المقدمة

1-   باروخ كلمة عبرية معناها مبارك وبالقبطية "مكاري"

2-  كان صديقاً وكاتباً لإرمياء وتلميذاً له وإشترك كلاهما في المعاناة من ملوك وكهنة يهوذا قبل السبي راجع (إر6:32-12). وهو كتب كل كلمات سفر إرمياء وقرأها على مسامع من الشعب لعلهم يتوبون. ولما وصلت الكتابة ليهوياقيم الملك مزق الكتاب بمبراة وأحرقه وطلب أن يلقوا القبض على إرمياء وباروخ ولكن الرب خبأهما (إر36) ، ولما هربا أصاب باروخ حالة من الحزن عاتبه الله عليها قائلاً "ها أنا أهدم كل هذه الأرض.. فهل تطلب لنفسك أموراً عظيمة.." (إر45). ربما هو تصور أن الملك سيكرمه لكتابته هذه النبوات. وبعد ذلك أخذ الشعب الهارب إلى مصر إرمياء وباروخ معهما (إر43).

3- ذهب بعد ذلك باروخ إلى بابل أرض السبي وكتب هناك هذه النبوءة. وهو ذهب إلى بابل بعد خمس سنوات من إحراق أورشليم. وباروخ هو كاتب السفر ما عدا الإصحاح الأخير فهو رسالة من إرمياء النبي لليهود الذين كان ملك بابل مزمعاً أن يسوقهم إلى السبي في بابل. وكتبه باروخ في بابل سنة 581ق.م. إذ أن حريق أورشبيم كان في سنة 586 ق.م؟

4- السفر كتب أولاً باللغة العبرية وكان معتبراً أنه جزء مكمل لسفر إرمياء ثم ترجم لليونانية ومكانه يأتي بعد سفر المراثي لإرمياء النبي.

5-   أقرت مجامع كثيرة بقانونية هذا السفر وإستشهد به أباء كثيرون.

6-   هناك نبوات واضحة عن الخلاص بالمسيح.

‌أ-    وأقيم لهم عهداً أبدياً فأكون لهم إلهاً ويكونون لي شعباً ولا أعود أزعزع شعبي إسرائيل من الأرض التي أعطيتها لهم (أي الكنيسة) (با35:2) وهذه مرادفة للنبوة (إر40:32).

‌ب-   نبوة عن مجد وفرح الكنيسة وبرها الذي من الله ويكون إسمها من قبل الله إلى الأبد (با1:5-5) وأنها كنيسة للكل (يهود وأمم) فبنيها مجتمعين من مغرب الشمس إلى مشرقها بكلمة القدوس. فالمسيح الإبن الكلمة هو الذي جمعها ككنيسة واحدة.

‌ج-   نبوة عن التجسد "هذا هو إلهنا ولا يعتبر حذاؤه آخر (لا يحاذيه أو يساويه آخر) هو وجد طريق التأدب بكماله وجعله ليعقوب عبده ولإسرائيل حبيبه وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر. وربما بسبب هذه النبوة وتمسك المسيحيين بها رفض اليهود سفر باروخ.


 

الإصحاح الأول

"1 هذا كلام الكتاب الذي كتبه باروك بن نيريا بن معسيا بن صدقيا بن حسديا ابن حلقيا في بابل. 2 في السنة الخامسة في السابع من الشهر حين اخذ الكلدانيون أورشليم واحرقوها بالنار. 3 وتلا باروك كلام هذا الكتاب على مسمعي يكنيا بن يوياقيم ملك يهوذا وعلى مسامع جميع الشعب الذين جاءوا لاستماع الكتاب.  4 وعلى مسامع المقتدرين وبني الملوك ومسامع الشيوخ ومسامع جميع الشعب من الصغار الى الكبار جميع الساكنين في بابل على نهر سود. 5 فبكوا وصاموا وصلوا أمام الرب. 6 وجمعوا من الفضة قدر ما استطاعت يد كل واحد. 7 وبعثوا إلى أورشليم إلى يوياقيم بن حلقيا بن شلوم الكاهن والى الكهنة والى جميع الشعب الذين معه في أورشليم. 8 عندما اخذ آنية بيت الرب المسلوبة من الهيكل ليردها إلى ارض يهوذا في العاشر من سيوان وهي آنية الفضة التي صنعها صدقيا ابن يوشيا ملك يهوذا. 9 بعدما أجلى نبوكد نصر ملك بابل يكنيا والرؤساء والمحصنين والمقتدرين وشعب الأرض من أورشليم وذهب بهم إلى بابل. 10 وقالوا أنا قد أرسلنا إليكم فضة فابتاعوا بالفضة محرقات وذبائح للخطيئة ولبانا واصنعوا تقادم وقدموها على مذبح الرب إلهنا. 11 وصلوا من اجل حياة نبوكد نصر ملك بابل وحياة بلشصر ابنه لكي تكون أيامهما كأيام السماء على الأرض. 12 فيؤتينا الرب قوة وينير عيوننا ونحيا تحت ظل نبوكد نصر ملك بابل وظل بلشصر ابنه ونتعبد لهما أياما كثيرة ونحن نائلون لديهما حظوة. 13 وصلوا من أجلنا إلى الرب إلهنا فأنا قد خطئنا إلى الرب إلهنا ولم يرتد سخط الرب وغضبه عنا إلى هذا اليوم. 14 واتلوا هذا الكتاب الذي أرسلناه إليكم لينادى به في بيت الرب في يوم العيد وفي أيام المحفل. 15 وقولوا للرب إلهنا العدل ولنا خزي الوجوه كما في هذا اليوم لرجال يهوذا وسكان أورشليم. 16 ولملوكنا ورؤسائنا وكهنتنا وأنبيائنا وآبائنا. 17 لانا خطئنا أمام الرب وعصيناه. 18 ولم نسمع لصوت الرب إلهنا لنسلك في أوامر الرب التي جعلها أمام وجوهنا. 19 من يوم اخرج الرب آباءنا من ارض مصر إلى هذا اليوم ما زلنا نعاصي الرب إلهنا ونعرض عن استماع صوته. 20 فلحق بنا الشر واللعنة اللذان أمر الرب موسى عبده أن يوعد بهما يوم اخرج آباءنا من ارض مصر ليعطينا أرضا تدر لبنا وعسلا كما في هذا اليوم. 21 فلم نسمع لصوت الرب إلهنا ولا لجميع كلام الأنبياء الذين أرسلهم إلينا. 22 ومضينا كل واحد على إصرار قلبه الشرير عابدين آلهة آخر صانعين الشر أمام عيني الرب إلهنا."

على مسمعى يكنيا= واضح أن يكنيا كان له معاملة خاصة، حتى أن أويل مرودخ ملك بابل، جعله يأكل معه خبزاً على مائدته (2مل27:25-30). وهنا نراه له الحق في الجلوس مع المسبيين.

نهر سود (4)= إمّا هو أحد روافد نهر الفرات أو هو نهر أهوا (عز15:8،21،31) ويكون هذا خطأ في النسخ. والتفسير الأول أرجح.

فبكوا وصاموا وصلوا أمام الرب= إذاً تجربة السبي التي سمح بها الرب قد أتت بثمارها. ونراهم قد ندموا على خطاياهم. في أورشليم التي بسببها حدث حريق أورشليم وسبيهم. والصوم هو إذلال للنفس يعبر عن الندم على الخطية، وهكذا البكاء. أما الصلاة فهي تضرع لله حتى يصفح ويرضى عنهم.

جمعوا من الفضة..= (6) لتقديم ذبائح فيرضى الله عنهم. ويبدو أن الملك قد رد لرئيس الكهنة يهوياقيم .. الكاهن (7) بعض الآنية الفضية وليست الذهبية. ولاحظ أنه يفصل بين رئيس الكهنة والكهنة، فهو يسمى رئيس الكهنة، الكاهن. والمحصنين (9) غالباً تعني الأسرى أو السجناء. المقتدرين= هم الصناع المهرة. تقادم (10) أي تقدمات= ذبائح وقرابين.

صلوا من أجل حياة نبوكد نصر وحياة إبنه بلشصر (11)= وهكذا علمنا بولس الرسول وبطرس (رو1:13-7 + 1بط13:2-17 + مت44:5 + 1تي1:2-3) أن نصلي للملوك ونخضع لهم فهم من قبل الله معينين. ونصلي لهم لكي نقضي حياة هادئة (12). نتعبد لهما= فالملوك سادة وشعبهم كعبيد لهم خصوصاً هؤلاء المسبيين. والمقصود نخدمهم. وبلشصر هذا صار ملكاً بعد  نبوخذ نصر وبعد أويل مرودخ (راجع دا 5). وفي أيامه دخل الفرس إلى المملكة وهزموها. والكنيسة تفعل هذا وتصلي لأجل الملوك. يجعل أيامهما كأيام السماء على الأرض= في سلام بلا حروب.

أما عن المسبيين فينير الرب عيونهم= ولا يعودوا لخطاياهم ويتركوا محبة الأوثان والظلم ويرجعوا لله فيرجع الله لهم. لينادي به في بيت الرب= بعد تخريب الهيكل كانوا يقدمون الذبائح في المكان المخرب نفسه وقارن مع (إر1:41-8 + عز6:3). إذ كانوا يقدمون الذبائح وسط الهيكل المنهدم، وربما كان مذبح المحرقة مازال موجوداً.

والآيات (15-22) هي إعتراف بالخطايا، وكل من ينير الله عينيه سيرى خطاياه ويقر بعدل الله= قولوا للرب إلهنا العدل.. ولنا خزي الوجوه= أي أن خطايانا جلبت علينا كل هذا بعدل الله= لأننا خطئنا أمام الرب وعصيناه. والكل أخطأ ملوكنا ورؤسائنا وكهنتنا.. فأول طريق الشفاء هو الإعتراف بالخطية.


 

الإصحاح الثاني

"1 فأقام الرب كلامه الذي تكلم به علينا وعلى قضاتنا الذين يقضون في إسرائيل وعلى ملوكنا ورؤسائنا وعلى رجال إسرائيل ويهوذا. 2 جالبا علينا شرا عظيما بحيث لم يحدث تحت السماء بأسرها مثل ما أحدثه في أورشليم على حسب ما كتب في شريعة موسى. 3 حتى أكل بعضنا لحم ابنه والآخر لحم بنته           4 وأخضعهم تحت أيدي جميع الممالك التي حولنا وجعلهم عارا ودهشا في جميع الشعوب الذين شتتهم الرب بينهم. 5 فإذا هم في الانحطاط بدل الرفعة لانا خطئنا إلى الرب إلهنا غير سامعين لصوته. 6 للرب إلهنا العدل ولنا ولآبائنا خزي الوجوه كما في هذا اليوم. 7 لان الرب تكلم علينا بجميع هذا الشر الذي حل بنا. 8 ونحن لم نستعطف وجه الرب تائبين كل واحد عن أفكار قلبه الشرير. 9 فسهر الرب على الشر وجلبه الرب علينا لان الرب عادل في جميع أعماله التي أوصانا بها. 10 فلم نسمع لصوته لنسلك في أوامر الرب التي جعلها أمام وجوهنا."

مازال الإعتراف بالخطية مستمراً. وأن ما حدث هو نتيجة خطاياهم. وهذا ما سبق وقاله الله بفم أنبيائه. حتى أكل بعضنا لحم إبنه.. (3) وهذا حدث مرتين [1] أيام إليشع (2مل24:6-31) [2] ومرة عند سبي بابل (مرا 10:4). وهنا إعتراف آخر بأنهم لم يستعطفوا وجه الرب تائبين (8)

"11 فالآن أيها الرب اله إسرائيل الذي اخرج شعبه من ارض مصر بيد قديرة وبايات ومعجزات وقوة عظيمة وذراع مبسوطة وأقام له اسما كما في هذا اليوم. 12 إنا خطئنا ونافقنا واثمنا أيها الرب إلهنا في جميع رسومك. 13 لينصرف غضبك عنا فقد بقينا نفرا قليلا في الأمم الذين شتتنا بينهم. 14 اسمع يا رب صلاتنا وتضرعنا وأنقذنا لأجلك وأنلنا حظوة أمام وجوه الذين أجلونا. 15 لكي تعرف الأرض بأسرها انك أنت الرب إلهنا وانه باسمك دعي إسرائيل وعشائره. 16 أيها الرب التفت من بيت قدسك وانظر إلينا وأمل أيها الرب أذنك واستجب. 17 افتح عينيك وانظر فانه ليس الأموات في الجحيم الذين أخذت أرواحهم عن أحشائهم يعترفون للرب بالمجد والعدل. 18 لكن الروح الكئيب من الشدة والذي يمشي منحنيا ضعيفا والعيون الكليلة والنفس الجائعة هم يعترفون لك بالمجد والعدل يا رب. 19 فإنا لا لأجل بر آبائنا وملوكنا نلقي تضرعنا أمامك أيها الرب إلهنا. 20 بل لأنك أرسلت سخطك وغضبك علينا كما تكلمت على السنة عبيدك الأنبياء. 21 هكذا قال الرب احنوا مناكبكم وتعبدوا لملك بابل فتسكنوا في الأرض التي أعطيتها لآبائكم. 22 وان لم تسمعوا لصوت الرب بان تتعبدوا لملك بابل. 23 فإني ابطل من مدن يهوذا ومن شوارع أورشليم صوت الطرب وصوت الفرح صوت العروس وصوت العروسة وتكون كل الأرض مستوحشة لا ساكن فيها. 24 فلم نسمع لصوتك بان نتعبد لملك بابل فاقمت كلامك الذي تكلمت به على السنة عبيدك الأنبياء أن تخرج عظام ملوكنا وعظام آبائنا من مواضعها. 25 وها أنها مطروحة لحر النهار وقرس الليل وقد ماتوا في أوجاع أليمة بالجوع والسيف والطرد. 26 وجعلت البيت الذي دعي باسمك كما في هذا اليوم لأجل شر آل إسرائيل وال يهوذا. 27 وقد عاملتنا أيها الرب إلهنا بكل رأفتك وكل رحمتك العظيمة. 28 كما تكلمت على لسان عبدك موسى يوم أمرته أن يكتب شريعتك أمام بني إسرائيل قائلا. 29 أن لم تسمعوا لصوتي فان هذا الجمع العظيم الكثير ليصيرن نفرا قليلا في الأمم الذين أشتتهم بينهم. 30 فأني عالم بأنهم لا يسمعون لي لأنهم شعب قساة الرقاب لكنهم سيرجعون إلى قلوبهم في ارض جلائهم. 31 ويعلمون أني أنا الرب إلههم وأعطيهم قلوبا وأذانا سامعة. 32 فيسبحونني في ارض جلائهم ويذكرون اسمي. 33 ويتوبون عن صلابة رقابهم وعن شر أعمالهم لأنهم يتذكرون طريق آبائهم الذين خطئوا أمام الرب. 34 وأعيدهم إلى الأرض التي حلفت عليها لآبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب فيتسلطون عليها وأكثرهم فلا يقلون. 35 وأقيم لهم عهدا أبدياً فاكون لهم إلهاً ويكونون لي شعبا ولا أعود أزعزع شعبي إسرائيل من الأرض التي أعطيتها لهم."

مازال هنا الإعتراف بالخطية مع طلب الرحمة والإعتراف بأن الله قادر فهو عمل هذا من قبل بيد قديرة (11).. ثم يضع سبباً مهماً ليتدخل الله وينقذهم= لكي تعرف الأرض بأسرها أنك أنت الرب إلهنا (15) إفتح عينيك وأنظر فإنه ليس الأموات في الجحيم. .يعترفون للرب بالمجد (17) [القطعة الأولى من صلاة النوم في الأجبية وهي مأخوذة من (مز5:6)]. والمعنى ليس لإستحقاق فينا يا رب ترحمنا لكن لمجد إسمك ولكي نمجدك. ليس الأموات .. يعترفون= موتى الخطية لا يعترفون للرب ولا يسبحونه. لكن الروح الكئيب من الشدة والذي يمشى منحنياً.. يعترفون لك بالمجد= أي من هو في شدة من التأديب الذي سمحت به يا رب. العيون الكليلة من البكاء. والنفس الجائعة= من تعزيات الله أو يقصد من الأصوام. فالذي شعر بأن الله حرمه من تعزياته يلجأ لله شاعراً بخطيته معطياً المجد لله، أو هو من صومه وصلاته إنفتحت عينيه فمجد الله. فهذا الحي الصائم الشاعر بخطيته التائب يمجد الله.

هكذا قال الرب إحنوا مناكبكم وتعبدوا لملك بابل= هذا ما قاله إرمياء للشعب، أن يخضعوا لملك بابل فيتركهم الرب في أرضهم، وهم رفضوا، فإحترقت أورشليم وأخرجت عظام ملوكنا وآبائنا من مواضعها (24) فلقد خرب نبوخذ نصر كل شئ. قرس الليل (25) أي برد الليل الشديد= القارص. بل خرب الله الهيكل بسبب شرهم= جعلت البيت كما في هذا اليوم (26).

عاملتنا أيها الرب إلهنا بكل رأفتك (27) فنحن نستحق أسوأ من ذلك.

هذا الجمع العظيم ليصيرن نفراً قليلاً (29)= (تث62:28) "فإني عالم بأنهم لا يسمعون لي.. (30)= (تث27:31-29). لكنهم سيرجعون.. ويعلمون إني أنا الرب إلههم.. فيسبحونني في أرض جلائهم (أرض السبي) (30-33) فالتأديب بالسبي سيؤتي ثماره ويتوب الشعب وأعيدهم إلى الأرض (34) (لا40:26-45).

وأقيم لهم عهداً أبدياً فأكون لهم إلهاً ويكونون لي شعباً ولا أعود أزعزع شعبي إسرائيل من الأرض التي أعطيتها لهم (35) هذه نبوة واضحة عن الكنيسة التي لا تتزعزع فأبواب الجحيم لن تقوى عليها. أما إسرائيل فلقد إنتهت من الأرض لمدة 2000سنة بعد المسيح بعد أن خرب تيطس أورشليم سنة 70م. وهذا العهد الذي يذكره باروخ هنا أسماه إرمياء عهد جديد (إر31:31-34). وإسرائيل هنا هي إسرائيل الله أي الكنيسة (غل16:6). والأرض التي أعطاها الله لشعبه هي كنيسته على الأرض وهي أورشليم السماوية. والعهد هو ميثاق بين الله وكنيسته ووعد موثق بدمه أنه سيعطي لكنيسته ميراثاً أبدياً سماوياً.


 

الإصحاح الثالث

"1 أيها الرب القدير اله إسرائيل قد صرخت إليك النفس في المضايق والروح في الكروب. 2 فاسمع يا رب وارحم فانك اله رحيم ارحم فأنا قد خطئنا إليك. 3 فانك أنت تدوم إلى الأبد أما نحن فنهلك إلى الأبد. 4 أيها الرب القدير اله إسرائيل اسمع صلاة قوم إسرائيل وبني الذين خطئوا إليك الذين لم يسمعوا لصوت إلههم وقد لحق الشر بنا. 5 لا تذكر آثام آبائنا بل اذكر يدك واسمك في هذا الزمان. 6 فانك أنت الرب إلهنا وإياك نسبح يا رب. 7 لأنك لذلك جعلت مخافتك في قلوبنا ولندعو باسمك انا نسبحك في جلائنا لانا قد نبذنا عن قلوبنا كل إثم آبائنا الذين خطئوا أمامك. 8 وها أنا اليوم في الجلاء حيث شتتنا للتعيير واللعنة والعقاب لأجل جميع آثام آبائنا الذين ارتدوا عن الرب إلهنا."

أيها الرب .. قد صرخت إليس النفس في المضايق (الضيقات) (1) إستمراراً للإصحاح السابق، مازال باروخ يصرخ لله من الضيقة. ثم يسبح الله= فأنك أنت الرب إلهنا وإياك نسبح يا رب (6)= فنحن علينا أن نسبح الله ونشكره على كل حال فهو يستحق، فحتى في الضيقات محبته واضحة إذ هو يؤدب من يحبه. وهذا التسبيح ناتج عن عمل الله فيهم بأنه وضع مخافته في قلبهم (7). لأنك لذلك لكي نسبحك جعلت مخافتك في قلوبنا. ولندعو بإسمك= فمن يخاف الله لن يتمرد على الله في ضيقته بل يستمر يسبحه ويتضرع إليه أن يصفح، يدعو بإسم الله، والله يستجيب. أما الذي لا مخافة في قلبه، فهو في ضيقته سيتحدى الله ويستمر في شره إلى أن يهلك. نسبحك في جلائنا= نسبحك في أرض السبي.

"9 اسمع يا إسرائيل وصايا الحياة أصغوا وتعلموا الفطنة. 10 لماذا يا إسرائيل لماذا أنت في ارض الأعداء. 11 قد ذبلت في ارض الغربة وتنجست بالأموات وحسبت مع الذين هم في الجحيم. 12 انك قد تركت ينبوع الحكمة. 13 ولو انك سلكت في طريق الله لسكنت في السلام مدى الدهر. 14 تعلم أين الفطنة وأين القوة وأين التعقل لكي تعلم أيضاً أين طول الأيام والحياة وأين نور العيون والسلام. 15 من وجد موضعها ومن بلغ إلى كنوزها. 16 أين رؤساء الأمم والذين يتسلطون على وحوش الأرض. 17 والذين يلاعبون طيور السماء. 18 ويكنزون الفضة والذهب مما يتوكل عليه البشر ولا حد لكسبهم ويصوغون الفضة ويهتمون ولا استقصاء لمساعيهم. 19 انهم قد اضمحلوا والى الجحيم هبطوا وآخرون قاموا في مكانهم. 20 أحداث رأوا النور وسكنوا الأرض لكنهم لم يعرفوا طريق التأدب. 21 ولم يفهموا سبله وبنوهم لم يدركوه وابتعدوا عن طريقه. 22 لم يسمع به في كنعان ولا تراءى في تيمان. 23 وبنو هاجر أيضاً المبتغون للتعقل على الأرض وتجار مران وتيمان وقائلو الأمثال ومبتغو التعقل لم يعرفوا طريق الحكمة ولم يتذكروا سبلها. 24 يا إسرائيل ما اعظم بيت الله وما أوسع موضع ملكه. 25 عظيم هو بغير حد وعال بغير قياس. 26 هناك ولد الجبابرة المذكورون الذين كانوا في البدء الطوال القامات الحاذقون بالقتال. 27 أولئك لم يخترهم الرب ولم يجعل لهم طريق التأدب. 28 فهلكوا لعدم الفطنة هلكوا لغباوتهم."

 هذه الآيات تتكلم عن أهمية أن يسلك الإنسان بحكمة، ولكن أي نوع من الحكمة؟

1. هناك حكمة أرضية نفسانية شيطانية (يع15:3)

‌أ-   هناك حكمة مصدرها الشيطان أخرجت أمثالاً يعتبرها الناس الأرضيون حكمة مثل "إن جاء عليك الطوفان، ضع أولادك تحت قدميك" فليس مهما نجاة أولادك، المهم أن تنجو أنت.. وفي هذا منتهى الأنانية. ومثل آخر شيطاني "إن ذهبت إلى بلد تعبد العجل حش وإديله" .. وفي هذا منتهى الرياء والنفاق بل إنكار الله.

‌ب-  حكمة مصدرها المعاملات مع الناس، وهذه تقود للتلون والرياء حتى نرضي جميع الناس.

‌ج-    حكمة التجار الغشاشون الذين يطلبون أكبر مكسب مادي ولا يهتموا بخسائر الآخرين.

2. حكمة من فوق، من عند الله وهي طاهرة.. (يع17:3). وهذه لخصها الله في وصاياه. وقيل عنها "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز105:119). وقال عنها إشعياء "ليتك أصغيت لوصاياي. فكان كنهر سلامك.." (إش18:48،19). "فرأس الحكمة مخافة الله" (مز10:111)

وبالتالي فالحكمة النفسانية الأرضية الشيطانية، من يتبعها قد يجد مكسباً سريعاً، لكنه سيحيا بلا سلام وبخسائر مؤكدة على المدة البعيد، وهلاك أبدي. أما من يسلك بحكمة إلهية متبعاً الوصايا فله سلام على الأرض وحياة أبدية في السماء.

وقد تشير الحكمة للمبادئ السليمة والتفكير السليم وتشير الفطنة إلى التصرف السليم النابع عن فكر سليم= إسمع يا إسرائيل وصايا الحياة (9) والمقصود الحكمة. إصغوا وتعلموا الفطنة= أي كيف تسلكوا بالحكمة.

لماذا أنا يا إسرائيل في أرض الأعداء (10)= علينا أن نتساءل دائماً لماذا نحن في ضيقة، والسبب غالباً ما سيكون غضب الله من تصرفات خاطئة لنا. والحكمة أن يسعى الإنسان لدراسة وصايا الله والسلوك بحسب هذه الوصايا أي تنفيذها "وهذا يزيدك طول الأيام وسنى حياة وسلامة" (أم2:3-4). قد ذبلت في أرض الغربة(11) = العبادة في الهيكل تعطي نوراً للوجه وبلا عبادة يذبل الإنسان. فالله نور وحياة، ومن يأتي لله يرتسم على وجهه نور الله "إرفع علينا نور وجهك يا رب. جعلت سروراً في قلبي" (مز6:4،7). تنجست بالأموات= عوضاً عن الإلتصاق بالأبرار والقديسين في الهيكل إلتصقوا بالوثنيين وهؤلاء أموات لعدم إيمانهم بالله.

في آية (10) تساءل لماذا؟ وهنا يجيب إنك قد تركت ينبوع الحكمة (12) أي لم تستمع لوصايا الله.

تعلم أين الفطنة.. لكي تعلم أيضاً أين طول الأيام.. والسلام (14). وطول الأيام والسلام يستمتع بهم من يستمع لوصايا الله. وهذا غير متاح لمن لا يطيع وصايا الله. حتى رؤساء الأمم والأقوياء الذين يتسلطون على وحوش الأرض ولا حتى الذين لهم علو ويستطيعون حتى أن يطالوا طيور السماء (17) والمعنى أنه لا إنسان مهما بلغ من علو منزلته له راحة بدون أن يطيع وصايا الله. ومهما كان غني الإنسان= يكنزون الفضة والذهب (18).. فمصير كل هؤلاء الموت والجحيم (19). ويتعجب باروخ أن هناك أحداث ولدوا ونموا وسكنوا الأرض ولم يفهموا هذه الحقائق= طريق التأدب (20). لم يسمع به في كنعان (22)= الكنعاني إشارة للتجار وبالذات الغشاشون (هو7:12 + أم24:31) الذين لهم حكمة عالمية. ولا تراءى في تيمان= حيث أن تيمان إشتهرت بالحكمة ومنهم أليفاز التيماني صديق أيوب. والمقصود بحكمة تيمان، الحكمة الأرضية. وبنوهم لم يدركوه (21)= أي أن الأولاد لم يستفيدوا مما حدث لآبائهم في الماضي. وبنو هاجر(التجار) أيضاً المبتغون للتعقل على الأرض= لهم نوع من الحكمة الأرضية التي عرفوها من خبراتهم في التجول بين البلاد. وتجار مران (23) هي مدان (مديان) وربما هذا نطق آخر أو حرف الدال إستبدل بحرف الراء عن طريق الخطأ. لم يُسمع به في كنعان= يقصد الله لم يُسمع به في كنعان= كل هؤلاء لإنشغالهم بثروتهم وحكمتهم وإعجابهم بذكائهم لم يروا الله بل ولا سمعوا به. ولكن العالم كله هو بيت الله= ما أعظم بيت الله وما أوسع موضع ملكه (24) وهناك وُلِدَ الجبابرة (26) وحتى هؤلاء لم تكن لهم حكمة فهلكوا. هلكوا لغباوتهم (28). ولكن لاحظ قوله أولئك لم يخترهم الرب (27)= بسابق علم الله رأي هؤلاء مفتخرين بقوتهم لا يبحثون عن الله وأنهم لن يستجيبوا لله ولا لدعوته ولا لوصاياه فقيل عنهم أن الله لم يخترهم (رو29:8).

"29 من صعد إلى السماء فتناولها ونزل بها من الغيوم. 30 من اجتاز إلى عبر البحر ووجدها وآثرها على الذهب الإبريز. 31 ليس أحد يعرف طريقها ويطلع على سبيلها. 32 لكن العالم بكل شيء هو يعلمها وبعقله وجدها الذي ثبت الأرض إلى الأبد وملاها حيوانا ذا أربع. 33 الذي يرسل النور فينطلق يدعوه فيطيعه برعدة. 34 أن النجوم أشرقت في محارسها وتهللت. 35 دعاها فقالت نحن لديك وأشرقت متهللة للذي صنعها. 36 هذا هو إلهنا ولا يعتبر حذاءه آخر. 37 هو وجد طريق التأدب بكماله وجعله ليعقوب عبده ولإسرائيل حبيبه. 38 وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر."

هذه الحكمة التي نتكلم عنها هي غير متاحة سوى عند الله، لذلك علينا أن نستمع لوصايا الله. هذه الحكمة عالية سماوية فمن يطولها= من صعد إلى السماء فتناولها ونزل بها من الغيوم (29) وهي عميقة جداً فمن يجتاز البحر ليجدها= من إجتاز إلى عبر البحر ووجدها (30) ومن وجدها سيكتشف أنها أغلى من الذهب الإبريز فسيفضلها على كل شئ= آثرها على الذهب الإبريز. ليس أحد يعرف طريقها (31). لكن العالم بكل شئ هو يعلمها (32) والعالم بكل شئ هو الله. وبعقله وجدها= وعقل الله هو إبنه أقنوم الحكمة. النبي هنا بدأ يقترب من سر التجسد وأن الإبن الكلمة أقنوم الحكمة تجسد. (1كو24:1). وهو اللوغوس الكلمة الذي به كان كل شئ (يو1:1-3) الذي ثبت الأرض إلى الأبد= "حامل كل الأشياء بكلمة قدرته" (عب3:1). وهو خالق كل شئ= ملأها حيواناً ذا أربع (32). وهو خالق النور= الذي يُرسل النور فينطلق (33) (تك3:1) يدعوه فيطيعه برعدة= حين يريد الله أن يظهر النور يظهره فالنور يطيعه، وحين يريد أن يختفي النور يختفي. وهكذا هو خالق النجوم.

هذا هو إلهنا ولا يعتبر حذاءه (نظيره أو من يحاذيه أو من يدانيه) آخر (36)= من يستطيع أن يخلق هكذا إلاّ كلمة الله، عقل الله. هو وجد طريق التأدب بكماله (37)= فالمسيح جاء لا ينقض بل ليكمل. (مت17:5). الله أعطى أولاً الناموس عوناً، وكان الكمال بفداء المسيح وإرسال الروح القدس ليتمكن الإنسان من أن يسلك بكمال عجز عنه إنسان العهد القديم.

وبعد ذلك تراءى على الأرض وتردد بين البشر (38)= هذا هو "الله ظهر في الجسد" هذا هو تجسد الإبن (1تي16:3). هذا هو سر التقوى= طريق التأدب بكماله وقارن مع (يو14:1) "الكلمة صار جسداً وحل بيننا" + (1يو1:1). وحتى الآن فالمسيح معنا "ها أنا معكم كل الأيام وإلى إنقضاء الدهر" (مت20:28)+ حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم" (مت20:18).


 

الإصحاح الرابع

"1 هذا كتاب أوامر الله والشريعة التي إلى الأبد كل من تمسك بها فله الحياة والذين يهملونها يموتون.     2 تب يا يعقوب واتخذها وسر في الضياء تجاه نورها. 3 لا تعط مجدك لآخر ومزيتك لامة غريبة. 4 طوبى لنا يا إسرائيل لان ما يرضي عند الله معروف لدينا."

هنا يتكلم عن الحكمة على أنها الشريعة التي ينبغي أن يطيعوها= هذا كتاب أوامر الله (1) وكله حكمة ومن يطيعه هو الحكيم وله الحياة. والذين يهملونها يموتون. وهذا ما قيل في (لا4:18) "تحفظون فرائضي وأحكامي التي إذا فعلها الإنسان يحيا بها. أنا الرب" . ويعطي النبي نصيحة للكل تب يا يعقوب وإتخذها= أي إتبع هذه الوصايا. وسر في الضياء (2)= "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز105:119).

لا تعطي مجدك لآخر ومزيتك لأمة غريبة (3)= الأرض المقدسة التي كان الله يسكن فيها وسطهم، أخذها الغرباء وطردوهم منها بسبب خطاياهم. طوبى لنا يا إسرائيل، لأن ما يُرضَى عند الله معروف لدينا (4) الشريعة والأحكام والوصايا التي ترضي الله هي بين أيدي الشعب. وليس شئ غامض لديهم. طريق الله واضح لمن يريد أن يجده.

"5 ثقوا يا شعبي يا تذكار إسرائيل. 6 فإنكم لم تباعوا للأمم لهلاككم ولكن بما إنكم أسخطتم الله قد أسلمتم إلى أعدائكم. 7 لأنكم أغضبتم صانعكم إذ ذبحتم للشياطين لا لله. 8 ونسيتم رازقكم الإله الأزلي وحزنتم مربيتكم أورشليم. 9 إنها رأت الغضب الذي حل بكم من قبل الله فقالت اسمعن يا جارات صهيون أن الله قد جلب علي نوحا عظيما. 10 فإني رأيت سبي بني وبناتي الذي جلبه عليهم الأزلي. 11 أني ربيتهم بفرح ثم ودعتهم ببكاء ونوح. 12 لا يشمتن أحد بي انا الأرملة التي ثكلت كثيرين فإني قد أوحشت لأجل خطايا بني لأنهم زاغوا عن شريعة الله. 13 ولم يعرفوا رسومه ولم يسلكوا في طرق وصايا الله ولم يسيروا في سبل التأدب ببره. 14 هلم يا جارات صهيون فاذكرن سبي بني وبناتي الذي جلبه عليهم الأزلي. 15 فانه جلب عليهم أمة من بعيد أمة وقحة أعجمية اللسان. 16 لم تهب شيخا ولم تشفق على طفل فذهبوا بأحباء الأرملة واثكلوا المتوحدة بناتها. 17 بأي شيء أستطيع أن أغيثكم. 18 الذي جلب عليكم الشر هو ينقذكم من أيدي أعدائكم. 19 سيروا يا بني سيروا أني بقيت مستوحشة. 20 قد خلعت حلة السلام ولبست مسح التضرع اصرخ إلى الأزلي مدى أيامي. 21 ثقوا يا بني واستغيثوا بالله فينقذكم من أيدي الأعداء المتسلطين عليكم. 22 فإني قد رجوت بالأزلي خلاصكم وحلت بي مسرة من لدن القدوس بالرحمة التي تؤتونها عما قليل من عند الأزلي مخلصكم. 23 قد ودعتكم ببكاء ونوح لكن الله سيردكم لي بفرح ومسرة إلى الأبد. 24 فكما ترى الآن جارات صهيون سبيكم هكذا عما قليل سيرين خلاصكم من عند الله تؤتونه بمجد عظيم وببهاء الأزلي. 25 يا بني احتملوا بالصبر الغضب الذي حل بكم من الله قد اضطهدك العدو لكنك سترى هلاكه عن قليل وتطأ رقابهم. 26 أن مترفي سلكوا طرقا وعرة وسيقوا كغنم نهبتها الأعداء. 27 ثقوا يا بني واستغيثوا بالله فان الذي جلب عليكم هذه سيتذكركم. 28 وكما كنتم تهوون أن تشردوا عن الله فبقدر ذلك عشر مرات تلتمسونه تائبين. 29 والذي جلب عليكم الشر يجلب لكم المسرة الأبدية مع خلاصكم. 30 ثقي يا أورشليم فان الذي سماك باسمه سيعزيك. 31 ويل للذين جاروا عليك وشمتوا بسقوطك. 32 ويل للمدن التي استعبدت بنيك ويل للتي أخذت أولادك. 33 فإنها كما شمتت بسقوطك وفرحت بخرابك كذلك ستكتئب عند دمارها. 34 وابطل مفاخرتها بكثرة سكانها واحول مرحها إلى نوح. 35 لأن نارا تنزل عليها من عند الأزلي إلى أيام كثيرة وتسكنها الشياطين طول الزمان. 36 تطلعي يا أورشليم من حولك نحو المشرق وانظري المسرة الوافدة عليك من عند الله. 37 ها أن بنيك الذين ودعتهم قادمون يقدمون مجتمعين من المشرق إلى المغرب بكلمة القدوس مبتهجين بمجد الله."

ثقوا يا شعبي (5) هذه الثقة نابعة من أن وعود الله ثابتة، فالله يؤدب ولكنه لا يرفض شعبه (لا40:26-42) قطعاً الله لا يرفض شعبه إذا تابوا "إرجعوا إليّ أرجع إليكم" (زك3:1). يا تذكار إسرائيل= قارن مع (لا42:26) "أذكر ميثاقي مع يعقوب.." فيكون تذكار إسرائيل تعنى يا من بكم أذكر محبتي وميثاقي مع أبوكم إسرائيل. وهذا التأديب كان بسبب أنهم أغضبوا الله وذبحوا للشياطين (7). وبهذا نسيتم رازقكم الإله الأزلي وحزنتم مربيتكم أورشليم (8) فمن يرتد عن الله يحزن الله ويحزن الكنيسة. هي حزنت لأن الشعب خان الله. وأيضاً هي تحزن لآلام أولادها أثناء التأديب= قد جلب عليّ نوحاً عظيماً (9) فإني رأيت سبي بنيَّ (10) لا يشمتن أحد بي (12) فما حدث ليس لأن الله تخلى عني، بل لأن الله يؤدب أولادي. والحديث موجه للأمم المجاورة، وكأنه تحذير لهم هم أيضاً، إذ سيلاقوا نفس المصير إن لم يقدموا توبة= فإذكرن سبي بنيَّ وبناتي (14)= إذكروا ما حدث حتى تتوبوا. وهذا هو واجب الكنيسة، أن تنذر كل الناس. والمؤدب كان أمة من بعيد (15)= فهي لا تشفق بل وقحة وقاسية. أعجمية اللسان= فلا تفهم كلمات التوسل وطلب الرحمة [هذا هو بالضبط ما يقال عن إبليس الذي يضرب بعنف والله يسمح له بهذا لكي يتأدب أولاده. ويقف البشر حتى هذا النبي الشفوق عاجزاً عن أن يغيث أحد= بأي شئ أستطيع أن أغيثكم (17). الله فقط هو القادر (18). سيروا يا بنيّ سيروا= أي أسلكوا في طريق التوبة فترجعوا إليّ لأني بقيت مستوحشة (19). أصرخ إلى الأزلي= ها الكنيسة تصرخ وتتضرع ليعود لها أبنائها. وتكرر هنا كلمة الأزلى بمعنى أن أعداء الشعب سيبادون لكن الله أزلى أبدي وباقٍ لا يزول. ومع صراخ الكنيسة يعطيها الله تعزية فتثق أن الله سيعيد أبنائها وتفرح بهم= حَلَّتْ بي مسرة (22). وتكون عودة الأبناء بمجد عظيم وببهاء الأزلي (24) هذه نبوة عن خلاص البشر من يد إبليس والمؤمنين سيكون لهم مجد المسيح، بهاء مجد الله، فهو رأس الكنيسة. وتكون للكنيسة صورة المسيح (غل19:4 + عب3:1). وفي آية (25) نرى عمل المسيح الذي أعطى تابعيه أن يدوسوا الشيطان (لو19:10). وهذه تمت حرفياً بسقوط بابل على يد كورش، وهذا أعاد اليهود لأورشليم.  إن مترفيَّ (26) الذين كانوا يعيشون في ترف سلكوا طرقاً وعرة= هذا إشارة لمن كانوا في أورشليم وسباهم نبوخذ نصر إلى بابل. وإشارة لآدم الذي كان مترفاً في الجنة وبسبب سقوطه طرد منها وسلك طرقاً وعرة وأسلم للباطل= سيقوا كغنم نهبتها الأعداء (رو20:8) وكما كنتم تهوون أن تشردوا عن الله (28). فبقدر ذلك عشر مرات تلتمسونه تائبين= بعد أن ذقتم مرارة الإبتعاد عنه والوقوع في أيدي الشياطين (الإبن الضال). وحينئذ يجلب عليكم الله المسرة الأبدية (29). وثقي يا أورشليم (ويا كل نفس بشرية والكنيسة ككل) فإن الذي سماك بإسمه سيعزيك (30)= المسيح الذي أطلق علينا إسمه فصرنا مسيحيين سيرسل لنا الروح القدس المعزي. وويلٌ للشياطين الذين جاروا عليك وشمتوا بسقوطك (31)= لليهود تشير لأدوم وعمون.. الخ وللكنيسة ككل تشير للشياطين الذين نصيبهم البحيرة المتقدة بنار (رؤ10:20). وبنفس المفهوم= ويلٌ للمدن التي استعبدت بنيك (32) والتي أخذت أولادك. وأبطل مفاخرتها بكثرة سكانها (34) إبليس كان يفتخر إذ جعل البشر كلهم يهلكون. لكن ناراً تنزل عليها.. وتسكنها الشياطين (35) هذا هو مصير الشياطين، البحيرة المتقدة بالنار. تطلعي يا أورشليم من حولك نحو المشرق (36) المشرق من حيث يشرق شمس البر (ملا2:4) وأنظري المسرة الوافدة عليك من عند الله (36) الخلاص من عبودية إبليس والحرية التي في المسيح يسوع والفداء وميراث المجد الأبدي.

ها إن بنيك الذي ودعتهم قادمون (37)= كل الذين كانوا في يد إبليس سيعودوا لحضن الله. مجتمعين من المشرق إلى المغرب= الأمم سيدخلون للإيمان. بكلمة القدوس= الذي سيجمع الكنيسة هو المسيح كلمة الله. مبتهجين بمجد الله= هذه هي سمة المسيحية الفرح. هذه هي عطية المسيح للمسيحيين.


 

الإصحاح الخامس

"1 اخلعي يا أورشليم حلة النوح والمذلة والبسي بهاء المجد من عند الله إلى الأبد. 2 تسربلي ثوب البر الذي من الله واجعلي على رأسك تاج مجد الأزلي. 3 فان الله يظهر سناك لكل ما تحت السماء. 4 ويكون اسمك من قبل الله إلى الأبد سلام البر ومجد عبادة الله. 5 انهضي يا أورشليم وقفي في الأعالي وتطلعي من حولك نحو المشرق وانظري بنيك مجتمعين من مغرب الشمس إلى مشرقها بكلمة القدوس مبتهجين بذكر الله. 6 قد ذهبوا عنك راجلين تسوقهم الأعداء لكن الله يعيدهم إليك راكبين بكرامة كمن هو على عرش الملك. 7 لان الرب قد عزم أن يخفض كل جبل عال والتلال الدهرية وان يملا الأودية لتمهيد الأرض كيما يسير إسرائيل بغير عثار لمجد الله. 8 حتى أن الغاب وكل شجر طيب العرف قد ظلل على إسرائيل بأمر الله. 9 أن الله سيعيد إسرائيل بسرور في نور مجده برحمة وعدل من عنده."

تنطبق هذه النبوة جزئياً على إسرائيل حين عادت من السبي لكنها لا تنطبق بالكامل إلاّ على الكنيسة إخلعي يا أورشليم (الكنيسة عروس المسيح) حلة النوح والمذلة (لسبيك في يد إبليس قبل المسيح) وإلبسي بهاء المجد (إلبسي المسيح). إلى الأبد (1) قوله إلى الأبد لا ينطبق إلاّ على الكنيسة فإسرائيل لن تبقى للأبد. تسربلي ثوب البر الذي من الله (2) وهل لو كانت إسرائيل هي التي لبست ثوب البر، هل كانت ستصلب المسيح. وإجعلي على رأسك (المسيح) تاج مجد الأزلي= الأزلي هو المسيح رأس الكنيسة والذي يكلل كنيسته. فإن الله يظهر سناك لكل ما تحت السماء (3)= يرى الناس نور الكنيسة وينجذبون للإيمان بل ويستشهدوا. ويكون إسمك من قبل الله إلى الأبد سلام البر= فمسيحك أيتها الكنيسة هو ملك السلام وهو في وسطك وهو سلام ناشئ عن السلوك ببر وليس سلام زائف وإطمئنان زائف. ومجد عبادة الله= فأي عبادة لغير الله ليست مجداً بل إنحطاطاً.

إنهضي يا أورشليم وقفي في الأعالي (5)= لابد أن تنهض الكنيسة من موت الخطية وتحيا في السماويات وهي تجمع بنين من المشرق والمغرب (أمم ويهود).

قد ذهبوا عنك راجلين (6) في موكب خزي ذاهبين للسبي. ولكنهم في عودتهم يعودون بكرامة.

ومجد كمن هو على عرش الملك= فلقد أصبح المؤمنين بالمسيح أبناء الله. فالرب عزم أن يخفض كل جبل عالٍ (أي الشياطين المتكبرين) والتلال الدهرية (الشياطين) وأن يملأ الأودية (7) يرفع المتضعين، وهذه مثل (لو51:1،52) كيما يسير إسرائيل (الكنيسة) بغير عثار لمجد الله= حين يخضع المسيح الشياطين ويكسرهم ويعطي قوته للمؤمنين فلا يعود فيهم صغر نفس، تسير الكنيسة بغير عثرة لتمجد الله. حتى إن الغاب وكل شجر طيب العرف قد ظلل على إسرائيل (8)= كل تعزيات الله تشمل الكنيسة حتى لا تحرقها شمس التجارب. إن الله سيعيد إسرائيل بسرور في نور مجده برحمة وعدل (الرحمة والعدل ظهروا في الصليب) من عنده (9) في نور مجده= طالما المسيح وسط كنيسته (مت20:18+20:28) فهو مجداً في وسطها (زك5:2).


 

الإصحاح السادس

"1 انه لأجل الخطايا التي خطئتم أمام الله يسوقكم نبوكد نصر ملك بابل في الجلاء إلى بابل. 2 فإذا دخلتم بابل فستكونون هناك سنين كثيرة وزمانا طويلا إلى سبعة أجيال وبعد ذلك أخرجكم من هناك بسلام.        3 والآن رأيت سترون في بابل آلهة من الفضة والذهب والخشب تحمل على المناكب وتلقي الرهبة على الأمم. 4 فاحترزوا أن تتشبهوا بالغرباء وتأخذكم منها رهبة. 5 وإذا رأيتم الجموع أمامها ووراءها يسجدون لها فقولوا في قلوبكم لك يا رب ينبغي السجود. 6 فان ملاكي معكم وهو يطالب بأنفسكم. 7 أما تلك فان لها السنة قد نحتها النجار وهي مغشاة بالذهب والفضة لكنها آلهة زور لا تستطيع نطقا. 8 يأخذ الناس لها ذهبا كما يؤخذ لعذراء تحب الزينة. 9 فيصوغون أكاليل يجعلونها على رؤوس آلهتهم وربما سرق الكهنة من آلهتهم الذهب والفضة لمنفعة أنفسهم. 10 وقد يبذلون منهما للزواني اللاتي في البيت يزينون الآلهة بالملابس كالبشر وهي من الفضة والذهب والخشب. 11 فهي لا تسلم من الصدأ والسوس وان كانت تلبس الأرجوان. 12 ويمسحون وجوهها من غبار البيت المتراكم عليها. 13 وفي يد كل منها صولجان كالحاكم على بلد لكنه لا يقتل من يجرم إليه. 14 وفي يمينه سيف وفاس لكنه لا ينجي نفسه من الحرب واللصوص فحق بذلك إنها ليست بآلهة. 15 فلا تخافوها فانه كما أن الإناء المكسور لا ينفع صاحبه كذلك آلهتهم.     16 إذا نصبت في البيوت فعيونها تمتلئ غبارا من أقدام الداخلين. 17 يحظر عليها في الديار كما يحظر على من أجرم إلى الملك وكهنتها يحصنون بيوتها بأبواب وأقفال ومزاليج كما يفعل بمن حكم عليه بالموت لئلا تسلبها اللصوص. 18 يوقدون لها من السرج اكثر مما يوقدون لأنفسهم وهي لا تستطيع أن ترى منها شيئا. 19 إنما هي كجوائز البيت وقد ذكر أن حشرات الأرض تنهش قلوبها فتؤكل هي وثيابها ولا تشعر.   20 تسود وجوهها من الدخان الذي في البيت. 21 على أبدانها ورؤوسها يثب البوم والخطاف وسائر الطيور والسنانير. 22 فاعلموا من ذلك إنها ليست بآلهة فلا تخافوها. 23 والذهب الذي يغشيها للزينة أن لم يمسح صداه لم يكن لها رونق كما إنها إذ صيغ عليها لم تشعر. 24 تبتاع بكل ثمن وان لم يكن فيها روح. 25 ليس لها أرجل فتحمل على المناكب وبذلك تبدي للناس هوانها والذين يعبدونها هم أيضا يخزون. 26 لأنها إذا سقطت على الأرض لا تقوم من نفسها ولا إذا نصبها أحد تتحرك من نفسها ولا إذا أميلت تستقيم بل تقدم إليها الهدايا كما تقدم إلى أموات. 27 وكهنتها يبيعون ذبائحها لمنفعة أنفسهم وكذلك نساؤهم يملحن ما بقي منها ولا يجعلن فيها حظا لمسكين ولا سقيم. 28 الطامث والنفساء تلمسان ذبائحها فإذ قد علمتم من ذلك إنها ليست بآلهة فلا تخافوها. 29 لماذا تسمى آلهة لان النساء يقدمن الهدايا لهذه الآلهة التي هي من الفضة والذهب والخشب. 30 ولان الكهنة يجلسون في بيوتها باقمصة ممزقة وهم محلوقو الرؤوس واللحى ورؤوسهم مكشوفة. 31 ويعجون صائحين أمام آلهتهم كالجالسين على مأدبة الميت. 32 الكهنة ينزعون من ثيابها ما يكسون نساءهم وأولادهم. 33 وإذا أساء إليها أحد أو احسن فلا تستطيع المكافأة ولا في وسعها أن تقيم ملكا أو تخلعه. 34 ولا تقدر أن تهب عرضا ولا نقدا وإذا نذر أحد نذرا ولم يقضه فلا تطالب.      35 لا تنجي أحدا من الموت ولا تنقذ الضعيف من يد القوي. 36 لا ترد البصر للأعمى ولا تفرج عن ذي شدة. 37 لا ترحم أرملة ولا تحسن إلى يتيم. 38 فهذه الآلهة التي هي من الخشب مغشاة بالذهب والفضة تماثل حجارة من الجبل والذين يعبدونها يخزون. 39 فكيف يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة. 40 بل الكلدانيون أنفسهم يزدرونها فانهم إذا رأوا ابكم لا ينطق يقدمونه إلى بال ويطلبون منه النطق كأنه يشعر. 41 ومع اختبارهم لها لا يتركون عبادتها لأنكم لا يشعرون. 42 والنساء يقعدن على الطرق متحزمات بالحبال يبخرن بالنخالة. 43 فإذا اجتذب مجتاز واحدة منهن وضاجعها عيرت صاحبتها بأنها لم تحظ مثلها ولم يقطع حبلها. 44 وكل ما يصنع لهذه الآلهة إنما هو زور فكيف يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة. 45 هي صنعة النجار والصائغ فلا تكون إلا ما يريد صانعها. 46 والذين صنعوها قصير وبقاء فكيف يكون ما صنعوه. 47 انهم تركوا لمن يليهم زورا وعارا. 48 وإذا أتى عليها حرب وشر يأتمر الكهنة فيما بينهم أين يختبئون بها. 49 فكيف لا يشعر إنها ليست بآلهة وهي لا تخلص أنفسها من الحرب والشر. 50 وبما إنها من الخشب مغشاة بالذهب والفضة فسيعلم فيما بعد إنها زور ويتبين لجميع الأمم والملوك إنها ليست آلهة بل صنعة أيدي الناس ولا شيء فيها من صنعة الله. 51 فهل من حاجة إلى التنبيه على إنها ليست بآلهة. 52 فإنها لا تقيم ملكا على بلد ولا تعطي الناس مطرا. 53 ولا تخاصم حتى لخصومة أنفسها ولا تنقذ أحدا من مظلمة إذ لا تستطيع شيئا وإنما هي كالغربان التي بين السماء والأرض. 54 وإذا وقعت نار في بيت هذه الآلهة المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب أو الفضة فكهنتها يفرون وينجون أما هي فتحترق كجوائز البيت. 55 إنها لا تقاوم ملكا ولا عدوا فكيف يسوغ أن تحسب أو تعد آلهة. 56 وهذه الآلهة المصنوعة من الخشب المغشاة بالفضة والذهب لا تنجي أنفسها من السراق ولا اللصوص. 57 والذين يستولون عليها ينزعون عنها الذهب والفضة والثياب التي عليها ويذهبون بها وهي لا تدافع عن أنفسها. 58 لا جرم أن ملكا من ذوي البأس أو إناء نافعا في البيت يستخدمه مالكه خير من آلهة الزور وبابا في البيت يحفظ ما فيه خير من آلهة الزور وعمودا من الخشب في قصر خير من آلهة الزور. 59 أن الشمس والقمر والنجوم تضيء وترسل لمنفعة الخلق وتطيع مرسلها. 60 وكذلك البرق إذا لمع يروق العين والريح تهب في كل ناحية. 61 والسحب يأمرها الله أن تمر على كل المسكونة فتقضي ما أمرت به. 62 والنار المرسلة من فوق لتفني الجبال والغاب تفعل ما أوصيت به أما تلك فلا تعدل بهذه منظرا ولا قوة. 63 فلا يسوغ أن تحسب أو تسمى آلهة إذ لا تستطيع أن تجري حكما أو تصنع إحسانا. 64 فإذ قد علمتم إنها ليست بآلهة فلا تخافوها. 65 فإنها لا تلعن الملوك ولا تباركهم. 66 ولا تبدي آيات في الأمم ولا في السماء ولا تنير كالشمس ولا تضيء كالقمر. 67 الوحوش خير منها لان في طاقتها أن تهرب إلى ملجأ وتنفع أنفسها. 68 وبالجملة فلا يتبين لنا بوجه من الوجوه إنها آلهة فلا تخافوها. 69 مثل آلهتهم المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب والفضة مثل شخص منصوب في مقثأة لا يحرس شيئا. 70 وأيضا مثل آلهتهم المصنوعة من الخشب المغشاة بالذهب والفضة مثل عوسج في بستان يقع عليه كل طير أو مثل ميت مطروح في الظلمة. 71 ومن الأرجوان والقرمز اللذين يأكلهما العث عليها يعلم إنها ليست بآلهة وفي آخر الأمر هي أيضا تؤكل وتصير عارا في الآفاق. 72 أن الرجل الصديق الذي لا صنم له افضل لأنه بمعزل عن العار."

هو رسالة من إرمياء إلى شعب اليهود بيد باروخ، الذين أزمع ملك بابل أن يسبيهم ويسوقهم نظير إخوتهم إلى بابل. وفيها يوضح النبي فساد عبادة الأوثان ويحذرهم من السجود للأصنام التي ليس لها نطق ولا حركة ولا روح قائلاً لهم عنها إنها ليست بآلهة (14). وهذا التحذير من إرمياء أهميته أن الشعب حين يذهبون إلى بابل سيجدون الشعب البابلي الوثني يعبدون هذه الآلهة بوقار شديد مع طقوس جذابة وموسيقى صاخبة وما يصاحبها من زنى يجذب المنحرفين وهم ينسبون لآلهتهم كذباً أشياء لم تحدث ليعظموها، فعليهم أن لا ينخدعوا. وفي الرسالة أيضاً يتنبأ إرمياء عن أن السبي في بابل سوف يستمر سبعة أجيال (2) أي سبعين سنة. وإرمياء سبق وقال هذا في (إر12:25+10:29) وربما هو يذكرهم بها، ففي النبوة (إر12:25) يقول صراحة أن بابل ستخرب وقطعاً فهذا يعني ضمناً سقوط آلهتها. وأن آلهتها لن تستطيع أن تحميها. وهناك من يعترض على قول إرمياء سبعة أجيال وأنها تساوي 70سنة، بأن الجيل= 40سنة. ولكن كلمة جيل لا تأتي دائماً مشيرة إلى مدة 40سنة. فكلمة جيل التي يقولون عنها أنها 40سنة (عد13:32) لا تعني أن الجيل= 40سنة "فحمى غضب الرب على إسرائيل وأتاههم في البرية أربعين سنة حتى فنى كل الجيل الذي فعل الشر في عيني الرب" والمقصود بكلمة جيل هنا هو البشر الذين خرجوا من مصر وعاشوا تحت العبودية وتعودوا عليها. وقارن (تك13:15) "فيذلونهم أربع مئة سنة" مع (تك16:15) "وفي الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا". وبهذا يكون الجيل 100سنة. ولكن بالحساب الدقيق يتضح أن مدة بقاء اليهود في مصر حوالي 200سنة فيكون الجيل 50سنة. إذاً لا دليل على أن الجيل يعني عدد معين من السنوات. وبالتالي فحين يقول إرمياء هنا 7أجيال فلا معنى للإعتراض.

ومن ضعف هذه الآلهة يسرق كهنتها بعض من الذهب الذي يزينونها به (9) ولاحظ أن كهنة هذه الآلهة هم لصوص. ولاحظ أن الزنى يمارس كجزء من العبادة (10،43). والله يحذرهم بأنه يراهم وملاكه يراقبهم إن هم سجدوا لهذه الآلهة (6). ونحن نعلم أن الله هو فاحص القلوب والكلى.

آلهة زور (7)= هي آلهة باطلة كلها غش فهي لا تتكلم مع أن لها ألسنة، فألسنتها جماد. وهم يزينونها لتبدو جميلة كما تزين عذراء نفسها لتجد لها عريساً (8) فهم يزينونها لتجذب لها أناساً يعبدونها. وهم يسرقون ما عليها بعد ذلك ليدفعوا أجر الزواني الذين في الهيكل (10). فهي بلا نفع كإناء مكسور (15). بل هي محبوسة ويغلقون عليها كمن في سجن (17) لأنها لو تركوها لسرقها اللصوص. وهي مثل الخشب الذي تصنع منه أعمدة البيوت وعوارضها (19)= جوائز. وينبه إرمياء الشعب لا تخافوها (28) لأنه كما قلنا أن الطقوس المصاحبة للعبادة الوثنية من صراخ وموسيقى يمكن أن تلقي الرعب في قلوب البسطاء مع خداع الشياطين. ومن وسائل الخداع أن الكهنة يجلسون في بيوتها بأقمصة ممزقة وهم محلوقو الرؤوس (30) كأنهم مرعوبين من غضب هذه الآلهة. كهنتها يقدمون لها المرضى طالبين الشفاء وتقف هي عاجزة ومع هذا فهم لا يفهمون أنها لا شئ (40،41"). صانعوها من البشر عمرهم محدود فكم بالأولى الآلهة التي صنعوها (46). كل الخليقة حتى الجامدة لها نفع أما هذه فبلا نفع (59-62). وهي مثل شخص منصوب في مقثأة لا يحرس شيئاً (69)= يقصد به خيال المآتة وهو عصا يضعون عليها ثياب لتخاف منها العصافير فلا تلتقط الحبوب من الحقل.

أسلوب إرمياء في هذا الإصحاح مماثل تماماً لأسلوب إشعياء (19:40،20+5:41-7+9:44-21).

 

الصفحة الرئيسية