (أش13:26 هي صرخة من استعبده إبليس). والمسيح أتى ليدفع الثمن ويشترينا ويحررنا من يد إبليس. والله كسيد يحرر عبيده، أما إبليس فهو يذل كسيد قاسي من يسقط تحت يده. وقارن مع قول السيد المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ".. ولماذا.. لأنه بلا خطية فهو القائل "من منكم يبكتني على خطية" ولنذكر أن إبليس حين عرض على المسيح أن يعطيه كل ممالك العالم، رفض ثم انتهره قائلاً "إذهب عني يا إبليس" أما كل من يقبل لذات من يد إبليس يذله إبليس وهذا هو سر المرار الذي يعيش فيه الخاطئ. لئلا تشبع الأجانب من قوتك= مالك وصحتك، بل أمراض الزنا أمراض صعبة. أتعابك في بيت غريب= ثمرة تعبك وعملك تذهب لبيت الزانية ولا يستفيد بها أولادك. ومن هم الأجانب أو بيت الغريب الذي تذهب له أموالك؟ الزنا والعنف والوحشية دائماً متلازمين، وعصابات الأشرار تكثر في أماكن الزنا، ومن يذهب لهذه الأماكن يتعرض لهذه العصابات وقد تفقده حياته.

وفي الآيات (11-14) نجد صورة لزاني في أواخر أيامه، هو ربما تاب عن طريق شره أو ريما أنهكته الأمراض وخسر كل ممتلكاته، عموماً مثل هذا الإنسان عليه أن يشكر الله أن العمر مازال فيه بقية وعليه أن ينتهز الفرصة ويقدم توبة. وهو في ضعفه في أواخر عمره ينوح فصحته قد ضاعت= فناء لحمك وجسمك. ويندم على أنه لم يستجيب لمن كان يوبخه على مسلكه (آية12). ولم يسمع لصوت مرشده أن يكف عن طريقه الشرير (آية13). لولا قليل لكنت في شر= لولا رحمة الله لكنت الآن قد هلكت [1] إما رجماً وهذه عقوبة الشريعة ضد الزناة. [2] أو هلكت من أشرار هذا الطريق أو شروره وأمراضه. فهو الآن يشكر الله على أنه مازال في العمر بقية يقدم فيها توبة، وأن نهايته كان يمكن أن تكون أشر (لا10:22 + يو5:8). مثل هذا الإنسان حقاً هو تاب وتوبته ستكون مقبولة (فهو من أصحاب الساعة الحادية عشرة) ولكن لننظر كيف قضى حياته، فلقد خسر ثروته وصحته وعاش بفكر مشوش خائف مضطرب، عاش في جهل روحي وعدم حكمة كانت سبباً في تخبطه في كل أموره، بلا تمييز، بلا سلام، عاش كغريب وسط شعب الله، فاشلاً في أموره حتى العملية. في وسط الزمرة والجماعة= وسط زمرة الهالكين، أو وسط زمرة المتهمين أمام القضاء.

 

الآيات (15-23): "اشرب مياها من جبك ومياها جارية من بئرك. لا تفض ينابيعك إلى الخارج سواقي مياه في الشوارع. لتكن لك وحدك وليس لاجانب معك. ليكن ينبوعك مباركاً وافرح بامرأة شبابك. الظبية المحبوبة والوعلة الزهية ليروك ثدياها في كل وقت وبمحبتها اسكر دائما. فلم تفتن يا ابني بأجنبية وتحتضن غريبة. لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله. الشرير تأخذه آثامه وبحبال خطيته يمسك. انه يموت من عدم الأدب وبفرط حمقه يتهور."

في صورة مضادة لما سبق عن المرأة الأجنبية يحدثنا الحكيم هنا عن المحبة الزوجية المباركة التي يباركها الله (عب4:13)

جبك.. بئرك= كناية عن الزوجة الشرعية (أش1:51،2 + نش12:4) لا تفض ينابيعك إلى الخارج، سواقي مياه في الشوارع= ينابيعك قول مجاز يكني به عن القوى البشرية وبالذات القوة التناسيلة التي يجب أن تستخدم بطهارة في الزواج فقط لإيجاد بنين كثمرة لهذا الزواج، وكثرة البنين علامة بركة من الله في العهد القديم وقوله ينابيع إشارة لكثرة الأولاد (أش1:48 نجد اليهود من مياه يهوذا). ومن يحيا في نجاسة إما أن يحرمه الله من الأولاد أن يضيع أولاده ويفسدون في الشوارع فالمياه (الأولاد) تجري من ينبوع (هو أنت) فلا تضيع أولادك بجريك وراء شهواتك (راجع هو10:4). وصورة البيت الذي يحيا في طهارة والبركة فيه نجدها في (مز128) لتكن لك وحدك وليس لأجانب معك= هناك آية مرعبة في (عو15) كما فعلت يفعل بك، وهكذا قال أيوب ليدافع عن نفسه وأنه لم يزني (أي9:31-12) وهنا يطلب الحكيم أن يبتعد الإنسان عن خطية الزنا ليحمي بيته، ونلاحظ أن داود زنا مع بثشبع فزنا ابنه مع بنته، أي دخل الزنا بيته، لكنه هو الذي أدخله. ومن عاش في طهارة تكون زوجته له وحده= لتكن لك وحدك. وأولادك أيضاً يكونوا مباركين تفرح بهم ويكونوا لك وحدك ناجحين تفرح بهم.

ليكن ينبوعك مباركاً= أي زوجتك التي تستمد منها أفراحك، وتحصل منها على الماء الذي يطفئ شهواتك. ولتكن زوجتك مباركة بالنسل الكثير ولتكن حياتكم كلها فرح وبركة. الظبية المحبوبة= الله يعطي للعائلة التي تتقدس بطهارة أن تفرح ويتبادل الزوج والزوجة الحب في فرح، والظبية أي الغزال رمزاً للخفة والجمال (نش5:4،17) الوعلة الزاهية= هي أنثى الوعل وهو نوع من الغزلان يشبه الماعز ويمتاز بالرشاقة والمعنى أن الرجل يكون مكتفياً بزوجته شاعراً أنها أجمل زوجة في العالم. ليروك ثدياها= كناية عن المحبة والحنان. فالزوج الطاهر يفرح بمحبة زوجته ويكتفي بها بمحبتها أسكر= هو مجاز كناية عن فرط التمتع بالمحبة، مع شعور عميق بسعادة تغمر الكيان كله، ونلاحظ هنا حالة الشبع والرضا، مع حالة عدم الشبع في حالة الزنا فالماء المقدس يروي أما مياه العالم لا تشبع ولا تروي. ولنلاحظ أن الله يسمح بأن نأكل ونشبع من شجرة واحدة والطبيعة تقول أن هذا يكفي، ولكن الشهوة لن تكتفي أو تشبع ولو أكلت من كل الشجر. وما أجمل أن يعيش الزوجان في بيت صلاة، بيت بركة، بيت طهارة فأفراحهم ستكون أفراح حقيقية.

لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب= الله يكافئ من يحيا في طهارة بأن تكون حياته كلها فرح وبركة، مثل يوسف الصديق. فالله يكافئ من يكتفي ويقنع بزوجته أو بما أعطاه له الله ولا يشتهي امرأة قريبه أو مقتناه.


 

الإصحاح السادس

نجد في هذا الإصحاح دروس عديدة لنسلك بأمان في هذا العالم ولنضمن ميراث الأبدية.

 

الآيات (1-5): "يا ابني أن ضمنت صاحبك أن صفقت كفك لغريب. أن علقت في كلام فمك أن أخذت بكلام فيك. إذا فافعل هذا يا ابني ونج نفسك إذا صرت في يد صاحبك اذهب ترام وألح على صاحبك. لا تعط عينيك نوماً ولا أجفانك نعاساً. نج نفسك كالظبي من اليد كالعصفور من يد الصياد."

أن ضمنت صاحبك= أي تكفلت بدفع دين صاحبك لمن استدان منه صفقت كفك= كان تصفيق الكف في العهد القديم معناه وضع يد الضامن في يد صاحب الدين علامة الضمانة والتعهد بالوفاء. لغريب= شخص غير معروف عندك وربما ليس يهودياً. إن علقت في كلام فمك= أي اشتبكت أو أمسكت كما في شبكة على غير انتباه، وذلك بتسرعنا في إعطاء الوعود لسبب أو لآخر فنمسك بكلمات فمنا ولاحظ أن الوعود قد تكون بسبب التعاطف. إن أخذت بكلام فيك= أمسكت رغم إنذارك. إذهب ترام وألح= إذا كنت قد وعدت وضمنت فالأفضل أن تعتذر، إذهب لصاحبك المديون حتى يعفيك من الضمانة أن يسدد الدين الذي ضمنته فيه فتضمن سلامتك. وواضح هنا أن سليمان يحذر من ضمانة أحدد وكرر هذا في (15:11 + 18:17 + 16:20 + 26:22،27). بل هو يطلب أن يكون الرجوع في موضوع الضمان بمنتهى السرعة= لا تعط عينيك نوماً= لا تتكاسل في هذا الأمر بل إفعله بأوفر سرعة. مثل الظبي= المشهور بسرعة الهرب. وكم خربت بيوت بسبب موضوع الضمان. ونلاحظ أنه كثيراً ما يكون اعتدادنا بذواتنا ورغبتنا في أن يرانا الناس بصورة القادرين هو الدافع لمثل هذا التصرف، أي أن نضمن الآخرين.

والكتاب لم يمنع الضمان نهائياً فبولس ضمن أنسيموس (فل18،19). ولكن هناك شروط لنقدم على ضمان شخص:-

1.     في حدود إمكانياتنا، وبحيث لو دفعنا مبلغ الضمان لا يحدث خراب لنا نحن (27:22).

2.     الأفضل من ضمان شخص محتاج أن نعطيه مساعدة في حدود إمكانياتنا (27:3)

3.  عدم ضمان مستهتر طائش، بل نضمن إنسان مجتهد. وهذا لمنع هذا المستهتر الطائش من الدخول في علاقات متهورة مع غرباء أجانب سعياً وراء ربح سريع بلا أمان، ومثل هذا الشاب الطائش حين يجد وراءه ضامناً يندفع بالأكثر في هذه الإندفاعات المجنونة.

بعد أن رأينا خطورة ضمان شخص متهور طائش نتأمل في ذاك الذي احتمل لأجلنا كل ما احتمل ليسدد ديننا، وهو الذي كان ضامناً لنا حتى لا نعود مديونين لأحد. والآن بعد أن احتمل ما احتمله ليحررنا من الدين الذي علينا، يجب أن لا نعود ونصبح مديونين ثانية لإبليس بأن نقبل أي خطايا يعرضها علينا، أو نصير عبيداً للناس (1كو23:7). وإلتزامنا بوصايا الله فيها ضمان سلام بيوتنا وكل مالنا.

 

الآيات (6-11): "اذهب إلى النملة أيها الكسلان تأمل طرقها وكن حكيماً. التي ليس لها قائد أو عريف أو متسلط. وتعد في الصيف طعامها وتجمع في الحصاد أكلها. إلى متى تنام أيها الكسلان متى تنهض من نومك. قليل نوم بعد قليل نعاس وطي اليدين قليلا للرقود. فيأتي فقرك كساع وعوزك كغاز."

في الآيات السابقة رأينا أن من يضمن إنسان آخر بطريقة خاطئة يعرض نفسه وبيته للخراب، وهنا نرى أن الكسل أيضاً يعرض الإنسان للخراب ويقوده لحياة الفقر. ويقودنا هنا الحكيم أن نتأمل الحيوانات والحشرات لنتعلم منها، وهو شئ مخجل، لكن علينا أن نعترف أن الإنسان وصل لحالة سيئة بعد سقوطه. وعموماً فالحصاد يتبع الزرع، ومن يكد ويتعب من المؤكد سيحصد ثمر جهاده. ولقد انتشر في كنيسة تسالونيكي مبدأ خطير، أننا أناس روحيين منتظرين مجيء المسيح فلنترك أعمالنا ونهملها والله يعولنا، ولكن بولس الرسول نبه لخطورة هذا المبدأ وأعطاهم درس ملخصه أن كل إنسان يجب أن يعمل حتى يأكل (2تس6:3-16) وهكذا كان منذ البدء حين خلق الله آدم ليعمل الجنة (تك5:2،15). ثم بعد السقوط قال له: "بعرق وجهك تأكل خبزاً" (تك19:3). والنملة تقدم درساً فهي تجمع طعامها وتخزنه لوقت الحاجة، فهي تجمع طعامها وقت الحصاد وتخزنه حتى إذا جاء الشتاء تجد طعامها. وعلى الإنسان أن يعمل طوال النهار ليستريح ليلاً، بل يعمل طوال العمر ويستريح بعد أن ينهي عمله على الأرض         . ونتعلم من النملة التي تخزن وقت الوفرة، عدم الإسراف بلا معنى، فالنملة تخزن وقت الوفرة حتى إذا جاء عليها وقت القحط تجد ما تعيش به، وعلينا عدم الإسراف حتى إذا جاء وقت قحط نجد ما نعيش به، وهذا لا يتعارض مع قول المسيح (مت24:6-34) الذي ينادي بعدم الاهتمام بالغد، فالمسيح يطلب أن لا نخاف من الغد ولا من المستقبل ولكنه لم يطلب الإسراف والتبذير اليوم، فلنسلك بحكمة وندبر بقدر ما نستطيع بلا هم ولا قلق، وما لا نستطيع نحن تدبيره سيدبره الله، وإن لم يكن لنا اليوم ما نوفر منه للغد، فالله سيعطينا احتياجنا للغد.

قائد= قائد الجيش. عريف= المدبر الذي ينظم العمل. المتسلط= الحاكم أو الرئيس الأعلى وهؤلاء هم أفراد الهيئة الحاكمة العليا في ذلك الوقت والتي كانت تقوم بالتنظيم الحكومي. قليل نوم بعد قليل نعاس= تمثيل تهكمي للغة الكسلان معناه أنه ينام ثم يقوم بكسل لينام ثانية بلا رغبة في النهوض- وطي اليدين قليلاً للرقود= أي طي اليدين لإعادة النوم. يأتي فقرك كساعٍ= هو المسافر المستعجل، رمز لسرعة إتيان الفقر للكسلان فمن لا يعمل لتفادي العوز يأتيه العوز بسرعة. وعوزك كغازٍ= الغزاة يأتون فجأة، ويهجمون وقت النوم، والموت هكذا يأتي فجأة لكل خاطئ، والعوز يأتي فجأة لكل كسلان.

ودرس النملة هو درس في ضرورة الجهاد الروحي، درس للحياة الأبدية، فنحن نحتاج للجهاد الروحي بلا تراخي ولا كسل، ولا وقت للنوم "استيقظ أيها النائم" (أف14:5) وأنها الآن ساعة لنستيقظ (رو11:13). وكما أنه على الكسلان أن يلاحظ النملة ليتعلم الجهاد، علينا أن نراقب القديسين (في17:3 + عب7:13)  فمن المخجل أن النملة تتصرف بحكمة وهي بلا قيادة (قائد / عريف/ متسلط) ونحن لا ننظر لآبائنا القديسين ونعمل بحسب إرشادهم ونسير في طريقهم، لذلك تقرأ الكنيسة لنا يومياً السنكسار لنقتدي بهم.

 

الآيات (12-15): "الرجل اللئيم الرجل الأثيم يسعى باعوجاج الفم. يغمز بعينيه يقول برجله يشير بأصابعه. في قلبه أكاذيب يخترع الشر في كل حين يزرع خصومات. لأجل ذلك بغتة تفاجئه بليته في لحظة ينكسر ولا شفاء."

نأتي هنا إلى درس جديد، يأتي في مكانه بعد درس النملة والكسلان، فالكسلان إذ لا يجد شئ يشغله ويشغل عقله وقلبه، ينشغل فيما هو باطل (هناك مثل عامي يقول اليد العاطلة نجسة)، فهذا الكسلان العاطل إذ لا يجد ما يشغل به أوقاته يكرس كل أعضائه (فكرة وقلبه وعينه ويده ورجله") للشر.ومثل هذا نهايته تكون سيئة، وهو جعل أعضاؤه آلات إثم بدلاً من أن يجعلها آلات بر (رو19:6).

الرجل اللئيم= جاءت في الأصل العبري بليعال "رجل تافه بلا عمل عديم النفع، بل هو مخرب شرير، وهكذا كل من ترك الله يفقد براءته. يغمز بعينيه= ابتداء من هنا نجد مواصفات رجل بليعال "اللئيم". فهو يستعمل حركات خاصة بعينيه ليعبر عن أفكاره الشريرة. يقول برجله يشير بأصابعه يستعمل حركات من أصابع يديه وحركات من رجليه ليدبر شروراً ضد الآخرين. في قلبه أكاذيب= ينتقل الحكيم إلى أصل الداء ومصدر كل الشرور ألا وهو القلب فالشرير قلبه مملوء بالضلالات والتصورات الآثمة (أر9:17) يخترع الشر= قلبه معمل للشر. ونهايته شريرة= لأجل ذلك بغتة تفاجئه بليته.

 

الآيات (16-19): "هذه الستة يبغضها الرب وسبعة هي مكرهة نفسه. عيون متعالية لسان كاذب أيد سافكة دماً بريئاً. قلب ينشئ أفكاراً رديئة أرجل سريعة الجريان إلى السوء. شاهد زور يفوه بالأكاذيب وزارع خصومات بين اخوة."

هنا يلخص الحكيم الأشياء التي يكرهها الله. والله لا يكره شيئاً سوى الخطية، ومن يفعل شيئاً يكرهه الله فخرابه أكيد، فالله المحب لا يكره سوى ما يُدمِّر الإنسان، فخطايانا لن تطول الله بل ستدمرنا نحن أنفسنا.

هذه الستة.. سبعة= تعبير يهودي مألوف (أي19:5). فرقم 6 يدل على النهاية أو الحد الأقصى، ورقم 7 يدل على الكمال. وفي هذا الاصطلاح ما يدل على أن الشيء السابع قد زاد عن الحد. وهنا يذكر الصفات الممقوتة التي تجتمع في رجل بليعال، ويذكر بعد ذلك 7 صفات رديئة أولها عيون متعالية= إشارة للكبرياء وتشامخ الروح وازدراء الآخرين، هي صورة كل من هو ضد المسيح المتواضع، وهذه الخطية أول خطية يكرهها الله فهي سبب سقوط إبليس (راجع أش12:14-17). وبالذات (آية13:14). وخطية الكبرياء هي سبب السقوط دائماً "قبل الكسر الكبرياء" ومن هنا نفهم معنى الأرقام (6،7) فلها تفسيرين:

الأول: أن من تجتمع فيه هذه الخطايا يكون قد زاد عن الحد ووصل لدرجة أن الله يكرهه. فتعبير (6،7) في اللغة اليهودية يعني أن الشيء فاق الحد.

الثاني: 6 هي الخطايا (لسان كاذب......          زارع خصومات). والسابعة هي رأس كل البلايا أي أول ما ذُكِر وهي خطية الكبرياء= عيون متعالية (أم18:16)

اللسان الكاذب= هو ضد المسيح، فالمسيح هو الحق. والكلام الباطل يكشف القلب المخادع. أيد سافكة دماً= هذه صفة إبليس الذي كان قتالاً للناس منذ البدء (يو44:8) وهو أيضاً أبو كل كذب (يو44:8). قلب ينشئ أفكاراً رديئة= مصدر كل الأفعال الشريرة. أرجل سريعة الجريان إلى السوء= الأرجل تنفذ ما بدأ في القلب أولاً. شاهد زور= هنا اللسان ينفذ أيضاً ما بدأ في القلب. زارع خصومات= بأكاذيبه المختلقة ينشر سموماً وسط الناس. ولاحظ رجل بليعال بمواصفاته المذكورة هنا، فهو ينشر أكاذيب، قد تقود لسفك دماء، يستعمل حركات يديه، وغمزات عينيه ليقود من هم أدواته لصنع الشر، رجل بليعال هذا تجارته صناعة الإثم وهذا عكس ما قيل في المزمور (138) حيث البركة في الحب.

 

الآيات (20-25): "يا ابني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك. اربطها على قلبك دائماً قلد بها عنقك. إذا ذهبت تهديك إذا نمت تحرسك وإذا استيقظت فهي تحدثك. لأن الوصية مصباح والشريعة نور وتوبيخات الأدب طريق الحياة. لحفظك من المرأة الشريرة من ملق لسان الأجنبية. لا تشتهين جمالها بقلبك ولا تأخذك بهدبها. لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة. أيأخذ إنسان ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه. أو يمشي إنسان على الجمر ولا تكتوي رجلاه. هكذا من يدخل على امرأة صاحبه كل من يمسها لا يكون بريئاً. لا يستخفون بالسارق ولو سرق ليشبع نفسه وهو جوعان. أن وجد يرد سبعة أضعاف ويعطي كل قنية بيته. أما الزاني بامرأة فعديم العقل المهلك نفسه هو يفعله. ضرباً وخزياً يجد وعاره لا يمحى. لأن الغيرة هي حمية الرجل فلا يشفق في يوم الانتقام. لا ينظر إلى فدية ما ولا يرضى ولو أكثرت الرشوة."

لقد سبق الحكيم وحذر من بعض الأشياء التي تأتي بالخراب مثل ضمان شخص آخر والكسل واللؤم وتدبير الشر. وهنا يأتي للزنا كخطية تُدمِّر من يرتكبها وتفقره. يا أبني احفظ وصايا أبيك ولا تترك شريعة أمك= لأن ما من أب أو أم يخافان الله نجدهما يشجعان أولادهم على الزنى. وتفهم الآية على أن الله هو أبونا السماوي والكنيسة هي أمنا ووصية الله واضحة "لا تزن" وهكذا تعلم الكنيسة. والوصايا تحرس الإنسان من الخراب في العالم إينما ذهب وهي كمرشد له= إذا ذهبت تهديك وهي كحارس له= إذا نمت تحرسك وهي كمعلم له= إذا استيقظت فهي تحدثك. إذاً الوصية هي مرشد وحارس ومعلم فهي نور في ظلام هذا العالم الذي يسوده الشيطان ومن أسلحة الشيطان الزنا وخطايا الجنس، ونقف في وجهه بالتزامنا بالوصية أي "لا تزن" مهما كان الإغراء= ملق لسان الأجنبية تأخذك بهدبها= تغويك بحركات عينيها فهي تقتنص النفس الكريمة= النفس كريمة لأن نفوسنا عزيزة جداً لدى الله فهو مات لأجل هذه النفوس. ولكن الزانية تستدرج البرئ بغوايتها والنتيجة هلاكه فهي كأنها صياد إصطاد الفريسة ليقتلها. ونتائج الزنا خراب أكيد= يفتقر المرء إلى رغيف خبز وهو خراب مؤكد= أيأخذ إنساناً ناراً في حضنه ولا تحترق ثيابه. فنار الشهوة   تشعل نار جهنم. ولنلاحظ أن الناموس يأمر برجم الزاني، لذلك فمن يشبع شهوته بلذة الزنى يكون كمن ينتحر فالعقوبة معروفة. ويلجأ الوحي لأسلوب آخر لمن فقد بصيرته فالزاني فقد بصيرته وما عاد يرى غضب الله أو نتائج الخطية، ومثل هذا يخيفه الله بانتقام الزوج الذي لن يتسامح أبداً مع من زنى مع زوجته فلعله يرتدع، والله يخيف الزاني بأنه لو إفتضح أمره فسيضربونه وسيكون في عار فخطية الزنا آثارها رهيبة وتبقى العمر كله. الزاني بامرأة.. المهلك نفسه= الله يخيف الزاني من عقوبة الشريعة. ضرباً وخزياً= الله يخيفه هنا من الفضيحة والإهانة. لأن الغيرة هي حمية الرجل= الله يخيفه هنا من انتقام الزوج. وبينما أن السرقة مرفوضة فالناس لا يبرئون لصاً حتى لو كان جوعاناً لا يستخفون بالسارق ليشبع نفسه= إلا أن هناك أمل أن يطلقوا سراحه أن رد ما سرقه = إن وجد يرد سبعة أضعاف= ليس المقصود أضعاف حرفياً فحتى الناموس لا يقول سبعة أضعاف، ولكنها تعنى رقم كامل، أي يتركون اللص لو سدد لمن سرقه ما يَرْضَي به. أما الزاني فلا تُقْبَلْ منه فدية أو رشوة.

وأسلوب التخويف من النتائج المباشرة للزنا مع من فقد بصيرته نستعملها حتى الآن فنحن نقول لمن يزني، أهرب لئلا يدركك "الإنتقام، أمراض الزنا، الفضيحة.. " ونلاحظ أن خطية الزنا يتكرر التنبيه عليها لخطورتها وليحفر الله في أذهاننا الخوف منها.


 

الإصحاح السابع

إصحاح آخر ضد الزنى فالله يعلم خطورة هذه الخطية، والله بهذا يفتح عيني كل شاب وكل فتاة ليرى الشراك التي تنصب له، ونلاحظ أن سليمان هنا قد يكون متذكراً ما حدث مع أبيه كأثار مدمرة لحياته بسبب خطية الزنا.

 

الآيات (1-5): "يا ابني احفظ كلامي واذخر وصاياي عندك. احفظ وصاياي فتحيا وشريعتي كحدقة عينك. اربطها على أصابعك اكتبها على لوح قلبك. قل للحكمة أنت أختي وادع الفهم ذا قرابة. لتحفظك من المرأة الأجنبية من الغريبة الملقة بكلامها."

حدقة العين= أي الوصية غالية جداً فإحفظها كما تحفظ حدقة عينك والله استخدم نفس التشبيه حين أراد أن يعبر كيف يحمي شعبه (زك8:2). ونفهم:

1-    أن من يحفظ الوصية يحفظه الله هكذا.

2-    الوصية هي نور للعين، نور لسبيلنا، بها لا نضل وبدونها نضل ونعثر وقد نموت.

أربطها على أصابعك= تسير بها في كل مكان. كخاتم زواج لا يفارق يدك، وكخاتم ثمين غالي لا تفرط فيه. والأصابع هي أداة التنفيذ عند الإنسان، والمعنى فليكن كل عمل تقوم به بحسب الوصايا الإلهية. أكتبها على لوح قلبك= المقصود ليس قراءة كلمة الله قراءة عابرة بل حفظها في القلب، بل لتكن كالغذاء اليومي.

أختي= تعبير عن أقدس العلاقات وعن الثقة والمحبة. ذا قرابة= كبوعز صديق مخلص يحلو لك الجلوس معه والحديث معه. وهنا ينبه الحكيم أن تكون علاقتنا بالوصية كمعرفة شخصية وثيقة كمعرفة الأقارب، وهذا لا يأتي إلا بالعشرة مع الوصية وممارستها فأنا أحيا مع أقربائي ولا أسمع عنهم، بل أعايشهم. ولنقارن بين الوصية التي تضمن لنا الحياة كأكثر الناس محبة لنا، وبين المرأة الأجنبية التي تغوينا لتقودنا للهلاك.

 

الآيات (6-23): "لأني من كوة بيتي من وراء شباكي تطلعت. فرأيت بين الجهال لاحظت بين البنين غلاماً عديم الفهم. عابراً في الشارع عند زاويتها وصاعداً في طريق بيتها. في العشاء في مساء اليوم في حدقة الليل والظلام. وإذا بامرأة استقبلته في زي زانية وخبيثة القلب. صخابة هي وجامحة في بيتها لا تستقر قدماها. تارة في الخارج وأخرى في الشوارع وعند كل زاوية تكمن. فأمسكته وقبلته أوقحت وجهها وقالت له. علي ذبائح السلامة اليوم أوفيت نذوري. فلذلك خرجت للقائك لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري بموشى كتان من مصر. عطرت فراشي بمر وعود وقرفة. هلم نرتو ودا إلى الصباح نتلذذ بالحب. لأن الرجل ليس في البيت ذهب في طريق بعيدة. اخذ صرة الفضة بيده يوم الهلال يأتي إلى بيته. أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوحته. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح أو كالغبي إلى قيد القصاص. حتى يشق سهم كبده كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري انه لنفسه."

هذا الفصل يُصِّور شاهد عيان يرى من وراء كوَّة بيته= أي شراعة الباب، كيف سقط شاب ضحية امرأة أجنبية زانية. وهو تصوير بصورة ماهرة.

الآيات (7-9): مواصفات الشاب الساقط:

i)     غلام= أي في سن الشهوة المتقدة، والشهوة هي طاقة حب لو استغلها الشباب في هذه السن لصاروا قديسين.

ii)  بين الجهال= هذا الغلام وجد صحبة من الأشرار الجهلاء، إذاً هي صحبة رديئة.

iii)      عديم الفهم= "هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو6:4) فمن لا يعرف كيف يتعامل مع شهوته، فهو في خطر أن ينجذب للشر، ومن لا يعرف نتائج خطية الزنا وأنها خراب مؤكد، هو معرض أن ينخدع من شهوته. (يع14:1)

iv)عابراً في الشارع= نجد هذا الشاب يتسكع في الطرقات بلا هدف من العشاء= الغروب وحتى منتصف الليل= في حدقة الليل. (هكذا كان أهل سدوم في الشوارع يطلبون خطية تك4:19،5) وقارن مع (حز49:16). "ونعود للمثل العامي اليد العاطلة نجسة" فهذه المواصفات لو تجمعت في شاب يسهل وقوعه في الخطية، بل حين يجد هذه المرأة الأجنبية الزانية سيظن أنه وجد كنزاً وهو لا يدري أنه وجد الموت والهاوية.

 

الآيات (10-23) تصوير خداع المرأة الزانية للشاب:

هذا الشاب المتسكع الذي بلا هدف، بل في صحبة الأشرار تجري وراءه الخطية ساعية إليه لتسقطه= وإذا بامرأة استقبلته= هي سعت إليه وهو ظن أنه وجد غنيمة. صخابة= تصيح وتغني كأنها فرحة. جامحة= لا يمكن ضبطها كثورٍ جامح، بسبب شهوتها (هو16:4). لا تستقر قدماها= لا تستطيع أن تلازم بيتها، وهذه الصفة عكس ما ذُكِرَ عن المرأة الفاضلة (تي5:2). أمسكته وقبلته= كما لو كانت تحبه. أوقحت وجهها= كان كلامها بوقاحة وقلة حياء. علىّ ذبائح السلامة= كان لحم ذبيحة السلامة بحسب الشريعة يجب أن يؤكل في نفس اليوم، وكأنها تقول عندي من لحم ذبيحة السلامة فتعال وشاركني. اليوم أوفيت نذوري= أي بتقديمها ذبيحة السلامة أوفت نذراً كان عليها أن توفيه!! هل هناك شر ووقاحة أكثر من استعمال الدين في خداع البسطاء، فهي تستغل الدين لتدعوه ليأكل معها (وفي هذا تشبه من ينتهز فرصة الأعياد المقدسة ليقضيها في الخلاعة والمجون). ونلاحظ أن ممارسة الدين بشكل ظاهري، أي العبادة الشكلية تقود لقسوة القلب هكذا، بل تقود لأن يستغل الدين استغلالاً سيئاً. خرجت للقائك= لتدعوه ليأكل معها ذبيحة السلامة. الديباج بعد أن دخل الشاب للمصيدة بحجة الأكل من ذبيحة السلامة تحول كلام المرأة بطريقة مباشرة لتدعوه للزنا معها على السرير المزين بالديباج وهو قماش مزركش من الحرير غالي الثمن. موشى كتان من مصر= مفارش مخططة غالية مصنوعة من الكتان الذي تشتهر به مصر. عطرت فراشي= بروائح عطرية للترغيب في الدنس. لأن الرجل ليس في البيت= أي زوجها الغائب وتدعوه الرجل ويدل هذا الأسلوب على عدم الاحترام بعكس سارة التي كانت تقول عن إبراهيم "سيدي". ذهب في طريق بعيدة= سافر في عمله أو تجارته. أخذ صرة الفضة بيده= أخذ كيس نقوده للتجارة. يوم الهلال يأتي إلى بيته= أي سيطول غيابه وسيأتي في يوم الهلال التالي. كل هذه محاولات لتصوير أن طريق الخطية آمن، وهذا أسلوب إبليس دائماً، كما قال لحواء.. لا تموتا. ملث شفتيها= الكلام المعسول الناعم، المداهنة. طوحت به= جعلته يستسلم ويسقط أخيراً كثور يذهب إلى الذبح= هو كان يظن أنه وجد غنيمة وإندفع نحوها كثورٍ هائج ولكنه لم يدري أنه كان كثورٍ مساق إلى الذبح، فالثور يأخذونه للذبح وهو يظن أنهم يأخذونه للمرعى ليأكل، والزاني يذهب لخرابه وهو يظن أنه ذاهب للذته. كالغبي إلى قيد القصاص= كان يظن أن هذه فرصته والزوج غائب وإذا به يذهب لقصاصه مقيداً برباطات شهوته وخطيته كان كالغبي مقيداً ذاهباً لقصاصه وهو غير فاهم، مغلوباً على أمره. ولا يدي أنه لنفسه= لا يدري أن الفخ كان منصوباً لاقتناصه وهلاك نفسه، فالموت في خزي هو عقوبة الزاني.

 

الآيات (24-27): "والآن أيها الأبناء اسمعوا لي وأصغوا لكلمات فمي. لا يمل قلبك إلى طرقها ولا تشرد في مسالكها. لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء. طرق الهاوية بيتها هابطة إلى خدور الموت."

طريق الزني طريق موت، ومصير الزاني الأبدي هو هلاك الروح والخطية قتلاها أقوياء= بل كان سليمان واحداً منهم.


 

الإصحاح الثامن

على النقيض من الإصحاح السابق نصل هنا للتأمل في الحكمة ونميز شخص المسيح اللوغوس وراء كلمة الحكمة. المسيح الذي يحاول أن يجذب كل نفس إليه لتترك طريق الجهل وتسلك طريق المعرفة والفهم. نصل في هذا الإصحاح إلى ذروة السلسلة عن الحكمة والحديث عن الحكمة. ونجدها في صورة مخالفة تماماً للمرأة الشريرة، فهذه أسلوبها ملق مخادع وحبها فاسد يقود للموت. أما الحكمة فهي تنادي بكل جلاء ووقار في الأماكن العامة، تدعو كل الناس أن يقبلوها وتعلن لهم أن من يقبلها تكون هناك كنوز من نصيبه. ولقد أجمع معظم المفسرين أن هذا الإصحاح يتكلم عن المسيح أقنوم الحكمة، وهذا هو تفسير كنيستنا الأرثوذكسية لهذا الإصحاح. وفي الإصحاح آيات وعبارات لا يتحقق معناها الكامل إلا في المسيح قوة الله وحكمة الله فهو حكمة الله المشخصة أو المتجسدة (1كو24:1 + لو49:11) وفي (لو49:11) نرى حكمة الله شخصاً يرسل الأنبياء للعالم.

 

الآيات (1-11): "ألعل الحكمة لا تنادي والفهم ألا يعطي صوته. عند رؤوس الشواهق عند الطريق بين المسالك تقف. بجانب الأبواب عند ثغر المدينة عند مدخل الأبواب تصرح. لكم أيها الناس أنادى وصوتي إلى بني آدم. أيها الحمقى تعلموا ذكاء ويا جهال تعلموا فهماً. اسمعوا فأني أتكلم بأمور شريفة وافتتاح شفتي استقامة. لأن حنكي يلهج بالصدق ومكرهة شفتي الكذب. كل كلمات فمي بالحق ليس فيها عوج ولا التواء. كلها واضحة لدى الفهيم ومستقيمة لدى الذين يجدون المعرفة. خذوا تأديبي لا الفضة والمعرفة اكثر من الذهب المختار. لأن الحكمة خير من اللآلئ وكل الجواهر لا تساويها."

          الحكمة تنادي= الحكمة تدعو الجميع، كل بنى آدم، وتستميل الناس، وهي تقنعهم حتى يأتوا (مت1:22-14). ودعوة الحكمة لنا لها وسائل متعددة، أولاً بصوت الكتاب المقدس، وصوت خدام الله، وتبكيت وتعليم الروح القدس، وإن لم يأتي كل هذا بنتيجة فهناك الإنذارات والضربات للتأديب، فالله له وسائلة المتعددة. وهكذا كان المسيح ينادي الجميع (يو37:7) فالحكمة هي المسيح. والمسيح ليس بعيداً عن أحد بل هو في متناول الجميع (رو6:10-9 + تث11:30-14)

عند رؤوس الشواهق= ناموس موسى، استلمه موسى على جبل، والمسيح علّم على الجبل أهم تعاليمه (عظة الجبل). وهكذا طلب من اللاويين أن يصرخوا بصوت عالٍ (تث14:27) ليسمع الجميع، وطلب من التلاميذ أن يبشروا ويكرزوا للجميع. وهذا عكس المرأة الشريرة التي عند كل زاوية تكمن (12:7). ولاحظ أن الحكمة تتكلم عند رؤوس الشواهق فهي تجذب من يستجيب للسماويات. عند الطريق بين المسالك تقف= لتجذب كل الناس وترشد الناس حينما يختلط عليهم الطريق الصحيح، وحيث تتشعب المسالك ترشد الحكمة للطريق الصحيح. ولاحظ أن المسيح هو الطريق. بجانب الأبواب= حيث يجتمع الشيوخ داخل المدينة. عند ثغر المدينة أي خارج المدينة، فالدعوة هي في كل مكان. وهكذا المسيح تكلم علانية (يو20:18). والحكمة لا  تنتظر أن يأتي إليها الناس، بل هي تذهب لكل واحد، ترشد الكل للطريق الصحيح، وإن ضل أحد في طريق شرير ترشده ليتوب. ويعود لطرقها الشريفة= وأصل كلمة شريفة هو الشئ الخاص بالأمراء، ليعود الضال كما يليق بأولاد الله. كل كلمات فمي بالحق= كثيرين يرفضون كلمات الله، ربما لعدم الفهم، أو لأنهم لم يجربوا قوتها وفائدتها، والله يشدد أن كلامه بالحق وما علينا سوى أن نصدق ونجرب فنختبر أنها حق فعلاً، ولكن علينا أن نتضع أمام كلمة الله فنعرف أنه لا عيب فيها مطلقاً وسنكتشف أن العيب فينا نحن، بل سنكتشف أن كلمة الله أثمن من كنوز الدنيا. كلها واضحة لدى الفهيم= قارن مع (مت16:13) فكلمة الله واضحة لكل عين مفتوحة، أما الأشرار فلقد أغلقت الخطية عيونهم وصاروا غير قادرين على الفهم.

 

الآيات (12-21): "أنا الحكمة اسكن الذكاء وأجد معرفة التدابير. مخافة الرب بغض الشر الكبرياء والتعظم وطريق الشر وفم الأكاذيب أبغضت. لي المشورة والرأي أنا الفهم لي القدرة. بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً. بي تترأس الرؤساء والشرفاء كل قضاة الأرض. أنا احب الذين يحبونني والذين يبكرون إلىّ يجدونني.عندي الغنى والكرامة قنية فاخرة وحظ. ثمري خير من الذهب ومن الإبريز وغلتي خير من الفضة المختارة. في طريق العدل أتمشى في وسط سبل الحق. فأورث محبي رزقا وأملأ خزائنهم."

أسكن الذكاء= أي الحكمة والذكاء موجودين معاً. والذكاء هو القدرة على التمييز. ومن يقتني الحكمة يظهر هذا في سلوكه في وسط العالم (2كو12:1). وهذا عكس من يسلك سلوك شهواني. أجد معرفة التدابير= التفكير السليم والمشورة الصالحة. مخافة الرب بغض الشر= الحكمة مرتبطة مع مخافة الرب، أي كراهية فعل الخطية، نكره الخطية ليس عند الآخرين بل نكره خطايانا. ولا يمكن كراهية الشر إلا لمن أحب المسيح. الكبرياء والتعظم.. أبغضت= هذه صفات المسيح، فهو وحده الكامل بلا خطية.

والآيات (14-17): هنا يتكلم المسيح الأقنوم الثاني، أقنوم الحكمة، فهو هنا يعلن سلطانه على الملوك= بي تملك الملوك= فالملك لا يملك إلا من عند الله (رو1:13،2 + دا 32:4). وهذا دليل أن الحكمة التي تتلكم هنا ليست سوى المسيح ملك الملوك فضلاً عن هذا فإن الملك التقي يكون مملوءاً حكمة كسليمان، فمن يملك الله عليه يملك جيداً على شعبه. أحب الذين يحبونني= نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً، ومن يطلب الحكمة يطلب الله فيعطيه الروح القدس المحبة (رو5:5). بل نرى هنا أن الروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا، وكلما إزدادت محبة الله في القلب نكتشف محبته لنا ويزداد إحساسنا بمحبته التي تحصرنا، وهذا يدفعنا أن نحبه بالأكثر. والبداية أن نطلب الحكمة التي تكشف لنا الطريق، طريق كراهية الشر، فهي ترينا نتائجه فنكرهه وحينما نكرهه نطلب الله. والذين يبكرون إلىّ يجدونني= الذين يطلبونني في شبابهم المبكر مثل يوسف وصموئيل وداود يجدون كنوز حكمة في طريقهم. ونلاحظ أن سليمان الذي طلب الحكمة في شبابه أخذ غنى أكثر من أي واحد= عندي الغني والكرامة. فكل من يطلب المسيح في شبابه يكتسب حكمة وبركة في كل طرقه. وهذه الآية "الذين يبكرون إلىّ يجدونني= تنطبق أيضاً على من يبدأ يومه بطلب الله فيبارك له الله في هذا اليوم ومن يذهب للكنيسة مبكراً يجد تعزية وفرح بالقداس والتناول. قنية فاخرة وحظ= كلمة فاخرة لم تأتي سوى هنا ومعناها موروثة أو أثرية، فعطايا الله لكل من يطلبه هي دائماً وعبر العصور، أمانة الله نحو شعبه هي حقيقية موروثة يعرفها الكل. في طريق العدل أتمشى= الحكمة تقود أبنائها ومحبيها في سبيل الحق وتورثهم رزقاً. ولكن هذه الآية يمكن أن ننظر لها بمنظار آخر، فالمتكلم هو المسيح، وطريق العدل هو طريق الصليب، طريق دينونة الخطية. فكأن المسيح يقولها وهو حاملاً صليبه سائراً للجلجثة طريق عدل الله الذي يستوفيه ليورث كل محبيه ملكوت السموات (رو17:8 + مت29:19) فاورث محبيّ رزقاً= لقد صار المسيح رزقنا وخيرنا وغنانا وشبعنا ليس في الأبدية فقط بل وفي هذا العالم. هنا نجد المسيح فينا يرشدنا للطريق، يقودنا فلا نضل، يحمينا من ذكاء الحية ومن أن نضل وراءها، يرشدنا كيف نعمل الصالح لأنفسنا ولمن حولنا، هنا نجد الحكمة قد استعلنت فينا وتقودنا. نحن بذكائنا البشري قد نربك أنفسنا، ندبر كثيراً  ويكون تدبيرنا لهلاكنا، أما المسيح أقنوم الحكمة فدبر مرة لخلاصنا ويدبر لنا العمر كله لنسير في طريقه.

 

الآيات (22-31): "الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم. منذ الأزل مسحت منذ البدء منذ أوائل الأرض. إذ لم يكن غمر ابدئت إذ لم تكن ينابيع كثيرة المياه. من قبل أن تقررت الجبال قبل التلال ابدئت. إذ لم يكن قد صنع الأرض بعد ولا البراري ولا أول اعفار المسكونة. لما ثبت السماوات كنت هناك أنا لما رسم دائرة على وجه الغمر. لما اثبت السحب من فوق لما تشددت ينابيع الغمر. لما وضع للبحر حده فلا تتعدى المياه تخمه لما رسم أسس الأرض. كنت عنده صانعاً وكنت كل يوم لذته فرحة دائما قدامه. فرحة في مسكونة أرضه ولذاتي مع بني آدم."

من هنا نجد الكلام يتحول ليصير واضحاً تماماً أنه عن المسيح الكلمة ابن الآب، الذي كان في البدء عند الله، المساوي للآب في طبيعته وجوهره، الأزلى غير المخلوق فهو حكمة الله (1كو24:1). وبالتالي لا يمكن تصور أن الآب خلقه، فكيف يخلق الله حكمته، وبأي حكمة يخلق لنفسه حكمة. وهو قوة الله فكيف يخلق الله لنفسه قوة وهو بدون قوة. فالحكمة هنا يتضح أنه شخص له خصائصه وأعماله وليس مجرد صفة لله. لقد كان سليمان يكتب بوحي من الروح القدس، وهو كان يظن أنه يكتب عن الحكمة، وإذا به يكتب بوحي الروح القدس عن المسيح حكمة الله (1كو24:1)

الرب قناني= الفعل العبري "قنا" بنفس النطق العربي، وبنفس المفهوم تقريباً، فهو يفسر بأن الشخص إقتني شئ. إلا أن الترجمة السبعينية ترجمت الكلمة خلقني وهذه الآية اعتمد عليها أريوس بحسب الترجمة السبعينية ليثبت أن المسيح كان مخلوقاً، وقد خلقه الآب. والكلمة في العبرية "قنا" تحتمل الترجمة السبعينية فنص الآية بحسب السبعينية "الرب خلقتني أول طرقه" وهذا ما اعتمد عليه آريوس؟ إلا أن أثناسيوس الرسولي أثبت له أن الأصل العبري للكلمة تفيد معنى الولادة وكأن المعنى "الرب ولدني" والمعنى في العربية مشابه إذ نقول "فلان قنى ولداً" أي وَلَدَ ولداً. ويؤيد هذا التفسير بحث في معنى الكلمة من أحد علماء الغرب نُشِرَ في سنة 1926 (راجع مشكاة الطلاب صفحة 241،242 وكتاب تفسير الكتاب المقدس تأليف جماعة من اللاهوتيين برئاسة الدكتور فرنسيس دافدسن جزء3 صفحة 355) وعموماً يؤيد هذا الرأي من داخل الإصحاح آية23 حين يقول منذ الأزل، فولادة الابن من الآب أزلية. هو نور من نور، إله حق من إله حق، حكمة نابعة مولودة من الآب بها خلق الآب كل شئ. أما النص بحسب السبعينية حين قال "خلقني" ولأننا نعلم أن السبعينية تكمل المعنى العبري وتبلوره، فهي بهذا تشير لولادة المسيح من العذراء بالجسد. وفي هذا يقول ميخا النبي (مي2:5) "أنت يا بيت لحم منك يخرج لي الذي يكون متسلطاً ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" ويكون المعنى الرب خلقني أول طرقه، أن المسيح تجسد من بطن العذراء بالروح القدس كأول طريق الخلاص الذي انتهى بالصلب والقيامة والصعود وإرسال الروح القدس. ولكن يسهل تصوُّر أن الابن أقنوم الحكمة لا يمكن أن يكون مخلوقاً. فلا يمكن وجود الآب فترة من الزمن بدون حكمة وبدون قوة، فأزلية الابن أقنوم الحكمة هي أزلية الله نفسه، والآية الرب قناني تصبح بأن الآب يقتني حكمة أزلية. وهنا يتضح التمايز بين الأقانيم فالآب يقتني والابن هو المُقْتَنَى. أول طريقه= الله لا يبدأ أي طريق أو أي عمل من أعماله إلا بالحكمة (أم19:3+ عب1:1،2 + كو13:1-16 + يو1:1-3). ولاحظ في البدء كان الكلمة والكلمة كان الله تشير للاتحاد. منذ الأزل مسحت= كلمت مسحت تعني ممسوح بالزيت ليكرس لعمل معين، كما كانوا يمسحون الملوك ورؤساء الكهنة. وقد تعني كلمت مسحت بهذا أن أقنوم الحكمة قد تخصص أو تعين لعمل الخلقة (يو1:1-3). ولكن هذه تشير لعمل المسيح الفدائي. فالابن تحدد له عمل الفداء منذ الأزل داخل المشورة الثالوثية. فالمسيح مُسِحَ أي تحدد له دور وعمل الفداء منذ الأزل، وهذا ما قاله معلنا بطرس (1بط18:1-20) والمسيح مُسِحَ ليكون ملكاً (مز6:2) وليكون رئيس للكهنة ليقدم ذبيحة نفسه. والمسيح أيضاً مُسِحَ أي تعيًّن ليكون دياناً للكل (أع42:10). ومن هنا نرى أزلية الثلاثة أقانيم. فالآب الماسح أزلي والابن الممسوح أزلي والروح القدس روح المسحة أزلي. والثلاثة أقانيم متساوون في الأزلية. منذ البدء= قد تشير إلى قبل تأسيس العالم، لكن كما رأينا هي تشير لما قبل ذلك، فهي تشير للأزل. منذ أوائل الأرض= أي منذ وضعت أسس الأرض. ومعنى الكلام أنه لا خليقة ولا أرض بدون المسيح، فعمل الخلق هو عمله، وسواء الخليقة الأولى أي السماء والأرض (تك1:1) أو الخليقة الجديدة بالفداء (2كو17:5) فهي عمله، هو خلق السماء والأرض وحينما سقط الإنسان جدد هو خلقته بل إن الله كخالق محب ظهرت صفاته هذه في خليقته.

إذا لم يكن غمر أُبْدِئْتُ= الغمر هو المياه الكثيرة. وكلمة أُبْدِئْتُ تشير للأزل، فما دمنا قد اتفقنا أن المسيح حكمة الله أزلى يكون قوله أبدئت ليس بمعنى أن الآب أبدأه أي خلقه بل تكون الكلمة بمعنى تعينت لهذا العمل أي عمله الخلقة، خلقة المياه.. الخ.

أول أعفار المسكونة= أول أتربة (ذرات تراب) المسكونة ولاحظ أن آدم الأول من التراب وآدم الأخير موجود قبل خلق التراب فهو ليس من الأرض (يو31:3)

دائرة على وجه الغمر= مقبب السماء الذي يحيط بالأرض الذي يُرى كالدائرة أو القبة.

تشددت ينابيع الغمر= ضبط مياه الجلد من فوق (السحاب) وحفظ مياه البحر من تحت.

كنت عنده صانعاً= فيه كان كل شئ.

كنت كل يوم لذته= الآب يحب الابن (يو20:5). والابن هو المحبوب (أف6:1). فهناك حب من الآب للابن، بل الآب هو مصدر الحب، فالله محبة، وهو ينبوع كل حب هذه الآية تظهر أن المحبة لدى الآب كانت تنصب في الابن قبل خلق الخليقة. بل نقول أن هذا يثبت أن الله ثالوث، فإن لم يكن هكذا، فالله لم يحب قبل أن يخلق الملائكة والبشر، وبالتالي يكون الله متغير، وهذا ضد صفات الله.

فرحةً دائماً قدامه= المحبة بين الآب والابن متبادلة، وهنا نرى سرور الابن بالآب.

فرحة في مسكونة أرضه= هنا نرى سرور الابن بخليقته "رأى كل شئ أنه حسن" (تك4:1،12) ففي خلقة السموات والأرض ظهرت محبة الله للإنسان وتجلت قدرته ومحبته والله يفرح حين يُظْهِرْ للإنسان أنه يحبه وأنه خلق العالم لأجله.

لذاتي مع بنى آدم= هنا نرى فرحة الابن بفدائه للإنسان. فالله يحب الإنسان وكانت فرحته في عمل الصليب الذي به يتمم أعمال محبته من نحو الإنسان الذي يحبه، فيكون للإنسان نصيبه السماوي. والآية تشير أيضاً للذة الآب في أبنه الذي تجسد وأطاع حتى الموت موت الصليب وهو في جسد بنى آدم ليكمل عمل الفداء الذي به إشتم الله رائحة سرور (تك21:8 + لا9:1،13،17).

 

الآيات (32-36): "فالآن أيها البنون اسمعوا لي فطوبى للذين يحفظون طرقي. اسمعوا التعليم وكونوا حكماء ولا ترفضوه. طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي حافظا قوائم أبوابي. لأنه من يجدني يجد الحياة وينال رضى من الرب. ومن يخطئ عني يضر نفسه كل مبغضي يحبون الموت."

طالما كان الإنسان هو لذة الله، ومن أجله صنع العالم، نجد هنا دعوة للإنسان ليطيع الله، هي دعوة مؤسسة على هذا الحب. فالله يطلب الخضوع في ثقة لمحبته في مقابل محبته (والإنسان بخطيته تمرد على طاعة الله والمسيح أتى ليعيد خضوعنا لله ثانية، أي يعيدنا للصورة التي كان يريدها الآب (1كو28:15) المسيح هنا كرأس للكنيسة يقدم الخضوع) فالحكمة تنادي، أي المسيح ينادي ومن له أذنان للسمع فليسمع فيجد لنفسه حياة أبدية= من يجدني يجد الحياة= فالمسيح هو القيامة والحياة + (يو36:3 + يو51:8 + 1يو12:5) ومن يخطئ عني= هي عكس قوله من يجدني، ومعناها من بخطيته يرفضني ويحيد عني فأنا الطريق (لو30:7 + يو19:3،20 + يو22:15-25) ومن يحيد عن طريق الحياة فمصيره الموت. وهذا هو نفس التحذير في (تث18:18،19) عن المسيح أيضاً.

عند مصاريعي= نقف على أبواب الحكمة نسأل أن نتعلم، ومن يقرع يفتح له.. أسألوا تعطوا بل نقف على أبواب الحكمة نسأل بلجاجة كشحاذين يطلبون صدقة. وما نسمعه نحفظه في عقولنا وقلوبنا= حافظاً قوائم أبوابي= كان هذا عمل اللاويين، فهم كانوا ليلاً ونهاراً يسهرون على حراسة أبواب المسكن (حتى لا يدخل المسكن (هيكل الله) نجس) وهذا واجبنا نحو أنفسنا أن نسهر لنحرس قلوبنا من أن يتسلل داخلها أي نجاسة أو يتسلل منها إلى خارج كلمة الله وحكمته التي سألناه فأعطانا إياها.


 

الإصحاح التاسع

رأينا في الإصحاح الثامن، المسيح أقنوم الحكمة، ومن يتبعه يجد حياة، ومن يرفضه يموت. وهنا نجد الحكيم يشدد على هذه الفكرة. ويُصَّوِرْ هنا صراع بين المسيح (الحكمة) وبين إبليس (عدو الخير الذي هو الجهالة والحماقة). وكلاهما يتنافسان في جذب النفس البشرية ليملكا عليها. والقصد من هذه الصورة أن يوضح أن الحياة والموت، الشر والخير كلاهما أمام كل واحد منا. ونحن أحرار أن نختار أيهما لنسلم له القلب. والتصوير تم هنا بأن كلاً منهما أقام وليمة للنفس ويدعوها لتقبل إلى وليمته.

ولنلاحظ كم أن نفوسنا غالية عند المسيح وماذا يصنع حتى لا يفقد أي نفس. ونلاحظ أيضاً كم هو شديد حقد إبليس ضدنا فهو لا يريد خلاص نفس أحد بل هلاك كل واحد.

الآيات (1-6) المسيح يدعونا لوليمته، وليمة الشركة، المائدة المقدسة لجسده ودمه.

الآيات (7-11) يشرح أن الحكيم هو من يستجيب لدعوته.

الآيات (12) الطريقان أمامنا وكلٌ بحرية يختار أيهما (هو نفس ما قيل في تث15:30)

الآيات (13-16) وليمة بابل الزانية (رؤ2:17)، وليمة إبليس للنفس، وتُصوَّر الخطية هنا على أنها امرأة تدعو الجميع لها وتغريهم بملذات، هي تمتع وقتي بالخطية، ومن يستجيب يسقط في شباكها.

 الآيات (18) الموت عاقبة من يستجيب للخطية.

 

الآيات (1-6): "الحكمة بنت بيتها نحتت أعمدتها السبعة. ذبحت ذبحها مزجت خمرها أيضاً رتبت مائدتها. أرسلت جواريها تنادي على ظهور أعالي المدينة. من هو جاهل فليمل إلى هنا والناقص الفهم قالت له. هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها. اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم."

في الإصحاح السابق قدم المسيح نفسه كخالق للعالم، وهنا يقدم نفسه كفادي لهذا العالم، مقدماً نفسه كذبيحة ليؤسس كنيسته ويجعلها خليقة جديدة.

الحكمة بنت بيتها= سبق أن رأينا للحكمة أبواب يقف عندها طالبي الحكمة (34:8). وطالما لها أبواب، فهي إذن لها بيت يقف عند أبوابه الحكماء ساهرين منتظرين أن يتعلموا وربما يشير البيت الذي بنته الحكمة إلى الهيكل الذي بناه سليمان ولكن سليمان كان يرمز للمسيح، والهيكل كان يرمز لجسد المسيح الذي هو كنيسته (يو18:2-22 + أف30:5) وسليمان هنا يدعو الناس للعبادة في الهيكل الذي بناه، والمسيح يدعو الناس للاشتراك في جسده والثبات فيه "إثبتوا فىّ وأنا أيضاً فيكم" والثبات في جسد المسيح يحتاج منا أن نترك الخطية= اتركوا الجهالات. وبنفس المفهوم يطلب سليمان أن يترك الناس أماكن وبيوت الشر ويأتوا للهيكل. إذاً بيت الحكمة هو بيت المسيح أي كنيسته (1تي5:3) وهو أسسها على صخرة الإيمان به كابن الله الحي (مت16:16-18). نحتت أعمدتها السبعة= الكنيسة تؤسس وهي مستندة دائماً على عمل روح الله القدوس وهو عمله الكامل (رقم 7 رقم الكمال). ونلاحظ في (رؤ1:3) أن المسيح له سبعة أرواح الله، والمسيح هو الذي أرسل الروح القدس للكنيسة، وهو العامل في أسرار الكنيسة السبعة ليؤسس بهم جسد المسيح أي بيته أي كنيسته، هو روح الحكمة روح الرب (أش2:11). والروح القدس أُرِسلَ للكنيسة باستحقاقات دم المسيح= ذبحت ذبحها= فلولا الصليب الذي به تم الصلح بين الله والإنسان ما حل الروح على الكنيسة. مزجت خمرها= الخمر الممزوجة هي خمر أضيفت إليها بعض الأطياب لتجعل لها طعماً لذيذاً ورائحة طيبة، ولاحظ أننا رائحة المسيح الذكية. هي خمر ليست للخلاعة والسكر بل خمر الفرح، رمز لعمل الروح القدس في الكنيسة وفي النفس (نش4:2 + غل22:5 + أف18:5). ورتبت مائدتها= هي مائدة عشاء دعا لها الرب (لو16:14-18). هي مائدة التناول من جسد الرب ودمه، الذي يعطينا الشبع الروحي والفرح الروحي. والمسيح بعد أن قدم ذاته ذبيحة= ذبحت ذبحها. وقدم ذاته مأكلاً ومشرباً= رتبت مائدتها وصلب وقام وصعد للسموات وأرسل الروح القدس ليؤسس الكنيسة= الحكمة بنت بيتها أرسل المسيح تلاميذه المملوئين من الروح ليبشروا كسفراء له= أرسلت جواريها تنادي يدعون الناس لوليمة العرس (مت1:22-4). هم أكملوا العمل الذي بدأه المسيح (عب3:2) ومن يقبل الدعوة يأخذ حياة ويكون حكيماً. وخدام الله يدعون من هو جاهل= قارن مع (يو41:9 + 1كو26:1-31). والجاهل معناها الإنسان البسيط الذي يشعر في نفسه بالاحتياج لأن يتعلم، يشعر في داخله أنه لا شئ وأنه محتاج للمسيح، يشعر في داخله أنه عطشان وجوعان "إن عطش أحد يقبل إلىّ.. " (يو37:7) "طوبى للجياع والعطاش" (مت6:5) أما حالة الشعور بالإكتفاء فهي تقود للفتور والشيخوخة الروحية ثم الكبرياء (رؤ17:3،18) فكل حكيم حقيقي هو جاهل في عيني نفسه يريد أن يتعلم وخاطئ في عيني نفسه محتاج لغفران خطاياه، والمسيح أتى لمثل هؤلاء، لمن يشعرون أنهم خطاة يحتاجون الغفران والمرضى الذين يحتاجون للطبيب، ولم يأتي للأصحاء فهم لا يحتاجونه. وماذا بعد التناول، علينا أن نكمل حياتنا بلا خطية ونترك الشر= اتركوا الجهالات= هذه هي التوبة السلبية، ترك الشر، هي دعوة لتغيير كامل في أسلوب الحياة. وسيروا في طريق الفهم= عمل الخير هو توبة إيجابية. وهذا هو نفس مفهوم عيد الفطير سبعة أيام بعد تقديم الفصح، أي بعد الصليب علينا أن نكمل حياتنا بلا خطية (1كو7:5،8).

 

الآيات (7-9): "من يوبخ مستهزئاً يكسب لنفسه هواناً ومن ينذر شريراً يكسب عيباً. لا توبخ مستهزئاً لئلا يبغضك وبخ حكيماً فيحبك. أعط حكيماً فيكون أوفر حكمة علم صديقاً فيزداد علماً."

هذه الآيات آيات معترضة بين الوليمتين أو الدعوتين، فيهما يُصوِّر الوحي نوعين من البشر [1] الحكماء وهؤلاء يفرحون بالتعليم. [2] الجهال وهؤلاء يستهزئون به وكأن هذه الآيات هي للرسل تكشف لهم أنواع الناس الذين سيقابلونهم في دعوتهم حتى لا يندهشوا إذا وجدوا رفضاً لهم بينما هم يشعرون بأن كلمتهم فيها كل الحق:

1)       الحكماء: الحكيم هو الذي يقبل التعليم. فالحكيم يرى نفسه دائماً أنه جاهل، يريد المزيد من العلم، وهو يقبل توبيخ الروح القدس وتوبيخ خدام الله الذين يقدمون له تعليم الله فيستفيد ويتوب ويذهب ويرجع للمسيح. مثل هذا يفرح بالتوبيخ لأنه يسعى للكمال ويفرح بمن يكشف له ضعفاته ليتركها فيصير كاملاً، بل مثل هذا يحب من يوبخه.

2)  الجهلاء: الجاهل الفارغ يكون حكيماً في عيني نفسه، مستهزئاً بكل ما يقدم له من نصائح. فهو يشعر أن لا أحد يعرف أكثر منه، ومثل هذا الإنسان لأنه يرفض كل تعليم يصبح مضيعاً لوقت الخدام فهي يستهزئ بكل ما يقدم له ولن يستفيد بأي تعليم أو توبيخ (أمثلة 2أي10:30 + مت6:22).

وعموماً فمن يستهزئ بكلمة الله لن يقبل أي تعليم. والبدء أن يخاف الإنسان الله ليكون هناك فائدة من أي تعليم. وهذا كأنه دعوة للرسل والخدام أن يعرضوا عن مثل هذا الهازئ لدعوتهم. ويمتنعوا عن توبيخه، ومن هو نجس فليتنجس بعد (رؤ11:22) أي يصبح كل إنسان مسئولاً عن نفسه. ولا تلقوا بدرركم قدم الخنازير.

 

الآيات (10-12): "بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم. لأنه بي تكثر أيامك وتزداد لك سنو حياة. إن كنت حكيما فأنت حكيم لنفسك وأن استهزأت فأنت وحدك تتحمل."

الحكمة الحقة تتلخص في هذا "بدء الحكمة مخافة الرب" بينما الجاهل يظن في جهله أن منتهى الحكمة هو أن يتحرر من قيود وصايا الله. وأيضاً نجد الفهم الصحيح هو في معرفة أمور الله المقدسة، وبعيداً عن المعرفة المقدسة الحقة يكون الإنسان ميتاً في نظر الله. إن كنت حكيماً فأنت حكيم لنفسك= الله في قداسته اللانهائية لن يزداد قداسة بقداستنا، بل هو لصالحنا أن نستجيب لصوته ونتقدس، هو حقاً يفرح برجوع الخاطئ لكنه لن يزداد شيئاً بهذا. والعكس صحيح فهو لن يخسر شيئاً من خطيتنا، بل خطيتنا وعنادنا وإصرارنا على عدم التوبة يكون لهلاكنا ونتحمله وحدنا.

 

الآيات (13-18): "المرأة الجاهلة صخابة حمقاء ولا تدري شيئاً. فتقعد عند باب بيتها على كرسي في أعالي المدينة. لتنادي عابري السبيل المقومين طرقهم. من هو جاهل فليمل إلى هنا والناقص الفهم تقول له. المياه المسروقة حلوة وخبز الخفية لذيذ. ولا يعلم أن الأخيلة هناك وأن في أعماق الهاوية ضيوفها."

في مقابل الوليمة السمائية التي أقامها يسوع. نجد هنا وليمة الخطية وهي وليمة حقيرة، مسروقة، محرمة، غادرة ويذهب ضيوفها للهلاك. وليمة ملذات في بيت المرأة الخاطئة (رمز لإبليس والخطية عموماً التي تخاطب شهوة الجسد) ولاحظ أن الخطية لا ترسل جواري لدعوة الناس، لأن الشهوة الخاطئة داخل كل منا كفيلة بهذا. بل هي جالسة عند بيتها تدعو المارة، أي من يسير في طريق مستقيم أن يميل إليها، إلى مسكن خطيتها وعارها ولكن من يدخل فهو في طريقه إلى الهاوية= القبر والجحيم. والأخيلة= هم الموتي في قاع الجحيم.

مواصفات المرأة الجاهلة:

1)     جاهلة: عكس الحكمة، بلا منطق مقبول ولكنها لا تخاطب سوى الغريزة.

2)     صخابة: دائماً تنادي على الشباب بإغراءاتها.

3)  تقعد عند باب بيتها على كرسي في أعالي المدينة: تجلس كملكة تنتظر فريسة لتسود عليه، تجلس كمن لها سلطان في الأماكن العالية في المدينة، ولكن سلطانها هو على كل من يستسلم لها، ومن يستسلم لها هم الجسدانيون فقط الذي صاروا مديونين لها بما قبلوه من يدها من شهوات. أما من رفض إغراءاتها يصير حراً ولا يكون لها سلطان عليه "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ" لماذا؟ "من يبكتني على خطية"

ومن الذين تدعوهم لبيتها:

الشباب المقومين طرقهم= أي الذين يحاولون التوبة، فهي لا تريد أن تترك فرصة لأحد أن يتوب، وهي تتهمهم ظلماً بأنهم جهلة، ناقصي الفهم إذ يتركون طريق اللذة الذي تعرضه عليهم هي، طريق التحرر من قيود الوصايا الإلهية.

إغراءاتها:

المياه المسروقة حلوة= هي تدعوهم إلى اللذات المحرمة، والإنسان المتمرد يحلو له اللذة المحرمة أكثر من اللذة التي يسمح بها الله. وهكذا آدم وحواء اشتهوا ما حرمه الله. ولاحظ هذا هو ما تعرضه الزانية في مقابل مائدة الرب التي تقدمها الحكمة. وهي مياه مسروقة، لأنها تحدي لوصايا الله، وكأن سارق اللذة كسر أولاً سور الوصية ليسرق شيئاً حرمه الله. وهي تحدي للعنة التي لعنها الله للخاطئ. وكأن شرب المياه المسروقة في الخفاء أو أكل خبز الخفية هو نوعاً من الاختباء الجاهل من لعنة الله. إلا أنه دائماً ما يسقط الإنسان في هذه الخطية وهو واقع تحت خدعة أن هذه اللذة المسروقة لا يدانيها لذة في العالم، وهو لا يدري مصير سارق اللذة الرهيب.


 

الإصحاح العاشر

يبدأ من هنا الجزء الثاني من سفر الأمثال وهو الخاص بأمثال سليمان الحكيم. فالجزء الأول كان كمقدمة، فيها نرى الحكمة تنادي لكل إنسان ليتعلم ونرى هنا ماذا تقول الحكمة. وهذا الجزء عبارة عن أمثال في صورة جمل قصيرة ولكنها مشحونة حكمة، فالحكمة هي التي تنادي. وكل آية مكونة من مقطعين أو جملتين قد تفسر الجملة الثانية الجملة الأولى وقد يكون معنى الثانية التصوير المضاد للجملة الأولى (مثال: فم الصديق ينبت حكمة، أما لسان الأكاذيب فيقطع). وكل الأمثال تحث على فعل الخير وتحذر من فعل الشر وهي أمثال متفرقة لا داعي لمحاولة الربط بينها.

 

آية (1): "أمثال سليمان الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حزن أمه."

وهكذا سُرَّ الله بسليمان حين طلب حكمة (2أي7:1-12)، أما رفقة فأحزنها حماقة ابنها عيسو (تك35:26). وقطعاً فالحكيم يسر أمه والجاهل يحزن أبيه.

 

الآيات (2،3): "كنوز الشر لا تنفع أما البر فينجي من الموت. الرب لا يجيع نفس الصديق ولكنه يدفع هوى الأشرار."

كنوز الشر= المال الذي يُحْصَلْ عليه عن طريق الشر. وهو لا ينفع= لأن ما نحصل عليه بالظلم سيجعله الله يضيع منا، بل تضيع أبديتنا بسببه. والدافع للإنسان ليكنز المال بالظلم هو خوفه من المستقبل، وهو يظن أن كثرة المال فيها ضمان للمستقبل، والحكيم هنا يقول له، ولماذا الخوف من الغد فالرب لا يجيع نفس الصديق فإذا كان الله سيدبر احتياجك فلا داعي لأن تحصل على الكثير بواسطة الشر (وراجع مز 25:37+ 14:10 + 9:34،10). ولنطمئن أن الرب مسئول عن تدبير احتياجات شعبه المادية. والشر عموماً لا ينفع صاحبه والعكس فالبر ينجي من الموت= فهكذا نجا مردخاي وهلك هامان ونجا نوح وهلك العالم كله، فالشر مهلك والبر ينجي صاحبه. والبر هو العيشة بالاستقامة حسب وصايا الله. فالله عادل لا يترك الأشرار دون أن يتدخل والحصاد يتبع الزرع. ولكنه يدفع هوى الأشرار= كلمة هوى معناها شهوة الأشرار الشريرة، فالله يبطل مؤامراتهم.

 

آية (4): "العامل بيد رخوة يفتقر أما يد المجتهدين فتغني."

الكتاب لا يساند الكسلان بل يطلب الجد في العمل (2تس7:3-12). وراعوث التي اجتهدت في حقل بوعز ارتفعت جزاء لجهادها.

 

آية (5): "من يجمع في الصيف فهو ابن عاقل ومن ينام في الحصاد فهو ابن مخز."

الصيف هو وقت الحصاد. وهذه الآية تنطبق على الجهاد المادي والجهاد الروحي، فمن يجاهد روحياً له نصيب في الأبدية، ويجب على كل واحد أن ينتهز الوقت (أف16:5). وهذا الكلام موجه بالأكثر للخدام "فالحصاد كثير والفعلة قليلون" والشباب وقت لتعلم الحكمة فمن يتعلم الحكمة في شبابه لن يخجل وهو كبير سناً فما تعلمه في سن التعليم سينفعه كبيراً.

 

الآيات (6،7): "بركات على رأس الصديق أما فم الأشرار فيغشاه ظلم. ذكر الصديق للبركة واسم الأشرار ينخر."

بركات على رأس الصديق= الله يفيض بركاته على الصديق على الأرض وفي السماء ويفيض عليه بركات روحية ومادية. وقوله على رأسه، معناها ستكون ظاهرة أمام الجميع. فم الأشرار يغشاه ظلم= بينما يلاحظ الناس البركات التي يسكبها الله على الصديق سيلاحظ الجميع أيضاً أن فم الشرير لا يكف عن النطق بالظلم والغش والشر. ذكر الصديق للبركة واسم الأشرار ينخر= أثار البر والشر تبقى على الأرض بعد الموت (مز3:112،6،9 + عب2:11) ولنرى الأنبا بولا وقد ترك كل ثروته لأخيه، وكيف نذكر الأنبا بولا، ونتساءل هل يعرف أحد اسم أخيه. ونعرف لعازر الفقير والملائكة قد حملت نفسه واسم الغني لا أحد يذكره، بل المسيح لم يذكره. وبولس الرسول الذي ضرب وسُجِنَ أين هو الآن من الذي سجنه أو ضربه.

 

آية (8): "حكيم القلب يقبل الوصايا وغبي الشفتين يصرع."

حكيم القلب= دائماً صامت، يسمع ليتعلم ويحس أنه جاهل يريد أن يعرف. أما غبي الشفتين= أي من يتكلم كثيراً ظاناً أنه يعرف كل شئ فهو لا يسمع لذلك لا يتعلم ويصرع لجهله.

 

آية (9): "من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان ومن يعوج طرقه يعرف."

السلوك بالاستقامة= يسير مع الله بأمانة مثل يوسف، وهذا سيعيش في أمان= أما من يعوج طريقه يُعَّرَفْ= يُعَّرف أي يكشف ويكون واضحاً للجميع إنحرافه حتى ولو بعد حين.

 

آية (10): "من يغمز بالعين يسبب حزناً والغبي الشفتين يصرع."

من يغمز بالعين= هو يدبر الشر للآخرين، يتكلم كلاماً حسناً عنهم أو أمامهم، ويغمز بعينيه لأصدقائه بإشارات تظهر لهم أن قلبه يضمر كلاماً آخر، وهذا يسبب حزناً= سيكون هذا الإنسان سبباً في حزن الأبرياء الذين دبر لهم الشر. والحكيم أضاف هنا أن غبي الشفتين يُصرع مع أنه قالها من قبل، فمن يغمز بعينيه يكون غبي الشفتين ومصيره الهلاك.

 

آية (11): "فم الصديق ينبوع حياة وفم الأشرار يغشاه ظلم."

الصديق هو من يعمل بحسب وصايا الله. وفم الصديق= هو الذي يُعَّلِمْ كلام الله وطوبى لمن عمل وعلّمَ. فهذا يكون ينبوع حياة للآخرين "ويدعي عظيماً في ملكوت السموات" كلماته ستكون لها قوة وتأثير على من يسمعها لأنها ستكون متطابقة مع حياته، وسيكون فيها تعزية للحزين، وتبكيتاً للخاطئ وتشجيعاً للتأئب، كلماته ستكون منعشة في رحلة الحياة كما أن البئر بمياهه الباردة يكون منعشاً للمسافر في الصحراء.

 

آية (12): "البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب."

البغضة تهيج خصومات= الإنسان الذي ملأت الكراهية قلبه ضد شخص يأخذ في النم عليه وسرد قصص مختلقة ضده، أو سرد ضعفاته، وهذا يهيج الخصومات. وعكس هذا فالمحبة تستر كل الذنوب= (1بط8:4). وهكذا فعل أبو مقار، فهو ستر خطية من كان يزني ولكنه طلب منه أن يكف عن الخطية وهكذا فعل السيد المسيح مع الزانية.

 

آية (13): "في شفتي العاقل توجد حكمة والعصا لظهر الناقص الفهم."

العصا لظهر الناقص الفهم= هذه انطبقت على رحبعام الذي قبل مشورة الأحداث، والله له وسائل كثيرة يستخدمها كعصا تأديب، فهناك لسعات الضمير وهناك إهانات من ألسنة الناس وهناك عصا الملك وأخيراً فهناك عقوبات الله.

 

آية (14): "الحكماء يذخرون معرفة أما فم الغبي فهلاك قريب."

الحكماء بينما يذخرون معرفة نجدهم لا يتكلمون، وبينما الحكيم حقاً ينصت ليسمع نجد الجهلاء يتكلمون كثيراً، وثرثرتهم بأفواههم تكشف جهلهم أمام الناس، ومن يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً. والحكيم يخزن حكمة في قلبه وفي وقت الاحتياج نجده يخرج من مخزون قلبه ما ينفع سامعيه وما يستفيد منه هو شخصياً، أما الغبي فهو يخزن كلام باطل في قلبه، ونجده يخرج من كنز قلبه الباطل في كل وقت ما يسبب له مشاكل. هلاك قريب= مصيبة وشيكة.

 

آية (15): "ثروة الغني مدينته الحصينة هلاك المساكين فقرهم."

هذا المثل موجه للكسالي حتى يجتهدوا ويكون لهم ثروة تحميهم، أما كسلهم وعدم جهادهم سيكون سبباً لفقرهم. وقد يفتقر الإنسان بسبب تصرفاته الطائشة مثل ضمان الآخرين أو خطاياه التي يبدد فيها نقوده. وفقره الذي تسبب هو فيه بنفسه سيكون سبباً في هلاكه. أما الثروة مع إنسان عاقل فستحميه. ولكن لننظر نظرة أخرى لهذا المثل، فلو ظن الغني أن ثروته تحميه بدون الله يكون هذا سبباً في هلاكه، ولو ظن الفقير، الذي لا ذنب له في فقره، أن فقره سبب تعاسته ويبدأ يتخاصم مع الله ويقول لماذا يا رب جعلتني هكذا.. ويظن في نفسه أن المال هو الضمان للمستقبل، فهذا أيضاً يهلك. وهنا نقول أن الغني الذي يتصور أنه يتكل على ماله، والفقير الذي يتصور أنه لو حصل على المال حصل على الاطمئنان كلاهما يحتاج للإيمان بالله حتى لا يهلكا.

 

آية (16): "عمل الصديق للحياة ربح الشرير للخطية."

كل جهاد للصديق يؤدي به للحياة الهنيئة على الأرض وللحياة الأبدية في السماء بعد ذلك، أما الشرير فهو يصرف على شهواته وخطاياه كل ما يأتيه، فيتقسى قلبه بالأكثر في طريق الخطية، ويضر نفسه.

 

آية (17): "حافظ التعليم هو في طريق الحياة ورافض التأديب ضال."

حافظ التعليم= هو إنسان لا يثق في نفسه بل يعتمد على كلمة الله، يحفظها فتكون له حياة، ويحفظها أي ينفذ ما يتعلمه ويحيا به. أما رافض التأديب ضال= وتصور إنسان تائه في الصحراء ولا يريد أن يسمع نصيحة أحد فهو سيستمر في ضلاله وتوهانه ويهلك.

 

آية (18): "من يخفي البغضة فشفتاه كاذبتان ومشيع المذمة هو جاهل."

من يخفي البغضة فشفتاه كاذبتان= (أمثلة قبلة يهوذا الغاشة/ يوآب مع أبنير) وهذا يسمى مرائي. ومشيع المذمة هو جاهل= النمام الذي يتكلم ردياً على الأبرياء وهذا سريعاً ما ينكشف أمام الناس فالله سيكشف بر الذي يشيع عنه أقوالاً كاذبة. عموماً فالأفضل من الرياء أو إشاعة المذمة أن نعاتب في محبة من لنا عتاب معه.

 

آية (19): "كثرة الكلام لا تخلو من معصية أما الضابط شفتيه فعاقل."

من يتكلم كثيراً يخطئ كثيراً (يع1:3-18 + مت36:12،37 + جا1:5-7).

 

آية (20): "لسان الصديق فضة مختارة قلب الأشرار كشيء زهيد."

فضة مختارة، أي نقية مصفاة من الغش والرياء والخبث والشر= كلام الصديق. وإذا فهمنا من (مز6:12)  أن كلمة الله فضة مصفاة فنفهم أن ما يجعل كلام الصديق فضة مختارة، هو أنه يلهج في شريعة الله دائماً (مز15:119). قلب الأشرار كشئ زهيد= أي تافه عديم القيمة. ولاحظ أن اللسان يعبر عما في القلب فمن فضلة القلب يتكلم اللسان.

 

آية (21): "شفتا الصديق تهديان كثيرين أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم."

راجع آية (11). فحديث الصديق يقود للتوبة. أما الغبي فحديثه تافه، غير قابل للتعليم وسيموت ويهلك لنقص حكمته.

 

آية (22): "بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعبا."

يخطئ من يظن أنه بوسيلة عالمية غاشة يزيد ثروته فأي ظلم أو غش فيه خراب أما بركة الرب لمن يطيع وصاياه فهي تغني. ولا يزيد معها تعب= الإنسان العالمي حين يصنع ثروته يتعب ليحميها من اعتداء الآخرين. أما من يعطيه لنا الله من بركات يحميه من إعتداء الآخرين. وتعني أن بركة الرب أهم بما لا يقاس من تعب الإنسان. فالإنسان عليه أن يعمل ويجاهد وبلا كسل لكن الله هو الذي يبارك. وهذه تقال لمن يحمل هماً ليزيد ثروته ويضمن مستقبله.

 

آية (23): "فعل الرذيلة عند الجاهل كالضحك أما الحكمة فلذي فهم."

الجاهل الأحمق يفعل الخطية بسرور فهو أعمى لا يري، أما الحكيم فهو ينفر خائفاً من الخطية، والجاهل إن نبهه أحد أن تصرفه خاطئ يستهزئ به.

 

الآيات (24،25): "خوف الشرير هو يأتيه وشهوة الصديقين تمنح. كعبور الزوبعة فلا يكون الشرير أما الصديق فأساس مؤبد."

الشرير لا يعرف معنى السلام الداخلي مهما تظاهر بذلك، وهو دائماً في خوف من المستقبل، وليست له الحكمة التي بها يقرر أن يتوب، ومن المؤكد أن ما يخاف منه فسوف يحدث، فهذا نتيجة طبيعية للشر. وهذا الشرير يزيله الله بعاصفة غضبه. أما الصديق فشهوة قلبه هي إرضاء الله وشهوة قلبه في السماء ورجاؤه وإيمانه مبنيين على أساس ثابت دائم، وسيحصل على ما يشتهيه.

 

آية (26): "كالخل للأسنان وكالدخان للعينين كذلك الكسلان للذين أرسلوه."

الخل= حامض قوي يجعل الأسنان تضرس والدخان= يلهب العينين. هكذا يحدث لك إذا أرسلت شخص كسلان غير مكترث وكلفته بمهمة، فهذا يتباطئ في تنفيذها فهو لا يهتم إن نجحت المهمة أو فشلت. ومصيبة أن يوجد وسط الخدام شخص كهذا، هذا يسمع القول المرعب "ملعون من يعمل عمل الرب برخاوة".

 

الآيات (27-30): "مخافة الرب تزيد الأيام أما سنو الأشرار فتقصر. منتظر الصديقين مفرح أما رجاء الأشرار فيبيد. حصن للاستقامة طريق الرب والهلاك لفاعلي الإثم. الصديق لن يزحزح أبداً والأشرار لن يسكنوا الأرض."

هنا مقارنة بين الأشرار والأبرار وتنطبق على الحياة الحاضرة والأبدية فبينما الأبرار لهم حياة (27) وفرح (28) وقوة (29). مُنْتَظْر الصديقين مُفَّرِحْ فأفراح الأبدية التي ينتظرها الصديقون أكيدة. نجد الأشرار تقصر حياتهم= سنو الأشرار تقصر= فالخطية لها أثارها المدمرة على الصحة والعمر. وأما رجاء الأشرار فيبيد كان رجاء الأشرار في مجد هذا العالم. وهو سيبيد فالأرض كلها ستزول.

 

الآيات (31،32): "فم الصديق ينبت الحكمة أما لسان الأكاذيب فيقطع.  شفتا الصديق تعرفان المرضي وفم الأشرار أكاذيب."

نجد هنا مثلين عن اللسان، فحديث كل إنسان يكشف ما في قلبه. واللسان يدين صاحبه أو يبرره (مت37:12). والله يعطي الصديق حكمة كمكافأة على بره (جا26:2) والصديق يمجد الله الذي أعطاه الحكمة بلسانه وأقواله= شفتا الصديق تعرفان المرضِىَّ= فهو بحكمته يعرف ما يرضى الله فيقوله.

ملحوظة: نفهم من (يع3) أن اللسان يقود الحياة كلها بمعنى أنه لو تقدس اللسان بكلام تسبيح يتقدس القلب والحياة فاللسان مثل الدفة تقود السفينة كلها. ونسمع السيد المسيح يقول "من فضلة القلب يتكلم اللسان" أي ما نقوله يفضح ما في قلوبنا. وبوضع الفكرتين معاً نفهم أن نبدأ بأن نلجم ألسنتنا ونرغم أنفسنا على أن نقول ما يمجد الله ولا نتكلم بالباطل ولا بالغش ولا بالكذب ولا كلمات نجسة بطالة، وكمكافأة من الله يقدس القلب ويعطي حكمة. ومن مخزون هذه الحكمة سينطق اللسان بأقوال حكمة. امتناعنا عن الكلام البطال هو جهادنا والحكمة التي تنسكب علينا هي من نعمة الله ليس لنا فضل فيها. لذلك فهناك من يدرب نفسه على صلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" وهناك من يدرب نفسه على ترديد تسابيح وألحان وتماجيد، وهناك من يدرب نفسه على حفظ المزامير. والقديسين الآباء قالوا من يحفظ المزامير تحفظه المزامير.


 

الإصحاح الحادي عشر

آية (1): "موازين غش مكرهة الرب والوزن الصحيح رضاه."

الغش يشير لعدم استقامة القلب مع الله. ولنعلم أننا إنما نعامل الله، إذاً الأمانة تجاه البشر هي أمانة تجاه الله. ولنلاحظ أنه إذا خدعنا إنسان فنحن نخطئ إلى الله والله سيحمي هذا الإنسان من شرورنا وخداعنا.. من الخطر أن نسلك بحسب ذكاء العالم.

 

آية (2): "تأتى الكبرياء فيأتي الهوان ومع المتواضعين حكمة."

الكبرياء خطية غير مقبولة من الله تماماً، بل أن الله يسكن عند المتواضع (اش15:57) ومن يسكن الله عنده تسكن عنده الحكمة. وكيف يتكبر الإنسان الترابي وهو يعتمد على الله في كل شئ.

 

آية (3): "استقامة المستقيمين تهديهم واعوجاج الغادرين يخربهم."

تهديهم= الروح القدس يهدي ويرشد المستقيم. أما المعوج فهو يحزن الروح ويطفئه وبالتالي لا يجد إرشاد من الروح فيضل وتكون النتيجة خرابه.

 

آية (4): "لا ينفع الغنى في يوم السخط أما البر فينجي من الموت."

يوم السخط= يوم يصيب الله جام غضبه على الخاطئ سواء على الأرض أو في الحياة الأخرى بعد الموت. والغِنَي لا يحمي صاحبه بل قد يكون سبباً في آلامه في يوم السخط (حز19:7).

 

الآيات (5،6): "بر الكامل يقوم طريقه أما الشرير فيسقط بشره. بر المستقيمين ينجيهم أما الغادرون فيؤخذون بفسادهم."

أن يسلك الإنسان في طريق البر فهو بذلك يضمن أن يكون في أمان، وحتى إن كانت له سقطات وضعفات فالله سيقوم طريقه= بر الكامل يقوم طريقه. أما من يسلك في الشر فستكون عقوبته هي شره نفسه. مثال: الزاني عقوبته أمراض الزنا وفضائح خطيته. والله ينجي المستقيم (استير/ مردخاي/ دانيال.. ) ويسقط الأشرار مكانهم (هامان.. ) ونلاحظ نجاة الشعب من الغرق في البحر الأحمر وغرق المصريين في البحر وهم الأقوي.

 

آية (7): "عند موت إنسان شرير يهلك رجاؤه ومنتظر الآثمة يبيد."

ما هو رجاء الشرير؟ الشرير يأمل في إمتلاك شهوات وغنى هذا العالم، فإذا مات الشرير تهلك شهواته وكل ما اكتنزه على الأرض. ومنتظر الأثمة سيبيد= ما الذي ينتظره الأثيم؟ بنفس المنطق فهو يجري وراء شرور العالم وهي ستبيد بالنسبة للأثيم عند موته، أو ستبيد تماماً عند فناء هذا العالم. إلا أن أصل الكلمة "منتظر الأثمة" يشير للرجاء المؤسس على القوة البشرية ومثل هذا الرجاء لابد وسيخزى ويبيد.

 

آية (8): "الصديق ينجو من الضيق ويأتي الشرير مكانه."

راجع قصة استير ومردخاي وهامان والشعب وفرعون ودانيال ومن وشوا به.

 

آية (9): "بالفم يخرب المنافق صاحبه وبالمعرفة ينجو الصديقون."

المنافق بفمه المعسول يخدع صديقه ويغويه بكلماته فينقاد وراءه وفي هذه الحالة سيخرب المنقاد، أما الذي يعرف الله فسيكتشف خداعات إبليس ومن يعمل إبليس بواسطتهم ويرفض الإنقياد للمنافق فينجو.

 

آية (10): "بخير الصديقين تفرح المدينة وعند هلاك الأشرار هتاف."

الشعب فرح بصعود داود (راجع 1أي12). وفرح الشعب بهلاك أبيمالك (قض9). ولا ننكر أن هناك بعض الأشرار الذين يحسدون الأبرار على نجاحهم. ولكن الكلام هنا عن الأغلبية، فالأغلبية تفرح بنجاح البار، فالرجل الصالح لا يختلف عليه غالبية الناس.

 

آية (11): "ببركة المستقيمين تعلو المدينة وبفم الأشرار تهدم."

ببركة المستقيمين تعلو المدينة= قيل في سيرة الأنبا بولا "السنكسار يوم 2 أمشير" "أنه بصلاته ينزل الرب المطر والندى على الأرض ويأتي بالنيل في حينه". ونلاحظ أنه لو كان قد وُجِدَ في سدوم عشرة أبرار لما كان الله قد أهلك المدينة. بفم الأشرار تُهدم فالشرير بفساده يفسد المدينة كلها ويعلمها الشر فيجلب عليها غضب الله.

 

آية (12): "المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم أما ذو الفهم فيسكت."

ما الموقف الذي يجب أن يتخذه الشخص إن أخطأ إليه أحد؟ هنا موقفين:-

الأول: أن يقابل الإهانة بإهانة ويثور ويحتقر من أخطأ إليه، ولكنه بهذا سيقدم وقوداً لنيران كراهية جديدة. فالردود العنيفة تجلب عنفاً أكثر= المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم.

الثاني: ذو الفهم يسكت= فالمسيح إذ شُتِتمَ لم يكن يشتم عوضاً (1بط23:2). وداود لم يرد على شمعي. وكم من مشكلة انتهت إذ احتمل الإنسان إهانته في صمت.

 

آية (13): "الساعي بالوشاية يفشي السر والأمين الروح يكتم الأمر."

رادع قصة أبو مقار حين ستر على الأخ الزاني.

 

آية (14): "حيث لا تدبير يسقط الشعب أما الخلاص فبكثرة المشيرين."

أحكم الناس يحتاج أن يتشاور مع الآخرين (على أن يكونوا حكماء)، أما أن يعتمد أحد على رأيه الشخصي دون تشاور فهذه حماقة (راجع قصة رحبعام وإنشقاق مملكة إسرائيل).

 

آية (15): "ضرراً يضر من يضمن غريباً ومن يبغض صفق الأيدي مطمئن."

راجع (1:6-5) والمسيح صار ضامناً لعهد أفضل (عب22:7).

 

آية (16): "المرأة ذات النعمة تحصل كرامة والأشداء يحصلون غنى."

قوة الرجل وغناه يكونان لكرامته، وفي المقابل فهدوء المرأة ووداعتها يكونان لكرامتها (أبيجايل/ راعوث). فالمرأة الهادئة الوديعة تكون محل تكريم الجميع.

 

آية (17): "الرجل الرحيم يحسن إلى نفسه والقاسي يكدر لحمه."

الإنسان الرحيم يبتعد عن الانتقام لنفسه وعن المشاكل فيحيا في هدوء، بل هو يهتم بالآخرين، يشفق عليهم ويرحمهم، ومن يهتم بالآخرين يهتم به الله= يحسن إلى نفسه ونرى بركة الله لاسحق (تك26) حين ابتعد عن المنازعات. أما الإنسان القاسي فهو كثير المشاكل وكثير الشجار، يضع نفسه في مشاكل كثيرة بعنفه، وكثرة المشاكل تجعل نفسه دائماً مرة ووجهه مكتئب فهو يجلب أتعاباً على نفسه= يكدر لحمه. الإنسان القاسي يقول أنه يعرف كيف يأخذ حقه بذراعه لذلك يتركه الله لذراعه (يوآب).

 

الآيات (18-21): "الشرير يكسب أجرة غش والزارع البر أجرة أمانة. كما أن البر يؤول إلى الحياة كذلك من يتبع الشر فإلى موته.  كراهة الرب ملتوو القلب ورضاه مستقيمو الطريق. يد ليد لا يتبرر الشرير أما نسل الصديقين فينجو."

الشرير يكسب أجرة غش= أي أجرة الشرير مخادعة فهي ستزول سريعاً، فكل ما يعمله الشرير ويبنيه فكأنه يبني على الرمال، سريعاً ما سينهار مع أول عاصفة. ولقد صوَّر حجي النبي أجرة الشرير كمن يضعها في كيس مثقوب (6:1). والعكس لمن يبني على أساس البر فمكافأته أكيدة. البر يؤول إلى الحياة= فمن يعيش في سلام داخلي تطول أيامه. يد ليد لا يتبرر الشرير= أي لو إتحد الأشرار معاً وتآلفوا فهل تبعد عنهم دينونة الله؟ أو هل هو عذرٌ كافي أن يقول الخاطئ "الكل بيعمل كده"، أو هل يظن الأشرار أن كثرة عددهم ستحميهم من عقاب الله؟! أبداً فأنه لا يتبرر الشرير. ونسل الصديقين فينجو= لأن الله يكرم من أكرموه وسيكون أميناً مع الصديقين فيحفظ أولادهم ويحفظ وعوده، كما فعل مع إبراهيم ونسله (رو28:11). وحفظ الله كرسي يهوذا لأجل داود.

 

آية (22): "خزامة ذهب في فنطيسة خنزيرة المرأة الجميلة العديمة العقل."

فنطيسة= أنف. شئ غير متجانس ويدعو للسخرية أن نضع خزامة ذهب في أنف خنزيرة. وهكذا المرأة الجميلة إذا كانت بلا عقل. والعقل يشمل الحياة الروحية والنعمة والحكمة التي يسكبها الله على أولاده (هكذا كانت أبيجايل).

 

آية (23): "شهوة الأبرار خير فقط رجاء الأشرار سخط."

قلب الأبرار يمتلئ بأفكار مقدسة والله يعطيهم أكثر مما يفتكرون، أما رجاء الشرير= أي ما يأمله ويشتهيه فهو خطايا ونجاسة وسيكون هذا دينونة له.

 

الآيات (24،25): "يوجد من يفرق فيزداد أيضاً ومن يمسك اكثر من اللائق وإنما إلى الفقر. النفس السخية تسمن والمروي هو أيضاً يروى."

قارن مع (2كو6:9،7). فالمحسن يعطي ويزداد. والمحسن هنا تنطبق على النواحي المادية والروحية. فمن يخدم الآخرين ومن يصلي للآخرين يعطي ويزداد.

 

آية (26): "محتكر الحنطة يلعنه الشعب والبركة على رأس البائع."

من يخفي الطعام حتى يرتفع سعره فيغتني على حساب جوع الفقراء بل ربما موتهم (وهكذا كما يحدث أن تخفي صيدلية نوع من الدواء ليرتفع سعره)، أو خادم يخفي بركة أعطاها له الله حتى لا يستخدمها خادم آخر وتنسب له، عموماً كل من يمنع بركة يملك أن يعطيها لمحتاج فلا يعطيها يقطع الله عنه بركاته. والعكس فمن يعطي([‡]) يعطيه الله بكثرة وتظهر بركة الله في حياته= البركة على رأس البائع= على رأسه أي ظاهرة في حياته.

 

آية (27): "من يطلب الخير يلتمس الرضا ومن يطلب الشر فالشر يأتيه."

من يطلب الخير للآخرين يلتمس الرضا من الله، بل يرضى عليه الناس. ومن يطلب الشر للآخرين فالشر يصيبه هو نفسه.

 

آية (28): "من يتكل على غناه يسقط أما الصديقون فيزهون كالورق."

المتكلون على أموالهم (راجع لو18:18-27 + مر24:10 + 1تي17:6-19).

 

آية (29): "من يكدر بيته يرث الريح والغبي خادم لحكيم القلب."

من يكدر بيته= من يتسبب في أن يكون أهل بيته في آلام وضيقات مستمرة بسبب سوء سلوكه أو بتبذير أمواله أو سوء تربيته لأولاده. يرث الريح= أي كمن يصير لا شئ فهو إمتلك هواءً وذلك لأن الكل سينفض عنه يوماً ما. الغبي خادم الحكيم القلب= فمهما ارتفع الغبي وارتفع مقامه، فهو لن يستطيع أن يرتفع أمام من فيه حكمة المسيح (دانيال وبيلشاصر/ بولس وفستوس). وهكذا علينا أن نطيع الله ونخدمه فنحن أمام الله أغبياء وحكمته غير محدودة، فهل نعترض على مشيئته.

 

آية (30): "ثمر الصديق شجرة حياة ورابح النفوس حكيم."

ثمر الصديق شجرة حياة= حياة أولاد الله ورسله وخدامه هي شجرة حياة ثمارها تعطي حياة وإيمان لمن لم يعرف المسيح (أع48:13). فالحكماء الحقيقيين هم مجاري بركة لكل الناس حولهم فيجذبونهم وتكون حياتهم نموذج يحتذى وقدوة تجذب الآخرين. لذلك ينبهنا بولس الرسول بقوله "أنتم سفراء والمسيح يعظ بكم" رابح النفوس= هكذا كان بولس الرسول (1كو19:9-23).

 

آية (31): "هوذا الصديق يجازى في الأرض فكم بالحري الشرير والخاطئ."

هذا النص أخذه بطرس الرسول في (1بط17:4،18) ولكنه أخذه عن الترجمة السبعينية (صلاة الغروب). وقارن مع (لو31:23).


 

الإصحاح الثاني عشر

آية (1): "من يحب التأديب يحب المعرفة ومن يبغض التوبيخ فهو بليد."

من يحب التأديب يطلب الحق ذاته لذلك يقبل أن يتعلم ولكن مدعي المعرفة متكبر يريد أن يظهر ذاته ويتعالى على الآخرين فيرفض التعليم. بليد= بمعنى جاهل وغبي.

 

الآيات (2،3): "الصالح ينال رضى من قبل الرب أما رجل المكايد فيحكم عليه. لا يثبت الإنسان بالشر أما اصل الصديقين فلا يتقلقل."

وجه الرب يضئ على الرجل الصالح ويثبت طريقه ويباركه ويبارك نسله. فلا شئ ثابت في هذا العالم سوى طريق الله الصالح. أما طريق الشر فلا يثبت بل سيدينه الله ويحكم عليه= أي يعلن أنه شرير ويلعنه فيسقط مهما كان نجاحه وقتياً.

 

آية (4): "المرأة الفاضلة تاج لبعلها أما المخزية فكنخر في عظامه."

المرأة الفاضلة= القديسة العفيفة. ومن أعطاه الله زوجة صالحة يكون سعيداً كما لو كان جالساً على عرش فهي ليست أقل من تاج على رأسه.

 

الآيات (5-7): "أفكار الصديقين عدل تدابير الأشرار غش. كلام الأشرار كمون للدم أما فم المستقيمين فينجيهم. تنقلب الأشرار ولا يكونون أما بيت الصديقين فيثبت."

الأفكار الصحيحة تنشئ أقوالاً وأفعالاً صحيحة. والعكس صحيح. والله يجازي أصحاب هذه وتلك بحسب أفكارهم. والشرير بكلامه الشرير عن الأبرياء يكون كمن يكمن للبار ليقتله (إساءة سمعة إنسان هي قتل أدبي له) أما كلام البار عنه فينجيه.

 

آية (8): "بحسب فطنته يحمد الإنسان أما الملتوي القلب فيكون للهوان."

الإنسان الحكيم يكون موضع حمد ومديح الناس.

 

آية (9): "الحقير وله عبد خير من المتمجد ويعوزه الخبز."

هذه الآية ضد التظاهر، فلا معنى لمن ينسب لنفسه ما ليس له. المتمجد= هو الذي يُسَّرْ بمظاهر العظمة والغنى، ربما لأنه ولد في بيت غني ولكن لكسله لا يعمل فيفتقر فهو في حقيقته فقير ولكنه مازال مصراً على المظهرية، هذا أفضل منه الفقير القادر أن يعول نفسه بعمله بل استطاع أن يقتني خادماً يساعده وفي عمله.

 

آية (10): "الصديق يراعي نفس بهيمته أما مراحم الأشرار فقاسية."

الصديق= كلما كان الإنسان باراً سائراً في طريق الله فهو يتشبه بالله، أو يستعيد الصورة التي خلقه الله عليها أي صورته (غل19:4) ومن يتشبه بالله يصير رحيماً حتى على الحيوانات. ونلاحظ أن القسوة والإثم يسيران معاً. مراحم الأشرار قاسية= الشرير حتى لو أراد أن يمارس الرحمة يكون عمله قاسياً. ونلاحظ هذا مثلاً مع بيلاطس الذي إذ أراد أن يرحم المسيح قال أؤدبه وأطلقه وهو يعلم أنه برئ.

 

آية (11): "من يشتغل بحقله يشبع خبزاً أما تابع البطالين فهو عديم الفهم."

هنا مقارنة بين من يجتهد ويعمل وبين من يضيع وقته وراء أشياء لا قيمة لها. وتنطبق الآية على من يجاهد روحياً في الحياة الحاضرة وأن ذلك أفضل من السعي وراء ملذات العالم.

 

آية (12): "اشتهى الشرير صيد الأشرار واصل الصديقين يجدي."

الشرير يشتهي خطايا الأشرار. أما الصديق فيثق في الله ثقة مقدسة ويتمنى أن يكون شجرة مفيدة بثمارها لكل إنسان. يجدي= يكون كشجرة مثمرة (ترجمة أخرى).

 

آية (13): "في معصية الشفتين شرك الشرير أما الصديق فيخرج من الضيق."

الشرير يؤخذ بأقوال فمه التي تكون له كشرك، فالله يتركه يسقط بسبب أقواله الباطلة في شرور كثيرة تصيبه. أما الصديق في يوم ضيقه يجد الله له مخلصاً قوياً.

 

آية (14): "الإنسان يشبع خيراً من ثمر فمه ومكافأة يدي الإنسان ترد له."

هنا يحثنا الحكيم على أن تكون أقوالنا وأعمالنا جيدة لكي يكافئنا الله. وهنا يشبه الحكيم كلام الإنسان بالبذور التي تبذر، فإن كان كلامه صالحاً فسيجني ثماراً مماثلة. ومكافأة يدي الإنسان ترد له= هنا يتكلم عن الأعمال، فإن كانت أعمالنا صالحة نجني صلاحاً.

 

الآيات (15،16): "طريق الجاهل مستقيم في عينيه أما سامع المشورة فهو حكيم. غضب الجاهل يعرف في يومه أما ساتر الهوان فهو ذكي."

هنا صفتين للجاهل [1] هو حكيم في عيني نفسه، متكبر، واثق من نفسه، يرفض أن يتعلم [2] الصفة الثانية أنه سريع الإنفعال لا يحتمل أخطاء الآخرين بل يندفع بأقوال صعبة فيخطئ= غضبه يعرف في يومه. فالحكيم يسيطر على غضبه أما الأحمق فيسيطر عليه غضبه. أما الحكيم فهو يضبط نفسه إذا أثير أو أهين، بل هو يستر على أخطاء الآخرين مثل سام ويافث اللذان سترا أبيهما. ساتر الهوان= ساتر الفضيحة. فالحكيم هو مثل كل إنسان، إذا أهين فمن المؤكد أنه سيثور ولكنه سيكتم ثورته ولا يظهر غضبه، بل يتحكم فيه، فيكون قلبه ثائراً ولكنه يضبط لسانه. وهو إذا أهين لا يتكلم كثيراً عن جرحه وإهانته بل يخفي ما حدث حتى لا تتضاعف أحزانه.

 

الآيات (17-22): "من يتفوه بالحق يظهر العدل والشاهد الكاذب يظهر غشاً. يوجد من يهذر مثل طعن السيف أما لسان الحكماء فشفاء. شفة الصدق تثبت إلى الأبد ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة العين. الغش في قلب الذين يفكرون في الشر أما المشيرون بالسلام فلهم فرح. لا يصيب الصديق شر أما الأشرار فيمتلئون سوءاً. كراهة الرب شفتا كذب أما العاملون بالصدق فرضاه."

نجد هنا مقارنة بين شفتي الصدق واللسان الكاذب. فالقول الحق يظهر أن قلب صاحبه مستقيم. أما الإنسان الذي يمتلئ قلبه حقداً تكون أقواله جارحة كالسيف يطعن القلوب الحساسة. وأيضاً من يغتاب الآخرين يكون كمن يطعنهم. ففي آية (17) يتكلم عن الشهادة الصادقة وأنها تصرح بالحق وفي (18) يتكلم عن الحاد اللسان والرقيق اللسان وفي (19) مصير كل نوع من الشفاه وفي (20) نرى أن الغش مصدره القلب والفكر أولاً أما المشيرون بالسلام فلهم فرح= طوبى لصانعي السلام. وفي (21) مصير البار ومصير الشرير.

 

آية (23): "الرجل الذكي يستر المعرفة وقلب الجاهل ينادي بالحمق."

الرجل الذكي لا يتكلم كثيراً عن نفسه، ولكنه يتكلم إذا وجد أن هناك حاجة لتعليمه ويتكلم لا ليعلن عن نفسه بل ليشهد للحق. أما الأحمق فيتكلم كثيراً وكلما تكلم يفضح نفسه.

 

آية (24): "يد المجتهدين تسود أما الرخوة فتكون تحت الجزية."

هذه الآية حث على الجهاد. فالمجتهد يده تسود وهو يعيش حراً لا يخضع لغيره أما الكسلان فسيصير فقيراً ويسود عليه المجتهد فيصير عبداً له يدفع له الجزية.

آية (25): "الغم في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيبة تفرحه."

الكلام الطيب مصدر تعزية. لذلك يجب أن يكون كلامنا مملوء عطفاً على الناس حتى لا نكون سبباً في غمهم وألمهم، ومع كل مكسور القلب يجب أن نستخدم كلمة الله المعزية.

 

آية (26): "الصديق يهدي صاحبه أما طريق الأشرار فتضلهم."

الإنسان القديس بقدوته وكلماته يرشد ويهدئ أصدقائه والشرير يُعْثِرْ الآخرين.

 

آية (27): "الرخاوة لا تمسك صيداً أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد."

حث على الاجتهاد. فالكسلان يموت جوعاً ولا يجتهد ليصيد صيدً فيأكل.

 

آية (28): "في سبيل البر حياة وفي طريق مسلكه لا موتفي سبيل البر حياة وفي طريق مسلكه لا موت."

سبيل البر= سبيل القديسين كله حياة ويؤدي للحياة. هذه الآية هي دعوة لكل واحد أن يختار طريق الله فيضمن حياة لنفسه. وهذا هو الطريق الذي سلكه قبلنا أباؤنا القديسين والشهداء فصاروا أنواراً وكانت حياتهم هنا على الأرض أفضل ولهم الآن حياة في السماء.


 

الإصحاح الثالث عشر

آية (1): "الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه والمستهزئ لا يسمع انتهاراً."

الحكمة الحقة أن يقر الابن أن أباه الأكثر خبرة هو أكثر حكمة (قارن مع 1:12).

 

آية (2): "من ثمرة فمه يأكل الإنسان خيراً ومرام الغادرين ظلم."

من ثمرة فمه= أي أن من يزرع خيراً في أقواله يشبع خيراً من ثمار زرعه. مرام الغادرين ظلم= أي شهوة الغادرين إرتكاب الظلم. والغادر هو المتمرد على الله وهو يشتهي أن يشبع من ثمار ظلمه.

 

آية (3): "من يحفظ فمه يحفظ نفسه من يشحر شفتيه فله هلاك."

يحفظ فمه= يضبط أقواله ويفكر مرة ومرتين قبل أن يتكلم. يشحر بشفتيه= أي يفتح شفتيه واسعتين متهوراً في كلامه، أو ساخراً ممن أمامه بطريقة هازئة مبتذلة، متكلماً بكبرياء مهدداً أو متوعداً وربما لا يكون له قدرة على التنفيذ. وعن ضبط اللسان والفم (راجع يع3). ومثال لضبط اللسان نجد داود وعكسه شمعى مثال لمن يشحر بشفتيه. قال أحدهم أن الله خلق لنا عينان لنرى كثيراً وأذنان لنسمع كثيراً ولسان واحد لنتكلم قليلاً.

 

آية (4): "نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها ونفس المجتهدين تسمن."

هي حث على الجهاد. وروحياً من لا يجتهد في طريق الله لن يعرف لذة هذا الطريق.

 

الآيات (5،6): "الصديق يبغض كلام كذب والشرير يخزي ويخجل. البر يحفظ الكامل طريقه والشر يقلب الخاطئ."

الصديق يبغض كلام الكذب والضلال والزيف فهو داخلياً يدين هذا. الشرير يخزى= الشرير بكثرة كذبه يصير مكروهاً بل يُخْجِلْ من يعرفه، بل حين يفتح الله عينيه يكره هو نفسه ويخجل من نفسه. أما الكامل فبره يحفظه من كل مؤامرات وخداعات إبليس.

 

آية (7): "يوجد من يتغانى ولا شيء عنده ومن يتفاقر وعنده غنى جزيل."

الحكيم هنا يهاجم النفاق، فالفقير الذي يدَّعي الثراء ليجد التوقير الذي يلقاه الغني. والغني الذي يدعي الفقر خوفاً من الحسد أو أن يطالبه أحد بشئ. كلاهما كاذبين. والغني ليس مطالباً أن يكشف للناس عن ثروته ولكن في نفس الوقت لا يُقْبَل أن يجلس وسط الناس مدعياً الفقر وأنه لا يملك شئ. والآية تفهم بطريق آخر أيضاً فالفقير الذي يريد أن يعيش على مستوى الأغنياء يضر نفسه ويتسبب في خراب بيته. والغنى الذي أعطاه الله لكنه يحيا في بخل وشح هو يحرم عائلته من بركات أعطاها لهم الله. وتفهم الآية روحياً بأن هناك أشرار (فقراء روحياً) لكنهم يدعون التدين. وهناك من أعطاهم الله كثيراً ولكنهم في صغر نفس يرفضون الخدمة (كما رفض موسى أن يذهب أولاً فغضب الله عليه).

 

آية (8): "فدية نفس رجل غناه أما الفقير فلا يسمع انتهاراً."

هنا الحكيم يشرح أنه كما أن للغني مميزاته فالفقير أيضاً له مميزاته. فالغني قد يستفيد من غناه ليدفع فدية (الفدية تدفع حتى يتركونه حياً أو يتركوا أملاكه ولا ينهبونها) أما الفقير فلا يوجد من يهدده أو يضايقه بل يحيا في سلام فلا يوجد عنده ما يخاف عليه. فلا يجب أن يحسد الفقير غنياً على غناه، فغناه قد يكون سبباً أن يطمع فيه الناس فيتعرض للخطر.

 

آية (9): "نور الصديقين يفرح وسراج الأشرار ينطفئ."

الصديق المملوء بالروح القدس هو كالمصباح المملوء بالزيت (زيت النعمة) وهذا يكون منيراً، هو يفرح (ثمار الروح فرح) ويفيض على الآخرين فيفرح من حوله. وأفراح الصديقين أكيدة مثل نور الشمس، قد تحيط بها السحب إلى حين ولكنها لابد وستظهر أما الشرير فحتى لو أضاء للحظة سراجه فلابد وسينطفئ، ففرح الشرير يهرب منه ولابد أن يتحول إلى حزن، فأفراح الأشرار هي من صنعهم، مصباحهم هم أضاءوه وليس الله، إذاً لا يثبت.

 

آية (10): "الخصام إنما يصير بالكبرياء ومع المتشاورين حكمة."

التمسك بالكرامة بحماقة يسبب نزاع بلا حل، أما الوداعة فهي سريعاً ما تبطل الخصام (مثال جدعون مع أهل أفرايم). المتشاورين= هم من يقبلون أن يسمعوا المشورة، ولا يتخذون قراراً بإندفاع، بل يسمعون في وداعة وتواضع (وتنطبق على من يسمع وصية الله).

 

آية (11): "غنى البطل يقل ولجامع بيده يزداد."

غنى البطل= الثروة المحصلة بالباطل وبغير حق تكون بلا بركة. الجامع بيده= من يعمل بكده.

 

آية (12): "الرجاء المماطل يمرض القلب والشهوة المتممة شجرة حياة."

الرجاء المماطل= ما يؤذي النفس أنها تشتهي ولا تجد تحقيقاً لرغباتها (يع1:4-3) وكلما كان الرجاء في شئ شبه أكيد ثم لا يتحقق بقدر ما تكون آلام النفس= يمرض القلب والعكس لو تمت شهوة إنسان، أي لو اشتهى وتمنى شيئاً وناله= الشهوة المتممة فهذا يكون له كمصدر حياة يحيي موات نفسه. لذلك كل من يضع ثقته ورجاؤه في هذا العالم الباطل الزائل سيخزى حين يبيد العالم، أما من وضع رجاؤه في المسيح وفي نصيبه في السماء فسيجد المسيح له شجرة حياة ويكون هو نصيبه الأكيد.

 

آية (13): "من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه ومن خشي الوصية يكافأ."

من ازدرى بالكلمة= فرعون إزدرى بكلام موسى، وأربعة ملوك يهوذا الأواخر إزدروا بكلام أرمياء. وماذا كان نصيب كل منهم= يخرب نفسه. وهكذا كل من يزدري بكلمات النصح الحكيمة.

 

آية (14): "شريعة الحكيم ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت."

شريعة الحكيم= تترجم الشريعة للحكيم ينبوع حياة= الكتاب المقدس وتعليم الكنيسة من يطيعهما يحفظ نفسه من حيل إبليس التي هي أشراك الموت.

 

آية (15): "الفطنة الجيدة تمنح نعمة أما طريق الغادرين فاوعر."

طريق القديسين ليس فقط حلو في نهايته بل هم يعيشون في سلام أثناء حياتهم على الأرض، والقديسين كانت لهم فطنة جيدة إذ اختاروا هذا الطريق. هؤلاء يكونون مقبولين عند الله والناس، في سلام مع الله ومع الناس. أما الشرير فطريقه إلى جهنم مفروش أيضاً بالأشواك التي هي ثمر شره وخطاياه.

 

آية (16): "كل ذكي يعمل بالمعرفة والجاهل ينشر حمقاً."

الذكي= هو من يطيع وصايا الله فيمتلئ حكمة، وهذا يتشاور ويأخذ قراره بهدوء. أما الجاهل فهو مندفع ولا يتشاور وينشر حمقاً= أي يكتشف الناس حماقته أينما ذهب. معدن كلاهما يظهر للناس.

 

آية (17): "الرسول الشرير يقع في الشر والسفير الأمين شفاء."

هنا مقارنة بين رسول أمين جدير بالثقة ويعتمد عليه وبين رسول لا يعتمد عليه. فالرسول الشرير هو من يذهب ليتفاوض بالنيابة عمن أرسله فيفشي سره ويفسد صفقة صاحبه أما الرسول الأمين في إرساليته فشفاء= أي يضمن نجاح من أرسله في مأموريته. الأول يتسبب في زيادة النزاع والثاني يصلح بين الأطراف. وكل رسل وخدام المسيح يجب أن يكونوا رسلاً أمناء "نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا" حاملين كلمات المسيح التي فيها شفاء للمتألمين.

 

آية (18): "فقر وهوان لمن يرفض التأديب ومن يلاحظ التوبيخ يكرم."

المتواضع الذي يقبل التعليم يكون هذا لكرامته.

 

آية (19): "الشهوة الحاصلة تلذ النفس أما كراهة الجهال فهي الحيدان عن الشر."

الله أعطانا أن تكون لنا شهوات مقدسة تجاهه ومن يحصل عليها يجد لذة وفرح (مز6:4،7). وما أحلى أن تكون لنا شهوة مقدسة وتتحقق فالشهوة الحاصلة تلذ النفس= أي الرغبة متى تمت تكون سبباً للذة النفس. أما الجهال فيكرهوا أن يتركوا شرورهم أو يحيدوا عنها فهم لا يشتهون سوى إرضاء غرائزهم لذلك لا يعرفون الفرح الحقيقي.

 

آية (20): "المساير الحكماء يصير حكيماً ورفيق الجهال يضر."

يعرف الإنسان من أصدقائه، فمن يصادق حكماء يصير مثلهم والعكس (رحبعام كمثال).

 

الآيات (21،22): "الشر يتبع الخاطئين والصديقون يجازون خيراً. الصالح يورث بني البنين وثروة الخاطئ تذخر للصديق."

نرى هنا مجازاة الله العادلة فالشر يتبع الشرير. بل تظهر بركة الله مع الصديق حتى أجيال بني بنيه، فثروته لا تتبدد بل تنتقل إلى بني بنيه. والصالح يورث بني بنيه ليس فقط أموالاً وممتلكات بل صلاحاً وخيراً وتعاليم صالحة ووصاياه (بنى ركاب أر35) أما الشرير فسرعان ما يخسر ما جمعه بل يذهب لأيدي الصديق الأكثر أمانة (مز17:103).

 

آية (23): "في حرث الفقراء طعام كثير ويوجد هالك من عدم الحق."

الفقير المجتهد ينال ثمرة تعبه. وهكذا روحياً فمن يجاهد كثيراً يأخذ كثيراً ومن يزرع بالشح فبالشح يحصد. ومن له وزنات قليلة مع اجتهاده يصير له كثير، هو كان أميناً على القليل فأقامه الله على الكثير. فالفقير المجتهد ويسلك بأمانة يكسب ويكون له الكثير والعكس فمن لا يسلك بالحق يخسر ما عنده.

 

آية (24): "من يمنع عصاه يمقت ابنه ومن احبه يطلب له التأديب."

ليس من المحبة أن يترك الأب ابنه بلا تأديب، فتنمو في داخله ميول ونوازع خاطئة تسبب له خراب في المستقبل، وتأديب الابن الصغير أسهل من تقويم الكبير فالغصن الرخص أي الذي مازال أخضراً يسهل ثنيه (قبل أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر).

 

آية (25): "الصديق يأكل لشبع نفسه أما بطن الأشرار فيحتاج."

الصديق قد يكون له قليل ولكنه يشبع لأنه له بركة. وهذا عكس الأشرار فهم بلا بركة ودائماً يشعرون بعدم الشبع. ونلاحظ النهاية فالغني اشتهى قطرة ماء وهو في الجحيم.


 

الإصحاح الرابع عشر

آية (1): "حكمة المرأة تبني بيتها والحماقة تهدمه بيدها."

المرأة الحكيمة بقدوتها الصالحة تبنى بيتها وتكون الحياة العائلية مستقرة في بيتها. والعكس.

 

آية (2): "السالك باستقامته يتقي الرب والمعوج طرقه يحتقره."

السلوك العملي يُظهر حقيقة ما في القلب (1يو6:2 + 1صم2:12-5). فمن يسلك باستقامة هو إنسان يتقي الله في قلبه ويكرمه والعكس صحيح.

 

آية (3): "في فم الجاهل قضيب لكبريائه أما شفاه الحكماء فتحفظهم."

كلام الجاهل مملوء كبرياء وأخطاء تدينه. وكلامه هذا يكون كقضيب يضرب الآخرين ويؤذيهم ولكنه في نفس الوقت هو قضيب تأديب لهذا الجاهل (مز8:64 + دا 8:7،11،25،26).

 

آية (4): "حيث لا بقر فالمعلف فارغ وكثرة الغلة بقوة الثور."

إهمال الزراعة طريق للفقر، وهناك من يبيع بقره لأنه يسبب قذارة في المذاود وهو يريدها نظيفة. وهكذا من يهمل خدمته فلن يجد مخدومين، أو من يطرد من الخدمة كل خاطئ مشاغب دون أن يصبر على خدمته. أما الخادم القوي الذي كالثور تكون له غلة وثمار كثيرة، فالخدمة القوية التي تشبع النفوس تجمع الشعب حولها. المعلف فارغ= أي لا شعب ونلاحظ أن الندرة شبهت بنظافة الأسنان [عا6:4 (أي لا طعام)].

 

آية (5): "الشاهد الأمين لن يكذب والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب."

علينا أن نشهد بكلمة الله فهي الحق. ويا حبذا لو كانت الشهادة عملية بطاعتنا للوصية.

 

آية (6): "المستهزئ يطلب الحكمة ولا يجدها والمعرفة هينة للفهيم."

المستهزئ= هو يبحث عن الحقيقة ولا يجدها، فهو يسأل ليسخر لا ليتعلم، مثل من كانوا يسألون المسيح ليوقعوا به لا ليتعلموا "لمن نعطى الجزية لله أم لقيصر" + (لو8:23). وهكذا كان أغسطينوس أولاً يقرأ ليحكم هو على الكتاب المقدس لذلك لم يستفد شيئاً بل قال وجدته مثل كتب شيشرون الفيلسوف إن لم يكن أقل. وبعد هذا عرف أغسطينوس قيمة الكتاب المقدس فكان يقرأ وهو يبكي وقال "حينما تقرأ الكتاب المقدس وأنت فوقه أي لتحكم عليه لن تفهمه وإذا قرأته وأنت تحته أي بتواضع لكي تتعلم حينئذ ستفهمه" فتشامخ الساخر لن يترك له مجالاً لمخافة الرب. ولكن من يطلب الله بإخلاص يسهل عليه الفهم (مت11:13،15).

 

آية (7): "اذهب من قدام رجل جاهل إذ لا تشعر بشفتي معرفة."

إذا اكتشفت أن أمامك رجل جاهل، فكلامه تافه فإهرب من صحبته لئلا يصيبك ضرر منه. فالمتمسك بحماقته وخطيته لا يجدي معه حوار (تي10:3،11).

 

آية (8): "حكمة الذكي فهم طريقه وغباوة الجهال غش."

الحكيم يعرف طريقه ويعرف كيف يدبر أموره حسناً فله حكمة تقوده في طريقه. والمسيحي يعرف هدف رحلة حياته ويعرف خطواته التي تقوده للسماء. أما غباوة الجاهل فتضلله وبالتالي لن يعرف طريقه فيخرب وبينما هو يظن أنه يعرف الطريق يخدع نفسه= غباوة الجهال غش= فقلب الجاهل ضال كله وعلى شفتيه غش وخديعة فيحرمه الله من حكمته فيضل نفسه ويغش نفسه.

 

آية (9): "الجهال يستهزئون بالإثم وبين المستقيمين رضى."

الجهال يستهزئون بالإثم= كلمة الإثم تعني أيضاً ذبيحة الإثم. فالجاهل يتمادى في خطيته مستهيناً بنتائجها ولا يطلب أن يقدم ذبيحة إثم غير مؤمن بقوتها على الغفران، بل هو يسخر ممن يقدمون ذبائح إثم "وهكذا كلمة الصليب عند الهالكين جهالة" (1كو18:1) ومثل هذا لو أخبرته عن مصير الخاطئ يهزأ بما تقول. والعكس فبين المستقيمين رضى= أي الله يقبلهم ويسكب عليهم من رضاه فيعيشون في سلام وحب مع الله ومع الناس.

 

آية (10): "القلب يعرف مرارة نفسه وبفرحه لا يشاركه غريب."

القلب وحده يعلم حال الإنسان (1كو11:2) لذلك لا نحاول أن نهزأ بآلام وأحمال الآخرين فنحن لا نعرف مشاعرهم. وهكذا الأفراح الروحية لا يعرفها سوى من يختبرها.

 

آية (11): "بيت الأشرار يخرب وخيمة المستقيمين تزهر."

لاحظ أن يعطي للأشرار بيت ويعطي للمستقيم خيمة. والخيمة هي إشارة لحياة الغربة التي يحياها الصديق. أما الشرير فهو بأوهامه في ثبات هذا العالم وسعيه الدائم لإرضاء شهواته وزيادة غناه كأنه سيحيا للأبد فهو يظن أنه سيبني بيتاً ولكنه يبنيه على الرمال "في هذه الليلة تؤخذ نفسك.. فهذه التي أعددتها لمن تكون". ومع هذا فما تصوره الشرير بيتاً وهو أكثر ثباتاً من الخيمة سيخرب وأما خيمة ([§]) البار فتزهر ببركة الله.

 

آية (12): "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت."

هناك طريق واحد عاقبته الحياة وهو المسيح، أما الإنسان الجسداني فيري في كثرة المال وفي إرضاء شهواته أن هذا هو الطريق الصحيح ولكن نهايته الموت.

 

آية (13): "أيضاً في الضحك يكتئب القلب وعاقبة الفرح حزن."

المقصود هنا أفراح العالم وملذاته.

 

آية (14): "المرتد في القلب يشبع من طرقه والرجل الصالح مما عنده."

المرتد هو من كان يحيا مع الله ثم إرتد لمحبة العالم (ديماس). والمرتد في قلبه= ليس هو من يسقط عن ضعف ثم يتوب ولكن هو من أحب الخطية بقلبه وصار يشرب الإثم كالماء وصار إنساناً جسدانياً يشبع من شهواته، هو يجري وراءها ويظن أن فيها شبعه. أما الرجل الصالح يشبع مما عنده= الرجل الصالح له المسيح فهو عنده الشبع الروحي داخلياً وهو شبعان من فرحه الداخلي القلبي. الله يرضى عليه فهو يخاف أن يخالف وصاياه. ولسانه وأعماله يتفقان مع قلبه وهذا تكون له شهادة الروح القدس داخله أن طريقه صحيح.

 

آية (15): "الغبي يصدق كل كلمة والذكي ينتبه إلى خطواته."

الغبي يصدق كل شئ حتى لو دعاه آخر لإنكار وجود الله أما الذكي عنده كلمة الله يحكم بها.

 

آية (17): "السريع الغضب يعمل بالحمق وذو المكايد يشنأ."

السريع الغضب يتصرف بحماقة. ذو المكايد يُشنأ= أي يكرهه الناس ويمقتنونه.

 

آية (18): "الأغبياء يرثون الحماقة والأذكياء يتوجون بالمعرفة."

للأسف كلنا ورثنا الحماقة من أبوينا الأولين (الخطية) وبالمسيح صرنا نتوج بالحكمة.

 

آية (19): "الأشرار ينحنون أمام الأخيار والآثمة لدى أبواب الصديق."

الأشرار بعد أن قضوا جزء من حياتهم يتنعمون بملذات الجسد رافضين طريق الله، إذ بهم يفقدون كل شئ (الابن الضال كمثال). بل يسجدون للرجل الصالح الذي لن يفتقر أبداً (مز37 كله وبالذات آية 35).     وقارن مع (رؤ9:3). ونلاحظ أن العذارى الجاهلات أتين للعذارى الحكيمات يطلبن زيتاً في نهاية أيامهن.

 

الآيات (20،21): "أيضاً من قريبه يبغض الفقير ومحبو الغني كثيرون. من يحتقر قريبه يخطئ ومن يرحم المساكين فطوبى له."

طبيعة أهل العالم احترام الأغنياء واحتقار الفقراء وهذا خطأ (يع5:2).

 

آية (22): "أما يضل مخترعو الشر أما الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير."

يخترع شر= من يدبر شر ضد الآخرين، يخطئ خطأ شنيع. من لا يخطئ فقط بل يخترع الشر فعدالة الله لن تتأخر عن أن تعاقب، أما من يخترع الخير ويوصي به ويصنعه للآخرين فالله يمنحه الرحمة والحق يهديانه.

 

آية (23): "في كل تعب منفعة وكلام الشفتين إنما هو إلى الفقر."

في كل تعب منفعة= أي العمل المنتج نافع. بل من يعمل لن يجد الوقت للباطل. وكلام الشفتين= الافتخار الباطل الأحمق أو مجرد الكلام بدون عمل أو النميمة. وروحياً فمن يجاهد ولا يتكلم عن نفسه ينتفع ومن يتكلم كثيراً عن جهاده وعمله يضيع كل شئ.

 

آية (24): "تاج الحكماء غناهم تقدم الجهال حماقة."

الحكماء دائماً أغنياء حتى لو كانوا فقراء في المال. أما الجاهل فلو كان غنياً في المال فحماقته تضيعه (نابال كمثال). والجاهل يستخدم ثروته استخداماً سيئاً يظهر حماقته. تاج الحكماء غناهم= أما لو كان الحكيم غنياً فهو يجيد استخدام ثروته وتصير ثروته أو غناه تاجاً له وتعطيه كرامة، وبماله يكرم الله ويكرم عبيد الله فيكون هذا لمدحه.

 

آية (25): "الشاهد الأمين منجي النفوس ومن يتفوه بالأكاذيب فغش."

الشاهد الأمين= هو من يشهد للحق فيخلص الأبرياء من الاتهامات الظالمة. ومن يقول أكاذيب يغش الناس ويفسد أحكامهم فيدينوا الأبرياء ظلماً. ومن هنا نفهم لماذا قيل عن المسيح أنه الشاهد الأمين (رؤ14:3) فهو منجي ومخلص النفوس وعكس هذا فإبليس غشاش وكذاب وأبو الكذاب ولا يطلب سوى هلاك النفوس. وكل خادم أمين للمسيح يشهد له بأمانة في حياته يشهد للمسيح ويرفض الخطية.

 

الآيات (26،27): "في مخافة الرب ثقة شديدة ويكون لبنيه ملجأ. مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت."

مخافة الرب هي الأساس المبني عليه هذا السفر، ومنها كل الحكمة. ومن يتعلم مخافة الرب يجد الله ملجأ له يثق فيه ويجد الله ينبوع حياة وفرح دائم، وحتى بنيه لن يعدموا الخير وسيكون الله ملجأ لهم. وتكون له رؤية يرى بها الأشراك المنصوبة له فيهرب.

 

آية (28): "في كثرة الشعب زينة الملك وفي عدم القوم هلاك الأمير."

سليمان يرى أن الملك يفتخر ليس بحروبه التي فيها هلاك شعبه ولكن بزيادة شعبه وحياتهم في سلام في مملكة آمنة مستقرة يلجأ لها الآخرون ليحتموا بها. وهكذا مملكة المسيح.

 

آية (29): "بطيء الغضب كثير الفهم وقصير الروح معلي الحمق."

قصير الروح= سريع الغضب والتهيج. معلى الحمق= أي تظهر وتتجلى وتعظم حماقته. فهو لا يقبل الكلام الواضح أنه حق وعدل بسبب هياجه. أما ابن الله المتضع الوديع الذي يتسامح مع أخطاء الآخرين فهو يعرف كيف يتعلم من المسيح فيصير حكيماً، وله المقدرة أن يتحكم في روحه ويضبط نفسه ويكشف عن فهم كثير للأمور.

 

آية (30): "حياة الجسد هدوء القلب ونخر العظام الحسد."

نجد هنا أن الحسد يتعارض مع هدوء القلب. وهنا يظهر كيف أن حالة القلب الداخلية تؤثر على الحياة كلها وعلى صحة الجسد. فالقلب المملوء حباً وسلاماً يكون صاحبه في صحة جيدة، أما الذي يعيش على الحسد والغيظ فيستهلك صحة جسده= نخر العظام.

 

آية (31): "ظالم الفقير يعير خالقه ويمجده راحم المسكين."

من يقسو على فقير كأنه يعير الله الذي خلقه هكذا (المسيح يسمى الفقراء إخوته).

 

آية (32): "الشرير يطرد بشره أما الصديق فواثق عند موته."

الشرير بسبب شره يطرد من العالم إلى جهنم عند موته. والشرير لمحبته وتمسكه بالعالم يكون عند موته كمن يُطرد منه فهو لا يريد أن يتركه. ويكون شره هو العاصفة التي تحمله من هذا العالم. وأما الصديق فيشتهي إنتقاله "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح" ويكون مثل إسطفانوس في سلام عند رجمه طالباً المغفرة لمن يرجمه. فواثق عند موته= تترجم له رجاء عند موته وهذا عمل الروح القدس داخل القلب.

 

آية (33): "في قلب الفهيم تستقر الحكمة وما في داخل الجهال يعرف."

تصرفات كل من الحكيم والجاهل تكشف ما في باطنهما. ولكن الحكيم يخفي حكمته في داخله ولا يتكلم كثيراً. والجاهل بكلامه الكثير يكشف جهله= يُعرف.

 

آية (34): "البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية."

كم من أمة هلكت بسبب خطاياها (بابل/ أشور/ إسرائيل/ سبي يهوذا.. ) وعلى العكس فتوبة نينوى أنقذتها. ولنقارن بين ازدهار مملكة يهوذا أيام داود وسليمان وانتكاسها أيام يهوياقيم وأحاز وصدقيا.

 

آية (35): "رضوان الملك على العبد الفطن وسخطه يكون على المخزي."

نجد أن فرعون أعجب بحكمة يوسف فرفعه ونبوخذ نصر أعجب بحكمة دانيال فرفعه أما هامان فهلك بسبب حماقته. والله ملك الملوك سيكافئ من يسلك بحكمة (قداسة) ويجازي الجاهل الأحمق الذي يصر على خطيته.


 

الإصحاح الخامس عشر

الآيات (1،2): "الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط. لسان الحكماء يحسن المعرفة وفم الجهال ينبع حماقة."

الكلمة الرقيقة اللطيفة تكسر حدة أسوأ الناس خلقاً وأشدهم غضباً. راجع (قض1:8-3 جدعون مع إفرايم + 1:12-6 يفتاح مع إفرايم). والعكس فكلمة جارحة قد تفقد أعز الأصدقاء محبتهم وصداقتهم. الكلمة اللطيفة هي كإلقاء ماء على النار أما كلمات الهياج فهي كإلقاء بنزين على النار. ومقابلة هياج الثائر بهدوء هو منتهي الحكمة ويحتاج قوة روحية. أما رد الإهانة بإهانة فهو سهل ولكنه يشير لأن الإنسان لم يتعلم كيف يتحكم في نفسه. والحكيم يعرف متى يتكلم ومتى يسكت، أما الجاهل فهو متحفز دائماً للكلام ولجواب أي سؤال. ونلاحظ أن الكلام العنيف يولد كلاماً عنيفاً.

 

آية (3): "في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين."

عينا الرب على كل طرق الإنسان [1] تعطي اطمئنان فهو الأب الراعي [2] تعطي خوفاً من الخطية فهو يرى.

 

آية (4): "هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق في الروح."

اللسان الهادئ الحلو يوحد ويربط الناس ويفرحهم والعكس فاللسان المعوج زارع خصومات. اللسان الهادئ يفرح القلوب الحزينة ويعزيها= شجرة حياة. وأما اللسان المعوج سحق في الروح سحق تعنى جرح للسامع. وقد تكون أيضاً جرح لضمير المتكلم إذا شعر بذنبه فيما بعد. كم من قلوب انسحقت بكلمات الأشرار وكم من أرواح انسحقت بعثراتهم.

 

آية (5): "الأحمق يستهين بتأديب أبيه أما مراعي التوبيخ فيذكى."

الأحمق يظن أنه يعرف أكثر من أبيه.

 

آية (6): "في بيت الصديق كنز عظيم وفي دخل الأشرار كدر."

نجد هنا البركة للصديق واللعنة للشرير. ومن يملك قليل مع إحساس بالقناعة والرضى فكأنه يملك الكثير وسيفرح بالقليل الذي له. أما بيت الشرير مهما اغتنى فيسوده الحزن.

 

آية (7): "شفاه الحكماء تذر معرفة أما قلب الجهال فليس كذلك."

الحكيم مصدر معرفة وبركة لكل من يسمعه أما الجاهل فلا يستطيع ولا يملك أن ينشر معرفة.

 

الآيات (8،9): "ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته. مكرهة الرب طريق الشرير وتابع البر يحبه."

هذه ضد العبادة الظاهرية. فالله لا يطلب عطية أو ذبيحة بل يطلب القلب لذلك فالله يفرح بمجرد صلاة الأبرار وإتصالهم به. والله لا يهتم بثمن العطية بل بعلاقة الإنسان به وتجاوب قلوبنا مع عمل روحه القدوس.

 

الآيات (10-12): "تأديب شر لتارك الطريق مبغض التوبيخ يموت. الهاوية والهلاك أمام الرب كم بالحري قلوب بني آدم. المستهزئ لا يحب موبخه إلى الحكماء لا يذهب."

الله الذي يعلم كل شئ، وكل شئ مكشوف أمامه حتى الهاوية والهلاك مكاني الانتظار للأبرار والأشرار، هكذا قلوب البشر. ولأن الله يعلم ما في القلوب فهو يؤدب المرتد لتقويمه وتأديبه. والصديق يقبل تأديب الرب. أما المستهزئ فيرفض تأديب الرب بل هو يتجنب الحكماء لكي لا يسمع أي توبيخ على طرقه الشريرة ويكون هذا لهلاكه وموته. الهاوية والهلاك= شيول وأبدون بالعبرية. شيول مكان إنتظار الأبرار (الهاوية) وأبدون مكان إنتظار الأشرار (الهلاك) وهي أماكن غير مرئية للبشر. ولكن هي أماكن للأرواح. وقد أطلق اسم أبدون على إبليس في (رؤ11:9).

 

آية (13): "القلب الفرحان يجعل الوجه طلقا وبحزن القلب تنسحق الروح."

لماذا نحزن بينما نحن قادرين أن نلقي كل أحمالنا على الله، فلا شئ يسحق الروح مثل الحزن المكتوم.

 

آية (14): "قلب الفهيم يطلب معرفة وفم الجهال يرعى حماقة."

الحكيم دائماً تجده جائع للحكمة ويريد أن يعرف أكثر. أما الجاهل يرعي حماقة= أي يتغذى بالحماقة أي يتغذى بالكلام البطال والنكات البطالة كمن هو في مرعى للكلام الباطل، فيزداد حماقة.

 

آية (15): "كل أيام الحزين شقية أما طيب القلب فوليمة دائمة."

مرتبطة بالآية (13) فالإنسان المؤمن بالله ويرمي عليه أحماله في ثقة في صلاته، يعيش حياته فرحاً وتكون النفس كما لو كانت في وليمة دائمة، أما الحزين الذي يحمل هم العالم فيرى أيامه كلها مليئة بكل أسباب الحزن والكآبة فهو لا يثق في الله. وفي الآيات (16،17) يخبرنا كيف نعيش هذا الفرح ويلخصه في كلمتين هما: القداسة والحب.

 

الآيات (16،17): "القليل مع مخافة الرب خير من كنز عظيم مع هم. أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضة."

مخافة الرب= القداسة. فمن له القليل مع بركة الرب والقلب الشاكر. ومن يحيا في محبة مع الإخوة (مز1:133-3) ينسكب على هؤلاء الروح القدس ومن ثماره الفرح. وهكذا وجدنا دانيال مع الفتية الثلاثة صحتهم تتحسن مع أكل البقول.

 

آية (18): "الرجل الغضوب يهيج الخصومة وبطيء الغضب يسكن الخصام."

تكرار للآية (1) لتثبيت المعرفة. والغضوب هو شخص متكبر. والمتواضع بطئ الغضب لا يفكر في ذاته أكثر مما ينبغي ولا يتحفز لرد الإهانات والأخطاء.

 

آية (19): "طريق الكسلان كسياج من شوك وطريق المستقيمين منهج."

الكسلان يقول أعذاراً كثيرة ليبرر كسله ولكن ما يقوله كله خيالات، فهو يصوِّر أن طريقه مملوء بالأشواك لذلك هو لا يعمل. أما المجتهد فسيجد الطريق سهلاً، فقط عليه أن يعمل بأمانة. والمستقيم يواصل عمله ويرى طريقه ممهداً= منهج.

 

آية (20): "الابن الحكيم يسر أباه والرجل الجاهل يحتقر أمه."

الحكيم يسر أباه بأن يستمع لنصيحته ويمارس الفضيلة. والجاهل يتصور أنه أكثر معرفة من أمه فيحتقر تعليمها.

 

آية (21): "الحماقة فرح لناقص الفهم أما ذو الفهم فيقوم سلوكه."

الغبي يفرح بالإثم ويصر على الاستمرار في طريقه الشرير برغم كل إنذار. وهذه علامة على أن الخاطئ صار أحمق، فهو أصبح لا يخجل من خطيته بل صار يفرح بها بل يفتخر بها، وهذه علامة على فقدان النعمة. أما ذو الفهم فهو يجاهد ليعرف أخطاؤه ويتوب عنها.

 

آية (22): "مقاصد بغير مشورة تبطل وبكثرة المشيرين تقوم."

من يتشاور قبل أن يتخذ قراره لا يخطئ. فعيون كثيرة ترى أكثر مما تراه العين الواحدة ولكن من المهم أ، نعرف مع من نتشاور فلا نضل مثل رحبعام.

 

آية (23): "للإنسان فرح بجواب فمه والكلمة في وقتها ما أحسنها."

إذا ما كانت الكلمة في وقتها مناسبة تفرح من قالها خصوصاً لو استفاد من سمعها.

 

آية (24): "طريق الحياة للفطن إلى فوق للحيدان عن الهاوية من تحت."

الهاوية هي مقر الأرواح في العالم غير المنظور. والمعنى أن طريق الحياة يبعد المستقيم عن الموت أي تطول أيامه ويعيش لشيخوخة مكرمة على الأرض (حزقيا كمثال). ولاحظ المقابلة فطريق الحكيم هي لفوق وهي للحياة والعكس فطريق الشرير هي لتحت للهاوية أي للموت. ولذلك نجد الرجل الصالح كنزه في السماء أي لفوق، ففوق تشير للكرامة وللسماويات لذلك يصلي الكاهن "ارفعوا قلوبكم". وتحت تشير للعالم المضطرب.

 

آية (25): "الرب يقلع بيت المتكبرين ويوطد تخم الأرملة."

هذه تشبه تسبحة العذراء. فالله ضد المتكبرين ويدافع عن الأرامل والضعفاء.

 

آية (26): "مكرهة الرب أفكار الشرير وللأطهار كلام حسن."

الله يسر بحديث الأطهار أي صلاتهم. والعكس فهو يكره أفكار الشر حتى قبل أن تتحول إلى كلمات. للأطهار كلام حسن= تترجم وفي أقوال الأطهار مسرته أو كلمات الأطهار أقوال مسرة.

 

آية (27): "المولع بالكسب يكدر بيته والكاره الهدايا يعيش."

المقصود بالكسب= الكسب الحرام. والهدايا= يقصد بها الرشوة لتعويج القضاء والكسب الحرام قد يعني أيضاً الصراع على المال بشكل غير مقبول. فكل إنسان يجب أن يعمل بلا كسل ولكن لا يستعبد للمال وللعالم وينسى الله في سعيه نحو الثروة.

 

آية (28): "قلب الصديق يتفكر بالجواب وفم الأشرار ينبع شروراً."

يتفكر بالجواب= يفكر كثيراً قبل أن ينطق ولا يندفع في الرد. أما الشرير فلا يهتم وفمه يطلق أذى على كل الناس.

 

آية (29): "الرب بعيد عن الأشرار ويسمع صلاة الصديقين."

على الشرير أن لا يتوقع أي إحسان من الرب.

 

آية (30): "نور العينين يفرح القلب الخبر الطيب يسمن العظام."

جميل أن يكون للإنسان عينان يرى بهما خليقة الله الجميلة فيفرح بها ويسبح الله على عمله. والخبر الطيب الذي يفرح الإنسان يسمن العظام= أي يعطيه فرح سرى داخلي ويعطيه قوة ونشاط غير عادي وروحياً فمن له بصيرة روحية واستنارة بهما يعرف طريق الله فهذا يفرح قلبه. والإنسان الروحي يفرح بتوبة الآخرين وبخبر إنتشار ملكوت الله وكل كلام الإنجيل هو أخبار مفرحة وبشارة خلاص تفرح القلب.

 

آية (31): "الأذن السامعة توبيخ الحياة تستقر بين الحكماء."

الشخص المتواضع يقبل التوبيخ فيكون له حياة، يسمع وينفذ فيكون حكيماً بين الحكماء.

 

آية (32): "من يرفض التأديب يرذل نفسه ومن يسمع للتوبيخ يقتني فهماً."

المتكبر الذي يظن نفسه أرفع من الجميع فلا يسمع توبيخهم. يرذل نفسه= يكون كتائه في صحراء يرفض من يقوده فبالتأكيد سيهلك. هو اهتم بشهواته ورذل خلاص نفسه.

 

آية (33): "مخافة الرب أدب حكمة وقبل الكرامة التواضع."

من يثبت في خوف الرب يكون له حكمة ويتواضع أمام الله معترفاً بخطيته ويقبل التوبيخ والله يرفعه في الوقت المناسب. فمخافة الرب هي بدء الحكمة (7:1)


 

الإصحاح السادس عشر

آية (1): "للإنسان تدابير القلب ومن الرب جواب اللسان."

هذا يشبه المثل السائد "العبد في التفكير والرب في التدبير". فللإنسان الحق في التفكير الحر والله حر في تدابيره ليحفظ الإنسان من أخطاء تفكيره الحر. فالإنسان يفكر ويخطط ولكن حين يأتي وقت الكلام أو العمل فمن الرب يأتي الجواب (كما حدث مع بلعام) ويحدث مع كثيرين وذلك بأن يقنع الله الإنسان بغير ما فكر فيه ويجعله يميل ناحية قرار آخر فيقول قولاً آخر غير ما كان يفكر فيه ويخطط له. ولنعلم أننا لسنا أكفاء أن نعمل أي شئ، بل الله هو الذي يعمل فينا أن نريد وأن نفعل (في13:2).

 

آية (2): "كل طرق الإنسان نقية في عيني نفسه والرب وازن الأرواح."

لن نكتشف عيوبنا إلا إذا أتينا أمام الله فنوره يكشف خطايانا. ولكن يبدو لقلوبنا أننا بلا خطية فالقلب خداع (أر9:17 + دا27:5) وزنت في الموازين فكنت ناقصاً، هكذا كل منا، فإذا كنا بعدين عن نور الله نكون منحازين لأنفسنا ونجد أننا كاملين لا نخطئ.

 

آية (3): "الق على الرب أعمالك فتثبت أفكارك."

الإتكال على الله بالكامل يعطي تسليم هادئ وفكر هادئ غير متقلقل بلا مخاوف ولا قلق ولا اضطراب بل في سكون قلب وفكر (2تي12:1). إذاً لنصلي لله ونترك له نتيجة كل عمل فإذا لم يكمل العمل فلا نحزن لأن الله لم يريد.

 

آية (4): "الرب صنع الكل لغرضه والشرير أيضاً ليوم الشر."

كل خليقة الله تظهر مجده وعمل يديه (مز19). فالله صنع الكل لمجد اسمه والأبرار سيمجدونه، أما الأشرار فسيعترفون بعدله في يوم الدينونة وسيظهر عدل الله ومجده في دينونة الأشرار، حقاً فالله يريد أن الجميع يخلصون (1تي4:2 + حز11:33) ولكن لن يخلص الجميع لأنهم لم يريدوا ذلك. والله قادر أن يحول حتى الشر لمجد اسمه، فالله تمجد وسط شعبه بعناد فرعون. والله تمجد وخلص شعبه في كل العالم بمؤامرات الكهنة ويهوذا يوم الصليب. والله صنع الكل أبراراً وأشراراً، فالكل به كان حتى الأشرار، هو خلقهم حسناً ولكنهم تمردوا عليه والله سيجازيهم في يوم الشر.

 

آية (5): "مكرهة الرب كل متشامخ القلب يداً ليد لا يتبرا."

لو تكاتف كل الأشرار فهذا لن يعفيهم من دينونة الله.

 

آية (6): "بالرحمة والحق يستر الإثم وفي مخافة الرب الحيدان عن الشر."

الرحمة والحق تقابلا معاً على الصليب. وهذا يجب أن يكون طريق كل منا، فقوة الشر تنكسر فينا بنفس المبدأ أي الحق (الأمانة تجاه الله) والرحمة (تجاه إخوتنا) (مي7:6،8) ومثال لهذا فالمسيح غفر للزانية التي أرادوا رجمها (رحمة) ولكنه قال لها لا تعودي تخطئ (حق). وأبو مقار ستر على الراهب الزاني أمام الرهبان (رحمة) ولكنه قال له لا تفعل ذلك ثانية (حق). ونرى هنا تكامل الفضائل.

 

آية (7): "إذا أرضت الرب طرق إنسان جعل أعداءه أيضاً يسالمونه."

إذا كان إنسان بار حقاً يعجز أعداؤه أن يجدوا علة عليه، بل الله قادر أن يحول أعداؤه إلى أصدقاء له يحبونه ويسالمونه إذ يشعرون ببركة الرب معه (مثال لذلك اسحق مع أبيمالك تك28:26) فقلوب البشر في يد الله (أم1:21) والله يصنع هذا لو أرضيناه. ومن يجد الكل هائجاً ضده فليفحص نفسه (عيسو مع يعقوب مثال لهذا، فحين أخطأ يعقوب وخدع عيسو هاج ضده عيسو وحينما عاد يعقوب لله بالتوبة وجدنا عيسو يقابله بمحبة.

 

آية (8): "القليل مع العدل خير من دخل جزيل بغير حق."

استقامة الرجل الشريف مع قلة ما عنده يعطيه راحة البال والضمير والسلام الداخلي وهذا أفضل من الذهب والفضة.

 

آية (9): "قلب الإنسان يفكر في طريقه والرب يهدي خطوته."

راجع عدد (1). ولاحظ أنه طالما من حق الإنسان أن يفكر بحرية، فمن المخجل أن لا يختار طريق الله.

 

الآيات (10-15): "في شفتي الملك وحي في القضاء فمه لا يخون. قبان الحق وموازينه للرب كل معايير الكيس عمله. مكرهة الملوك فعل الشر لأن الكرسي يثبت بالبر. مرضاة الملوك شفتا حق والمتكلم بالمستقيمات يحب. غضب الملك رسل الموت والإنسان الحكيم يستعطفه. في نور وجه الملك حياة ورضاه كسحاب المطر المتأخر."

نجد هنا مواصفات الملك المثالي، الذي يرضى الرب بأعماله. فالله يعطي للملوك والرؤساء حكمة خاصة ليقودوا شعوبهم، والله أعطى لشاول الملك روحاً جديدة بعد أن أصبح ملكاً (1صم9:10-11) وسليمان امتلأ حكمة بعد أن أصبح ملكاً. ونحن نصلي لملوكنا ورؤساءنا ليكونوا بهذه المواصفات. والمواصفات الموجودة هنا لا تنطبق على ملك بشري ولكنها تنطبق على الله فهو لا يخطئ في أحكامه= في القضاء فمه لا يخون. وكلامه كأنه بوحي من الله. وهذا إعداد لفكرة المسيح الذي يملك على الكنيسة، بل هي نبوة عن ملك الملوك. ونلاحظ أن غضب الملك رُسُل الموت= أي أن غضبه هو بمثابة حكم بالموت (تث19:18) والحكيم يستعطفه= لذلك لا تكف الكنيسة عن ترديد صلاة "يا رب ارحم" "لأن في نور وجه الملك حيوة= حين يرضى الملك عن أحد يحيا. وملك الملوك يحكم بالحق= قبان الحق وموازينه للرب= وتترجم للرب ميزان العدل وقسطاسه. وإذا فهمنا الآية أنها على ملك زمني، فكل ملك صالح يجب أن يكون تعامل شعبه مع بعضهم بالأمانة. وإذا فهمنا الآية على ملك الملوك فتعني أن الله سيحكم على شعبه بأمانة. وكان هناك موازين قياسية في الهيكل وموازين قياسية عند الملك وكل الموازين في كل البلاد تضبط عليها حتى لا يحدث غش.

 

الآيات (16،17): "قنية الحكمة كم هي خير من الذهب وقنية الفهم تختار على الفضة. منهج المستقيمين الحيدان عن الشر حافظ نفسه حافظ طريقه."

يظهر هنا أن الحكمة الإلهية والنعمة الإلهية التي هي خير من الذهب أو أي ثروة عالمية يحصل عليها من يحيد عن الشر (مت26:16). أما أي حكمة أخرى فهي نفسانية شيطانية (يع13:3-16). فعطايا الله كافية للأرض وتمتد للحياة الأبدية في السماء، بينما ثروات العالم ينتهي تأثيرها وفائدتها بموت الإنسان.

 

آية (18): "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح."

الكبرياء سبب سقوط إبليس وكل إنسان يفعل مثله ويتكبر يسقط. والكبرياء بداية لكل سقوط آخر. والله يخفض ويكسر المتكبرين (فرعون/ سنحاريب/ نبوخذ نصر دا31:4/ هيرودس..) وطالما أن الله يكسر المتكبرين فلا داعي للخوف منهم، بل نخاف أن يكون فينا كبرياء. ومعظم كتب اليهود المقدسة تضيف عند هذه الآية أنها هي الآية التي تتوسط الكتاب المقدس كله.

 

آية (19): "تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع المتكبرين."

بشاعة الكبرياء لا يحتملها أحد، وأن نعيش مع المتواضعين الودعاء على القليل أفضل من أن أعاشر المتكبرين ويكون لي غنيمة. ويفهم المثل أيضاً أنه من الأفضل لنا أن نعيش متواضعين مع القليل من أن نكون أغنياء متكبرين.

 

آية (20): "الفطن من جهة أمر يجد خيراً ومن يتكل على الرب فطوبى له."

الفطن= في ترجمة أخرى هو من يتعقل بكلمة الله، وهي ترجمة متمشية مع روح السفر فالفطن في نظر الحكيم ليس هو الذكي بالمفهوم العالمي بل هو من امتلأ من حكمة الله، وهذا يجب أن يكون مسترشداً بكلمة الله لكي يكون حكيماً. وهذا الفطن لابد أن يوافقه الله ويبارك أعماله. ونلاحظ أن من يثق بالله ويعرفه يفكر بهدوء وحكمة واثقاً أن الله لن يتركه.

 

آية (21): "حكيم القلب يدعى فهيماً وحلاوة الشفتين تزيد علماً."

الإنسان الحكيم يظهر هذا في لسانه اللطيف، فاللسان الحلو ينبئ عن قلب متضع راغب في أن يتعلم، لذلك يحبه الناس ويعلمونه. الحكمة مع اللسان الحلو تجعل تبادل المعلومات سهلاً وتزداد الحكمة للجميع.

 

آية (22): "الفطنة ينبوع حياة لصاحبها وتأديب الحمقى حماقة."

تعاليم الإنسان الحكيم تكون ينبوع حياة لمن يسمعه، أما الأحمق فتعليمه حماقة.

 

الآيات (23،24): "قلب الحكيم يرشد فمه ويزيد شفتيه علماً. الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام."

من قلبه هادئ ينعكس هذا على شفتيه فيكون كلامه حلو ومن يسمعه يفرح، بل تكون كلماته الحلوة سبب صحة للجسد (العظام).

 

آية (25): "توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت."

تكرار للتنبيه أن رفض طريق الحكمة فيه خطورة على الإنسان.

 

آية (26): "نفس التعب تتعب له لأن فمه يحثه."

الذي يتعب ويجتهد ويعمل هو يتعب لنفسه لأن فمه يحثه= أي حتى يسد احتياجات فمه. فاحتياج فمه يدفعه للعمل والجهاد. وهذا المبدأ اكتمل روحياً في (يو27:6). والخادم الحقيقي يشبع بتوبة الخطاة (طعامي أن أصنع مشيئة الذي أرسلني/ المسيح يذهب مسافة كبيرة ليقابل السامرية فتتوب/ أش11:53. والمسيح يشبع حين يرى زيادة عدد المؤمنين).

 

الآيات (27،28): "الرجل اللئيم ينبش الشر وعلى شفتيه كالنار المتقدة. رجل الأكاذيب يطلق الخصومة والنمام يفرق الأصدقاء."

هنا يتكلم عن رذيلة الوشاية والنم، أو اللسان البطال الذي يتكلم كلاماً قبيحاً أو حاقد على نجاح شخص آخر فيسئ إلى سمعته، ويشبه الحكيم هنا شفتي مثل هؤلاء بأنها كأبواب جهنم، تخرج منها نار تحرق سمعة من يتكلم عنه هذا الشرير، ويخرج منها نار تزرع خصومات وتنهي صداقات وتعلم الشر وتعثر الأبرياء (يع5:3،6).

 

الآيات (29،30): "الرجل الظالم يغوي صاحبه ويسوقه إلى طريق غير صالحة. من يغمض عينيه ليفكر في الأكاذيب ومن يعض شفتيه فقد اكمل شراً."

الرجل الظالم= رجل الإثم الذي يغوي الأبرياء بكلام معسول عن لذة الخطية. يعض شفتيه= دليل على الإصرار على الشر. من يغمض عينيه= ليتخيل الشر ولذة تنفيذه وهذا التصوير ينطبق على الشرير الظالم وعلى الجاهل الذي يتجاوب معه. فالظالم يغلق عينيه ليفكر في خطة يسقط بها البريء ويعض على شفتيه ليضمر شراً لمن يخطط ضده. والجاهل بدلاً من أن يفتح عينيه فيرى خطورة وبشاعة طريق الخطية يغلق عينيه ليتصور لذتها ثم يعض شفتيه رمزاً لأنه قرر أن يفعل الشر ليتلذذ به. وكلاهما الظالم بتخطيطه والجاهل بقبوله الخطية وكلاهما بعض شفتيه وغلق عينيه يكونا قد أكملا شراً. ولو فتح الجاهل عينيه ورأى نهاية طريق الشر وأنه ينساق وراء أكاذيب الظالم لما أنحرف وراءه أبداً.

 

آية (31): "تاج جمال شيبة توجد في طريق البر."

هناك من هو أشيب ولكنه شرير. ولكن الأشيب البار الذي احتفظ بكماله يكون مملوءاً بركة وحكمة وبراً وتكون شيبته هذه تاج جمال له وكرامة له.

 

آية (32): "البطيء الغضب خير من الجبار ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة."

ضبط النفس هو أعظم انتصار فكم من جبار أنهزم أمام نفسه وأمام شهوته (داود وشمشون كأمثلة). كم مدناً أخضعوها ثم استعبدوا لشهواتهم. ونحن في حرب ضد شهواتنا ومن يهزمها ويغلب هو خير من هازم جيش. فمن يهزم جيش قتل كثيرين في معركته أما المعركة ضد شهوتنا فلا تضر أحداً فضلاً عن أن الحرب ضد الشهوة أصعب جداً.

 

آية (33): "القرعة تلقى في الحضن ومن الرب كل حكمها."

الحضن= المقصود الجزء الأسفل من الثوب الذي كان يوضع فيه حجارة القرعة. والله سمح باستخدام القرعة سابقاً في العهد القديم، فبالقرعة قسمت الأرض ومتياس تم اختياره بالقرعة. وكان يشوع قد اكتشف خيانة عاخان بالقرعة. والحكيم يقرر هنا أن موضوع القرعة لا يعني ترك الأمر للمصادفة، بل أن هنا تدبير إلهي وراء نتيجة القرعة. والمعنى الأوسع لهذه الآية أنه لا صدفة في حياتنا ولا معنى لكلمات فارغة مثل الحظ والفأل الحسن والشؤم، بل هناك من يؤمن بأن الحسد قادر أن يؤذيه.. كل هذا لا يعيره المؤمن أي إلتفات، بل يثق في أن الله كضابط الكل هو الذي يدبر ويقرر.


 

الإصحاح السابع عشر

آية (1): "لقمة يابسة ومعها سلامة خير من بيت ملآن ذبائح مع خصام."

تشير الآية لذبائح السلامة التي كان مقدموها يأكلون منها في بيوتهم. وما أحلى العائلة التي تسكن في محبة بلا حسد ولا خصام فيسودها السلام حتى لو كان طعامها كسرة خبز يابسة فالحب سيجعل كسرة الخبز حلوة، أما الخصام فسيشوه وليمة المحبة هذه (1كو17:11-22).

 

آية (2): "العبد الفطن يتسلط على الابن المخزي ويقاسم الاخوة الميراث."

هذا المثل تم حرفياً مع ابن سليمان، فيربعام الذكي اقتسم الميراث مع رحبعام بسبب حماقة رحبعام، بل هو أخذ نصيب الأسد (يربعام كان نصيبه 10أسباط). والحكمة ترفع صاحبها لمستوى البنين وهذا ما حدث مع الكنيسة التي سادت على اليهود. والجهالة تضيع الابن المدلل فلنحذر لأنه إن كان الله لم يشفق على الزيتونة الأصلية (اليهود) فهو لن يشفق علينا إذا أخطأنا (رو17:11-24).

 

آية (3): "البوطة للفضة والكور للذهب وممتحن القلوب الرب."

البوطة والكور هما التجارب التي يسمح بها الله لأولاده (1بط6:1،7). والصائغ الحكيم يعرف مقدار النار التي يحتاجها المعدن النفيس فلا يزيد عنها لئلا تحترق (1كو13:10) والله يضع أولاده في الكور لينقيهم من الزغل والشوائب ولكنه يكون معهم كما كان مع الفتية الثلاثة في أتون النار.

 

آية (4): "الفاعل الشر يصغى إلى شفة الإثم والكاذب يأذن للسان فساد."

الإنسان الشرير يعطي أذنه للأقوال الشريرة ويَجِد فيها لذة، والكاذب يميل لمن يخدعه كذباً. والنفس الظالمة تنسجم مع من هم على شاكلتها (أر31:5 + حز24 + 2تي3:4،4).

 

آية (5): "المستهزئ بالفقير يعير خالقه الفرحان ببلية لا يتبرأ."

لا يتبرأ= لا ينجو من العقاب. الفرحان ببلية غيره سيجازيه الله (عوبديا12-16).

 

آية (6): "تاج الشيوخ بنو البنين وفخر البنين آباؤهم."

صورة حلوة يفرح بها الله فالشيوخ يفرحون ببني بنيهم والأحداث يوقرون الكبار ويطيعونهم.

 

آية (7): "لا تليق بالأحمق شفة السودد كم بالأحرى شفة الكذب بالشريف."

شفة السودد= شفة الفضل أو الكلام بالمستقيمات. ومعنى الكلام أنه إن كانت شفة الفضل لا تليق بالأحمق فبالأولى جداً لا يليق بالشريف أن يكذب. فالأقوال الحسنة لا تتفق مع شفة اللئيم فأعماله تناقض أقواله (1صم10:10-12). وهكذا لا يليق بالشريف الكذب.

 

آية (8): "الهدية حجر كريم في عيني قابلها حيثما تتوجه تفلح."

هنا لا يتكلم عن الرشوة، بل هدية المحبة والتي تؤصل المحبة بين الطرفين.

 

آية (9): "من يستر معصية يطلب المحبة ومن يكرر أمراً يفرق بين الأصدقاء."

من يستر على معصية أخيه يتشبه بالله (أبو مقار). ومن يكرر سقطة الآخرين أي يذيعها ويعلنها يتمثل بإبليس

(المشتكي). ومثل هؤلاء يفرق الأصدقاء.

 

آية (10): "الانتهار يؤثر في الحكيم اكثر من مئة جلدة في الجاهل."

الحكيم لو أنبته بلطف لن يكف عن تأنيب ذاته (داود) والجاهل مهما جلدته لن يتوب (فرعون).

 

آية (11): "الشرير إنما يطلب التمرد فيطلق عليه رسول قاس."

الشرير يزعجه كبح جماحه عن طريق أي سلطة شرعية لذلك يتمرد على السلطة القائمة ويغدر ويعصي. ولذلك يجب أن يعامل بقسوة. الرسول القاسي= هو رسول القضاء أو الحاكم الذي يرسله لتأديب المتمرد. والشرير الذي يتمرد على الله يؤدبه الله برسول قاسً فبابل كانت رسول قاسٍ ضد يهوذا (مز49:78) والله يسمح للشيطان بأن يؤدب الأشرار.

 

آية (12): "ليصادف الإنسان دبة ثكول ولا جاهل في حماقته."

الإنسان الجاهل الشهواني يكون كدبة فقدت أولادها لا يمكن وقفها، وهكذا كل غضوب يشتهي الإنتقام. ونلاحظ أن الغضب هو نوع من الجنون المؤقت. والدبة الثكلي خطر جداً.

 

آية (13): "من يجازي عن خير بشر لن يبرح الشر من بيته."

السيف لم يفارق بيت داود لأنه كافأ أوريا الأمين شراً. واليهود عوقبوا بسبب صلبهم المسيح.

 

آية (14): "ابتداء الخصام إطلاق الماء فقبل أن تدفق المخاصمة اتركها."

بدء النزاع يشبه بفتحة صغيرة حدثت في سد، ففي بدايتها يمكن وقف إندفاع الماء بحصاة صغيرة، ولكن تركها وإهمالها يتسبب في إندفاع الماء منها وبالتالي تزداد الثغرة إتساعاً، إلى أن تجرف المياه المندفعة كل ما في طريقها. وهكذا كل نزاع ومخاصمة يسهل علاجه في بدايته باعتذار رقيق وهذا يمنع سنوات من الألم والخصام والحزن (أف26:4).

 

آية (15): "مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب."

الله يطلب شهادة الحق. والمسيح لم يبرئنا من ذنوبنا بلا ثمن بل دفع دمه ثمناً. وهذه الآية انطبقت تماماً في موقف بيلاطس من المسيح ومن باراباس.

 

آية (16): "لماذا في يد الجاهل ثمن الاقتناء الحكمة وليس له فهم."

هذا يعني أن الجاهل لا يمكنه أن يقتني الحكمة بماله أو ثروته، مادام قلبه منحرفاً ولا يطلبها بصدق. والإنسان لا يعرف الحق إلا بسلوكه فيه وبقلب يطلبه بإخلاص وليس بالمال. ولكننا نلاحظ هنا أن الحمقي لهم مال، والمال وزنة سيحاسبنا الله كيف أنفقناها (سيمون الساحر).

 

آية (17): "الصديق يحب في كل وقت أما الأخ فللشدة يولد."

هذه عن المسيح الذي أحبنا دائماً فوُلِدَ كأخٍ لنا ليخلصنا من شدتنا. وهو صديق لكل متألم.

 

آية (18): "الإنسان الناقص الفهم يصفق كفاً ويضمن صاحبه ضماناً."

راجع إصحاح (6). ووضعت الآية هنا بعد موضوع الصداقة، حتى لا تستغل الصداقة في الضمان.

 

الآيات (19،20): "محب المعصية محب الخصام المعلي بابه يطلب الكسر. الملتوي القلب لا يجد خيراً والمتقلب اللسان يقع في السوء."

من يحب المعصية يجد لذة في الخصام، ومن يخاصم فهو محب للمعصية. والأسوأ هو من يخاصم وهو يدَّعى أنه يبحث عن الحق ويسعى وراءه. المعلى بابه= المتعجرف. يطلب الكسر= فهو إذ يتشامخ يكسره الله. وهكذا كل ذي قلب ملتوي أو لسان غاش حاقد. بل المتعجرف يثير من حوله فيخططوا لهدمه بسبب تشامخه والله يسمح لهم لتأديبه.

 

آية (21): "من يلد جاهلاً فلحزنه ولا يفرح أبو الأحمق."

داود لم يفرح قطعاً لا بإبشالوم ولا بأمنون.

 

آية (22): "القلب الفرحان يطيب الجسم والروح المنسحقة تجفف العظم."

الحزن يهدم صحة الجسد. أما الممتلئ من روح الله يمتلئ فرحاً ويصح جسمه.

 

آية (23): "الشرير يأخذ الرشوة من الحضن ليعوج طرق القضاء."

القاضي الذي يقبل رشوة من مذنب سيكون مديوناً له وسيعوج القضاء. ويسميها من الحضن= لأنه يأخذها في السر وليس في العلن وكأنه يخبئه حتى عن ضميره (داخل حضنه).

 

آية (24): "الحكمة عند الفهيم وعينا الجاهل في أقصى الأرض."

من يطلب الرب يجد الحكمة بسهولة. أما الجاهل لأنه لا يطلب الرب يذهب فيبحث عنها حتى أقصاء الأرض ووراء كل مذهب فلسفي (2تي3:4،4) وقطعاً لن يجدها. بينمما هي في متناول يده (تث11:30-14). فمن يذهب بعيداً يضل نفسه بينما هو يبحث عن حكمة نفسانية عالمية.

 

آية (26): "أيضاً تغريم البريء ليس بحسن وكذلك ضرب الشرفاء لأجل الاستقامة."

تغريم البريء= الحكم الظالم على الأبرياء يبغضه الله. ضرب الشرفاء لأجل الاستقامة= هذا أيضاً يبغضه الله أن يضرب المستقيم الشريف بلا سبب إلا لإخفاء المجرم الحقيقي والتستر عليه. وتفهم أيضاً بأن الأشرار يتمردون على الحاكم المستقيم لأنه يمنعهم من شرورهم (إبشالوم).

 

الآيات (27،28): "ذو المعرفة يبقي كلامه وذو الفهم وقور الروح. بل الأحمق إذا سكت يحسب حكيماً ومن ضم شفتيه فهيماً."

الأحمق يتكلم كثيراً، فإذا سكت يعتبر هذا حكمة فبسكوته لن تظهر حماقته بل ستكون له فرصة أن يسمع الحكماء فيتعلم منهم. أما الحكيم فلا يتكلم كثيراً وأخلاقه هادئة= وقور الروح.


 

الإصحاح الثامن عشر

آية (1): "المعتزل يطلب شهوته بكل مشورة يغتاظ."

هناك من يعتزل الشر والأشرار حتى لا يصيبه ضرر. أما الشرير فهو يعتزل القديسين لأنه لا يحتمل أن يسمع من يوبخ ويدين خطاياه وشهواته (يه19). هؤلاء ليس لهم الروح القدس.

 

آية (2): "الجاهل لا يسر بالفهم بل بكشف قلبه."

الجاهل لا يُسَّرُ بطرق الله، بل يدعي أنه هكذا ليكون له كرامة وسط الأشخاص الروحيين وتجد مثل هذا يتكلم كثيراً عن خبراته الروحية والصلوات التي يصليها والكتب التي يقرأها.

 

آية (3): "إذا جاء الشرير جاء الاحتقار أيضاً ومع الهوان عار."

إذا وصل الشرير إلى مجلس، يأتي ومعه كلمات الإحتقار والإستهزاء لله ولمن يسلك في طريقه ولخدامه بل بكل أحد وبكل شئ. وهؤلاء سيهانون لأن الله سيهينهم وسيجلبون العار على أنفسهم وعائلاتهم وعلى من يعرفونهم، بل أن سمعة الشرير سيئة حتى وسط الأشرار.

 

آية (4): "كلمات فم الإنسان مياه عميقة نبع الحكمة نهر مندفق."

قارن هذه الآية بما ورد في (يو37:7،38). فالمملوء من الروح القدس تفيض منه الحكمة وسليمان هنا يشبه كلمات الإنسان الحكيم بأنها مياه عميقة لا تنضب وصادرة من نبع حكمة هو قلب الحكيم. وهي مياه نبع جاري أي نقية منعشة مفيدة تروي كل ظمآن وتعطيه حياة.

 

آية (5): "رفع وجه الشرير ليس حسنا لأخطاء الصديق في القضاء."

الله لا يقبل الظلم في القضاء ومحاباة الغني لغناه أو لمركزه، ففي هذا إهانة لله العادل.

 

الآيات (6-8): "شفتا الجاهل تداخلان في الخصومة وفمه يدعو بضربات. فم الجاهل مهلكة له وشفتاه شرك لنفسه. كلام النمام مثل لقم حلوة وهو ينزل إلى مخادع البطن."

هذه الآيات ضد كل كلمة بطالة ففي (6) نجد الجاهل المستعد دائماً للدخول في أي خصومة ويقول كلام بجهل وبلا حكمة فيلهب الموقف، وربما كلمات من نوع طلب الثأر أو العقوبة أو الانتقام، هي كلمات تهييج= فمه يدعو بضربات. وفي (7) نجد أن كلام الجاهل هذا مهلك له فهو قد يتورط بإندفاعه ويهدد هذا أو ذاك ويصبح خصماً لأحد الأطراف. وفي (8) صورة أخرى للكلام الباطل وهي النم أي إذاعة أسرار تدمر سمعة صاحبها وكلمات النم تكون حلوة في فم قائلها، يُسَّر بإذاعتها ولكنها كأقراص السم المغطى بالسكر طعمها حلو في الفم ولكن متى وصلت للمعدة فهي قاتلة= مخادع البطن= بعد جلسة النم حين يستيقظ الضمير يكون ما قيل مؤذي جداً لضمير النمام بعد أن كان حلواً في فمه.

 

آية (9): "أيضاً المتراخي في عمله هو أخو المسرف."

المتراخي يضيع وقته والمسرف يضيع مقتنياته وماله وكلاهما ذاهب للفقر. والترجمة الأدق للآية هكذا "المتراخي في عمله هو أيضاً أخو المسرف".

 

آية (10): "اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع."

اسم الرب= أي نلجأ للرب نستنجد به مستخدمين اسمه القدوس ونستغيث به (في6:4،7). والبار بإيمانه وصلاته واستخدامه الدائم لاسم يسوع يجري نحو الله كمدينة ملجأ يشعر فيها بالاطمئنان (لذلك فكثير من الآباء ينصح باستخدام صلاة يسوع دائماً وهي "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" ) والأبرار يهربون من شرور العالم ويحتمون في اسم يسوع المسيح مسلمين له كل حياتهم فيجدون سلاماً واطمئنان كمن في برج حصين.

 

آية (11): "ثروة الغني مدينته الحصينة ومثل سور عال في تصوره."

هذه حالة عكسية لما سبق في آية (10) فنحن هنا نجد غنياً يجهل أن اسم الرب برج حصين ويتصور لجهله أن غناه هو حصنه، ولكن الغني أو المركز أو الواسطة أو القوة البشرية هي حصون غير منيعة سرعان ما تنهار فهي مبنية على الرمل "يا غبي في هذه الليلة تؤخذ نفسك + لو24:6 + مر24:10 + مت19:6،20).

 

آية (12): "قبل الكسر يتكبر قلب الإنسان وقبل الكرامة التواضع."

الله يخفض المتكبر ويرفع المتضع فتكون له كرامة. والكبرياء سبب الخراب.

 

آية (13): "من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار."

الأحكام الطائشة المتسرعة تعرض صاحبها للعار بعد فحص الأمر بدقة.

 

آية (14): "روح الإنسان تحتمل مرضه أما الروح المكسورة فمن يحملها."

إذا امتلأ إنسان من الروح القدس امتلأ فرحاً ومثل هذا الإنسان تصير روحه نشطة قوية بل تسند ضعف جسده، أما حامل الهم فهو بلا رجاء فمن يسنده؟!. والجروح الخارجية يحتملها إذا كانت النفس في حالة فرح. أما لو غضب الله على الإنسان بسبب خطيته أو لو دخل الإنسان في حالة يأس من رحمة الله أو الخلاص من أي تجربة تكتئب النفس.

 

آية (15): "قلب الفهيم يقتني معرفة وأذن الحكماء تطلب علماً."

الحكيم يطلب المعرفة ويسعى إليها لذلك يحصل عليها. فهو له رغبة قلبية أن يسمع وما يسمعه ينفذه، والله لا يرجع من يطلب فارغاً. الحكيم إذا سمع يُدْخِلْ الكلام لقلبه ويحتفظ به.

 

آية (16): "هدية الإنسان ترحب له وتهديه إلى أمام العظماء."

من يريد أن يقابل عظيماً يعطي هدايا لمرؤوسيه فيسهلوا له مأموريته. وهناك قول رائع للقديسة الشهيدة دميانة. ففي أثناء عذاباتها وشفاء الله العجيب لها وفرحها بهذه العذابات كان الجنود الذين يرونها يؤمنون فيقتلهم الأمير، ومرة قال لها الأمير ألا تخجلين فكل هؤلاء ماتوا بسببك فردت عليه الشهيدة "أنت حينما تذهب لملكك ترسل له هدايا قبل أن تصل وهكذا أفعل مع ملكي المسيح فكل هؤلاء الشهداء هم هدايا تفرح قلبه" وكل خدام الله الذين يخدمون أولاده يقدمون هدايا لله هي القلوب التائبة. وهناك من يفهم هذه الآية أنها عن الرشوة التي تعوج القضاء.

 

آية (17): "الأول في دعواه محق فيأتي رفيقه ويفحصه."

قارن مع آية (13) والمعنى أن لا تسمع من طرف واحد وتحكم، بل الأحسن أن نسمع الطرفين ونواجههم. فالإنسان تعود أن يلقي اللوم على الآخرين منذ فعلها آدم مع الله نفسه. فمن تسمعه أولاً تظن نفسك أنك قد عرفت منه كل الحق ولكن إذا أتى الطرف الآخر وفند ما سمعته من الطرف الأول قد يظهر أن الطرف الأول هو الخاطئ.

 

آية (18): "القرعة تبطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء."

إلقاء القرعة يمنع الخصومات.

 

آية (19): "الأخ امنع من مدينة حصينة والمخاصمات كعارضة قلعة."

هناك من يفهم هذه الآية على أنها تعني الإخوة المتحابين المتحدين. ولكن البعض الآخر يفهمهما بالعكس خصوصاً أن نصف الآية الثاني يتكلم عن المخاصمات، وهؤلاء يفهمونها بأن الأخوة إذا تخاصموا يصعب حل المشاكل بينهم ويكونون في مخاصماتهم كقلعة مغلقة بباب له عارضة. والرأي الأول يفسرها بأن الإخوة المتحابين هم كقلعة في اتحادهم ضد من يخاصمهم. المهم أن كلا الرأيين صحيح وبالنسبة للرأي الثاني فيجب حل المشاكل بين الأخوة قبل أن تتفاقم وتصبح عسيرة وتصبح القلوب كقلعة مغلقة. فالإهانات المتبادلة تجعل الثقة تنعدم فتتقسى القلوب وكل ينغلق بسبب كبريائه المجروحة.

 

الآيات (20،21): "من ثمر فم الإنسان يشبع بطنه من غلة شفتيه يشبع. الموت والحياة في يد اللسان وأحباؤه يأكلون ثمره."

من يزرع بشفتيه براً وسط الناس يحصد غلة وفيرة من الفرح. وزرع البر هو كلام الله الذي يقود أناس للتوبة ويقود آخرين لأن يعرفوا الله أو يتصالحوا معه ويقود آخرين لأن يصطلحوا معاً. هنا يتحول زارع البر لمصدر حياة يفرح الآخرين ومن ثم يفرح هو ويشبع بخدمته والعكس فالأحمق ينشر موتاً بين الناس وخصاماً وبطنه تشبع مراراً. والبطن هنا إشارة للضمير الذي يفرح ويستريح إذا تكلم الإنسان حسناً فالراحة الداخلية النفسية التي نشعر بها تعتمد على شهادة ضميرنا.

 

آية (22): "من يجد زوجة يجد خيراً وينال رضى من الرب."

الزوجة الصالحة هي من عند الرب، بل هي برهان على رضى الرب عن الشخص. وعلى الرجل الذي يجد زوجة صالحة أن يشكر الله على عطيته، فالزوجة الصالحة تقود رجلها لحياة صالحة بل لخلاص نفسه. لذلك من المهم أن يسبق الاختيار الصلاة والصوم وطلب الإرشاد من الله. ولنثق أن الله إذا أراد بعد ذلك سيسهل الطريق.

 

آية (23): "بتضرعات يتكلم الفقير والغني يجاوب بخشونة."

هذه حقيقة واقعة للأسف ولكن ليعلم الغني أن عيني الله ترى ظلمه لأخيه الفقير. أما الفقير ففي حالته المتواضعة يتعلم أن يكون متواضعاً ويتكلم بأسلوب فيه تضرع وتوسل ومثل هذا من السهل أن يصلي لله فيتقرب من عرش النعمة، أما الغني المتكبر الذي تعود أن يتكلم بعنف لا يستطيع أن ينكسر أمام الله في الصلاة ولنعلم أننا كلنا فقراء أمام عرش النعمة الإلهية.

 

آية (24): "المكثر الأصحاب يخرب نفسه ولكن يوجد محب الزق من الأخ."

المقصود بالأصحاب الذين هم من العالم ومعرفتهم مضيعة للوقت، وبكثرة الولائم والهدايا التي تفوق ميزانيات الأسرة تخرب ميزانيات الأسرة، وقد يكونوا هم الأصدقاء البطالون الذين يعلمون الإنسان طريق الشر. أما المحب الألزق من الأخ فهو المسيح الذي في القرب منه السلام والفرح. وهناك أصدقاء يتركون الإنسان لو افتقر (الابن الضال) أما المسيح فهو الصديق الوفي في أثناء الضيقة "إدعني وقت الضيق.."


 

الإصحاح التاسع عشر

الآيات (1-3): "الفقير السالك بكماله خير من ملتوي الشفتين وهو جاهل. أيضاً كون النفس بلا معرفة ليس حسنا والمستعجل برجليه يخطا. حماقة الرجل تعوج طريقه وعلى الرب يحنق قلبه."

  نجد هنا مقارنة بين طريق الحق وطريق العناد والجهل. وخير للإنسان أن يسلك باستقامة وهو فقير مجهول من أن يكون غنياً لكنه جاهل لئيم شرير. فالفقير السالك باستقامة سيكون محبوباً من الناس وله بركة ونعمة من الله. أما الغني الذي له لسان ملتوٍ وشرير فلن يجد من يحبه ولن يجد بركة من الله. وفي (2) يتكلم عمن يسلك بدون معرفة، وليس حسناً للإنسان أن يندفع ويسلك في طريق بدون معرفة وإلا سيكتشف مؤخراً أنه أخطأ. بل أن النفس التي بلا معرفة لن تتميز عن الحيوانات (مز20:49). والنفس هي من الله فأن تبقي النفس بلا معرفة لله فهذا خطر على النفس وشر عظيم لها بل هو حكم بالموت عليها ومن ليس له معرفة يندفع في تصرفاته وقراراته وبالتالي يخطئ وللأسف فإن الجاهل حين يكتشف أنه أخطأ في قراره عوضاً عن أن يتوب ويطلب من الله أن يصلح ما أفسده هو بقراره نجده يخاصم الله= على الرب يحنق قلبه. فهو يثور على الله كأن الله هو السبب فيما وصل إليه.

 

آية (4): "الغنى يكثر الأصحاب والفقير منفصل عن قريبه."

للأسف فإن العالم الذي نعيش فيه هو عالم نفعي خالٍ من المشاعر الطيبة، نجد فيه أن الغني يشتري بماله القضاء، بل يصنع له أصحاب على الأرض ينتفع منهم لزيادة ثروته، وهناك من لا يرتبط سوى بالأغنياء لنيتفع منهم. ولكن هناك أغنياء حكماء يشترون أصدقاء سمائيين بمال الظلم (مثل وكيل الظلم) ولنعلم أن المسيح أحبنا وإرتبط بنا ونحن فقراء خطاة بل كنا لا نحبه ولا نعرفه، وعلينا أن نحبه الآن فهو الغني.

 

آية (5): "شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب لا ينجو."

قد يفلت الكاذب أو شاهد الزور ولكن هذا يكون لوقت قصير ثم يظهر الحق وكل معصية تنال مجازاة عادلة حتى هنا على الأرض.

 

الآيات (6،7): "كثيرون يستعطفون وجه الشريف وكل صاحب لذي العطايا. كل اخوة الفقير يبغضونه فكم بالحري أصدقاؤه يبتعدون عنه من يتبع أقوالاً فهي له."

راجع عدد (4) ولنذكر أن المسيح عاش كواحد من الفقراء وسماهم إخوته. يبغضونه= الأصل العبري يحتمل القول يبغض ويحتمل ترجمته يحبونه أقل والمعنى أن الفقير سيتركه أصدقاؤه ويهجرونه. ولكنهم يلتصقون بالأغنياء طمعاً في عطاياهم (هل نلتصق بالله الغني والذي يعطي بسخاء ولا يُعيِّر). وإن كان الإنسان لأجل مصلحته يخدم الغني فكم بالأولى علينا أن نخدم الله (أش2:1-4). وكثيرون يستعطفون وجه الشريف فهل نستعطف الله بتوسلاتنا عوضاً عن أن نتوسل للناس. المفهوم من الآية أن الفقير يلاحق الغني ويتوسل له. من يتبع أقوالاً فهي له= هذه تترجم "يلاحق (أصدقاؤه) بتوسلاته ولا يجد لهم أثراً" وتترجم أنه "يلاحقهم بأقواله ولكنهم يهجرونه". وترجمتنا العربية تضيف لهذه الترجمات وتبلورها، فكون الفقير يلاحق الغني بتوسلاته وأقواله وشرح ظروفه والغني يعطيه أقوالاً فقط لا تغني ولا تسمن من جوع ليس هذا هو الطريق الذي يوصى به الكتاب المقدس، بل يوصينا أن نثق في الله فقط فوعوده لا يتركها أبداً. أما كوننا نثق في أقوال بشر، هم بسهولة يتركوننا فكأننا نجري وراء سراب ونستحق ما يحدث لنا. هي له= أي من يصدق وعود البشر التي لا تزيد عن كونها أقوال ووعود وسراب سيكون له هذا السراب واللا شئ.

 

آية (8): "المقتني الحكمة يحب نفسه الحافظ الفهم يجد خيراً."

الحافظ الفهم= أي يحرسه كما يحرس كنزاً. والسالك باستقامة يكون له سلاماً حقيقياً (2تي14:3،15).

 

آية (9): "شاهد الزور لا يتبرأ والمتكلم بالأكاذيب يهلك."

هذه تشابه آية (5) مع فارق أن هنا حكم بهلاك الشخص يوم الدينونة.

 

آية (10): "التنعم لا يليق بالجاهل كم بالأولى لا يليق بالعبد أن يتسلط على الرؤساء."

هنا أمرين غير لائقين [1] أن ينعم جاهل بثروة فهو سيضعها على شهواته فهو يسئ تقدير كل شئ، بل إن الثروة هي شرك للحكيم فكم بالأولى الجاهل. والأب الغني إن كان حكيماً لا يترك ثروة كبيرة في يد إبنه الصغير حتى لا يفسد. [2] أن يتسلط عبد على سيده نتيجة للظروف الغريبة. وكل من كان أصله بسيط إذا تسلط يتحول إلى طاغية.

 

آية (11): "تعقل الإنسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية."

الإنسان الروحي يتعلم أن يدين نفسه كما قال داود "الله قال لشمعي اشتم داود" لذلك هو يستطيع أن يضبط نفسه إذا أخطأ إليه أحد. وكلما زادت حكمة إنسان تشبه بالله طويل الأناة وكان غضبه أبطأ. بل أن الوقت الطويل يحل المشاكل أو يحل معظمها بالإضافة إلى أنه بمضي الوقت يكون هناك فرصة لفحص الأمور بدقة وقد يكون الانفعال بلا مبرر. وفخره الصفح= هو فخر للإنسان أن يصفح لمن أساء إليه متشبهاً بمسيحه.

 

آية (12): "كزمجرة الأسد حنق الملك وكالطل على العشب رضوانه."

كم ينطبق هذا على المسيح ملك الملوك يوم يأتي كديان.

آية (13): "الابن الجاهل مصيبة على أبيه ومخاصمات الزوجة كالوكف المتتابع."

 

الوكف= الماء المتساقط كقطرات من سقف غير محكم أثناء وبعد المطر. ومن سقفه بهذا الحال لا يجد راحة فهو لا يستطيع النوم أو الوقوف أو العمل. وهكذا تُشَّبّهْ المرأة المخاصمة بهذا الوكف لما في معاشرتها من إزعاج وضجر لرجلها. ونرى هنا ارتباط بين الابن الجاهل والمرأة كثيرة الشجار والخصام فكثرة الشجار بين الآباء تولد أبناء غير خاضعين لهم بل لا يحترمونهم.

 

آية (14): "البيت والثروة ميراث من الآباء أما الزوجة المتعقلة فمن عند الرب."

الزواج المسيحي مرتب من الله (اسحق ورفقة). لذلك لا يجب أن ينفصم ونلاحظ أن حالة البيت في آية (14) هي ضد البيت في آية (13). والبيت المؤسس باختيار الله يفضل عن بيت وارث للغني عن أبويه.

 

آية (15): "الكسل يلقي في السبات والنفس المتراخية تجوع."

إضاعة الوقت خطية (تنطبق هذه الآية مادياً وأيضاً روحياً).

 

آية (16): "حافظ الوصية حافظ نفسه والمتهاون بطرقه يموت."

المتهاون بطرقه= محتقر طرق الرب وهو الذي لا يحفظ وصايا الرب. فوصايا الرب هي كلام حياة وتاركها يكون قد اختار طريق الموت متصوراً أنه حر بينما هو قصير النظر.

 

آية (17): "من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه."

الله أطلق على الفقراء أخوته. والله لا ينسى أجر كأس ماء بارد. (أرملة صرفة صيدا وإيليا + مت34:25). والمطلوب ليس المال فقط بل العطاء بمحبة.

 

آية (18): "أدب ابنك لأن فيه رجاء ولكن على أماتته لا تحمل نفسك."

مطلوب من الأب تأديب ابنه بحزم. ولكن ليحذر الآباء من أن يكون تأديبهم لأولادهم هو نوع من التنفيس عن الغضب الهائج ضد أولادهم. فالغضب الهائج هو يكون بمثابة إماتة لهم= ولكن على إماتته لا تحمل نفسك= إلا أن التساهل أيضاً وعدم الحزم هو إماتة، بل قد يدفعه للإنحراف فيموت بسيف الحاكم أو مع الأشرار.

 

آية (19): "الشديد الغضب يحمل عقوبة لأنك إذا نجيته فبعد تعيد."

لأنك بعد تعيد= كثير الغضب هو كثير الشجار والمشاكل نتيجة تهوره ويكرر حماقاته وصديقه الذي يتدخل لحل مشكلة له سيتكرر نداؤه كثيراً. ومثل هذا يورط أصدقاؤه معه والذين يدافعون عنه. وهو بإندفاعه سيجلب على نفسه مجازاة عادلة= يحمل عقوبة.

 

الآيات (20،21): "اسمع المشورة واقبل التأديب لكي تكون حكيماً في أخرتك. في قلب الإنسان أفكار كثيرة لكن مشورة الرب هي تثبت."

هناك أفكار كثيرة في قلب الإنسان منها ما هو:

1-    ضد مشورة الله (مز1:2-3 + مي11:4-13)

2-    بغير مشورة الله (يع13:4) فالإنسان لم يصلي ليطلب مشورة الله.

3-    ليست بحسب فكر الله كمشورة رفقة لابنها يعقوب، وهي ليست مشورات مقدسة.

4-  مشورة بحسب فكر الله وهذه هي التي ستثبت. فالله يضحك على كل مؤامرات الأشرار وهذا ما يعطي راحة وفرحاً لشعب الله. ومشورة الله ستتم في الوقت المناسب وهي التي ستسود (أش24:14 + 11:46). وإزدراء المشورة حمق فكم بالأولى لو كانت المشورة هي مشورة الله ووصيته وإرادته.

 

آية (22): "زينة الإنسان معروفه والفقير خير من الكذوب."

الشق الأول من الآية يحث الإنسان على أن يقدم خدمات للناس والشق الثاني يطلب منا أن لا نندفع فنعطي وعوداً ليس في إمكاننا تنفيذها. فالفقير الذي لا يملك خيرٌ من الغني أو الذي يدعى أنه قادر وهو كاذب لن يفعل. فأن نقول لا نقدر خيرٌ من أن نَعِدْ ولا نوفي.

 

آية (23): "مخافة الرب للحياة يبيت شبعان لا يتعهده شر."

قارن مع (مز91). فإبن الله قد يتعرض لبعض الآلام ولكنها لا تكون لأذيته بل للخير.

 

آية (24): "الكسلان يخفي يده في الصحفة وأيضاً إلى فمه لا يردها."

مع أن وسائل التغذية ومقومات الحياة متوافرة لدى الكسول لكنه لكسله لا يستفيد مما هو بين يديه. وهنا تصوير فيه مبالغة كأن الكسلان جالس أمام مائدة الطعام وبينما يده في وسط الطعام يغلبه الكسل أو النوم فلا يرفع يده بالطعام إلى فمه مفضلاً الجوع عن أن يعمل عملاً (هذا ينطبق على الغذاء الروحي وإهمال دراسة الكتاب).

 

آية (25): "اضرب المستهزئ فيتذكى الأحمق ووبخ فهيماً فيفهم معرفة."

 إن ترك المستهزئ بلا توبيخ قد يكون سبباً لأن الجهال يظنون أن أخطائهم هي بلا عقاب. أما الفهيم فلا توجد مشكلة في أن نكشف له خطأهُ فهو يقدر الحق.

 

آية (26): "المخرب أباه والطارد أمه هو ابن مخز ومخجل."

مرة هي الأحزان التي يتسبب فيها الأبناء المتمردين. فعلي الأباء الاهتمام بتربية أبنائهم.

 

آية (27): "كف يا ابني عن استماع التعليم للضلالة عن كلام المعرفة."

لا يجب أن يستمع الإنسان للكلام الباطل. وينطبق هذا على من يترك تعليم كنيسته القويم ليسمع هرطقات مخالفة عند طوائف غريبة مدعياً أن في هذا عدم تعصب.

 

الآيات (28،29): "الشاهد اللئيم يستهزئ بالحق وفم الأشرار يبلع الإثم. القصاص معد للمستهزئين والضرب لظهر الجهال."

الشاهد اللئيم= المعنى أو الكلمة الأصلية شاهد بليعال ومعناها شئ تافه وهي كناية عن طريق إبليس وأتباعه. يستهزئ بالحق= هؤلاء الأشرار لا يشهدون بالحق (القضاة في قصة سوسنة) هم يشهدون ضد البرئ لأذيته ولأغراضهم الدنيئة. وطرق هؤلاء ضد الله، فالله هو الحق. فم الأشرار يبلع الإثم= أي يعيش عليه كأنه طعامه. ولكن هناك عقاباً ينتظر مثل هؤلاء فالله لا ينام (مت41:25) وسيعاقب هؤلاء الذين يفرحون بكل فرصة تأتيهم للشر والغش (أي16:15).


 

الإصحاح العشرون

آية (1): "الخمر مستهزئة المسكر عجاج ومن يترنح بهما فليس بحكيم."

عجاج= الخمر يقود الإنسان لثورة صاخبة مستهزئة. الخمر مثل أي شئ لو أسئ استعمالها لصارت مهلكة للإنسان، والمدمن الخمر أو السكير يهلك نفسه صحياً ومالياً وأدبياً وعائلياً... وهي مستهزئة فهي تغرر بالإنسان وتفقده كرامته (نوح كمثال) فالسكير يتحول إلى مستهزئ وأيضاً يستهزئ به الناس وهو فاقد لوعيه. ولكن هناك استعمالات صالحة للخمر (1تي23:5). "كل الأشياء تحل لي لكن ليس كل الأشياء توافق".

 

آية (2): "رعب الملك كزمجرة الأسد الذي يغيظه يخطئ إلى نفسه."

راجع (رو1:13 + 1بط13:2). السلطان من قبل الله فيجب احترام الملك. ولنقارن هذه الآية مع من يخطئ إلى ملك الملوك ويغيظه.

 

آية (3): "مجد الرجل أن يبتعد عن الخصام وكل أحمق ينازع."

الأكثر حكمة هو من في المخاصمات يعترف بخطأه ويبتعد عن المنازعات الكثيرة (في5:4) بل لو كان التنازل عن بعض الحقوق فيه طريق للسلام فليكن هذا أفضل (تك8:13 إبراهيم ولوط).

 

آية (4): "الكسلان لا يحرث بسبب الشتاء فيستعطي في الحصاد ولا يعطى."

الجوع جزاء للكسل. ولاحظ حجة الكسول هنا هي برد الشتاء.. ودائماً هناك حجة حتى لا يعمل. ولكن من يزرع بالدموع يحصد بالابتهاج. وعلى الخادم أن يخدم في الشتاء أي وسط البرودة الروحية ليجد ثمر، علينا أن نجتهد لنملأ أوعيتنا كالعذارى الحكيمات.

 

آية (5): "المشورة في قلب الرجل مياه عميقة وذو الفطنة يستقيها."

الحكيم لا يتكلم كثيراً بل يخفي حكمته داخله كما لو كان بئراً عميقة. ومن يكتشف هذا الحكيم سيستفيد من حكمته كما ينتعش المرء من مياه البئر العميقة. ويكون من يكتشفه هو ذو الفطنة. بينما الجاهل يظنه لا يعرف شيئاً فهو لا يتكلم كثيراً مثل الجهال.

 

آية (6): "اكثر الناس ينادون كل واحد بصلاحه أما الرجل الأمين فمن يجده."

كل إنسان مستعد أن يعلن طهارته كما فعل أيوب دون أن يعرف حقيقة قلبه. وهكذا يفعل الفريسيين فهم يعلنون طهارتهم ويسرون بهذا.. ويطيلون أهدابهم. ولكن الأمين حقيقة هو من اختبر الرب وقداسته فإكتشف خطيته واعترف بها (كمن يكتشف بقع في ثوبه في النور).

 

آية (7): "الصديق يسلك بكماله طوبى لبنيه بعده."

لا يوجد من هو بلا خطية (جا20:7 + 1يو8:1). والبار حقيقة هو من يعلن بره بسلوكه وليس بشفتيه، وأولاد مثل هذا البار لهم بركة (إبراهيم ونسله).

 

آية (8): "الملك الجالس على كرسي القضاء يذري بعينه كل شر."

الملك العادل هو من يضع في قلبه أن يحكم بالعدل ويبحث عن راحة شعبه لا عن لذته هو. وهو يحكم بعدل وحياد ولا تؤثر رعيته عليه فهو مطلق السلطان، وهو يفحص رعيته ليكتشف من منهم الشرير فيعاقبه. وإذا كانت هذه صفات ملك من البشر فكم بالأولى الله ذي العين الفاحصة.

 

آية (9): "من يقول أني زكيت قلبي تطهرت من خطيتي."

إذا كنا كلنا مكشوفين أمام الله فما فائدة أن نعلن بشفاهنا برنا. ولنعلم أنه لا يبررنا شئ سوى دم المسيح، فلماذا نفتخر بأي بر فينا، فكل بر فينا وكل عطية صالحة نازلة من فوق من عند أبي الأنوار فلماذا ننسبها لأنفسنا. ولم ولن يوجد إنسان يستطيع أن يقول أنه بلا خطية سوى المسيح "من منكم يبكتني على خطية".. رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ". أما البشر فلا يوجد منهم من يستطيع أن يقول هذا (رو24:7).

 

آية (10): "معيار فمعيار مكيال فمكيال كلاهما مكرهة عند الرب."

معيار فمعيار= أي معايير مختلفة للمعيار الواحد بقصد الغش. وهذا الغش دليل إنعدام الكمال. وكانت هناك رذيلة منتشرة وسط اليهود استخدام معيار للشراء وآخر للبيع بقصد الغش والمكسب السريع لحبهم في المال. والله لا يبارك في تجارة كهذه فما يأتي بالغش يذهب بالغش.

 

آية (11): "الولد أيضاً يعرف بأفعاله هل عمله نقي ومستقيم."

هذه دعوة لأن نتشبه بالأطفال الصغار، الذين لم يتعلموا إخفاء الحقيقة وإذا أخطأوا يسرعون بالاعتراف ويظهر هذا على وجوههم ويعتذرون سريعاً طالبين الصفح بلا كبرياء ولا مكابرة.

 

آية (12): "الأذن السامعة والعين الباصرة الرب صنعهما كلتيهما."

الرب يمنح المتكلين عليه عيناً مبصرة وأذن صاغية ليعرفوا مشيئته ويسمعوا صوته فيخضعوا لإرادته، وهذه يعطيها الله لمن يعترف بنقصه واحتياجه ويطلبها. وإذا حافظنا على طهارة حواسنا الخارجية سيارك الله في حواسنا الداخلية فنرى ونسمع ونعرف إرادته.

 

آية (13): "لا تحب النوم لئلا تفتقر افتح عينيك تشبع خبزاً."

(راجع أف 15:5،16).

 

آية (14): "رديء رديء يقول المشتري وإذا ذهب فحينئذ يفتخر."

هذا نوع شائع من الخداع. فالمشتري يبخس السلعة التي يريد شرائها ليحصل عليها بأقل سعر فيظلم صاحبها وحين يفعل يبتهج إذ بذكائه خدع صاحب السلعة وهذا أيضاً خطأ للبائع إذا أعطى للسلعة التي يبيعها مواصفات أكثر من قيمتها والله لا يبارك أي غش.

 

آية (15): "يوجد ذهب وكثرة لآلئ أما شفاه المعرفة فمتاع ثمين."

الحكمة الإلهية التي يعطيها الله لأحبائه لهي أثمن من الذهب واللآلئ بل هي أندر. وهي تعطي زينة حقيقية لمن يمتلكها. بل هي تقود للغني ونقصها يقود للفقر.

 

آية (16): "خذ ثوبه لأنه ضمن غريباً ولأجل الأجانب ارتهن منه."

الخراب جزاء لمن يسلك بغير حكمة في ضمان الغرباء. والأجانب هنا تشير للغرباء الذي لا يعرفهم الضامن أو يشيروا للمرأة الأجنبية (الزانية) التي يرتهن الجاهل ماله للزنى معها.

 

آية (17): "خبز الكذب لذيذ للإنسان ومن بعد يمتلئ فمه حصى."

خبز الكذب= قد يكون قوت الإنسان الذي يحصل عليه بالغش والخديعة. وقد يكون هو كل مسرات وملذات الخطية فهي لذات مسروقة وفاكهة محرمة، وهي خبز كذب لأنها خادعة لمن يحصل عليها، تعده بالشبع ولا تشبعه. وكل خبز كذب يكون أولاً حلواً في الفم ثم يتحول لحصى.

 

آية (18): "المقاصد تثبت بالمشورة وبالتدابير اعمل حرباً."

الإندفاع والتهور يتسببا دائماً في الخسائر. لذلك علينا أن نتشاور قبل أن نندفع مع من عُرِفَ عنهم الحكمة (لو31:14،32). وعلى الملك أن لا يعمل حرباً قبل أن يتشاور مع حكمائه. وهكذا علينا في حروبنا الروحية سؤال الآباء المختبرين قبل الاندفاع في أي طريق.

 

آية (19): "الساعي بالوشاية يفشي السر فلا تخالط المفتح شفتيه."

مفتح شفتيه= هو من يتملقك في وجهك، ومثل هذا يشي بك في الخلف، فلا تثق به.

 

آية (20): "من سب أباه أو أمه ينطفئ سراجه في حدقة الظلام."

على الابن أن يكرم أبويه حتى لو كانوا غير كاملين فمن لا يكرم أبويه لا يكرم الله. وعقوبته ينطفئ سراجه= أي لا يكون له ذرية فالشريعة تحكم برجمه، وإن لم يرجموه بحسب الشريعة فالله سينتقم منه بأن يقصر حياته (الوصية الخامسة) وتنعدم البركة في حياته فتصير حياته مؤلمة بل يخسر أبديته.

 

آية (21): "رب ملك معجل في أوله أما أخرته فلا تبارك."

الملك المعجل= هو من يريد أن يحصل على أكبر قدر من الميراث وبأسرع وقت ممكن وبوسائل مشروعة وغير مشروعة. وفي سبيل هذا لا يهتم الشخص بإثارة الأحقاد والخصومات مع أقربائه، ومثل هذا لا يبارك له الله فيما يحصل عليه.

 

آية (22): "لا تقل أني أجازي شراً انتظر الرب فيخلصك."

هنا دعوة لكل إنسان أن لا يفكر في الانتقام لنفسه، بل علينا أن نستودع حياتنا بين يدي الله مهما كنا مظلومين (رو17:12-19). ولنأخذ مثال شتيمة شمعى لداود. فداود سلم أمره لله واعتبر أن الله يؤدبه على خطاياه بسماحه لشمعي أن يشتمه وبهذا تقبل الأمر على أنه من يدي الله، هو غض النظر عن كل ما هو فرعي في الموضوع ناظراً للرب نفسه ضابط الكل وهو المسئول عنه. فأعطاه الله سلاماً وأتى اليوم الذي سجد فيه شمعي لداود.

 

آية (23): "معيار فمعيار مكرهة الرب وموازين الغش غير صالحة."

راجع آية (10) وهذه الآية تنطبق على من يدين الآخرين على خطأ ما ولا يدين نفسه على نفس الخطأ.

 

آية (24): "من الرب خطوات الرجل أما الإنسان فكيف يفهم طريقه."

الله وحده يعلم بداية كل طريق ونهايته فعلينا التسليم لإرادته. فإذا نجح طريق لنا فلأن الرب بارك فيه، وإن لم ينجح وتوقف فلأن الرب يعلم أنه ليس في صالحنا.

 

آية (25): "هو شرك للإنسان أن يلغو قائلا مقدس وبعد النذر أن يسأل."

من الحماقة أن نتسرع في نذورنا وننذر شئ ثم نكتشف أنه خطأ (يفتاح كمثال) فبعد أن ننذر نحاول أن نتنصل ونعتذر. فعلينا أن نسأل قبل أن ننذر.

 

آية (26): "الملك الحكيم يشتت الأشرار ويرد عليهم النورج."

الملك الحكيم ينزع الأشرار من مملكته. والمقصود هنا فصل الحبوب عن القش.

 

آية (27): "نفس الإنسان سراج الرب يفتش كل مخادع البطن."

نفس الإنسان سراج الرب= هي ضمير الإنسان وعقله اللذان يفحص بهما الأمور. وقد تكون النفس هي الروح أي نفخة الله وبها ندرك الأمور المادية والروحية (1كو11:2-15) وهي سراج وضعه الرب فينا لنرى طريقنا. ومن هنا فالله هو أبو الأنوار (يع17:1) لأنه أبو الأرواح ومصدرها فهي نفخة منه. وبنفخة الله ونوره الذي في كل إنسان يتميز البشر على كل الخليقة بل للإنسان سلطان على الخليقة. ومهما كان الإنسان بدائياً فله هذا القبس من النور الذي يدفعه أن يبحث عن خالقه. وعن طريق الروح يكلم الله الإنسان ويسكب نوره في كل مخدع في كيانه، وبه يفتش الإنسان في أعماقه فيكتشف عيوبه فيقدم توبة. وبهذا النور ينشأ الإحساس بالحاجة إلى الله. ولكن من يطفئ الروح فلا يكون له هذا النور لذلك "لا تطفئوا الروح".

 

آية (28): "الرحمة والحق يحفظان الملك وكرسيه يسند بالرحمة."

رأينا في (26) عدل الملك وهنا نرى الرحمة والحق (الصليب) وبالرحمة والحق يحب الشعب ملكه.

 

آية (29): "فخر الشبان قوتهم وبهاء الشيوخ الشيب."

الشباب مرادف للقوة (1يو14:2) والشيخوخة مرادفة للحكمة والاختبار والوقار فلكل سن حسناته وبالشباب والشيوخ تتكامل الكنيسة.

 

آية (30): "حبر جرح منقية للشرير وضربات بالغة مخادع البطن."

الله يسمح بالتأديب لتنقية أولاده مثل الطبيب الذي يجرح لينقي ويشفي الشر المستتر. حُبُر جرح= الندبة الناشئة عن التئام جرح. وعند التئام جرح تحدث بعض الآلام ولكنها لازمة لشفاء الجرح. ضربات بالغة مخادع البطن= الضربات تنقي أعماق الجوف.


 

الإصحاح الحادي والعشرون

آية (1): "قلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله."

المعنى أن الله يسيطر على الملوك كما يتحكم الساقي في حفر جداول الماء. والإشارة هنا لطريقة الري التي كانت متبعة في الشرق، فجدول الماء يوجد أمامه عدد من القنوات وكل قناة تسقي أرضاً معينة ولكن هذه القنوات لها سد يغلقها أمام كل قناة. والساقي يفتح السد الذي يريده فتجري المياه تروي الأرض المطلوبة، والمياه تشير للخير. والمثل يعني أن الله في يده أن يجعل الملك يفيض بالخير على الأشخاص الذين يريد الله أن يكافئهم (عز27:2 + أحشويروس مع أستير واليهود + كورش وملاطفته للشعب بعد أن رأي نبوات أشعياء وأرمياء عنه. والله قادر أن يقسي قلوب الملوك كما حدث مع فرعون + رؤ17:17). ونفهم الآية أن الله قادر أن يتحكم في قلوب الملوك، بل في قلب أي إنسان ويقنعه بما يريد.

 

آية (2): "كل طرق الإنسان مستقيمة في عينيه والرب وازن القلوب."

الإنسان يميل أن يبرز ذاته ويتسامح مع نفسه ولكنه يدين الآخرين بشدة. ولكن ليس المهم نظرتي أنا لنفسي بل نظرة الله إلىّ (1كو4:4) وربما ليس سهلاً أن اعترف أنني مخطئ وخصمى هو المحق. ولكن المهم والحيوي لنفوسنا أن نقف كخطاة أمام الله وهو يحكم بحسب رحمته.

 

آية (3): "فعل العدل والحق افضل عند الرب من الذبيحة."

الله لا يُسَّرْ بالذبائح إذا انعدمت الاستقامة من القلب، فالله لا يحب الممارسات الشكلية بينما القلب غارق في فساده (مز16:51،17 + 1صم22:15 + أش11:1 + هو6:6 + مي7:6،8 + مر33:12).

 

آية (4): "طموح العينين وانتفاخ القلب نور الأشرار خطية."

طموح العينين= الترجمة الأصلية النظرة المتعالية. انتفاخ القلب= القلب المتكبر. نور الأشرار هو ما يبدو حميداً من المتكبر لكنه لأنه صادر من متكبر فهو خطية. فالمتكبر لا يصنع شيئاً لمجد الله بل لمجد نفسه ولزيادة إعجاب الناس به ولإشباع شهوته المتكبرة. الجذر الفاسد تكون فروعه فاسدة.

 

الآيات (5-7): "أفكار المجتهد إنما هي للخصب وكل عجول إنما هو للعوز. جمع الكنوز بلسان كاذب هو بخار مطرود لطالبي الموت. اغتصاب الأشرار يجرفهم لأنهم أبوا إجراء العدل."

الغنى المحصل بالأمانة والكد يسر صاحبه أما من يريد الكسب السريع= العجول بالغش والاغتصاب فلن يجد بركة بل تعاسة وشقاء بل سيفقد كل شئ ويفتقر. وغناه سيكون وقتياً. إغتصاب الأشرار يجرفهم= ظلم الأشرار سيجرفهم كما في شبكة فهم عرضوا أنفسهم لغضب الله فلم يعد يحميهم، وعرضوا أنفسهم لحقد الآخرين وطمع الأشرار فيهم وعرضوا أنفسهم لصراخ الذين ظلموهم.

 

آية (8): "طريق رجل موزور هي ملتوية أما الزكي فعمله مستقيم."

رجل موزور= رجل أثيم صاحب أوزار. ومثل هذا طرقه كطرق الحية كلها مكر وضد الشرف.

 

آية (9): "السكنى في زاوية السطح خير من امرأة مخاصمة وبيت مشترك."

أن يسكن الإنسان في علية فوق السطح، هذا أفضل من السكن في بيت فخم مع امرأة مخاصمة كثيرة الشجار فتفقد البيت سلامه، وأطفالها يتعلمون عدم احترام الوالدين ويسخر منهم جيرانهم. وما أحلى بيوت أولاد الله بيوت الطهارة والصلاة والمحبة والبركة.

 

آية (10): "نفس الشرير تشتهي الشر قريبه لا يجد نعمة في عينيه."

صاحب النفس الشريرة تكون عينه شريرة غير بسيطة، هذا يتلمس سقطة حتى لقريبه مهما كان باراً، هذا لن ينجو أحد من عينيه الشريرة التي تبحث عن كل سقطة.

 

آية (11): "بمعاقبة المستهزئ يصير الأحمق حكيماً والحكيم بالإرشاد يقبل معرفة."

قارن مع (1تي20:5). فمن يستهزئ بالعقيدة وبالوصايا يجب مقاومته علانية حتى لا ينخدع البسطاء وينجذبوا إلى طريقه الفاسدة.

 

آية (12): "البار يتأمل بيت الشرير ويقلب الأشرار في الشر."

البار لا يحسد الشرير على نجاحه الوقتي فهو يعرف أنه لا فائدة من وراء الشر. ويقلب الأشرار في الشر= المقصود أن الله هو الذي يقلب الأشرار في الشر. وفي الترجمة الإنجليزية الآية كلها منسوبة لله فالبار هو الله الذي يتأمل بيت الشرير ليعاقبه على شره.

 

آية (13): "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين فهو أيضاً يصرخ ولا يستجاب."

الغني الذي حرم لعازر من الطعام حُرِم من نقطة ماء وهو في الجحيم (عكس هذا السامري الصالح).

 

آية (14): "الهدية في الخفاء تفثأ الغضب والرشوة في الحضن تفثأ السخط الشديد."

تفثأ الغضب= أي يسكنه ويكسر حدته. ولا شئ يكسر حدة الغضب سوى فعل الخير للشخص الذي ينوي السوء. بشرط أن تكون الهدية (مسماة هنا رشوة) في الخفاء حتى لا يفهم أنها تّصُّنَعْ وخديعة وليست حقيقة من القلب للتصالح. وما يجري سراً لا يمكن تأويله وتحريفه والتصوير هنا كأن الغضب هو نفخ في بالونة والهدية كأنها ثقب فيها (أبيجايل وهديتها ويعقوب وعيسو).

 

آية (15): "إجراء الحق فرح للصديق والهلاك لفاعلي الإثم."

الإنسان البار يسر بالبر بينما الظالم يعتقد أن العدالة الأدبية قد تؤدي للتلف والخراب (رؤ9:18). بل إن البار يفرح حين تطبق الحكومة قوانين صارمة ضد الشر، أما الشرير فيري في هذا خرابه. الهلاك لفاعلي الإثم= فاعلي الإثم مصيرهم الهلاك.

 

آية (16): "الرجل الضال عن طريق المعرفة يسكن بين جماعة الأخيلة."

الأخيلة= الموتى. ومن يضل عن طريق الله يموت "لك اسم انك حي وأنت ميت". يسكن= بمعنى يستقر وسط جماعة الهاوية. الرجل الضال= من عرف طريق الله ثم إرتد عنه فمصيره الجحيم.

 

آية (17): "محب الفرح إنسان معوز محب الخمر والدهن لا يستغني."

محب الفرح= محب اللذات. محب الخمر والدهن= محب الإنغماس في اللذات. لا يستغني= سيفتقر هذا ما حدث مع الابن الضال ويحدث لكل مسرف.

 

آية (18): "الشرير فدية الصديق ومكان المستقيمين الغادر."

الشرير فدية الصديق= العدالة تقول أن المجرم يجب عقابه لكي ينجو البرئ. والله يقطع الشرير ليعطي نجاة للبار. بل نرى أن الله كثيراً ما وضع الشرير مكان البار (هامان صُلِبَ على الصليب الذي أعده لمردخاي). وعقوبة عاخان كان فيها نجاة لإسرائيل البرئ. مكان المستقيمين الغادر= أي الله يضع الغادر الشرير مكان المستقيم الذي دبرت ضده المؤامرة والعجيب أن المسيح البار أخذ مكاننا نحن الخطاة لينجينا ونحن أشرار.

 

آية (19): "السكنى في ارض برية خير من امرأة مخاصمة حردة."

ارض برية= أرض مقفرة، امرأة حردة= غضوب. وهذه تخلق التعاسة لبيتها.

 

آية (20): "كنز مشتهى وزيت في بيت الحكيم أما الرجل الجاهل فيتلفه."

الكنز المشتهى= الثروة المطلوبة وقت الحاجة. الزيت= كناية عن الخير والوفرة. والحكيم بتدبيره وإنفاقه بحكمة وباجتهاده وببركة إلهه معه لن يعوزه شئ. والعكس مع الجاهل الذي لا يفكر غير في لذة اللحظة الحاضرة فيضيع كل ما يملك ويفتقر ولا يعمل حساب المستقبل (الابن الضال).

 

آية (21): "التابع العدل والرحمة يجد حياة حظاً وكرامة."

كلمة حظ مترجمة في الإنجليزية بر. فأن نسلك بالعدل والرحمة فهذا هو الطريق لنحيا في كرامة وتكون لنا حياة أفضل. والسيد المسيح طلب منا أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره وهذه الباقية ستزاد لنا (مت33:6) فمن يطلب ملكوت الله وبره تزاد له الحياة والكرامة. والعدل الذي يجب أن نسلك فيه هو البر، فأن نحاول أن نسلك بالبر (جهاد) يعطينا الله حياة كلها بر (نعمة). فمن يسعى وراء البر سيجد البر لأن الله سيعطيه نعمة أن يسلك في البر.

 

آية (22): "الحكيم يتسور مدينة الجبابرة ويسقط قوة معتمدها."

يتسور= يتسلق أو يسقط سور المدينة ليهزمها وهذا ما حدث مع داود حين أسقط مدينة يبوس (أورشليم) وسقطت بابل بأسوارها المنيعة أمام كورش. وهكذا تنطبق الآية على أعدائنا الروحيين (2كو4:10). فالله يعطينا حكمة نقهر بها أعدائنا الروحيين.

 

آية (23): "من يحفظ فمه ولسانه يحفظ من الضيقات نفسه."

أهمية السيطرة على اللسان (يع3) فالأقوال غير الحكيمة تسبب مشاكل كثيرة.

 

آية (24): "المنتفخ المتكبر اسمه مستهزئ عامل بفيضان الكبرياء."

الكبرياء تعرض الإنسان للخطية فهي تسبب غضباً كله كبرياء لأقل إهانة ويندفع هذا المتكبر الغاضب في سيل من الإهانات وكلمات الوعيد لمن أخطأ في حقه وهذا يعرض المتكبر لسخرية الناس ويصبح له اسماً سيئاً وسمعة رديئة ويسمونه المستهزئ أو المنتفخ.

 

الآيات (25،26): "شهوة الكسلان تقتله لأن يديه تأبيان الشغل. اليوم كله يشتهي شهوة أما الصديق فيعطي ولا يمسك."

الكسلان يشتهي ولكنه لا يعمل ليحص على شئ، كله أمال ولكنه لا يسعى، أما المجتهد فهو يعمل ويكسب ويشبع بل يسد أعواز المحتاجين لأنه يتبقي عنده ما يعطيه لهم. وإذا كان المجتهد باراً أي صِدِّيقاً فهو يتشبه بإلهه يعطي بسخاء ولا يعير. أما الكسول فلا يعمل ويحسد من يعمل وصار له الخير، وحسد الكسول يقتله غيظاً. ولاحظ فالكسول يريد أن يأخذ، والبار طبعه العطاء.

 

آية (27): "ذبيحة الشرير مكرهة فكم بالحري حين يقدمها بغش."

يقدمها بغش= بقصد شرير. فذبيحة الأثيم التي يقدمها وهو غير تائب تكون بغيضة وهذا ما حدث مع قايين. مثل هذا يبحث عن المظاهر، حتى يراه الناس، وهكذا صامت إيزابل الشريرة وهكذا نذر إبشالوم ليستروا حياتهم الشريرة. ولذلك وبخ سيدنا الفريسيين الذي اهتموا بالمظاهر وإطالة صلواتهم وسلبوا الأرامل.

 

الآيات (28،29): "شاهد الزور يهلك والرجل السامع للحق يتكلم. الشرير يوقح وجهه أما المستقيم فيثبت طرقه."

شاهد الزور= قد يصل لغرضه مؤقتاً ولكن هلاكه قادم أكيداً. فعلي الأقل حين ينكشف أنه شاهد زور قد يعاقب أو على الأقل يتلوث اسمه وسمعته. ولكنه إذا حلف كذباً فالله لابد وسيعاقبه. الرجل السامع للحق يتكلم= من يتكلم بالحق طبقاً لما سمعه وهذا يذكر قصة واحدة لا تتغير ويتكلم بثبات وثقة تجعل الناس يسمعونه بثقة. الشرير يوقح وجهه= الشرير الذي لا يهتم بقانون أو بشريعة إلهية يصلب وجهه ويقسيه حتى ضد صوت ضميره وضد إنذارات الله لمن هم مثله ويواصل أقواله وشهادته الزور والزائفة وطرقه الملتوية. أما الرجل المستقيم= هذا لا يبحث ماذا يجب أن يقال أو ماذا كان يجب أن يقال ولكنه يقول ماذا يرضى الله وماذا يرضى ضميري هذا سأقوله، الحق فقط هو ما يجب أن أقوله لذلك فهو يعرف طريقه ويوجهه بأمان دون تفكير ملتوي وبلا تخبط.

 

الآيات (30،31):"ليس حكمة ولا فطنة ولا مشورة تجاه الرب.الفرس معد ليوم الحرب أما النصرة فمن الرب."

مشورة الرب لن تنهزم أمام أي أعداء مهما كانت مكائدهم (مز3:27 + 2أي11:14-13). ولنلاحظ أن كل حكمة وكل قوة هي صادرة من الله، فكيف تستخدم أي حكمة أو أي قوة ضد مشورة الله. والفرس تشير لقوة الحرب فهو يستخدم في الحروب. وكان الآسيويون يستخدمون الفرس في الحروب والثور في حرث الأرض والحمير والجمال في رفع الأثقال والبغال في الحروب، وقد أدخل سليمان الجياد في الحرب. وكان الله قد منع ذلك (تث16:17) ولكنه هنا يعترف بأن الفرس وقوة الحرب هي باطل ولا شئ والنصرة فمن الرب.


 

الإصحاح الثاني والعشرون

آية (1): "الصيت افضل من الغنى العظيم والنعمة الصالحة افضل من الفضة والذهب."

الصيت= نفسي الكلمة تترجم أيضاً الاسم (تك47:11) والمقصود سمعة الشخص. وما أحلى أن تكون سمعة الشخص راجعة لأمانته لله. فأي اسم في الشهداء أفضل من مارجرجس وأي اسم أفضل من تلاميذ المسيح وبولس الذي تعب أكثر من جميعهم. وهكذا اهتم المسيح بأن تكون لنا سمعة حسنة "ليرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أبوكم الذي في السموات" أما الأموال الكثيرة فتأتي معها بالهموم، وماذا تنفعنا الأموال لو كانت سمعتنا رديئة.

 

آية (2): "الغني والفقير يتلاقيان صانعهما كليهما الرب."

هذه الآية تشير لأخوة البشر وهي نداء لكل متكبر حتى يفهم أن كل البشر هم أبناء آدم. وبعد الفداء والمعمودية نصير كلنا إخوة بمفهوم آخر فالله أبونا الواحد وكلنا مولودين من الماء والروح. وفي المجتمع العادي هناك تكامل بين الناس فالغني يعمل عنده الفقير فلا يستطيع الغني أن يعيش إن لم يعمل الفقير في مزارعه، ولن يستطيع الفقير أن يعيش إن لم يعمل عند الغني. وهكذا في الكنيسة نحن أعضاء جسد واحد ومتكاملين (1كو12:12-30). ولكل واحد منا دوره في الكنيسة فلا يجب أن يتعظم أحد على الآخر أو يحسد أحد الآخر. وما دام صانعهما كليهما الرب= أو أن الرب هو الذي أعطى لكل واحد دوره فلماذا ينتفخ واحد على الآخر.

 

آية (3): "الذكي يبصر الشر فيتوارى والحمقى يعبرون فيعاقبون."

الذكي روحياً هو من يتوارى في المسيح ويحتمي به (أم26:14 + مز7:32 + أش2:32) فاسم الرب برج حصين.. (أم10:18). وهكذا احتمي نوح من الطوفان في الفلك والفلك هو رمز الكنيسة. أما الجاهل فلا يتحذر من إعلانات الله الغاضبة ويندفع في طريق خطيته حتى الهلاك (فرعون كمثال لذلك).

 

الآيات (4،5): "ثواب التواضع ومخافة الرب هو غنى وكرامة وحياة. شوك وفخوخ في طريق الملتوي من يحفظ نفسه يبتعد عنها."

فخوخ= فخاخ (آلام/ مشاكل/ ضيقات/ أحزان.... ) ولنلاحظ النهاية لكل من المتواضع الذي يسلك في مخافة الرب والمتمرد على الله الملتوي في طرقه سواء على الأرض أو في السماء.

 

آية (6): "رب الولد في طريقه فمتى شاخ أيضاً لا يحيد عنه."

مهم جداً أن ينشأ الولد في جو ديني. فمن السهل غرس المبادئ والتأديب للصغار. فالغصن الأخضر يسهل ثنيه وتوجيهه أما الجاف فيصعب ثنيه إن لم يكن هذا مستحيلاً. لذلك واجب على الآباء توجيه أولادهم وخلق جو ديني مقدس يتربى فيه الابن فيخاف الله ويحبه.

 

آية (7): "الغني يتسلط على الفقير والمقترض عبد للمقرض."

من يهمل النصائح الإلهية يضطر للإقتراض وقد يقع في يد إنسان متكبر يستعبده ويذله ولنرى كم يعطينا الله بسخاء ولا يعيرنا.

 

الآيات (8،9): "الزارع أثماً يحصد بلية وعصا سخطه تفنى. الصالح العين هو يبارك لأنه يعطي من خبزه للفقير."

نرى هنا مقارنة تذكرنا بيقينية الحصاد طبقاً لنوع الزرع. عصا سخطه تغني من يزرع خطية وإثم، حتى وإن كان له سلطان أي عصا بها يضرب من يسخط عليه ستذهب منه هذه السلطة بل يصير أضحوكة لمن كان يؤدبهم بعصاه (فرعون كمثال). والعكس فنجد البركة للصالح العين= الذي ينظر بمحبة للمحتاج ولا ينظر له نظرة استعلاء. فالعين الصالحة تشير لقلب عطوف. الصالح العين له عين بسيطة (مت22:6).

 

آية (10): "اطرد المستهزئ فيخرج الخصام ويبطل النزاع والخزي."

المستهزئ= هو الشتام أو كل ذي كلام بطال، ومثال هذا يسبب مساوئ بالغة وسط جماعة المؤمنين (1كو11:5-13). وعزل مثل هذا واجب وإلا أفسد التعليم الصحيح للبسطاء.

 

آية (11): "من احب طهارة القلب فلنعمة شفتيه يكون الملك صديقه."

الملك يحب ويسر بالإنسان ذو القلب الطاهر. والذي تظهر كلمات النعمة على شفتيه، أو كلام النعمة يقوله= فلنعمة شفتيه (كو6:4). وهكذا يفرح ملك الملوك وهناك فرق بين كلام النعمة الصادر من قلب طاهر وكلام التملق.

 

آية (12): "عينا الرب تحفظان المعرفة وهو يقلب كلام الغادرين."

إن عين الرب على حقه الذي هو المعرفة الحقيقية والوحيدة، الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3). وهو يحرسه ليلاً ونهاراً ولا يدعه يسقط على الأرض، وعينه على خدامه الذين يتكلمون بكلامه بأمانة لينجح طريقهم فالله يريد لإيمانه الصحيح أن ينتشر في كل الأرض، أما الغادرين فالله ضدهم وسيهدم عملهم ولو نجح إلى حين.

 

آية (13): "قال الكسلان الأسد في الخارج فاقتل في الشوارع."

ما أكثر حجج الكسلان وتخيلاته التي يقدمها لمن يطالبه بأن يعمل.

 

آية (14): "فم الأجنبيات هوة عميقة ممقوت الرب يسقط فيها."

المرأة البطالة تخدع الجاهل بكلمات شفتيها، ومن يسير مع الله لا يسقط فيها ومن لا ترضى الرب طرقه يسقط فيها. هو ممقوت الرب أي الرب لا يحبه. هذا يسقط فيها أي في هذه الخطية كما في حفرة عميقة يصعب الخروج منها فهي تنجس الجسد والفكر والضمير.

 

آية (15): "الجهالة مرتبطة بقلب الولد عصا التأديب تبعدها عنه."

طيش الأولاد في السن الصغير يجب أن يقابل بالحزم وإلا فسد الأولاد. (إبشالوم كمثال) ولنعلم أن السبب هو في فساد طبيعتنا أصلاً. وهناك ميل طبيعي داخلنا لأن نخطئ ونتكلم بجهالة. والله يؤدبنا كأولاد بنفس المفهوم (عب6:12،7).

 

آية (16): "ظالم الفقير تكثيراً لما له ومعطي الغني إنما هما للعوز."

إن تجميع الثروة بواسطة ظلم الفقراء أو محاولة التملق للأغنياء بتقديم هدايا أو رشوة لهم، هم لا يحتاجون إليها لغناهم، أو من يظلم الفقير ليعطي رشوة للأغنياء، مثل هذه التصرفات نذير بأن يفتقر صاحبها وإن صادفه النجاح لفترة.

 

الآيات (17-21): "أمل أذنك واسمع كلام الحكماء ووجه قلبك إلى معرفتي. لأنه حسن أن حفظتها في جوفك ان تتثبت جميعاً على شفتيك. ليكون اتكالك على الرب عرفتك أنت اليوم. ألم اكتب لك أموراً شريفة من جهة مؤامرة ومعرفة. لأعلمك قسط كلام الحق لترد جواب الحق للذين أرسلوك."

من أول هنا حتى نهاية إصحاح (24) نجد سليمان يوجه كلامه كما لابنه أو مستمعه كتلميذ يسمع من معلمه. ومن أول هذه الآيات حتى نهاية ص (24) لا نجد الأمثال مستقلة كما رأينا سابقاً أن كل آية عبارة عن مثل لكننا نجدها كأنها عظات.

ألم أكتب لك أموراً شريفة= هي أمور شريفة لأن الله وكلامه أسمى قدراً من كل حكمة بشرية، وكلام الله يحدد لنا الطريق الأمين المستقيم الذي يجب أن نسلكه وهي أمور شريفة لأنها تليق بمن يسلك في طريق أبناء الله ملك الملوك. ولكن هذه الآية وردت في النص العبري هكذا "ألم أضعها أمامك في ثلاث طرق" أو مرة ثالثة. والكلمة تستعمل عن رئيس 3 أشخاص في عربة وهو الشخص الشريف المفضل. ويعني بهذا أن الكلام الذي يتكلم به من أسمى الأمور قدراً. إلا أن المفسرين تأملوا في كلمة ثلاثة طرق وقالوا هي ثلاث كتب سليمان (الأمثال- الجامعة- النشيد) وقالوا أنها أجزاء الكتاب المقدس في العهد القديم (الناموس/ الأنبياء/ الكتب المقدسة) بحسب التقسيم اليهودي. عموماً فكل الكتاب المقدس صالح للتعليم وهو كلام عن أمور شريفة. إلا أن رقم 3 هو رقم عام كرقم 7 يشير للكمال الإلهي، ويصبح المعنى أنني كتبت لك مراراً أن تتعلم الحكمة من كلام الله المقدس في الكتاب المقدس.

من جهة مؤامرة ومعرفة= كلمة مؤامرة تعني مشورة. وهكذا كلمات الله هي للمعرفة والمشورة الصالحة. قسط كلام الحق= معناها يقين كلام الحق أي أن كلام الله هو كلام أكيد. فالله يتكلم مرة ومرات ليوجهنا حتى نطلب كلامه الحقيقي ومن له أذنان للسمع فليسمع ويحفظ كلام الله في قلبه ويتكلم به ويظهر على شفتيه وينفذه ويظهر في حياته. جواب الحق للذين أرسلوك= من يضع كلام الرب في قلبه ويحفظه يعرف قيمته حينما يعمل به ويفهم كيف أن الله يحفظ من يحفظ وصيته أي تكون له الخبرة العملية. فيزداد إتكاله على الرب بعد أن عرف أن كلامه يقين حقاً وهذا معنى قوله عرّفتك أنت اليوم= فالكلام له شخصياً ليختبر قوته بل يتحول إلى رسول للآخرين يعلمهم ما عرفه به الله، فما اختبرنا أنه حقيقي يجب أن نكون شهوداً له، نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا، يعظ بنا لمن لم يعرفه بعد. ونكون مستعدين لمجاوبة كل من يسألنا عن سر الرجاء الذي فينا.

 

الآيات (22،23): "لا تسلب الفقير لكونه فقيراً ولا تسحق المسكين في الباب. لأن الرب يقيم دعواهم ويسلب سالبي أنفسهم."

بعد هذا الكلام القوي في الآيات السابقة تأتي هذه النصيحة مباشرة وهي عن الفقراء الذين يهتم الله بهم. وهذا الكلام للقضاة والحكام أو لمن له صلة بهم وقادر أنه بصلاته هذه يسحقهم. لا تسحق= لا تستخدم عملاً شرعياً ضدهم ظلماً.

 

الآيات (24،25): "لا تستصحب غضوباً ومع رجل ساخط لا تجئ. لئلا تالف طرقه وتأخذ شركاً إلى نفسك."

"المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1كو33:15). بالإضافة إلى أن الرجل الغضوب كثير المشاكل ويجلب المشاكل لمن يصاحبه، فالإرتباط بشخص يلزمنا بتصرفات ترضيه فإذا تهيج على أحد يلزم أن نتهيج مثله فتصير عادة رديئة لنا.

 

الآيات (26،27): "لا تكن من صافقي الكف ولا من ضامني الديون. أن لم يكن لك ما تفي فلماذا يأخذ فراشك من تحتك."

هذه عن خطورة ضمان شخص بتهور وليس عندي ما أوفي به إن لم يدفع وكم من شخص افتقر بسبب تلك الغلطة. ونلاحظ أن من نضمنه يريد أن يحصل على مال حتى يزيد دخله بتجارة أو خلافه، ولكن على هذا الإنسان أن يتصرف في حدود إمكانياته وعلى كل واحد أن يحافظ على بيته وأولاده قبل أن يعطي وعوداً لا يستطيع أن ينفذها ويدخل في مغامرات غير محسوبة. والأفضل أن أساعده بقدر إمكاني إن كان محتاجاً بمساعدة مالية لا يردها ولكن ليس بضمانه لدي أحد.

 

آية (28): "لا تنقل التخم القديم الذي وضعه آباؤك."

تكرار لما قاله موسى (تث14:19، 17:27) فالأرض هي لله والله قسمها لشعبه وعلى كل إنسان أن يحافظ على ما أعطاه له الله (نابوت وأخاب كمثال) وعلينا ألا نطمع في أراضي الغير ولا نفرط فيما أعطاه لنا الله. وروحياً علينا أن لا نطمع في نصيب أحد أو موهبته التي من الله أو نحسده عليها وعلينا أن لا نفرط في ميراثنا السماوي وبنفس المفهوم علينا أن لا نفرط فيما تسلمناه من طقوس وعقيدة وتعاليم الآباء.

 

آية (29): "أرايت رجلاً مجتهداً في عمله أمام الملوك يقف لا يقف أمام الرعاع."

نرى هنا أن مكافأة المجتهد محققة. فهو يشتهر ويُعرف ويقف في كرامة أمام الملك، وهكذا روحياً من اجتهد وكان أميناً يقف في فرح أمام ملك الملوك. الرعاع= الناس غير المعروفين.


 

الإصحاح الثالث والعشرون

الآيات (1-3): "إذا جلست تآكل مع متسلط فتأمل ما هو أمامك تأملاً. وضع سكيناً لحنجرتك أن كنت شرها. لا تشته أطايبه لأنها خبز أكاذيب."

تأمل ما هو أمامك= أي تأمل وتفكر في هذا المتسلط فسلطانه هو من الله (رو1:13،7). خبز أكاذيب= ليس من الحكمة تصور أن الامتياز الذي أعطى لك بالأكل مع هذا الحاكم أو هذا المتسلط معناها أنك صرت صديقاً له، تأكل باندفاع وتتكلم باندفاع فيغضب عليك الحاكم لأنك لم تحترم مجلسه. ضع سكيناً لحنجرتك= هذا تعبير يعني ضبط النفس حتى لا نأكل بشراهة ونهم أمام الحاكم فيغضب، بل قدوم شراهتك كأنها عدو تقاتله بسكين. وإذا كان هذا الاحترام مطلوباً أمام ملك أرضي فكم بالأولى ونحن أمام ملك الملوك وعلى مائدته نأكل من جسد الرب ودمه. ومن يقترب بدون استحقاق يصبح مجرماً (1كو17:11-31) وعموماً هذه الآيات ضد شهوة الطعام فهو خبز أكاذيب لأنه بينما تشبع البطن تكسل الروح وتفقد نشاطها، وهذا فائدة من فوائد الصيام تنشيط الروح.

 

الآيات (4،5): "لا تتعب لكي تصير غنيا كف عن فطنتك. هل تطير عينيك نحوه وليس هو لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة كالنسر يطير نحو السماء."

وهذه الآيات ضد شهوة المال. فهنا إنذار بأن لا يكون الغني هو غرض القلب. ومن يفعل كأنه يعلق عينيه بطائر يظهر له ثم يتلاشى. فالكنوز الأرضية يسهل تبديدها عن إقتنائها وهي غير ثابتة وغير دائمة كطير له أجنحة. وليس هو= أي [1] ليس هو دائم بل فانٍ [2] وربما بقي المال ومات صاحبه. [3] وليس هو سبب للفرح الحقيقي حتى يظل الإنسان يحلم به. [4] وليس هو بموجود (1تي6:6-19). وليس معنى هذا أن الغني أو المال خطية بل على الإنسان أن يعمل بلا كسل وبأمانة فإن صادفه الغني فليستعمل ماله حسناً ويظل على محبته وإتكاله على الله. فمن يعتمد على ماله يتكل على شئ باطل فانٍ، هذا الكلام موجه لمن يظن سعادته في أن يكون مالكاً لأموال كثيرة ويستخدم كل ذكائه، ويضع كل قلبه في كيف يحصل على المال ناسياً أنه قد يسمع "في هذه الليلة تؤخذ نفسك.. + لو15:12) هل تطير عينيك نحوه= هذه لمن يظل يتأمل ويضع عيني قلبه على شئ فانٍ فالعينين يجب أن نتأمل بهما الله، أم العالم فله اليدين لنعمل بهما وله القدمين نطأ بهما كل العالم وشهواته.

 

الآيات (6-8): "لا تأكل خبز ذي عين شريرة ولا تشته أطايبه. لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو يقول لك كل واشرب وقلبه ليس معك. اللقمة التي أكلتها تتقياها وتخسر كلماتك الحلوة."

ذي عين شريرة= عكس ذو العين الصالحة أي الكريم. أمما ذي العين الشريرة هو البخيل أن من يطمع في مال غيره. لأنه كما شعر في نفسه هكذا هو= نفسه فيها الجشع، يفكر في ثمن ما تأكله، أو ماذا سيستفيد من وراء ما تأكله، وهو يحقد عليك في قلبه بينما أن كلماته معسولة، فلا تنخدع بكلماته المعسولة فقلبه غير ذلك. كلماتك الحلوة= هي تشكراتك الكثيرة على هذه الوليمة. والنصيحة أن لا تتقبل دعوة شخص كهذا، هو غير مخلص في محبته ودعوته وسيفكر بطريقة أو بأخرى كيف يسترد أفضاله. تتقيأ= حينما تكتشف ما في قلبه ومشاعره السيئة لن تحتمل ما أكلته على مائدته وستلوم نفسك على كل لقمة أكلتها.

 

آية (9): "في أذني جاهل لا تتكلم لأنه يحتقر حكمة كلامك."

محاولة تعليم شخص معاند مستهتر هي كمن يلقي درره قدام الخنازير فهو لا رغبة عنده للتعلم، بل يسخر من كل ما يسمعه.

 

الآيات (10،11): "لا تنقل التخم القديم ولا تدخل حقول الأيتام. لأن وليهم قوي هو يقيم دعواهم عليك."

من يستغل ضعف اليتامى وذلك ليوسع أملاكه باغتصاب أملاكهم إذ هم ضعفاء، يقف الله بنفسه في وجهه. والولي هو القريب الذي يدافع عن حق قريبه ويتحمل مسئولية أخذ الثأر (عد19:35) ويفك الأرض والممتلكات (را 4:4) وكانت العادة أن يحمي مصالح عائلة قريبه الميت، وبهذا المفهوم فالمسيح ولينا القوي.

 

الآيات (12-16): "وجه قلبك إلى الأدب وأذنيك إلى كلمات المعرفة. لا تمنع التأديب عن الولد لأنك أن ضربته بعصا لا يموت. تضربه أنت بعصا فتنقذ نفسه من الهاوية. يا ابني أن كان قلبك حكيما يفرح قلبي أنا أيضاً. وتبتهج كليتاي إذا تكلمت شفتاك بالمستقيمات."

الحكيم يوجه الأنظار مرة أخرى لكل واحد أن يهتم أن يتأدب بكلام الله وأن يؤدب ابنه حتى لا يهلك، فتأديبه بدنياً بعصا خيرٌ من هلاكه. وأن نسلك بالحكمة فهذا يفرح قلب الله وأيضاً أن يكون كلامنا مستقيماً.

 

الآيات (17،18): "لا يحسدن قلبك الخاطئين بل كن في مخافة الرب اليوم كله. لأنه لا بد من ثواب ورجاؤك لا يخيب."

الخاطئ قد ينجح إلى حين، ولكن الله لن يتركه بلا عقاب وقد يخسر كل شئ. فلا تحسده بينما رجاؤك في الله لن يخيب، وبرك لن يذهب دون مقابل بل سيكافئ الله صبرك وتعبك (مت10:5-12). علينا أن ننظر للنهاية لا إلى اللحظة الحاضرة، لذلك فلنشفق على الخطاة إن آمنا أن هناك حياة أبدية.

 

الآيات (19-21): "اسمع أنت يا ابني وكن حكيماً وارشد قلبك في الطريق. لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم. لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق."

شرب الخمر يفقد الإنسان وعيه والحكيم يحذرنا من الإفراط في الطعام وبالتالي أو بالأولى نجده هنا يحذر من الإفراط في الخمر الذي يتلف الأموال والصحة، والسكير عادة يفتقر، لأنه ينفق أمواله على الخمر وبسبب تلف صحته يصبح غير قادر على العمل فيفتقر وتكسوه الخرق= النوم يكسو الخرق= أي هو نائم لسُكْرِهِ لا يعمل فلا يجد سوى الخرق. وهنا سليمان يدعو من يسمعه أن لا يخالط أمثال هؤلاء ولا نذهب إلى مآدبهم ولا نعيش مثلهم فالسكر يفسد العقل فتضيع الحكمة التي ينادي هذا السفر باقتنائها.

 

آية (22): "اسمع لأبيك الذي ولدك ولا تحتقر أمك إذا شاخت."

على الشاب أن لا يحتقر أبويه متى شاخا وصارا حملاً عليه فهم حملوه صغيراً.

 

آية (23): "اقتن الحق ولا تبعه والحكمة والأدب والفهم."

في عصرنا هذا يبيع الناس إيمانهم بسهولة من أجل مكسب مادي ويبيعوا عقيدتهم الحقة التي استشهد في سبيلها أباؤنا الشهداء مقابل أشياء لا تساوي، تاركين الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3). وهناك من يبيع حكمة إلهية لأجل حكمة إنسانية تافهة، فكم مؤمن ترك مسيحيته لأجل مبادئ إلحادية (شيوعية ووجودية) تركها أصحابها بعد أن اكتشفوا أخطائها. فلنجاهد وندرس كلمة الله لنقتني الحكمة الإلهية.

 

الآيات (24،25): "أبو الصديق يبتهج ابتهاجا ومن ولد حكيماً يسر به. يفرح أبوك وأمك وتبتهج التي ولدتك."

والسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب.

 

آية (26): "يا ابني اعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي."

الله هو المتكلم هنا لكل نفس. ومن سيعطيه القلب سيبارك له في كل شئ. فالله جدير بأحسن ما لدينا، ولنسلمه عواطفنا وإرادتنا وحبنا وهو سيملأنا فرحاً. فالله هو نبع ومصدر كل خير وكل فرح. ولاحظ فإن الله يطلب القلب ولا يطلب عطايا مادية فهذه لن تفرحه إن لم يكن القلب له، وهو يريده كله ولا نشرك فيه غيره وهذا ليكون فرحنا كاملاً. لذلك يوصى موسى قائلاً حب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك (تث5:6).

 

الآيات (27،28): "لأن الزانية هوة عميقة والأجنبية حفرة ضيقة. هي أيضاً كلص تكمن وتزيد الغادرين بين الناس."

هذه عكس آية (26) فهناك نجد من يعطي قلبه لله فيفرح وهنا نجد من يذهب وراء الزواني يعطيهم قلبه وماله وقدرته فيسقط في هاوية (شمشون كمثال). ولاحظ قوله حفرة ضيقة= أي يصعب الخروج منها.

 

الآيات (29-35): "لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن ازمهرار العينين. للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج. لا تنظر إلى الخمر إذا احمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة. في الأخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعوان. عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية. وتكون كمضطجع في قلب البحر أو كمضطجع على رأس سارية. يقول ضربوني ولم أتوجع لقد لكاوني ولم اعرف متى استيقظ أعود اطلبها بعد."

نجد هنا ستة أسئلة وجوابها في الأعداد التالية. وهي تُصوِّر بوصف مرعب حالة السكير. ونلاحظ أن الخمر في الكئوس لها بريق وتبدو مبهجة ولكنها مثل الحية نهايتها سامة، يحتضنها المسكين التاعس أي السكير. لا تنظر إلى الخمر إذا إحمرت= النبيذ الأحمر في كنعان يعتبر أفخر أنواع الخمر، وهم يحكمون على الخمر من لونه، ويقولون أن الخمر من قوتها وإغرائها كأنها تنادي على من يراها "تعالى وذق واشربني". لذلك يدعو سليمان كل من يسمعه أن لا ينظر إليها حتى لا تغويه وتخدعه. ولتجعل خوفك من الله هو الذي يحكمك وليس شهوتك، ولا تدع قلبك يسير وراء عينيك، فمن يريد أن يهرب من خطية عليه أن يهرب من أول خطوة تجاهها.

عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية= هناك مثل لاتيني يقول "الخمر هي وقود نار الشهوة". هنا نرى أن السكر يقود لخطايا أخرى فالسكير يضيع وقاره فتتحكم فيه شهوته ويستبيح كل شئ. إن الرجل الثمل مشبه هنا بمن هو على مركب لأنه يترنح وإذ هو غير واعٍ لشيء يصوره الحكيم بأنه يتسلق حبال السارية ليضع رأسه عليها لينام وبالتأكيد سيهوى ويسقط ويتحطم. يقول ضربوني ولم أتوجع= بعد أن يستعبد بعض وعيه يشعر بأن هناك من ضربه لكنه لا يعرف من ضربه، لقد صار هذا المسكين سخرية للجميع. ومع كل هذا لا يفكر في أن يترك الخمر يقول= أعود أطلبها بعد كما قال الشاعر عن الخمر "داوني بالتي كانت هي الداء"


 

الإصحاح الرابع والعشرون

الآيات (1،2): "لا تحسد أهل الشر ولا تشته أن تكون معهم. لأن قلبهم يلهج بالاغتصاب وشفاههم تتكلم بالمشقة."

قارن مع (مز73). فآساف حين رأي نهاية الأشرار ذهب من قلبه كل حسد لهم. لذلك شعب الله لا يحسد الأشرار مهما كان نجاحهم وقتياً، إذ هو يعرف نهايتهم ودينونتهم وذلك بسبب قلبهم وما فيه من شر ويظهر هذا على شفاههم التي تتكلم بالمشقة= السوء. وليس فقط بسبب دينونتهم لا نحسدهم بل بسبب حياتهم الحالية. فلسانهم الرديء يدل على قلب رديء يضمر الشر للآخرين، ومثل هذا القلب لا يمكن أن يفرح بل يقود صاحبه للخراب.

 

الآيات (3-6): "بالحكمة يبنى البيت وبالفهم يثبت. وبالمعرفة تمتلئ المخادع من كل ثروة كريمة ونفيسة. الرجل الحكيم في عز وذو المعرفة متشدد القوة. لأنك بالتدابير تعمل حربك والخلاص بكثرة المشيرين."

من له الحكمة والفهم يشبه من يبني بيته على الصخر ويزينه بالكنوز، فمن له حكمة لا يفتقر. والأحمق قد يبني بيته ويزينه ولكنه لا يقدر أن يحافظ عليه فهو لم يبنه على الصخر، بل أساسه فاسد (حب9:2،10) والله يملأ أولاده بكل جواهر الفضائل والنعمة ويصيروا ليس كبيت بل كقلعة محصنة ضد حيل إبليس ومحارباته فهو ليسوا ضعفاء. ونلاحظ أن هذه الآيات هي عكس الحال في الآيات (1،2). والحصول على الحكمة يكون بالتوبة والسلوك في وصايا الله. الرجل الحكيم في عز= أي قوي. ومتشدد بالقوة= يزداد قوة حتى على الشياطين. لأنك بالتدابير تعمل حربك= أي التدابير الحكيمة والمشورات الصالحة تواجه المشاكل التي يثيرها أعداؤك. وتعمل حربك ضد الشياطين بعد أن تأخذ مشورة من هم أكثر منك خبرة (أباء الكنيسة) (لو28:14-32). والحكيم يمتاز بعدم التسرع والمشورة مهمة فعدونا مخادع.

 

الآيات (7-9): "الحكم عالية عن الأحمق لا يفتح فمه في الباب. المتفكر في عمل الشر يدعى مفسداً. فكر الحماقة خطية ومكرهة الناس المستهزئ."

الحِكَمْ= أي الحكمة عالية عن الأحمق أي لا يستطيع الوصول إليها بسبب:

1-    إصراره على حماقته أي إصراره على عدم التوبة.

2-  أو هو لا يستطيع الوصول إليها بسبب يأسه وإحساسه بالضعف والفشل. وهذا عكس "أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني" وبسبب حالة اليأس هذه نجد هذا الأحمق لا يجاهد لكي يحصل على الحكمة، بل يجلس مقتنعاً بما هو فيه بلا حكمة وبلا معرفة. لا يفتح فمه في الباب= [1] لا يستطيع أن يفتح فمه حين تحين محاكمته [2] غير صالح لأي مشورة أو عمل في بيت الله. هذا يشبه من لم يجدوا عليه ثياب العرس (مت11:22-13). المتفكر في عمل الشر يدعي مفسداً= الأفكار الشريرة مصدرها القلب فمن يفكر أفكاراً شريرة هو شخص مملوء فساد. والأفكار الشريرة حتى لو لم تنفذ فهي خطية. والمستهزئ هو من يسمح لحماقة قلبه أن تظهر على لسانه فهو يتهكم على الأشياء المقدسة. (خر2:5) فكر الحماقة= أي فكر الشر والخطية.

 

آية (10): "أن ارتخيت في يوم الضيق ضاقت قوتك."

أن ارتخيت في يوم الضيق= أي إذا دخلك اليأس والضعف عندما تأتي الشدة فهذا يعني عدم الثقة والإيمان بالله. ضاقت قوتك= عديم الإيمان لا يحصل على شئ، أما المؤمن المتكل على الله تزيد ثقته ساعة التجربة وينال قوة ومعونة. وضاقت قوتك= تجد أن قوتك تصغر، والعكس فمن يثق بالله يختبر أن قوته تزداد وينال معونة في وقت الشدة.

 

الآيات (11،12): "أنقذ المنقادين إلى الموت والممدودين للقتل لا تمتنع. أن قلت هوذا لم نعرف هذا أفلا يفهم وازن القلوب وحافظ نفسك ألا يعلم فيرد على الإنسان مثل عمله."

كان نظام المحاكمات في تلك الأيام، أن يتقدم منادٍ أمام المتهم وينادي أمام الناس بجريمته ويطالب من له معلومات لصالح المتهم فليتقدم للقاضي فيعيد التحقيق ثانية. وهنا طلب لكل إنسان أنه إذا كانت لديه معلومات لصالح متهم يمكن أن تنقذ حياته فعليه أن لا يتردد في إظهارها، ومن يمتنع يكون مثل قايين الذي قال "أحارسٌ أنا لأخي" ولنعلم أن الله هو الذي يعلم ما في القلوب، إن قلت هوذا لم نعرف هذا= قد يكون الإنسان الذي يعلم براءة المتهم واثقاً في براءته ولكنه لأغراض شخصية مثل محاولة إنقاذ المتهم الحقيقي لصداقته معه أو لكراهيته للمتهم البريء، يحاول أن يخفي معلوماته ويبرر نفسه أمام الناس أو أمام ضميره بقوله "هوذا لم نعرف هذا" أي أنا لست متأكداً تماماً أو أنا لا أعرف الشخص تماماً. وهذه الأعذار قد تقبل لدى الناس أما أمام الله فيجب أن نعلم أنه فاحص القلوب والكلى. وهذه الإنذارات موجهة لكل خادم يتهاون في أن يبلغ كلمة الخلاص لكل شخص خاطئ مقبل على الهلاك.

 

الآيات (13،14): "يا ابني كل عسلا لأنه طيب وقطر العسل حلو في حنكك. كذلك معرفة الحكمة لنفسك إذا وجدتها فلابد من ثواب ورجاؤك لا يخيب."

كما أن العسل حلو المذاق ومفيد للجسم هكذا الحكمة لمحبيها تعطيهم جزاءً على الأرض (مادياً وروحياً) وجزاءً سماوياً. قطر العسل= هو العسل المأخوذ من المنحل مباشرة وهو أكثر حلاوة جداً من العسل الذي تم استخراجه وتعليبه وتعرضه للهواء. ومن ذاق طعم حلاوة عشرة الله والحصول على الحكمة الإلهية والتي هي كالعسل لن يصدق إغراءات الخطية أو أنها حلوة فلقد ذاق وعرف طعم الحلاوة الحقيقية.

 

الآيات (15،16): "لا تكمن أيها الشرير لمسكن الصديق لا تخرب ربعه. لأن الصديق يسقط سبع مرات ويقوم أما الأشرار فيعثرون بالشر."

الشرير يفرح بالإثم وتسره نكبات الصديق ومع أن البار قد يعثر فإنه ينتصب لأن الله قادر أن يقيمه، وحتى إن أدبه فلوقت معين (أيوب كمثال) فإن أصابت البار كارثة لتأديبه فعلى الشرير أن لا يظن أن البار قد انتهى أمره فينتهز الفرصة ليغتصب مسكنه وربعه (ما حول داره وبالذات مكان تربية بهائمه) فالله يؤدبه إلى حين ثم يعيده أكثر إزدهاراً. والسقوط هنا سبع مرات أي عدد كامل. مهما سقط البار إن قدَّم توبة يقبلها الله. وقوله يقوم معناها أنه تاب توبة حقيقية. أما الأشرار فيسقطون بلا توبة (بطرس تاب ويهوذا سقط ويأس ولم يتب ولم يقم + مز18:34-22). والشرير في سقوطه يكون كالكلب يعود إلى قيئه. (2بط22:2). لا تكمن أيها الشرير= هذه تبدو أنها موجهة للأشرار ولكن الأشرار لا يسمعون ولا ينصتون لصوت الله ولا لكلمات الكتاب المقدس، لكنها مقدمة لتعزية شعب الله أن الله لن يتركهم، والعكس فإن الأشرار الذين فرحوا بسقوط الأبرار وبليتهم هم أنفسهم يعثرون.

 

الآيات (17،18): "لا تفرح بسقوط عدوك ولا يبتهج قلبك إذا عثر. لئلا يرى الرب ويسوء ذلك في عينيه فيرد عنه غضبه."

المحبة لا تشمت في أحزان الآخرين حتى لو كانوا يستحقونها والله لا يحب من يشمت في بلية عدوه (عو12-16) فيرد عنه غضبه= هذه لا تفهم بأن الله سيغير قراره ولا يعود يغضب على الشخص الذي سبق وغضب عليه، بل هو يرد غضبه عنه لو تاب. ولكن المفهوم أن غضب الله على هذا الشخص سيمتد لمن شمت فيه وهذا ما حدث لأدوم إذ شمتوا في بلية إسرائيل، والله قد عفا عن إسرائيل حينما تابوا. فلنحذر أن نشمت ونفرح ببلية غيرنا وإلا ستقع علينا نفس العقوبة التي وقعت عليهم.

 

الآيات (19،20): "لا تغر من الأشرار ولا تحسد الآثمة. لأنه لا يكون ثواب للأشرار سراج الآثمة ينطفئ."

لا يكون ثواب للأشرار= في الأبدية وعلى الأرض. سراج الأثمة ينطفئ= أي أن نجاحهم وقتي، وفي الأبدية سيكونون في ظلمة أبدية. ونسله لن يقوم فهو بلا بركة.

 

الآيات (21،22): "يا ابني اخش الرب والملك لا تخالط المتقلبين. لأن بليتهم تقوم بغتة ومن يعلم بلاءهما كليهما."

الخضوع لله يستتبع الخضوع للملك الذي سلطانه من قبل الله (رو1:13،2) ولكل سلطان معين من قبل الله. لا تخالط المتقلبين= لا تشارك ولا تعاون من يقوم بالعصيان والدسائس ليقلبوا سلام وترتيب المجتمع، هؤلاء الذين يسرون بالثورات والدسائس ضد الحكومات القائمة. وهذا ينطبق داخل الكنيسة فهناك من يتصور الآن أنه يقف في وجه سلطان الكنيسة ويتحداها ويتحدى من أعطاهم الله السلطان. من يعلم بلاءهما كليهما= أي المتمرد وأتباعه وقد يكون المقصود كلا من يتمرد على الله وعلى الملك.

 

الآيات (23-26): "هذه أيضاً للحكماء محاباة الوجوه في الحكم ليست صالحة. من يقول للشرير أنت صديق تسبه العامة تلعنه الشعوب. أما الذين يؤدبون فينعمون وبركة خير تأتى عليهم. تقبل شفتا من يجاوب بكلام مستقيم."

نرى هنا مساوئ المحاباة في القضاء. فمن يبرر الشرير يتجنبه الناس ويسخطوا عليه. أما الذين يؤدبون= أو يوبخون المجرم ويدينونه هؤلاء يكسبون احترام الناس وينالون بركة. الكل يقبل شفتي من ينطق بحكم مستقيم= القبلة تعني رمزياً الاحترام والعاطفة والخضوع لأوامره لثقته في عدله وحكمته (يوسف ودانيال تك40:41).

 

آية (27): "هيئ عملك في الخارج وأعده في حقلك بعد تبني بيتك."

هو نفس مفهوم حساب النفقة فقبل أن تشرع في بناء بيت عليك أن تعد كل ما تحتاجه لئلا تبدأ ثم تتوقف (لو28:4-30) وهكذا كل من يريد الذهاب للحرب. ومن لا يحسب حساب النفقة ينقلب مشروعه إلى حماقة. وهذا ما فعله داود وسليمان، فلقد أعدوا كل المواد اللازمة لبناء الهيكل قبل البدء في البناء. هيئ عملك في الخارج= لا تعمل عملاً إلا بعد أن تضع خطة العمل. وتفهم الآية بأنه يجب أن نهتم بالضروريات قبل الكماليات.

 

الآيات (28،29): "لا تكن شاهداً على قريبك بلا سبب فهل تخادع بشفتيك. لا تقل كما فعل بي هكذا افعل به أرد على الإنسان مثل عمله."

هذه ضد الشهادة المغرضة بقصد الانتقام. فالمسيحي لا ينتقم لنفسه (رو19:13) بل يستودع الأمر كله لله وهو يدافع عنه. ومن ينتقم لنفسه يخسر فرصة أن يتدخل الله ويتكفل هو بحل المشكلة والإنتقام له بطريقته الإلهية، أو أن يشهد الله ببره.

 

الآيات (30-34): "عبرت بحقل الكسلان وبكرم الرجل الناقص الفهم. فإذا هو قد علاه كله القريص وقد غطى العوسج وجهه وجدار حجارته انهدم. ثم نظرت ووجهت قلبي رأيت وقبلت تعليما. نوم قليل بعد نعاس قليل وطي اليدين قليلا للرقود. فيأتي فقرك كعداء وعوزك كغاز."

هذه ضد الكسل. وهنا يرسم صورة كشاهد عيان لحقل الكسلان، وإذا به خَرِب ويملأه القريص= نوع من الشوك الذي يكثر في الأماكن المهجورة (أش13:34 + هو6:9). والعوسج هو شجر الشوك. وهو حقل بلا ثمار لم يهتم به أحد، وحتى السور قد تهدم دليل عدم الإكتراث. والسور المتهدم معناه أنه حتى لو وُجِدَتْ ثمار فالوحوش يدخلون ويأكلونها. والسارقون يفعلون هكذا. وهناك إنسان كسول حتى في السهر على حياته، فلا يسهر على الثمار التي يعطيها الروح القدس له. ونلاحظ أن قلوبنا هي التربة التي يثمر فيها عمل الروح القدس فتصبح كرماً للرب وأرضاً مثمرة يفرح بها الله ونفرح بها نحن لو سهرنا عليها، فإذا لم نسهر على أرضنا تنمو فيها عوضاً عن ثمار الروح أشواك الخطية والشهوات.


 

الإصحاح الخامس والعشرون

آية (1): "هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا."

نعلم من (2أي25:29-30 + 2أي21:31) أن حزقيا إهتم أن يعيد الترتيب الذي وضعه داود لخدمة الهيكل. وكان حزقيا ملك قديس محب لله، وقد قام بحركة إصلاح ديني، ولقد كافأه الله بأن إكتشف هذه المجموعة لأمثال سليمان بعد أن ظلت مخفية لمدة 3 قرون وكما اكتشف رجال يوشيا الذي كان قديساً أيضاً نسخة من التوراة (2أي14:34-16) أكتشف رجال حزقيا هذه النسخة لأمثال سليمان والتي تمثل خمسة إصحاحات، لم تكن قد إكتشفت من قبل. ومن (1مل32:4) نعرف أن سليمان نطق بـ3000 مثل وسمح الله في فترة أن يتعامل الناس بهم، ثم رأي الله أن يسجل الكتاب المقدس المجموعة المنشورة في الإصحاحات (1-24) ثم سمح أن يكتشف حزقيا المجموعة من الإصحاحات (25-29) لتكتمل صورة أمثال سليمان التي أراد الله أن تعرف للعالم كله عن طريق نشرها في الكتاب المقدس. ونلاحظ أنه كان في أيام حزقيا عدد من الأنبياء وربما كانوا هم رجاله الذين اكتشفوا هذه الأمثال أو هم الذين سمحوا بإضافتها بوحي من الله (منهم أشعياء وهوشع وميخا).

 

الآيات (2،3): "مجد الله إخفاء الأمر ومجد الملوك فحص الأمر. السماء للعلو والأرض للعمق وقلوب الملوك لا تفحص."

مشورات الله وخططه لا تستقصي (تث29:29 + رو33:11،34). فكما علت السموات عن الأرض هكذا تعلو أفكار الله عن أفكارنا، والله يخفي مقاصده العجيبة عن حب الاستطلاع البشري التافه. قلوب الملوك لا تفحص= فليس من ملك بشري يكشف فكره وأسراره لرعاياه فهو غير مطالب من أحد، بل هو فوق كل أحد، وهكذا الله لا يكشف أسراره للناس فهم ببساطة لن يحتملوا ما سيعرفونه بل سيحدث إرتباك في كل الأمور وتخبط. وتشبه أفكار الله في علوها بالسماء وفي عمقها بالبحر، ولا أحد من البشر يستطيع أن يرتفع لأعلى السماء ليكتشفها أو ينزل لأعماق البحر ليسبر غورها ويعرف أسرارها، ولكن الإنسان استطاع معرفة النذر اليسير عنها وهكذا حكمة الله، فالله يعطينا أن نعرف على قدر إمكاننا، وما يريدنا أن نعرفه وفقاً لخطته ولتحقيق خطته الإلهية. ولكن الله في محبته اللانهائية يكشف عن أسراره لعبيده ولكن أيضاً على قدر طاقتهم ولكن لمن يكشف الله أسراره، لعبيده الأمناء الذين يحبونه "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله". بل الروح القدس يكشف لنا عن أسرار عجيبة (1كو7:2-12). حقاً فسر الله لخائفيه. ومجد الملك أن يفحص الأمر= تفهم بأن واجب الملك أن يفحص كل الأمور جيداً ليكون قراره سليماً، وهذا مجده أن يفحص هو الأمر ولا يتركه لرجاله بل يتحقق هو الأمر ليتحقق العدل، ومجد الملك أن يعرف مشيئة الله وحكمته ليحكم بهما شعبه بحكمة، كما فعل سليمان نفسه. وهكذا يريد الله من كل واحد من شعبه أن يفحص في كلمات الكتاب المقدس ليكتشف أسراره العجيبة والكنوز المخفية فيه فيكون لنا مجد الملوك أن تكشف هذه الأسرار لنا. والإنسان الروحي هو ملك لأنه يملك ويسيطر على نفسه وعلى شهوته وعلى أولاد الله أن يفحصوا كلمة الله باهتمام وتواضع وبروح الصلاة. فالله مجده في إخفاء الأمر= هذه أخفيت عن الحكماء حتى لا يلقي الله درره قدام الخنازير فتدوسها. وأما أولاد الله المتواضعين الذين يبحثون بجدية وبأمانة وبتواضع وبمخافة الله يكشف لهم الله سر كلماته العجيبة على قدر احتمالهم وبتدريج يتفق وخطة الله في نموهم الروحي.

 

الآيات (4،5): "أزل الزغل من الفضة فيخرج إناء للصائغ. أزل الشرير من قدام الملك فيثبت كرسيه بالعدل."

إزالة الزغل من الفضة تنتج فضة لها قيمتها ولمعانها، هكذا حين تزيل المشيرين الأشرار من حول الملك. فيثبت كرسيه بالعدل= وهكذا فعل سليمان في بداية حكمه. وهذا ما سيحدث في اليوم الأخير حين يأتي ملك الملوك ويزيل إبليس ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار ويظهر عدل الله ويملك على محبيه وشعبه ومختاريه للأبد. ونفهم من الآية أيضاً ضرورة عقوبة الأشرار حتى لا يقلدهم الناس، واجب الكنيسة عزل الخبيث وكشفه لكي لا يفسد البار.

 

الآيات (6،7): "لا تتفاخر أمام الملك ولا تقف في مكان العظماء. لأنه خير أن يقال لك ارتفع إلى هنا من أن تحط في حضرة الرئيس الذي رأته عيناك."

هذه نفسها تعاليم السيد المسيح في (لو7:14-11) ولنعلم أن المتكبر ينال توبيخ قاس والمتواضع يرتفع. والنصيحة هنا أنه إذا وجدت في حضرة رجل عظيم ورأته عيناك فلا تحاول أن تتصور أنك مثله وتضع نفسك في مكانة تساويه، بل تواضع فهناك من يتصور أنه لو وُجِدَ في مكان مع العظماء أنه صار مثلهم وصارت له دالة في وسطهم. وهناك من يتباهى بأنه صديق للأغنياء والعظماء ويحاول كسب ودهم. والسؤال أليس من الأفضل أن يكون أصدقائي من الفقراء والبسطاء وأتشبه بالمسيح (لو12:14-14)، ومن يتواضع يرفعه الله بل يُرفع من الناس. الذي رأته عيناك= من يرى الله حقيقة وعرف عظمته سيتواضع تلقائياً بل من يرفعه الله سيرفعه الناس.

 

الآيات (8-10): "لا تبرز عاجلا إلى الخصام لئلا تفعل شيئاً في الأخر حين يخزيك قريبك. أقم دعواك مع قريبك ولا تبح بسر غيرك. لئلا يعيرك السامع فلا تنصرف فضيحتك."

هذه الآيات خاصة بالخصام والنزعات مع الأقارب والأصدقاء. فهناك من يفضل نشر أخبار الخصومات في محاولة لاستمالة الناس الذين يسمعونه لقضيته. لكن الحكيم هنا يعطي نصيحة بأن هذا خطأ والأفضل أن أعاتب قريبي في السر وأحل المشكلة سراً وهذا ما دعا إليه المسيح "إذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت15:18) فكثيراً ما يكون نشر أخبار المشاكل لخزي من ينشرها وآية (8) يمكن ترجمتها هكذا "لا تسرع للخصام خشية أنك لا تعرف ماذا تفعل إذا وضعك قريبك في وضع مخزي". فكثيراً ما نندفع لعرض المشكلة متصورين أننا على حق ثم يأتي قريبي ويشرح وجهة نظره ويتضح أنني المخطئ ويكون هذا للخزي. والكتاب عموماً لا يحبذ رفع المخاصمات للقضاء (1كو1:6-11).

 

الآيات (11،12): "تفاح من ذهب في مصوغ من فضة كلمة مقولة في محلها. قرط من ذهب وحلي من إبريز الموبخ الحكيم لأذن سامعة."

كم تكون الكلمة التي تقال في حكمة سواء ملحوظة /توبيخ/ إنذار/ نصيحة.. خصوصاً إذا جاءت في محلها وبطريقة طبيعية وطريقة مناسبة لا يبدو فيها التصنع، كم تكون رائعة مثل تفاحات ذهبية في مصوغ من فضة= أي سلة فضية مضفورة بها تفاحات لونها ذهبي. أو المقصود عمل فني كان منتشراً أيامها وهو لوحات فضية بارزة محلاة بتفاحات ذهب. ومن يسمع هذه الكلمة ويطيع تكون أذنه كأنها ترتدي حلى ذهبية لزينتها.

 

آية (13): "كبرد الثلج في يوم الحصاد الرسول الأمين لمرسليه لأنه يرد نفس سادته."

كما ينتعش المرء في يوم عمل شاق في موسم الحصاد الحار بكوب ماء مثلج هكذا الرسول الأمين وهكذا يفرح الله بالخادم الأمين في خدمته ورسالته.

 

آية (14): "سحاب وريح بلا مطر الرجل المفتخر بهدية كذب."

هدية كذب= تترجم موهبة كذب. فهذا العدد يشير للشخص الذي يتفاخر بما يعطي دائماً وهو لا يملك شيئاً ليعطيه، أو من يفتخر ويدَّعي بموهبة ليست عنده. وهكذا كل من يفتخر بموهبة حتى لو كان يملكها، فالحقيقة أن الله أعطاها له ليخدم بها لا ليتباهى ويفتخر بها. وربما إذا تفاخر خادم بموهبته يسحبها الله منه فيصير كالسحاب الذي ينتظر الناس منه المطر ويكون سحاب كاذب بلا مطر.

 

آية (15): "ببطء الغضب يقنع الرئيس واللسان اللين يكسر العظم."

مثال لهذا داود مع شاول الملك. فغضب شاول على داود كان عنيفاً صلباً كالعظم، وكانت محبة داود ولسانه الحلو اللين وطول أناته هما القادرين على كسر هذا العظم (جدعون مع رجال إفرايم) وهذا المثل دعوة للصبر والكلمة اللينة.

 

آية (16): "أوجدت عسلاً فكل كفايتك لئلا تتخم فتتقياه."

تناول العسل باعتدال شئ نافع وصحي. وهكذا كل ملذات الحياة التي سمح بها الله علينا أن نكون معتدلين في استخدامها وإلا تحولت إلى معطلات روحية. بل إن المسرات العالمية التي سمح بها الله تفقد بسوء استعمالها. كمن لا يأكل سوى العسل وبكميات كبيرة.

 

آية (17): "اجعل رجلك عزيزة في بيت قريبك لئلا يمل منك فيبغضك."

هذه ضد إطالة مدة ضيافتك عند أحد الأصدقاء. فلنقضي أوقات فراغنا مع الصديق الذي لا يمل منا ولن نمل منه أي المسيح. وهذه الآية امتداد لآية (16) فقي (16) عدم الاعتدال مع الملذات يضرني شخصياً وهنا عدم الاعتدال في الصداقة يضر الصداقة.

 

آية (18): "مقمعة وسيف وسهم حاد الرجل المجيب قريبه بشهادة زور."

مقمعة= هي مدق خشبي يضرب به الرأس. هكذا كل شاهد زور ضد الضحية البريئة، التي شهد ضدها. فهل يفكر من يشهد بالزور في الآلام التي يسببها لمن يشهد ضدهم. وعلى من يهتم زوراً ويتألم من هذه الأقوال الكاذبة أن يعتبر هذا تأديباً له من الرب، ربما على أخطاء سابقة وليس للخطأ المتهم به ظلماً. وحين يفكر المظلوم هكذا يحمل الله عنه جراحاته.

 

آية (19): "سن مهتومة ورجل مخلعة الثقة بالخائن في يوم الضيق."

وضع الثقة في خائن مؤلم للإنسان مثل ألم سن مكسورة أو رجل منقولة من موضعها فالمشي عليها مؤلم.

 

آية (20): "كنزع الثوب في يوم البرد كخل على نطرون من يغني أغاني لقلب كئيب."

طريقة التعزية قد تكون أكثر إيلاماً على نفس المتألم مما لو تركناه لنفسه، فهل يصح أن نهزر مع متألم، حقاً كلنا معزون متعبون. مثل هذه التعزية تكون كخلع ثوب رجل في يوم بارد، هو سيشعر بالبرد بشدة. وهذا لأنه سيرتجف من البرد فيشبه في هذا من يرتجف من الغيظ حين يهزر أحد مع متألم بحجة أنه يعزيه. وبنفس المفهوم يشبه الحكيم هذا المرتجف من الغيظ وبداخله هياج وفوران من هذا الأسلوب غير المناسب  في التعزية بوضع خل على النطرون. فالنطرون في فلسطين هو صودا معدنية وبوضع الخل عليها تتفاعل وتنتج رغوة.. حقاً لكل شئ تحت السموات وقت.

 

الآيات (21،22): "أن جاع عدوك فأطعمه خبزاً وأن عطش فأسقه ماء. فانك تجمع جمراً على رأسه والرب يجازيك."

اقتبس بولس هذا القول في (رو20:12،21) فحرارة المحبة تلطف المشاعر الغاضبة (مت44:5). ومن هنا نفهم أن وصية المسيح أحبوا أعدائكم هي وصية قديمة وليست خاصة بالعهد الجديد. تجمع جمراً على رأسه= قطعاً لا يعني هذا إغاظة العدو بل تعني رمزياً جمر نار روح الله الذي ينقي العدو من شوائب الكراهية فيدرك محبتك وتتنقى عواطفه نحوك كما تنقى الفضة من شوائبها في كور الفحم المشتعل، وبحرارة محبتك تذوب كراهيته بل يذوب قلبه، وإن كان قد أخطأ إليك وقدمت له عمل محبة سيخجل من نفسه وتكون مشاعره ملتهبة بالتوبة والخجل والمحبة كما بنار، ولكن إن تقسى قلب عدونا بعد أن قدمنا له المحبة فقد تضاعفت خطيته وعرض نفسه لنيران غضب الله. والرب يجازيك خيراً.

 

آية (23): "ريح الشمال تطرد المطر والوجه المعبس يطرد لساناً ثالباً."

اللسان الثالب= هو الذي ينشر المذمات والنقائص وينهش بأعراض الآخرين. وواجبنا نحو هذا الإنسان أن نقابله بوجه عابس رافض لأقواله فيخزى ويسكت فلا نشجعه على الاسترسال.

 

آية (25): "مياه باردة لنفس عطشانة الخبر الطيب من أرض بعيدة."

ما أجمل أن يكون الخبر الطيب المنعش هو كلمة الله نرتوي بها يومياً ضد حرارة آلام العالم (يو14:4).

 

آية (26): "عين مكدرة وينبوع فاسد الصديق المنحني أمام الشرير."

ما أشد الإحباط الذي يجده المسافر حين يجد عين ماء ولكنه يجدها قذرة غير صالحة للشرب، هكذا كل ابن لله ينجرف وراء الخطية التي أغواه بها الشرير أو كل ابن لله يتحول إلى جبان خائف من الشرير فيجري إليه طالباً رضاه قابلاً الخضوع له منكراً إيمانه من الخوف.

 

آية (27): "أكل كثير من العسل ليس بحسن وطلب الناس مجد أنفسهم ثقيل."

الإفراط في تناول العسل يكون ضاراً. وهكذا من يسعى كل حياته طالباً المجد الباطل أو طلب الانتفاخ أو طلب ملذات الدنيا بوفرة. مقل هذا يصير سخرية الناس.

 

آية (28): "مدينة منهدمة بلا سور الرجل الذي ليس له سلطان على روحه."

ضبط النفس فضيلة في منتهى الأهمية. ذكرها معلمنا بطرس تحت اسم تعفف. وكان بولس يقمع جسده ويستعبده (1كو26:9،27). وعكس هذا نجده في حالة نوح حينما سَكِرَ وتعرى وفي حالة موسى حين غضب. ومن لا يضبط نفسه يكون كمدينة معرضة لغزوات الأعداء فهي بلا سور. ومن لا يضبط شهواته يصير كمدينة مفتوحة بلا أسوار أمام إبليس عدوه.


 

الإصحاح السادس والعشرون

الآيات (1-12) هنا تعالج موضوع الجاهل. والمقصود بالجاهل والأحمق في هذا السفر الشخص الخاطئ المعاند الذي لا يريد أن يقدم توبة بل يفرح بالإثم رافضاً صوت الحكمة.

 

آية (1): "كالثلج في الصيف وكالمطر في الحصاد هكذا الكرامة غير لائقة بالجاهل."

الثلج في الصيف شئ غريب وغير ممكن حدوثه، بل لا يحدث في الطبيعة، وإذا حدث لعوق نمو النبات وهكذا المطر وقت الحصاد شئ لا يحدث ولو حدث لأدى لتلف المحصول هكذا لو أعطيت الكرامة لجاهل تفسده لأنه سيغتر ويتكبر.

 

آية (2): "كالعصفور للفرار وكالسنونة للطيران كذلك لعنة بلا سبب لا تأتي."

الجهال يسارعون إلى صب اللعنات، ومن لا يثق في الله يخشى هذه اللعنات. ولكن من يثق في الله وحمايته يعرف أن هذه اللعنات ما هي إلا كلمات فارغة في الهواء، مثل عصفور لا يؤذي، يطير ويمر أمامك ويختفي بسرعة عن الأنظار. هكذا اللعنة التي بلا سبب لا تؤذي وكمثال على ذلك لعنات جليات لداود ولعنات ربشاقي وسنحاريب ضد حزقيا، بل أن الطائر إذا طار فإنه لابد وسيعود إلى عشه هكذا فإن هذه اللعنات ستعود على رأس من أطلقها وهذا ما حدث مع جلياط وسنحاريب.

 

آية (3): "السوط للفرس واللجام للحمار والعصا لظهر الجهال."

الجاهل عرضة للخطأ والعناد وينبغي تقويمه بضربات كثيرة لوقف عناده. فالخاطئ مثل الحمار الأرعن لا يستجيب إلا لصوت السوط خائفاً منه ومن العقاب. والإنسان ولد بالخطية ولذلك يحتاج لتأديب وترويض. وهناك من تم تأديبه بالنعمة الإلهية فلا يحتاج للتأديب وهناك من رفض عمل النعمة فيحتاج للتأديب.

 

الآيات (4،5): "لا تجاوب الجاهل حسب حماقته لئلا تعدله أنت. جاوب الجاهل حسب حماقته لئلا يكون حكيماً في عيني نفسه."

هناك تناقض ظاهري في العددين والمعنى أن هناك وقتاً لكل شئ. وهناك وقت نجاوب فيه الجاهل ووقت لا يصح أن نجاوبه. فمجاوبة الجاهل بنفس أسلوبه الساخر المستهزئ معناه الإنحدار لمستواه، ولكن من ناحية أخرى لو تركنا أقوال الجاهل بلا رد يظن في نفسه أنه حكيم وكلامه هو الصواب. فهناك وقت للسكوت ووقت لإظهار ضآلة الجاهل. فإذا تكلم الخاطئ باستهزاء لا يجاوبه الحكيم باستهزاء وإلا صار مثله وليس من الحكمة الإجابة في جو السخرية عموماً ولكن لو فُهِم السكوت على أنه ضعف وجب الرد وإلا ظن أن حججه الواهية هي بلا رد.

 

الآيات (6-9): "يقطع الرجلين يشرب ظلما من يرسل كلاماً عن يد جاهل. ساقا الأعرج متدلدلتان وكذا المثل في فم الجهال. كصرة حجارة كريمة في رجمة هكذا المعطي كرامة للجاهل. شوك مرتفع بيد سكران مثل المثل في فم الجهال."

كل ثنائية من هذه الثنائيات الأربع تعالج نفس الموضوع العام. وهو أن إئتمان الجاهل على رسالة يبلغها هو خطأ كبير سيعود على من أرسله بالضيق والخسارة. وشبه ذلك بأنه كقطع الرجلين= أي كأن المرسل قطع رجليه لو أرسل جاهلاً برسالة فالرسول هو رجلي المرسل، وكأن الجاهل بأقواله الخاطئة أو ربما بغضبه أو شره أو خبثه، كأن المرسل لم يرسل شيئاً مما أراده بل الأسوأ أنه قد أفسد وشوه صورة من أرسله وكأن المرسل يشرب ظلماً= أي يتجرع غضب الناس بسبب من أرسله وهو نفسه مظلوم والعيب في الرسول الجاهل. ولكن الناس تحكم على الشخص بحسب رسوله الذي أرسله، لذلك نفهم خطورة مركزنا كمسيحيين ونحن نسعى كسفراء كأن المسيح يعظ بنا، ليرى الناس أعمالنا الحسنة ويمجدوا أبانا الذي في السموات.

ساقا الأعرج متدلدلتان= الخاطئ حين يحاول أن يتكلم بكلام حكمة يشبه الأعرج، أي إحدى رجليه طويلة والأخرى قصيرة، فأقواله كأنها طويلة وأفعاله الشريرة تشير لها الرجل القصيرة وبهذا يعرج أي يناقض نفسه. وهكذا الرسول الجاهل سيتعطل عمله وسيتعطل عمل الذي أرسله كمن أرسل أعرج لأن عديم الحكمة سيكون كلامه غير مقبول لدى الناس وتتعطل عمل إرساليته، وهذه تنطبق على الخادم الذي لا تتطابق حياته مع أقواله. كصرة حجارة كريمة في رجمة= تكريم الجاهل كمن يرمي مجموعة أحجار كريمة وسط كومة أحجار على قارعة الطريق. شوكاً مرتفعاً= غصناً من الشوك في يد سكران سيؤذيه ويؤذي كل من يمر بجانبه. هكذا لو أخذ الجاهل موقع المعلم سيؤذي نفسه ومن يسمعه.

 

آية (10): "رام يطعن الكل هكذا من يستأجر الجاهل أو يستأجر المحتالين."

منتهى الجهل استئجار أناس أغبياء خطاة وتسليمهم أعمالاً هامة، فيكون مثل هذا كمن يرمى سهاماً غير عابئ أين تذهب ومن ستصيب، بل هي تصيب من أرسله.

 

آية (11): "كما يعود الكلب إلى قيئه هكذا الجاهل يعيد حماقته."

عادة الكلب الحقيرة أن يأكل مرة أخرى من الطعام القذر الذي تقيأه، وهكذا من يترك خطيته ليعود إليها ثانية إذا تعرض للغواية.

 

آية (12): "أرايت رجلاً حكيماً في عيني نفسه الرجاء بالجاهل اكثر من الرجاء به."

الرجل الحكيم في عيني نفسه هو من يتصور أنه يعرف كل شئ ولا حاجة له أن يتعلم؟ والجاهل هنا هو الذي يعرف أنه الجاهل وبالتالي يقبل أن يتعلم. مثل هذا الجاهل الذي يعرف أنه جاهل فيقبل التعليم فخلاصه أسهل كثيراً من الذي يظن أنه حكيم أي مملوء كبرياء.

 

الآيات (13-16): "قال الكسلان الأسد في الطريق الشبل في الشوارع. الباب يدور على صائره والكسلان على فراشه. الكسلان يخفي يده في الصحفة ويشق عليه أن يردها إلى فمه. الكسلان أوفر حكمة في عيني نفسه من السبعة المجيبين بعقل."

الباب يدور على صائره= كانت الأبواب قديماً تدور حول محور فلم يكن هناك مفصلات. والصائر هو محور الباب. وكما أن الباب يدور حول محوره ولكنه لا يتحرك من مكانه هكذا الكسلان في سريره يتقلب ولا يتحرك من مكانه ليعمل. يتصور أنه سيقوم ثم إذ به يتقلب على الجنب الآخر. ونجد في (15) أن الكسلان لا يغذى نفسه واللقمة في يده. والكسلان روحياً لا يغذي نفسه بكلمة الله وهي في متناول يده. وهو أوفر حكمة في عيني نفسه من السبعة المجيبين بعقل= الكسلان يقدم حجة وراء حجة حتى لا يعمل. والحكماء يفندون حججه حتى يقنعونه بأنه لا أسد في الشوارع فعليه إذاً أن يقوم ويعمل. ولكنه في نظر نفسه أحكم من كل الحكماء (رقم7 رقم الكمال أي كل الحكماء) وهكذا هناك خدام كسالي لا يريدون الخدمة فيتصورون أن هناك عراقيل.

 

آية (17): "كممسك أذني كلب هكذا من يعبر ويتعرض لمشاجرة لا تعنيه."

الحكيم سبق أن نصح بأن لا ندخل في خصومات حتى إذا كانت تخصنا. فبالأولى لا ندخل في خصومات لا تخصنا ولا تعنينا. فالتدخل في مشاحنات الناس قد يأتي علينا بالمشاكل وهذا ما حدث مع موسى مرتين، وبسبب هذا مات يوشيا. ولكن إن كان يمكن أن نصنع سلاماً فلنصنع.

 

الآيات (18،19): "مثل المجنون الذي يرمي ناراً وسهاماً وموتاً. هكذا الرجل الخادع قريبه ويقول ألم العب أنا."

نجد هنا شخص عجيب يدبر خدعة لشخص بريء كنوع من السخرية منه، ويجد في هذا نوع من التسلية، أو هي يتسلى بإطلاق الشائعات الكاذبة على شخص بريء ولمجرد العبث، وحينما يظهر ضرر خداعاته وتحدث أذية للشخص البريء يقول أنه كان يقصد التفكه (الهزار). مثل هذا لا يهتم بإيذاء الآخرين وإيلامهم. ضرر مثل هذا الشخص كضرر رجل مجنون يرمي الناس بالنار والسهام.

 

الآيات (20-22): "بعدم الحطب تنطفئ النار وحيث لا نمام يهدا الخصام. فحم للجمر وحطب للنار هكذا الرجل المخاصم لتهييج النزاع. كلام النمام مثل لقم حلوة فينزل إلى مخادع البطن."

نجد هنا مساوئ النميمة والوشاية. وكم من أناس يأخذون كلام النمام على أنه لقمة سائغة تنزل إلى أعماقهم وتستقر ولا تمحي. ولكن لو وجد من يقف في وجه هذا النمام يتوقف إمتداد النيران لأنه لن يوجد وقود لها. وتخمد الشائعات القديمة.

الآيات (23-28) نجد فيها كلاماً عن المخادع الذي يضمر شراً ويظهر غير ذلك.

 

آية (23): "فضة زغل تغشي شقفة هكذا الشفتان المتوقدتان والقلب الشرير."

الشفتان المتوقدتان= أي اللتان تنطقان بكلمات رائعة ناعمة مملوءة محبة حارة. ولكنهما مع القلب الشرير. تشبهان شقفة= قطعة مكسورة من إناء خزفي مغطاة بطبقة من فضة زغل= أي صدأ الفضة. فالشقفة تشير للقلب والفضة الزغل تشير للكلمات فهو قلب رخيص لأنه مملوء كراهية وحتى الكلمات هو حاول أن يجعلها كلمات حب وكأنها فضة ولكنها لكل رجل حكيم يستطيع أن يكتشف أنها ليست أكثر من شوائب فضة.

 

الآيات (24-26): "بشفتيه يتنكر المبغض وفي جوفه يضع غشاً. إذا حسن صوته فلا تأتمنه لأن في قلبه سبع رجاسات. من يغطي بغضة بمكر يكشف خبثه بين الجماعة."

فيهم استمرار لآية (23) فنرى المخادع جوفه يصنع غشاً ومملوءاً به. لكنه بشفتيه يقول كلاماً حلواً مخادعاً (يوآب مع عماسا كمثال). مثل هذا يكتشفه الحكماء وعلينا أن لا نأتمنه. ففي قلبه سبع رجاسات= أي مملوءاً تماماً ولا فائدة منه فهو مثل الحية مملوء سماً. فعلينا أن لا ننخدع بكلمات المحبة الظاهرية سريعاً ولا نصدق إلا من نعرفه جيداً. فأبوينا آدم وحواء سقطا بكلام الحية الذي كان فيه نغمة الإخلاص ولكنه مملوء خبث وخداع. وأشهر مخادع هو إبليس كلامه يبدو فيه الإخلاص وقلبه مملوء بغضاً تماماً.

 

آية (27): "من يحفر حفرة يسقط فيها ومن يدحرج حجراً يرجع عليه."

هذا حدث مع هامان وحدث مع رجال داريوس الذين حملوه على إلقاء دانيال في جب الأسود + (عو15). ولاحظ مقدار التعب الذي يبذله الشرير في حفر الحفرة وتغطيتها لتصبح شركاً، أو لدحرجة حجر ليسقط على قريبه ثم كيف أن الله يأخذ الشرير بشره وخديعته.

 

آية (28): "اللسان الكاذب يبغض منسحقيه والفم الملق يعد خراباً."

اللسان الكاذب= هو الذي ينشر إشاعات سيئة عن الناس كذباً فهو يكره من يتكلم عنهم، وبكلامه يسبب لهم حزناً شديداً وآلاماً وضرراً بالغاً، وهو يتكلم سراً فلا يعطيهم فرصة الدفاع عن أنفسهم. وهذا النوع من الإيذاء واضح ويعرفه كل أحد. ولكن وبنفس المقدار هناك إيذاء يدل على الكراهية وبنفس المقدار هو مخرب ومدمر ألا وهو اللسان الملق= الذي يخدع الآخرين وينافقهم فهذا يقودهم أيضاً للخراب، وهذا الشخص هو كمن يضع السم في العسل أو الموت مع القبلات.


 

الإصحاح السابع والعشرون

آية (1): "لا تفتخر بالغد لأنك لا تعلم ماذا يلده يوم."

أحسن شرح للآية هو ما ورد في (يع13:4-16 + مت34:6). لا تفتخر بالغد= كل متعظم يتكلم عن الغد ومشاريعه وأنه سيفعل وسيفعل، ويتكلم بثقة وكأنه سيحيا إلى الأبد. ولا يعلم أنه قد يسمع "في هذه الليلة تؤخذ نفسك". علينا أن لا نتفاخر بأنفسنا وقدراتنا، ومن يفتخر عليه أن يفتخر بالرب فقط. فالله احتفظ لنفسه بأنه يكون الغد مجهولاً أي المستقبل مجهولاً لنا، لكننا نثق في محبته وتدبيره حسناً لكل أمور حياتنا وبهذا نفتخر. وبنفس المفهوم علينا أن لا نؤجل التوبة للغد فمن يضمن [1] أن هناك غد [2] أن تستمر دوافع التوبة فينا بل ربما نتقسى.

 

آية (2): "ليمدحك الغريب لا فمك الأجنبي لا شفتاك."

إن الافتخار بالمؤهلات والمواهب يفتح باب الانتقاد المرير من الناس، بل السخرية ممن يسمع وعلينا فقط أن نعمل ولتكن أعمالنا هي التي تتحدث عنا وليس لساننا، وإذا كان عملنا هدفه مجد الله حينئذ سيكون مدحنا من الله الذي سيجعل حتى الأجنبي يمدحنا (يو54:8) وعلينا أن لا نتكلم عن نجاحنا فهذا كبرياء بل ننظر لخطايانا ونعمل لنرضي الله فقط. ولاحظ أن كلامنا عن أنفسنا يثير غيرة الناس، أما لو كان الله هو الذي حرَّك قلوبهم ليمدحوننا فسيكون هذا بمحبة وليس بغيرة أو باستهزاء.. فلنترك هذا لله غير طالبين مدح أنفسنا.

 

الآيات (3،4): "الحجر ثقيل والرمل ثقيل وغضب الجاهل اثقل منهما كليهما. الغضب قساوة والسخط جراف ومن يقف قدام الحسد."

الغضوب إذا غضب لا يعود يهتم بما سيقول ولا بمشاعر من حوله، وستكون كلماته وأفعاله لها ثقل الحجر حين يسقط على الإنسان، بل إن غضبه سيكون كثقل على قلبه هو نفسه، والأفضل تجنب هؤلاء وعدم إثارتهم فغضبهم ثقيل وغير مقبول، بل كل محاولة لتهدئتهم سينظرون لها بعدم ثقة وسيزداد هياجهم. أو بالأحرى هم في كبريائهم وشعورهم بالقوة المخادعة يتصورون أنهم قادرين على هدم خصومهم فهم لا يدركون الأمور إدراكاً سليماً. لهذا طالب حزقيا شعبه بعدم الرد على ربشاقي فهو كان في جهله وغروره متصوراً أنه سيهدم أورشليم تماماً. السخط جراف= أي جارف كالعاصفة، وما أقوى من السخط هو الحسد فهو قوة شر تدمر صاحبها الحاسد، وإذا خرجت هذه القوة لمجال التنفيذ وتدبير المؤامرات تكون أيضاً مدمرة (مثال لذلك مؤامرات أخوة يوسف ضده). لكن علينا أن نؤمن بأنه لا قوة لما يسمى العين الحسودة.. الخ فنحن في حماية الله.

 

الآيات (5،6): "التوبيخ الظاهر خير من الحب المستتر. أمينة هي جروح المحب وغاشة هي قبلات العدو."

كلمات التوبيخ الجارحة إن صدرت من شخص محب أمين هي أفضل من كلمات لينة فيها محبة غاشة صادرة من عدو (قبلة يهوذا). وخيرٌ لنا أن يخبرنا أصدقاؤنا بنقائضنا فنصلح من أنفسنا. فالطبيب الأمين يكشف المرض لمريضه ليتحذر. الحب المستتر= هو الحب الذي يدفع صاحبه أن لا يقدم النصح والتوبيخ لمن يحبه إذا أخطأ.

 

آية (7): "النفس الشبعانة تدوس العسل وللنفس الجائعة كل مر حلو."

النفس الجائعة تتلذذ بأي شئ قد تزدري به وهي شبعانة. والعكس فالنفس الشبعانة تدوس أي شئ حتى لو كان عسل، وتدوس بمعنى تزدري ولا تهتم وهكذا فالنفس التي شبعت بالرب فهي تزدري بكل ملذات العالم، مثل بولس الذي إذ عرف المسيح، حسب العالم كله نفاية. والعكس فالنفس الجائعة بسبب بعدها عن الله (الابن الضال) أكلت الخرنوب مع الخنازير. والمثل له تطبيق حرفي فالغني المدلل يسأم كل ملذاته ويتذمر عليها والفقير يفرح بالخبز والماء.

 

آية (8): "مثل العصفور التائه من عشه هكذا الرجل التائه من مكانه."

العصفور التائه من عشه يتعرض للأخطار، وهكذا ابن الله لو ضل طريق الكنيسة كما تركها ديماس وابتعد عن الله. والعصفور في عشه يجد الراحة والطعام والأمان والعشرة مع بقية أسرته، وهكذا نحن في الكنيسة أعضاء جسد المسيح لابد أن نحيا في محبة، وسنحيا في حماية إلهنا رأس الكنيسة ولكن هناك من لا يقتنع بكنيسته ويرغب في التجول والإنطلاق بعيداً. وهناك من لا يشعر في حياته وعمله بعدم الرضا وعدم الإكتفاء ويتصور أنه لو إنطلق بعيداً مثل العصفور لكان هذا أفضل وكثيراً ما يكون فكره متسرعاً.

 

آية (9): "الدهن والبخور يفرحان القلب وحلاوة الصديق من مشورة النفس."

كما أن الدهن والبخور يفرحان القلب هكذا الصديق الحلو ذو المشورة القلبية المخلصة فهذا مفعوله مثل الدهن والعطر للجسد. فالزيت يرطب وينعش الجسم والعطر ينعش الحواس (صداقة داود ويوناثان). فلنخلص لأصدقائنا بل لكل إنسان.

 

آية (10): "لا تترك صديقك وصديق أبيك ولا تدخل بيت أخيك في يوم بليتك الجار القريب خير من الأخ البعيد."

في يوم بليتنا خيرٌ لنا أن نعتمد على الصديق الوفي من أن نذهب لأخ بالجسد لكنه بعيد. والصديق الوفي هو صديقك وصديق أبيك= أي من اختبرت وتأكدت من محبته عبر سنين طويلة من العشرة، مثل هذا الصديق الوفي لا يقدر بثمن. والأخ البعيد= هو الذي إنشغل عن أخوته وباعدت بينهم الظروف والزمن ففترت المحبة. والصديق الحلو الذي لا يجب أن نتركه خصوصاً أنه صار أخاً قريباً هو المسيح، نذهب له في ضيقاتنا.

 

آية (11): "يا ابني كن حكيماً وفرح قلبي فأجيب من يعيرني كلمة."

الابن الحكيم يكون سبب فخر وكرامة للأب والعكس فالجاهل يكون سبباً لتعيير أبيه لأنه أساء تربيته. "لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".

 

آية (12): "الذكي يبصر الشر فيتوارى الأغبياء يعبرون فيعاقبون."

تكرار للآية (3:22). فالله ينذر كثيراً بضربات بسيطة قبل أن يضرب الضربة الكبيرة. ومن هو حكيم يفهم أسلوب الله فيتوب ويذهب ليحتمي في المسيح ويتواري فيه.

 

آية (13): "خذ ثوبه لأنه ضمن غريباً ولأجل الأجانب ارتهن منه."

راجع (16:20).

 

آية (14): "من يبارك قريبه بصوت عال في الصباح باكراً يحسب له لعناً."

هل من المناسب أن يذهب أحد لجاره في الصباح الباكر ليمدحه بصوتٍ عالٍ تاركاً عمله ومشاغله.. هذا يعتبر نوع من النفاق والتملق لجذب أنظاره وأنظار الناس وقد يقصد في الصباح باكراً أو بصوتٍ عالٍ= الحماس المصاحب لكلمات التملق. وهذا التملق :

1)     سيتسبب في جلب اللعنات على من تتملقه بسبب حسد السامعين له إذ وجدوه يأخذ أكثر من حقه (2كو6:12)

2)     مثل هذا التملق سيتسبب في كبرياء من يسمعه وهذا الكبرياء سيدمره.

3)  أليس من الأنسب أن يوجه المرائي كلماته الحلوة إلى الله في الصباح الباكر "الذين يبكرون إلىّ يجدونني" ولكنه لغباوته فهو لا يطلب بركة الله بل يطلب بركة الناس.

 

الآيات (15،16): "الوكف المتتابع في يوم ممطر والمرأة المخاصمة سيان. من يخبئها يخبئ الريح ويمينه تقبض على زيت."

المرأة المخاصمة بصوتها العالي ومشاجراتها تتسبب في ملل زوجها وضيقه، بل هو لن يستطيع إخفاء مشاكلها عن جيرانه فهم سيسمعونها، ومن يحاول إخفاء حقيقتها لسمعته وسمعتها فسيفشل، فهو كمن يخفي الريح أو يحاول إخفاء يديه إذا إنغمست في الزيت فاليدين لو إنغمسوا في ماء سيجفوا سريعاً، أما لو إنغمسوا في الزيت فسيحتاجون للغسيل.

 

آية (17): "الحديد بالحديد يحدد والإنسان يحدد وجه صاحبه."

معناه أن الأخلاق والحكمة تنمو بواسطة العلاقات الإنسانية بين البشر. وكما أن احتكاك قطعة حديد بقطعة حديد أخرى يشحذها، هكذا البشر في تعاملهم معاً يؤثرون في بعضهم. وكل منهم يكتسب خبرات جديدة تضاف له وتشحذ شخصيته. ولذلك فمن يعتزل الناس يضيق فكره. وبنفس المفهوم تتعايش الكنيسة مع سير القديسين وتقرأ السنكسار يومياً، لأن من يعاشر القديسين تتحسن سيرته ومن يعاشر الأردياء يتأثر تأثراً سيئاً.

 

آية (18): "من يحمي تينة يأكل ثمرتها وحافظ سيده يكرم."

قارن مع (مت21:25). فالكلام هنا عن الولاء في الخدمة. ومن كان أميناً في خدمته يكافأ. فحارس التينة من حقه أن يأكل من ثمرها ويفرح به وهكذا كل خادم أمين. ونلاحظ أن كل خدمة هي عمل شاق ولكن نتيجة هذه الخدمة ستكون مفرحة في الوقت المناسب أي حينما تنضج التينة. (2تي6:2) + (1كو7:9). حافظ سيده= من يهتم بحماية أملاكه أي أملاك سيده وسمعة سيده مثل هذا العامل الأمين سيكرمه سيده.

 

آية (19): "كما في الماء الوجه للوجه كذلك قلب الإنسان للإنسان."

الماء النقي هو أقدم مرآة بدائية. وفي هذه المرآة تكون الصورة الظاهرة متطابقة مع الحقيقة. هكذا قلب الإنسان لنفسه (1كو11:2). وكل منا يعرف حقيقة نفسه وما عليه سوى أن ينظر بعمق داخله، فإذا لم يرى حقيقة نفسه فلينظر ويتأمل في الكتاب المقدس فهو كمرآة ستكشف لنا مقدار نجاسة قلوبنا. فالقلب أخدع من كل شئ وهو نجيس (أر9:17). فلننتظر في مرآة الكلمة الإلهية لنرى حقيقتنا (يع23:1). لذلك احتاج البشر لمخلص لأنه بعمل النعمة الإلهية تتغير صورة القلب.

 

آية (20): "الهاوية والهلاك لا يشبعان وكذا عينا الإنسان لا تشبعان."

كما أن الهاوية لا تشبع وكل يوم يضم لها آلاف مؤلفة من البشر الذين يموتون. هكذا قلب الإنسان لا يشبع من شهوات وملذات هذا العالم (القلب الذي يشتهي لا يجعل العينان تشبعان) وهذا ما أوضحه سليمان في سفر الجامعة. ولاحظ التشبيه الكتابي الدقيق فالقلب الذي لا يشبع من ملذات العالم يشبه الهاوية فكل ملذات العالم ستزول. وتفهم أن الخطية والموت نهمين لا يشبعان وذلك لأن كلاهما مترادفين.

 

آية (21): "البوطة للفضة والكور للذهب كذا الإنسان لفم مادحه."

الذهب والفضة نختبرهم وهم خام بأن نضعهم في البوطة فيظهر معدنهم. وفرن صهر المعادن يسمى بوطة. وليس من بوطة تكشف معدن الإنسان أشد حرارة من نار المديح والإطراء. فمن السهل نسبياً أن يحتمل الإنسان الإضطهاد بسبب محبته في المسيح أما أن يحتمل الإنسان المديح والكرامة بلا انتفاخ، أو ينسب الكرامة لله لا لنفسه ففي هذا يفشل الكثيرون. ومثال لذلك فحزقيا نجح في اختبار أو بوطة حصار أشور لأورشليم ولكنه رسب في بوطة محبة المديح والكرامة حينما أتاه وفد بابل. ومن ينسب الكرامة لله فهذا سائر مع الله ويستحق المديح فعلاً، بل مقل هذا لا يشعر بأنه لا يستحق المديح بل لا يكون هناك أي وقع لكلمات المديح عليه. أما من ينتفخ فلا يستحقها (هيرودس كمثال).

 

آية (22): "أن دققت الأحمق في هاون بين السميذ بمدق لا تبرح عنه حماقته."

إن الحماقة مرتبطة بقلب الجاهل وبسبب العمر الطويل والعناد صارت جزء من كيانه. وإن دققت الجاهل في هاون= (العقوبات والتجارب) لن يتخلص من شره. ومثال ذلك أحاز (2أي22:28). فهل يغير الكوشي جلده (أر23:13). أما التقويم يصلح للصغار سناً (أم15:22) فالعادات الرديئة لا تكون قد تأصلت بعد.

 

الآيات (23-27): "معرفة اعرف حال غنمك واجعل قلبك إلى قطعانك. لأن الغنى ليس بدائم ولا التاج لدور فدور. فني الحشيش وظهر العشب واجتمع نبات الجبال. الحملان للباسك وثمن حقل اعتدة. وكفاية من لبن المعز لطعامك لقوت بيتك ومعيشة فتياتك."

هي نصيحة للرعاة (الخدام) الغرض منها حثهم على الاجتهاد وملخصها احفظ قطيعك يحفظك القطيع فالمروى هو أيضاً يروي. ففي (23) نصيحة بأن يهتم كل راعي بغنمه ويعرف أحوالهم ولا يترك خدمتهم لغيره، بل يباشرها بنفسه وفي (24) قطيعك هو رأسمالك الحقيقي فإن كنت غنياً فالغني لا يبقي بل إن كنت ملكاً فالملك لا يدوم. وفي (25) دعوة للراعي أن يقدم الغذاء لقطيعه ليشبع. فَنِي الحشيش= أي قُطِعَ من الأرض       . وظهر العشب= حين يظهر العشب يقود الراعي قطيعه للمراعي. واجتمع نبات الجبال= يذهب الراعي للجبال ليجمع النباتات ليغذى قطيعه. فهناك وقت يقود الراعي قطيعه للمراعي الخضراء وهناك وقت يتركهم في الحظيرة ويذهب هو ليجمع لهم (تأمل للخادم: أن يذهب للجبال (السماويات) ليجمع طعام مخدوميه). وفي (26) مكافأة الخادم النشط= الحملان للباسك صوف حملانك سيمدك بما تحتاجه لتلبس. وثمن حقل أعتدة= صوف الخراف بعد جزه غالباً يعطونه لمالك الحقل كأجرة. أو يكون المقصود بيع بعض الخراف لتسديد إيجار حقلك. وفي (27) يكون لبن الماعز طعاماً لك. فالأمانة في الرعاية ستعطي للخادم غذاء وشبع ولباس. والخادم كالراعي ما عليه سوى قيادة القطيع للمراعي الخضراء والله هو الذي يعطي الغذاء للجميع.


 

الإصحاح الثامن والعشرون

آية (1): "الشرير يهرب ولا طارد أما الصديقون فكشبل ثبيت."

الخطية تجعل الخاطئ في رعب دائم وجبن (قايين كمثال). فمن جعل الله عدوه يتصور أن الخليقة كلها في حرب معه (تث25:28 + لا36:26). والعكس فأولاد الله لا يخافون إذ هم واثقين في حماية الله (الشهداء لم يخافوا حتى الموت) "إن قام علىّ جيش ففي هذا أنا أطمئن".

 

آية (2): "لمعصية ارض تكثر رؤساؤها لكن بذي فهم ومعرفة تدوم."

الكلام عنا عن الثورات وتمرد الشعوب ضد الملك بقيادة ثوار كثيرين فهذا يؤدي لخراب المملكة، وهكذا داخل الكنيسة. أما حين يكون على رأس المملكة رجل ذو حكمة وفهم يكون حال هذا الشعب أكثر راحة. ورئيس الكنيسة (البطريرك أو الأساقفة) ليسوا ذوي فهم فقط بل هم لهم هذه الموهبة من الروح القدس. وهذا المثل كان واضحاً جداً في أيام حزقيا الملك فكان شعبه يقارن بين ملكهم وقداسته وحكمته وعمل الله معه وانهيار المملكة الشمالية المتمردة المنشقة بعد أن توالي على حكمها ملوك وأسر عديدة. ونلاحظ أن الله يسمح بمثل هذه الفوضى لو انتشرت الخطية بشكل عام، الله يسمح بهذا للتأديب.

 

آية (3): "الرجل الفقير الذي يظلم فقراء هو مطر جارف لا يبقي طعاماً."

الفقير حين يمتلك سلطة قد يعامل الفقراء أسوأ مما يعاملهم به الآخرون ويكون مثل المطر الجارف الذي بدلاً من أن يساعد على نمو البذرة فإنه يجرفها مدمراً التربة. هكذا كان العشارين أيام المسيح (مت28:18 + لو8:19) فهؤلاء كانوا يسعون للحصول على الثروة بظلم الفقراء. ونحن فقراء في النعمة والصلاح فهل نغفر لإخوتنا.

 

الآيات (4،5): "تاركو الشريعة يمدحون الأشرار وحافظو الشريعة يخاصمونهم. الناس الأشرار لا يفهمون الحق وطالبو الرب يفهمون كل شيء."

هناك من يبرر الظالم في ظلمه وذلك لأنه ظالم مثله وهو بهذا يريد أن يكون جماعة متحدة في الشر يساندهم ويدعمهم ليساندوه. ومن يبرر الظلم عند الآخرين هو ذو ضمير قلق من جهة طرقه وهو يشجع الشر بصوت عالٍ ليسكن ضميره المتعب. والعكس فالسالك باستقامة قادر على توبيخ الخاطئ. ولاحظ أن الله يعطي للمستقيمين فهماً (1يو20:2)، ويعطي روح الفهم وقدرة على فهم كل شئ (1كو12:2،15 + يو17:7). بينما أن ظلمة الفكر تتبع سيادة الشهوة على حياة الإنسان. فالفساد يعمي العينين ولا يعود الإنسان قادراً على تمييز أن الوصايا الإلهية إنما هي لمصلحته. فهو أصبح لا يرى النور الموجود في الوصية.

 

آية (6): "الفقير السالك باستقامته خير من معوج الطرق وهو غني."

إن الفقير الأمين يجد عزاء وسلام من الله وهذا عكس الغني الشرير (قارن مع 1:19) وكثرة الأموال ليست دليلاً على رضى الله بل هناك فقراء قديسين كثيرين يتمتعون بالسلام ومحبة وتقدير الناس لهم أكثر من الأغنياء الأشرار.

 

آية (7): "الحافظ الشريعة هو ابن فهيم وصاحب المسرفين يخجل أباه."

مثال الابن الضال وفرحة أبيه برجوعه. فالله أبونا السماوي، بل السماء كلها بالإضافة إلى أبائنا بالجسد على الأرض، الكل يفرح بالابن التائب الحافظ للشريعة. ومن يفعل هذا يكون حكيماً فعلاً. فالشريعة وكلام الله ووصاياه هي الحكمة الحقيقية وهي تجعل الإنسان كاملاً فعلاً. والعكس فمن يسلك في الشر يكون هذا لخزيه وعاراً لأبويه لأنهما لم يرشداه (عالي وابنيه).

 

آية (8): "المكثر ماله بالربا والمرابحة فلمن يرحم الفقراء يجمعه."

الاغتصاب والطمع مكروهين من الله وهكذا الربا. ومن يحصل أمواله بالظلم يموت في منتصف أيامه وتذهب أمواله لمن يرحم الفقراء. فالعناية الإلهية كثيراً ما تعاقب الظالم وتكافئ الرحيم (لو24:19).

 

آية (9): "من يحول أذنه عن سماع الشريعة فصلاته أيضاً مكرهة."

الله يسمع صلوات ذوي القلوب التائبة المستقيمة (أش11:1،15 + مز18:66 + أم8:15) ونلاحظ أن صلتنا بالله هي صلة متبادلة. نحن نكلم الله في صلاتنا والله يكلمنا بكلمته المقدسة وشريعته ووصاياه فإذا استجبنا له يستمر الحوار ويستجيب لنا. والمعاند تصير صلاته مكروهة.

 

آية (10): "من يضل المستقيمين في طريق رديئة ففي حفرته يسقط هو أما الكملة فيمتلكون خيراً."

الكملة= الكاملين (مت26:18، 14:23،15). ولنلاحظ أن محاولة تضليل المستقيم مكروهة جداً لدى الرب (بلعام كمثال عد16:31 + رؤ14:2).

 

آية (11): "الرجل الغني حكيم في عيني نفسه والفقير الفهيم يفحصه."

الثروة والمال تدعو للغرور والكبرياء وهذا يقود صاحبه للجهل، أما الفقير لو كان حكيماً وقديساً فسيكتشف حقيقة هذا الغني وأنه مسكين وبائس ومخدوع (رؤ17:3). والغني مغرور يظن أنه بذراعه وحكمته حصَّل هذه الثروة فيظن أنه بالتالي قادر على فهم أي شئ بل هو مصدر الحكمة.

 

آية (12): "إذا فرح الصديقون عظم الفخر وعند قيام الأشرار تختفي الناس."

إذا انتصر الصديق يكون فرح وفخر عظيم لانتصار الخير. أما لو نجح الشرير يكون هذا مصدر خوف للناس فيختفون من أمام الأشرار حتى لا يكونوا هدفاً لمؤامراتهم. وهذا ما حدث أيام إيليا حتى أن إيليا ظن أن الأرض خلت من الأبرار.

 

آية (13): "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم."

قارن مع (1يو9:1 + أر12:3،13). والخاطئ يميل لعدم الاعتراف ولتبرير نفسه فيما فعل، كما فعل آدم وحواء. بل أن بعض الخطاة يلقي بالتبعة على الله. ولكن من يدين نفسه ويعترف يرحمه الله ومن لا يدين نفسه سيدينه الله (مز3:32،4). فالمريض الذي لا يريد كشف مرضه سيظل مريضاً. وهذا فائدة سر الاعتراف، فالله يدفعنا لأن نعترف بخطايانا فيرحمنا. وحتى الكنائس التي أنكرت سر الاعتراف عادت وعرفت قيمته.

 

آية (14): "طوبى للإنسان المتقي دائما أما المقسي قلبه فيسقط في الشر."

من يسلك في طريق الله ووصاياه مجاهداً ليحفظها، يباركه الله ويحفظه من الشر، أما المبتعد عن الله في قسوة قلب فهو بلا حماية يسقط في الشر.

 

الآيات (15،16): "أسد زائر ودب ثائر المتسلط الشرير على شعب فقير. رئيس ناقص الفهم وكثير المظالم مبغض الرشوة تطول أيامه."

مثال لهذا أخاب وما فعله مع نابوت، فالحاكم الشرير يظلم ويرتشي ويعوج القضاء ويغتصب الأبرياء، وهذه مواصفات إبليس تماماً. وهو يفعل هذا فيمن يملكه على نفسه فهو قتال للناس منذ البدء.

 

آية (17): "الرجل المثقل بدم نفس يهرب إلى الجب لا يمسكنه أحد."

الإنسان الذي قتل إنساناً آخر أو تسبب في قتله يسبب له هذا ثقلاً فظيعاً على ضميره قد يدفعه للإنتحار (يهوذا كمثال) قارن مع (تك6:9). وهذا ما حدث مع قايين فهو هرب وظل تائهاً. لا يمسكنه أحد= على الحاكم المسئول قتل هذا القاتل حسب الشريعة ولا يصح تبرئته بأن يدفع فدية فالدم لا فدية له، حتى لو هرب يجب ملاحقته وعقابه، لذلك قتل سليمان يوآب.

 

آية (18): "السالك بالكمال يخلص والملتوي في طريقين يسقط في إحداهما."

السالك بالكمال يخلص في يوم الدينونة. ويكون له بركة في حياته، أما الملتوي فهو يسقط دائماً في مؤامرته.

 

آية (19): "المشتغل بأرضه يشبع خبزاً وتابع البطالين يشبع فقراً."

الاجتهاد يشبع صاحبه، ومن يتبع البطالين التافهين يفتقر (مادياً وروحياً).

 

آية (20): "الرجل الأمين كثير البركات والمستعجل إلى الغنى لا يبرأ."

الرجل الأمين كثير الغني من كنزه السماوي، فمن هو أمين لله يكون الله أميناً معه. فالإنسان الأمين هدفه الأسمى إرضاء الله، ولكن هناك نوع آخر من الناس هدفهم جمع المال والغني غير ناظرين لله. وهؤلاء تكون لهم طرقهم الملتوية للحصول على المال، فلا يتبررون يوم يسألهم الله عن مسلكهم.

 

آية (21): "محاباة الوجوه ليست صالحة فيذنب الإنسان لأجل كسرة خبز."

من يحابي الوجوه خائن، لا مبدأ له، لا ينظر إلا لمصلحته المادية حتى لو كانت كسرة خبز.

 

آية (22): "ذو العين الشريرة يعجل إلى الغنى ولا يعلم أن الفقر يأتيه."

العين الشريرة= هي العين الطماعة وهي دليل قلب يتعجل الغني، مثل هذا لا بركة له.

 

آية (23): "من يوبخ إنساناً يجد أخيراً نعمة اكثر من المطري باللسان."

المرائي الذي يطرى([**]) من أمامه يرضيه للحظة، ولكن من يوبخ إنساناً ليمنعه من شر حقيقي فله نعمة حقيقية سيقدرها هذا بعد حين حتى لو غضب من التوبيخ لفترة.

 

آية (24): "السالب أباه أو أمه وهو يقول لا باس فهو رفيق لرجل مخرب."

هذه عن الشاب الذي ينفق أملاك أبيه وأمه متصوراً أن هذا حقه (الابن الضال) أو يستدين لينفق ببذخ ثم يطالب أبيه بدفع ما عليه، وهو يدّعي أن هذا حقه فمال أبيه هو ماله. ويقول لا بأس= أي يعلن في جرأة أنه غير خاطئ. هذا تماماً يكون كالمجرم الذي يخرب ما للآخرين، فهو سارق متمرد على أبيه، قاسي من نحوه وغير طائع.

 

الآيات (25،26): "المنتفخ النفس يهيج الخصام والمتكل على الرب يسمن. المتكل على قلبه هو جاهل والسالك بحكمة هو ينجو."

المنتفخ النفس= هنا لا يقصد الكبرياء. بل كلمة منتفخ النفس بالعبرية معناها ذي الروح الشره أي الطماع، ومثل هذا في سبيل طمعه يعادي أشخاصاً صالحين، بل يعادي كل واحد. وهنا يقارنه بالمتكل على الرب لأن هذا الطماع يظن أنه بذكائه ومؤامراته وصراعه على المكسب تزداد ثروته، أما المتكل على الرب فهو يعمل ويكد بأمانة لكن لا يصارع أحد فتكون نفسه مطمئنة ويحيا في سلام فيسمَّن أي يباركه الرب فعلاً.

المتكل على قلبه= والقلب مخادع ونجيس (أر9:17،10) لذلك علينا أن لا نتكل عليه أو نثق فيه فهو شره للعالم. والعكس من يسلك بحكمة طائعاً وصايا الله ينجو.

 

آية (27): "من يعطي الفقير لا يحتاج ولمن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة."

المشفق على المحتاج يبارك له الرب (أرملة صرفة صيدا) فالله يرد للمحسن بسخاء.

 

آية (28): "عند قيام الأشرار تختبئ الناس وبهلاكهم يكثر الصديقون."

يكرر أية (22) وواضح أنه يهتم بموضوع الحكام الأشرار ومساوئهم.


 

الإصحاح التاسع والعشرون

آية (1): "الكثير التوبخ المقسي عنقه بغتة يكسر ولا شفاء."

تقسية العنق تشبيه مقتبس من حالة الثور الجامح الذي يرفض النير. هكذا المعاند الذي يصر على رفض الاستماع للتوبيخ ويعاند ما هو لصالحه فيجلب الخراب لنفسه (فرعون، قورح/..) وهكذا كل عنيد ومقاوم لوصايا الله. والله يستخدم وسائل كثيرة لتوبيخ الخاطئ (ضميره/ لوم الوالدين/ خدام الله/ الضيقات والتجارب..) فإذا استمر الرفض فلا مهرب من الخراب التام والهلاك الأبدي.

 

آية (2): "إذا ساد الصديقون فرح الشعب وإذا تسلط الشرير يئن الشعب."

نموذج لذلك حكم حزقيا وداود وسليمان والرخاء الذي ساد أيامهم والعكس مع صدقيا.

 

آية (3): "من يحب الحكمة يفرح أباه ورفيق الزواني يبدد مالاً."

قارن مع (7:28). أما الشهوات الشبابية فإهرب منها (2تي22:2 + 1كو15:6-20) وخطايا الشهوة هي أسرع نوع من الخطايا قادر أن يفقر الإنسان.

 

آية (4): "الملك بالعدل يثبت الأرض والقابل الهدايا يدمرها."

قابل الهدايا هو المرتشي

آية (5): "الرجل الذي يطري صاحبه يبسط شبكة لرجليه."

إذا كان الإطراء في محله فلا عيب في ذلك. ولكن إن كان الإطراء لشخص شرير بغرض المنفعة فهو يضلل هذا الشخص ويتصور أنه لم يخطئ فيكون الإطراء نوع من الفخاخ.

 

الآيات (6،7): "في معصية رجل شرير شرك أما الصديق فيترنم ويفرح. الصديق يعرف دعوى الفقراء أما الشرير فلا يفهم معرفة."

معصية رجل شرير هي شرك له ليس بمعنى الهلاك الأبدي فقط، بل طريق الخطية كله شراك. وكل خطية تقود لخطية أخرى ومشكلة أكبر، بل فيها غواية لخطية أخرى ومشكلة أكبر. لذلك فمعصية الرجل الشرير تحطمه وأثامه التي يسر بها تكون هي مهلكته. وبينما الصديق يفرح إذ هو بلا شراك ولا مشاكل نجد الشرير يتألم كثيراً. والصديق هو صورة للمسيح فقلبه يشعر بمتاعب وآلام الفقراء والمتألمين أما الشرير فهو لا يهتم سوى بملذاته ولا يعنيه صراخ المتألم. والصديق يشعر بإحسان الله عليه ويشعر بأنه مديون للمسيح ويريد أن يسدد الدين لأخوة الرب، فهو كسيده يجول يصنع خيراً.

 

آية (8): "الناس المستهزئون يفتنون المدينة أما الحكماء فيصرفون الغضب."

يفتنون المدينة= أي يشعلونها. مثال ديمتريوس (أع23:19-41). وكذلك وجود مستهزئون في مكان يجلب غضب الله عليه فتنصب عليه نار غضب الله. لأن هؤلاء المستهزئون يستهزئون بالله وبوصاياه ويغوون الأبرياء أن يسلكوا مثلهم. أما وجود قديسين في مكان ما فبسببهم يبارك الله في المكان ويحول الغضب عنه (فالله بارك بيت فوطيفار بسبب يوسف. ومن السنكسار نجد الله يبارك في نيل مصر بسبب الأنبا بولا).

 

آية (9): "رجل حكيم أن حاكم رجلاً أحمق فان غضب وأن ضحك فلا راحة."

باطلاً تحاول أن تقنع الأحمق بأخطائه فهو معجب بنفسه والآية تفهم بطريقتين:

1-          هنا تصوير لمحاكمة يجري فيها الاحمق وهو يحاول أن يستر قضيته التافهة مرة بالضحك والسخرية ومرة بالصياح والتهوين ولكنه أبداً لا يقتنع.

2-          قد يستخدم الحكيم أسلوب الملاطفة واللين والضحك لإقناع الأحمق وقد يستخدم أسلوب العنف لتخويفه ولكن أبداً لن يقتنع. هكذا قال المسيح "زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لم تبكوا.... الخلاصة الأفضل ترك الجاهل فهو لن يقتنع بأنه مخطئ.

 

آية (10): "أهل الدماء يبغضون الكامل أما المستقيمون فيسألون عن نفسه."

كما أبغض قايين هابيل (1يو12:3) فالشرير يكره البار، وإبليس يحقد على أبناء الله، بل أن القداسة والتقوى تثير إبليس ومن يتبعونه، وإبليس كان قتالاً للناس منذ البدء وهكذا كل من يتبعونه. أما الأبرار فإنهم يهتمون بالكامل ويحرسونه ويشجعونه ويصلون لأجله لينقذه الله من أيدي الأشرار الذين يطلبون هلاكه.

 

آية (11): "الجاهل يظهر كل غيظه والحكيم يسكنه أخيراً."

الجاهل مستعد أن يسكب جام غضبه لأقل سبب بغض النظر عن النتائج التي تصيبه أو تصيب غيره، أما الحكيم فيهدئ غيظه ويسكنه داخل نفسه (أف26:4).

 

آية (12): "الحاكم المصغي إلى كلام كذب كل خدامه أشرار."

الحاكم الفاسد يحيط نفسه بأناس فاسدين. ومن هنا يتضح تأثير الحاكم في شعبه. وهكذا فوجود خادم فاسد منحرف سيفسد مخدوميه.

 

آية (13): "الفقير والمربي يتلاقيان الرب ينور أعين كليهما."

المربى= المرابي الظالم. وليفهم الغني الذي يظلم الفقير أن الله هو الذي يمنحه ويمنح الفقير نور عينيهما، أي كل بركة مصدرها الله. وكلاهما يحتاج الله فهو مصدر حياتهما كليهما وهو سيقضي بينهما، بل هو يستخدم كليهما في تحقيق مشيئته الإلهية (أي16:12).

 

آية (14): "الملك الحاكم بالحق للفقراء يثبت كرسيه إلى الأبد."

الذي يملك بالعدل ويحكم للفقراء بأمانة يتشبه بالله فيحفظه الله.

 

آية (15): "العصا والتوبيخ يعطيان حكمة والصبي المطلق إلى هواه يخجل أمه."

الطفل عديم التربية يجلب العار لأبويه والتدليل ليس علامة محبة (داود مع أدونيا وإبشالوم) ونلاحظ قول الكتاب عن داود وأدونيا "لم يغضبه أبوه قط قائلاً لماذا فعلت هكذا" لذلك ليس عجيباً أن يتحول أدونيا إلى ثائر متمرد (1مل6:1، 13:2-25).

 

آية (16): "إذا ساد الأشرار كثرت المعاصي أما الصديقون فينظرون سقوطهم."

من المحقق سقوط الأشرار مهما نجحوا مؤقتاً وسيسود البر، والأبرار سيروا هذا ويسبحوا الله (مز73 + مز34:37). فإلى حين يزدهر الأشرار، وفي وقت إزدهارهم تكثر المعاصي لذلك لا يجب التراخي معهم وإلا سيزدادون ويقلدهم الجهلاء.

 

آية (17): "أدب ابنك فيريحك ويعطي نفسك لذات."

أنظر آية (15).

 

آية (18): "بلا رؤيا يجمح الشعب أما حافظ الشريعة فطوباه."

الرؤيا= معناها الاستنارة الروحية والبصيرة في الأمور الإلهية (1صم1:3) وشعب بلا قائد له هذه الاستنارة يضل ويجمح. وطريق الإستنارة يشرحه الحكيم بقوله أما حافظ الشريعة فطوباه. وكلمة رؤيا تشير للإعلان النبوي أو شريعة الله المعلنة من خلال الناموس والأنبياء، ولذلك قال المسيح طوبى لمن يسمع كلام الله ويحفظه، فإذا لم تحفظ الوصية يجمح الإنسان أو يجمح الشعب.

 

آية (19): "بالكلام لا يؤدب العبد لأنه يفهم ولا يعنى."

الترجمة السبعينية تترجم الآية هكذا "بالكلام لا يؤدب العبد العنيد" وهذا يوضح المعني. فالتوبيخ الكلامي لا يجدي مع العبد العنيد لذلك لابد من التأديب الحازم لأن السيد لو اكتفي بالكلام فالعبد العنيد لن يخاف ولن يعنيه ما يسمعه فلن يستجيب. فهو لأن له طبيعة العبودية لن يستجيب سوى بالخوف.

 

آية (20): "أرايت إنساناً عجولاً في كلامه الرجاء بالجاهل اكثر من الرجاء به."

الإنسان العجول ينطق بأقوال متسرعة لذلك كثيراً ما يكتشف خطأه فيرتد ويرجع عما قاله. والإنسان العجول هو غالباً متكبر واثق بنفسه.

 

آية (21): "من فنق عبده من حداثته ففي أخرته يصير منوناً."

فنّق= دلل. والسيد الذي يدلل خادمه منذ حداثته يجده وقد تصوَّر أنه إبناً بالطبيعة لذلك السيد، فينسى واجباته ويهمل عمله بل يتمرد على سيده. ولكن على السيد أن يعامله بالحزم والحكمة فيظل أميناً له العمر كله ولا ينسى واجباته يكون في آخرته منوناً= تترجم يكون له ابناً في النهاية. أي مع التدليل سيتصور هذا. ونفهم الآية روحياً أن جسدي هو عبدي يجب أن أتعامل معه بحزم (صوم وصلاة ومطانيات.. ) حتى لا يدلل فيفسد. أقمع جسدي واستعبده (1كو27:9) وعلىّ أن لا أتعامل مع الله كأنني ابن مدلل، بل حسب ما قال السيد المسيح "أن فعلتم كل البر فقولوا إننا عبيد بطالون". والابن الضال حين تاب قال "أحسبني كأحد أجرائك". الله من محبته يقول أنتم أبناء ولكن نحن علينا أن لا نقول سوى أننا عبيد (يع1:1 + يه1).

 

آية (22): "الرجل الغضوب يهيج الخصام والرجل السخوط كثير المعاصي."

الأفضل تجنب الغضوب فهو لا يتحكم في طباعه ويثير الخصام كثير المعاصي= يقسم ويهدد ويشتم.

 

آية (23): "كبرياء الإنسان تضعه والوضيع الروح ينال مجداً."

الوضيع الروح= الوديع المتضع. يهرب من الكرامة ولا يسعى إليها فتسعى هي إليه. أما المتكبر فلابد وينكسر ودينونته أبدية ويحتقره الناس ويرذله الله فلا تكون له كرامة.

 

آية (24): "من يقاسم سارقاً يبغض نفسه يسمع اللعن ولا يقر."

يسمع اللعن= يشير إلى إجراء الحلف الذي يوجهه القاضي في أي قضية للشهود، أن من يعرف معلومات عن المتهم يدلي بها. فكيف يدلي هذا الشاهد بما يدين السارق وهو قد قاسمه في السرقة واشترك في أعماله الشريرة، بل زادت خطيته بأن حلف كذباً ومن يفعل ذلك فهو يبغض نفسه= أي يفعل ضد مصلحته فالله سيعاقبه ( لا1:5) فمن يعرف مجرم ويخفي هذه الحقيقة فذنبه كذنب هذا المجرم أمام الله خاصة أنه حلف.

 

آية (25): "خشية الإنسان تضع شركاً والمتكل على الرب يرفع."

خشية إنسان تجعل الخائف يشهد خطأ ليجامله وهذا يكون للخائف شركاً. أما خوف الله يرفع الإنسان. بل أن خوف الإنسان من الإنسان قد يدفع لإنكار الله (بطرس أنكر لخوفه وإبراهيم أنكر زوجته) وقد يدفع للشهادة الزور وظلم الأبرياء. فلنحذر لئلا نخاف إنساناً أو رئيساً أو جماعة إذا كان في هذا ما يخالف وصايا الله (دا16:3 + لو5:12).

 

آية (26): "كثيرون يطلبون وجه المتسلط أما حق الإنسان فمن الرب."

من يطلب وجه المتسلط هو من يخشى الإنسان (آية25) ولكن كل إنسان هو فانٍ. ربما يفعل هذا حتى يحصل على حقه ولكن علينا أن نعطي كل ذي حقٍ حقه ونحترم المتسلط ولكن لنعلم أن حق الإنسان هو من عند الرب وليس من إنسان، إنما قد يكون بواسطة إنسان بأمر الرب.

 

آية (27): "الرجل الظالم مكرهة الصديقين والمستقيم الطريق مكرهة الشرير."

كل منهما يناقض الآخر فلا تقابل بين نسل المرأة ونسل الحية، طريقهما مختلف.


 

الإصحاح الثلاثون

آية (1): "كلام أجور ابن متقية مسا وحي هذا الرجل إلى ايثيئيل إلى ايثيئيل واكال."

تفهم الآية بطريقتين حسب رأي المفسرين الذين انقسموا لفريقين في تفسيرها:

1-  أن أجور هو اسم علم لشخص مجهول ملهم بالروح القدس. كتب ما كتبه بوحي من الروح ولكن لا نعلم شيئاً عنه أو عن أسرته، إلا أنه من قبيلة مسّا. وله صديقين اسمهما إيثيئيل (معناه الله معي) وأكّال (معناه القادر). وربما كانا تلميذين لأجور.

2-  المدرسة الأخرى تفهم الآية على أنها كلها مكتوبة بطريقة رمزية وحتى يظهر معنى الآية لنرى معاني كل كلمة فيها أجور= الجامعة. متقية= التقي. والجامعة هو سليمان والتقي بالقطع هو أبوه داود. مسا= تعني الوحي الإلهي أو الشخص الذي يوحى إليه. إيثيئيل= الله معي وهي نفسها عمانوئيل الله معنا. وأكال= القادر. وأصحاب هذه المدرسة يقولون أن هذه الأسماء ليست أسماء أعلام بل هي ألفاظ لها معاني كما رأينا. وبهذا يكون المقصود بالآية "كلام الجامعة بن داود الموحي له من الله وحي هذا الرجل إلى عمانوئيل. إلى عمانوئيل الذي هو الله معنا وهو القدير" وهم يقولون أن تكرار اسم إيثيئيل يشير لأهمية الموضوع وأنه عن شخص المسيح، والمسيح هو القدير (إش6:9) وهو الله معنا (إش14:7). ويتضح أن أصحاب هذا الرأي يرون أن سليمان هو كاتب هذا الإصحاح ولكنه كتب إفتتاحية هذا الإصحاح بهذا الأسلوب لأنه إصحاح نبوي يحدثنا عن المسيح الذي سيتجسد ليخلص البشر، المسيح الذي هو أقنوم الحكمة ابن الله الذي سيتجسد. وإذا كان السفر كله عن اقتناء الحكمة فنصل لنهاية السفر الآن وإذا بالحكمة تتجسد لأن البشر عجزوا عن اقتنائها.

 

الآيات (2،3): "أني أبلد من كل إنسان وليس لي فهم إنسان. ولم أتعلم الحكمة ولم اعرف معرفة القدوس."

سليمان الحكيم يعبر هنا عن نفسه بأسلوب كله تواضع، فمع كل حكمته وهو الذي يوحي إليه، حينما وقف أمام الله شعر بأنه لا يملك أي حكمة، خاصة حينما يتكلم عن هذا الموضوع الذي سيتناوله. ولكننا نجد الله يوحي له ويستخدمه، فالله لا يكشف أسراره سوى للمتضعين. وموضوع وحي أجور أو سليمان هنا هو عن المسيح حكمة الله وعمله الفدائي، وقبل أن يتكلم عن تجسد أقنوم الحكمة اللانهائية يعلن جهله وأنه لا يعرف شيئاً. ونحن حتى نكون في المسيح علينا أن ننكر ذواتنا تماماً ونشعر بأننا في احتياج "إن عطش أحد فليقبل إلىّ (يو37:7). المهم أن نشعر بالاحتياج وهو يعطي.

 

آية (4): "من صعد إلى السماوات ونزل من جمع الريح في حفنتيه من صر المياه في ثوب من ثبت جميع أطراف الأرض ما اسمه وما اسم ابنه أن عرفت."

إن المعرفة البشرية في أعلى درجاتها لهي محدودة جداً. ونجد هنا سؤال لم يستطع أحد فهمه قبل تجسد المسيح وهو من صعد إلى السموات ونزل. والمسيح أجاب على هذا السؤال لنيقوديموس (يو13:3) بقوله "ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء." وبولس أكمل الشرح في (أف9:4،10). ثم يستطرد أجور أو سليمان ويُصوِّر سلطان الله على ثلاثة عناصر الأرض [1] الهواء= جمع الريح. [2] الماء= صر المياه. [3] الأرض= ثبت الأرض. ومن يستطيع أن يضبط الريح غير المنظور ويتحكم فيه ومن الذي يستطيع أن يسيطر على البحر ومن الذي يثبت الأرض إلا الله (مز7:135 + أي8:26 + مز6:104 + مز5:104). ولاحظ أن المسيح كان له سلطان على البحر وعلى الريح. فإذاً الصفات المذكورة هنا هي للآب والابن، فكل ما هو للآب هو للإبن أيضاً. ما اسمه= هو لا يسأل عن اسم فعلاً فهو يدرك أنه الله ولكن هذا القول يدل على أن هذا الكائن غير مدرك في قوته وطبيعته وأزليته وأبديته، وجوده لا نهائي ومعرفته لا نهائية وقدرته لا نهائية ليس في إمكان بشر أن يصل إليها. وما اسم ابنه= هنا يتكلم عن المسيح ابن الله. ولا أحد بهذه المواصفات إلا الله مثلث الأقانيم القادر على كل شئ (أكال) وهو الذي نزل من السماء ليصير إيثيئيل أي الله معي. هو نزل ليأخذ جسد بشريتنا، وبجسد بشريتنا هذا صعد ثانية للسماء ليصالح السماء والأرض فهو خالق كلاهما. ونلاحظ أن إيليا وأخنوخ صعد للسماء لكنهما لم ينزلا فلا أحد نزل من السماء سوى المسيح. وبنفس المفهوم ردد موسى نفس المعنى عن نزول المسيح من السماء (تث11:30،12).

 

الآيات (5،6): "كل كلمة من الله نقية ترس هو للمحتمين به. لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذب."

الحكيم كاتب هذا الإصحاح يتصور أن من سمعه سيسأله من هو هذا الشخص الذي سماه ابن الله. ويرد على التساؤل.. إذهب وفتش عنه في كلمة الله المكتوبة أي الكتاب المقدس. ولكنه يحذر لا تزد على كلماته أي لا تضيف من تصوراتك الخاصة إلى ما تقرأ، بل إفهم ما هو مكتوب ونلاحظ أن المسيح اسمه كلمة الله والكتاب المقدس اسمه كلمة الله وهذا لأننا حين نقرأ الكتاب نكتشف شخص المسيح كلمة الله. وحينما نكتشفه سنكتشفه كإله محب لنا يحمينا، بل هو ترس للمحتمين به. فتكذب= توجد أنت كاذباً.

 

الآيات (7-9): "اثنتين سألت منك فلا تمنعهما عني قبل أن أموت. ابعد عني الباطل والكذب لا تعطني فقراً ولا غنى أطعمني خبز فريضتي. لئلا اشبع واكفر وأقول من هو الرب أو لئلا افتقر واسرق واتخذ اسم الهي باطلاً."

نجد هنا الحكيم الذي أوحى إليه يصلي صلاة رائعة، فبعد أن رأي ما رآه عن شخص المسيح، وبعدما رأي ما رآه عنه نجده يخشى أن يغضبه. وهو يصلي لله أن يبعد عنه كل ما من شأنه أن يجعله يخطئ= لا تدخلنا في تجربة= أبعد عني الباطل فهو يخشى أن يغضب الله الذي أحبه ورأي عمله. وإذ عرف أن الغني يجعل معظم الأغنياء يظنون أنهم لا يحتاجون الله فينفصلون عنه. ويعرف أن الفقر قد يدفع بعض الناس ليسرقوا ما يأكلونه وهذا يغضب الله. فهو يطلب من الله أن يحفظه من كليهما. ويطلب من الله أن يعطيه الكفاف= خبزنا كفافنا= أطعمني خبز فريضتي. الحكيم إذ رأى عمل الله وابن الله وأحبه وجد العالم أنه باطل فطلب من الله أن يحميه من الباطل= (في8:3). هكذا قال المسيح "من يحبني يحفظ وصاياي. لئلا أشبع وأكفر.. هذه متفقة مع (تث15:32). عموماً فالله يعطي لكل إنسان أفضل شيء، وأفضل شيء ليس هو الغنى والصحة.. بل أفضل شيء هو ما يساعدني على دخول السماء. الله الذي خلقني وصنعني يعرف ما أحتاج إليه بالضبط لكي أخلص.

 

آية (10): "لا تشك عبداً إلى سيده لئلا يلعنك فتأثم."

تطبيق هذا المثل نجده في (رو4:14،13). ومن المؤكد فإن ظروف العبد سيئة أصلاً، فإن يشكوه أحد لسيده، فإن هذا سيجلب المزيد من الضربات على العبد من سيده الغاضب. بينما العبد محتاج لمن يرحمه. بل إذا ثبتت بطلان التهمة والشكوى فإن العبد سيحتقر من شكاه ويلعنه، عموماً علينا أن لا ندين أحداً فكل إنسان عبد لسيد هو الله.

ولكن ما هي مناسبة هذه الآية هنا والإصحاح كله يتكلم عن عمل المسيح الفدائي؟

الحكيم سيورد بعد هذا صورة للبشرية الساقطة ويكرر الصور في مجموعات مكونة من أربعة صور مختلفة ونجد تكرار رقم (4) الذي يدل على العمومية. والسبب أن العالم كله قد أخطأ "الكل زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله".

ثم يورد الحكيم بعد هذا صورة لعمل المسيح الفدائي وأيضاً من 4 صور لأن المسيح مات من أجل كل العالم.

ومن هو الذي يشكونا كعبيد لله؟ ليس غيره وهو إبليس المسَّمى الشاكي. هكذا ذهب إبليس ليشكو أيوب، فبعد أن يغوي عبيد الله أن يسقطوا فيسقطوا يذهب ويشتكي. وهنا إنذار لإبليس أن لا يشكو أولاد الله لله، لأن الله في محبته كان مزمعاً أن يرحمهم فهم في حاجة للرحمة، ويفديهم ويكفر عنهم ويحامي عنهم ويلعن إبليس (رو32:8-34).

 

الآيات (11-14): "جيل يلعن أباه ولا يبارك أمه. جيل طاهر في عيني نفسه وهو لم يغتسل من قذره. جيل ما ارفع عينيه وحواجبه مرتفعة. جيل أسنانه سيوف وأضراسه سكاكين لأكل المساكين عن الأرض والفقراء من بين الناس."

أربعة أصناف من الخطاة.... الإنسان الساقط

1)  من لا يحترم ويكرم والديه:ومن لا يحترم أبوه المنظور قطعاً لن يحترم الله أبوه غير المنظور. يلعن أباه= أي يسبه ويشتمه. لا يبارك أمه= لا يحترمها بكلمات مهذبة.

2)     من يحيا في البر الذاتي: هو يظن أنه طاهر وهو خاطئ لم يغتسل من قذره.

3)     الكبرياء: يرفع عينيه وحواجبه علامة وقاحة واحتقار للآخرين.

4)     المتوحش الطماع: الذي في وحشيته يغتصب الفقير ويأكله بأسنان كسيوف.

الآيات (15،16): "للعلوقة بنتان هات هات ثلاثة لا تشبع أربعة لا تقول كفا. الهاوية والرحم العقيم وأرض لا تشبع ماء والنار لا تقول كفا."

أربعة أشياء لا تشبع.... الشهوة صفة للإنسان الساقط

في الآيات السابقة وصف خطايا البشر الساقطين قبل نعمة الفداء وقبل عمل نعمة المسيح فيهم. وهنا يعطي مواصفات الإنسان ويصوره بعد سقوطه بأنه صار خاضع لشهوته والشهوة لا تشبع، هو عقيم لا يشبع من شهوات العالم، ولا يدري أن النار ستلتهم كل شئ والعالم سيزول وأنه ماضي إلى القبر.

العلوقة= هي دودة شرهة لا تشبع وتسمى ماصة الدماء. وهي ترمز للشهوة. وهكذا قلب الإنسان بعد سقوطه قد أصبح شرهاً للعالم، ولا يشبع مهما إمتلك منه. ولاحظ قول إبليس للمسيح "أعطيك كل هذا إن خررت وسجدت لي". فإبليس يعلم ضعف البشر وأنهم صاروا مثل العلوقة يأكلون ولا يشبعون. وبنتا العلوقة تصرخان دائماً هات هات. والابنتان أسلوب مجازي لتصوير ماذا يشتهي الإنسان [1] المال [2] الجنس.

1-    المال والجشع في امتلاكه بل عبادته كسيد وعدم الإكتفاء بل طلب المزيد هات هات.

2-    الجنس والشهوات الشبابية. وهي أيضاً لا تشبع قائلة هات هات.

والعالم الخبيث الذي لا يسمى الأشياء باسمها للخداع أطلق على هاتين الشهوتين أسماء مهذبة فالجشع للمال أسماه طموح والشهوة الجنسية أسماها حب. والإنسان الطبيعي لا يكتفي مهما حصل منهما، حتى سليمان الحكيم أغني ملوك العالم فقد ثَقَّلَ على شعبه بالضرائب بصورة أرهقت الشعب وأدت بعد ذلك لإنقسام المملكة ليزيد أمواله. ولم يكتفي من امرأة ولا اثنتين ولا عشرة بل زاد عدد نسائه إلى ألف زوجة وجارية (السراري). وبعد هذا اكتشف سليمان بطلان كل هذا (الجامعة).

ثلاثة لا تشبع أربعة لا تقول كفا= هو أسلوب عبري في التعبير يريد به إظهار الكمال. ثم يظهر بعد ذلك أربعة أشياء شرهة لا تشبع وفي هذا تتشابه.

1-    الهاوية= أو القبر الذي لا يشبع من ملايين البشر الذين يلقونهم فيه وكل يوم يطلب المزيد.

2-    الرحم العقيم= هو يصرخ مثل راحيل إعطنى إبناً. والرحم العقيم مهما تزاوج لن يثمر أبناً.

3-    أرض لا تشبع ماء= هي الأرض البور التي تمتص الماء بسرعة ولا تشبع (أر13:2 + يو13:4)

4-  النار= هي ستحرق كل شئ وتظل تلتهم حتى يفرغ كل ما يمكن أن يصل إليها وعندئذ تكف مرغمة. ما أجمل هذه المواصفات لشهوة الإنسان فهي لا تشبع (أرض لا تشبع ماء) ولا تثمر (رحم عقيم) لا تثمر فرح حقيقي أو إرواء حقيقي أو راحة. ونهاية الشهواني أو كل ما لديه سيحترق بالنار. وهو ماضٍ إلى الهاوية. الشهوة لا تشبع.

 

آية (17): "العين المستهزئة بابيها والمحتقرة إطاعة أمها تقورها غربان الوادي وتأكلها فراخ النسر."

هنا تطبيق أو تحذير أو إنذار بأن مصير الخطاة بشع. والحكيم اختار بالذات خطية عدم إحترام الوالدين لأن من لا يحترم الوالدين لن يحترم الله نفسه. وهناك حقيقة مشهورة فالغربان والنسور وغيرها من الجوارح تبدأ هجومها على فرائسها بقلع عيني الفريسة حتى تصبح عاجزة لا تستطيع الهرب. والمتمرد الساخر بوالديه سيصاب بضربات أعدائه وسيكون بلا حماية. ولاحظ أن العين استهزأت بوالديها لذلك ستكون أول ضربة للعين المستهزئة، وبعد أن يفقد المستهزئ بصره يصير عرضة لأعدائه وبلا حماية ولا يستطيع الهرب بل يتخبط في الظلام. وكل خاطئ معاند يفقد استنارته وينطبق عليه قول الكتاب "لهم عيون ولا يبصرون"

 

الآيات (18-20): "ثلاثة عجيبة فوقي وأربعة لا اعرفها. طريق نسر في السماوات وطريق حية على صخر وطريق سفينة في قلب البحر وطريق رجل بفتاة. كذلك طريق المرأة الزانية أكلت ومسحت فمها وقالت ما عملت إثماً."

أربعة أشياء عجيبة.. الخطية تسعى بلا توقف وراء الإنسان الحكيم يرى أن موضع العجب في هذه الأشياء أنها لا تترك أثراً يدل عليها.

1-    النسر في الهواء:- لا يستطيع أحد تعقبه بعد أن يطير أو يضبطه فلا أثر يتركه.

2-    حية على صخر:- الحية لا تترك أثراً على الصخور يستدل به على مكانها.

3-    سفينة في البحر:- والسفينة لا تترك أثراً في الماء.

4-  فتاة تغوي رجل:- قطعاً فهناك رجل يغوي فتاة بريئة ويسقطها وهناك امرأة تغوي رجلاً بريئاً وتسقطه. ولكن المقصود هنا هو تعبير عن الخطية عموماً وكيف أنها تسعى وراء كل برئ لتغويه وتسقطه (زك5:5-11). والمرأة الزانية تذهب لتبحث عن ضحية جديدة لها مثل النسر الذي يبحث عن فريسة منطلقاً في الجو. وهي تبذل كل جهدها لتخدع ضحيتها وتتلون كالثعبان أمام الضحية لتغويه. وهي تسلك وسط أخطار كما تسلك سفينة وسط البحار بل هي تنتشر في كل العالم المشار له بالبحار. بل تندفع الضحية وقد تملكتها الشهوة غير عابئة بأي أخطار بعد أن فقدت حكمتها وراء هذه الشهوة. هنا سر الإثم وأعماق الشيطان ودهائه الذي يستغل قلب الإنسان المخادع فيغويه ليسقط. ولاحظ وقاحة الزانية بعد أن أسقطت الضحية البريئة أكلت ومسحت فمها وقالت ما عملت إثماً. فهي لم تشعر بأي إثم فيما عملته وهكذا إبليس ومن يستخدمهم. هنا نرى السعي العجيب الذي لا يعرف كلل ولا ملل لإبليس وراء كل نفس ولن تعرف أثاره ولن تراه، فهو قوة خفية عجيبة تسعى وراء كل برئ لتسقطه. والبحر هو إشارة للعالم عموماً. والخطية منتشرة فيه، في كل مكان.

 

الآيات (21-23): "تحت ثلاثة تضطرب الأرض وأربعة لا تستطيع احتمالها. تحت عبد إذا ملك وأحمق إذا شبع خبزاً. تحت شنيعة إذا تزوجت وأمة إذا ورثت سيدتها."

أربعة أشياء لا تحتمل.... الإنسان الترابي الخاطئ يصير غير محتملاً لخطيته.

الحكيم يذكر هنا أربعة أشياء بسببها تضطرب الأرض ومنها الناس يئنون كأنهم تحت حمل ثقيل، هي أشياء لا يمكن احتمالها.

1-  عبد صار يملك:- راجع (3:28). العبد لا يملك قطعاً إلا بعد مؤامرة خيانة ضد الملك الحقيقي. ومثل هذا يصبح أقسى الأسياد، كالعاصفة الكاسحة، طاغية متعسف بلا مبادئ.

2-    أحمق إذا شبع خبزاً:- أي اغتني وتوفر له الكثير، فإذ هو يتقلب في الوفرة يحتقر المعوزين ومثل هذا يطلب احتراماً مبالغ فيه.

3-  الشنيعة إذا تزوجت:- هذه بدلاً من أن تشكر الله الذي وفر لها بيتاً لتحيا، وتسعد زوجها ولأنها لها مزاج حقود محب للإنتقام فهي لا تحتمل مسئوليات الحياة وتزيد مشاكساتها فتقوض سلام البيت وهناء عائلتها. شنيعة= طباعها بغيضة مشاكسة.

4-  آمة إذا ورثت سيدتها:- تترجمها السبعينية "أمة إذا أخذت مكان سيدتها" فهي آمة أخذت تستميل عواطف سيدها حتى تزوجها فإذا حدث وصارت سيدة المنزل، تقصى الزوجة الأصلية وأولادها. وقد يكون المعنى أنها خادمة وصارت سيدة بالوراثة.

الأربعة الأشياء يشيروا لمن كان حقيراً وارتفع وكيف يصبح غير محتملاً. وهكذا فالإنسان الترابي الأصل وقد رفعه الله وأعطاه سلطاناً على الخليقة، وسقط وصار غير مُحتمَلاً. بل الإنسان الخاطئ لا يحتمل الإنسان الخاطئ فكيف يحتملنا الله (هو2:1-5 + هو1:3-5) وبعد أن رفعنا المسيح بعد أن كنا عبيداً مرفوضين وأعطانا أن نملك ونشبع وإتخذنا عروساً له، بل أعطانا ميراثاً فلنحذر أن نتكبر حتى لا نسقط ونكون أشنع. فابن الله حين يسقط يصير أشنع من الغريب إذا سقط. ابن الله كملح إذا فسد يداس من الناس.

 

الآيات (24-28): "أربعة هي الأصغر في الأرض ولكنها حكيمة جداً. النمل طائفة غير قوية ولكنه يعد طعامه في الصيف. الوبار طائفة ضعيفة ولكنها تضع بيوتها في الصخر. الجراد ليس له ملك ولكنه يخرج كله فرقاً فرقاً. العنكبوت تمسك بيديها وهي في قصور الملوك."

أربعة أشياء صغيرة... نصيحة لكل مؤمن حتى لا يصير بغيضاً

هذه الآيات عكس السابقة. فقد رأينا الحقير الذي صار عظيماً وتصرف تصرفات رديئة وهنا يعطينا الحكيم مثال بأربعة أشياء صغيرة جداً ولكنها حكيمة جداً لنتعلم منها.

1)  النمل: حكمة النمل هي الاجتهاد والاستعداد للمستقبل، فهو يسعى في الصيف ليخزن طعام الشتاء. وكثير من الناس يعملون بجد في شبابهم ليوفروا كمية من المال تنفعهم في شيخوختهم. ونصيحة الحكيم هي أن نفعل ذلك روحياً ونعمل ونجد لأبديتنا. والنملة لا تضيع أيام الصيف عبثاً. وعلينا أن لا نضيع أيام شبابنا عبثاً، لأن هذا السن هو سن الجهاد والإمتلاء الروحي. وما يستدعى احترام الإنسان ليس حجمه أو غناه بل عمله وكفاحه وجهاده، ولاحظ أن الله يوفر للنملة طعامها ولكن عليها أن تجتهد.

2)  الوبار: هو حيوان صغير يشبه الأرنب حجماً وشكلاً ولوناً وبسبب رجليه المستديرتين اللينتين لا يستطيع أن يحفر ولذلك هو يلجأ لشقوق الصخر يحتمي بها (مز18:104). وناموسياً فالوبار من الحيوانات النجسة (لا5:11) لأنه يجتر لكنه لا يشق ظلفاً. فهو يرى نفسه ضعيفاً فيختبئ في شقوق الصخر. وإذا فهمنا أن الوبار النجس يشير للإنسان الخاطئ والصخر يشير للمسيح (1كو4:10) فكيون درس الوبار أن نلجأ ونحتمي ونثبت في المسيح فنستريح (مت28:11).

3)  الجراد: يخرج فرقاً فرقاً بلا قائد منظور، لا يزاحم أحد الآخر، هم كالجنود المنظمين. ويسمى الجراد جيش الله (يؤ25:2). وهكذا على شعب الله أن يعيشوا في محبة خاضعين لأوامر رأس الجسد غير المنظور أي المسيح، يحيا بلا إنقسامات ولا خصام (1كو10:1،3:3).

4)  العنكبوت: يصنع ستائر دقيقة. وهو يستخدم قدميه الأماميتين كما لو كانت يدين يمسك بها طعامه (غالباً الذباب) ويقبض عليه ويلتهمه. ولها تحت كل إصبع من أقدامها كيس كالإسفنج يحتوي على سائل لزج، بإفرازه يستطيع العنكبوت أن يمسك بيديه في الأسطح الناعمة الملساء. ودرس العنكبوت هو أن نمسك في قصر الملك بأيدينا. ومن الملاحظ أن الحكيم يتكلم عن العنكبوت في قصر الملك النظيف وهذا شئ غير مناسب ولا يحدث. وهكذا نحن الخطاة لا نستحق أن نوجد في بيت الله قصر الملك، بيت المسيح أي كنيسته.. ولكن المسيح من محبته أوجدنا في قصره فلنمسك ونتمسك بإيمان في المسيح وفي بيته.. ونقول مع عروس النشيد "أمسكته ولم أرخه" (نش4:3). نمسك فيه بإيمان فليس لنا سواه. ونلاحظ قيمة الجهاد فالعنكبوت بنى بيته بجهاده.

ونلاحظ أن الله يحمي هذه المخلوقات الضعيفة التي يطاردها الإنسان ليقتلها، وهكذا سيحمي الله الإنسان الذي يشعر في نفسه أنه ضعيف ويحتاج حماية الله. وعلى كل مؤمن أن يتعلم الدروس من هذه الحشرات الجهاد (النمل) والاحتماء بالمسيح (الوبار) وأن نحيا في محبة خاضعين للمسيح (الجراد) وأن نتمسك بإيمان وثقة في المسيح وكنيسته (العنكبوت).

 

الآيات (29-31): "ثلاثة هي حسنة التخطي وأربعة مشيها مستحسن. الأسد جبار الوحوش ولا يرجع من قدام أحد. ضامر الشاكلة والتيس والملك الذي لا يقاوم."

أربعة مشيها حسن.... طريق الإنسان الخاطئ للسماء

انتهت الآيات السابقة بوجود العنكبوت في قصر الملك والوبر في الصخور، وهذا يشير للإنسان الضعيف النجس الذي أعطاه الله أن يحتمي به بل يكون له نصيباً ومكاناً في عرشه إن غلب (رؤ11:3) وقارن مع (أف6:2) أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات. ولكن كيف حصل الإنسان على هذا؟ هناك طريق واحد وحيد هو فداء المسيح وعمله الكفاري على الصليب ثم قيامته منتصراً على الموت وهذا ما تشرحه هذه الآيات ببساطة عجيبة.

حسنة التخطي.. مشيها مستحسن= أي طريقة سيرها حسنة فيها قوة وتصميم وعدم تراجع

1)  الأسد: هو الملك. ملك الغابة، مشيته فيها عظمة وأبهة وتأدة وثبات جرئ لا يتراجع إشارة للمسيح الملك "الأسد الخارج من سبط يهوذا" (رؤ5:5)

2)  ضامر الشاكلة: وردت الكلمة في العبرية "متمنطق الحقوين" وهو اسم كناية عن حيوان غير معروف. وقال البعض أنه الكلب السلوقي أي كلب الصيد الذي يسعى وراء فريسته برشاقة حتى يأتي بها. وقال البعض الزراف، إلا أن كل هذه تخمينات. ولكن الكلمة والتسمية تنطبق على كل مخلوق يتصف بالرشاقة والخفة. ومتمنطق الحقوين هو يستعد لعمل ما، لا يهدأ حتى يصل إلى غرضه، وهذا ما فعله المسيح (عب1:12،2). وكون المسيح يمنطق حقويه أي يستعد لعمل التجسد والفداء. هذه قال عنها إشعياء النبي "قد شمرَّ الرب عن ذراع قدسه" وفي هذا إشارة للتجد (إش10:52). وعلى كل مؤمن أن يكون هكذا مجاهداً ساعياً (في13:3،14 + عب1:12،2) وهكذا أكل الشعب ذبيحة خروف الفصح.

3)  التيس: كان يقدم ذبيحة كفارة (لا16). والتيس من صفاته أنه يتقدم القطيع في عظمة ويقود القطيع. بل من صفاته أنه يتسلق الأماكن العالية رافضاً الوديان المنخفضة (مز18:104). وبهذا يكون التيس إشارة للمسيح السماوي الذي قدم نفسه ذبيحة. وعلى كل مؤمن من قطيع المسيح أن يقدم نفسه ذبيحة حية ويحيا بفكر سماوي (كو1:3-3)

4)  الملك: الذي لا يقاوم وتترجم وجيشه معه. هو المسيح خارجاً في قوته بلا مقاومة. هو غالب وشعبه معه "خرج غالباً ولكي يغلب" هو المسيح القائم من الأموات ليقيمنا. نرى في هذه الآيات المسيح الملك الذي يتجسد ويقدم نفسه ذبيحة ويقوم ليخلص البشر.

 

الآيات (32،33): "أن حمقت بالترفع وأن تآمرت فضع يدك على فمك. لأن عصر اللبن يخرج جبناً وعصر الأنف يخرج دماً وعصر الغضب يخرج خصاماً."

بعد ما عمله المسيح بفدائه علينا أن نستمر في جهادنا محاربين إبليس كأسود متنطقي الحقوين مستعدين دائماً مقدمين أنفسنا كذبائح حية، أعضاء في جيش الملك الذي لا يقاوم. وهنا دعوة حتى لا نتكبر أو نثير خصومات. إن حمقت بالترفع وإن تآمرت= وإذا حدث وسقطنا في الكبرياء فترفعت واغتررت بنفسك أو إن شرعت في تدبير مكيدة ضد من أثارك إنتقاماً منه. فضع يدك على فمك= هو إقرار صامت بلوم النفس. فإذا واجهنا أحد بأننا مخطئين فبدلاً من المكابرة وإثارة المشاكل فلنقر ونعترف بخطئنا. حتى لا نخاصم أحد. ووضع اليد على الفم كانت بحسب الشريعة واجب على الأبرص، أن يضع يده على فمه ويقول نجس نجس. هنا دعوة لنا بأن نقف أمام الله معترفين بخطيتنا مثل المرأة الخاطئة. عصر اللبن بخرج جبناً= هو أخرج أحسن ما فيه حين يضرب بشدة ونحن نخسر أحسن ما فينا حين نتهيج ونثور. وعصر الأنف يخرج دماً= وبنفس المعنى فإن الصدام والغضب سيخرج أحسن ما فينا بل تدخل النزاعات والتي تصل للدم وبعدها خصام لا حل له، وعبد الرب لا يجب أن يخاصم. فلا يخسر هدوءه وسلامه وصحته أحسن ما فيه وبالأولى لا نخاصم الله ونغضبه. هي دعوة للإعتراف بأننا خطاة وأن نحيا بوداعة ومحبة.


 

الإصحاح الحادي والثلاثون

آية (1): "كلام لموئيل ملك مسا علمته إياه أمه."

هنا أيضاً ينقسم المفسرين لقسمين في شخص لموئيل والرأيين هما:

1)  هو ملك على قبيلة مسا، ملك مجهول. ولكن ليس ملكاً على يهوذا فلا يوجد ملك بهذا الاسم. ولكنه أوحي له بالروح القدس أن يكتب ما كتبه.

2)  كلمة لموئيل تعني مع الله أو لله. وقالوا هو كناية أيضاً عن سليمان. وأن أمه بثشبع كانت تعلمه إياه كتعاليم وإرشادات ولكنه وضع هذه الكلمات بهذه الصورة بوحي من الروح القدس. وهؤلاء يفهمون كلمة مسا بمعني وحي أو وسيط الوحي.

 

آية (2): "ماذا يا ابني ثم ماذا يا ابن رحمي ثم ماذا يا ابن نذوري."

كلمة ماذا مكررة (3مرات) هنا للتشديد على أهمية ما ستقول لابنها ليسلك مسلكاً قويماً إذ ملك وهو شاب. يا ابن نذوري= ربما هي نذرت بعد موت ابن خطيئتها، أن يكون علامة غفران الله لها أن يعطيها إبناً ونذرت نذوراً لأجل ذلك. ولما جاء الابن شعرت برضا الله وغفرانه وقررت تنشئة ابنها بحسب خوف الله، خاصة بعدما أخبرها ناثان النبي انه ابن له محبة خاصة من الله (2صم25:12). ابن نذوري= الابن الذي أعطانيه الرب استجابة لنذوري (2صم11:1). وربما اسم لموئيل هو اسم اعتادت بثشبع أن تنادي به ابنها بعد أن عرفت محبة الله الخاصة له. وماذا التي تكررت (3مرات) تعني ماذا يجب أن أقول لك.. أنا لأهمية ما سأقول أفكر جيداً لأنتقي الكلام المناسب. يا ابن رحمي= فأنا أمك التي تحبك أكثر من الجميع لذلك أنصحك وأعلمك. ولكن إذا كنا قد رأينا في الإصحاح السابق عمل المسيح مع النفس أو مع كنيسته ورأينا في نهاية الإصحاح (32:30،33) بعض النصائح نرى هنا نصائح أخرى من الكنيسة لأولادها. الكنيسة الأم التي تلد أولادها في المعمودية (رحمها). وأولادها هم أولاد نذورها فالكنيسة عروس المسيح هي مكرسة ومخصصة له. والكنيسة الأم في محبتها توصي كل ابن من أولادها. ونلاحظ أن كل مولود معمد يدهن بالميرون فيصبح مكرس لله أي لله= لموئيل فاسم لموئيل يطلق على كل من تعمد وحل عليه الروح القدس وصار مكرساً مخصصاً لله نُذِر له وعليه أن يسلك بحسب وصايا أمه الكنيسة ولا يجري وراء شهوات العالم ليظل ملكاً على نفسه.

 

الآيات (3-9): "لا تعط حيلك للنساء ولا طرقك لمهلكات الملوك. ليس للملوك يا لموئيل ليس للملوك أن يشربوا خمراً ولا للعظماء المسكر. لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة. أعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمري النفس. يشرب وينسى فقره ولا يذكر تعبه بعد. افتح فمك لأجل الأخرس في دعوى كل يتيم. افتح فمك اقض بالعدل وحام عن الفقير والمسكين."

ربما أن أم سليمان لاحظت أن إبنها في شبابه ميال للنساء وللخمر. وهي هنا توجهه أنه وهو ملك يقود شعباً لا يجب أن يكون هذا هو إتجاه حياته. وتحذير الأم هنا هو تحذير ضد الإفراط في الجري وراء الشهوات. وهذا ما سبق ونبه عليه موسى النبي لمن يملك (تث17:17) لكن للأسف فإن سليمان لم يستجب لهذه الوصايا فسقط. ومعنى التحذيرات هنا أن من شاء أن يحكم أمة وشعباً عليه أن يحكم نفسه أولاً ورغباته. فالخمر يظلم الفكر ويشل المواهب. ومن يشرب بإفراط يكون عرضة لنسيان الشريعة وغير لائق بأن يحكم شعبه. لا تعط حيلك للنساء= مالك وصحتك ووقتك وعواطفك. فهذه يجب أن يعطيها لله، وعقله يجب أن يحفظه ليحكم شعبه. مهلكات الملوك= النساء الكثيرات إعطوا مسكراً لهالك وخمراً لمرى النفس. يشرب وينسى= هي سخرية من الملك الذي يسكر فينسى الشريعة ويحكم ظلماً. والمعنى عوضاً عن أن تعطوا الخمر للملك فيسكر. إعطوها لمن ظلمهم في سكره لينسوا مظالمه. والآيات (6،7). قطعاً لا تعني أن الخمر فيه علاج للمظلوم بل هو سخرية من ملك ظالم بسبب سكره. ولذلك تأتي الآيات (8،9) لتطلب إنصاف المظلوم. وأن على الملك أو من يقضي أن يكون متنبهاً ليحكم بالعدل فيهتم بذوي العاهات والأيتام والمظلومين= الأخرس واليتيم والفقير والمسكين فالديانة الحقيقية هي افتقاد هؤلاء (يع27:1)

إعطوا مسكراً لهالك= على كل مسيحي خادم لله أن يمتلئ بالروح فيمتلئ فرحاً وسلاماً ثم عليه أن يفيض ويوزع فرحاً ومعرفة الرب لكل مري النفس ليفرحوا بالرب. فعطايا أولاد الله هي ليست عطايا مادية فقط بل عطايا روحية يعزون بها المتألمين ويفرحونهم. إلا أن اليهود فهموا هذه الآية حرفياً وطبقوها على المصلوبين المحكوم عليهم بالموت فكانوا يسقونهم خلاً كما فعلوا مع المسيح. عموماً ملخص وصاياي الكنيسة لأولادها هي:

1-    الابتعاد عن الشهوات (النساء رمز لها).

2-    الابتعاد عن الأفراح العالمية (الخمر رمز لها).

ومن يفعل سيتذوق الأفراح الروحية واللذات الروحية.

 

الآيات (10-31) المرأة الفاضلة:

موضوع هذه الآيات هو المرأة الفاضلة. وهذا الجزء هو بمثابة قصيدة شعرية من 22 بيتاً تبدأ بالحروف الأبجدية العبرية. فكل آية هي بيت يبدأ بحرف من الأبجدية العبرية. وهو أسلوب يستخدمه العبرانيون واستخدم في الكتاب المقدس (مزمور 119 + مراثي أرمياء) وملخص هذه الآيات تجده في العهد الجديد في (1تي9:2،10 + 1بط1:3-6) ومن هي المرأة الفاضلة إلا الكنيسة عروس المسيح التي جعلها كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن.. مقدسة بلا عيب (أف26:5،27). هذه المرأة الفاضلة هنا رمز للكنيسة التي فداها المسيح بدمه ليطهرها. وإذا تسلك كما يرضيه يجد فيها فرحه وهي تجد فيه كفايتها، هي ميراثه وهو كل شئ لها.

هذه الآيات في نهاية سفر الأمثال سفر الحكمة في منتهى المناسبة. فمن يسلك بالحكمة سيكون هو عروس المسيح. السفر كله يحدثنا كيف نسلك بحكمة ولكن الإنسان الخاطئ فشل في أن يسلك بهذه الحكمة. فنجد في إصحاح (30) عمل المسيح ونجد هنا عروس المسيح. في إصحاح (30) نجد عمل المسيح الفدائي للإنسان الذي فشل في إقتناء الحكمة فنزل له المسيح ليعطيه نفسه، ليعطيه الحكمة. وفي إصحاح (31) نجد مواصفات من يقبل المسيح ويثبت فيه ويصير عروس للمسيح.

 

الآيات (10-12): "امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها."

فاضلة= وفية/ محبة/ عفيفة/ خدومة/ يمكن الاعتماد عليها/ نشيطة/ تحب زوجها لا يحتاج إلى غنيمة= هي قنوعة لا تطلب ولا تكلف زوجها الكثير، فلا يحتاج زوجها لغنيمة أو أشياء نفيسة غالية ليرضيها. والنفس التي أحبت المسيح تقول له "معك لا أريد شيئاً في الأرض" هي قانعة بأقل القليل فهي وجدت من تحبه نفسها، اللؤلؤة غالية الثمن، أي المسيح، فهل تطلب أي شئ مادي تعلم أنه فانٍ.

 

الآيات (13-15): "تطلب صوفاً وكتاناً وتشتغل بيدين راضيتين. هي كسفن التاجر تجلب طعامها من بعيد. وتقوم إذ الليل بعد وتعطي أكلاً لأهل بيتها وفريضة لفتياتها."

نرى هنا صورة خدمة المحبة فهي تخدم أهل بيتها بيديها. وهي كسفن التجار التي تأتي محملة بسبب تجارتها الرابحة. وهكذا جال الرسل ليبشروا العالم وأتوا بكل هؤلاء المؤمنين وربحوا كل هذه النفوس للمسيح بتجارتهم أي كرازتهم. والكنيسة تعطي طعاماً مشبعاً لأودلاها (كلمة الله/ الأسرار.. ). ولكن لاحظ تعب خدام الكنيسة فهم يقومون مبكراً= وإذ الليل بعد= هي كنيسة ساهرة على أولادها وتصلي لأجلهم.

 

آية (16): "تتأمل حقلاً فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرماً."

المرأة الذكية تضاعف مقتنيات زوجها، حقوله وأملاكه لضمان مستقبل أولادها الذين سيتزايد عددهم وسيحتاجون إلى أراضي أكثر. والكنيسة سيتضاعف فيها عدد المؤمنين، ولذلك تتاجر بوزناتها ولا تخفيها في التراب.

 

آية (17): "تنطق حقويها بالقوة وتشدد ذراعيها."

هي نفس مكرسة مستعدة دائماً للخدمة. وكلمة الرب تسيطر على أحقاء ذهنها.

 

آية (18): "تشعر أن تجارتها جيدة سراجها لا ينطفئ في الليل."

هي ساهرة دائماً لذلك لا تطفئ سراجها. والكنيسة نور للعالم وسط ظلمته.

 

الآيات (19-21): "تمد يديها إلى المغزل وتمسك كفاها بالفلكة. تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين. لا تخشى على بيتها من الثلج لأن كل أهل بيتها لابسون حللاً."

الفلكة= هي رأس المغزل التي تمسك بها الخيط عند الغزل. هي تكسو الجميع، ليس فقط أهل بيتها بل كل مسكين وفقير. لا تخشى على بيتها من الثلج= فهي قد غزلت لهم ما يدفئهم. والكنيسة بخدمتها لا تخاف على أولادها من أيام البرودة الروحية.

 

آية (22): "تعمل لنفسها موشيات لبسها بوص وأرجوان."

تعمل لنفسها= جهاد. لبسها بوص= هذا عمل نعمة المسيح أن كسانا براً. فالبوص هو الكتان الأبيض هو لبس الكهنة وهو رمز الطهارة. وأرجوان= لبس الملوك= كنيسة ملوك وكهنة.

 

آية (23): "زوجها معروف في الأبواب حين يجلس بين مشايخ الأرض."

الأبواب= القضاة يجلسون في الأبواب. والمسيح عريس الكنيسة هو الديان. الذي يحترمه كل ملوك الأرض فهو ملك الملوك. ولاحظ أن المرأة حين تكون مواصفاتها كهذه يحترم الناس زوجها "لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات".

 

آية (24): "تصنع قمصاناً وتبيعها وتعرض مناطق على الكنعاني."

تصنع للغرباء فهي لديها فائض للغير.

 

آية (25): "العز والبهاء لباسها وتضحك على الزمن الآتي."

العز والبهاء لباسها= هي تلبس الرب يسوع، هو قداستها وبرها. تضحك على الزمن الآتي هي لا تخشى المستقبل أو الغد وكيف تخشى وعريسها هو ملك الملوك.

 

آية (26): "تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف."

تنسكب النعمة على شفتيها بكلمات محبة ورحمة ولطف وشهادة للمسيح وعمله.

 

آية (27): "تراقب طرق أهل بيتها ولا تأكل خبز الكسل."

الكنيسة تهتم بحياة كل واحد في جهاد دون كسل، حتى لا ينحرف أحد ويغويه عدو الخير.

 

الآيات (28،29): "يقوم أولادها ويطوبونها زوجها أيضا فيمدحها. بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً."

حينما يكبر أولادها سيشهدون لها، ربما تؤدب الكنيسة أولادها ولكن هذا من محبتها، ومتى كبر الأولاد سيشعرون بقيمة ما قدمته لهم أمهم الكنيسة. أنت فقت عليهن لقد فاقت الكنيسة اليهود والأمم وكل الأجيال التي سبقت اليهود (قبل دعوة إبراهيم) وهذا ما قيل عن الكنيسة (أف27:5).

 

الآيات (30،31): "الحسن غش والجمال باطل أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح. أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب."

نرى هنا السر في جمالها أنها تتقي الرب، وهذا بداية الحكمة، محور سفر الأمثال. ونلاحظ أن الله لا يهتم بالمظاهر الخارجية إنما القلب الذي يتقيه.

أعطوها من ثمر يديها= هذه الكنيسة الأمينة أو النفس الأمينة ستسمع صوت عريسها يقول لها "نعماً أيها العبد الصالح الأمين.. إدخل إلى فرح سيدك" فلننظر إلى ثمر أيدينا لأننا سنأخذ منه.. فهل يندم أحد على ليالي السهر والجهاد.


 

([*]) سفري الجامعة والنشيد هما سفران متكاملان فالشعور بأن العالم نفاية يتكامل مع محبة المسيح (في8:3) أما الشعور بتفاهة العالم وأنه نفاية دون محبة المسيح يقود للإنعزال المريض عن المجتمع.

([†]) هذا التأمل لا يلغي أن نسمع وصايا والدينا بالجسد ونكرمهم إن كان تعليمهم بحسب وصايا الله.

([‡]) إيليا والأرملة.

([§]) إبراهيم وخيمته.

([**]) أي يمدحه

 

الصفحة الرئيسية