المقدمة

1.     انتهت نبوات حزقيال بواقع حزين هو خراب أورشليم بالكامل مع أمل في المستقبل بعودتها للمجد.

2.     بينما يحدثنا سفر حزقيال عما رآه النبي وتنبأ به في سنوات السبي الأولى، يحدثنا سفر دانيال عما رآه وتنبأ به في السنوات الأخيرة من السبي.

3.     كان دانيال من سبط يهوذا (6:1) بل كان على ما يبدو من الأسرة الملكية (3:1) ولقد تم سبي دانيال في السبي الأول (2أي6:36،7) بينما تم سبي حزقيال في السبي الثاني (2مل14:24-16) (راجع مقدمة سفر أرمياء).

4.     دانيال تعني الرب قاضيَّ God is my Judge. وقد أسماه ملك بابل بلطشاسر، وهي تعني ليحفظ الإله بيل حياته، وهكذا أبدل الوثنيون اسم الله باسم إلههم في اسم دانيال. ونلاحظ أن هناك علاقة بين اسم النبي وموضوع نبوته، فنبوة دانيال تتحدث عن ملكوت الله وانتشاره في العالم وأنه الديان، وأن الممالك تقوم بسماح منه فهو ضابط الكل، وأن كل قوة أخرى هي نابعة منه. وكل قوة أو كل مملكة تقوم هي لتحقيق خطة إلهية حتى لو كانت هذه القوة يبدو أنها تقاوم الله. وهذا ما يظهره أن الله يخبر دانيال بكل الممالك التي ستأتي لقرون طويلة قادمة، فمن يعرف المستقبل قادر أن يتحكم فيه. والسفر يحدثنا أيضاً عن قيام مملكة المسيح. ويدين أيضاً الوثنية ويظهر ضعفها وبطلان آلهتها  وألقاب الله في هذا السفر تشير لأنه الديان ضابط الكل، فيطلق السفر على الله أنه ملك السماء / إله السماء/ إله الآلهة/ رب الملوك...

5.     كان متميزاً من بداية حياته بالحكمة والتقوى. ويتحدث عنه حزقيال النبي المعاصر له، كحكيم أو نبي (حز3:28) وكذلك كرجل صلاة مشهوراً بقوة صلاته وفاعليتها (حز14:14،20) مما يعني أن دانيال بدأت شهرته منذ صباه.

6.     في الرسم الآتي نجد موقع دانيال كنبي وسط أنبياء إسرائيل.


 


 

7.     يقسم علماء اليهود الكتاب المقدس إلى ثلاثة أقسام وهي [1] التوراة وتشمل كتب موسى الخمسة ثم [2] النبييم وتشمل الأنبياء ثم [3] الكتوبيم أي الكتب وهي ما تبقي. ويضع اليهود نبوات دانيال مع الكتب ولا يعتبرونه نبياً من الفئة العليا، ولا يضعوا نبواته وسط الأنبياء وحججهم في ذلك واهية:

أ‌.        أنه لم يكن مذلولاً في حياته ومهاناً مثل أرمياء، بل عاش كأمير ورئيس وزراء! ولكن هل يقتصر الله في تعامله على الفقراء والمضطهدين؟! هذا أمر عجيب! فالله يتعامل مع أي إنسان عنده استعداد أن يفتح قلبه لاستقبال الإعلانات الإلهية. وبينما عاش دانيال النبي في بلاط أعظم ملوك بابل وفارس من بعدها مثل نبوخذ نصر وكورش وداريوس، إلا أنه رفض أن يتنجس بأطايبهم (8:1) وكان مضطهداً ممن حوله ويحيكون المؤامرات ضده (4:6). وكان دانيال ينسحق أمام الله ولا يأكل طعاماً شهياً  (3:10). ونجده أيضاً قد ضعف وهزل عندما كان تحت سلطان روح النبوة (27:8). فهو بحق يستحق اللقب الذي أطلقه عليه يوسيفوس المؤرخ اليهودي "أحد أعظم الأنبياء". واللقب الذي أطلقه عليه الملاك غبريال "الرجل المحبوب" (11:10) وألم يكن داود النبي ملكاً!! حقاً الروح تهب حيث تشاء.

ب‌.    من ضمن أسبابهم، كتابة دانيال لنبوته وهو وسط الأمم، ولم يكتبه في أرض يهوذا ولكن لقد كتب حزقيال نبوته أيضاً في بابل وسط الأمم ولم يكتبها في أرض يهوذا.

ت‌.    من أسبابهم أيضاً أن دانيال كتب أجزاء من كتابه باللهجة الكلدانية وهي بالذات من (4:2) حتى آخر الإصحاح السابع، أما باقي السفر فكتبه بالعبرية. ويرى علماء اليهود أن كتابة أجزاء نبوية بغير العبرية يفقدها قيمتها، ففي نظرهم أن الله لا يرضى بأن يتكلم بغير العبرانية. ولكن الرد على هذا بسيط جداً، فأولاً: الله غير مقيد بلغة معينة، ثانياً: فإن الشعب اليهودي في السبي كان يتكلم اللغتين (الكلدانية أو الآرامية + العبرية) وكان دانيال يكتب بالآرامية حين يكتب عن البابليين وحوارهم معه. أما حين يكتب عن النبوات والتعزيات وحديث الله عن المستقبل فهو يكتب بالعبرية، فهذه علاقة خاصة بين الله وشعبه. ودانيال يكتب بالآرامية  التي يفهمها شعب بابل حتى يكون هذا شاهداً على أن إله دانيال هو الإله الحق  "قد قلت لكن الآن قبل أن يكون حتى إذا كان تؤمنون" (يو29:14) فالله يطلب خلاص كل إنسان وليس اليهود فقط (أش21:41-23 + 7:44 + 21:45). ثالثاً: فدانيال يكتب بالآرامية ما يشير لتفاهة الآلهة الوثنية ويشير لقوة الله وهو بهذا يعلم شعب الله كيف يجيبون الوثنيون عندما يسألونهم لماذا لا تعبدون آلهتنا. وهذا ما فعله أرمياء أيضاً في تغييره الآية (أر11:10) إلى اللهجة الكلدانية حتى يتعلم المسبيين الرد بها على الكلدانيين وأن يظهروا لهم حماقة أوثانهم. رابعاً: طالما أن اليهود يعتبرون السفر سفر إلهي فلماذا التشكيك؟!

ث‌.    يقولون أيضاً أن دانيال لم يمت شهيداً مثل أرمياء وأشعياء وغيرهم والرد بسيط فموسى وإيليا وإليشع وداود وصموئيل أنبياء كبار، وهم أيضاً لم يستشهدوا. إلا أن دانيال في أصوامه وزهده وبكائه والآلام التي تحملها (مثلاً وهو في جب الأسود) يعتبر من المعترفين.

ج‌.     يقولون أن السفر يشمل أجزاء تاريخية وأجزاء عبارة عن رؤى هي في نظرهم ليست نبوات صريحة وهذه حجة واهية فكل الأسفار النبوية تحتوي أجزاء تاريخية ولكنها توضع لما فيها من نبوات ضمن مجموعة النبييم أي النبوات مثل اشعياء وأرمياء. ودانيال له نبوات صريحة كشفت عن مستقبل الأمم، وكشفها له الله في رؤى عديدة. ونبوات دانيال تشمل امتداد ملكوت المسيح في كنيسته، بل تمتد لنهاية الأيام.

ح‌.     لكن السبب الحقيقي لرفضهم هذا السفر فهو بسبب وضوحه في نبواته عن مجيء المسيح وتحديد سنة مجيئه،وأنه سيبطل ذبيحتهم وطقوسهم. وهي نبوة صريحة وواضحة اضطروا أمامها لأن يتجنبوا السفر كله كما حدث وامتنعوا عن قراءة الإصحاح (53) من نبوة إشعياء. فهم كما فكروا بعقليتهم الضيقة أن يقتلوا لعازر بعد أن أقامه المسيح (يو10:12،11) حتى لا يكون شاهداً لألوهية المسيح، هكذا سلبوا من دانيال نبوته حتى لا يشهد للمسيح. وسنأتي لتفسير النبوة العجيبة. التي تنبأ فيها دانيال عن موعد مجئ المسيح في الإصحاح (9).

خ‌.     في الترجمة السبعينية وقد قام بترجمتها من العبرية لليونانية بعض علماء اليهود، نجدهم قد وضعوا سفر دانيال ضمن أسفار الأنبياء الكبار ويضعونه بعد نبوة حزقيال مباشرة، وهذا ما درجت عليه كل الترجمات المسيحية للآن.

8.     سفر دانيال هو سفر يبعث الرجاء في النفوس الجريحة فإن كان الله يسمح لنا أحياناً أن نُلقى في أتون التجارب، لكن نجده معنا وسط الأتون يعزينا، ونجد الله مع شعبه كسور من نار يحميهم ويتمجد وسطهم، بل يرفعهم في ضيقتهم.

9.     كما اتخذ اليهود موقفاً من سفر دانيال لأغراضهم الخاصة، نجد أن إبليس لا يكف عن تشكيكه في كلمة الله. فلقد استخدم إبليس نقاد العصر الحديث ليهاجموا في صحة نسبة السفر لدانيال النبي. ومما يأخذونه على سفر دانيال كتابة دانيال بالآرامية (اللغة المنتشرة في بابل أنذاك) ويقولون أن الألفاظ المستخدمة لم تُعرف قبل سنة 165ق.م لذلك ادعوا أن هذه النبوة كتبها أحد المكابيين ونسبها لدانيال. ولكن "إن سكت هؤلاء فالحجارة تتكلم".

أ‌.        اكتشف في جزيرة الألفنتين في مصر أوراق بردي وهي عبارة عن رسائل من اليهود للوالي الفارسي على أورشليم تحوي نفس الكلمات المختلف عليها مما يشهد بأنها كانت متداولة في هذا العصر (الرسائل التي عُثِرَ عليها ترجع لنفس فترة سفر دانيال).

ب‌.    اكتشف في الآثار البابلية أن عقوبة الجاحدين لأحد الآلهة هي أن يُلقي في أتون ناري، بل قد وُجِدَ في الحفريات الأتون وقد نقش عليه "هنا موضع حرق من يجدفون على إلهة الكلدانيين، يموتون بالنار" واكتشف أيضاً أن من يُمارس عملاً ضد الملك يُلقى حياً في جب الأسود. وأكتشف أيضاً أن نبوخذ نصر كان يأمر بعبادة التماثيل الضخمة. ووجد في الآثار ما يشير لجنون نبوخذ نصر في أواخر أيام حياته.

ت‌.    أشار سفر المكابيين الأول (كُتِبَ سنة 135ق.م) إلى سفر دانيال كسفر قانوني فلا يمكن أن يكون السفر قد كُتِبَ في عصرهم. بل أن السفر يشهد لدانيال النبي وبره وأن الله أنقذه من أفواه الأسود (1مك61:2) كما اقتبس السفر من دانيال نبوته عن رجسة الخراب (1مك29:1) ويذكر السفر دانيال مع العظماء في الإيمان مثل إبراهيم وداود.

ث‌.    حين توجه الإسكندر الأكبر لأورشليم ليفتحها قابله يوياداع رئيس الكهنة على رأس موكب من الكهنة، وكان يوياداع مرتدياً ملابسه الخاصة به كرئيس كهنة. وفوجئ جيش الإسكندر، بالإسكندر يسجد ليوياداع (وبعد ذلك سألوه فأخبرهم أنه شاهد هذا المنظر في رؤيا قبل أن يخرج من بلاد اليونان) وكان الله هو الذي أشار على يوياداع بأن يفعل ذلك. ويقول يوسيفوس المؤرخ أن يوياداع أظهر للإسكندر نبوة دانيال التي تنبأ فيها بأن الإسكندر سيهزم الفرس. ولهذا صار الإسكندر بعد ذلك صديقاً لليهود يعاملهم بلطف غير عادي. إذاً كان  السفر بنبواته معروفاً عند اليهود قبل الغزو اليوناني سنة333ق.م.

ج‌.     يردد المعترضون أيضاً أن هناك 3 كلمات يونانية في السفر ويقولون كيف تصل اللغة اليونانية لبابل قبل فتح اليونان لها. وهذه مغالطة لأن الألفاظ اليونانية هي عبارة عن 3 كلمات لثلاث آلات موسيقية وردت أسمائها في حادثة إقامة نبوخذ نصر تمثال لألهته وطلبه أن يسجد الجميع للتمثال حينما تعزف الموسيقي. ولكن هل هناك مانع أن يستخدم البابليون الآلات الموسيقية اليونانية ويطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية. وحتى نثبت هذا فقد انتشرت الحضارة اليونانية في العالم كله قبل ذلك. وكان هناك بعض الجنود اليونانيين في جيش بابل من الأسرى. وقد كانت صور مركزاً للتجارة العالمية لكل شئ (راجع حزقيال 27) بما فيها بضائع اليونان. ومن الطبيعي حين يستعمل البابليون آلات موسيقية يونانية أن يطلقوا عليها نفس أسمائها اليونانية.

ح‌.     من المشاكل التي يثيرها النقاد أيضاً وجود اللغة الآرامية في سفر دانيال. وحل هذه النقطة كما قلنا من قبل أن هذه اللغة كانت منتشرة وسط اليهود في السبي. بل كانت هي لغة الدبلوماسية والتجارة، وقد انتشرت بين الفرس والفينيقيين ومادي وآشور وآسيا الصغرى وفلسطين، وكان ذلك بسبب انتشار الآراميين في كل مكان. ولنراجع حادثة حصار ربشاقي قائد جيش آشور لأسوار أورشليم وحديثه مع الرؤساء بالعبرية، وطلب رؤساء اليهود منه أن يتحدث بالآرامية فهم يفهمونها.

خ‌.     غير أن مشكلة هؤلاء النقاد الحقيقية هي إنكارهم لمبدأ النبوات، فهم لا يتصورون كيف يتنبأ دانيال بأن يأتي ملك اليونان ويغزو فارس التي انتصرت على بابل.. وكل هذا في أيام قوة ونفوذ بابل، فهم لا يقدرون أن يتصوروا أن الله قادر أن يكشف المستقبل لعبيده الأحباء. لذلك يحاولون جاهدين إثبات أن السفر برمته كُتِبَ بعد أن تحققت الأحداث. هم يريدون دانيال مؤرخاً وليس نبياً.

10. مملكة بابل وملوكها: أشهر ملوكها هو نبوخذ نصر، نبو حامي الحدود وهو ابن نبو بلاسَّر الإمبراطور الذي أسس الدولة البابلية سنة 625ق.م. ونبو بلاسر هو الذي أسقط نينوى عاصمة آشور وأنهى بذلك إمبراطورية آشور. وقد حاول نخو فرعون مصر أن يحمى مصالح مصر في أرض فلسطين فحاربه يوشيا ملك يهوذا، وقتله نخو سنة 608ق.م م أعد جيشاً كبيراً ليحارب بابل نفسها. فأرسل نبو بلاسر أبنه نبوخذ نصر ليحارب نخو فهزمه في معركة كركميش. ثم جاء نبوخذ نصر إلى أورشليم وسبي منها السبي الأول سنة 606ق.م. الذي كان من ضمنه دانيال والثلاثة فتية. وكما قلنا فهم غالباً من النسل الملوكي. وقد استحسن ملك بابل أن يجعل أولاد الملوك خداماً لُه.

وإذا فهمنا أن بابل تشير لمملكة الشيطان في الكتاب المقدس منذ حاولت بابل أن تتحدى الله (تك1:11-9) وحتى سفر الرؤيا، فإن سبي أولاد الملوك ليخدموا ملك بابل هو في معناه الروحي أن الخطية تسببت في أن أولاد الله الذين هم أولاد الملك صاروا عبيداً للشيطان. وأن خطة إبليس دائماً هي أن يستولى على قوى النفس ويصيرها عبيداً للخطية. وحتى تكمل هذه الصورة نجد أن الله دعا إبراهيم أن يترك أور الكلدانيين أرض ميلاده ويذهب إلى كنعان، هذه دعوة الله لكل نفس أن تترك أرض الخطية لكي تحلق في السماويات.

وأثناء فتوحات نبوخذ نصر وَصَلَهُ خبر وفاة أبيه فأسرع بالعودة ثم أعلن نفسه خليفة لأبيه بعد معركة كركميش. وتكرر صعود نبوخذ نصر على أورشليم بسبب ثورتها عليه إلى أن خربها في السنة الحادية عشر لملكها صدقيا. وينسب لنبوخذ نصر بناء الحدائق المعلقة وحفر قنوات الرى. وفيما يلي تاريخ سريع لملوك بابل:

أ‌.        نبو بلاسر: 625-604 ق.م هو مؤسس الإمبراطورية البابلية.

ب‌.    نبوخذ نصر: 606-561 ق.م هو أشهر ملوك الإمبراطورية البابلية.ويلاحظ اشتراك نبوخذ نصر في الحكم مع أبيه لمدة ثلاث سنوات.

ت‌.    أبيل مرودخ 561-560 ق.م وهو ابن نبوخذ نصر. وهذا قد قتله نرجل شراصر زوج أخته. وغالباً فإن زجل شراصر هذا هو المعروف باسم نبونيدس.

ث‌.    نبونيدس: وهذا قد اختلف مع كهنة بابل إلى الدرجة التي فَضَّلَ فيها أن يترك عاصمة ملكة تحت رئاسة ابنه بيلشاصر. وتولى بيلشاصر هذا الملك بدلاً عن أبيه. وذهب نبونيدس للصحراء في منطقة اسمها تيماء وبنى هناك مدينة وقصوراً عاش فيها. فكان نبونيدس هو الملك اسماً، أماّ الملك الفعلي فهو بيلشاصر. وكان نبونيدس يسمى أولاً في المملكة ويسمى بيلشاصر ثانياً. ولذلك فحينما أراد بيلشاصر تكريم دانيال سماه ثالثاً (29:5) وحينما سقطت بابل أمام كورش ملك فارس كان نبونيدس هذا في منفاه الأختياري. ولقد اكتشفت في الآثار حديثاً قصة بيلشاصر ونبونيدس بعد أن كان النقاد لمدة طويلة يشككون في وجود ملك باسم بيلشاصر ويتساءلون لماذا يقول بيلشاطر لدانيال وأجعلك ثالثاً في المملكة.

ج‌.     بيلشاصر 555-536 ق.م ومعنى اسمه أمير منعم عليه من الإله بيل وبيل أوبال هو نفسه (بعل) وهذا الملك هو الذي أولم وليمة كبيرة مدة حصار بابل بواسطة جيش كورش، واستعمل في هذه الوليمة آنية الهيكل التي غنمها نبوخذ نصر. وظهرت وسط هذه الوليمة أصابع تنبئ بنهاية ملك بابل. وبيلشاصر يسميه الكتاب ابن نبوخذ نصر وهذا صحيح فهو ابن ابنته.

ويبدو أن مركز دانيال قد تغير بعد نبوخذ نصر بل أنه كان يبدو بعيداً عن القصر حتى تذكرته الملكة في الليلة الأخيرة لحكم بيلشاصر (11:5).

ويذكر الكتاب المقدس أن مؤسس بابل هو نمرود. أما البابليين فيقولون أن إلههم مرودخ هو مؤسسها. ومرودخ هو رأس الآلهة. واسم بابل مشتق من بَلْبَلَ حيث بلبل الله ألسنة من حاولوا أن يَتَحُّدوه. فالخطية تبلبل الألسنة والمحبة تؤلف بين الناس. والروح القدس يوم الخمسين أعطى موهبة الألسنة التي بها فهم الناس لغة الآخرين. وغالباً فالإله مرودخ هو نفسه بيل. وكانت مدينة بابل تحفة معمارية محصنة بسور عجيب، ولكنها سقطت أمام كورش الفارسي. وأشهر آلهة بابل هي مرودخ وبيل. ولكن كان هناك آلهة أخرى مثل الإله سين. وكان نبونيدس أبن كبير كهنة هذا الإله، وحين ملك نبونيدس حاول تغيير العبادة وإعطاء الأهمية لآلهة سين بدلاً من مرودخ وبيل ففقد شعبيته واختلف مع الكهنة واضطر للإعتزال وترك الملك لإبنه بيلشاصر.

شخصية نبوخذ نصر: تسجل لنا النقوشات الأثرية كثيراً من جوانب هذه الشخصية وكبريائه وزهوه بنفسه ومكانته وقوته وعشقه لآلهته مرودخ وبيل، وأن آلهته دعته لهذه الإمبراطورية العالمية. وكان يسعى دائماً لجعل بابل مكان سكنى آلهته أعظم مكان في الدنيا، وهذا يلاحظ في الآثار البابلية التي تمجد آلهتهم وعظمتهم، بينما نجد في النقوش الآشورية أخبار حروبهم. ولوحظ في النقوش الآثرية ميل نبوخذ نصر لكتابة الشعر في أواخر أيامه. وهكذا وُجدَ شعر منسوب لهُ فيه أنه جعل بابل عظيمة وبها وفرة من كل ما جلبه من أنحاء العالم. ويتشابه تماماً هذا الشعر في كلماته ومضمونه مع ما سجله الكتاب المقدس عن نبوخذ نصر في (4:4-13)، حتى حينما تكلم الملاك تكلم بنفس الأسلوب.

النبوة المزورة: وُجِدَ في الآثار نبوة منسوبة لنبوخذ نصر واضح تزويرها والنبوة تقول أن "سيأتي كورش البغل الفارسي ويأخذ حكم بابل وأنه سينجح لخيانة شخص تلمح هذه النبوة أنه نبونيدس" وواضح تزوير هذه النبوة بواسطة كهنة مرودخ أعداء نبونيدس وغرضهم إلغاء مهنة النبوة من دانيال وإشعياء وإضفائها على نبوخذ نصر، وأيضاً إهانة كورش الذي اسقط مملكتهم واحتقر إلهتهم والتشهير بعدوهم نبونيدس.

الكلدانيين: غالباً الكلدانيين لفظ يطلقه البابليين على كهنتهم. ولذلك أطلق الأجانب لفظ الكلدانيين على البابليين، أما البابليين أنفسهم فيسمون أنفسهم بابليين (هذه كما يسمى الأجانب المصريين فراعنة مع أن فرعون هو لقب الملوك فقط) وفي الكتابات الحالية يسمى البابليين كلدانيين (راجع دا10:2 + 2:2 + 6:4،7،29،30).

 

سقوط بابل:

يتفق في ذكر حوادث سقوط بابل نبوات أرمياء وأشعياء مع قصة دانيال ومع القصص التي أوردها المؤرخين.

أ‌.        نبوات أرمياء: تنبأ أرمياء بأنهم سيسقطون بغزو يأتي عليهم من الشمال (3:50،9،41) وبأن ملوك مادي هم الذين سيفعلون هذا (11:51،28) وأن أسوارها لن تحميها (12:51) وسقوطها سيجئ عن طريق دفاعاتها المائية  التي أطال نبوخذ نصر في شرحها في نقوشاته (36:51) وسيكون سقوطها في وقت أحتفال يسكر فيه عظماؤها (39:51،57).

ب‌.    نبوات أشعياء: تنبأ إشعياء بخطة كورش في تحويل مجرى النهر بل تنبأ باسم كورش نفسه (أش26:44-3:45).

ت‌.    قصة دانيال : سجلها في الإصحاح الخامس.

ث‌.    شهادة المؤرخين:

أولاً: هيرودوتس: قال أن بابل سقطت بواسطة كورش سنة536ق.م وقد زار هيرودوتس بابل وامتدت زياراته من سنة 464-447ق.م وقال أيضاً أن كورش اقترب من بابل في ربيع هذه السنة وقابله البابليين أولاً فهزمهم. فدخلوا مدينتهم واحتموا بأسوارها المنيعة. وكانت مؤونتهم تكفيهم سنيناً طويلة (20سنة) وهم بدأوا التخزين حين رأوا كورش يهزم بلداً بعد الآخر فعرفوا أن الدور سيأتي. احتموا بأسوارهم لجأ كورش للخطط الماهرة فشق قناة حولت مجرى النهر إلى بحيرة كانت الملكة نيتوكريس قد أقامتها لعمل بحيرة صناعية لكنها لم تتم. وأعد جزء من جيشه بجانب النهر وحينما هبط مستوى المياه إلى مستوى الخاصرتين سار جيشه وفاجأ البابليين. وكان من الممكن لو كانوا متنبهين أن يقتلوا الغزاة الفرس فوراً ولكنهم كانوا غارقين لاهين في حفلاتهم وسكرهم ورقصهم لذلك فوجئوا بالفرس وسطهم. وهذا المؤرخ أخذ القصة ممن عاصروها.

ثانياً: زينوفون: الذي قال ان كورش فكر أولاً في حصار المدينة وتجويعها. ثم لفت نظره النهر وعرف عمقه فبدأ في حفر قنوات حول المدينة ظنها البابليون نوع من الحصار، فسخروا منه حيث أنهم قادرين على مقاومة الحصار لمدة 20 سنة وفي ليلة سمع كورش أن الجميع يحتفلون وأنهم سكارى، فأخذ معه الجنود وحفروا سكة للنهر ليصب في هذه القنوات حتى إذا صار ممكناً السير، دخلوا المدينة وقتلوا الملك وكل من وجدوه في الطريق. ثم أعاد الحياة الطبيعية للمدينة تحت حكم داريوس. وكان معه اثنان من الجواسيس ليقودوا الجيش الفارسي. وكانوا من أمراء بابل وأساء ملك بابل معاملتهم فذهبوا إلى كورش أحدهم اسمه جوبرياس الذي يظن البعض أنه داريوس المذكور، ولكن الأرجح أن داريوس هو خال كورش فأم كورش من مادي وكذلك خاله، أما والد كورش فهو من فارس. وملك داريوس على بابل كتابع لكورش ملك الإمبراطورية الفارسية كلها، ولم يكن مستقلاً عنه. (وُجِدَ نقش في بابل كتبه كورش بنفسه يتضمن هذه القصة).

11. مملكة مادي وفارس وملوكها: الماديون هم نسل مادي بن يافث (تك2:10) وقد اشتهروا بخيولهم وفرسانهم وكانوا يتصلون بالفرس في الجنسية واللغة والثقافات والتاريخ. وفي وقت نبوبلاسر مؤسس بابل كانت فارس تتبع مادي. وفي أيام كورش اتحدت مادي وفارس وسميت المملكة مادي وفارس وواضح أن الماديين سبقوا الفرس، لكن تفوق الفرس عليهم فيما بعد. وفي أيام كورش الفارسي استعاد اليهود حريتهم وعادوا إلى أورشليم. وكانت عواصم ملوك فارس برسبوليس (2مك2:9) وسوسا (شوشن) (نح1:1 + إس2:1) وأشهر مدن مادي اكبتانا (أحمثا) (عز2:6). ومع أن كورش سمح لليهود بالعودة إلى بلادهم إلا أنه لم يمنحهم استقلالاً سياسياً (كان ذلك سنة 536ق.م) بل كان يحكمهم حاكم يعينه الإمبراطور الفارسي (نح7:3 وقابل مع 14:5-15) فكانت بلادهم جزءاً من مقاطعة عبر النهر (عز36:8) وكانت مؤلفة من سوريا وفلسطين وفينيقية وقبرص وقد خضع اليهود لحكم الفرس 207سنين. وذلك من احتلال كورش لبابل حتى احتلال الإسكندر الأكبر لفلسطين سنة 333ق.م.

 

12.  ملوك الفرس وعلاقتهم بأورشليم:

أ‌.        كورش: هو مؤسس دولة مادي وفارس. وهو الذي أصدر نداء بعودة الشعب إلى أورشليم سنة 536ق.م (عز2:1) فعاد الشعب وبدأوا في بناء الهيكل (عز8:3-13) وكان ذلك سنة 535. وبدأت مقاومة الأعداء (عز5:4) وتوفى كورش سنة 529 وفي فترة حكم كورش مَلَّكَ داريوس المادي على بابل دا31:5 + 1:6 كمجاملة لشركائه الماديين.

ب‌.    قمبيز (ارتحشستا): هو ابن كورش وملك بعد وفاة كورش. وقد نجح الوشاة في إقناع هذا الملك بوقف العمل في بناء الهيكل فأصدر أمراً بذلك (عز17:4-25) وظل العمل متوقفاً طوال مدة هذا الملك. وكان لكورش ولدان الكبير هو قمبيز والآخر يُدعى سمردس. وذهب قمبيز ليحارب في مصر وتولى أخوه الحكم أثناء غيابه، فجاء محتال يشبه سمردس هذا وإغتاله وتملك العرش مكانه لمدة سبعة شهور. وبينما كان قمبيز في رحلة عودته في حملته من مصر مات في الطريق سنة 522ق.م فجاء داريوس هستاسب وكان صهراً لكورش وقتل هذا المحتال وامتلك العرش مكانه. وبموت قمبيز وسمردس انقرضت سلالة كورش.

ت‌.    داريوس هستاسب: استولى على العرش سنة 521ق.م وأسس مملكة جديدة امتدت من الهند إلى الأرخبيل الإغريقي والدانوب واغتني جداً وفي أيامه أخذ النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب للعمل في بناء الهيكل (عز1:5) وكان ذلك سنة 520 وأمر هذا الملك بإعادة البناء (عز24:4) + (عز5،6) وقد اكتمل بناء الهيكل وتم تدشينه سنة 515ق.م وقد ملك هذا الملك ما يزيد على 36سنة وتوفى سنة 486ق.م.

ث‌.    زركسيس الأول (أحشويرش) هو زوج أستير وهذا ظل يجمع جيشاً لمدة 4 سنين حتى صار جيشاً عظيماً قوامه 2.5 مليون رجل تقريباً لكن كان هذا العدد الضخم سبباً في هزيمته فالأوامر لا تصل للأفراد بسهولة. وحاول غزو اليونان ولكنه هُزِمَ في معركة سلاميس سنة 480ق.م. واضطر للتقهقر وحفظت اليونان هذه النقمة للفرس حتى جاء الإسكندر الأكبر. وكان هذا الملك غارقاً في شهواته ومستهتراً وفي أيامه حدثت حيلة هامان لإبادة الشعب. وأغتيل هذا الملك سنة 465ق.م.

ج‌.     ارتحشتسا لونجيمانوس أي طويل اليد: وهذا لاطف اليهود وسمح لعزرا أن يعود بعدد منهم إلى أورشليم كما أذن لنحميا أن يعيد بناء أسوار المدينة (عز11:7-13 + نح1:2-10) وتوفى سنة 424 وفي عهده سنة 457 صدر الأمر بإعادة بناء أورشليم (دا25:9)

ح‌.     تعاقب على العرش عدد من الملوك كان آخرهم داريوس قدمانوس الذي تغلب عليه الإسكندر الأكبر سنة 331ق.م لتبدأ الإمبراطورية اليونانية.

13. مملكة اليونان: قامت على يد الإسكندر الأكبر وانتشرت إنتشاراً واسعاً جداً وبسرعة عجيبة. ثم مات الإسكندر شاباً وعمره حوالي 32سنة. وخلفه قادة جيوشه الأربعة على مملكته التي انقسمت إلى أربع ممالك ضخمة وستأتي التفاصيل بعد ذلك.

14. شهادة السيد المسيح لسفر دانيال: سماه السيد المسيح دانيال النبي أي أن الله هو الذي أوحي له أو أعلن له ما قاله (مت15:24) وقارن هذه الآية مع (دا 27:9، 31:11، 11:12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح عن الضيق في آخر الأيام (مت21:24) مع نبوة دانيال (1:12) وقارن أيضاً حديث السيد المسيح حين يصف مجيئه على السحاب (مت30:24) مع (دا13:7) وأشار لهذا أيضاً في حديثه مع رئيس الكهنة (مت64:26) بل أن المسيح كان يطلق على نفسه لقب ابن الإنسان كما قاله دانيال (13:7) وكانت الآيات (دا13:7،14) هي الأساسي لما استعمله المسيح في وصف مجيئه الثاني (مت23:10 + 27:16،28 + 28:19 + 30:24 + 31:25) ويضاف لذلك أن وصف القيامة في (يو28:5،29) ما قيل في (دا2:12).

15. شهادات أخرى من العهد الجديد: أشار بولس الرسول لحادثتي جب الأسود والفتية في أتون النار في (عب33:11،34.

16. التشابه بين سفر دانيال وسفر الرؤيا:

قال الملاك عن دانيال أنه الرجل المحبوب (23:9 + 11:10،19) ويوحنا هو التلميذ المحبوب للمسيح (يو23:11 + 26:19 + 2:20 + 7:21،20) وكلاهما كتب سفره في الأسر (دانيال كتبه في بابل ويوحنا كتبه في بطمس) وكلا السفرين له طبيعة أخروية، كلاهما به ختوم بعضها فُتِح والآخر لم يسمح الله بفتحه. وكلاهما تكلم عن مجيء ضد المسيح في سفره وقارن الآتي بين السفرين:

أ- الأشياء التي ستحدث                       (دا 29:2،45)   مع       (رؤ19:1 + 1:4)

ب- نهاية الأرض                              (دا 35:2)        مع       (رؤ11:20)

ج- دعوة الناس لعبادة التمثال                (دا 6:3)          مع       (رؤ15:13)

د – بابل العظيمة                              (دا 30:4)        مع                                                                                    (رؤ8:14+8:17+2:18،10،21)

هـ- إلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب التي لا تسمع ولا ترى ولاتعرف                                                    (دا 23:5)  مع      (رؤ20:9)

و- رؤيا دانيال للمسيح مثل رؤيا يوحنا      (دا 13:7،14)   مع       (رؤ7:1)

    شعر الرأس كالصوف                     (دا 9:7)          مع       (رؤ14:1)

ز- الزمان والزمانين ونصف الزمان        (دا 25:7 +7:12)        مع (رؤ3:11+6:12)

ح- وقارن                                     (دا 5:10،6)    مع      (رؤ7:1)

وقارن                                (دا 6:12)       مع      (رؤ5:10،6)

وهناك فرق ففي دانيال، يضع المسيح المنطقة على حقويه، وهذا وضع استعداد لعمل ما، فهو يستعد للتجسد لإتمام الفداء، أما في سفر الرؤيا فهو يضع المنطقة عند ثدييه على صدره فهو هنا سيقوم بدور القاضي الديان.

ط- سفر الحياة                                (دا 1:12)        مع       (رؤ15:20)

قيل أن سفر دانيال هو رؤيا العهد القديم وسفر الرؤيا هو رؤيا العهد الجديد.

17. دور دانيال مع شعب الله في انتشار الكرازة:

كما شهد بولس الرسول أمام الولاة بل وفي قصر قيصر للمسيح، هكذا شهد دانيال لله أمام ملوك بابل وملوك الفرس. وكما أظهر الله قوته للمصريين ليطلقوا شعبه من عبوديتهم في مصر هكذا كان دانيال بحكمته والمعجزات التي صنعها مظهراً قوة الله لهذه الشعوب الوثنية ليقنعها بعجز إلهتها الوثنية أمام قوة إلهه حتى يطلقوا الشعب. ولنلاحظ أنه قبل تأسيس كنيسة العهد القديم في أورشليم قضى الشعب سنيناً في العبودية في بابل. ولنلاحظ حكمة الله فاليهود الذين تشتتوا كانوا عاملاً مساعداً لإنتشار الإيمان بالله.

ويقال أن دانيال هو الذي كشف نبوات إشعياء (التي تنبأ فيها باسم كورش الملك وبخطته في غزو بابل) لكورش الملك، وأراه نبوات أرمياء التي حددت مدة سبي بابل وسقوط بابل (أش26:44- 3:45 + أر10:25 + أر10:29-14) وكان هذا سبباً في أن كورش يعتبر أن أمراً صدر له من السماء ليعيد الشعب ويبني الهيكل (عز1:1-4) ونبوات دانيال هذه في سفره كانت سبباً هي الأخرى في عطف ملك اليونان الإسكندر على أورشليم (راجع صفحة 5 نقطة د).

ملحوظة: الشعب بعد عودته من السبي لم يعد لهم نفس الشكل والمجد الذي كان لهم بعد عودتهم من مصر. فهم لم يعودوا أحراراً تماماً بل خاضعين مرة للفرس ومرة لليونان ومرة للرومان والهيكل لم يعد لسابق مجده. فالعالم الآن وأورشليم يستعدون لإنتهاء الرموز والذبائح الحيوانية التي ترمز للمسيح، ويستعدون لإستقبال المسيح الذبيحة الحقيقية والمحرر الحقيقي من عبودية إبليس. ولذلك فعندما إنتهي نحميا من بناء السور انتهي ملاخي أيضاً من نبوته التي كانت آخر النبوات وانتظر العالم مجئ المسيح الذي فيه تحقق النبوات.

18. تقسيمات السفر: هناك تقسيمات للسفر تقسمه لجزء تاريخي (1-6) وجزء نبوي (7-12) ولكن نجد أن إصحاح (2) يدخل في القسم النبوي متفقاً مع إصحاح (7) وهناك رأى بأن أصحاحي (2،7) يعطوا فكرة عن القوى العالمية، والإصحاحات (3-6) يعطوا فكرة عن مقاومة هذه القوى العالمية لشعب الله. والإصحاح المحوري هو إصحاح (9) الذي يتنبأ عن ميعاد مجئ المسيح وصلبه ثم في (36:11- 7:12) يتنبأ عن الآلام التي سيعاني منها شعب الله في النهاية ومجيء ضد المسيح والقيامة من الأموات.

19. نياحة دانيال النبي: عاش دانيال النبي ما يقرب من 90سنة قضى معظمها مشهوراً بحكمته كشخصية بارزة في بلاط بابل وفارس. هذا بفرض أن سنه وقت السبي كان حوالي 18سنة ودفن دانيال في مقابر ملوك الفرس.


 

الإصحاح الأول

الآيات (1-7): "في السنة الثالثة من ملك يهوياقيم ملك يهوذا ذهب نبوخذناصّر ملك بابل إلى أورشليم وحاصرها.  وسلم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله فجاء بها إلى أرض شنعار إلى بيت إلهه وأدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه. وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه بأن يحضر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء. فتياناً لا عيب فيهم حسان المنظر حاذقين في كل حكمة وعارفين معرفة وذوي فهم بالعلم والذين فيهم قوة على الوقوف في قصر الملك فيعلموهم كتابة الكلدانيين ولسانهم. وعيّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين وعند نهايتها يقفون أمام الملك. وكان بينهم من بني يهوذا دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فجعل لهم رئيس الخصيان أسماء فسمى دانيال بلطشاصر وحننيا شدرخ وميشائيل ميشخ وعزريا عبد نغو."

في السنة الثالثة ويقول أرمياء (1:25،9) في السنة الرابعة ولا يوجد تعارض بينهما فأرمياء يحسب سنة تولى الملك ملكه هي السنة الأولى لحكمه أما دانيال فيتبع الطريقة البابلية، فهو يعتبر السنة التالية للملك هي السنة الأولى لحكمه، وهو بهذا لا يحسب كسور السنة، ونلاحظ أن السبي حدث على أربع مراحل (راجع تفسير سفر أرمياء) والمذكور هنا هو السبي الأول الذي فيه أخذ دانيال والثلاث فتية إلى بابل = أرض شنعار = هو الاسم القديم لأرض بابل، ثم صار اسمها بابل بعد بلبلة الألسنة.

أدخل الآنية إلى خزانة بيت إلهه = الآنية تشير لأولاد الله (2كو7:4 + 2تي20:2،21) لذلك اهتم عزرا بحصر عدد الآنية (عز7:1-11) وكان هذا رمزاً لتحرير أولاد الله من سلطان إبليس وعودتهم للكنيسة (أورشليم) وكان المخطط البابلي إعادة تشكيل الشباب العبراني (غسل مخهم) حتى ينسوا وطنهم ولغتهم ودينهم وإلههم وكان ذلك كالآتي:

أ‌.        تغيير الأسماء: حنانيا: الله حنان. ميشائيل = من مثل الله. عزريا = الرب عوني هؤلاء تغيرت أسماءهم إلى شدرخ = أخو إله القمر أخ أو أكو ميشخ = من مثل الإله أخ أو أكو وعبدناغو = عبد الإله نبو كبير الآلهة فلأن أسماءهم الأولى تذكرهم بارتباطهم بالله غيَّروها ليرتبطوا بآلهة بابل. إذاً لنهتم أن نطلق على أولادنا أسماء قديسين ليرتبطوا بهم.

ب‌.    نوعية الطعام : كان اليهود مدققين جداً في طعامهم ولهم أكل محلل وأكل محرم مثل لحم الخنزير، أو ما ذبح للأوثان. وكانت لهم طريقة خاصة في الذبح. وحتى ينسوا هذا قَدَّمَ لهم الملك أفخر مأكولاته. وكان للبابليين طريقة خاصة هي أن يلقوا جزءاً من الطعام لآلهتهم أثناء طبخ طعامهم على النار. لذلك رفض دانيال والفتية هذا النوع من الطعام حتى لا يشتركوا في هذه العبادة الوثنية.

ت‌.    تغيير اللغة: لينسوا لغة أبائهم وتوراتهم، واللغة مقدسة عند العبرانيين فهي لغة موسى ولغة التوراة. وبرع دانيال في علومهم كما تهذب موسى بكل حكمة المصريين. ولكن لا نقرأ أن هذا الملك أمر بتعليمهم ديانات البابليين، أو فنون السحر وإلا كانوا قد رفضوها. فإذا كانوا قد رفضوا طعام البابليين فبالأولى يرفضوا قبول ديانتهم. ويبدو أن المطلوب كان تعليمهم الحكمة والقانون والفنون والعلوم ليؤهلوا للخدمة.وسبي أولاد الملوك مثل دانيال ورفاقه هو تحقيق لنبوة أشعياء ضد الملك حزقيا (7:39) ولكن هؤلاء الفتية الثلاثة مع دانيال وان تغيرت أسماءهم لم تتغير قلوبهم فكانوا مثل يوسف أمناء لله بالرغم من تغيير أسماءهم (فيوسف غيروا اسمه إلى صفنات فعنيح).

 

الآيات (8-16): "أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس. وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة عند رئيس الخصيان. فقال رئيس الخصيان لدانيال أني أخاف سيدي الملك الذي عيّن طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتديّنون رأسي للملك. فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. جرب عبيدك عشرة أيام فليعطونا القطاني لنأكل وماء لنشرب.  ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظر الفتيان الذين يأكلون من أطايب الملك ثم أصنع بعبيدك كما ترى. فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام. وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن لحماً من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك. فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطاني."

أعطى الله نعمة لدانيال في عين رئيس الخصيان كما سبق وحدث مع يوسف في بيت فوطيفار وفي السجن وعلينا أن نعترف حين نلاحظ محبة واحترام الآخرين أن هذا من عمل يد الله ونعمته. وما سبب هذه النعمة؟ أن دانيال جعل في قلبه = أي كان ينوي نية جادة، والحياة الروحية تبدأ من القلب هو احتياج يسعى إليه القلب. ودانيال طلب من رئيس الخصيان = وهو طلب مستحيل فعقاب رفض الأوامر الموت. لكن لا ننسى عمل السماء، فهو كان أميناً مع الله فجعل الله أعداؤه يسالمونه،  وأعطاه الله نعمة في أعين رئيس الخصيان. ولاحظ قول دانيال جرب عبيدك = فهو طلب كله إيمان لكن بوداعة. لا يتنجس بأطايب الملك = فنحن حين نموت عن شهوات الجسد وننظر إليهما في عدم مبالاة يكون هذا سبب نعمة من الله وحكمة وتقوى. وبالإضافة لما سبق فهناك سبباً آخر في أنهم رفضوا طعام الملك، فإنه من غير المناسب أن يفرحوا وهم في السبي وبلدهم في ضيقة. ولاحظ أنهم حين اشتركوا في الحزن مع شعب الله حَوَّلَ الله حزنهم إلى فرح (يو20:16) وهذا حال كل من يبكي على خطيته فالله يعطيه عزاء ويحول دموعه إلى فرح (مز5:126،6) وهم طلبوا أن يأكلوا القطاني = أي الحبوب التي تطبخ كالعدس والفول والحمص واللوبيا وهذا هو الأكل الصيامي عند الأقباط وهذا أعطاهم منظراً وصحة أحسن وهذا فيه رد كافٍ لمن يرفض الصيام خوفاً على صحته. بل زادت لهم بركة خاصة فصحتهم تحسنت عن أترابهم. وفي آية (17) نجد أن الله أعطاهم عطية زائدة معرفة وعقلاً وحكمة وفهم أحلام. ولنلاحظ أنهم تربوا في يهوذا على الترف ولكن من أجل الله قبلوا بل طلبوا هذه الحياة الخشنة (أم17:15) أكلة بقول مع المحبة خير من ثور معلوف مع البغضة) ولنذكر أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. بل أن الاستغراق في شهوات وملذات العالم سبب كثير من الأمراض. ونلاحظ أنهم صاموا ليرضوا الله فأعطاهم الله كل هذا أما لو صمنا لأغراض مادية فقد لا يعطينا الله ما نطلبه من الماديات لأن هدف صومنا يجب أن يكون فقط شركة حب مع ألام رب المجد.

 

الآيات (17-21): "أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم الله معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة وكان دانيال فهيماً بكل الرؤى والأحلام. وعند نهاية الأيام التي قال الملك أن يدخلوهم بعدها أتى بهم رئيس الخصيان إلى أمام نبوخذناصّر. وكلمهم الملك فلم يوجد بينهم كلهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فوقفوا أمام الملك. وفي كل أمر حكمة فهم الذي سألهم عنه الملك وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته. وكان دانيال إلى السنة الأولى لكورش الملك."

في مقابل أمانتهم نجد مواهب وعطايا الله غير المحدودة بل حصل دانيال على روح النبوة وتفوقوا على الكلدانيين. فماذا تكون آلهة الكلدانيين وحكمتهم أمام الله وعطاياه.  وهذه شهادة ممن كانوا أمناء لله. وقد قيل عنهم وقفوا أمام الملك = وهذه تعني أن الملك عينهم مشيرين له (أس14:1) ودانيال استمر حتى السنة الأولى لكورش وهذه لا تعني أن دانيال عاش حتى السنة الأولى لكورش لأنه يقول كان ولم يقل عاش ومعني هذا أنه رأي تحرر شعبه ونهاية السبي وعودتهم إلى أورشليم كمكافأة له فهو طالما اشتاق قلبياً لهذا. ويعني القول أيضاً أن دانيال استمر في مركزه الهام حتى السنة الأولي لكورش.  إلا أنه عاش بعد ذلك بسنوات. وقارن جرب عبيدك 10 أيام مع وجدهم 10 أضعاف. ورقم 10 يشير للكمال في طاعة الوصية فكمال طاعتنا للوصية يعطينا كمال السلطان على قوى الشر. المجوس= كلمة فارسية تعني كهنة وفي ترتيبهم يأتون بعد الحاكم مباشرة في بلاد مادي وفارس.


 

الإصحاح الثاني

جرت أحداث هذا الإصحاح سنة 603ق.م ولقد قيل في الإصحاح الأول عدد (17) أن دانيال كان فهيماً بالأحلام. وفي هذا الإصحاح نرى مثلاً بارزاً لذلك، ولقد ظهر هذا مبكراً. وهذا جعله معروفاً في بلاط بابل كما كان يوسف مشهوراً في بلاط مصر لنفس السبب. وبينما كان حلم فرعون وتفسير يوسف له متعلقين بسنوات الشبع والجوع فقط، جاء حلم نبوخذ نصر هنا وتفسير دانيال له متعلقاً بممالك العالم ثم مملكة المسيا التي سيؤسسها. ونرى في حلم نبوخذ نصر أن الممالك العظيمة في جبروتها لابد أن يكون لها نهاية، هي تبدأ بالذهب وتنتهي بالخزف ثم تباد، أما مملكة المسيح فهي حجر يبدأ صغيراً ثم يكبر إلى ما لا نهاية. ممالك العالم لها منظر بهي جداً آية (31) ولكن نهايتها الفناء. أما ملكوت المسيح فيبدأ صغيراً ثم ينمو ويستمر للأبد. ونرى في هذا الحلم أن الله يتحكم في التاريخ ويدير دفته لمجد اسمه وتنفيذ خطة أزلية فهو ضابط الكل وضابط التاريخ.

 

آية (1): "وفي السنة الثانية من ملك نبوخذناصّر حلم نبوخذناصّر أحلاماً فأنزعجت روحه وطار عنه نومه."

في السنة الثانية من ملك نبوخذ نصر = يبدو أن هناك تعارض بين هذه الآية وبين (5:1) التي أشارت إلى أن الملك عَّين لدانيال والثلاثة فتية مدة 3 سنين للتعليم يقفون بعدها أمامه. إلا أن هناك أراء متعددة لحل هذا الإشكال البسيط:

1.     كان البابليون يحسبون السنة الأولى للملك أنها هي السنة التالية الفلكية لتوليه الحكم وبهذا تكون السنة الثانية لنبوخذ نصر هي فعلاً بعد ثلاث سنوات من تدريبهم ليقفوا أمام الملك.

2.     قد تكون هي السنة الثانية لحكم نبوخذ نصر منفرداً بعد موت أبيه ولكنها الخامسة أو السادسة لملكه بالاشتراك مع أبيه.

3.     كانت المدة المعينة لتعليم هؤلاء الفتيان هي 3 سنوات ولكن يبدو أن دانيال كان متقدماً بدرجة واضحة، وذلك مبكراً بدرجة أهلته لأن يقف أمام الملك قبل نهاية هذه السنوات الثلاث.

أحلاماً= يبدو أن الحلم كان يتردد عليه عدة مرات بصورة ملحة أو لعدة أيام وهو نفس الحلم. وكانت يد الله واضحة فهو حلم لم ينساه الملك بعد أن استيقظ بل كانت يد الله شديدة عليه. حتى طار عنه نومه. ولنقارن مع الله يعطي لأحبائه نوماً. فأحباء الله قد يكونون في ظلم واضطهاد أو فقر أو مرض لكنهم في سلام يفوق كل عقل، وهذا يحفظ قلوبهم وأفكارهم في المسيح يسوع (في7:4) فينامون في سلام. بينما أن الملك والسلطان والغنى.. الخ فهم غير قادرين أن يعطوا هذا السلام وهذا النوم الهادئ كما نرى في هذه الحالة.

أنواع الأحلام: هناك أحلام من الله مثل حلم يوسف النجار وحلم فرعون الذي فسَّره يوسف وايضاً هذا الحلم الذي لنبوخذ نصر هو من الله. ولذلك فهي أحلام موجهة أو منبئة بشئ يحدث في المستقبل. وهناك أحلام من الشياطين بها يخدعون الإنسان ويضللونه ليسير في طريق خاطئ، أو ليزعجونه.وهناك أحلام من ترسيبات العقل الباطن وهو ما جمعه الفكر والحواس وترسب وتم تخزينه في العقل الباطن، ويظهر ليلاً بدون ضابط.

 

الآيات (2-13): "فأمر الملك بان يستدعى المجوس والسحرة والعرّافون والكلدانيون ليخبروا الملك بأحلامه فأتوا ووقفوا أمام الملك. فقال لهم الملك قد حلمت حلماً وإنزعجت روحي لمعرفة الحلم. فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية عش أيها الملك إلى الأبد.أخبر عبيدك بالحلم فنبيّن تعبيره. فأجاب الملك وقال للكلدانيين قد خرج مني القول أن لم تنبئوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إرباً إرباً وتجعل بيوتكم مزبلة. وان بيّنتم الحلم وتعبيره تنالون من قبلي هدايا وحلاوين وإكراماً عظيماً فبيّنوا لي الحلم وتعبيره. فأجابوا ثانية وقالوا ليخبر الملك عبيده بالحلم فنبين تعبيره. أجاب الملك وقال أني اعلم يقيناً أنكم تكتسبون وقتاً إذ رأيتم أن القول قد خرج مني. بأنه أن لم تنبئوني بالحلم فقضاؤكم واحد.لأنكم قد أتفقتم على كلامٍ كذب وفاسد لتتكلموا به قدامي إلى أن يتحول الوقت.فأخبروني بالحلم فأعلم أنكم تبيّنون لي تعبيره. أجاب الكلدانيون قدام الملك وقالوا ليس على الأرض إنسان يستطيع أن يبيّن أمر الملك.لذلك ليس ملك عظيم ذو سلطان سأل أمراً مثل هذا من مجوسي أو ساحر أو كلداني. والأمر الذي يطلبه الملك عسر وليس آخر يبيّنه قدام الملك غير الآلهة الذين ليست سكناهم مع البشر. لأجل ذلك غضب الملك واغتاظ جداً وأمر بإبادة كل حكماء بابل. فخرج الأمر وكان الحكماء يقتلون فطلبوا دانيال وأصحابه ليقتلوهم."

ذهب المجوس والسحرة والعرافون والكلدانيون (أي فئة الكهنة) وهؤلاء يدعون معرفة المستقبل. وكانت الأحلام في بابل الوثنية تفسر كالنبوات ولها قواعد للتفسير. أما كل هؤلاء فكانوا خداماً للشيطان في شخص هذه الآلهة الوثنية (بيل ومرودخ) وابتداء من آية (4) حين قال النبي "فكلم الكلدانيون الملك بالآرامية بدأ دانيال يكتب بالآرامية حتى نهاية الإصحاح السابع وكان المتبع أن يخبر الشخص بحلمه هؤلاء السحرة وهم يخبرونه بالتفسير ولكن الملك اتبع هنا أسلوباً جديداً وطلب منهم أن يقولوا له الحلم أولاً ثم التفسير، وذلك لأنه خاف أن يطمئنوه ويخدعونه بكلامٍ ملق، فبدأ بتهديدهم بقسوة عنيفة ثم بدأ يستلطفهم ويعطيهم وعود بأنهم لو فعلوا سيعطيهم هدايا وحلاوين = أي هدايا ومكافآت وقوله في آية (9) إلى أن يتحول الوقت يعني إما أن ينسى الملك الحلم، ومن ثم يقتنع بأي كلام يقوله السحرة أو ينسى الملك وعيده لهم ويشفق عليهم فلا يقتلهم. وكان قصد الله من كل هذا أن يكشف لملك بابل كذب وبطل هذه الآلهة وأن إله دانيال هو الإله الحقيقي.

 

الآيات (14-23): "حينئذ أجاب دانيال بحكمة وعقل لأريوخ رئيس شرط الملك الذي خرج ليقتل حكماء بابل. أجاب وقال لأريوخ قائد الملك لماذا أشتد الأمر من قبل الملك.حينئذ أخبر أريوخ دانيال بالأمر. فدخل دانيال وطلب من الملك أن يعطيه وقتاً فيبيّن للملك التعبير. حينئذ مضى دانيال إلى بيته وأعلم حننيا وميشائيل وعزريا أصحابه بالأمر.  ليطلبوا المراحم من قبل اله السموات من جهة هذا السر لكي لا يهلك دانيال وأصحابه مع سائر حكماء بابل. حينئذ لدانيال كشف السر في رؤيا الليل.فبارك دانيال إله السموات. أجاب دانيال وقال ليكن أسم الله مباركاً من الأزل والى الأبد لأن له الحكمة والجبروت. وهو يغيّر الأوقات والأزمنة يعزل ملوكاً وينصب ملوكاً.يعطي الحكماء حكمة ويعلم العارفين فهماً. هو يكشف العمائق والأسرار. يعلم ما هو في الظلمة وعنده يسكن النور. إياك يا إله آبائي أحمد وأسبح الذي أعطاني الحكمة والقوة وأعلمني الآن ما طلبناه منك لأنك أعلمتنا أمر الملك."

واضح أن دانيال لم يُطلب ليحضر مع المنجمين والسحرة أولاً. وهذا بتدبير من الله فإرتباك السحرة جعل حكمة دانيال ظاهرة جداً، بل هم شهدوا أن مطلب الملك لا يقدر عليه سوى الآلهة، وتمجد الله في كل هذا. ونلاحظ أن دانيال يتكلم بحكمة مع آريوخ فالله يعطي لأولاده حكمة. وأيضاً نلاحظ اعتماد دانيال المطلق على الله في حل كل مشاكله وأنه كان رجل صلاة. وصلاته جعلت له تأثيراً على قلب آريوخ. ولاحظ كلمات دانيال الرقيقة لماذا اشتد الأمر بالملك = أي لماذا هو في ضيقة شديدة حتى يأمر بهذا. فحتى وهو مقبل على الإعدام بأمر ظالم من الملك لم يهاجم الملك أو ينسب له ظلماً (لا يمكن اكتساب رقة الطبع والمحبة والحكمة إلا بالاتصال المستمر بالله) وطلب دانيال من الفتية الثلاث أن يشاركوه الصلاة نرى فيه صورة للصلاة الجماعية. فهناك صلاة فردية وهناك أيضاً صلاة جماعية وطلب دانيال مراحم الرب. ثم بعد أن كشف الله له السر بدأ يسبح ويشكر الله وهذه العناصر هي عناصر أساسية للصلاة (طلب الرحمة والشكر) لذلك فكنيستنا بإرشاد الروح القدس تضع في بدء صلوات الأجبية صلاة الشكر والمزمور الخمسون (ارحمني يا الله..) ودانيال لم يذهب ليتشاور مع أحد ولا ذهب ليدرس كتب تفسير الأحلام بل ذهب ليصلي؟ وهو يطلب من الله شيئاً صعباً حقيقة ولكن هل يستحيل على الرب شئ. وفي آية (19) رؤيا الليل= هذا يعني غالباً أن الله جعل دانيال يحلم نفس الحلم ثم أرسل له الله ملاكاً يفسره له "اقرعوا يفتح لكم" + "صلاة البار تقتدر كثيراً في فعلها" ودانيال قدَّم الشكر لله حتى قبل أن يذهب للملك ويرى النتيجة، فعمل الله دائماً كامل.

 

الآيات (24-30): "فمن أجل ذلك دخل دانيال إلى أريوخ الذي عيّنه الملك لإبادة حكماء بابل.مضى وقال له هكذا.لا تبد حكماء بابل.أدخلني إلى قدام الملك فأبيّن للملك التعبير. حينئذ دخل أريوخ بدانيال إلى قدام الملك مسرعاً وقال له هكذا.قد وجدت رجلاً من بني سبي يهوذا الذي يعرّف الملك بالتعبير. أجاب الملك وقال لدانيال الذي أسمه بلطشاصر هل تستطيع أنت على أن تعرّفني بالحلم الذي رأيت وبتعبيره. أجاب دانيال قدام الملك وقال.السر الذي طلبه الملك لا تقدر الحكماء ولا السحرة ولا المجوس ولا المنجمون على أن يبيّنوه للملك. لكن يوجد إله في السموات كاشف الأسرار وقد عرّف الملك نبوخذناصّر ما يكون في الأيام الأخيرة.حلمك ورؤيا رأسك على فراشك هو هذا. أنت يا أيها الملك أفكارك على فراشك صعدت إلى ما يكون من بعد هذا وكاشف الأسرار يعرّفك بما يكون. أما أنا فلم يكشف لي هذا السر لحكمة فيّ أكثر من كل الأحياء. ولكن لكي يعرّف الملك بالتعبير ولكي تعلم أفكار قلبك."

لم يطلب دانيال هلاك المنجمين والسحرة بالرغم من أنهم يستحقون ذلك حسب الشريعة وذلك [1] هم لا يعرفون شريعة الله. [2] يعطيهم فرصة أن يكتشفوا جهلهم فيخجلوا من أوثانهم [3] يكتشفوا قوة إله دانيال. وفي (26) هل تستطيع أنت= فيه استغراب أن دانيال صغير السن لكن له معرفة أكثر من كل حكماء بابل. وفي (28) يوجد إله في السموات = هنا دانيال ينسب كل شئ لله. ولنلاحظ أنه حينما نعطي المجد لله يمجدنا الله وسط الناس وحينما ننسب المجد والنجاح لأنفسنا يختفي عنا. والله الذي يكشف لدانيال السر هو "الذي يعلنها للأطفال الصغار ويخفيها عن الحكماء" ورؤيا رأسك على فراشك = فهي تعني أن نبوخذ نصر الملك العظيم الذي جعل من بابل إمبراطورية عظيمة كان قبل أن ينام يحلم ويفكر في المستقبل.. ماذا بعد كل ما عمله حتى الآن. وأجابه الله بان أعلن له المستقبل ليعطي لهذا الملك الوثني أن يتعرف على الله الإله الحقيقي ويكون هناك خير لعبيد الله الأمناء مثل دانيال والثلاثة فتية. والأيام الأخيرة = هذه تشير لمملكة المسيح بعد مجيئه وصليبه وصعوده (عب1:1).

 

الآيات (31-45): "أنت أيها الملك كنت تنظر وإذا بتمثال عظيم. هذا التمثال العظيم البهي جداً وقف قبالتك ومنظره هائل. رأس هذا التمثال من ذهب جيد.صدره وذراعاه من فضة. بطنه وفخذاه من نحاس. ساقاه من حديد. قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف. كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. فأنسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معا وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها. هذا هو الحلم. فنخبر بتعبيره قدام الملك. أنت أيها الملك ملك ملوك لأن إله السموات أعطاك مملكة واقتداراً وسلطاناً وفخراً. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البر وطيور السماء دفعها ليدك وسلطك عليها جميعها. فأنت هذا الرأس من ذهب.  وبعدك تقوم مملكة أخرى أصغر منك ومملكة ثالثة أخرى من نحاس فتتسلط على كل الأرض. وتكون مملكة رابعة صلبة كالحديد لأن الحديد يدق ويسحق كل شيء وكالحديد الذي يكسر تسحق وتكسّر كل هؤلاء. وبما رأيت القدمين والأصابع بعضها من خزف والبعض من حديد فالمملكة تكون منقسمة ويكون فيها قوة الحديد من حيث أنك رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين. وأصابع القدمين بعضها من حديد والبعض من خزف فبعض المملكة يكون قوياً والبعض قصماً. وبما رأيت الحديد مختلطاً بخزف الطين فأنهم يختلطون بنسل الناس ولكن لا يتلاصق هذا بذاك كما أن الحديد لا يختلط بالخزف. وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفني كل هذه الممالك وهي تثبت إلى الأبد. لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب. الله العظيم قد عرّف الملك ما سيأتي بعد هذا. الحلم حق وتعبيره يقين."

كان نبوخذ نصر مفتوناً بالتماثيل، ملأ قصره منها وعبد تماثيل كثيرة. فالله يخاطب هذا الملك باللغة التي يفهمها. والملك رأى التمثال هنا عظيم وبهي جداً = وهو يشير لممالك العالم. والله هنا يهتم بالممالك التي لها علاقة بشعبه وتؤثر فيه من خلال سلطانها الزمني. وهذه الممالك في نظر الناس عظيمة وبهية جداً. فالبشر يحكمون حسب المظاهر، فهذه الممالك تحكم وتتسلط وهي غنية جداً. ولكن في نظر أولاد الله، وفي نظر الله فهذه الممالك كما رآها دانيال في إصحاح (7) ما هي إلا وحوش، هي قوى أرضية جسدانية وقوى طغيان، فيها من طبع الوحوش أكثر من طبع الإنسان. ونلاحظ أن هذه القوى تمثلت بشكل تمثال واحد وليس بعدة تماثيل فكلها قوة واحدة ضد الله وكنيسته. وحين يتحرك الملوك ضد الكنيسة ويضطهدون شعب الله فالشيطان هو الذي يحركهم. والشيطان قد أسماه دانيال أو الملاك الذي يكلمه "رئيس فارس" ثم "رئيس اليونان" (دا 20:10) والمعنى الشيطان الذي يحرك ويهيج هؤلاء الملوك ضد شعب الله. والمسيح أطلق على الشيطان "رئيس هذا العالم" (يو30:14) إذاً هو الشيطان وقد سكن في أربع أمم مختلفة عبر التاريخ ولاحظ أن رقم أربعة يشير للعمومية، أي لكل العالم.

1.     رأس الذهب: هو نبوخذ نصر ملك بابل وأسماه دانيال ملك ملوك أي أعظم ملك، كما يقال عبد العبيد أي أحقر عبد. ولقب ملك الملوك استعمله ملوك بابل وملوك فارس (عز12:7 + حز7:26) وبابل رأس فهي مشهورة بالحكمة والقوة، وهي ذهب لأنها غنية. مملوءة ذهباً. وهي قديمة جداً فبابل بدأت بنمرود، أي استمرت ما يقرب من 1600سنة وفي وقت دانيال كانت كما لم تكن من قبل، وكان نبوخذ نصر في ذلك الحين أقوى ملك عرفه التاريخ حتى هذا الوقت وهو يُمَثَّلْ هنا بالذهب فسلطانه مطلق، وهذا لم يكن لأي ملك في أي مملكة بعده (راجع صفحة 31 لمزيد من التفاصيل).

2.     الصدر والذراعان الفضة: واضح التسلسل الزمني، فمادي وفارس أعقبت بابل زمنياً. فمعني مجيء الصدر والذراعان تحت الرأس، أن مملكة مادي وفارس ستعقب بابل. وفي آية (39) كلمة أصغر منك = تعني منخفض عنك، فهو يأتي تحته في التمثال. وهذا هو الأصح فإن مملكة فارس لم تكن أصغر من بابل ولكنها تليها زمنياً في التاريخ. وهي في موقعها على التمثال تليها مكانياً. فالصدر يجئ تحت الرأس. ولأن الدولة كانت تتكون من مادي وفارس فقد تم تمثيلها بذراعين.

بل أن كورش نفسه كان أبوه من فارس، وأمه من مادي وكذلك خاله داريوس الذي حكم بابل بعد سقوطها في أيديهم. ونلاحظ أن دانيال هنا لم يعط وصفاً لمملكة فارس بينما أعطى وصفاً لليونان بأنها تتسلط على كل الأرض وقال عن الرومان مملكة رابعة صلبة، وذلك غالباً لأن نبوخذ نصر سيكون شديد الحساسية لمن سيأتي بعده ويحطم مملكته. وبحكمة أيضاً استخدم دانيال كلمة أصغر منك التي تحتمل معنيان "أصغر منك" وتأتي تحتك (هذه كما نقول بالعامية أوطى منك) وبذلك لا يسئ لمشاعر الملك الحالي.

3.     البطن والفخذان النحاس: هي دولة اليونان التي أسسها الإسكندر الأكبر حين هزم ملك الفرس داريوس كودومانوس آخر أباطرة الفرس. وهذا فتح كل العالم المعروف تقريباً. وبكى حين لم يجد ما يغزوه بعد ذلك. واليونان اهتموا بنشر اللغة اليونانية في العالم كله،  مما مهد للكتاب المقدس أن ينتشر سريعاً إذ كُتِبَ العهد الجديد باليونانية وكانت قد تمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية قبل هذا فيما يُعرف بالترجمة السبعينية(وكان ذلك في القرن الثالث ق.م).

4.     الساقان الحديد: هي الدولة الرومانية التي جاء المسيح في أيامها ليؤسس مملكته. وكانت الدولة الرومانية دولة قوية كالحديد سادت لعصور طويلة بعد أن حطمت الدولة اليونانية. ولكنها لم تستطع أن تغير الثقافة اليونانية ولا اللغة اليونانية لقرون عديدة. وهي التي أنهت الدولة اليهودية وأحرقت أورشليم والهيكل، وهي التي عذبت المسيحيين لعدة قرون. وفي نهايتها بدأت تضعف وتنقسم فصارت كأصابع القدمين، وبعض هذه الأقسام كان قوياً وبعضها كان ضعيفاً كالخزف. والإمبراطورية الضخمة نظراً لأنها جمعت فيها دولاً متحضرة وقبائل برابرة، كان الظن أن يجتمعوا في دولة واحدة، ولكنهم لم يجتمعوا أبداً بل صاروا سبباً في إنهيار الإمبراطورية كلها، فلم تستطع أن تقف في وجه العرب بل هم قد حطموها.

5.     الحجر الذي قطع بغير يدين: هو المسيح الذي وُلِدَ بغير زرع بشر، وهو الذي حطَّم مملكة الشيطان الذي سكن هذه الممالك أو هذا التمثال. فالروح القدس هو الذي هَيَّاَ بطن العذراء لتلد عمانوئيل إلهنا وملكنا. هذا هو الحجر الذي رذله البناؤون وهو رأس الزاوية وهو حجر العثرة لليهود (مز22:118 + أش14:8) والمسيح وُلِدَ في أيام هذه الإمبراطورية التي سادت العالم وأمر إمبراطورها بالاكتتاب (لو1:2)

كل هذه الإمبراطوريات الضخمة التي كانت ضد الله وملكوته خربت رمزاً لخراب هذا العالم النهائي أما ملكوت المسيح فهو أبدي وكنيسته مؤسسة على صخرة ولن تقوى عليها أبواب الجحيم. وسيأتي يوم النهاية ليضع الله أعداؤه عند موطئ قدميه (1كو24:15،25) ونلاحظ أن نبوخذ نصر لم يقاطع دانيال مرة واحدة، فهو مأخوذ بهذه القوة الإلهية، فالله وحده هو الذي يستطيع أن يخبر بالمستقبل (أش23:41،26) وقول دانيال الحلم حق وتعبيره يقين = أي أنه من الله وتفسيره من الله، وهو تفسير مؤكد بسبب هذا. والله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، هو أوحي به ولذلك سيتم تنفيذه.

 

معنى الذهب والفضة والنحاس والحديد والخزف:

1.     شبهت بابل بالذهب: يسجل هيرودوتس أن معابد بابل امتلأت بكميات خرافية من الذهب، وفي كثير من هياكلها موائد من الذهب الخالص وتماثيل ذهبية (دا 1:3) وفيه نجد نموذجاً لهذه التماثيل الذهبية العملاقة (تقريباً 30متراً  3 ×أمتار) قد يكون من الذهب الخالص أو مغطى بقشرة ذهبية) وكانت بعض الآلهة الذهبية تجلس على عروش ذهبية ومذابحهم ذهبية وقد رأى هيرودوتس هذا بعينيه بعد 90سنة من نبوخذ نصر وقال أنه لم يرى في أي مكان ذهباً بهذا المقدار. وكانت القصور هكذا مغشاة بالذهب. كان نبوخذ نصر عاشقاً لبابل ولألهتها مرودخ وبيل. ولم يسجل في تاريخه كثيراً عن انتصاراته بل ما صنعه لبابل من عظمة وجعلها مدينة ذهبية. وسجل نبوخذ نصر أنه أتى لبابل حبيبته ولهياكل آلهته بأعظم الأحجار الكريمة والذهب من كل مكان. وكانت حوائط هياكله وقصوره تلمع وتبرق كالشمس فهي مغطاة بالذهب. إذن فهذه المملكة كانت تميل للاستعراض، استعراض القوة والغني للملك وآلهته ليلقي الروع في قلوب شعبه. كانت بابل مغشاة بالذهب.

2.     وشبهت مملكة مادي وفارس بالفضة: : الفضة في الكتاب المقدس تشير للنقود، فالمسيح باعه يهوذا بثلاثين من الفضة (مت15:26) وكان ذلك حسب نبوة زكريا (12:11) والفضة تشير للنقود في كل اللغات السامية. وكان الفرس في بدايتهم لا يهتمون بالمال (أش17:13) بل بالسيادة، لكن مع تقدم الوقت اهتموا بتكوين جيوش ضخمة وهذه احتاجت لكثير من النقود للصرف عليها. ومن هنا اهتمت الدولة بالضرائب وجمعها وكان المرازبة المذكورين في (دا 2:6) هم المسئولين عن جمع هذه الضرائب. ويسجل التاريخ أن نظام جمع الضرائب في فارس وصل للكمال أيام داريوس هستاسبس. وراجع سفر عزرا (7:4-22) فالملك ارتحشستا منع البناء حتى لا تحصل خسارة للملك أي أن يمتنع اليهود عن دفع الجزية. ولذلك كانت صورة فارس في دانيال (7) أنها تأكل لحماً كثيراً وهذا معناه الشره والطمع والنهب أكثر من كونه احتلالاً وإخضاعاً للأمم. ولذلك صار ملوك الفرس أغنياء جداً (دا 2:11) حتى أنهم أثاروا اليونان بغناهم. بل لسعيهم وراء النقود لم يتردد أحد ملوكهم من أن ينقب مقبرة الملكة البابلية نيتوكريس بحثاً عن كنوزها. وقطعاً فهذه المملكة كانت أقوى من بابل. ولاحظ أن التمثال يتدرج في القوة فالفضة أقوى كمعدن من الذهب.

3.     وشبهت مملكة اليونان بالنحاس: ومملكة اليونان كانت أقوى من الفرس كما أن النحاس أقوى من الفضة. وكان رجالها وجيشها أقوى، وفرسانها قد اشتهروا بالشجاعة. وثبت أن الشجاعة أفضل من الثروة. وكان الجيش اليوناني متسلحاً بالنحاس. ويلبسون دروعاً نحاسية. وكان اللباس الحربي اليوناني أقوى من مثيله الفارسي الذي كان يهتم بالمنظر والفخامة، بل أن اليونانيون كان يطلق عليهم الرجال النحاسيون. وفي (حزقيال 13:27) ينسب لليونان تجارة النحاس، وكان هذا يشمل الآنية النحاسية والأسلحة النحاسية.

4.     شبهت الدولة الرومانية بالحديد: والحديد هو أقوى المعادن الأربعة. ولقد انتقلت الدولة الرومانية من عصر النحاس والبرونز إلى عصر الحديد. وَوُجِدَ أن شعراء الرومان كانوا يطلقون على عصر النحاس (الأيام القديمة) ولقد أصبحت أسلحتهم من الحديد. ولكن في بداية أيام الرومان كانت الأسلحة المستخدمة خليط من الأسلحة الحديدية والأسلحة النحاسية ودروعهم كانت خليط من النحاس والحديد، ولاحظ وصف الحيوان الرابع في (دا 19:7) الذي يصف الرومان بأن له أسنان حديد وأظافر نحاس. وكانت هذه الإمبراطورية رهيبة في التدمير وخراب أورشليم شاهد على ذلك. وقوة هذه الدولة يدل عليها امتداد فترة حكمهم لحوالي 500سنة قبل أن تنقسم، ثم انقسمت لدولتين، شرقية وغربية، واستمرت بهذه الصورة المقسمة (رجلين حديد) حتى سنة 1453م عندما استولى الأتراك على القسطنطينية واستمر الجزء الغربي يتبع أوروبا. ولاحظ أن التمثال يتدرج من فوق إلى أسفل زمانياً، لذلك فالرجلين حديد ثم تأتي الأصابع من حديد وخزف فالقدمين يشيروا لمرحلة أولية لهذه الدولة والأصابع لمراحلها النهائية.

5.     الأصابع بعضها حديد وبعضها خزف: نبوات دانيال ونبوات كثيرين غيره لها تطبيقين في نفس الوقت، التطبيق الأول في القريب والثاني ينظر إلى بعيد لذلك يمكننا تفسير الحديد.... على أنهم الأجزاء أو الدول القوية المتحضرة داخل الدولة الرومانية والخزف تشير لقبائل البرابرة التي حاولت الإمبراطورية الرومانية ضمها وتوحيدها في جسد الإمبراطورية بلا فائدة. فالحديد لا يمكن دمجه مع الخزف، بل كان سبباً في إنهيار الإمبراطورية هذا هو التفسير القريب. ولكن هناك تفسيراً أبعد يصعب أن نعرفه الآن ولكن هناك محاولة للفهم، فقد يشير هذا لانبعاث الدولة الرومانية من جديد وبشكل جديد، متكونة من كتلتين، الأولى تتكون من دول قوية ومتحدة (هذه هي الأصابع الحديد) لكن لكل منها شخصيتها كالأصابع المتفرقة ولكن تجمعها قدم واحدة (كما يحدث مثلاً الآن في الاتحاد الأوروبي) وكتلة أخرى تتكون من دول ضعيفة (أصابع الخزف) لكنها متحدة بصورة ما، فهناك ما يجمعها ولكن لكل منها شخصيتها. ولاحظ أنه لا يذكر عدد الأصابع (فنحن لا نعرف عدد الدول في كل كتلة).

وإذا فهمنا أن عدد الأصابع بالطبيعة هو عشر فهل تكون هذه الأصابع هم العشر الملوك الذين يساندون الوحش في الأيام الأخيرة (رؤ12:17)؟. ولاحظ أن المسيح ولد في أيام عظمة الدولة الرومانية (الأرجل الحديد) ولكنه ضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما. ففي مجيء المسيح سيبيد العالم وسيكون هذا في أيام الكتلتين الحديد والخزف أي في الصورة الجديدة التي تظهر بها الدولة الرومانية. وفي مجئ المسيح الثاني سيبيد الأثيم بنفخة فمه (2تس8:2) ومعه هؤلاء الملوك الذين ساندوه.  وبمجيء المسيح الثاني ستنتهي هيئة هذا العالم وتزول السماء والأرض، وهذا هو التطبيق الكامل لهذه النبوة أي زوال كل ملك عالمي والخضوع الكامل لله الملك الوحيد الحقيقي، أي أن الله سيؤسس مملكته على أنقاض التمثال أي كل الدول التي حركها الشيطان لمقاومة الله.

ويتفق قول دانيال فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان (35:2) مع (2تس8:2) "يبيد الأثيم بنفخة فمه".

وكون الأصابع تشير لملوك فهذا يتضح من (دا 44:2) أي أنه في أيام العشرة ملوك يبيد الله صورة هذا العالم ليؤسس ملكوته الأبدي بعد أن يأتي في مجيئه الثاني. فمجيئه الأول وتجسده كان في أيام مجد الدولة الرومانية وهي على صورتها القديمة. ومجيئه الثاني سيكون في أيام الشكل الجديد للدولة الرومانية أي التي تتكون من نفس دول الدولة الرومانية القديمة ولكن بشكل جديد. فهي ستكون من كتلتين، كل كتلة متحدة بصورة ما، هذه هي الأرجل الاثنين، لكن الدول لها شخصيتها المتفردة داخل هذا الاتحاد.

 

ما بين التمثال ووجوه الكاروبيم

(راجع شرح الكاروبيم في حز 1)

ظهر التمثال في هيئة إنسان ليشير لملوك، فالله خلق الإنسان ليكون ملكاً حراً لا تستعبده شهوة أو خطية أو شيطان. وظهر التمثال على هيئة أربع ممالك، ورقم 4 يشير لكل العالم. ولما سقط الإنسان فداه المسيح ليعيده حراً وملكاً (يو36:8 + رؤ5:1،6) وهذا صار متاحاً لكل إنسان في كل العالم. ولكننا رأينا للأسف أن التمثال سكنه إبليس، أي أن الإنسان بكامل حريته يسلم نفسه للشيطان فيفقد حريته ولا يصير بعد ملكاً بل عبداً وفي هذه الحالة سيباد حينما يبيد الله الشيطان ومن يتبعه (2تس8:2 + رؤ10:20،15 + مز4:1-6)

أما الكاروبيم فهم عرش الله، أي أن الله يرتاح فيهم فهم مملوؤون من معرفة الله (مز10:18) وهم لهم أربعة وجوه، ولأن رقم 4 هو رقم العمومية، فهو يشير لأنهم يشفعون في كل العالم. فوجه الأسد يشفع في الحيوانات المتوحشة، ووجه الثور يشفع في الحيوانات الأليفة ووجه النسر يشفع في الطيور ووجه الإنسان يشفع في البشر. هم المركبة الكاروبيمية التي يركبها الله (حزقيال 1) فهل يمكن للإنسان أن يتحول إلى مركبة كاروبيمية يرتاح الله عليها ويسكن في داخله، بل يتحول الإنسان ليشفع في الخليقة مثل الكاروبيم. طبعاً هذا ممكن لو تقدس الإنسان أي يتكرس لله، ويعرف الله بنقاوة قلبه فيصير مملوءاً معرفة مثل الكاروبيم. والإنسان يتقدس

1.     بعمل المسيح الفدائي.

2.     بجهاده أن ينفذ وصايا المسيح.

وعمل المسيح الفدائي يمثله وجوه الكاروبيم. فوجه الإنسان يشير لتجسده ووجه الثور يشير لأنه قدم نفسه ذبيحة على الصليب ووجه الأسد يشير لقيامته، ووجه النسر يشير لصعوده. بهذا العمل قدس المسيح البشرية..  ولكن من الذي يتقدس ويستفيد من عمل المسيح؟ هو من يقدس طاقاته لحساب المسيح. ومرة أخرى نعود لوجوه الكاروبيم فوجه الأسد يشير لقوى الإنسان العضلية ووجه الثور يشير لقواه الشهوانية ووجه الإنسان يشير لقواه العقلية ووجه النسر يشير لقواه الروحية، وحين يقدس الإنسان كل هذه القوى يسكن الله فيه ويصير مركبة كاروبيمية ويطير ويحلق في السماويات، وتصير أبديته سماوية. ولنقارن بين أجزاء التمثال ووجوه الكاروبيم.

 

v     فالإنسان له الحرية أن يقدس قواه العقلية، كما يقول الكتاب مستأسرين كل فكر لطاعة المسيح (2كو5:10) وقد يترك فكره للفلسفات والغرور الباطل "أنظروا أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل (كو8:2) ومن يقدس قواه الفكرية يسمع "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته مستنيرة عيون أذهانكم" (أف17:1).

v     والإنسان له الحرية أن يقدس قلبه وتكون سيرته في السماويات (في20:3) ولذلك يطلب الله قائلاً يا ابني أعطنى قلبك (أم26:23) ويقول الكتاب تحب الرب إلهك من كل قلبك. (تث4:6-6) وقد يترك الإنسان قلبه وعواطفه وقدراته للعالم، وحيث يكون كنزه يكون قلبه أيضاً (مت21:6) وكل من يسلك بالروح يتقدس قلبه.

v     والله خلق للإنسان شهوة حين يقدسها الإنسان يقول مع بولس الرسول لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح  (في23:1) ويقول مع داود النبي واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله (مز4:27) ولكن قد تنحرف شهوة الإنسان فيشتهي امرأة قريبه (أر7:5-9).

v     والله قَدَِّم للإنسان قوة جبارة هي النعمة بها يستطيع أن يقدس كل قواه العضلية ويكرسها لحساب مجد الله. وتتحول أعضائه لآلات بر عوضاً عن أن تكون آلات إثم. ولو لم يجاهد الإنسان تتحول كل قواه لخدمة الخطية إذ يفقد النعمة الممنوحة له من الله (رو13:6).

v     وباختصار أما تتقدس قوى الإنسان فيملك الله عليه، ويصير مركبة كاروبيمية وينطلق للسماويات، أو ينجرف وراء شهواته ويصير جسداً مستعبداً لشهواته، يصير جسدانياً تقوده شهواته فيهلك مع التمثال.

 

الجبل العظيم وكيف فهم البابليون الحلم وتفسيره:

كان البابليون يؤمنون أن الآلهة تسكن في جبل مقدس كانوا يسمونه جبل الأراضي وبالذات للإله مرودخ. وبهذا المعنى كانت الآية (35). وكانت الكلمة التي استخدمها دانيال جبلاً كبيراً هي نفسها التي يستعملها الكهنة. بل أن الكهنة كانوا يسمونهم "كهنة شادوراب" أي كهنة جبل الرب. والآن هؤلاء الكهنة يسمعون الكلمة نفسها من دانيال الذي يؤمن بالإله الواحد. وهم قطعاً فهموا من كلامه أن السيادة ستنتقل من ملكهم إلى ملك ثانٍ ثم ملك ثالث ثم رابع ثم يحكم إله دانيال "إله السماء" على الأرض، وستكون بداية مملكته بسيطة ولكن سريعاً ما ستملأ الأرض.

 

الريح التي ذرت العصافة وكيف فهمها البابليون:

كان للبابليين إله يدعى إنليل وهو إله العاصفة الشديدة. وهو في صراعه مع الحية إله الخراب أرسل عليها عواصف مدمرة ليدمرها ولكن مرودخ هو الذي انتصر الإنتصار النهائي على إله الخراب فأعطى إنليل اسمه لمرودخ أي صار اسم مرودخ إله العاصفة. إذاً فالعاصفة هي عمل إلهي أيضاً. والحجر الصغير قطع بعمل إلهي لأنه بغير يدين أي ليس بعمل بشر. ولأن البابليين كانوا يسمون مرودخ ملك الآلهة أطلق نبوخذ نصر على إله دانيال إله الآلهة (47:2) وهكذا فالله يكلم كل واحد بلغته. وما فعله دانيال جعله يشتهر بالحكمة.

 

الآيات (46-49): "حينئذ خرّ نبوخذناصّر على وجهه وسجد لدانيال وأمر بأن يقدموا له تقدمة  وروائح سرور. فأجاب الملك دانيال وقال. حقاً أن إلهكم إله الآلهة ورب الملوك وكاشف الأسرار إذ أستطعت على كشف هذا السر. حينئذ عظّم الملك دانيال  وأعطاه عطايا كثيرة عظيمة وسلطه على كل ولاية بابل وجعله رئيس الشحن على جميع حكماء بابل.  فطلب دانيال من الملك فولّى شدرخ وميشخ وعبد نغو على أعمال ولاية بابل. أما دانيال فكان في باب الملك."

كان من المتوقع أن يغتاظ نبوخذ نصر مما سمعه بأن مملكته ستنتهي، ولكن هذا لم يحدث فدانيال كان يتكلم بسلطان إلهي لا يستطيع أحد أن يقاومه، بل نجد في آية (46) أن الملك يعامل دانيال كإله. وغالباً مع أن هذا لم يذكر، أن دانيال رفض هذا كما رفضه بولس الرسول بعد ذلك، ونسب الفضل لله. ونستنتج ذلك من آية (47) التي فيها يعترف نبوخذ نصر بعظمة إله دانيال. ولنلاحظ أن المال والملك لا يعطيان للإنسان عظمة أن لم يعطه الله.  وكما إعتلى يوسف العبد مكاناً بارزاً في مصر هكذا حدث مع دانيال المسبي في بابل. دانيال كان في باب الملك = هذه تساوي رئيس للمجلس أو رئيس وزراء فالباب يجلس عنده القضاة والأمراء والرؤساء. ولم ينس دانيال أصدقائه الذين شاركوه صلاته فأشركهم في مجده. ولنلاحظ في قصتي دانيال ويوسف كيف أن الله يسمح بالضيق "(عبودية وسبي) لبعض الوقت ليمجد أولاده. فإن كنا نتألم معه فلكي نتمجد أيضاً معه (رو17:8) وإن لم نتمجد على الأرض مثل يوسف ودانيال لكننا سنتمجد قطعاً في السماء (رو18:8).


 

الإصحاح الثالث

سنة 587ق.م

تركنا الثلاث فتية في نهاية الإصحاح السابق وهم في مراكز سامية ومع أن الله يعطي مجداً لقديسيه في السماء إلا أنه في بعض الأحيان يعطي أيضاً مكافآت أرضية لهم. وهذا لا يمنع أن يسمح أيضاً لهم ببعض الضيقات والتجارب. وهؤلاء الفتية الثلاث تركوا الكرامة وقبلوا الآلام فانقذهم الله (عب34:11). هنا الرسول في العبرانيين يشير لهذه القصة في هذا الإصحاح.

 

الآيات (1-7): " نبوخذناصّر الملك صنع تمثالاً من ذهب طوله ستون ذراعاً وعرضه ست أذرع ونصبه في بقعة دورا في ولاية بابل. ثم أرسل نبوخذناصّر الملك ليجمع المرازبة والشحن والولاة والقضاة والخزنة والفقهاء والمفتين وكل حكام الولايات ليأتوا لتدشين التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر الملك. حينئذ أجتمع المرازبة والشحن والولاة والقضاة والخزنة والفقهاء والمفتون وكل حكام الولايات لتدشين التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر الملك ووقفوا أمام التمثال الذي نصبه نبوخذناصّر. ونادى مناد بشدة قد أمرتم أيها الشعوب والأمم والألسنة. عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف أن تخروا وتسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذناصّر الملك. ومن لا يخرّ ويسجد ففي تلك الساعة يلقى في وسط أتون نار متقدة. لأجل ذلك وقتما سمع كل الشعوب صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير وكل أنواع العزف خرّ كل الشعوب والأمم والألسنة وسجدوا لتمثال الذهب الذي نصبه نبوخذناصّر الملك."

قد يكون هذا التمثال للإله مرودخ أو لنبوخذ نصر نفسه. لكن لنلاحظ كمية الذهب المستخدمة (التمثال 60ذراعاً  6 ×أذرع أي حوالي30 متراً في ارتفاعه، 3 أمتار في عرضه. وقد يشمل هذا ارتفاع القاعدة وهناك احتمال قطعاً أن لا يكون التمثال كله من الذهب الخالص، بل يكون مغطى بقشرة من الذهب) ولكن عموماً فكمية الذهب المستخدمة ضخمة فهؤلاء الوثنيون يبذلون الكثير لإرضاء ألهتهم فماذا نبذل نحن لإلهنا!! ورقم (6) يتكرر فهو رقم النقص، وضد المسيح رقم اسمه (666) فوراء عبادة التماثيل إبليس بالتأكيد. ونلاحظ أنه بعد اعتراف نبوخذ نصر لله بأنه إله الآلهة ارتد سريعاً ربما ليثبت للشعب أنه لم يرتد عن عبادة الأصنام أو إذا كان التمثال له فهذا يشير لإنتفاخه وكبريائه. وربما هو أراد أن يزيل من عقول الشعب إعجابهم بإله دانيال. وهو أمر بجمع كل كبار رجال الدولة لتدشين التمثال أي لإعلان الجميع خضوعهم له. كم تعبوا وكم أنفقوا في سبيل هذه الرحلة الغبية، ولكن عابدي الأوثان أغبياء كأوثانهم. وكان الإغراء بالموسيقى والتهديد بنيران الأتون (= فرن كبير) والمرازبة = حكام الولايات. والشحن = رؤساء الشرطة. والخزنة = وزراء المالية والتموين وقد اكتشفوا في الأثار قاعدة تمثال في مقاطعة اسمها (دوار) في خرائب بابل. وآله السنطير هي الهارب HARP (وهي آلة وترية) وسجود الناس لهذا الصنم يعادل سجود الناس للوحش في أيام نهاية العالم وغالباً كان دانيال خارج بابل وإلا لكان قد رفض السجود للصنم مع الفتية أو هم لم يشتكوا دانيال لأنهم يعرفون تقدير الملك له.

 

الآيات (8-18): "لأجل ذلك تقدم حينئذ رجال كلدانيون وأشتكوا على اليهود. أجابوا وقالوا للملك نبوخذناصّر أيها الملك عش إلى الأبد. أنت أيها الملك قد أصدرت أمراً بأن كل إنسان يسمع صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف يخرّ ويسجد لتمثال الذهب. ومن لا يخرّ ويسجد فأنه يلقى في وسط أتون نار متقدة. يوجد رجال يهود الذين وكلتهم على أعمال ولاية بابل شدرخ ومشيخ وعبد نغو. هؤلاء الرجال لم يجعلوا لك أيها الملك اعتباراً. آلهتك لا يعبدون ولتمثال الذهب الذي نصبت لا يسجدون. حينئذ أمر نبوخذناصّر بغضب وغيظ بإحضار شدرخ وميشخ وعبد نغو. فأتوا بهؤلاء الرجال قدام الملك. فأجاب نبوخذناصّر وقال لهم. تعمّداً يا شدرخ وميشخ وعبد نغو لا تعبدون آلهتي ولا تسجدون لتمثال الذهب الذي نصبت. فأن كنتم الآن مستعدين عندما تسمعون صوت القرن والناي والعود والرباب والسنطير والمزمار وكل أنواع العزف إلى أن تخرّوا وتسجدوا للتمثال الذي عملته. وأن لم تسجدوا ففي تلك الساعة تلقون في وسط أتون النار المتقدة. ومن هو الإله الذي ينقذكم من يديّ. فأجاب شدرخ وميشخ وعبد نغو وقالوا للملك. يا نبوخذناصّر  لا يلزمنا أمراً نجيبك عن هذا الأمر. هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيام الملك. وإلا فليكن معلوماً لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته."

كانت شكوى الكلدانيين من الثلاثة فتية لغيرتهم من المراكز التي نالوها. وفي كلامهم مع الملك يقولون رجال يهود = ليثيروه ويذكروه بأنه سحق يهوذا وأن هؤلاء من يهوذا الدولة الوضيعة ومع هذا فلقد أعطاهم الملك مراكز سامية وهم الآن يعارضون السجود لآلهة الملك.

ونلاحظ ثورة الملك الفظيعة ضدهم بينما أن من يعبد الله تتهذب طباعه أما عبادة الأوثان هذه فتحول الناس إلى وحوش. وعموماً فالخطية تقسي القلب. ولاحظ قول الملك لهم من هو الإله الذي ينقذكم = هذا قول كل متكبر وقال هذا أيضاً فرعون وسنحاريب، هذا بحق رد شيطاني. أما الفتية الثلاثة فكانت ردودهم رائعة مملوءة إيماناً وشاعرين بحماية الله لهم مفضلين الموت عن خيانة إلههم. ومهما كانت قوة الملك فهو له سلطان على أجسادهم فقط. ولنعرف حجم الضغوط الواقعة عليهم لنلاحظ.

1.     كان المطلوب منهم تصرف واحد فقط وهو السجود ثم يعودوا لعبادة إلههم أن أرادوا.

2.     من يأمرهم بهذا هو الملك الذي له عليهم سلطان مطلق.

3.     هذا الملك أحسن إليهم وأعطاهم مراكز سامية مما يشعرهم بالحرج لمخالفة أوامره.

4.     هم الآن في بلد قوى وكان لهم عذرهم لو انجرفوا مع التيار القوى.

5.     أباؤهم وملوكهم وكهنتهم فعلوا هذا باختيارهم في أورشليم.

6.     حرصهم على مراكزهم التي عن طريقها يقدمون خدمات لشعبهم.

كل هذا يبرر عقلياً سجودهم ولكن محبتهم لإلههم منعتهم، ليعبدوه وحده.

 

الآيات (19-27): "حنيئذ امتلأ نبوخذناصّر غيظاً وتغير منظر وجهه على شدرخ وميشخ وعبد نغو. فأجاب وأمر بأن يحموا الأتون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتاداً أن يحمى. وأمر جبابرة القوة في جيشه بأن يوثقوا شدرخ وميشخ وعبد نغو ويلقوهم في أتون النار المتقدة. ثم أوثق هؤلاء الرجال في سراويلهم وأقمصتهم وأرديتهم ولباسهم وألقوا في وسط أتون النار المتقدة. ومن حيث أن كلمة الملك شديدة والأتون قد حمّي جداً قتل لهيب النار الرجال الذين رفعوا شدرخ وميشخ وعبد نغو. وهؤلاء الثلاثة الرجال شدرخ وميشخ وعبد نغو سقطوا موثقين في وسط أتون النار المتقدة. حينئذ تحيّر نبوخذناصّر الملك وقام مسرعاً فأجاب وقال لمشيريه ألم نلقي ثلاثة رجال موثقين في وسط النار.فأجابوا وقالوا للملك صحيح أيام الملك. أجاب وقال ها أن ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة. ثم أقترب نبوخذناصّر إلى باب أتون النار المتقدة وأجاب فقال يا شدرخ وميشخ وعبد نغو يا عبيد الله العلي أخرجوا وتعالوا. فخرج شدرخ وميشخ وعبد نغو من وسط النار. فاجتمعت المرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك ورأوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوّة على أجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تأتي عليهم."

كان المفروض أن كلام الفتية الثلاثة يحرك مشاعر نبوخذ نصر القديمة، وإيمانه السابق بأن الله إله الإلهة ومع أنه يعلم حكمة هؤلاء الفتية الثلاثة إلا أن صورته تغيرت، وهذا يحدث مع كل من أسلم نفسه للشيطان فهو يزداد هياجاً أمام كلمات الله. وهو زاد العقوبة عليهم لكن الله تمجد بالأكثر وسط هذه الوحشية لتكون يد الله واضحة في خلاصهم. ولاحظ أن النيران قد أحرقت قيودهم دون أن تحرق ملابسهم وهذا من بركات أي تجربة يسمح بها الله أنها تحررنا من قيود الخطية (راجع أش2:43) وظهور المسيح وسطهم يعني أن الضيقات التي تقع على أولاده تقع عليه هو. هم استهانوا بالنار التي تقتلهم في دقائق فماذا تكون هذه أمام نيران البحيرة المتقدة بالنار وعذابها أبدي. ونلاحظ أن طريقة الله أنه لا يخرجنا من التجربة بل يأتي ويسير معنا فيها ويعزينا فتتحول نيرانها لبرودة وآلامها لسلام وفرح بمن يسير معنا.

كان للأتون فتحة من أسفل يري منها من في الخارج الفتية الثلاث وهم في النار ومنها خرج الفتية الثلاث. ونلاحظ أنه بعد أن هاج نبوخذ نصر ضد الفتية الثلاث عاد وسماهم عبيد الله العلي.

وظهور المسيح معهم هنا هو ظهور وليس تجسد. فالتجسد كان من العذراء مريم. وعجيب أمر الفتية الثلاث فبعد ما أحترقت قيودهم لم يخرجوا من الأتون إلا حينما أمرهم الملك فهم في الأتون مع المسيح أكثر فرحاً من وجودهم خارجه في وسط العالم، حيث الجنود والنفوس المملوءة كراهية.

 

الآيات (28-30): "فأجاب نبوخذناصّر وقال تبارك إله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي أرسل ملاكه وأنقذ عبيده الذين أتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك وأسلموا أجسادهم لكيلا يعبدوا أو يسجدوا لإله غير إلههم. فمني قد صدر أمر بأن كل شعب وأمة ولسان يتكلمون بالسوء على إله شدرخ وميشخ وعبد نغو فإنهم يصيرون إرباً إرباً وتجعل بيوتهم مزبلة إذ ليس إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا. حينئذ قدم الملك شدرخ وميشخ وعبد نغو في ولاية بابل."

بعد هذه القصة عرف الملك لماذا سقطت أورشليم في يده. فهذا كان ليس راجعاً لقوته بل لأن الله أسلمها ليده بسبب خطاياها. ولو كان يهود أورشليم أمناء مثل الثلاثة فتية لأنقذهم الله أيضاً. ولكن مع كل هذا لم يؤمن الملك بالله بل سَّماه إله شدرخ وميشخ (29) ولاحظ أنه أجاب على سؤاله في (15)

صلاة الثلاثة فتية في الأتون : وردت في الأسفار القانونية الثانية وهي صلاة رائعة تأتي بعد الآية (23) والكنيسة الأرثوذكسية تسبح بهذه التسبحة يومياً فيما يسمى بالهوس الثالث من تسبحة نصف الليل التي تسبق القداس. وتقرأها الكنيسة أيضاً في ليلة أبوغلمسيس وبالتحديد الجزء الأول من (24-45) والجزء الثاني من (51-90) فهي تسبحة الهوس الثالث وسيأتي تفصيلها فيما بعد.


 

الإصحاح الرابع

سنة 571 ق.م

في الإصحاح السابق رأينا مقاومة العالم لملكوت الله وهنا نرى الله هو ملك الملوك ورب الأرباب وضابط الكل والكل خاضع له. نجد هنا قصة نبوخذ نصر عن نفسه ضمنها دانيال في كتابه. وهنا نرى كيف تعامل الله مع الملك بطرق متعددة حتى يؤمن، فأراه حلم التمثال وأظهر له حكمة دانيال وجهل أوثانه، ثم أظهر له قوته في حادثة الثلاثة فتية. ولكن مازال قلبه مرتفعاً ومازال مؤلهاً نفسه وهنا الله يحاول تحذيره من عواقب هذه السقطة الشيطانية أي الكبرياء وهي التي سقط فيها الشيطان. ومازال يُسْقِطْ بها كل البشر. والله استخدم حلماً آخر ليدعوه للتواضع ولما لم يستجب ضربه وأدبه فآمن وتواضع.

 

الآيات (1-3): "من نبوخذناصّر الملك إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها ليكثر سلامكم. الآيات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي أن أخبر بها. آياته ما أعظمها وعجائبه ما أقواها.ملكوته ملكوت ابدي وسلطانه إلهه دور فدور."

لم يستفد الملك من الحلم واستمر في ارتفاع قلبه وهنا لجأ الله للأسلوب الأعنف، فتحقق وعيد الله ونفذ الإنذار الذي كان قد سبق وأنذر به الملك وقد جُنَّ الملك فعلاً وبعد أن شفى كتب هذه الكلمات التي تعبر عن توبته وشفائه الروحي. وهذا هو أسلوب الله دائماً فهو الذي أرسل أرمياء منذراً بخراب أورشليم إن لم تتب ثم نفذ تهديده. وبعد أن عاد الشعب من السبي كان قد شفى تماماً من العبادة الوثنية التي بسببها ذهب إلى السبي. وهنا شعر الملك بسلطان الله وسيادته على كل الناس. هو استفاد من الدرس وأراد أن يفيد شعبه به فكتب الحادثة وسجلها واعترف بخطيته علناً. ويعترف هنا بملكوت الله الأبدي بينما عرف أن مملكته ستزول إلى دور فدور أي من جيل إلى جيل ولغة هذه التسبحة تميل للفكر الكتابي وهذا يظهر تأثير دانيال على الملك الوثني.

 

الآيات (4-18): "أن نبوخذناصّر قد كنت مطمئناً في بيتي وناضراً في قصري. رأيت حلماً فروّعني والأفكار على فراشي ورؤى رأسي أفزعتني. فصدر مني أمر بإحضار جميع حكماء بابل قدامي ليعرفوني بتعبير الحلم. حينئذ حضر المجوس والسحرة والكلدانيون والمنجمون وقصصت الحلم عليهم فلم يعرفوني بتعبيره. أخيراً دخل قدامي دانيال الذي اسمه بلطشاصر كأسم إلهي والذي فيه روح الآلهة القدوسين فقصصت الحلم قدامه. يا بلطشاصر كبير المجوس من حيث أنى أعلم أن فيك روح الآلهة القدوسين ولا يعسر عليك سرّ فأخبرني برؤى حلمي الذي رأيته وبتعبيره. فرؤى رأسي على فراشي هي أني كنت أرى فإذا بشجرة في وسط الأرض وطولها عظيم. فكبرت الشجرة وقويت فبلغ علوها إلهه السماء ومنظرها إلى أقصى كل الأرض. أوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها استظل حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء وطعم منها كل البشر. كنت أرى في رؤى رأسي على فراشي وإذا بساهر وقدوس نزل من السماء. فصرخ بشدة وقال هكذا.اقطعوا الشجرة وأقضبوا أغصانها وانثروا أوراقها وابذروا ثمرها ليهرب الحيوان من تحتها والطيور من أغصانها. ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع الحيوان في عشب الحقل. ليتغيّر قلبه عن الإنسانية وليعط قلب حيوان ولتمضي عليه سبعة أزمنة.  هذا الأمر بقضاء الساهرين والحكم بكلمة القدوسين لكي تعلم الأحياء أن العلي متسلط في مملكة الناس فيعطيها من يشاء وينصب عليها أدنى الناس. هذا الحلم رأيته أنا نبوخذناصّر الملك.إلى أنا يا بلطشاصر فبيّن تعبيره لان كل حكماء مملكتي لا يستطيعون أن يعرفوني بالتعبير.إلى أنا فتستطيع لأن فيك روح الآلهة القدوسين."

 في (4) كان الملك ناضراً = أي مزدهراً فالله أعطاه الإنذار وهو بعد في كامل عقله وسلطانه بعد أن إنتهي من كل حروبه وبالذات مع مصر وكان في السنة 34 أو 35 لحكمه. وهذا الحكم الإلهي تحقق بعد سنة من تاريخ الإنذار بالحلم، فالله يطيل أناته. وتم تنفيذ الإنذار وجُنَّ الملك لمدة 3سنوات ثم شفى لمدة سنتين كتب فيهما هذه القصة ثم مات في السنة 45له. وفي (5) روعنى = هذا الذي لم يخشى إنساناً ولا حرباً روعَّه حلم لأنه من قبل الله. وفي (7) السحرة = وظيفتهم عمل الرقيات والتعاويذ وكتابات السحر وذلك عن طريق علاقاتهم بالأرواح الشريرة والمنجمون أو العرافون = هؤلاء يدعون المعرفة عن طريق الأرواح الشريرة أيضاً ويدعون معرفة الغيب (كمن يقرأ الفنجان الآن) والمجوس = هؤلاء يدعون معرفة المستقبل بقراءة النجوم ورصد حركاتها. وهم يعبدون النجوم ويؤمنون بأنها تسيطر على الإنسان. والكلدانيون هم كهنة الأوثان. وكل هؤلاء فشلوا في تفسير الحلم مع أنهم في أعين الناس حكماء (6)  ونجد شبهاً لهذا الحلم في حزقيال (3:31) وكانت الشجرة هناك هي ملك أشور ولكن حكماء بابل لم يعرفوا هذا.

أخيراً دخل قدامي دانيال = هذه عادة كثيرين حتى الآن أن يجعلوا اللجوء لله آخر محاولاتهم بعد يأسهم من البشر. وحتى هذه اللحظة كان الملك يسمى بيل إلهه ولكن هذا تغيرَّ بعد الدرس (1:4-3)

 

الحلم:

كان البابليون يعبدون شجرة ووجد في معابدهم رسومات لشجرة يقدسونها ويرتلون لها في عبادتهم. وغالباً فهي شجرة معرفة الخير والشر، أو شئ يرمز لها. وقد وصلت القصة لهم عبر الأجيال فعبدوا الشجرة وتركوا الله. ولاحظ أن الملك كان متأثراً بالتسابيح التي تقدم في المعابد. كان يسمعها دائماً كلما ذهب ليصلي.

 

نبوخذ نصر البناء الملكي مشبه بشجرة:

أحد أعمال هذا الملك العظيم، الحدائق  المعلقة (أحد عجائب الدنيا السبع) وكانت على شكل جبل من أجل أن يرضي زوجته التي من مادي ويعوضها عن مناظر الجبال في بلادها وكانت هذه الحدائق تروي بواسطة آلات هيدروليكية لرفع المياه (اكتشاف أثري) وقام هذا الملك ببناء العديد من القصور والقلاع والهياكل وشق القنوات. والتعمير الذي قام به يجعله من عظماء أن لم يكن أعظم بناء في العالم. ويبدو أن منظر بابل من فوق قصره كان رائعاً، وقد دفعه هذا للغرور ثم للجنون. وقد وجد في النقوشات الأثرية تقريباً نفس كلمات هذا الإصحاح. وكانت بابل التي بناها نبوخذ نصر عظيمة تحوى داخل أسوارها المنيعة العجيبة شعب بابل تحت حماية الملك كأنه شجرة يستظلون بها (10:4). وكان لهذا الملك علاقة خاصة بالأشجار، فأينما ذهب لحروبه كان يجمع الأشجار لبناء هياكل آلهته وبعد أن استقرت المملكة وانتهت الحروب استغل الملك السبايا في بناء بابل العظيمة. وجمع في مخازنها كميات هائلة من الحبوب. وُوجِد في النقوشات الأثرية "أنني جمعت كل الرجال في سلام وزمن حكمي هو زمن رخاء أنا صنعته " فوصف الشجرة يتفق مع أفكار نبوخذ نصر عن نفسه بأنه هو الذي وفر الرخاء لشعبه ولغيره من البشر الذين جمعهم تحته أو تحت ظله. وهو كما كان مولع بجمع الذهب لآلهته كان مولعاً بأشجار الأرز العالية يأتي بها من لبنان لمعابد آلهته حتى أنه سمَّى لبنان جبل الأرز "غابة مرودخ الفخمة " وكان يتغنى بجمال وروعة الأرز. ووجد في النقوشات الأثرية قوله " أنا قطعت الأرز بيدي الطاهرتين أو النقيتين" وهذا تعبير ديني المقصود به أن الملك قطع بنفسه شجرة الأرز بعد أن تطهر ليبني به هيكل مرودخ. ولا توجد شجرة تعطى ظلاً وحماية كشجرة الأرز لذلك فهي تؤخذ كتشبيه للحكومة القوية التي تحمي مواطنيها. ولاحظ التشبيه فشجرة الأرز تمتد فروعها أفقياً وهذه الممالك امتدت بطول الأرض (أشور وبابل..) ووجد في النقوشات قول نبوخذ نصر عن بابل حبيبته "تحت ظلها الأبدي جمعت كل البشر في سلام وقد جمعت وخزنت فيها كميات هائلة من الحبوب" وواضح أن ما قيل في هذا الإصحاح هو نفس ما وُجِد منقوشاً في الأثار وقد تكون الشجرة التي حلم بها الملك أرزة كبيرة لكنها ذات ثمار وورق كبير لهذه الأسباب أنزعج الملك من الحلم فالشجرة مقدسة بالنسبة له وهو شعر بأن هناك خطر قادم عليه.

وفي (10) شجرة وسط الأرض = كانت بابل قد أصبحت مركزاً لهذه الإمبراطورية الكبيرة وطولها عظيم = تشير لمركز الملك العالي. ومنظرها إلى أقصى الأرض. (11) إشارة لأن قوة نبوخذ نصر كانت حديث كل الأمم، الكل عينهم عليها إما عن إعجاب أو عن حسد وفي (12) أوراقها جميلة = تشير لبهاء وعظمة بلاطه وحكومته وجيشه. وثمرها كثير = الخير فيها كثير، وهي ليست منظراً فقط بل تحمي من حولها وتعولهم. (هكذا خلق الله الإنسان جميلاً ناضراً مثمراً لكن سقوطه في الكبرياء أذله وغيّر صورته الجميلة) وأنظر فالله أعطى لهذه الدولة الخير والسلام ففيها الحيوان والطير في سلام والإنسان يشبع من كثرة الخيرات. ولكن خطية الكبرياء تخرب كل شئ. وفي آية (13) ساهر قدوس فالملائكة لا تنعس ولا تنام بل هي ساهرة على تنفيذ أوامر الله (الله يكلم الملك البابلي باللغة التي يفهمها فهم كانوا يعتقدون في بابل أن هناك كائنات سماوية تدين أعمال البشر وتقرر مصيرهم) والملك كان يذكر كلمة كلمة من هذا الحلم المفزع والذي فيه رأي الحيوان والطير تهرب من تحت هذه الشجرة. ولنلاحظ فإن الإزدهار العالمي هو شئ مؤقت وليس ثابتاً. أتركوا ساق أصلها= هذا يعني أن هناك أمل في عودته، إذاً هي ضربة تأديب لكسر كبريائه كما قال بولس الرسول " أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع" (1كو5:5)

وسيربط بقيود حديد ونحاس = حتي لا يهلك نفسه أو غيره في أثناء جنونه. وقد وجد فى الأثار من هذا العصر سبائك نحاسية تحيط بالحديد. والملاك فسر للملك معني الحلم (16، 17) فمن وضع في قلبه أن يرتفع مثل الله (حز 28 : 2) يخفضه الله وينزع عنه قلب الإنسان ويُعطَي قلب حيوان. بقضاء الساهرين = كما قلنا فهذا ما يؤمن به نبوخذ نصر، أن هناك كائنات سماوية تقرر مصير البشر. لكن عموماً فالله هو الذى يقضى والملائكة يقروا ويؤيدوا ويستحسنوا قضاء الله. الله لا يحتاج لموافقة أحد. ولكن القديسين من الملائكة ومن البشر يجدوا راحتهم في قرارات الله، بل نحن نصلي "لتكن مشيئتك " وكلما ازدادت قداسة إنسان نجده لا يختلف مع الله في شىء = والحكم لكلمة القدوسين = القدوسين أى شعب الله الذين أضيروا من كبرياء وتعنت الملك، هم بالتأكيد سيوافقون الله علي حكمه. وفى (17) ينصب عليها أدني الناس = فالله أقام داود على مملكته وهو راع للغنم والصغير فى إخوته وواضح من (16) أن الشجرة تشير لشخص إذ يقول = ليتغير قلبه عن الإنسانية.

 

الآيات (19-27) : "حينئذ تحيّر دانيال الذي اسمه بلطشاصر ساعة واحدة وأفزعته أفكاره.أجاب الملك وقال يا بلطشاصر لا يفزعك الحلم ولا تعبيره. فأجاب بلطشاصر وقال يا سيدي الحلم لمبغضيك وتعبيره لأعاديك. الشجرة التي رأيتها التي كبرت وقويت وبلغ علوها إلهه السماء ومنظرها إلهه كل الأرض.وأوراقها جميلة وثمرها كثير وفيها طعام للجميع وتحتها سكن حيوان البر وفي أغصانها سكنت طيور السماء. إنما هي أنت يا أيها الملك الذي كبرت وتقويت وعظمتك قد زادت وبلغت إلى السماء وسلطانك إلهه أقصى الأرض. وحيث رأى الملك ساهراً وقدوساً نزل من السماء وقال اقطعوا الشجرة وأهلكوها ولكن اتركوا ساق أصلها في الأرض وبقيد من حديد ونحاس في عشب الحقل وليبتلّ بندى السماء وليكن نصيبه مع حيوان البر حتى تمضي عليه سبعة أزمنة. فهذا هو التعبير أيها الملك وهذا هو قضاء العلي الذي يأتي على سيدي الملك. يطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء. وحيث أمروا بترك ساق أصول الشجرة فان مملكتك تثبت لك عندما تعلم أن السماء سلطان. لذلك أيها الملك فلتكن مشورتي مقبولة لديك وفارق خطاياك بالبر وآثامك بالرحمة للمساكين لعله يطال اطمئنانك."

تحير دانيال = من القرار الصعب الصادر ضد الملك العظيم. وكيف يخبره وهو الذي أحبه وأحسن إليه بهذه الأخبار السيئة، وشجعه الملك وأجاب دانيال بكلام لطيف = الحلم لمبغضيك = فهو يتمنى له الخير، لكن أمنياته شئ وقرار الله شئ أخر. وقول الملك لا يفزعك الحلم = تعني إما أنه يريد أن يعرف بأمانة أو غير مهتم بما سيقال. ولأنه لم ينفذ رأي دانيال ولم يستمع لمشورته (27) فالأرجح هو الرأي الثاني. ودانيال أعطي نصيحة للملك بالتوبة، فالتوبة وحدها تنقذنا من الشرور. سبعة أزمنة = 7 سنين. ساعة واحدة (19) = أى مدة قصيرة من الزمن. ولنلاحظ ان دانيال لم يكره الملك بالرغم من شره واضطهاده لشعبه، فأولاد الله لا يكرهون الخطاة بل يكرهون الخطية. ونصيحة دانيال للملك تشمل التوبة السلبية = فارق خطاياك وفيها التوبة الإيجابية = بالبر والرحمة للمساكين. ولو كان نبوخذ نصر قد فعل لأرتد حمو غضب الله عنه كما حدث مع نينوى.

 

الآيات (28-33): "كل هذا جاء على نبوخذناصّر الملك. عند نهاية اثني عشر شهراً كان يتمشى على قصر مملكة بابل. وأجاب الملك فقال أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت الملك بقوة اقتداري ولجلال مجدي. والكلمة بعد بفم الملك وقع صوت من السماء قائلا لك يقولون يا نبوخذناصّر الملك أن الملك قد زال عنك. ويطردونك من بين الناس وتكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس وانه يعطيها من يشاء. في تلك الساعة تم الأمر على نبوخذناصّر فطرد من بين الناس وأكل العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى طال شعره مثل النسور وأظفاره مثل الطيور."

الله أعطاه الإنذار ودانيال أعطاه النصيحة. ثم أمهله الله سنة لعله يتوب ولكنه مثل كثيرين يميلون أن ينسبوا العظمة لهم وليس لله. وصدر الحكم من السماء فحين تصوَّر أنه ليست قوة قادرة أن تأخذ منه شئ حُرَم حتى من كرامته كإنسان، وفقد عقله وأصيب بمرض يسمى ليكانثروبى وهو يجعل الإنسان يتصور نفسه حيواناً ويقال مرض الإستذئاب (يتصور المريض نفسه ذئباً) ويفضل المريض أن يسكن مع الحيوانات. حقا فالله يقاوم المستكبرين أما المتواضعين فيعطيهم نعمة. وغالباً فلقد ملك إبن نبوخذ نصر وهو أويل مردوخ مكانه فى فترة جنونه هذه.

 

الآيات (34-37): "وعند انتهاء الأيام أن نبوخذناصّر رفعت عينيّ إلى السماء فرجع إليّ عقلي وباركت العلي وسبحت وحمدت الحي إلى الأبد الذي سلطانه سلطان أبدي وملكوته إلى دور فدور. وحسبت جميع سكان الأرض كلا شيء وهو يفعل كما يشاء في جند السماء وسكان الأرض ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل. في ذلك الوقت رجع إليّ عقلي وعاد إليّ جلال مملكتي ومجدي وبهائي وطلبني مشيريّ وعظمائي وتثبّت على مملكتي وازدادت لي عظمة كثيرة. فالآن أن نبوخذناصّر أسبح وأعظم وأحمد ملك السماء الذي كل أعماله حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على أن يذلّه."

هو شفى لأنه نظر للسماء = رفعت عيني إلى السماء. فالنظر للسماء وليس إلى الأرض هو الذي يشفى، أو تحول النظرة من الإعجاب بالذات إلى الله وهذه هى التوبة والشفاء من الجنون. وهو نظر للسماء كتائب متواضع وبتقوى طالباً الرحمة.

وهو شفى حينما عرف أن الله هو وحده الذي يحكم فنظر إليه فشفاه تحقيقاً للآية (26) وحينما عاد له عقله سبح الله به، فلنسبح الله علي كل ما أعطانا. ما أعظم مراحمك يا رب فعقوبة هذا الإنسان كانت سبباً فى خلاصه، وهذا الوثنى انهي حياته مؤمناً بالله.


 

الإصحاح الخامس

سنه 536 ق. م.

فى الإصحاح السابق رأينا الله ينذر ويؤدب نبوخذ نصر ليرتدعن كبريائه، وأنه خضع لله فشفى وخلص. وهنا نرى أن من يستخف بإنذارات الله يهلك. نجد هنا قصة الليلة الأخيرة لمملكة بابل. وقبل هذه الليلة بعامين هزم كورش جيش بابل فإحتمي البابليون بأسوارهم حتى هذه الليلة التي سكروا فيها في حفلة ضخمة أكمل بها الملك خطاياه.

 

الآيات (1-9): "بيلشاصّر الملك صنع وليمة عظيمة لعظمائه الألف وشرب خمراً قدام الألف. وإذ كان بيلشاصر يذوق الخمر أمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي أخرجها نبوخذناصّر أبوه من الهيكل الذي في أورشليم ليشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. حينئذ أحضروا آنية الذهب التي أخرجت من هيكل بيت الله الذي في أورشليم وشرب بها الملك وعظماؤه وزوجاته وسراريه. كانوا يشربون الخمر ويسبحون آلهة الذهب والفضة والنحاس والحديد والخشب والحجر. في تلك الساعة ظهرت أصابع يد إنسان وكتبت بإزاء النبراس على مكلس حائط قصر الملك والملك ينظر طرف اليد الكاتبة. حينئذ تغيّرت هيئة الملك وأفزعته أفكاره وانحلّت خرز حقويه واصطكت ركبتاه. فصرخ الملك بشدة لإدخال السحرة والكلدانيين والمنجمين.فأجاب الملك وقال لحكماء بابل أي رجل يقرأ هذه الكتابة ويبيّن لي تفسيرها فإنه يلبّس الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقه ويتسلط ثالثاً في المملكة. ثم دخل كل حكماء الملك فلم يستطيعوا أن يقرأوا الكتابة ولا أن يعرّفوا الملك بتفسيرها. ففزع الملك بيلشاصر جداً وتغيّرت فيه هيئته واضطرب عظماؤه."

كما ذكر في المقدمة فقد ترك نبونيدس الحرب وإدارة شئون المملكة لأبنه بيلشاصر الذى كان ينتسب عن طريق أمه لنبوخذ نصر (كان نبوخذ نصر جده) وقد وجد فى النقوش الأثرية كتابة لبيلشاصر  "أما مرودخ ونرجل وأبى (أى نبونيدس) فماذا صنعوا. لقد كانوا ملوكاً بالاسم فقط ولم يكن بينهم من هو جدير بأن يكون سليل نبوخذ نصر". ولكن بيلشاصر لم يشابه جده سوى فى جنون العظمة. ويضاف لسقطاته جنونه بالولائم والسكر. وهذه الحفلة المذكورة هنا حضرها 1000، وهذا يدل على حجم هذه الحفلة وكانوا غالباً من القادة رجال الحرب. وظهور الملك أمامهم ليشرب خمراً فيه كرامة لهم فالملوك لا يظهرون إلا نادراً. وفي (1) شرب خمراً قدام = أتضح أن الملك في هذه الولائم كان يجلس مرتفعاً عن مدعويه. وهذا القول يشير لدقة الكتاب.

وهو هزاً بأنية الله المقدسة ولكن بسبب هذا أرعبه الله. فالله أعطاه إنذاراً أولاً بهزيمته أمام كورش ثم بالحصار لعله يتوب (كما تاب أبوه نبوخذ نصر) ولكنه أزداد في خطاياه وكبريائه. وليعلم أن كل من يهزأ بمقدسات الله أن الله لا يشمخ عليه. وفي (5) في تلك الساعة = إذاً سقوط بابل كان بسبب هذا الاستهزاء بأنية بيت الرب. وآنية الله المقدسة هي أجسادنا التي هي هياكل لله "ومن يفسد هيكل الله يفسده الله" (1كو17:3+ 2تي20:2،21) (بيلشاصر هذا يرمز للشيطان الذي تملك على البشر)، آنية بيت الله لزمن ما. وكورش يرمز للمسيح الذي حررنا ليبنى هيكله أي كنيسته (عزرا 1) ولزيادة السخرية فهم شربوا في آنية الله المقدسة وسبحوا آلهة الذهب والفضة. وهذا الفرح الخاطئ زاد في قساوة قلوبهم. ويد الله التي كتبت الوصايا العشر تكتب الآن قراراً ضدهم بسبب خطاياهم. ولم يرعبهم الله ببروق أو رعود بل بكلمات مكتوبة. وكتاب الله المقدس هو ما كتبته يد الله فلنرتعب منه. ومن شاركوا الملك حفلته الماجنة شاركوه رعبه. والله وضع حجاباً على عيون حكمائه حتى لا يفهم الكتابة سوى دانيال الذى كان غالباً مبعداً عن مجلس الملك من بعد موت نبوخذ نصر. وقد سمع كورش بأخبار هذه الحفلة وأستغل حالتهم وسكرهم وهاجم بابل وخربها كما تنبأ إشعياء (21 : 1-5) أنهم يهلكون بيد مادى وفارس ليلة لذتهم وأكلهم وشربهم.

 

الآيات (10-29): "إلى الملكة فلسبب كلام الملك وعظمائه دخلت بيت الوليمة فأجابت الملكة وقالت أيها الملك عش إلى الأبد.لا تفزعك أفكارك ولا تتغيّر هيئتك. يوجد في مملكتك رجل فيه روح الآلهة القدوسين وفي أيام أبيك وجدت فيه نيّرة وفطنة وحكمة كحكمة الآلهة والملك نبوخذناصّر أبوك جعله كبير المجوس والسحرة والكلدانيين والمنجمين. أبوك الملك. من حيث أن روحاً فاضلة ومعرفة وفطنة وتعبير الأحلام وتبيين ألغاز وحلّ عقد وجدت في دانيال هذا الذي سماه الملك بلطشاصر.فليدع الآن دانيال فيبيّن التفسير. حينئذ أدخل دانيال إلى قدام الملك.فأجاب الملك وقال لدانيال أأنت هو دانيال من بني سبي يهوذا الذي جلبه أبي الملك من يهوذا. قد سمعت عنك أن فيك روح الآلهة وأن فيك نيّرة وفطنة وحكمة فاضلة. والآن أدخل قدامي الحكماء والسحرة ليقرأوا هذه الكتابة ويعرّفوني بتفسيرها فلم يستطيعوا أن يبيّنوا تفسير الكلام. وأنا قد سمعت عنك أنك تستطيع أن تفسر تفسيراً وتحل عقداً. فإن استطعت الآن أن تقرأ الكتابة وتعرّفني بتفسيرها فتلبّس الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقك وتتسلط ثالثاً في المملكة. فأجاب دانيال وقال قدام الملك. لتكن عطاياك لنفسك وهب هباتك لغيري.لكني اقرأ الكتابة للملك وأعرّفه بالتفسير. أنت أيها الملك فالله العلي أعطى أباك نبوخذناصّر ملكوتاً وعظمة وجلالاً وبهاء. وللعظمة التي أعطاه إياها كانت ترتعد وتفزع قدامه جميع الشعوب والأمم والألسنة. فايّا شاء قتل وايّا شاء استحيا وايّا شاء رفع وايّا شاء وضع. فلما ارتفع قلبه وقست روحه تجبّراً انحط عن كرسي ملكه ونزعوا عنه جلاله. وطرد من بين الناس وتساوى قلبه بالحيوان وكانت سكناه مع الحمير الوحشية فأطعموه العشب كالثيران وابتلّ جسمه بندى السماء حتى علم أن الله العلي سلطان في مملكة الناس وأنه يقيم عليها من يشاء. وأنت يا بيلشاصر ابنه لم تضع قلبك مع أنك عرفت كل هذا. بل تعظمت على رب السماء فأحضروا قدامك آنية بيته وأنت وعظمائك وزوجاتك وسراريك شربتم بها الخمر وسبّحت آلهة الفضة والذهب والنحاس والحديد والخشب والحجر التي لا تبصر ولا تسمع ولا تعرف.إما الله الذي بيده نسمتك وله كل طرقك فلم تمجده. حينئذ أرسل من قبله طرف اليد فكتبت هذه الكتابة. وهذه هي الكتابة التي سطّرت.منا منا تقيل وفرسين. وهذا تفسير الكلام منا أحصى الله ملكوتك وأنهاه. تقيل وزنت بالموازين فوجدت ناقصاً. فرس قسمت مملكتك وأعطيت لمادي وفارس. حينئذ أمر بيلشاصر أن يلبّسوا دانيال الأرجوان وقلادة من ذهب في عنقه وينادوا عليه أنه يكون متسلطاً ثالثاً في المملكة."

غالباً الملكة هي نيتوكريس أرملة أبيل مرودخ لتي ذكرها هيرودتس وقال عنها أنها كانت حكيمة جداً حكمة غير عادية وهي لم تحضر هذه الحفلة الصاخبة لسنها ومركزها. وهي تكلمت عن دانيال بمنتهى الاحترام في حدود ما تسمح به تقاليد بلادها. وقولها أبوك الملك. وتكرار كلمة أبوك كانت لتذكر هذا المغرور بأن الخير الذي فيه راجع لأبيه وليس لنفسه (الجد يطلق عليه أب) ونلاحظ تمسك دانيال باسمه حتى أن الملكة استخدمت الاسمين (12). وواضح أن دانيال كان مازال من ضمن رجال القصر، ولكن لكل ملك بطانته فيبدو أنه كان مبعداً، ولكن الله يظهره الآن وفى هذه الليلة بالذات ليكون له دور في المملكة القادمة. وكان دانيال الآن يناهز التسعين عمراً. ولاحظ عجرفة الملك في سؤاله لدانيال أأنت هو دانيال ولكي يُحقَّر من شأنه يقول من بنى سبى يهوذا. وكان رد دانيال على الملك جريئاً جداً وأحتقر عطاياه فهو يرى نهاية مملكته فكيف يفرح بعطاياه. والسؤال لنا هل نفرح نحن بعطايا هذا العالم الفاني، ولكنه على أي حال قام بواجبه دون أن ينتظر مكافآت. وبدأ دانيال يشرح للملك كيف تعامل الله مع أبيه. وهذا كان ضرورياً كمدخل لكلامه عن بيلشاصر. وشرح دانيال أن الله أعطى نبوخذ نصر مجداً لم يسبق أن أخذه ملك من قبل ولكنه حين نسب هذا المجد لنفسه سقط. وخطية بيلشاصر أكبر لأنه رأى ما حدث لجده ولم يتعظ وإن كان نبوخذ نصر قد أخذ آنية بيت الرب دون أن يعرف قداستها فإن بيلشاصر كان يعرف قداستها لذلك فخطيته أعظم. ونبوخذ نصر عرف الله وآمن به إلا أن بيلشاصر تحدى الله وسبح آلهة الذهب والفضة.. ولم يمجد الله الذي بيده كل طرقه (23) والله كان قد أعلن نفسه لأبيه من قبل.. بيده نسمتك = أي خلقك ويحافظ عليك ويقوتك ويعطيك الملك ويحكم عليك.

 

منا منا تقيل وفرسين

هذه هي الكلمات التي كتبت على الحائط ففزع الملك فهو عرف أن فيها مصيره فالبابليون يعتقدون أن قرارات الآلهة ضدهم تسجل في السماء على ألواح المصير أو القدر. والكلمات التي كتبت كانت بالآرامية اللغة المكتوب بها هذا الجزء من السفر. وكانت الحروف مكتوبة بدون نقط فكان يمكن قراءتها بعدة طرق وهي :

1.     أنها أسماء عملات بالآرامية أو أسماء لأوزان فالأوزان كانت تحمل محل العملات الآن. وعلى هذا تفهم هكذا. المنا هو أكبر عملة. والشيكل =  منا وهناك نصف المنا ويسمى أو فارسين Upharsin  وبهذا تقرأ الكلمات هكذا منامنا     شيكل     ونصف منا. والغريب الذي لابد وقد لاحظه دانيال أن التدرج ليس منتظماً فهو يبدأ بأكبر عملة ويليها أصغر عملة ثم عملة أكبر كأننا نقول (جنيه وقرش صاغ ونصف جنيه) مع ملاحظة أن الحرف "شا" في البابلية هو الحرف "ت" فى الآرامية فتكون شيكل = تقيل

2.     الطريقة الثانية التي تعامل بها دانيال مع هذه الكلمات أنها ثلاثة أفعال آرامية هي :

آرامية هي  مانو = حسبت    Mumbered

شكالو = وزنت

باراسو = قسمت

وفى هذا التفسير نجد حرف U قد تعامل معه دانيال على أنه حرف عطف = " و"

ورأى دانيال أن معنى اختفاء اليد التي كتبت وتكرار كلمة منا مرتين أن القرار نهائي لا رجعة فيه. وحسب الطريقة الثانية يكون المعنى حسبت حسبت ووزنت وقسمت. ونضع التفسير في جدول لنرى المعنى

الرؤية الأولى للكلمات

تفسير دانيال للكلمات على أنها عملات أو اوزان

MANA

منا (أكبر عملة)

TEKIL

شيكل (أصغر عملة) = 16/1 منا

Upharsin

أو فارسين هى عملة قيمتها = 2/1 منا

الرؤية الثانية للكلمات

تفسير دانيال للكلمات على أنها أفعال أرامية

مانو = فعل أرامى بمعني حسبت

شاكالو = فعل أرامي بمعنى وزنت

باراسو = فعل أرامى بمعنى قسمت

 

حسب الرؤية الأولى = وجد دانيال هبوط مفاجئ فى العملات فالترتيب الطبيعي أن يقال مانا ثم أو فارسين ثم تقيل أي الأكبر فالأصغر فالصغير. وهو فهم هذا بأن الملك وزن فوجد ناقصاً أو أنه قد حدث له هبوط عند تقييمه.

وحسب الرؤية الثانية = فهو قسم كلمة Upharsin  إلي U + Pharsin  و" U " هي حرف عطف بمعنى "و" ومعنى Pharsin  تقسيم المملكة على مادي وفارس فهو فهم أن فارسين أي مضاعف كلمة فارس كما نقول (مصر ومصرين) هو فهم هذا لأن معنى الكلمة يشير للتقسيم. وراجع أية (28) تجد أن دانيال نطقها فرس قسمت بمعني أنه نطقها بالمفرد، كما نقول مصر بالمفرد ومصرين بالمثنى، ففهم من هذا أنها قسمت على شقى مملكة فارس وهما مادي وفارس والمعنى أن الله لم يحكم على هذا الملك إلا بعد أن وجده ناقصاً لشروره وآثامه وكبريائه. وهذه الكلمات تعنى لكل خاطئ أنه بالموازين الإلهية يستحق الموت والجحيم. فبالموت أيام الخاطئ تحصي وتنتهي، وقضاء الله بعد الموت سيقيم أعمال كل خاطئ. وسيسلم لهذا للجحيم.

وهنا نجد أن دانيال لم يعطى أي نصائح لبيلشاصر فهو وجد أن الأمر نهائي لا رجعة فيه، مع أنه كان قد أعطى نصيحة بالتوبة لنبوخذ نصر. ولم يرفض عطايا الملك وأعتبرها تكريماً لله الذي أعطاه هذه الحكمة وليس لشخصه.

ملاحظات: كان بيلشاصر شاباً صغيراً في القصر حين مات نبوخذ نصر أي أنه عاش أحداث جنون الملك وعرف السبب لذلك فدانيال قد ذكره بها وأصبحت مسئوليته أكبر. وقد سبق حبقوق وتنبأ بولع البابليين بالخمر (2 : 5) وبأنهم بنوا مدينتهم بدماء السبايا (11:2-13).

 

الآيات (30،31): "في تلك الليلة قتل بيلشاصر ملك الكلدانيين. فأخذ المملكة داريوس المادي وهو ابن اثنتين وستين سنة."

في هذه الليلة = أي الليلة التي فرح فيها الملك بالخمر وأخذ كورش فيها بابل بمفاجأة فالموت يأتي فجأة لمن قلوبهم في سكر لاهية عن حياتهم الأبدية. وكان هلاك بابل في ليلة لذة كما قال إشعياء (21 : 4، 5) وتم تقسيم بابل وأخذها داريوس خال كورش فهم شركاء في الحرب والانتصار والسيادة. وهذا كان تحقيقاً لكلام دانيال (6 : 28) ووقت أن تولى داريوس كان عمره 62 سنه. وإذا علمنا أن السبي كانت مدته 70 سنة، وقد تم على مراحل أخرها كان قبل سقوط بابل بخمسين سنة، وفى هذه المرحلة الأخيرة تم تدمير أورشليم نهائياً وتدمير الهيكل. إذاً فعند تدمير أورشليم والهيكل وسبى الشعب الأخير إلى بابل كان عمر داريوس 12 سنه وكان الله يعده ويعد كورش في ذلك الوقت ليحرروا الشعب ويبنوا الهيكل بعد أن تنتهي فترة التأديب ويشفى الشعب من وثنيته، فالله يعطى مع التجربة المنفذ.

وكانت هذه الحادثة سبباً في حصول دانيال على مركزاً سامياً في مملكة فارس، فقطعاً سمع كورش وسمع داريوس الذي ملكه كورش على بابل بنبوة دانيال في هذه الليلة وسمعوا بحكمته. وسمو مركز دانيال في مملكة فارس سنسمع عنه في الإصحاح التالي.

أسوار بابل كانت منيعة جداً لذلك ظن بيلشاصر أنه لا يمكن غزوها. وهكذا كان الشيطان يظن أنه في أمان، وكان الفداء بالصليب الذي كان فيه نهاية الشيطان، بعيداً تماماً عن فكر إبليس، كما كان تحويل نهر الفرات بعيداً تماماً عن فكر بيلشاصر. وفى هذا يرمز بيلشاصر إلى الشيطان ويرمز كورش للمسيح.


 

الإصحاح السادس

في الإصحاح السابق رأينا دانيال وقد تم تعظيمه وبيلشاصر رمز إبليس وقد هلك وهذا يشير لعمل المسيح الذي حرر الإنسان وجعلنا أولاداً لله أبيه. ولكننا مازلنا في العالم وسط أسود هائجة لكن الله قادر أن يحفظنا منهم. ونلاحظ أن دانيال لم يعط وصفاً لحكم مملكة بابل أو فارس بالتفصيل، إلا أنه كتب بعض الحوادث لتعليمنا وتثبيت إيماننا وتشجيعنا على طاعة الله. والقصة هنا أشير إليها في (عب33:11)  ونرى هنا دانيال في بلاط ملك الفرس وحسد رجال البلاط ضده ومؤامراتهم ضده ونجاته من هذه المؤامرة.

 

الآيات (1-5): "حسن عند داريوس أن يولي على المملكة مئة وعشرين مرزباناً يكونون على المملكة كلها. وعلى هؤلاء ثلاثة وزراء أحدهم دانيال لتؤدي المرازبة إليهم الحساب فلا تصيب الملك خسارة. ففاق دانيال هذا على الوزراء والمرازبة لأن فيه روحاً فاضلة وفكر الملك في أن يوليه على المملكة كلها. ثم أن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علّة يجدونها على دانيال من جهة المملكة فلم يقدروا أن يجدوا علّة ولا ذنباً لأنه كان أميناً ولم يوجد فيه خطأ ولا ذنب. فقال هؤلاء الرجال لا نجد على دانيال هذا علّة إلا أن نجدها من جهة شريعة إلهه."

أنتهي الإصحاح السابق بعمل إعجازي تنبأ فيه دانيال بأن مادي وفارس سيقتسمان مملكة بابل. وغالباً فقد وصل داريوس الذي ملك علي بابل بعد انتهاء حكم ملوك بابل أخبار عظمة دانيال وحكمته فكان أن أعطى داريوس لدانيال منصباً سامياً في مملكته. وكانت مملكة فارس واسعة جداً، ولم يكن ممكناً للملك أن يديرها وحده فأقام 120 أميراً أو رئيساً على المقاطعات ليحفظوا سلامها ويجمعوا الجزية وعلي هؤلاء الـ120مرزبانا كان هناك 3 رؤساء ليحاسبوهم حتى لا تصيب الملك خسارة. وكان دانيال متفوقاً ومفضلاً فوق كل الأمراء والرؤساء وكان عمره الآن حوالي 90 عاماً، ولكن أمانته لله أعطته صحة جسدية وذهنية في هذا العمر المتقدم. وكان أميناً جداً في تصرفاته، فهل يقبل رشوة إنسان قد باع العالم. وأدت محبة الملك له وأنه فكر في أن يوليه على المملكة كلها بالإضافة لنزاهته أن كثر الحاقدون عليه، فأرسلوا له جواسيس يتصيدون عليه أي خطأ فلم يجدوا سوى أنه يعبد إلهه بأمانة. وغالباً لم تأت فرصة للملك ليوليه على المملكة كلها. ونحن لم نقرأ أن دانيال طلب مباشرة من ملوك الفرس رجوع الشعب اليهودي لأورشليم، ولكن من المؤكد أن شخصية دانيال وقداسته بالإضافة للنبوات التي أراها لكورش (إشعياء وأرمياء) للأحداث التي وقعت فعلاً، هذا كله أقنع كورش بأن إله دانيال إله عظيم (راجع عز 1 : 1-4).

 

الآيات (6-10): "حينئذ اجتمع هؤلاء الوزراء والمرازبة عند الملك وقالوا له هكذا أيها الملك داريوس عش إلى الأبد. أن جميع وزراء المملكة والشحن والمرازبة والمشيرين والولاة قد تشاوروا على أن يضعوا أمراً ملكياً ويشددوا نهياً بأن كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يوماً من إله أو إنسان إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود. فثبّت الآن النهي أيها الملك وأمض الكتابة لكي لا تتغيّر كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. لأجل ذلك أمضى الملك داريوس الكتابة والنهي. فلما علم دانيال بإمضاء الكتابة ذهب إلى بيته وكواه مفتوحة في عليته نحو أورشليم فجثا على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم وصلّى وحمد قدام إلهه كما كان يفعل قبل ذلك."

وكان كورش قد أصدر أمراً ملكياً بحرية العبادة، فلم يقدر هؤلاء الحاقدين أن يشتكوا على دانيال بأنه يعبد إلهه فلجأوا للخديعة والمكر. ودبروا خطة كالآتي " إن مملكة فارس تضم ديانات كثيرة بآلهة كثيرة وطقوس كثيرة. وهذا يسبب مشاكل متعددة، فحتى تحل هذه المشاكل ويكون هناك نوع من الوحدة ولكي تهدأ الأمور لمدة على الأقل ثلاثين يوماً فلتكن أنت أيها الملك الإله الوحيد والكل يطلب منك وحدك ولا يطلب من إلهه الخاص ".. وقد أصابوا بهذه الخطة كبرياء الملك الشخصي، فأي إنسان يعانى من نقطة الضعف هذه، أنه يسقط أمام مثل هذه التملقات (أو ما يسمى مسح الجوخ) فقبل الملك هذه الفكرة ووقع القرار. وكان هؤلاء المتآمرين على ثقة أن دانيال لن يمتنع عن الصلاة ويخون إلهه. ومع أن القرار في ظاهره يحمل معاني الكرم ومراحم الملك التي يريد أن يفيض بها على شعبه، إلا أنه ليظهر الظلم الذي في هذا القرار، فلو طلب إبن من أبيه خبزاً ليأكل لأستوجب بموجب هذا القرار أن يلقى في جب الأسود. ومن الواضح أن هذا القرار كان يمنع الصلاة لمدة 30 يوماً. ولم يقبل دانيال أن يعبد الله سراً بل حسب هذه فرصة ليظهر محبته لله أكثر من خوفه من الملك. ولاحظ أنه لم يذهب ليشاور الملك أو يتظلم من هذا القرار العجيب بل هو ذهب لله مباشرة  وصلّى. وهو تعود على فتح كواه (شرفاته) ناحية أورشليم، فلم يغلقها هذه المرة فهو لا يريد أن يخفى ما يفعله. فهو لم يفتح كواه ليتحدى الملك بل كانت هذه هي عادته. ولاحظ عناصر صلاة دانيال:

1.     بيته بيت صلاة، فهو حين يريد أن يصلى يدخل إلى مخدعه، هي علاقة خاصة.

2.     حمد الله أي شكر.

3.     جثا على ركبتيه (ولم يمتنع نظراً لسنه ولا مركزه) ولاحظ أهمية الميطانيات فى الصلاة،وطلب مراحم الله.

4.     ثلاث مرات فى اليوم = وكان يجد هذا الوقت بالرغم من مشاغله.

5.     كواه مفتوحة نحو أورشليم = بمعنى أن اشتياق قلبه متجه لأورشليم مدينه الله وليس لمركزه العالمي ومجد العالم المتوفر له فى قصر الملك.

6.     لم ينسب لله ظلماً ولم يشتكى لا من وجوده فى السبي ولا من قرار الملك الظالم بل هو يحمد الله منشغلاً بأورشليمه وإشتياقات قلبه واثقاً أن كل ما يفعله الله هو للخير. وهو لم يخجل من أورشليم وهي مدمرة.

كانت الحكمة الإنسانية تقول ماذا لو أمتنع عن الصلاة 30 يوماً ماذا يضيره ؟ فهو سيشترى حياته !! ولكن كيف يشهد لله ؟ ربما لو فعل لصار قدوة سيئة لكل اليهود الضعفاء فهو بلا شك قدوة، وكل العيون عليه لمركزه وشهرته. عموماً من عرف قيمة الصلاة لا يمكنه أن يتركها يوماً. ولماذا كان يوجه وجهه نحو أورشليم ؟ (راجع 2 أي 6 : 36-39).

 

الآيات (11-17): "فاجتمع جميع حينئذ هؤلاء الرجال فوجدوا دانيال يطلب ويتضرع قدام إلهه. فتقدموا وتكلموا قدام الملك في نهي الملك.ألم تمض أيها الملك نهياً بأن كل إنسان يطلب من إله أو إنسان حتى ثلاثين يوماً إلا منك أيها الملك يطرح في جب الأسود.فأجاب الملك وقال الأمر صحيح كشريعة مادي وفارس التي لا تنسخ. حينئذ أجابوا وقالوا قدام الملك أن دانيال الذي من بني سبي يهوذا لم يجعل لك أيها الملك اعتباراً ولا للنهي الذي أمضيته بل ثلاث مرات في اليوم يطلب طلبته. فلما سمع الملك هذا الكلام اغتاظ على نفسه جداً وجعل قلبه على دانيال لينجيه واجتهد إلى غروب الشمس لينقذه. فاجتمع أولئك الرجال إلى الملك وقالوا للملك اعلم أيها الملك أن شريعة مادي وفارس هي أن كل نهي أو أمر يضعه الملك لا يتغيّر. حينئذ أمر الملك فأحضروا دانيال وطرحوه في جب الأسود.أجاب الملك وقال لدانيال أن إلهك الذي تعبده دائما هو ينجيك. وأتي بحجر ووضع على فم الجب وختمه الملك بخاتمه وخاتم عظمائه لئلا يتغيّر القصد في دانيال."

 في (13) قولهم من بنى سبى يهوذا = يقصد به التحقير من شأنه هكذا هم يحتقرونه وغالباً هو كان يذكر الجميع في صلواته هذه. وفى (14) الملك أغتاظ على نفسه = فهو قد أكتشف أنهم خدعوه، وقد عَلِمَ الآن لماذا طلبوا منه هذا الطلب. والملك حاول إنقاذ دانيال واستثنائه من هذا القرار ولكنهم واجهوه بأن شريعة مادي وفارس لا تنسخ آية (15) وراجع في هذا أيضاً إستير (1 : 19، 8 : 8)

 

تفسير مكمل لتمثال نبوخذ نصر من واقع ما سبق

رأس التمثال الذهب تشير لملك بابل الذي كبر وتقوّى وعظمته زادت وبلغت إلى السماء (دا 4 : 22) وعن مدى سلطانه فهو أياً من شاء قتل وأياً من شاء استحيا (دا 5 : 19) وهذا السلطان المطلق قد حرم منه داريوس فلم يستطع أن يترك دانيال صديقه حياً ولذلك شبه بالفضة. وأما اليونان فكان سلطان ملوكهم أقل. أما الرومان فقد اشتهروا بالديموقراطية وفى هذا راجع سفر المكابيين الأول (14:8-16)  فالسلطان المطلق يقل بتدرج التمثال من أعلي إلى أسفل بينما القوة تزداد. لذلك شبه اليونان بالنحاس والرومان بالحديد ولاحظ الموقف الحرج الذي وقفه داريوس. لذلك تعلم الكنيسة أن نصلى لحكامنا حتى يعطيهم الله حكمة في هذه المواقف المحرجة وذلك لأجل سلام الكنيسة. وكما خُتم على قبر المسيح وخرج حياً هكذا ختم على جب دانيال والأسود وخرج دانيال حياً. وكان داريوس يشجع دانيال وبهذا يتأكد أنه سمع بقصة الفتية الثلاث. وأيضاً برر دانيال من أي خطأ. وكان كلام داريوس عن الله كله ثقة في قوة الله.

 

الآيات (18-24): "حينئذ مضى الملك إلى قصره وبات صائماً ولم يؤت قدامه بسراريه وطار عنه نومه.  ثم قام الملك باكراً عند الفجر وذهب مسرعاً إلى جب الأسود. فلما اقترب إلى الجب نادى دانيال بصوت أسيف.أجاب الملك وقال لدانيال يا دانيال عبد الله الحي هل إلهك الذي تعبده دائماً قدر على أن ينجيك من الأسود. فتكلم دانيال مع الملك يا أيها الملك عش إلى الأبد. إلهي أرسل ملاكه وسدّ أفواه الأسود فلم تضرّني لأني وجدت بريئاً قدامه وقدامك أيضاً أيها الملك لم افعل ذنباً. حينئذ فرح الملك به وأمر بأن يصعد دانيال من الجب فأصعد دانيال من الجب ولم يوجد فيه ضرر لأنه آمن بإلهه. فأمر الملك فأحضروا أولئك الرجال الذين اشتكوا على دانيال وطرحوهم في جب الأسود هم وأولادهم ونساءهم.ولم يصلوا إلى أسفل الجب حتى بطشت بهم الأسود وسحقت كل عظامهم."

لم يسامح الملك نفسه على إلقاء دانيال في الجب وهو صديقه الوفى، وصام حزيناً ولم ينم، وكيف ينام وروحه مضطربة. وباكراً ذهب للجب بنفسه ولم يكن عنده من الصبر ما يجعله يرسل خادماً ليأتيه بالنبأ. ولاحظ كلام دانيال للملك بكل احترام فهو لم يوجه له اللوم على ما فعله، بل معنى كلماته أنه سامحه على ما فعل. ويبدو أن دانيال قضى في الجب مع الملاك ليلة مفرحة = ألهى أرسل ملاكه. حقاً إن كل من أتكل على الله ينجيه الله ولا يخزيه. وتقوّى داريوس فعاقب أعداء دانيال عقوبة بشعة كعادة الملوك الوثنيين وشراهة الأسود في افتراس هؤلاء تثبت أن إمتناعها عن افتراس دانيال لم يكن لأنه لا شهية لها للأكل، بل لأن قوة إلهية قد منعتها. ولاحظ أن دانيال كان في الجب في سلام وفرح أفتقدهم الملك على سريره في قصره، فهو لم ينم تلك الليلة.

في أية (4) يقول إن الوزراء والمرازبة كانوا يطلبون علة. ولكن لا يمكن فهم هذا على أن الـ120 مرزبانا تورطوا في هذه المؤامرة، بل بعضهم فقط.

 

الآيات (25-28): "ثم كتب الملك داريوس إلى كل الشعوب والأمم والألسنة الساكنين في الأرض كلها. ليكثر سلامكم. من قبلي صدر أمر بأنه في كل سلطان مملكتي يرتعدون ويخافون قدام إله دانيال لأنك هو الإله الحي القيوم إلى الأبد وملكوته لن يزول وسلطانه إلى المنتهى. هو ينجي وينقذ ويعمل الآيات والعجائب في السموات وفي الأرض.هو الذي نجى دانيال من يد الأسود. فنجح دانيال هذا في ملك داريوس وفي ملك كورش الفارسي."

قرار داريوس هنا في توقير الله فان ما قاله نبوخذ نصر. حقاً فالله قادر أن يتمجد في أعين الجميع حتى الوثنيين. ولاحظ الصفات التي قالها داريوس عن الله = الحي القيوم إلى الأبد

فنجح دانيال هذا في ملك داريوس وفى ملك كورش الفارسي = كان داريوس المادي يحكم بابل تحت ملك كورش. فقد عين كورش داريوس ملكاً على بابل.


 

الإصحاح السابع

بعد أن أنهى النبي الأحداث التاريخية في الستة الإصحاحات الأولى يبدأ هنا بالأجزاء النبوية وفيها كثير من الغموض، بعضها تحقق والبعض متعلق بالأيام الأخيرة. ونفس النبوة قد تكون تحققت في زمن سابق ولكنها ستتم تحقيقها في المستقبل بطريقة أخرى وقد تم صياغة هذه النبوات بحيث تحتمل تطبيقها عدة مرات.

 

الآيات (1-8): "في السنة الأوقات لبيلشاصر ملك بابل رأى دانيال حلماً ورؤى رأسه على فراشه. حينئذ كتب الحلم وأخبر برأس الكلام. أجاب دانيال وقال.كنت أرى في رؤياي ليلاً وإذ بأربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وصعد من البحر أربعة حيوانات عظيمة هذا مخالف ذاك. الأول كالأسد وله جناحاً نسر.وكنت أنظر حتى أنتتف جناحاه وانتصب على الأرض وأوقف على رجلين كإنسان وأعطي قلب إنسان. وإذا بحيوان آخر ثان شبيه بالدب فارتفع على جنب واحد وفي فمه ثلاثة أضلع بين أسنانه فقالوا له هكذا.قم كل لحماً كثيراً. وبعد هذا كنت أرى وإذا بآخر مثل النمر وله على ظهره أربعة أجنحة طائر.وكان للحيوان أربعة رؤوس وأعطي سلطاناً. بعد هذا كنت أرى في رؤى الليل وإذا بحيوان رابع هائل وقوي وشديد جداً وله أسنان من حديد كبيرة.أكل وسحق وداس الباقي برجليه.وكان مخالفاً لكل الحيوانات الذين قبله وله عشرة قرون. كنت متأملاً بالقرون وإذا بقرن آخر صغير طلع بينها وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه وإذا بعيون كعيون الإنسان في هذا القرن وفم متكلم بعظائم."

هنا نجد رؤيا خاصة بأربعة ممالك اضطهدت شعب الله، وهم اليهود في العهد القديم، أما في العهد الجدي فشعب الله هو كنيسته. وهكذا قال السيد المسيح " في العالم سيكون لكم ضيق " لذلك كان تشبيه هذه الممالك بأربعة وحوش. وهذه الرؤيا هي إعادة لحلم نبوخذ نصر في الإصحاح الثاني. والفارق أن نبوخذ نصر كإنسان مادي دنيوي يعتبر ممثل للقوى العالمية، هو يهتم بالقوة والمجد العالمي، أو هو ينبهر بقوة الممالك وعظمتها، لذلك رآها في شكل تمثال هائل رأسه ذهب وقدماه حديد. وهناك رأى بأن التمثال الذي أقامه بطول 60 ذراعاً (إصحاح 3) مشابه لتمثال الحلم، وأقامه كله من ذهب مع أن الله أظهر له في الحلم بأن التمثال لن يستمر ذهباً، بل ستنتقل السلطة إلى مملكة أخرى ثم مملكة ثالثة إلى أن يباد التمثال كله، إلا أنه قد تصور أنه بإقامته لهذا التمثال سيحافظ على مملكته ذهبية إلى الأبد. وكان الله يريد أن يريه أنه لا ثبات لأي مملكة عالمية وكل مملكة عالمية، لها نهاية وأن كل حاكم هو حاكم وقتي وبسماح من الله أما ملكوت المسيح فأبدى.

أما دانيال كإنسان روحاني لا يهتم بأمجاد هذا العالم فقد رأى هذه الممالك في صورتها الحقيقية كوحوش كاسرة تتحكم فيها طبيعتها الحيوانية الدموية. وهذه الممالك طالما اضطهدت شعب الله وسفكت دماء القديسين. والشيطان هو الذي يثير هذه الممالك ضد شعب الله ويهيج ملوكها ضدهم. ولذلك رأى دانيال أربع رياح السماء هجمت على البحر الكبير. وقارن مع (أف2:2) فالشيطان يسميه الرسول رئيس سلطان الهواء الذي يعمل في أبناء المعصية. ولكننا نرى في (رؤ1:7) أن هناك أربعة ملائكة ممسكين بأربع رياح الأرض لكي لا تهب ريح على الأرض إلا بسماح منهم. والمعنى أن الرياح هي التجارب والآلام والضيقات التي يعانى منها شعب الله والتي يثيرها عدو الخير، ولكن شكراً لله فكل هذا بسماح منه وتحت سيطرته.


 

 

 

إصحاح (2)

إصحاح (7)

إصحاح (8)

 

 

الرأس ذهب

مملكة بابل

أسد له جناحا نسر

 

 

الصدر والذراعان فضة

مملكة مادي وفارس

دب مرتفع على جنب واحد

كبش له قرنان

 

بطن وفخذان نحاس

ملكة اليونان

نمر له أربعة أجنحة وأربع رؤوس

تيس من المعز

 

الساقان حديد

الدولة الرومانية

حيوان هائل وشديد له أسنان حديد وله عشرة قرون

 

 

القدمين حديد وخزف

صورة جديدة للدولة الرومانية أو عشرة ملوك

قرن صغير

قرن صغير

الحجر ضرب

التمثال عند القدمين الحديد والخزف

حجر قطع بغير يدين

جبل ملأ الأرض

مثل ابن إنسان

توضيح العلاقة بين رؤى إصحاحات 2،7،8


 

 

والبحر قد يكون هو البحر المتوسط الذي يتوسط ممتلكات هذه الممالك الأربعة، فبابل وفارس امتدت أملاكها حتى الساحل الشرقي والجنوبي للبحر المتوسط أي سوريا وفلسطين ومصر. أما اليونان والرومان فقد امتلكوا كل هذا بالإضافة لأوروبا على الساحل الشمالي. ولكن البحر في الكتاب المقدس يشير للعالم  المضطرب الهائج وماؤه المالح من يشرب منه يعطش. وإبليس رئيس العالم سلطان الهواء هجم برياحه على البحر، أي عمل بقوته من خلال هذه الممالك وأضطهد شعب الله، فهياج البحر هو الضيقات التي تواجه شعب الله لكنها تحت سيطرة الله وبسماح منه. وهى أربعة رياح فرقم "4" يشير لكل أنحاء العالم فالضيقات تواجه شعب الله أينما كانوا. وتعنى أربع رياح أن معارك هذه الممالك ستشمل كل مكان وستكون عنيفة. لكن لنعلم أنه وإن كان الشيطان يستعمل هذه الممالك لاضطهاد شعب الله فالله ضابط الكل يستخدم كل الأمور لخير شعبه. فهو القادر أن يخرج من الجافي حلاوة. فهو أستخدم بابل لتأديب شعبه فامتنعوا عن العبادة الوثنية، ثم أستخدم فارس لتحرير شعبه من بابل. واليونان بانتشارهم في كل العالم وانتشار لغتهم وكونها أصبحت لغة عالمية فهذا مهد السبيل لنشر الكتاب المقدس في العالم كله، فقد كتب العهد الجديد باليونانية وتمت ترجمة العهد القديم لليونانية. والرومان بامتلاكهم العالم كله مهدوا السبيل للرسل والتلاميذ لنشر الكرازة في العالم كله.

وفى (1) رأس الكلام = لب أو أصل الموضوع.

وفى (4) أسد له جناحان. وهذا يماثل الرأس الذهبي في تمثال نبوخذ نصر والحيوانات المجنحة هي طريقة معروفة لتصوير ملوك أشور وبابل. وقد وجد هذا فى النقوشات الأثرية، وفيها تصويرهم على شكل أسود وثيران مجنحة بأجنحة نسور، فالأسد والثور يشيران للملك والسلطة والقوة والضراوة وأجنحة النسور تشير لسرعة الفتوحات. (جريدة الأهرام نشرات هذا الخبر عن العثور على هذه النقوشات الأثرية بتاريخ 5/6/90) وملك بابل مشبه هنا بأسد فله سلطة مطلقة. ونجد بعد ذلك أنه إنتتف جناحاه = هذا يشير :

[1] أنه بعد جنونه قد شفى من وثنيته وتبدل قلبه الوحشي لقلب إنسان = أوقف على رجلين كإنسان وأعطى قلب إنسان (دا 34:4-37) [2]يشير هذا أيضاً لضعف المملكة بعد موت نبوخذ نصر. ثم وصلت بهم الحال للهزيمة أمام جيش كورش. وفى هذا التشبيه والحيوان بلا جناحان فهو غير قادر على الطيران أو الانقضاض أو الغزو والحرب. وكانت أخر حروب بابل المسجلة سنه 568 ق. م مع مصر.

وفى (5) الدب هنا يشير لمادي وفارس. ومادي هو الجانب الأسفل من المملكة أي الغير عامل. وفارس هي الجانب الأعلى من المملكة = فأرتفع على جنب واحد. ففي بدايات هذه المملكة كانت مادي هي المملكة الكبيرة وفارس هي المملكة الأصغر. ولذلك ففي بدايات هذه المملكة كانت تسمى مادي وفارس. وداريوس كان من مادي غير أنه كان خاضعاً لكورش (دا 6 : 8) ومع مرور الزمن أصبحت فارس هي القوة الكبيرة وتغير أسم المملكة إلى فارس ومادي (إس 1 : 3) ولا يزال شكل الدب يرى في الحجارة الأثرية لهذه المملكة. والدب ليس في قوة الأسد ولكنه ليس أقل وحشية (عا 5 : 19) ثلاث أضلع بين أسنانه = تشير لثلاث ممالك كبيرة ألتهمها هذا الدب الفارسي = وهى غالباً بابل ومصر وليديا. عموماً لقد امتدت فتوحات فارس فى ثلاث اتجاهات شمالاً وجنوباً وغرباً (8 : 3،4) شمالاً = ليديا وأرمينيا. جنوباً = مصر   غرباً = اليونان وتركيا.

وقم كل لحماً كثيراً = هذا يشير كما قلنا سابقاً لنظام الضرائب المحكم الذي جعل فارس أغنى دولة.

وفى (6) يشير النمر لمملكة اليونان. والنمر حيوان ضاري جداً ويشتهر بسرعة انقضاضه. وقد قام الإسكندر بغزو العالم في سنوات قليلة جداً. ويشير لسرعة فتوحاته أنه له أربعة أجنحة بالمقارنة بجناحين لبابل. والإسكندر الأكبر في خلال 6 سنوات تشيد على كل إمبراطورية فارس ومصر وسوريا والهند وأمم أخرى. وهذا النمر يشير للجزء النحاسي في التمثال، بينما مادي وفارس يشار لهما هنا بدب على جانب واحد وفى التمثال بذراعين وصدر فضة وكان للحيوان أربعة رؤوس = بعد موت الإسكندر ولم يكن له أولاد، تولى قادة جيشه الكبار حكم المملكة واقتسموها كالتالي :

1.     مقدونيا واليونان (اليونان حالياً)                             تولاها   كاساندر

2.     تراقيا وبيثينية (تركيا حالياً)                                           تولاها   ليسيماخوس

3.     سوريا حتى حدود الهند (سوريا والعراق وإيران وباكستان)         تولاها   سلوكس

4.     مصر وليبيا                                                            تولاها   بطلميوس

ويسمى ملك مصر ملك الجنوب وملك سور يا ملك الشمال.

وذكر للأجنحة قبل الرؤوس يعنى انتشار المملكة قبل اقتسامها.

وفى (7) نجد وحش جديد ليس له شبيه وهو أعقب الدولة اليونانية ومن  المعروف أن الدولة الرومانية هي التي قامت في أعقاب اليونان. وكانت إمبراطورية رهيبة شملت أوروبا وإفريقيا وأجزاء من أسيا. وكان البحر الأبيض يتوسط هذه الإمبراطورية ولذلك سمى بالمتوسط. وكانت في بدايتها قوية كالحديد، لذلك فهذا الحيوان يماثل الرجلين الحديد في تمثال نبوخذ نصر. ولكن هذه الإمبراطورية في نهايتها صارت ضعيفة وتفككت فصارت مثل الأصابع، وأجزاء منها قوية كالحديد وأجزاء منها ضعيفة كالخزف.

والتماثل بين هذه الرؤيا (إصحاح 7) وتمثال نبوخذ نصر (إصحاح 2) تتضح من أن هذا الحيوان له أسنان حديد كبيرة. وفعلاً فقد أكل هذا الحيوان كل الأمم الأخرى وداسها وسحقها. وسيطرت الدولة الرومانية على العالم لأكثر من 500 سنة. ولقد ولد المسيح في زمان هذه الدولة وكان هو الحجر الذي قطع بغير يد = ولد بدون زرع بشر.

وهذا الحيوان كان له عشر قرون. الإمبراطورية الرومانية لها شكلان، الأول هو الذي ظهرت به في القديم، أيام مجدها وكان يتوسطها البحر المتوسط الذي كان كبحيرة رومانية. والشكل الثاني هو الذي تنبعث به الدولة الرومانية في نهاية الأيام كدولة متحدة لكن لكل دولة شكلها وشخصيتها المستقلة، أي شكل الأصابع في رجل واحدة، ولكن بعض الأصابع حديد وبعضها خزف وفى الشكل الأول تكون العشر قرون هم  العشر أباطرة (نيرون- دقلديانوس) الذين اضطهدوا الكنيسة. وفى أيام نيرون أستشهد الرسولين بطرس وبولس وبنهاية دقلديانوس أنتهي عصر الاستشهاد، وهذا ما كان يعنيه سفر الرؤيا بقوله يكون لكم ضيق عشرة أيام (رؤ10:2) فالعشرة أيام هنا هي عشرة فترات زمنية يكون فيها ضيق للكنيسة ومع كل هذا الضيق تنمو الكنيسة وتمتد، فكما أن الحجر قطع بلا يد أي بعمل إلهى، هكذا نمو الكنيسة يكون بعمل إلهى. ومازالت هذه الكنيسة تمتد عبر العالم كله مكونة جبل عال رأسه المسيح الذي يملك ليس على ممالك دنيوية زائلة، بل يملك بصليب محبته على قلوب شعبه.

وفى الشكل الثاني للإمبراطورية الرومانية يكون العشر قرون هم عشر ملوك يساندون الوحش الذي سيظهر في أخر الأيام (رؤ12:17) ومن المعروف أن التمثال سيضرب في هذه الأيام أي ينتهي شكل العالم الحالي.

وفى أية (8) قرن آخر صغير : نجد هنا قرن صغير وفى (دا 8 :9) نجد قرن أخر صغير. وفى بعض الأحيان يخلط المفسرون بينهما، ولكن هناك فروق واضحة :

قرن إصحاح (7) هو قوة جديدة لا علاقة لها بالممالك السابقة فهو ليس امتداداً لأحدها. هو قام وسطها وهو مختلف عنهم، وهذا معني قرن آخر. بينما أن قرن إصحاح (8) هو امتداد لقوة عالمية موجودة إذ يقول في (دا 8 : 9) ومن واحد منها خرج قرن صغير. إذاً هو ليس قوة جديدة أو مختلفة ولكن هو امتداد وتطوير لقوة موجودة. هو خرج من أحد القرون الأربعة التي انقسمت إليها مملكة الإسكندر (غالباً هو سيخرج من مملكة الشمال كما سيأتي فيما بعد أي سوريا وفلسطين).

في اللغو الأصلية كلمة قرن صغير في إصحاح (7) تختلف عن كلمة قرن صغير في (8) ففي إصحاح (7) كلمة قرن صغير تشير لقرن صغير أخر أما الكلمة قرن صغير في (8) فتعنى " أقل من القلة " أو "قرن من القلة ". (غالباً القلة هنا هم اليهود كما سيأتي فيما بعد) ولاحظ أن المعنى، أنه سيبدأ صغيراً جداً من وسط القلة، وهو أقل من القلة ولكنه يتعظم جداً.

قرن إصحاح (8) ينتهي بتطهير القدس (8 : 14) أما قرن إصحاح (7) فهو مستمر لنهاية الأيام، حين يجلس الدين (7 :9) فما أعقب هذا القرن هو الدينونة، أي أنه مستمر إلى المجيء الثاني.

 

قرن إصحاح (7)

قرن إصحاح (8)

1

2

3

4

قرن أخر غير العشرة قرون

يأتي في أعقاب الدولة الرومانية

ممتد إلى الدينونة

الاصطلاح الآرامي المستخدم "قرن صغير أخر"

يشير للهرطقات التي تنكر ألوهية المسيح

قرن ممتد من أحد القرون الأربعة

هو امتداد للدولة اليونانية

ممتد إلى أن يتبرأ القدس

الاصطلاح الآرامي المستخدم "قرن صغير من القلة"

يشير لأنطيوخس إبيفانيوس كرمز لضد المسيح

عموماً سواء قرن إصحاح (7) أو قرن إصحاح (8) فهم قوى بدأت صغيرة ثم نمت وتحولت لقوى عظيمة اضطهدت شعب الله. وهى قوى ستنجح إلى حين. وهذه القوى ستعظم نفسها تجاه الله أو ضده وضد شعبه. ونعود الآن إلى قرن إصحاح (7) فنجد. وقلعت ثلاثة من القرون الأولى من قدامه. ثم قارن مع (دا 8 :8) فنجد أن مملكة الإسكندر قد انقسمت إلى أربعة قرون وهي :

1.     مقدونيا واليونان       ليونان حالياً.

2.     تراقيا وبيثينية          تركيا حالياً.

3.     سوريا والعراق وإيران وباكستان.

4.     مصر.

ومعنى هذا أن هذا القرن قد استولى على ثلاثة ممالك من الأربعة المذكورين. وهذا القرن الصغير مواصفاته أنه له عيون كعيون إنسان وفم متكلم بعظائم = وهذا يعنى أنها هرطقة تنكر أن المسيح هو الله. وكلمة عظائم في الإنجليزية Presumptuous things لا تعنى تجاديف بل كلمات بجرأة ووقاحة. ووردت في ترجمات أخرى Pompous أو Great  أي شئ متسم بالغرور. وهذا ينطبق على الهرطقات التي ظهرت بعد أن تحولت الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، مثل هرطقات أريوس ونسطور وغيرهم. وهذه الهرطقات ظهرت في مصر على يد أريوس وكذلك في ليبيا وانتشرت في سوريا والشرق حتى إيران، ووصلت إلى قصر قسطنطين أي القسطنطينية وهى تركيا حالياً أي أنها امتدت إلى مصر وسوريا وتركيا وهذه هي الثلاثة قرون التي أكلها القرن الصغير. وهناك رأى بأن هذه الجرأة والوقاحة ظهرت في الشيوعية الملحدة والتي اضطهدت المسيحية. ومن بشاعة اضطهاد الحيوان الرابع وهذا القرن الصغير قيل في أية (7) كنت أرى في رؤى الليل، إشارة لبشاعة ووحشية هذا الوحش وهذا القرن الصغير.

 

الآيات (9-10): "كنت أرى أنه وضعت عروش وجلس القديم الأيام. لباسه أبيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة. نهر نار جرى وخرج من قدامه.ألوف ألوف تخدمه وربوات ربوات وقوف قدامه.فجلس الدين وفتحت الأسفار."

  في (9) وضعت عروش = التعبير الآرامي المستخدم لكلمة وضعت هو فُرِشت دلالة على فرش البسط والوسائد على ديوان العرش في الممالك الشرقية. والمعنى المصور هنا أن الله يستعد ليوم الدينونة. وهذا مما يعزى شعب الله في كل زمان أن هناك يوماً سيدين الله فيه كل ظالم. والله الآن في السماء يضحك بهؤلاء الظالمين (مزمور 2) فهم يتصورون في حقدهم أنهم ينتقمون من شعب الله والحقيقة أنهم ينفذون خطة الله من نحو شعبه، فهذا ما حدث مع المسيح نفسه. لذلك فالله يضحك بهم كأنه يقول " اصنعوا ما شئتم وفى النهاية ستجدوا أنكم نفذتم ما أريده أنا "هنا كلمة وضعت عروش تقابل انهيار العروش الدنيوية. فعرش الله ثابت أزلي أبدى، أما هذه العروش التي كانت للوحوش فهي تقوم في فترة زمنية ثم تختفي. ونلاحظ أن الله له عرشه والأربعة والعشرون قسيساً عروشاً. وما يعزى شعب الله أن كل ما يحدث هو تحت سيطرة الله وهو لخير شعبه دائماً. عرشه لهيب نار وبكراته نار متقدة = فإلهنا نار آكلة. والبكرات تشير لقصد الله وتدبيره عبر التاريخ (راجع تفسير حزقيال 1) وتدبير الله كله حكمة. وهذا ما يشير إليه قوله قديم الأيام. وشعر رأسه كالصوف النقي. فبلغة البشر، فالشيخوخة وكبر السن يتناسبان طردياً مع الحكمة فيقال فلان له حكمة الشيوخ. وأحكام الله كلها عدل وبر ومحبة وهذا يشير له = لباسه أبيض كالثلج. ونهر نار خرج من قدامه= إشارة إلى دينونته القادمة. ولكنه لأحبائه نهر ماء صافي (رؤ1:22) وأمام حكمة الله ليصمت كل لسان وكل معترض على أحكامه. وهو محاط بملائكته كما سيأتي في مجيئه الثاني محاطاً بهم.

 

الآيات (11-12): "كنت أنظر حينئذ من أجل صوت الكلمات العظيمة التي تكلم بها القرن.كنت أرى إلى أن قتل الحيوان وهلك جسمه ودفع لوقيد النار. إلى باقي الحيوانات فنزع عنهم سلطانهم ولكن أعطوا طول حياة إلى زمان ووقت."

سواء في رؤيا التمثال أو هذه الرؤيا للوحوش تسلسلت الممالك عبر التاريخ يراها العالم ممالك عظيمة كما في التمثال  ولكن في حقيقتها هي وحوش تحارب شعب الله. وهذه الممالك كانت بالترتيب الأسد (بابل) وعلى أنقاض بابل قام الدب (مادي وفارس) وعلى أنقاضه قام النمر (اليونان) وعلى أنقاضه جاء الحكم الروماني. ولم تذكر النبوة أنه انتهى بمجيء القرن الصغير ولكن سيبقيان معاً، الحيوان والقرن الصغير حتى نهاية الأيام. وهذا يتضح من الآية (11) التي تنقسم لقسمين. الأول خاص بالقرن الصغير. والثاني خاص بالحيوان. وهذه الآية وردت بعد أن بدأ النبي يرى عروشاً معدة. أي أن كلا الحيوان والقرن الصغير باقيان حتى مجيء المسيح الثاني. وفى أية (12) نجد باقي الحيوانات أي بابل وفارس واليونان موجودة ولكنها بلا قوة مؤثرة في مجريات الأمور. ولنراجع رؤيا التمثال في إصحاح (2) فنجد أن الحجر الذي قطع يشير للمسيح في ولادته، وهو ولد في زمان قوة وعظمة الدولة الرومانية ولم تنتهي الدولة الرومانية بميلاده بل استمرت ما يزيد على 400 سنة في قوتها. فما معنى أن الحجر سحق الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعصافة البيدر في الصيف فحملتها الريح  فلم يوجد لها مكان 35:2؟ ولنلاحظ في 11:7 أن في الدينونة أي في نهاية هذا العالم قتل الوحش وهلك جسمه ودفع لوقيد النار = فيبدو أن الممالك التي كونت الدولة الرومانية المحيطة بالبحر المتوسط ضعفت لفترة ما بعد القرن الخامس والسادس الميلادي لكنها ستعود للظهور بقوة تؤثر في مجريات الأحداث قرب نهاية الأيام وظهور الوحش. ومما يؤكد هذا (رؤ12:17) "والعشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك لم يأخذوا ملكاً بعد لكنهم يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش" (راجع رؤ17) وبهذا التدعيم من الملوك العشرة للوحش سيخربون العالم ويضطهدون شعب الله ولكن سيكون شكل الدولة الرومانية مختلفاً. بعض من ملوكها حديد والآخر من خرف. وفي شكل الإمبراطورية الأول سيكون الملوك متعاقبين وهم بدأوا بنيرون وانتهوا بدقلديانوس (في القرن الرابع الميلادي) وفي الشكل الجديد للإمبراطورية الرومانية فسيكون العشرة ملوك في وقت واحد ومتزامنين مع ظهور الوحش، هذا الذي يبيده المسيح بنفخة فمه عند ظهوره الثاني (2تس8:2) وبهذا نفهم كيف تحمل الريح عصافة البيدر (دا 35:2) وبهذا نرى هلاك كل أعداء الله وكنيسته (يه15) ولاحظ أن الكلمات العظيمة ليست إلا كلمات باطلة سيعطي الناس عنها حساباً في اليوم الأخير. وبعد أن تزال هيئة هذا العالم سيكون شعب الله في مجد أبدي مع عريسهم في السماء. وراجع (رؤ1:13،2) فالوحش الذي خرج من البحر كان شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد، أي نفس شكل الحيوانات السابقة ولكن نجدها هنا مجتمعة في وحش واحد أعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً. فيبدو من هذا أن وحش الأيام الأخيرة سيكون جامعاً لكل صفات الوحوش السابقة الشريرة. فالشيطان في نهاية الأيام سيكون محلولاً لزمان يسير وهذه الأيام هي ايام الضيقة العظيمة التي لو لم تقصر لما خلص جسد (مت22:24) وراجع (إصحاح2) فالشيطان هو القوة المحركة وراء التمثال ووراء الوحوش أي وراء الممالك التي تضطهد شعب الله.

ولنلاحظ أن المجيء الأول للمسيح كان في عصر قدمي التمثال الحديديتين والمجيء الثاني سيجيء في عصر الأصابع ليبيد كل سلطان في العالم " فالأرض الأولى مضت والبحر لا يوجد فيما بعد" وفي مجيء المسيح الأول لم يخضع له كل العالم (عب8:2) لكن في مجيئه الثاني سيخضع الجميع للآب (1كو28:15) وحينئذ يصبح المؤمنين جبلاً سماوياً يملأ الأرض الجديدة (دا 35:2 + رؤ1:21) فالآن المؤمنين وهم جسد المسيح قد صاروا جبلاً رأسه المسيح ولكن الصورة ستكتمل في مجيء المسيح الثاني.

 

الآيات (13،14): "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبّد له كل الشعوب والأمم والألسنة.سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض."

نبوخذ نصر رأى المسيح كصخرة قطعت بلا يد فهو ملك وثني، أما دانيال المحبوب من الله فقد رآه هنا شخصياً "مثل ابن إنسان" والمسيح وجد في الهيئة كإنسان ليصبح وسيطاً بين الله والناس ليقترب الناس في المسيح من الآب. وهذا معنى قربوه قدامه = منه تمت المصالحة وكلمة قربوه تعني قدموه ذبيحة أي تقدمة (لا2:1 + 1:2 + 1:3.. الخ) فالمسيح قُدّم ذبيحة ليصالح الله مع الناس. وهو مثل ابن إنسان لأنه في حقيقته هو ابن الله. وحين ظهر لدانيال ظهر مع سحب السماء، فالسحب تصاحب ظهور الله في مجده (راجع حزقيال 1) وهكذا في صعود المسيح حجبته سحابة وفي مجيئه الثاني سيأتي على السحاب من السماء. وبالمقارنة مع الوحوش فهي تأتي من البحر. هو صعد ليجلس عن يمين أبيه فيعد لنا مكاناً، وفي مجيئه الثاني يأتي ليأخذنا لهذا المكان. وفيه سنوجد نحن قريبين من الله. وهذه المملكة الأبدية لم ولن تقوم مملكة أخرى بعدها. ولهذه النبوة كان المسيح يشير في رده على رئيس الكهنة في (مت64:26) وهكذا فهمها رئيس الكهنة لذلك قال قد جَدَّفَ.

 

الآيات (15-28): "أما أنا دانيال فحزنت روحي في وسط جسمي وأفزعتني رؤى رأسي. فاقتربت إلى واحد من الوقوف وطلبت منه الحقيقة في كل هذا.فأخبرني وعرّفني تفسير الأمور. هؤلاء الحيوانات العظيمة التي هي أربعة هي أربعة ملوك يقومون على الأرض. أما قديسوا العلي فيأخذون المملكة ويمتلكون المملكة إلى الأبد وإلى أبد الآبدين. حينئذ رمت الحقيقة من جهة الحيوان الرابع الذي كان مخالفاً لكلها وهائلاً جداً وأسنانه من حديد وأظفاره من نحاس وقد أكل وسحق وداس الباقي برجليه. وعن القرون العشرة التي برأسه وعن الآخر الذي طلع فسقطت قدامه ثلاثة وهذا القرن له عيون وفم متكلم بعظائم ومنظره أشد من رفقائه. وكنت أنظر وإذا هذا القرن يحارب القديسين فغلبهم. حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة. فقال هكذا. أما الحيوان الرابع فتكون مملكة رابعة على الأرض مخالفة لسائر الممالك فتأكل الأرض كلها وتدوسها وتسحقها. والقرون العشرة من هذه المملكة هي عشرة ملوك يقومون ويقوم بعدهم آخر وهو مخالف الأولين ويذل ثلاثة ملوك.  ويتكلم بكلام ضد العلي ويبلي قديسي العلي ويظن أنه يغيّر الأوقات والسّنّة ويسلمون ليده إلى زمان وأزمنة ونصف زمان. فيجلس الدين وينزعون عنه سلطانه ليفنوا ويبيدوا إلى المنتهى. والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي.ملكوته ملكوت أبدي وجميع السلاطين إياه يعبدون ويطيعون. إلى هنا نهاية الأمر.أما أنا دانيال فأفكاري أفزعتني كثيراً وتغيّرت عليّ هيئتي وحفظت الأمر في قلبي."

فزع دانيال ما رآه خصوصاً ما عرفه عن الحيوان الرابع والقرن وسأل بخصوصهما فهو عرف وحشيتهما واضطهادهما لقديسي العلي. وكلام القرن الصغير ضد العلي وكان رد الملاك أن الوحوش هم أربعة ملوك يقومون على الأرض= فهم أرضيين وهذا القرن مع هذا الوحش وبتخطيط الشيطان سيحاولون أن يضعفوا شعب الله بالظلم المتواصل. وفي تخطيطهم أن يفنوهم ولكن كنيسة الله باقية للأبد فهي سماوية. والقرن يظن أنه يغير الأوقات والسنة= أي يلغي كل شرائع الله. زمان وأزمنة ونصف زمان =

هي طريقة نبوية في التعبير عن فترة يراها الله في حكمته وتدبيره أنها مناسبة بمعنى ملء الزمان. ولكنها تشير لصعود مفاجئ وهبوط مفاجئ فالله سيسمح لهذه القوى الشيطانية أن تحارب الكنيسة لفترة ثم يأتي هو على السحاب. كل وحش من هؤلاء يمكن تسميته ضد المسيح، هذا يصعد نجمه فجأة وكما صعد فجأة سينهار فجأة.

ولكن وسط هذه الأخبار الصعبة نجد آيات معزية مثل (18:7،22) ونجد تفسيرها في (26:7،27) وهي تشير للمجيء الثاني الذي به تنتهي كل الضيقات تماماً. بالمجيء الأول صار لشعب الله سلاماً داخلياً ليس من هذا العالم، ولكن مازال الجسد يعاني والسبب أن الجسد مازالت تسكنه الخطية (رو17:7،18) لذلك فهذه الضيقات هي للتأديب، ومن يحبه الرب يؤدبه (عب6:12) فلنفرح بهذه التجارب (يع2:1) أما بعد التبني فداء الأجساد (رو23:8) ستنتهي آلام الجسد ويمسح الله كل دمعة من العيون ولا يعود هناك حر ولا برد ولا جوع ولا عطش ولا مرض ولا موت ولا اضطهاد ولا ظلم. وسيحكم القديسين على هذا العالم. (1كو2:6) ولكن كيف؟ القديسون سيشهدون على العالم في اليوم الأخير. حين يحاول أحد الأشرار أن يعتذر عن تقصيره وأعمال فجوره بأنه كان بشراً ضعيفاً يظهر هؤلاء القديسين أنه كانت لهم نفس الطبيعة ولكنهم آثروا طاعة الله على كل شئ. وفي (12) الدين= أي القاضي أو هيئة المحكمة، وتعني أيضاً أن القديسون سيدينون العالم من خلال المسيح رأسهم (مت28:19) ومُلك القديسين ليس ملكاً جسدياً على الأرض لكنه هو  مُلك روحي فمملكة المسيح ليست من هذا العالم ولكن هو الآن ملك أولاد الله على شهواتهم وفساد طبيعتهم وانتصاراتهم على الشيطان واغراءاته وعلى الجسد، وهو انتصار الشهداء على الموت ومخاوفه. هي مملكة نور وحب وقداسة ونعمة وكل هذا هو عربون المجد السماوي. والقديسون سيمتلكون المملكة للأبد لأن مَلِكَهُمْ  أبدي. ونحن نملك لأننا في المسيح فنحن جسده، وهو يحتوينا في جسده فهي وحدة في جسده "أنا حي فأنتم ستحيون" (يو19:14) فمملكة الله هي للقديسين.

وفي (19) أسنانه حديد وأظافره نحاس = هذا يتفق مع ما قيل سابقاً أن عصر اليونان تميز بالنحاس وعصر الرومان تميز  بالحديد ولكن مختلطاً بالنحاس فكانت أسلحتهم من حديد أساساً لكنها بنحاس وآية (21) هي التي جعلت النبي يفزع في آية (15).


 

الإصحاح الثامن

نبوات هذا الإصحاح تتحدث عن المملكتين القريبتين فارس واليونان ويبدو أنها تشير لمجيء ملك من نسل اليونانيين سماه القرن الصغير أيضاً ويكون رمزاً لضد المسيح (الوحش) الذي سيأتي في نهاية الأيام. وابتداء من هنا عاد النبي ليكتب بالعبرية فالكلام لشعب الله. وقصد الله أن يعزي شعبه ويخبرهم عن الأيام الآتية وحتى نهاية الزمان. وبينما كانت رؤيا النبي في إصحاح (7) في الليل وهو نائم، كانت هذه الرؤيا وهو مستيقظ لذلك تسمى الأولى رؤيا المساء وتسمى هذه الرؤيا رؤيا الصباح. وكانت هذه الرؤيا في شوشان وكان بها قصور ملوك الفرس، وقد يكون النبي رأي هذه الرؤيا وهو في الروح بينما مازال بالجسد في بابل.

 

الآيات (1-8): "في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر الملك ظهرت لي أنا دانيال رؤيا بعد التي ظهرت لي في الابتداء. فرأيت في الرؤيا وكان في رؤياي وأنا في شوشان القصر الذي في ولاية عيلام. ورأيت في الرؤيا وأنا عند نهر أولاي. فرفعت عينيّ ورأيت وإذا بكبش واقف عند النهر وله قرنان والقرنان عاليان والواحد أعلى من الآخر والأعلى طالع أخيراً. رأيت الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً فلم يقف حيوان قدامه ولا منقذ من يده وفعل كمرضاته وعظم. وبينما كنت متأملاً إذا بتيس من المعز جاء من المغرب على وجه كل الأرض ولم يمسّ الأرض وللتيس قرن معتبر بين عينيه. وجاء إلى الكبش صاحب القرنين الذي رأيته واقفاً عند النهر وركض إليه بشدة قوته. ورأيته قد وصل إلى جانب الكبش فاستشاط عليه وضرب الكبش وكسر قرنيه فلم تكن للكبش قوة على الوقوف أمامه وطرحه على الأرض وداسه ولم يكن للكبش منقذ من يده. فتعظم تيس المعز جداً ولما اعتزّ انكسر القرن العظيم وطلع عوضاً عنه أربعة قرون معتبرة نحو رياح السماء الأربع."

تم تمثيل مملكة مادي وفارس بكبش ذو قرنين. وكان الكبش رمزاً لهذه المملكة يضعون صورته على راياتهم. وكان ملوكهم يلبسون رؤوس كباش من ذهب كتيجان خصوصاً في حروبهم. والقرنان في الرؤيا هما مادي وفارس. وكانت فارس هي الأصغر ولكنها صارت الأكبر ولم تعد مادي تذكر فيما بعد= والأعلى طالع أخيراً. وكورش أصبح أشهر من الماديين بل اصبح كل ملوك هذه المملكة من الفرس وفي (4) كان الكبش ينطح غرباً وشمالاً وجنوباً = فهم في فتوحاتهم لم يتجهوا أبداً ناحية الشرق، بل وصلوا غرباً لحدود اليونان، بل حاولوا غزو اليونان نفسها وفشلوا، ووصلوا جنوباً إلى مصر وإثيوبيا (كوش) وشمالاً تجاه ليديا وأرمينيا والسكيثيين ولم يقف حيوان قدامه = لم يقف ملك أمامهم وفي (5) تيس الماعز هو الإسكندر الأكبر الذي أتي من المغرب= أي من الغرب. كان يرمز للإله جوبيتر بتيس وعُثِرَ في الأثار أن التيس كان رمزاً للجيش اليوناني. ولم يمس الأرض= إشارة لسرعة فتوحاته، وهذه تقابل في الرؤيا السابقة الأجنحة الأربعة. ولم تجدي معه أي مقاومة لذلك سمى = قرن معتبر. وللآن فالعالم يحفظ أسمه كأحد أعظم القادة، وهو هجم على الفرس بجيش قوامه 30ألف جندي و5000حصان، وهاجمهم بسرعة قبل أن تكتشف مخابرات فارس عددهم القليل. وركض إليه بشدة قوته = فهو ضرب ملك الفرس داريوس قدمانوس بعنف بالرغم من أن جيش الفرس كان أكثر عدداً، لكن مهارة اليونان أفضل. ونجد هنا 3 تعبيرات ضرب الكبش، كسر قرنيه، طرحه على الأرض وداسه= وهناك رأي بأن هذه تشير لثلاث معارك دارت بين اليونان والفرس، وكان النصر منها لليونان وهي جرانيكوس وأبسوس واربيلا وبها تسيد الإسكندر تماماً وقتل في المعركة الأخيرة 600.000 رجل فكسر قرني الكبش وكان الإسكندر حين بدأ معاركه في عمر يناهز العشرين عاماً وهزم داريوس وعمره 26عاماً، ومات وعمره 32 أو 33 في عز مجده، ويقال من إفراطه في الشراب. ولم يترك إبناً يرثه فإمتلك قادته الأربعة مملكته= أربعة قرون معتبرة (أنظر صفحة 34) ومن كثرة ما كان للإسكندر فحين وزعوا أملاكه على قادته الأربعة أصبح لكل واحد منهم أملاكاً كثيرة. فتوزعت المملكة على رياح السماء الأربع= أي في كل أنحاء العالم وهناك قصة سجلها المؤرخ يوسيفوس بخصوص هذه النبوة " فبعد أن سقطت صور وفلسطين في يد الإسكندر بلغت أخبار فتوحاته يدوع رئيس كهنة اليهود فخاف حين علم أن الإسكندر في طريقه إلى أورشليم، وصلى طالباً سلامة بلاده فأوحى له الله أن يقابل الإسكندر بملابسه الكهنوتية كاملة هو ومعه كهنته من ورائه اما الشعب فيلبسون ملابس بيضاء. وهكذا كان فحين رأي الإسكندر هذا المنظر ذهب ليسجد لرئيس الكهنة، ولما سأله قادته عن سبب ذلك قال أنه رأي ذلك المنظر نفسه قبل أن يخرج من مقدونية في حُلْمْ، وأن رجلاً في الحلم له نفس شكل رئيس الكهنة وعلى رأسه العمامة مع الصفيحة الذهبية المنقوشة عليها "قدس للرب" قد تنبأ له بالإنتصارات في آسيا (في الحلم) ثم قاد يدوع الإسكندر فقدم ذبيحة لإله إسرائيل، وأروه نبوات دانيال بخصوصه التي ذكر فيها أنه سيدمر الفرس وكان هذا مما شجعه في هجومه على داريوس بل بعد ذلك وضع اليهود تحت حمايته هم وديانتهم ووعد بأن يكون شفوقاً على كل يهودي يلقاه في فارس، وتكريماً للإسكندر سمَّى الكهنة أولادهم المولودين في هذه السنة باسمه. ولاحظ أن  هذه النبوة كتبت قبل أن تتحقق بحوالي 200سنة بل قبل قيام دولة الفرس أصلاً = في السنة الثالثة من ملك بيلشاصر.

 

الآيات (9-14): "ومن واحد منها خرج قرن صغير وعظم جدا نحو الجنوب ونحو الشرق ونحو فخر الأراضي. وتعظم حتى إلى جند السموات وطرح بعضاً من الجند والنجوم إلى الأرض وداسهم. وحتى إلى رئيس الجند تعظم وبه أبطلت المحرقة الدائمة وهدم مسكن مقدسه. وجعل جند على المحرقة الدائمة بالمعصية فطرح الحق على الأرض وفعل ونجح. فسمعت قدوساً واحداً يتكلم فقال قدوس واحداً لفلان المتكلم إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين. فقال لي إلى ألفين وثلاث مئة صباح ومساء فيتبرأ القدس."

هذا القرن الصغير يشير لملك من نسل السلوكيين وهو أنطيوخس إبيفانيوس أي اللامع، ولكن اليهود تلاعباً بالألفاظ أطلقوا عليه إبيمانس أي المجنون. وهو قرن صغير لأن بدايته كانت ضعيفة جداً وحقيرة فكان مسجوناً كرهينة في روما، ولكنه تمكن من الهرب. واستولى على المملكة في حياة أخيه الأكبر. ثم تقوى حتى وصل لأن ضرب مصر مملكة الجنوب القوية وفارس وأرمينيا شرقاً. والنبوة تشرح الأضرار التي لحقت بشعب اليهود منه، وسميت أورشليم هنا فخر الأراضي= ففيها سيولد المسيح، وفي زمن أنطيوخس كان فيها هيكل الله. وهو دخل الهيكل وأخذ كل كنوز بيت الرب والمنارة الذهب والمائدة ومذبح المحرقة وأقام مذابح للأوثان في كل مكان. وكان يقتل بوحشية من لا يأكل لحم الخنزير وقتل مرة 100.000يهودي (2مك7:6) وهو تعظم وتكبر على الله نفسه وحرم رئيس الكهنة أونيا من وظيفته وخدمته. فصار مثل فرعون الذي قال  من هو الله؟ ولاحظ أن من يضطهد أولاد الله يضطهد الله نفسه. وهو أبطل المحرقة الدائمة= أي الذبيحة المسائية والذبيحة الصباحية. وهو غالباً منع كل الذبائح لله. ولكنه يذكر المحرقة الدائمة بمعنى إبطال العبادة فهذه أهمها لأنها تمثل العبادة المنتظمة التي تربط الشعب بالله. وهو دنَّسَ الهيكل بجعله هيكلاً لجوبيتر أوليمبوس ووضع فيه تمثالاً له. بل هو قَدَّم خنزير (وهو نجس عند اليهود) على المذبح. وهو حارب جند السماوات= أي شعب الله، فشعب الله هم مملكة السماء. أو هم الكهنة واللاويين. والنجوم = أي اللامعين من الكهنة فهو جعلهم إما يسجدون لآلهته أو يقتلهم. وهو هدم كثيراً من الهيكل وخربه وهو طرح الحق= أي طرح كتاب الناموس ومزَّقه وأحرقه في محاولة لجعل الشعب ينساه تماماً. ولنلاحظ أنه كان له هذه القوة لأن الله سمح له بذلك، فالشعب كان قد أغاظ الله جداً، هم وكهنتهم أيضاً (ملا7:1،8 + 1:2،8) ولذلك أرسل الله أنطيوخس ليمنع ذبائحهم فالله يحرم الناس من بركاته التي لا يقدرونها ورئيس الجند = رئيس شعب الله. وأنطيوخس هذا يسمى الوحش الأول فهو رمز لوحش ثان سيظهر مثله في الأيام الأخيرة وسيخرب العالم. وقد حَدَّدَ الله المدة التي سيحدث فيها الإضطهاد فهم في هذه الفترة سيكونون بلا أنبياء. وحدد المدَّة بأنها 2300صباح ومساء = فهذا هو الأسلوب العبري في التعبير عن اليوم الكامل، وكان اليوم يبدأ من غروب الشمس. وهذه المدة تساوي 6سنين + 3شهور+ 18يوماً. وهو نفس المدة من يوم دنَّس الأمم اليونانيين الهيكل حتى تطهر بواسطة منيلاوس رئيس الكهنة. والله يحسب مدة ضيقة شعبه فهو في كل ضيقهم تضايق. وهو هنا يظهر لهم أنه سيريهم أياماً سعيدة بعد تطهير الهيكل مما يحمل أخباراً معزية لهم. وهذه القصة نجدها في سفر المكابيين بالتفصيل وفي آية (13) الملاك يُسَّمى قدوس. والملاك هنا يظهر اهتمامه بشعب الله. ويسأل إلى متى هذه الضيقات، فهو خاف من ارتداد الشعب لو زادت مدة الضيقة، وهو سأل دون حتى أن يسأل دانيال نفسه ونضيف قول السيد المسيح عن السمائيين، بأنه "يصير فرح في السماء بخاطئ واحد يتوب" فنفهم أنهم يفرحون لأفراحنا وتوبتنا وخلاصنا بل هم يستقبلون من ينتقل (قصة لعازر والغني) وبمعرفتنا أنهم يكلمون الله ويصلون دائماً، أفلا يثبت هذا شفاعتهم عنا.

ملحوظة: بعد أن طهر الشعب الهيكل أخذوا يحتفلون بهذه المناسبة بعيد جديد أسموه عيد التجديد، ونجد أن المسيح احتفل به أيضاً (يو22:10) وكانت المدة التي استمر فيها الهيكل نجساً تمتد من سنة171- سنة165ق.م وكان الملاك في آية (13) يكلم فلان المتكلم = فمن هو فلان هذا؟ غالباً هو المسيح كلمة الله الذي لم يكن أحد قد عرف اسمه. والملاك يسأل المسيح فالمسيح وحده الذي يعلم كل شئ. وحتى وقت هذه الرؤيا لم يكن للمسيح اسم فهو لم يكن قد تجسد "لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب" (قض18:13).

 

الآيات (15-27): "وكان لما رأيت أنا دانيال الرؤيا وطلبت المعنى إذا بشبه إنسان واقف قبالتي. وسمعت صوت إنسان بين أولاي فنادى وقال يا جبرائيل فهّم هذا الرجل الرؤيا. فجاء إلى حيث وقفت ولما جاء خفت وخررت على وجهي.فقال لي افهم يا ابن آدم أن الرؤيا لوقت المنتهى. وإذ كان يتكلم معي كنت مسبخاً على وجهي إلى الأرض فلمسني وأوقفني على مقامي. وقال هأنذا أعرّفك ما يكون في آخر السخط.لأن لميعاد الانتهاء. أما الكبش الذي رأيته ذا القرنين فهو ملوك مادي وفارس. والتيس العافي ملك اليونان والقرن العظيم الذي بين عينيه هو الملك الأول. وإذ انكسر وقام أربعة عوضاً عنه فستقوم أربع ممالك من الأمة ولكن ليس في قوته. وفي آخر مملكتهم عند تمام المعاصي يقوم ملك جافي الوجه وفاهم الحيل. وتعظم قوته ولكن ليس بقوته.يهلك عجباً وينجح ويفعل ويبيد العظماء وشعب القديسين. وبحذاقته ينجح أيضاً المكر في يده ويتعظم بقلبه وفي الاطمئنان يهلك كثيرين ويقوم على رئيس الرؤساء وبلا يد ينكسر. فرؤيا المساء والصباح التي قيلت هي حق.أما أنت فاكتم الرؤيا لأنها إلى أيام كثيرة. وأنا دانيال ضعفت ونحلت أياماً ثم قمت وباشرت أعمال الملك وكنت متحيّراً من الرؤيا ولا فاهم."

في (15) دانيال طلب المعنى هو صلاته والله لم يرفض طلبه. وإذا بشبه إنسان= هذا هو المسيح لأنه يعطي أوامر للملاك جبرائيل ليشرح لدانيال. ودليل أنه المسيح أنه خاف وخَّر على وجهه (17) والرؤيا لوقت المنتهى = أي حينما ينتهي تدبير الله الخاص بكل هذا. ولكنك يا دانيال لن تعرفه الآن ولكن سَجّلْهُ للأجيال القادمة. في (26) قوله أن الرؤيا لأيام كثيرة بالإضافة لقوله لوقت المنتهى توحي بأن هذا القرن الصغير يشير لضد المسيح الذي سيظهر في الأيام الأخيرة ويضطهد شعب الله " ويجلس نفسه في هيكل الله مظهراً نفسه أنه إله (2تس3:2،4) وبالنسبة لأنطيوخس ابيفانيوس فكما شرح الملاك لدانيال أنه سيأتي في نهاية مملكة اليونان حين يملأ اليهود كأس معاصيهم ويكونون مستحقين لهذا الخراب، ويكون هذا الملك قضيب تأديب لهم. وتعظم قوته ولكن ليس بقوته = بل بقوة الشيطان وهذا ما يجعلنا نطبقه على ضد المسيح (رؤ2:13) وأعطاه التنين قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً) أنه لميعاد السخط = أي بسبب سخط الله على اليهود سمح بهذا ضدهم. وفي (23) يسميه فاهم الحيل فهو ماكر جداً. وجافي الوجه= أي قاسياً جداً. وكان يُحكي عن أنطيوخس أبيفانيوس هذا أنه كان ماكراً جداً ودموياً. وهكذا سيكون ضد المسيح (رؤ15:13) فهو بمكره سيجعل صورة الوحش تتكلم ومن دمويته يجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحش يقتلون وكلاهما يهلك عجباً= فهو سيهلك الناس الأقوياء ولن يقف في وجهه أحد. ويبيد العظماء وشعب القديسين = فهو له سلطان على الجسد ولكن ليس على الروح. وقوته قائمة على الخداع فأنطيوخس مثلاً بغشه وبمعاهداته الكاذبة دَمَّر أكثر ما دمَّرَ في الحروب. وهو عقد معاهدات غاشة ليطمئن له خصومه ثم يغدر بهم = في الإطمئنان يهلك كثيرين. وبهذا يضمن أن يخضع الكل له. ولنجاحه يتصور أنه يستطيع أن يقف في وجه رئيس الرؤساء نفسه أي الله وضد هيكله وبلايد ينكسر= فالله هو الذي يهلكه ويميته. وأنطيوخس لم يمت في حرب أو اغتيال بل هو وقع في يدي الله الحي الذي أباده بنفخة فمه. وهذا حدث كما يلي: فهو سمع أن اليهود نزعوا صورة جوبيتر أوليمبوس من الهيكل بقيادة المكابيين حيث وضعها هو، فهاج جداً على اليهود واقسم أن يجعل أورشليم مقبرة عامة وعزم على التوجه فوراً لأورشليم. ولكن بعد أن تفوه بهذه الكلمات الوقحة ابتلاه الرب بضربة عديمة الشفاء في بطنه وتوالد الدود في بطنه بسرعة كبيرة حتى أن أجزاء من لحمه صارت تتساقط ولم يكن أحد يستطيع أن يقترب منه من رائحة نتانته. وطالت مدة معاناته من هذا المرض. ولكنه استمر في تعذيبب شعب الله. ولكن حين يأس من الشفاء استدعى أصدقائه واعترف أمامهم أن السبب في آلامه هذه هو إضطهاده لليهود وتدنيسه للهيكل، وكتب خطابات لليهود يعدهم فيها أنه لو شفى سيسمح لهم بممارسة شعائرهم بحرية. وحينما زاد عليه المرض ولم يعد يستطيع احتمال رائحته اعترف قائلاً " أنه من المناسب أن يخضع الإنسان لله، فالإنسان يموت وعليه أن لا يتحدى الله" ومات بائساً في أرض غريبة على جبال باكاتا قرب بابل حوالي سنة 160ق.م.

الرؤيا هي حق = أي أن الله سيحتمل تدنيس مقادسه هذه المدة. وكان على دانيال أن يكتم الرؤيا حتى لا يغتاظ الفرس بسببها، الذين كانوا سيستولون على بابل وقد يمتنعون بسببها عن تحرير اليهود. وهي لأيام كثيرة = فهي تحققت بعد 300سنة فالله لا يريد كشف كل شئ وإلا تعطلت خططه. وبالرغم من ضعفه قام وباشر عمله = علينا إذاً أن نمارس أعمالنا بأمانة حتى آخر يوم في حياتنا، ملتصقين بالله وخائفين الله.

 

ملاحظات:

1.     مكان الرؤيا = كانت في شوشن المعروفة عند اليونان باسم سوسا. وتسمى في سفر نحميا ودانيال شوشن القصر فيها قصور ملوك الفرس، وفيها جرت أحداث سفر استير، وموضع هذه المدينة بين نهري الكرخي وأولاي وهما فرعا نهر واحد يتشعب على بعد 20ميل من شوشن، ولهذا يصح قول دانيال أنه كان عند نهر أولاي (آية 2) وبين أولاي (آية16).

2.     نبوة الـ2300يوم = كما رأينا قبلاً فقد تحققت النبوة حرفياً، فكانت المدة بين تنجيس الهيكل بواسطة أنطيوخس أبيفانيوس وتطهيره أيام المكابيين 2300يوماً تماماً. ولقد ظن البعض أنه يمكن تطبيقها على المستقبل بحساب اليوم= سنة (كما سنرى في نبوة السبعين أسبوعاً دا 9) ويسمون هذه الأيام أياماً نبوية فتكون المدة 2300سنة وذلك حتى يتطهر القدس ولكن [1] متى تبدأ هذه الـ2300سنة هنا يختلف المفسرون، وعلينا بتواضع أن نقول مع دانيال كنت متحيراً من الرؤيا ولا فاهم = فالنبوات لا يصح أن تكون واضحة تماماً، بل هي تتضح قرب أو بعد تتميمها. [2] قول الرب هنا واضح أنها 2300 صباح ومساء، إذاً هي أيام وليست سنيناً مثل (دا 9).

3.     كانت رؤيا هذا الإصحاح عند نهر أولاي ولاحظ أن بابل وفارس اشتهرتا بنظام مائي عجيب وشق للقنوات للزراعة وهذا ما جعل أرمياء يقول عن بابل الجالسة على مياه كثيرة 38:50 وقد أتى عليها الفرس لغناها (37:50). والفرس هم أيضاً اشتهروا بنظام للقنوات والأنهار لزيادة غناهم. وبسبب غناهم أتى عليهم الإسكندر. لذلك رأي دانيال رؤيته بجانب النهر سبب خيرهم وغناهم وهذا سيأتي عليهم بالخراب والسلب على أيدي اليونانيين. وكان نهر أولاي أضخم هذه القنوات بعرض 100متر تقريباً. وكانت هذه الأنهار والقنوات تستعمل أيضاً في المواصلات والتجارة وهذا مما زاد في غناهم. وكانت قوة الفرس في غناهم وثرواتهم. وحيث أن هذا الإصحاح يشير للفرس كقوة عالمية تؤثر في مجرى الأحداث فمكان الرؤيا يشير لسبب قوتهم أيضاً.


 

الإصحاح التاسع

نجد هنا صلاة دانيال من أجل خلاص اليهود وعودتهم لبلادهم. وفيها يعترف بخطاياهم واستحقاقهم لكل هذه المآسي ولكن يطلب مراحم الله (1-19) ثم نجد إجابة فورية من الملاك لصلاته، وفيها يعلنه أن خلاصهم من السبي لهو سريع جداً (20-23). ثم أخبره بخلاص العالم كله بفداء يسوع المسيح، وأن خلاصهم من السبي لهو رمز للخلاص الذي بالمسيح. وأخبره بنوع هذا الفداء وتوقيته (24-27). وهذه هي أوضح نبوات العهد القديم وأكثرها إشراقاً عن المسيح.

 

الآيات (1-3): " في السنة الأولى لداريوس بن أحشويروش من نسل الماديين الذي ملك على مملكة الكلدانيين. في السنة الأولى من ملكه أنا دانيال فهمت من الكتب عدد السنين التي كانت عنها كلمة الرب إلى إرميا النبي لكمالة سبعين سنة على خراب أورشليم. فوجهت وجهي إلى الله السيد طالباً بالصلاة والتضرعات بالصوم والمسح والرماد."

انتهي الإصحاح السابق ونحن نجد دانيال يعمل عمله في قصر الملك. ولكن دانيال كان له عملاً أخر مقدس، فهو مهتم بشعبه ويصلي لأجلهم وبالرغم من أهمية مركزه فهو كرئيس للوزراء، لكنه يجد وقتاً للصلاة ولم يتحجج بمركزه ولا بمشاغله ولا بسنه. وهناك نقطة أخرى فهو كان يمكنه أن يقول "إذا كان قصد الله استرجاع شعبه فإنه لابد أن يتمم قصده بغض النظر عن صلاتي، وما حاجتي أن اشغل نفسي بهذه القضية" غير أنه كان يدرك أن الله قبل بدئه بالعمل، يبدأ بإنهاض نفوس شعبه ليردهم عن ضلالهم ويسترجعهم لنفسه بالتوبة فتكون البركة نتيجة لوصولهم إلى درجة روحية تسمح بذلك. وكان سفر أرمياء ونبواته عن مدة السبي هو مرجع دانيال لمعرفته موضوع الـ70 سنة (أر11:25 + 10:29) وحسبها دانيال من يوم سبيه، وكان الوعد في أرمياء "سأفتقدكم وأحسن إليكم بعد تمام السبعين سنة" وهو صدَّق هذه النبوات وبدأ يطالب الله بتنفيذها فوجهت وجهي إلى الله  = هذا يعبر عن ثباته في الطلب واهتمامه به ليس خلال الصلوات فقط بل حتى في أثناء انشغاله في عمله. فهو كل اليوم كان رافعاً قلبه لله.

وواضح أن الله كشف لدانيال عن هذا الميعاد بسبب انشغاله بما جاء في الكتاب المقدس. فعلينا أن ننشغل به ونصادقه ففيه نبوات كثيرة سوف تنكشف في حينها حين يأذن الله بذلك، لكن علينا فقط أن نوجه وجهنا إلى الله ونقرأ يومياً وننشغل بما نقرأ ونطلب من الله الفهم. ولم يكن دانيال مصلياً فقط بل متذللاً بصوم في مسوح ورماد.

 

الآيات (4-19): "وصلّيت إلى الرب الهي واعترفت وقلت أيها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه. أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الأرض. لك يا سيد البر.إما لنا فخزي الوجوه كما هو اليوم لرجال يهوذا ولسكان أورشليم ولكل إسرائيل القريبين والبعيدين في كل الأراضي التي طردتهم إليها من أجل خيانتهم التي خانوك إياها. يا سيد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا لأننا أخطأنا إليك. للرب إلهنا المراحم والمغفرة لأننا تمردنا عليه. وما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك في شرائعه التي جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء. وكل إسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه. وقد أقام كلماته التي تكلم بها علينا وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا ليجلب علينا شراً عظيماً ما لم يجر تحت السموات كلها كما أجري على أورشليم. كما كتب في شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا لنرجع من آثامنا ونفطن بحقك. فسهر الرب على الشر وجلبه علينا لان الرب إلهنا بار في كل أعماله التي عملها إذ لم نسمع صوته. والآن أيها السيد إلهنا الذي أخرجت شعبك من أرض مصر بيد قوية وجعلت لنفسك اسماً كما هو هذا اليوم قد أخطأنا عملنا شراً. يا سيد حسب كل رحمتك اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم جبل قدسك إذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عاراً عند جميع الذين حولنا. فاسمع الآن يا إلهنا صلاة عبدك وتضرعاته وأضئ بوجهك على مقدسك الخرب من أجل السيد. أمل آذنك يا إلهي واسمع افتح عينيك وانظر خربنا والمدينة التي دعي اسمك عليها لأنك لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أما وجهك بل لأجل مراحمك العظيمة. يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد أصغ واصنع.لا تؤخر من أجل نفسك يا الهي لأن أسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك."

نجد هنا صلاة دانيال ولاحظ فيها الاعتراف بالخطية. وهذا ما نكرره في صلوات الأجبية في المزمور الخمسون. وهو اعترف بخطاياه وخطايا الشعب. ليس ليلقي الذنب على الشعب ويبرر نفسه والإ لما قال أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر، لكنه يعترف بأن الله بار وعادل وهو لم يظلم شعبه، وهذا واضح في آية(7) لك يا سيد البر وهو يشعر أنهم لا يستحقون سوى هذا، إنما لا يطلب سوى مراحم الله (16) وهو ايضاً يعطي المجد لله فالله في عهد مع شعبه (4،15) إذا التزموا بالوصية تفيض عليهم بركاته، وإذا لم يلتزموا بها يتألمون. ولكن الله لا يعطينا بحسب ما نستحق بل بحسب مراحمه، لذلك تكرر الكنيسة كلمة إرحمنا.. كيريىليسون.. يا رب أرحم ويضاف عنصر آخر لصلاة دانيال وهو اللجاجة يا سيد أغفر يا سيد أصفح وأصنع وصلاة مثل هذه لا يرفضها الله.

 

بركات صلاة دانيال:

1.     ظهور المسيح له أكثر من مرة بل أن دانيال هو الذي أطلق اسم ابن الإنسان على المسيح وهو رآه في مجده على السحاب، وحدد موعد مجيئه الأول.

2.     صار دانيال صديقاً للملائكة جبرائيل وميخائيل وأسمته الملائكة " الرجل المحبوب".

3.     أعطاه الله نعمة أمام ملوك قساة القلوب سواء في بابل أو في فارس.

4.     في وسط شرور هذه الممالك حفظه الله في طهارة وقداسة.

5.     أعطاه الله حكمة غير عادية فكشف له الأحلام ورأى المستقبل حتى نهاية الأيام.

6.     سد الله أمامه أفواه الأسود.

قال أحد الأباء " من يعرف أن يصلي حسناً يعرف أن يعيش حسناً".

 

الآيات (20-23): "وبينما أن أتكلم وأصلّي وأعترف بخطيتي وخطية شعبي إسرائيل وأطرح تضرعي أمام الرب إلهي عن جبل قدس إلهي. وأنا متكلم بعد بالصلاة إذا بالرجل جبرائيل الذي رأيته في الرؤيا في الابتداء مطاراً وأغفاً لمسني عند وقت تقدمة المساء. وفهمني وتكلم معي وقال يا دانيال أني خرجت الآن لأعلمك الفهم. في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك لأنك أنت محبوب.فتأمل الكلام وافهم الرؤيا."

 هو كان يصلي ويتضرع عن شعبه وعن أورشليم = جبل قدس إلهي ويعترف بخطيته وخطية شعبه نيابة عنهم= خطيتي وخطية شعبي (أن كان دانيال البار المحبوب حز14:14+دا 23:9 يعترف بخطيته ويتضرع فماذا نفعل نحن ] وما اجمل أن نصلي لاخوتنا ونهتم بالآخرين ونصلي لأجل الكنيسة. وإذا تعلم كل واحد في الكنيسة إن لاحظ سلبيات موجودة أن يصلي حتى يرفعها الله عوضاً عن الإدانة وإلقاء اللوم على الآخرين، لامتلأت الكنيسة بالروح القدس، وأنعدمت السلبيات. لكن يبدو أن الطريق الأسهل هو ان القي اللوم على الآخرين ولا أعترف بانني أنا أيضا مخطئ. أما دانيال من اجل صلاته جاء له الملاك ويسميه إذا بالرجل جبرائيل= فهو اعتاد أن يراه لذلك عرفة فوراً مطاراً وأغفاً = أي طائراً برشاقة وسرعة. ولمسني = لينبهه إلى خطورة الموضوع الذي سيحدثه عنه عند وقت تقدمة المساء = كانت تقدمة المساء احد تقدمتين يوميتين فهناك ذبيحة صباحية وهناك ذبيحة مسائية. وكان دانيال في ذلك الحين مسبياً لمدة 70 سنة لم يري فيها تقدمة في الهيكل، لكن قلبه كان متعلقاً بالهيكل والعبادة. والله هنا يرفع قلبه لما هو أهم أي الخلاص بالمسيح. وربما كان دانيال في صلاته في هذه اللحظة وهو يفكر في أورشليم المحترقة بالنار والمخربة والمنعدمة يشتاق أن يراها وقد عاد لها المجد وعادت الذبائح تقدم في هيكلها (فأورشليم المحترقة أقرب إلى قلب دانيال من بابل وفارس وهم في مجدهم). ولانشغال قلبه بمجد الله ومجد أورشليم ظهر له الملاك ليفهمه أن مجد الله الحقيقي ليس في الذبائح الحيوانية ولكن في المسيح ذبيحة المساء الحقيقية وبه ستبطل الذبائح الحيوانية. ونلاحظ أن المسيح اسلم الروح وقت المساء علي الصليب. والمسيح قد قدم نفسه ذبيحة في مساء هذا العالم. والرد الآتي هو أوضح نبوات العهد القديم عن المسيح. فالإصحاح السابع كلمنا عن مملكة المسيح والإصحاح الثاني كلمنا عن الصخرة التي تقطع بغير يدين، وهذا الإصحاح يكلمنا عن ميعاد قطع هذه الصخرة أي ميعاد ولادة المسيح وميعاد صلبه أيضاً، وعملة الكفارى. وعلينا أن لا ننتظر ملاكاً كلما وقفنا لنصلي لكن علينا أن نثق بإيمان في استجابة الله لنا. ولاحظ قول الملاك في ابتداء تضرعاتك = هذا زمن رد الله في بدء الصلاة. إذاً فالله لم يستجب للكلمات التي قالها دانيال بل لقلبه المشتاق وخشوعه أمامه. واستجابة الله كانت سريعة، فالملاك جاء مطاراً واغفاً. وكلمة واغفاً تعني أنه يطير بسرعة لتنفيذ أوامر الله (حزقيال 1) ولماذا يخبره الله بأسراره؟ هو سبق واخبره بالآلام التي ستقع علي الشعب علي يدي أنطيوخس، وهذه الآلام هي نبوة ورمز عن ألام الكنيسة علي يد ضد المسيح في أواخر الأيام. وها هو يخبره بما هو اعظم، أي بمجيء المسيح، وهذا لأنه محبوب = فالله أظهر ليوحنا أسراره في الرؤيا فهو التلميذ المحبوب. حقاً أن الحب يفتح قلب الله ويجعله يكشف أسراره.. "هل أخفي عن عبدي إبراهيم ما أنا فاعله".

 

الآيات (24-27) : "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فأعلم وأفهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها. ويثبت عهداً مع كثيرين في أسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرب حتى يتم ويصبّ المقضي على المخرب."

رؤيا السبعين أسبوعاً

كلمة أسبوع الأصلية هنا هي لا تعني أسبوع من سبعة أيام بل تعني وحدة من سبعة أو عدد سبعي "أي المعني سبعون وحدة كل وحدة مكونة من سبعة. إذاً هي سبعون سبعات أو سبعون وحدة سبعات أو سبعة مرات تكرار للسبعين فهي بالتالي = 70 × 7 =  490 سنة ولماذا نعتبر هذه الوحدات سنيناً ؟

1.     الكلام عن 70 سنة سبي والملاك يقول لدانيال انتظر 70 سبعة فيكون المعني 70×  7 سنين أي 490 سنة.

2.     لا يمكن أن تكون غير هذا فلو كانت هذه الوحدات ثواني لكانت المدة كلها 8.16 دقيقة ولو كانت شهور لصارت المدة كلها 41 سنة أي اقل من سنوات السبي السبعون.

3.     يقول دانيال في 2:10،3 أسابيع أيام ليميزها عن هذا الأسبوع.

إذاً فلا معني أن تكون أل2300 يوم في إصحاح "8" لها تطبيق نبوي علي أنها 2300 سنة خصوصاً إذا سمعنا قول الكتاب 2300 صباح ومساء أي يوم من 24 ساعة.

وكانت صلاة دانيال من اجل أن يخلص شعبه طالما ان السبعين سنة قد انتهت. وهنا الملاك يقول له أنت تتكلم عن 70 سنة لأجل خلاص اليهود، لكنني سوف أكلمك عن 70×7 سنة ليأتي المسيح الذي سيخلص العالم كله. وربما ظن دانيال أنه بانتهاء السبعين سنة يأتي المسيح لكن الملاك يقول له لا بل سبعين أسبوعا قضيت علي شعبك وعلي مدينتك المقدسة أي ما زال هناك قضاء مدة حتى يأتي المسيح. ولكن هذه الجملة تعني أن المدينة ستعود وبعد عودتها تنتظر المسيح. حقا إجابة الملاك علي دانيال كانت بأكثر مما يطلب أو يفتكر وهكذا عطايا الله دائما لنا. وهذه السبعين أسبوعاً في مقابل الـ70 سنة سبي، إذاً هم سيعودون لبلادهم ويستقرون فيها 490سنة في مقابل 70 سنة سبي، وهذا يظهر أن الله يُسَّر بإظهار مراحمه عن تنفيذ عقابه. وهذه النبوة هي أول نبوة تحدد ميعاد مجيء المسيح. فقبل ذلك كانت كل النبوات تشير لأنه سيجئ ولكن متي يجئ؟ فقد كانت النبوات تصمت. ولوضوح هذه النبوة كان أن إنتظر  كثيرين مجيء المسيح (لو25:2،38). وبسببها كان كثيرين يعتقدون أن مملكة المسيح ستظهر حالاً (لو11:9) وقد يكون بسببها أيضا أنه جاء كثيرين لأورشليم (أع 5:2). وهذه النبوة تُفْحم وتسكت كل من من لا يزال ينتظر مسيحاً أخر. وهي تدين هؤلاء اليهود الذين لم يعترفوا بالمسيح حتى الآن. وفي آيه (25) يُذكر أن هناك أمر سيصدر بتجديد أورشليم وكان هذا لتعزية دانيال المؤقتة، ولتعزية الشعب بأن أورشليم ستعود. لكن هناك ما هو أهم، وهذا ما تشير له النبوة. واليهود كانوا ينتظرون مسيحاً يخلصهم من الرومان ويعطيهم ملكاً وغني، ولكن هنا يظهر أن المسيح سيأتي بغرض روحي فقط لتكميل المعصية = فاليهود بعد عودتهم من السبي تطهروا من عبادة الأوثان حقاً، لكنهم عادوا لخطايا كثيرة وارتدوا عن البر. وقد كملت معصيتهم بصلب المسيح ورفضوا الله وخلاصه منتظرين مسيحاً يعطيهم خلاصاً ومجداً زمنياً أرضياً. تتميم الخطايا = الخطية كانت سبباً للخصومة بين الله والإنسان. وهي جعلت الإنسان بعيداً عن الله. وهي أغاظت الله جداً. وبسببها عاش الإنسان في بؤس وفقد كرامته. وما كان لشيء أن يصلح هذا كله سوي نزع الخطية أو كبحها وكسر قوتها، بكسر رأس الحية، وهذا تم بالصليب. لذلك ورد تعبير تتميم الخطايا وفي الإنجليزية TO MAKE AN END OF SINS” وبالصليب أقام الله مملكة محبة وقداسة في  قلوب البشر على خرائب مملكة الشيطان. وحين مات المسيح قال " قد أكمل" فالخطية الآن لا تقف ضدنا فهو قد غفرها وأعطانا سلطانا أن لا تسود علينا (رو 14:6). كفارة الأثم = كلمة كفارة تعني ان دم المسيح يغطينا فنتبرر "هؤلاء غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف (رؤ14:7). فذبيحة المسيح استوفت عدل الله. البر الأبدي = المسيح هو برنا فيه نصير أبراراً، هو يعطينا حياته فنخلص بحياته. هو كفر عن خطيتنا وأعطانا حياته وإمكانياته  نحيا بها أبراراً.

لختم الرؤيا والنبوة = كلمة ختم تعني وضع خاتم على ورقة رسمية لإعطائها قوة فيصدقها الناس. وبالمسيح تحققت كل نبوات العهد القديم. فالعهد الجديد شاهد لصدق العهد القديم، والعكس صحيح فالعهد القديم شاهد واضح بنبواته عن المسيح. وقد تعني أن زمن النبوات قد انتهي بمجيء المسيح الذي تنباؤا عنه.

لمسح قدوس القدوسين = المسح تم بحلول الروح القدس على المسيح يوم العماد ليخصصه ليقوم بعمل رئيس كهنة ليقدم ذبيحة نفسه. وحلول الروح القدس علي المسيح كان لحساب الكنيسة وقوله قدوس القدوسين يترجم أيضا قدس الأقداس.

 

لكن متي يبدأ حساب السبعين اسبوعا

الإجابة في آيه (25) من خروج الأمر لتجديد أورشليم

وهناك عدة أوامر صدرت من ملوك الفرس وقد ذكرها الكتاب المقدس

الأول :- في السنة الأولي لكورش سنة 536 ق.م (عز1:1-3) ولكن هذا يخص بناء الهيكل.

الثاني :- في السنة السادسة لملك داريوس هستاسب (راجع صفحه 15) سنة 515 ق.م (عز6) ولكن هذا الأمر أيضا خاص ببناء الهيكل وليس بتجديد أورشليم

الثالث:- في السنة السابعة من ملك ارتحشستا سنة 457 ق.م (عز7:7). ثم توجه نحميا للإشراف على بناء المدينة والسور سنة 444 ق.م ولنقرأ سفر نحميا لنعرف حجم الضيقات التي صادفتهم في هذا البناء، حتى أنه قال "يد تبني ويد تمسك السلاح". ولهذا نأخذ تاريخ الأمر الثالث ميعاداً لبدء السبعين أسبوعا أو أل 490سنة. وتأكيده أن أورشليم ستبني يعني أن الهيكل سيبني والذبائح الحيوانية ستعود حتى يجئ المسيح في منتصف الأسبوع الأخير ويكون هو الذبيحة الحقيقية التي تنهي الذبائح الحيوانية. بل تنهي الكهنوت اليهودي (شق حجاب الهيكل). وبنهاية الهيكل اليهودي يبدأ المسيح في تأسيس هيكل جسده أي الكنيسة. لذلك هو أشار لنفسه بأنه الهيكل (يو18:2-22) وهذا معني مسح قدوس القدوسين. أي تأسيس الكنيسة جسد المسيح بالروح القدس.

 

تقسيم السبعين أسبوعاً:

تقسم السبعين أسبوعاً إلى 7 أسابيع + 62 أسبوعاً + أسبوع.

وهذه النبوة تبدأ ببناء أورشليم أي الأمر الصادر بهذا سنة 457 وتنتهي بخراب أورشليم وقد تم خرابها بيد تيطس سنة 70م. فالمجيء الأول للمسيح صاحبه نهاية الكهنوت اليهودي وشق حجاب الهيكل ثم خراب أورشليم ذاتها فهي التي صلبت ملكها. والمجيء الثاني للمسيح أيضاً سيصاحبه  نهاية العالم وأورشليم ضمناً، أو يسبقه خراب أورشليم لاستمرار رفضها للمسيح، بل أنهم سيكملون المعصية بقبولهم لضد المسيح. وحيثما يوجد الشيطان فهذا يعني الخراب. إذاً نهاية النبوة قد تتكرر مرتين بخراب أورشليم.

 

الفترة الأولي

هي فترة = 7 أسابيع أي 49 سنة من سنة 457 ق.م إلى 408 سنة ق.م وخلالها تم ترميم الأسوار وعمل السوق والخليج (في الإنجليزية شارع) إذا المقصود بناء المدينة ولماذا كانت المدة طويلة ؟ السبب أن البناء كان متقطعاً بسبب المضايقات والمؤامرات (راجع سفر نحميا) وهذا معني يعود ويبني سوق وخليج في ضيق الأزمنة.

 

الفترة الثانية

هي فترة = 62 أسبوعاً أي 434سنة من 408سنة ق.م. إلى 26سنة م. وبسبب أخطاء حسابية في تقويم السنين، اكتشف أن المسيح في سنة 26م كان عمره 30سنة، أي أن المسيح ولد فعلاً سنة 4ق.م. إذاً بدأ المسيح ظهوره وخدمته سنة26م. فهذه النبوة تحدد بالضبط ميعاد ميلاد المسيح وميعاد بدء خدمته لأن المعروف أن المسيح ككاهن والكاهن يبدأ خدمته في سن الثلاثين. ولو كنا موجودين أيام ميلاد المسيح لكنا نحسب ميعاد ولادته كالتالي. [1] نحدد ميعاد صدور الأمر بتجديد أورشليم. [2] نضيف عليه 49 + 434 فنحدد بهذا ميعاد بدء ظهوره. [3] نطرح 30سنة لنحدد ميعاد ولادته.

 

من أين حدثت الأخطاء الحسابية؟

كان الخبراء في الفلك قد يمأهم قدماء المصريين، وهم أول من أنشأ تقويم فلكي، لكنهم اعتمدوا على ظهور نجم في السماء، يظهر كل سنة يسمى نجم الشعرى اليمانية. وهم لاحظوا أن الدورة الشمسية تتطابق مع الفترة بين ظهورين متتاليين لهذه النجمة. فإفترضوا تساوي الفترة بين ظهورين متتاليين للنجم والسنة الشمسية. فقسموا هذه الفترة إلى شهور والشهور لأيام وكانت هذه السنة هي ما يسمى بالسنة النجمية لأنها تعتمد على نجم الشعرى اليمانية. وحينما أرادت روما عمل تقويم فلكي خاص بها استقدمت أحد الخبراء المصريين في علم الفلك الذي أتى إلى روما بمعتقداته المصرية، وأسس ما يسمى الآن بالتقويم الميلادي، ولكن على أساس النجوم لأنه إفترض أن السنة الشمسية تتطابق مع السنة النجمية. وكانت السنة الرومانية تبدأ من سنة تأسيس روما على يد رومولوس. وبعد أن دخلت المسيحية إلى روما غيروا هذه البداية لتصبح بداية التقويم الميلادي هي السنة التي ولد فيها المسيح.

في القرون الوسطى أتى أحد باباوات روما (غريغوريوس الكبير) وكان عالماً في الفلك وأكتشف خطأ في حسابات المصريين وأن السنة النجمية أطول من السنة الشمسية بـ11 دقيقة (هذه ما كان العلم أيام قدماء المصريين بقادر على اكتشافها) فأصلح التقويم الميلادي. ومن هنا جاء الخلاف بين الأقباط والغرب. فالغرب يعيدون عيد الميلاد يوم 25ديسمبر. أما الأقباط فيتبعون السنة النجمية ويحتفلون بعيد الميلاد يوم 29كيهك. فالغرب يتبع السنة الشمسية، أما السنة القبطية فهي تتبع السنة النجمية. المهم أنه بعد أن أصلح البابا غريغوريوس التقويم الميلادي بحوالي 200سنة اكتشفوا أنه أخطأ في حساباته بحوالي 4سنوات، ولم يصلح أحد هذا الخطأ فكانت ملايين الكتب قد طبعت وما كان ممكناً إصلاح هذا كله. وصار من المعروف الآن أن المسيح قد ولد سنة 4ق.م.

 

الفترة الثالثة:

هي فترة = أسبوع أي 7 سنين وهو ينقسم إلى نصفين كل منهم = 3 سنة بعد اثنين وستين أسبوعأً يقطع المسيح.. وفي وسط الأسبوع يبطل الذبيحة راجع هذا بالمقارنة مع (أش8:53،10) فالمسيح قيل عنه "قطع من أرض الأحياء، جعل نفسه ذبيحة إثم" إذاً معنى يقطع المسيح أي يموت ويصبح ذبيحة إثم من أجل ذنب الشعب. وبموت المسيح تبطل الذبائح الحيوانية (راجع عب9،10). وهذا معنى يبطل الذبيحة. وليس له= معناها ليس من أجل خطيته بل من أجل ذنب الشعب. على أنها تفهم أيضاً "أنه لم يقف أحد بجانبه" تأتي ساعة وهي الآن حين تتركونني وحدي" وقد شهد بيلاطس لبر المسيح وأنه وحده بلا ذنب. وكلمة يقطع تستخدم في الخروج واللاويين والعدد بمعنى قتل الشخص أو تنفيذ حكم القتل فيه. وبالنسبة للمسيح لم يكن له من يدافع عن قضيته. وإذا كانت النبوة حددت أنه في خلال الـ49 سنة الأولى يكون ضيق أزمنة فهي لم تحدد ماذا سوف يحدث خلال الـ434 سنة التالية لتستعد الأذهان في التفكير في المسيح وحده.

 

التفسير اليهودي للنبوة: هم يتلاعبون بالتواريخ لمحاولة إثبات أن الشخص المشار إليه هنا هو  أونيا رئيس الكهنة وأنه اضطُهِد واستُشهِد بواسطة المضطهدين بمساعدة بعض اليهود المرتدين وسينجح هذا المضطهد في اضطهاده حتى يصب الله غضبه عليه. وهم يعتبرون أن هذا المضطهد هو أنطيوخس إبيفانيوس ولكن تلاعبهم في التواريخ بطريقة مكشوفة جداً. ومع هذا فهناك فرق 66سنة لا يجدون له حلاً.

تأمل في الفترة الأولى. هناك وعد ببناء المدينة ولكن في أثناء الضيق. وهكذا طول فترة وجودنا على الأرض فهناك ضيقات " في العالم سيكون لكم ضيق" ولكن ما يعزينا أن الله سيكمل عمله ويحمي مدينته (كنيسته) بسور فهو سور من نار لنا ولكنيسته.

الأسبوع الأخير أو الأسبوع السبعين: فيه المسيح يثبت عهداً مع كثيرين = هذا هو العهد الجديد الذي أشار إليه أرمياء (31:31) واستمر المسيح 3 سنة هي مدة خدمته بالجسد على الأرض، يعمل ويخدم، ويجول يصنع خيراً، ويدعو الجميع للخلاص، ثم يؤسس سر الإفخارستيا (دم العهد الجديد) ثم في منتصف الأسبوع يصلب = وبدمه يتأسس العهد الجديد ويثبت، ويبطل الذبيحة الحيوانية.

 

وماذا عن النصف الثاني من الأسبوع؟ هناك تفسيرين:-

التفسير الأول: الثلاث سنين ونصف الثانية من الأسبوع الأخير هي من وقت صعود المسيح حتى وقت استشهاد اسطفانوس أي حين بدأ اليهود في اضطهاد كنيسة المسيح، وبذلك استحقوا ما حدث لهم على يد تيطس الروماني. وهو ما قيل عنه شعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس = وهو قال رئيس آتٍ = لأنه في وقت هذه الرؤيا لم تكن الدولة الرومانية قد قامت بعد.

التفسير الثاني: يقول البعض أنه بعد صلب المسيح توقفت ساعة السبعون أسبوعاً النبوية، أي أن هذه الثلاثة سنين ونصف لم تأتي بعد خصوصاً أن 3 سنة = 42شهراً = 1260يوماً المذكورة في سفر الرؤيا. وبهذا يكون هذا الرأي يعني أن هذه المدة تشير للأيام الأخيرة حين يقبل اليهود ضد المسيح وبذلك يتم خرابهم النهائي كما تم خرابهم بيد تيطس من قبل.. وقد يصح كلا الرأيين.

الخراب على يد الرومان: يذكر يوسيفوس المؤرخ اليهودي أنه في ذلك اليوم كان بأورشليم 2مليون يهودي للاحتفال بعيد الفصح. وأتى تيطس وحاصر الأبواب كلها ليمنع الخروج والدخول فاشتدت المجاعة حتى أن رأس الحمار كانت تساوي 500دينار وأكلت الأمهات أولادهن. ومن تسلل من اليهود صلبه تيطس. وقد علَّقَ 120ألف على صلبان، وأخيراً أقتحم أورشليم وأهلك حوالي مليون ودك المدينة والهيكل وكان الاكتساح الروماني كالطوفان مما جعل اليهود يتشتتون تماماً في العالم. وكلمة غمارة (26) تعني الطوفان فهذا الشعب الآتي أي الرومان سيكتسح أورشليم كالطوفان. وبعد تشتتهم سيستمرون للنهاية في حرب وخرب قضى بها = جزاءً لهم على رفضهم للمسيح. وهذا ما حدث تاريخياً لليهود، فهم ظلوا مرفوضين يقتلهم كل أحد حوالي 2000سنة.

على جناح الأرجاس مخرَّبْ = كان الغيورين هم جماعة يهودية ظهرت بعد المسيح وقد نسب لهم يوسيفوس سبب خراب أورشليم. فهم في الحقيقة لم يكونوا غيورين على الدين بل كانوا قطاع طرق ولصوص وقتلة، ويصح تسميتهم بالمغتالين. وحاول هيرودس الكبير كبح جماحهم لأنه كانت  لهم اليد الطويلة على تلال الجليل. لكنهم في الأيام الأخيرة تحدوا الرومان وأغلقوا مدناً أمامهم وحين رأوا اقتراب جيوش الرومان منهم لجأوا إلى أورشليم بقيادة من يسمى JOHN GISCHALA وبدأوا في إثارة ثورة ضد الرومان ثم دخلوا الهيكل وامتلكوه، وفيه بدأ طغيانهم ضد الشعب وكانوا يصدرون أوامرهم للشعب والكهنة ويقول المؤرخ "لا يمكن تخيل بشاعة وفظاعة أعمالهم" وهم في نجاستهم وخطيتهم بدا أنهم نجحوا بعض الوقت بل هم أزاحوا رئيس الكهنة وأتوا برجل أخرق ليقوم بدوره ليصنعوا ما يريدونه. وهذا جعل الكهنة يبكون بمرارة على ما يحدث وقال أحدهم "كنت أفضل أن أموت عن أن أرى الهيكل مدوساً بهؤلاء النجسين الذين يسكرون في الهيكل.ويصبح معنى على جناح الأرجاس مخَّرب = وهذه تترجم على جناح الأرجاس يقوم مخَّرب وجناح الأرجاس تترجم OVERSPREADING OF ABOMINATIONS أي المعنى أنه نظراً لإنتشار الرجاسات سيأتي الخراب على يد مخرّب. وهذا المخرب هو تيطس. وهم احتقروا النبوات، ولو تأملوا فيها لفهموا. والآن لنفهم كيف أشار المسيح لهذه النبوة.

1.     (مت15:24) فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس ليفهم القارئ فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال وكان هؤلاء المجرمين بوجودهم في الهيكل هم رجسة الخراب قائمة في المكان المقدس.

2.     (لو 20:21) "ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش فحينئذ أعلموا أنه اقترب خرابها حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال...".

فهؤلاء الثائرين النجسين نجسوا الهيكل. وهيجوا الرومان بثورتهم ضدهم. فأحاطت الجيوش الرومانية بأورشليم. وفي ليلة حاول الجنود الرومان التسلل إلى الهيكل عبر الأسوار ووضعوا على الهيكل النسر الروماني، إلا أن اليهود تنبهوا وقتلوا الجنود الرومان المتسللين. فيأس تيطس من حصار أورشليم وأنسحب معتقداً أنها كمدينة صغيرة لا تستحق هذا العناء من الجيش الروماني العظيم. إلا أنه بعد مسيرة ساعات تقابل مع نجدة آتية من روما مع أوامر من أبيه الإمبراطور فاسباسيان، بسحق أورشليم فعاد أدراجه إلى أورشليم إلا أن المؤمنين من المسيحيين من الذين كانوا داخل أورشليم حينما رأوا هذه العلامات :

Text Box: رجسة الخراب في المكان المقدس

النسر الروماني على الهيكل. 

هؤلاء المجرمين في الهيكل.

جيوش محيطة بأورشليم.

وقارنوا هذا مع ما قاله السيد المسيح ففهموا أن أورشليم ستخرب فهربوا إلى الجبال فوراً. أما اليهود فبدأوا في احتفالاتهم بالانتصار وانسحاب الجيوش الرومانية. وما هي إلا ساعات إلا وعاد الجيش الروماني بقيادة تيطس وحاصر أورشليم هذا الحصار البشع الذي سجله يوسيفوس وقال عنه أكلت الأم أبنائها فيه، لكن كان المسيحيين المؤمنين كلهم قد هربوا (هذه فائدة النبوات، أنها تكون غير مفهومة ولكنها تفهم في الوقت المناسب فيكون لها فائدة) فالنبوات يجب أن تظل غامضة حتى يحين موعدها لئلا تتعطل خطط الله. وهذا الحصار انتهى بخراب أورشليم الخراب النهائي.

ملحوظة: هؤلاء الغيورين احتلوا الهيكل المدة 3سنوات قبل خراب أورشليم.

 

هل تتكرر هذه النبوة؟ (راجع 2تس3:2-12) وفيها نجد أن ضد المسيح سيأتي ويدخل هيكل الله، بل أنه سيظهر نفسه أنه إله. وهو سيأتي بعمل الشيطان وبأيات وعجائب كاذبة. ولأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يخلصوا سيرسل الله لهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب. فنحن أمام صورة أخرى لإنتشار الرجاسات وحيثما وُجِد الشيطان يوجد الخراب. وغالباً حين يظهر هذا الأثيم سيعقب هذا إنتشار بدعته في العالم وتنتشر الأرجاس. ويكون هذا علامة على خراب نهائي للعالم ولأورشليم. وسيأتي هذا الخراب مثل الفيضان أي بغمارة أيضاً. ولكن الغمارة الأخيرة ستكون الدينونة حيث يُلقي هذا الأثيم ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار حيث يصب المقضُّى على المخرّب = فالله قضى بخراب أورشليم لصلبها المسيح واضطهادها الكنيسة مبتدئة بقتل الشماس اسطفانوس. وقضى بدينونة هذا العالم النهائية لأنه أحب الخطية فضلَّ وراء ضد المسيح تاركاً المسيح الحقيقي ولذلك سيصب الله قضاؤه على هذا الُمخرّبْ الذي خرَّب العالم.

الآية (27) الذبيحة والتقدمة: الذبيحة تعنى الذبائح الدموية والتقدمة مثل الدقيق واللبان.

 

كيف نحدد موعد ميلاد المسيح:

1.     (لو 1:3،2) في السنة الخامسة عشرة لطيباريوس قيصر. وهذا يحدد سنة ميلاد المسيح لأن يوحنا المعمدان يكبر المسيح بستة أشهر. والمسيح بدأ وله 30سنة (لو23:3).

2.     وُلد المسيح أيام هيرودس الكبير وغالباً في نهاية حكمه، قارن مع (مت19:2،20) وقد مات هيرودس سنة 4ق.م لذلك تكون سنة 26م، فيها سن المخلص = 30سنة.

3.     من تحديد عُمر الهيكل وتجديده بـ46 سنة، وبمعرفة أن هيرودوس بدأ البناء سنة 20ق.م نأتي ثالثة لسنة 26ق.م.

 

كيف نحسب مدة خدمة المسيح قبل صلبه.

يذكر القديس يوحنا 3 مرات أن المسيح أكل الفصح مع تلاميذه (13:2 + 4:6 + 1:12) والأخير هو الذي بدأت معه ألام المسيح ويمكن إثبات أن المسيح قضى فصحاً آخر بين الثاني والثالث من حساب مواعيد الزراعة فتكون خدمة المسيح 3 بين بدء خدمته وصلبه.


 

الإصحاح العاشر

الإصحاحات من العاشر حتى الثاني عشر، هي نبوة واحدة، أظهرها الله لمصلحة الكنيسة ليس بالرموز والعلامات كما سبق في رؤيا الحيوانات أو حلم نبوخذ  نصر، لكنها تأتي هنا بصورة واضحة وكلمات محددة كمن يَقُّصْ تاريخاً قد حدث، أو يحكى قصة رآها. وقد أعطى دانيال هذه الرؤيا بعد سنتين من عودة اليهود من السبي. وهذه الرؤيا تبدأ بالأحداث في زمن دانيال وتستمر حتى نهاية الأيام. ولا يستطيع سوى الله أن يخبر عن المستقبل بهذه الدقة البالغة وهو يخبرنا بالمستقبل لنثق فيه كإله، ونؤمن به، أو ليزداد إيماننا به، بل هو يتحدى أن يفعل ذلك أي أحد سواه (راجع أش21:41-24) والسيد المسيح يقول "قلت لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون" (يو29:14) وليس فقط ليزداد إيماننا بل حينما نعرف أن الله يعرف تفاصيل المستقبل فهو بالتالي قادر على التحكم فيه وهذا يعطينا اطمئناناً.

(ص10:) ظهور المسيح لدانيال وحوار ملائكة معه.

(ص11): نبوات خاصة بالعلاقة بين البطالسة في مصر والسلوكيين في سوريا وتنتهي بموت أنطيوخس إبيفانيوس (وفيه نبوات واضحة عن ضد المسيح).

(ص12): تحدثنا عن الضيقة العظيمة ونهاية الأزمنة.

 

آية (1): "في السنة الثالثة لكورش ملك فارس كشف أمر لدانيال الذي سمي باسم بلطشاصر.والأمر حق والجهاد عظيم وفهم الأمر وله معرفة الرؤيا."

في السنة الثالثة لكورش = بينما في دانيال 21:1 يذكر " كان دانيال إلى السنة الأولى لكورش" فيبدو أن دانيال استمر في مركزه السامي أيام الفرس حتى السنة الأولى لكورش ثم ترك منصبه السامي هذا (ربما لإحالته على المعاش) ولكنه عاش بعد ذلك لمدة سنتين يتابع عودة شعبه، ولكنه لم يعد معهم إلى أورشليم غالباً لأن الله أراد منه أن يتمم عمل معين في بابل. وبعد أن رأى دانيال هذه الرؤيا استراح من أتعاب هذا العالم (دا 13:12) وذكره لإسمه البابلي بلطشاسر = يعني أن تأثير الحكم البابلي استمر فترة وأن الناس كانت تعرفه بهذا الاسم، ولكنه دائماً أصَّر حتى أيام البابليين على استخدام اسمه دانيال. الأمر حق = أي كل كلام الرؤيا الذي سيأتي هو حق وسيحدث. ومن وضوح هذه النبوة صارت كأنها تاريخ مكتوب وليست كلمات نبوية غامضة. وحيث أن مضمون النبوة يشير لآلام كثيرة، مثلاً على يد أنطيوخس وتتكرر في أيام النهاية مع ضد المسيح أيام الضيقة العظيمة فيقول والجهاد عظيم. فأعداء شعب الله كثيرين والله ينبه أن ما سيأتي يحتاج لجهاد عظيم من الشعب. ومن وضوح ما رآه فهم الأمر وعرف معنى الرؤيا. حقاً ما دام الشيطان يحارب ضدنا علينا أن نجاهد.

 

الآيات (2،3): "في تلك الأولى أنا دانيال كنت نائحاً ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعاماً شهيّاً ولم يدخل في فمي لحم ولا خمر ولم أدهن حتى تمت ثلاثة أسابيع أيام."

لاحظ أنسحاق دانيال في هذه السن المتقدمة فهو يشارك شعبه آلامهم وهو لم يكن يتوقع أن يظهر الله له رؤيا. بل غالباً كان حزيناً لتقاعس الشعب عن العودة لأورشليم، فهو يصلي ويصوم كما هي عادته معترفاً بخطاياه وخطايا شعبه. وربما وصلته أخبار مقاومة الأعداء لبناء الهيكل، الشعب عن بنائه، أو أن أورشليم محروقة وسورها منهدم. فالقديسين الحقيقيين يبكون حين يروا أن نمو عمل الله يقاوم وقوله ثلاثة أسابيع أيام= أي 21 يوماً. لأنه يريد أن يميز بين السبعين أسبوعاً وهم = 490 سنة وبين الأسابيع العادية. ولاحظ أن صوم دانيال هذا لم يكن صوماً عاماً بل صوماً اختيارياً.

 

(آية 4): "اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول إذ كنت على جانب النهر العظيم هو دجلة."

النهر العظيم دجلة: قارن مع (تك18:15) فنهر الفرات سُمَّىَ النهر الكبير ونهر دجلة (أو حدّاقل) (تك14:2) يسمى المياه العظيمة فدجلة طوله 1146 ميلاً بينما الفرات فإن طوله 2170ميلاً. ولكن نهر دجلة في عمقه وحجمه وسرعته يزداد عن الفرات. ومعنى كلمة دجلة في لغتها الأصلية تعني السريع أما الفرات في لغتها الأصلية فتعني الكبير، وقارن هذا مع نهر أولاي في إصحاح (8) وهو النهر الهادئ أو القناة الهادئة التي تستخدم في التجارة والري  ودانيال رأى رؤياه في (8) للإشارة لمصدر غنى فارس الذي سيثير عليهم حقد وحروب اليونان (دا 2:11). أما في هذه الإصحاحات فالرؤيا تشير لقوى حربية ضخمة وحروب رهيبة، ولهذا كانت الرؤيا بجانب دجلة السريع في حركته وإندفاع مياهه (راجع إش 13:17 + 6:8-8) (وحتى يكمل المعني فدانيال نفسه استخدم هذا في 10:11،40) ونجد في هذه الشواهد إشعياء ودانيال شبهوا حركة الجيوش بالفيضان.

يضاف أن دانيال رأى رؤياه على دجلة لأن سلوكس نيكاتور الذي أسس كرسي السلوكيين أسسه على ضفاف دجلة وبنى مدينة عظيمة هي سلوكية لتحل محل بابل ولتكن عاصمة لمملكته الممتدة شرقاً. وكان تعداد سكانها 600.000 وكانت مدينة عظيمة وسميت بابل الثانية كما سميت بابل أشور الثانية.

 

الآيات (5-9): "رفعت ونظرت فإذا برجل لابس كتاناً وحقواه متنطقان بذهب أوفاز. وجسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق وعيناه كمصباحي نار وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور. فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدي والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا. فبقيت أنا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة ولم تبق فيّ قوة ونضارتي تحولت فيّ إلى فساد ولم أضبط قوة. وسمعت صوت كلامه ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبّخاً على وجهي ووجهي إلى الأرض."

هنا نجد إحدى ظهورات المسيح قبل التجسد. ودانيال رآه في نفس الصورة التي رآه بها يوحنا الرائي في سفر الرؤيا. لابس كتان = فهو رئيس كهنة. وحقواه متمنطقتان بينما في (رؤ13:1) "كان متمنطقاً عند ثدييه" والسبب أنه حينما رآه دانيال كان يستعد للتجسد فهو منطق حقويه استعداداً لعمل خدمة، كما تمنطق يوم غسل أرجل تلاميذه. بينما يوحنا رآه متمنطقاً عند ثدييه كما يفعل القضاة فهو هنا يستعد للقضاء أي ليوم الدينونة. ذهب أو فاز = أفخر أنواع الذهب والذهب يرمز للسماويات. وجسمه كالزبرجد= والزبرجد نوع من الحجارة الكريمة شديدة الصلابة لونه أخضر فاتح. والخضرة علامة الحياة. فالمسيح هو  الحياة وسيأتي ليعطينا حياة ووجهه كمنظر البرق= بينما رآه يوحنا "ووجهه يضئ كالشمس في قوتها" والفرق واضح فكل منهما رأى قدر ما يحتمل فدانيال نبى العهد القديم رأى الوجه يلمع كالبرق أي في نبضات يلمع لفترة قصيرة فهو لا يحتمل أكثر. أما يوحنا الذي حل عليه الروح القدس فلقد احتمل أن يرى النور بثبات. ولكن كلاهما لم يحتمل ما رآه والسبب فَسَّرَهُ يوحنا نفسه "إن قلنا أننا بلا خطية نضل أنفسنا" إذاً طالما كنا في الجسد لن نحتمل رؤية المسيح في مجده بسبب الخطية التي فينا. "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7) وبولس يشتاق لهذا لكي يرى مجد المسيح وليفرح به كل الفرح (1كو2:13 + 2كو18:3) وعيناه كمصباحي نار= فاحصتان مميزتان تخترقان أستار الظلام ولا يخفي عليه شئ. له نظرة مرعبة للأشرار تملأهم خوفاً. وهذا ما سيجعل الأشرار في اليوم الأخير يقولون للجبال اسقطي علينا من وجه الجالس على العرش. أما التائب الباكي فيري فيهما نوراً ومحبة وقلب يعطف عليه مقدراً ضعفه. النحاس المصقول = فيديه ورجليه كانوا هكذا والنحاس يشير للدينونة، فالمسيح سيدين إبليس والخطية بقوة صليبه، هو مقدم على عمل جبار سيدك به معقل الشيطان، وقدميه ليستا من خزف. ولكن يوحنا في الرؤيا رأى " رجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميتان في أتون" والنحاس المتحد بنار الأتون يشير لإتحاد اللاهوت بالناسوت. ولأنه في أيام دانيال ما كان هذا الاتحاد قد تم بعد، رأى دانيال يداه ورجلاه كنحاس فقط. وصوت كلامه كصوت جمهور= صوت قوى مرعب للأشرار. وربما تعني للأبرار أن الكنيسة كلها تردد صوته فلها فكر المسيح. ودانيال وحده رأى الرؤيا ومن معه لم يراها. فحالتهم لا تسمح، أما هذا المحبوب فلقد رأى بقدر ما يستطيع (أع7:9 + 9:22 + يو22:14) + "لا يراني الإنسان ويعيش" أما خوفهم كان ربما من الصوت أو شئ مرعب أحسوا به من حولهم دون أن يدركوا كنهه. وخوف المرافقين دليل صحة الرؤيا. إذاً هي ليست خيال. وكما قلنا فلا يوجد إنسان بلا خطية، فكما سقط يوحنا وحزقيال وبولس هكذا سقط دانيال أمام هذه الرؤيا ووجهه إلى الأرض مسبخاً = في الإنجليزية DEEP SLEEP فيبدو أنه غاب عن الوعي ولكن كمن في حلم لذيذ.

 

الآيات (10-21): "وإذا بيد لمستني وأقامتني مرتجفاً على ركبتيّ وعلى كفيّ يديّ. وقال لي يا دانيال أيها الرجل المحبوب افهم الكلام الذي أكلمك به وقم على مقامك لأني الآن أرسلت إليك.ولما تكلم معي بهذا الكلام قمت مرتعداً. فقال لي لا تخف يا دانيال لأنه من اليوم الأول الذي فيه جعلت قلبك للفهم ولإذلال نفسك قدام إلهك سمع كلامك وأنا أتيت لأجل كلامك. ورئيس مملكة فارس وقف مقابلي واحداً وعشرين يوماً وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأولين جاء لإعانتي وأنا أبقيت هناك عند ملوك فارس. وجئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة لأن الرؤيا إلى أيام بعد. فلما تكلم معي بمثل هذا الكلام جعلت وجهي إلى الأرض وصمت. وهوذا كشبه بني آدم لمس شفتيّ ففتحت فمي وتكلمت وقلت للواقف أمامي يا سيدي بالرؤيا انقلبت عليّ أوجاعي فما ضبطت قوّة. فكيف يستطيع عبد سيدي هذا أن يتكلم مع سيدي هذا وأنا فحالاً لم تثبت فيّ قوّة ولم تبق فيّ نسمة. فعاد ولمسني كمنظر إنسان وقوّاني. وقال لا تخف أيها الرجل المحبوب سلام لك.تشدد.تقوّ.ولما كلمني تقويت وقلت ليتكلم سيدي لأنك قوّيتني. فقال هل عرفت لماذا جئت إليك.فالآن أرجع وأحارب رئيس فارس.فأجاب خرجت هوذا رئيس اليونان يأتي. ولكني أخبرك بالمرسوم في كتاب الحق.ولا أحد يتمسك معي على هؤلاء إلا ميخائيل رئيسكم."

 من منظر المسيح سقط دانيال. وأرسل له المسيح جبرائيل يقويه ويعيد له هدوءه. وهو بدأ بالوقوف تدريجياً فهو بدأ يقف على يديه ورجليه أولاً. والله قبل أن يعطي قوة لرجاله يكشف لهم ضعفهم "لنا هذا الكنز في أوان خزفية" (2كو4) ولذلك قال بني إسرائيل لموسى "لا يكلمنا الله لئلا نموت" ومرة ثانية يؤكد الملاك أن الله سمع لدانيال من اليوم الأول لصيامه. وفي (13) رئيس مملكة فارس= هو الشيطان الذي يعمل في مملكة فارس ولأنها مملكة عظيمة فيبدو أن الشيطان الذي يعمل فيها شيطان جَبَّار. وهو حاول أن يُعَطّل خطط الله لخلاص شعبه فدبَّر مؤامرات وخطط ليعطّل عمل الخلاص. ووقف جبرائيل أمامه هذه الواحد وعشرين يوماً ثم جاء الملاك ميخائيل لمساندته. وبقى جبرائيل عند ملوك فارس ليرشدهم ويحبط مؤامرات الشياطين ضد شعب الله. هذه هي معونة الملائكة لنا ولذلك نتشفع بهم. ولنلاحظ أن الرجل لابس الكتان هو المسيح بينما الذي لمس دانيال وكلمه هو الملاك جبرائيل. والدليل على ذلك آية (17) وفيها دانيال يُعبّر عن روعِهِ من منظر المسيح وأنه حينما رآه لم يستطع أن يتكلم. فهو يسأل الملاك كيف يستطيع عبد سيدي هذا أن يتكلم مع سيدي هذا= أي كيف تستطيع أيها الملاك وأنت عبد سيدي هذا الواقف أمامي ومنظره يرعبني أن تتكلم معه ولا تخاف. لكن السبب أن الملائكة بلا خطية. وما أنعش نفس دانيال تسمية الملاك له بأن محبوب. الملاك هنا يحاول نزع الخوف كما تفعل الأم مع طفلها. بل هو قواه ليثبت (18). والله الذي وَجَدَ في قلب دانيال إهتماماً بشعبه ومستقبلهم أرسل له مع الملاك رؤيا خاصة بالمستقبل إعلاناً منه أنه قبل صلواته وصومه. فهو متألم الآن بسبب من بقى في السبي وبذلك اشترك مع الله في ألمه من أجل الشعب فأشركه الله معه في المستقبل. وأظهر له الملاك الملوك الذين سيحاربون شعب الله. رئيس اليونان = أي الشيطان الذي يعمل مع رئيس اليونان ليضطهد شعب الله، فالشيطان كما أسماه المسيح رئيس هذا العالم. ولكن لا نخاف من هذا فمن معنا أقوى ممن علينا. والملائكة يكلفها الله بالحرب ضد سلاطين الظلمة. ونجد هنا وعد بأن ميخائيل رئيسنا يتمسك معي = هو يحارب مع جبرائيل ضد الشيطان. ولذلك ترسم الأيقونات القبطية صورة الملاك ميخائيل ومعه سيف والشيطان ساقطاً مقهوراً تحت قدميه. هذا هو الملاك ميخائيل نصير وشفيع الكنيسة وحاميها ضد أعدائها. ولكن لماذا تنجح خطط الشيطان إلى حين؟ الله يستخدم الشيطان كعصا تأديب ضد أولاده إذا عصوا (1كو5) بل يستخدمهم الله في بعض الأحيان ليصيبوا الجبابرة مثل بولس بشوكة في الجسد حتى لا يستكبروا (2كو12). ويستخدمهم الله كنار تأديب لتطهير أولاده من بعض خطاياهم (ايوب) فتجارب الشياطين تكون علينا كنار ولكن الله يسمح بها ليطهرنا. والله يستخدمهم ليغربل الحنطة من التبن والعصافة. فالنار تحرق العصافة وتنقي الذهب. ويسمح الله للشيطان أن يُضّلْ ملك شرير مثل أخاب لأنه يستحق هذا (1مل20:22-23) "إذاً كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله وأن سمح الله بآلام للجسد من جراء مؤامراتهم فلكي تخلص الروح (1كو5:5).


 

الإصحاح الحادي عشر

سبق الله وأنبأ في الإصحاحات (2،7) بالدول العظمى أو الممالك الكبيرة التي تؤثر في شعب الله. وكانت بالترتيب بابل ثم مادي وفارس ثم اليونان ثم الرومان. وركز الإصحاح السابع على الرومان بالذات والهرطقة التي تأتي بعدهم. وفي الإصحاح الثامن تركيز على الفرس والمملكة التي تأتي بعدهم وهي الدولة اليونانية التي يخرج منها ملك مضطهد خبيث ماكر دموي يضطهد شعب الله. ونجد هنا في هذا الإصحاح تركيزاً أكثر على كون أن اليونان ستعقب مملكة الفرس، ويخرج منهم هذا المضطهد وهو أنطيوخس إبيفانيوس. والقصة المذكورة هنا حدثت تماماً والله قصد أن يخبر بهذه الأحداث قبل حدوثها حتى يتوقع الشعب ظهور هذا المقاوم. وقد تتكرر هذه الأحداث بصورة أو بأخرى قرب نهاية الأيام، وتنتهي بظهور شخصية ماكرة دموية تضطهد شعب الله، ألا وهو ضد المسيح واليهود سيقبلونه على أنه المسيح. والمسيح قد سبق وحذرنا من أن نقبله " لا تصدقوا أن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هناك" (مر21:13). وحتى نتأكد من أن هذا الشخص دجال ستسبق هذه الأحداث ظهوره. خصوصاً أن كلمات هذا الإصحاح تشير لشخصية ضد المسيح هذا. وكون أن الله يخبر شعبه بنبوة ستحدث بعد آلاف السنين فهذا بلا شك يقوي إيمانهم خلال هذه الضيقة المنتظرة. ومن يعرف ما سوف يحدث من آلاف السنين فلا شك أنه يستطيع أن يتصرف ويسيطر على الأمور.

 

آية(1): "وأنا في السنة الأولى لداريوس المادي وقفت لأشدّده وأقويه."

هنا المتكلم هو الملاك جبرائيل، وهو يعلن كيف كان يحارب رئيس فارس فهو كان يشدد ملكها داريوس ليطلق الشعب من أرض العبودية. وهذه القصة تظهر عمل الملائكة وخدمتهم للبشر. وغالباً كانت هناك ملائكة تشجع داريوس حتى ينتصر على جيش بابل. ونحن نصلي لأي حاكم حتى يكون هناك سلام للكنيسة. إذاً الملائكة تشدد الحكام لصالح شعب الله.

 

آية(2): "والآن أخبرك بالحق.هوذا ثلاثة ملوك أيضاً يقومون في فارس والرابع يستغني بغنى أوفر من جميعهم وحسب قوّته بغناه يهيّج الجميع على مملكة اليونان."

راجع صفحة 8،9 فالثلاثة ملوك هم إما كورش ثم قمبيز ثم داريوس هستاسب أو يكون المقصود هم من أتوا بعد كورش وهم قمبيز ثم المحتال سمردس ثم داريوس هستاسب. وأما الرابع فهو زركسيس الأول أغناهم ثروة والفرس أطلقوا على كورش لقب الأب وعلى قمبيز لقب المعلم وعلى داريوس لقب المؤسس والحامي. أما الرابع وهو زركسيس فقد أثار اليونان بهجومه عليها وكانت حملته ضد اليونان شهيرة في التاريخ، وأيضاً هزيمته النكراء هناك ولاحظ قول الكتاب يهيج وليس يهزم. وهو حين خرج ليحارب اليونان بجيشه الضخم كان مصدر قلق ورعب لهم وفي رجوعه كان هزءاً وسخرية لليونان. وأسقط الكتاب بقية ملوك الفرس لينتقل لملوك اليونان.

 

آية (3): "ويقوم ملك جبار ويتسلط تسلطاً عظيماً ويفعل حسب إرادته."

هذه تشير للإسكندر الأكبر الذي عبدوه كإله وتسلَّطَ كيفما يريد.

 

آية (4): "وكقيامه تنكسر مملكته وتنقسم إلى رياح السماء الأربع ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به لأن مملكته تنقرض وتكون لآخرين غير أولئك."

مات الإسكندر شاباً ولم يكن له من يخلفه على عرشه فأخوه أريديوس (وهو ليس من أمه) الذي تركه في اليونان قتلته أم الإسكندر أوليمباس بل سممت إبنا الإسكندر هيركوليس وإلكسندر لتحكم هي. ولا لعقبه ولا حسب سلطانه= فحينما مات الإسكندر لم يرثه عقبه، بل انتهت عائلته بموته وقام عوضاً عنه قادته الأربعة (راجع صفحة 34) ولكنهم لم يكونوا في قوته = ولا حسب سلطانه.   وكقيامه تنكسر مملكته = أي كما قام وغزا العالم بسرعة سيموت فجأة شاباً وقصة الإسكندر ونهايته ونهاية أسرته هي شاهد على بطلان هذه الدنيا "هو امتلك الدنيا وخسر نفسه".

 

ممالك الجنوب والشمال:

كانت أقوى مملكتين من الأربع ممالك هما مملكة مصر وتسمى مملكة الجنوب ومملكة سوريا وتسمى مملكة الشمال. وهذين المملكتين ظلا في صراع منذ نشأتهما ودار هذا الصراع حول إسرائيل وأورشليم. ولذلك يخبر الله مسبقاً بما سيصنعه هؤلاء بشعبه. ومن شدة وضوح النبوات وتطابقها مع ما حدث فعلاً ظن نقاد الكتاب المقدس أن كاتب سفر دانيال ليس هو دانيال إنما كاتب آخر من العصر اليوناني. هؤلاء لا يصدقون إمكانية أن ينبئ أحد الأنبياء بالمستقبل، بل هم يريدون الأنبياء مجرد مؤرخين لأحداث وقعت فعلاً. ولكن لاحظ قول الرب في إش21:41-23 فالله هنا يقول أنه ليس غيره من يستطيع أن يخبر بالمستقبل، وهو يفعل هذا قطعاً عن طريق أنبيائه، وذلك ليزداد إيماننا ونتشدد حين يتم ما سبق وأخبرنا به (يو29:14) ومملكة الجنوب كانت تسمى مملكة البطالمة نسبة لمؤسسها بطلميوس ومملكة الشمال كانت تسمى مملكة السلوكيين نسبة لمؤسسها سلوكس.

 

وفيما يلي جدول بملوك المملكتين.

سلوكس نيكاتور (الغالب) من سنة 310 ق.م بطلميوس لاجوس من سنة 323 ق.م

أنطيوخس سوتير (المنقذ) من سنة 280               بطلميوس فيلادلفوس من سنة 284

أنطيوخس ثيوس (الإله) من سنة 260                 بطلميوس إيروجيتس من سنة 246

سلوكس كاللينيكوس (الطبيب) من سنة 245           بطلميوس فيلوباتر من سنة 221

سلوكس كيرونوس من سنة 225                       بطلميوس أبيفانيوس من سنة 204

أنطيوخس الكبير من سنة 223                         بطلميوس فيلوميتر من سنة 180

 سلوكس فيلوباتير من سنة 186

هليودوروس- بطلميوس السادس

وديمتريوس. وهؤلاء قاومهم أنطيوخس إبيفانيوس

وخلفهم بالمكر

أنطيوخس إبيفانيوس من سنة 175

      ملوك سوريا (الشمال)                                ملوك مصر (الجنوب)

 

والآيات التالية تشير للحروب التي قامت بين هاتين العائلتين. وتسميتها بالشمال والجنوب فهذا قطعاً بالنسبة لأرض إسرائيل حيث يوجد شعب الله. ولذلك لم نسمع عن أخبار مملكة اليونان ولا تراقيا بعد ذلك. فالملاك يعلن لدانيال أنه سيريه ويفهمه ما يصيب شعبه. إذاً النبوات مركزة على ما يصيب شعب الله.

 

(آية5): "ويتقوى ملك الجنوب.ومن رؤسائه من يقوى عليه ويتسلط.تسلط عظيم تسلطه."

ملك الجنوب هو بطلميوس لاجوس وقوله ومن رؤسائه من يقوى عليه تشير لأن سلوكس نيكاتور كان خاضعاً أولاً لبطلميوس لاجوس. ثم تقوى سلوكس على بطلميوس واستولى على أعظم مملكة بين الأربع ممالك وهي مملكة سوريا والتي امتدت من شاطئ البحر المتوسط حتى حدود الهند. وقيل أنه كان يتبع سلوكس هذا 72 ملكاً وهذا يتضح من الجدول السابق فسلوكس نيكاتور بدأ ملكه مستقلاً سنة 310 ق.م أي بعد تأسيس كرسي البطالمة بـ13 سنة وسلوكس هذا سمى بالغالب أو الفاتح لكثرة فتوحاته، مما قواه ضد بطلميوس وكانت هناك أحقاد بسبب هذا بين العائلتين.

 

آية (6): "وبعد سنين يتعاهدان وبنت ملك الجنوب تأتي إلى ملك الشمال لإجراء الاتفاق ولكن لا تضبط الذراع قوة ولا يقوم هو ولا ذراعه.وتسلّم هي والذين أتوا بها والذي ولدها ومن قوّاها في تلك الأوقات."

كانت هناك محاولات لدمج وتوحيد المملكتين ولكنها كانت غير مثمرة. وبعد وفاة الإسكندر بحوالي 70سنة كانت هناك محاولة غير مخلصة لربط المملكتين وكان ذلك بأن زَوَّجَ بطلميوس فيلادلفوس ملك مصر أبنته برنيكي لأنطيوخس ثيوس ملك سوريا، الذي كان له زوجة تدعى لاوديس فبنت ملك الجنوب برنيكي هذه تأتي لملك الشمال لإجراء الاتفاق = أي الوحدة ولكن لا تضبط الذراع قوة = أي لن تملك هي ولا ذريتها على كرسي الشمال، بل ولا أبوها ولا أنطيوخس زوجها نفسه (اللذين كان التحالف بينهما) وستسلم هي والذين أتوا بها = أي كل من خطط لهذا الزواج. فقد تسبب هذا الزواج في مصائب كثيرة، فقد تولت لاوديس الزوجة الأولى تأليب أصدقائها على الملك، مما اضطر أنطيوخس أن يطلق برنيكي ويرد زوجته لاوديس الأولى. إلا أنها قتلته بالسم ثم دبرت قتل برنيكي وولدها، وملكت أبنها باسم سلوكس كاللينيكوس.

 

الآيات (7-9): "ويقوم من فرع أصولها قائم مكانه ويأتي إلى الجيش ويدخل حصن ملك الشمال ويعمل بهم ويقوى. ويسبي إلى مصر آلهتهم أيضاً مع مسبوكاتهم وآنيتهم الثمينة من فضة وذهب ويقتصر سنين عن ملك الشمال. فيدخل ملك الجنوب إلى مملكته ويرجع إلى أرضه."

ويقوم من فرع أصولها= الفرع هو بطلميوس إيروجيتس فهو ابن بطلميوس فيلادلفوس أي شقيق برنيكي وهذا جمع جيشاً ضخماً وجاء على سلوكس كاللينيكوس لينتقم لأخته برنيكي، وقتل لاوديس فعلاً وفي دخوله لأراضي سلوكس ومن بينها يوذا نشر الخراب أينما حلَّ. ونجح في حربه ضد سلوكس وكان له غنيمة كبيرة من الرجال والمقتنيات = ويسبى إلى مصر آلهتهم.. وهو سمع بأخبار فتنة في مصر فإضطر للعودة ليحفظ السلام فيها = يدخل ملك الجنوب إلى مملكته. ويبدو أنه لإنشغاله بالسلام في مصر لم يتحمل البقاء خارجها كثيراً فأقتصر سنين عن ملك الشمال. وقد مات كاللينيكوس هذا بعد ذلك لسقوطه عن جواده.

 

الآية (10): "وبنوه يتهيجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة ويأتي آت ويغمر ويطمو ويرجع ويحارب حتى إلى حصنه."

كان إبناً كاللينيكوس هما سلوكس كيرونوس وأنطيوخس. وهذين تهيجوا بسبب هزيمة أبيهم وما سلبه منهم البطالمة، فجمعوا جيوشاً ضخمة على مصر ليستردوا ما فقده أبوهم. ولكن سلوكس الابن الأكبر كان ضعيفاً وغير قادر أن يحكم جيشه ومات مقتولاً بالسم بيد أصدقائه وحكم سنتين فقط فأتي بعده أخوه أنطيوخس الذي حكم 37سنة وتسمى باسم أنطيوخس الكبير. ولاحظ إعجاز الوحي، فالملاك يبدأ حديثه بقوله وبنوه يتهيجون فيجمعون.. فهم الآن اثنين.. ثم ينهي كلامه بقوله ويغمر ويطمو.. فقد مات أحدهم وترك الآخر بمفرده وأنطيوخس جاء إلى مصر بجيش كبير.

 

آية (11): "ويغتاظ ملك الجنوب ويخرج ويحاربه أي ملك الشمال ويقيم جمهوراً عظيماً فيسلّم الجمهور في يده."

ولكن ملك الجنوب كان له نجاح عظيم على أنطيوخس فأنطيوخس أثار بطلميوس فيلوباتر بأفعاله،  فأغتاظ منه وحاربه فأتي أنطيوخس بجيش كبير = ويقيم جمهوراً عظيماً. لكن فيلوباتير أكتسح جيش أنطيوخس وهزمه = فيسلم الجمهور في يده = أي في يد فيلوباتر.

 

آية (12): "فإذا رفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعتزّ."

نتيجة انتصار فيلوباتر ارتفع قلبه = أي دخله الكبرياء

رُفِعَ الجمهور= رُفِعَ مترجمة  TAKEN  AWAY أي يزيل. والجمهور هو جيش أنطيوخس المعادي. وفيلوباتر هذا كان أحمق لا يقلع عن ملذاته وحماقاته. وبعد انتصاره زاد إنغماسه في الحماقات والإباحية، ويقول عنه المؤرخون أنه بعد انتصاره هذا دخل هيكل الله في أورشليم، بل دخل إلى قدس الأقداس مخالفاً الناموس وهذا أغضب الله عليه، فبالرغم من انتصاره = طرحه ربوات أي كان القتلي بعشرات الألوف من جيش أنطيوخس، إلا أنه لا يعتز = أي لا يتقوى فهو تحدى الله، والله سحب منه القوة لذلك وتسمى المعركة التي انتصر فيها فيلوباتير على غريمه أنطيوخس معركة رافيا قرب حدود مصر سنة 217 ق.م وبعد هذا حدثت حركة عصيان في سوريا ضد فيلوباتير هذا فاضطر أن يعقد صلحاً مهيناً مع أنطيوخس، وهذا مما يؤكد قول الله = لا يعتز = فهو لم يقوى على مواصلة انتصاراته أو استثمارها.

 

الآيات (14،13): "فيرجع ملك الشمال ويقيم جمهوراً أكثر من الأول ويأتي بعد حين بعد سنين بجيش عظيم وثروة جزيلة. وفي تلك الأوقات يقوم كثيرون على ملك الجنوب وبنو العتاة من شعبك يقومون لإثبات الرؤيا ويعثرون."

صار هناك الآن أعداء كثيرين لمصر = يقوم كثيرون = ملك الجنوب الآن هو ابن فيلوباتير واسمه بطلميوس إبيفانيوس وهذا كان قاصراً صغير السن جداً. فانتهز انطيوخس هذه الفرصة وتحالف مع فيليب المقدوني. بل سعى لضم اليهود كما في آية (14). فلم يوافقه اليهود الأمناء ولكن وافقه اليهود العتاة أي الذين يحاولون كسب رضاء أنطيوخس ليحصلوا على أمجاد عالمية. وبذلك قام الكثيرون ضد هذا الملك الصغير السن.

 

الآيات (15-20): "فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة فلا تقوم أمامه ذراعاً الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة.والآتي عليه يفعل كإرادته وليس من يقف أمامه ويقوم في الأرض البهيّة وهي بالتمام بيده. ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته ويجعل معه صلحاً ويعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تثبت ولا تكون له. ويحوّل وجهه إلى الجزائر ويأخذ كثيراً منها ويزيل رئيس تعييره فضلا عن رد تعييره عليه. ويحوّل وجهه إلى حصون أرضه ويعثر ويسقط ولا يوجد. فيقوم مكانه من يعبر جابي الجزية في فخر المملكة وفي أيام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب."

اليهود بنو العتاة= هؤلاء كانوا يعرفون النبوة وأن أنطيوخس سينجح ضد ملك مصر. فهم قاموا وساندوه ليحصلوا على امتيازات لليهود بعد انتصار أنطيوخس بمساعدتهم ولكن يعثرون = فلم يعطهم أنطيوخس الحرية أبداً بل قيل ويقوم في الأرض البهية وهي بالتمام في يده (16) = أي سلطانه كامل عليها وهذا الجيش العظيم حمل على الحامية المصرية المتبقية في أورشليم فهزموها. وفي موقعة بانياس هزم قائدها اسكوبياس وفر إلى صيدا الحصينة ولكنه قتل هناك. وكذلك أبيدت الجيوش المصرية المرسلة للنجدة. وأصبح أنطيوخس هو السيد المطلق هناك في كل مكان، وعقب عودته من الحروب المصرية دخل الأرض البهية أي فلسطين. وفي (17) حتى يضمن أنطيوخس أن يخضع له بطلميوس إبيفانيس أعطاه أبنته كليوباترا زوجة له (هذه غير كليوباترا  الملكة المصرية المشهورة) وقد أوصاها أبوها أنطيوخس أن تعمل لمصلحته بعد زواجها = ليفسدها = أي هو عمل هذا بنية شريرة ليفسد مصر وعرشها ويفسد المخطط الذي قاله بفمه عن الوحدة والتصالح، فنية قلبه كانت غير هذا، فهو كان يتكلم بفمه عن الوحدة ولكنه يعطي إبنته لبطلميوس كشرك لتؤذيه. إلا أنها وقفت بجانب زوجها ضد أبيها = فلا تثبت ولا تكون له = وبذلك فشلت خطته. فحوَّل وجهه نحو اليونان لتوسيع أراضيه وتمت له السيطرة على جزر بحر إيجة أولاً. ثم عبر بجيوشه إلى اليونان إلا أن نجم روما كان قد ظهر في الأفق، وعقد اليونانيين حلفاً دفاعياً وهجومياً مع الرومان. وأتي لوكيوس أسكيبيو مفوضاً من مجلس الشيوخ الروماني وكسر أنطيوخس وفرض عليه شروطاً مهينة جداً. ثم ردَّهُ على أعقابه إلى بلده ويحول وجهه إلى الجزائر = تشير لمحاولة أنطيوخس غزو اليونان. ولاحظ أن اليهود كانوا يسمون المناطق عبر البحر بالجزائر فهم لا خبرة لهم في الشئون البحرية. ويزيل رئيس تعييره= هذا الرئيس هو لوكيوس أسكيبيو الروماني، الذي بانتصاره على أنطيوخس أزال التعيير الذي وقع على اليونان، بل وعلى الرومان، إذ أن أنطيوخس خلال غزوته هزم بعض الجيوش الرومانية في اليونان وسخر منهم وعيرهم، بل رده إلى أرضه = يحول وجهه إلى حصون أرضه. فضلاً عن رد تعييره عليه تحولت المهانة إلى أنطيوخس وعاد بشروط صعبة غير عالم كيف يدفع الجزية المقررة عليه للرومان. وفي يأسه دخل هيكل جوبيتر ليسلبه، فثار عليه الشعب بل وجنوده أيضاً. وقتله الشعب الثائر لأن فعلته هذه كانت تعتبر عندهم إنتهاكاً لحرمة مكان مقدس بطريقة لا تغتفر. ونتيجة للحالة المزرية التي ترك بلاده عليها، جاء أبنه سلوكس فيلوباتر وأخذ في جمع الجزية فسمى جابي الجزية. لأنه أوقع على شعبه جزية كبيرة. ولما قالوا له " أنت بهذا تخسر أصدقائك " قال لهم " أنا لا أعرف صديقاً لي سوى المال" ومن أعماله أنه حاول سرقة هيكل الرب في أورشليم فأرسل القائد هليودوروس لنهبه وهذا بعد عودته بالغنيمة اغتال سيده بمكر= وفي أيام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب = بل في اغتيال، وكان هذا لسرقته هيكل الرب الذي في أورشليم = فخر المملكة = وملك هليودوروس هذا لمدة 12سنة.

 

الآيات (21-35): "فيقوم مكانه محتقر لم يجعلوا عليه فخر المملكة ويأتي بغتة ويمسك المملكة بالتملقات. وأذرع الجارف تجرف من قدامه وتنكسر وكذلك رئيس العهد. ومن المعاهدة معه يعمل بالمكر ويصعد ويعظم بقوم قليل. يدخل بغتة على أسمن البلاد ويفعله ما لم يفعل آباؤه ولا آباء آبائه.يبذر بينهم نهباً وغنيمة وغنى ويفكر أفكاره على الحصون وذلك إلى حين. وينهض قوّته وقلبه على ملك الجنوب بجيش عظيم وملك الجنوب يتهيّج إلى الحرب بجيش عظيم وقوي جداً ولكنه لا يثبت لأنهم يدبرون عليه تدابير.  والآكلون أطايبه يكسرونه وجيشه يطمو ويسقط كثيرون قتلى. وهذان الملكان قلبهما لفعل الشر ويتكلمان بالكذب على مائدة واحدة ولا ينجح لأن الانتهاء بعد إلى ميعاد. فيرجع إلى أرضه بغنى جزيل وقلبه على العهد المقدس فيعمل ويرجع إلى أرضه. وفي الميعاد يعود ويدخل الجنوب ولكن لا يكون الآخر كالأول.  فتأتي عليه سفن من كتّيم فييئس ويرجع ويغتاظ على العهد المقدس ويعمل ويرجع ويصغي إلى الذين تركوا العهد المقدس. وتقوم منه أذرع وتنجس المقدس الحصين وتنزع المحرقة الدائمة وتجعل الرجس المخرب. والمتعدون على العهد يغويهم بالتملقات أما الشعب الذين يعرفون إلههم فيقوون ويعملون.  والفاهمون من الشعب يعلّمون كثيرين.ويعثرون بالسيف وباللهيب وبالسبي وبالنهب أياماً. فإذا عثروا يعانون عوناً قليلاً ويتصل بهم كثيرون بالتملقات. وبعض الفاهمين يعثرون امتحاناً لهم للتطهير وللتبييض إلى وقت النهاية.لأنه بعد إلى الميعاد."

هذه النبوة بخصوص أنطيوخس إبيفانيوس أخر ملوك أسرة السلوكيين ومعنى كلمة أنطيوخس باليونانية "مقاوم" لذلك فهو رمز لضد المسيح من ناحية اسمه ومن ناحية أعماله ويبدأ الكلام عنه هنا. ويمكن تسميته بوحش الأيام الأولى، وهو طلع من مملكة الشمال. وهو شخص ماكر كذاب واشتهر باختلاق الأكاذيب. هو أطلق على نفسه اسم إبيفانيوس أي البهي. وأطلق اليهود عليه اسم إبيمانس أي المجنون. ولقد احتقره الجميع = فيقوم مكانه محتقر وهو كان يقطع العهود على نفسه ويخونها بسهولة جداً. حدث هذا مع الشعب اليهودي ومع ملك مصر عدة مرات. هذا هو القرن الصغير في 9:8 وكان عدواً لدوداً لشعب الله، يضطهدهم بعنف. وكثير من الآيات هنا عن أنطيوخس هذا تشير لضد المسيح وحش الأيام الأخيرة. ويمكن تطبيقها على كليهما. وكما حدث في (أش14) حين كان يتكلم عن ملك بابل وكما حدث في حزقيال (28) حين كان يتكلم عن ملك صور، وكانت الكلمات في كلا الإصحاحين تحتمل التطبيق على هؤلاء الملوك أو الشيطان، لكن في كلا الإصحاحين نجد الوحي ينتقل صراحة للكلام عن الشيطان (أنظر اش12:14 + حز11:28) هكذا هنا نجد الكلام قد انتقل فجأة ابتداء من آية (36) ليتكلم صراحة عن ضد المسيح. وكما تعودنا من الأنبياء أنهم حين يتكلمون عن إزدهار الدولة اليهودية يكون المقصود كنيسة المسيح. هكذا حينما يتكلم الأنبياء عن الضيقات التي تصيب شعب الرب يصلح تطبيقها على الكنيسة. وهنا نجد أن مملكة أنطيوخس إبيفانيوس تشير لمملكة ضد المسيح في قيامها وسقوطها. وسقوط دولة ضد المسيح يكون إيذاناً بنهاية العالم ومجئ يوم الدينونة، ولذلك نجد أن إصحاح (12) يكلمنا عن القيامة.

صفات وتاريخ أنطيوخس إبيفانوس:

هو ابن أنطيوخس الكبير، وهو  قال عنه المؤرخون أنه كان شاذاً غريب التصرفات، فظ، هائج، وضيع وخسيس. كان ينسل في بعض الأحيان خارج القصر ويضع نفسه ضمن جماعة من الدهماء متنكراً. وكان يصنع هذا مع أوضع الناس في المدينة حتى مع الغرباء. وكانت له نزوات غريبة، ولقد تصور البعض أنه أحمق، والبعض تصور أنه مجنون. وهو أُرسِل إلى روما فترة كرهينة ليضمن الرومان ولاء مملكة سوريا لهم حينما هزموا والده. وكانت الإتفاقية أنه حينما يتم تبادل الأسرى يظل هو في روما، لنه كان مطلق السراح. وقد تمكن من الهرب من روما بعد موت أبيه، وأرسل ابن أخيه الأكبر ديمتريوس بخديعة ليبقى كرهينة في روما. وكان هليودوروس قد قتل أخيه الأكبر. والولايات السورية لم تعطه الملك لأنهم يعرفون أنه لابن أخيه. وهو لم يأخذ المُلك بالسيف بل بالتملقات (21) فهو أدّعى أنه أتٍ بسلام ليحكم بدلاً عن ابن أخيه الذي هو في روما. ثم بمساعدة بعض الأمراء الجيران له (أو مينيس وأتالوس) بدأ الشعب يتقبله. فسحق هليودوروس وحصل على المملكة. وهو صنع هذا ضد أذرع الجارف = هما هو الجارف هذا [1] هليودوروس نفسه وجيشه [2] الشعب الذي اكتشف خداعه فقاموا ضده [3] مقاومة مصر له إذ كانت مصر في معاهدة مع من سبقه وكانت كل هذه المقاومات كالسيل الجارف ولكنه هزم الجميع وكان ذلك بسماح من الله، لأن الله كان يريد تأديب شعبه بواسطة هذا الأنطيوخس وهو سحق الجميع حتى رئيس العهد = ربما يكون ملك مصر الذي كان في عهد مع من سبق أنطيوخس هذا، وربما هو ابن أخيه الذي كانت المملكة من حقه وربما كان رئيس الكهنة اليهودي. ولاحظ أنه كان قد أدعَّي أنه سيتنحى حين يعود الأمير الحقيقي. ومن المعاهدة معه يعمل بالمكر= أي بعد أن عاهدوه خدع الكل. وهو بدأ بقوم قليل لذلك استخدمت في كلمة قرن صغير في إصحاح (8) كلمة تشير أنه "من القلة". هؤلاء التفوا حوله في البداية حتى تعظم ودخل إلى أسمن البلاد = وهي سوريا وذلك لكي ينهبها. وهو استغلها كما لم يفعل أباؤه. ويحاول السيطرة على الحصون = وهذا تفسيره كالتالي: فهو أظهر كرماً وسماحة إلى أن سلَّمت له الحاميات فغدر بهم وحكمهم بالقوة. وبالنسبة إلى مصر، فهو جاء أولاً كصديق، ومعه بعض رجاله القلائل ووضعهم في حصون مصر وذلك ليكونوا عيوناً له، هو أتي كصديق وحارس لملك مصر بطلميوس فيلوميتر (لاحظ أن أنطيوخس هذا كان خال ملك مصر. فأنطيوخس هو أخو كليوباترا أمه. وكان بطلميوس فيلوميتر صغيراً سناً فإطمئن لخاله) وكان أن إنخدع فيلوميتر من خاله، الذي عاد فخانه ونكث عهوده معه بمساعدة رجاله الذين تركهم في مصر. وفي (25) في هذه الآية تتضح خيانته وخداعه لملك مصر. وحين حاول ملك مصر فيلوميتر الحرب إنهزم أمامه بسبب خيانة رجال فيلوميتر الذين رشاهم أنطيوخس إبيفانيوس (26) = الأكلون أطايبه يكسرونه. ومات من جيش مصر كثيرين لأنهم دبروا عليه تدابير (25). ونأتي لخديعة أخرى في (27) فبعد المعركة ستكون هناك محاولة للسلام وسيجتمع الملكان على مائدة واحدة للمفاوضات. ولوضع نصوص معاهدة سلام، ولكن كلاهما كان غير مخلصاً في إدعائه. وكل منهما كان يريد إلحاق الأذى بالآخر. لذلك لن تنجح محاولة السلام هذه، ولن يكون السلام نهائياً. لأن الإنتهاء بعد إلى ميعاد = أي أن السلام لم يكن نهائياً لأن الله كان له مخطط آخر، ويجب أن تقوم حرب أخرى في النهاية. فالسلام يحدده الله. وفي (28) هو عاد لأرضه بعد هذه الحملة بغني جزيل. وقلبه على العهد المقدس = كان اليهود قد سمعوا إشاعة بمقتل أنطيوخس فابتهجوا، وسمع هذا أنطيوخس فزحف بجيشه على أورشليم وقتل منهم 8000 وباع 40000عبيداً في مصر. وهو كان له سخط طبيعي ضد دين اليهود وعهدهم مع الله. فكره ناموسهم وشرائعهم وأنبيائهم. وهكذا كل غريب على العهد يكرهه. وفي (29) في الميعاد = بعد سنتين من الحملة الأولى ولأنه لم يكن ينوي سلاماً. أتى مرة أخرى على مصر = يدخل الجنوب = ولكن حملته هذه لن تنجح كالأولى = لكن لا يكون الآخر كالأول. لأنه ستأتي عليه سفن من كتيم = أي سفن الرومان. وكان هذا لأن بطلميوس فيلوميتر كان قد دخل في معاهدات مع الرومان ضد أنطيوخس وطلب مساعدتهم ضده حين حاصره أنطيوخس هو وأمه كليوباترا في الإسكندرية. وقام الرومان بإرسال بعثة عسكرية لمساعدة بطلميوس. وطلب القائد الروماني من أنطيوخس فك الحصار والإنسحاب، فطلب أنطيوخس وقتاً ليتشاور مع زملائه فقام القائد الروماني بوبليوس برسم دائرة حوله وطلب منه أن يتخذ قراره قبل الخروج من الدائرة. ولأنه خاف من القوة الرومانية آثر الإنسحاب بجيشه من مصر. لكنه رجع مغتاظاً لأنه أُجْبِرَ على ذلك. وفي (30) عاد في غيظه ثائراً على اليهود، وصبَّ غضبه عليهم مع أنهم لم يستفزوه (لكنهم بالتأكيد كانوا بخطاياهم قد استفزوا الله نفسه فسمح الله بهذا) ويغتاظ على العهد المقدس = هذه المرة دنس الهيكل بدماء خنزيرة قدمها ذبيحة على مذبح المحرقة. وكان أن تعاون معه بعض من الذين تركوا العهد المقدس = أي اليهود المرتدين، وهؤلاء أدخلوا العادات الوثنية لليهودية وهو تشاور معهم واستخدمهم ضد الهيكل (1مك11:1-15) وفي هذه الفقرة نجد تحقيق النبوة. وفي (2مك9:4) نجد ياسون شقيق أونيا الكاهن العظيم قد أقام مدرسة بالاتفاق مع أنطيوخس لتعليم الشباب عادات الأمم. وفي (2مك23:4) وما بعده ساعد مينيلاوس أنطيوخس. هو دعمهم في تعليمهم اليهود العادات الوثنية، وهم ساعدوه في مخططاته. وفي (31) هذا ما فعله بتقديم الخنزيرة ذبيحة وهدم أجزاء من الهيكل وأبطل العبادة في الهيكل. وتقوم منه أذرع لتنجس = الأذرع هي جيشه وخونة اليهود المرتدين. وقصة هذا نجدها في (1مك21:1 وما بعده) وهو دخل الهيكل في كبرياء وأخذ المذبح الذهبي والمنارة الذهبية وغيرهم وكانت مناحة في إسرائيل بسبب ذلك. وفي (2مك15:5) وما بعده، نجد أنه دخل لقدس الأقداس، وكان مرشده منيلاوس الخائن. وهو أوقف المحرقة الدائمة حتى يجبرهم أن يتبعوا دينه الوثني. ولاحظ البعض أن التعبير المستخدم هنا للإشارة للمحرقة الدائمة استعمل هنا فقط ويمكن تفسيره المحرقة اليومية وقالوا ربما هذا إشارة لأن ضد المسيح قد يُعطّل الخدمة في الكنائس أيضاً.

وتجعل الرجس المخرب= هذا تم بوضعه تمثال إلهه جوبيتر في الهيكل. ولكن بالنسبة لضد المسيح فسيكون هذا بوجوده هو شخصياً في الهيكل مظهراً نفسه أنه إله (2مك2:6 + 1مك54:1،59 + 2تس4:2) وهو اضطهد من حافظ على إيمانه، ولكن كثيرين احتملوا الاضطهاد مما أخجل هذا الطاغية. وكمثل على هذا العازار الذي قذف لحم الخنزير من فمه حينما ألقوه داخله، وكان يعلم أن هذا سيكون سبباً في موته وقد كان (2مك19:6 + 2مك7) وقارن مع (عب35:11) وفي (32) يقومون ويعملون= هم المكابيين وهؤلاء سيعلمون الآخرين أن يفرقوا بين الحق والباطل لأنهم يعلمون (33). وقد تحقق هذا في مدرسة الغيورين الأتقياء الذين كانوا يعلمون الحق الإلهي. ولكن هذا لم يحميهم من السيف = يعثرون بالسيف. وهذا الاضطهاد سيستمر أياماً حددها الوحي سابقاً بـ2300 يوم. وهذه تناظر في العهد الجديد يكون لكم ضيق 10 أيام (رؤ10:2) ونقرأ في سفر المكاببين عن المعاملات البربرية لأنطيوخس ضد كل من يمارس العادات والطقوس والشعائر اليهودية. فكان مثلاً يشنق من يختن إبنه، كان يشنق الأب والأم والطفل (1مك60:1-61) وهذه الآلام سمح بها الله لكي يطهر ويبيض شعبه (35).

والاضطهاد والآلام لصالح الكنيسة عموماً  (1بط7:1) ودماء الشهداء هي بذرة الكنيسة. وفي (34) فإذا عثروا = أي وقع عليهم أضطهاد بالسيف أو النار يعانون عوناً قليلاً = أي لن يكون العون بأن يوقف الله الضيقات بل هو سيعين ويقوى ويشدد ويعزي أولاده الأمناء والمتألمين (مثال الثلاثة فتية في أتون النار) وكان هذا العون القليل عن طريق يهوذا المكابي والمكابيين الذين هبوا لنصرة الشعب (1مك45:2 وما بعده) ولكن كثيرون من الخونة حين رأوا نجاح المكابيين أتصلوا بهم بالتملقات حتى يخونوهم بعد هذا، أو يصعدوا على حسابهم ولكن الشدة هي التي تفصل بين المتدين الحقيقي والمتظاهر.

 

الآيات (36-45): "ويفعل الملك كإرادته ويرتفع ويتعظم على كل إله ويتكلم بأمور عجيبة على إله الآلهة وينجح إلى إتمام الغضب لأن المقضي به يجرى. ولا يبالي بآلهة آبائه ولا بشهوة النساء وبكل إله لا يبالي لأنه يتعظم على الكل. ويكرم إله الحصون في مكانه وإلهاً لم تعرفه آباؤه يكرمه بالذهب والفضة وبالحجارة الكريمة والنفائس. ويفعل في الحصون الحصينة بإله غريب.من يعرفه يزيده مجداً ويسلطهم على كثيرين ويقسم الأرض أجرة. ففي وقت النهاية يحاربه ملك الجنوب فيثور عليه ملك الشمال بمركبات وبفرسان وبسفن كثيرة ويدخل الأراضي ويجرف ويطمو. ويدخل إلى الأرض البهيّة فيعثر كثيرون وهؤلاء يفلتون من يده أدوم وموآب ورؤساء بني عمون. ويمد يده على الأراضي وأرض مصر لا تنجو. ويتسلط على كنوز الذهب والفضة وعلى كل نفائس مصر.واللوبيون والكوشيون عند خطواته. وتفزعه أخبار من الشرق ومن الشمال فيخرج بغضب عظيم ليخرب وليحرم كثيرين. ينصب فسطاطه بين البحور وجبل بهاء القدس ويبلغ نهايته ولا معين له."

هنا ينتقل الكلام صراحة إلى ضد المسيح ودليل هذا آية (36) فلم يحدث أن أنطيوخس قد نصب نفسه إلهاً، بل هو كان يعبد إلهه جوبيتر، ووضع تمثاله في هيكل الله. لكن هذا الشخص يتعظم على كل إله= وهذا يتطابق مع (2تس4:2) بل أن الكلمات متشابهة إلى حد بعيد. ربما نأخذ الكلام جزئياً على أنطيوخس فهو سيفعل كإرادته ولا أحد يوقفه لكن حتى تنطبق كل الآيات يجب تطبيقها على ضد المسيح وهذا أو ذاك احتقر كلاهما الله وسينجح كلاهما لفترة. فالله أمهل أنطيوخس 2300 يوماً ثم صب قضاؤه عليه. والله تركه هكذا ليؤدّب الشعب العاصي الذي أرتد عنه. فالله يعطي الإنسان حسب قلبه. هم اشتهوا الخطية واحتقروا الله فجاء لهم هذا الوحش. وفي الأيام الأخيرة سيحتقر الناس الله ويحبون العالم والخطية فسيعطيهم الله حسب قلبهم ويطلق لهم الشيطان [يقول المزمور "يعطيك الرب حسب قلبك" (مز4:20)] ويجئ هذا الوحش، ضد المسيح، بكل قوة الشيطان. وبمكره وخديعته (وكان أنطيوخس هذا مثالاً ورمزاً له) يجذب إليه كثيرين ويسقطهم. ومن يسير وراءه ستنسكب عليه جامات غضب الله (رؤ1:16،2) وتكون نهاية هذا الوحش ومن معه في البحيرة المتقدة بالنار = وينجح إلى إتمام الغضب لأن المقضى به يجري وهذا هو نفسه ما ذكر في (دا 27:9) فضد المسيح هو المخرب وسيصب الله عليه وعلى من يتبعه جامات غضبه وأخيراً هلاكاً أبدياً.

 

ضد المسيح:

السيد المسيح سبق ونبه أنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا ولو أمكن المختارين أيضاً (مت24:24) ثم يضيف "ها أنا قد سبقت وأخبرتكم" ولكن يبدو أن هناك شخص تشير له النبوات سيظهر في نهاية الأيام، وستكون له كل قوة الشيطان الذي يحل لفترة يسيرة (رؤ3:20 + 2:13) وغالباً فهو إنسان، لأن سفر الرؤيا نَبَّهَ بأنه من الممكن حساب عدد الوحش فإنه عدد إنسان وعدده 666 (رؤ18:13) وعدد إنسان هذا يعني الآتي: في اللغة اليونانية القديمة وهكذا في القبطية لم يكن هناك أرقام (1،2،3،....) فكانوا يستخدمون الحروف للترقيم بعد وضع شرطة فوق الحرف ليتم تمييزه عن الحروف العادية ومثلاً

1 = 1      2  =  2        3  =  3      4  =   4        5  = 5      l  = 30

ولنفرض أن شخصاً أسمه عادل فهكذا يكتب باليونانية   adelويصبح عدد اسمه 1 + 4 + 5 + 30  يساوي40

وجاء في التاريخ كثيرين قاوموا المسيح والكنيسة وبحساب أرقام أسمائهم وجدوها 666 مثل دقلديانوس. ولكن هناك شخص محدد سيظهر في آخر الأيام، وسيكون مختلفاً عن كل المسحاء الكذبة وأضداد المسيح الآخرين، وسيكون رقمه أيضاً 666. وراجع قول يوحنا الرسول في (1يو18:2) أيها الأولاد هي الساعة الأخيرة وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي. قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون. من هنا نعلم أنها الساعة الأخيرة. ومعنى هذا الكلام أن الرسول يوضح أن من علامات الساعة الأخيرة ظهور ضد المسيح هذا. والسيد المسيح نبهنا أن لا نقبله وأعطانا علامات كثيرة لنستدل منها أنه هو ومنها أن نحسب عدد اسمه. وأنه سيصنع آيات عظيمة فهو فيه كل حكمة وقوة وذكاء ودهاء ودموية وكذب الشيطان.فهو تجسيد للذكاء الخارق والقدرة الفكرية الهائلة.وهو سيذهل الأمم بقدراته الفائقة للبشر إلى أبعد حد. وقطعاً لن يصدقه إلا من هو في فراغ روحي، فمن هو مملوء من الروح القدس، فالروح القدس قادر أن يعلمه ويذكره بكل شئ (يو26:14). وهذا الشخص سيظهر وسط اليهود (وقد يكون هذا معنى من القلة التي سيظهر منها القرن الصغير في إصحاح 8) وهم سيقبلوه. فهم أي اليهود مازالوا ينتظرون مجئ المسيح، وقال أحد قادة اليهود الصهاينة" نحن مستعدون للإعتراف بأي إنسان أنه مسيحنا إذا استطاع أن يوطد أقدامنا ثانية في أرض آبائنا وقد سبق السيد المسيح أن نبه اليهود لهذه السقطة فقال لهم "أنا قد أتيت لكم باسم أبي ولستم تقبلوني أن أتى آخر باسم نفسه فذلك تقبلونه" (يو43:5) ولا يوجد في العالم كله الآن من ينتظر أن يأتى المسيح سوى اليهود. وهذا الشخص سيعظم نفسه بشكل غير عادي وغير مسبوق فهو سيدعى أنه إله (2تس4:2) ومع أنه يهودي إلا أنه لن يبالي بآلهة أبائه = أي لن يبالي بالله، فهو في نظر نفسه إله. سيكون هو محور نفسه معجباً بذاته وبقدارته الخارقة، ربما غير عالم أنها قدرة شيطانية وستدفعه للهلاك ولكن التفاف الناس حوله وإعجابهم بقدراته ومعجزاته تجعله يتمركز حول نفسه ولا يبالي بشئ (آلهة هنا هي الوهيم كما قيل في (تك1:1) في البدء خلق الوهيم السماء والأرض) وهناك علامة أخرى عن هذا الشخص نجدها هنا ألا وهي شذوذه عن الطبيعة لا يبالي بشهوة النساء فالإنسان الطبيعي بطبيعته يشتاق للجنس الآخر، فالرجل يشتاق للنساء. حقاً هناك من أجبروا ذواتهم على الحياة في بتولية مثل الرهبان، ولكن هؤلاء كان محورهم هو الله وليس ذواتهم " يوجد خصيان خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله" أما هذا الوحش فهو لن يهتم بهذه المشاعر الطبيعية فمحور حياته هو ذاته وليس أي إله أو مشاعر طبيعية. ولكن هذه العلامة تشير أيضاً لأنه ربما كان هذا الشخص شاذاً جنسياً. فمن (رؤ8:11) نعلم أن خطية المدينة العظيمة (أورشليم) حيث يكون مقر هذا الوحش هي خطية سدوم (الشذوذ الجنسي) ومصر (العناد مع شدة الضربات) تُدعي روحياً = أي الخطية السائدة فيها.

وفي (38) مع إنشغاله بذاته نجده يكرم إله الحصون.. بالذهب والفضة = إله الحصون في الإنجليزية God of forces  أو Fortresses والمعنى أنه يكرم القوة ويتحصن بها. وقد تكون هذه القوة هي المال ويكون هذا هو المقصود بالذهب والفضة. أو قوة عسكرية وهذا ما يبدو واضحاً في (رؤ13:17،14) فالعشرة ملوك يعطون قدرتهم للوحش ويعطونه سلطانهم وهو يتحصن بهذه القوة. ولكن ضد من؟! لبؤسه هو يحارب الله "هؤلاء يحاربون الخروف ولكن الخروف يغلبهم" المال والقوة هما الوثن الجديد الذي يعبده العالم، والإنسان الجسداني يشعر أنه محصن لو أمتلكهما.

آية (39): الحصون الحصينة = هي مقادس الله راجع آية (31) فالهيكل أسماه المقدس الحصين. ويبدو أن الحصون الحصينة هي كنيسة المسيح، فهو سيهاجمها علناً ولا نجد ما يفسر هذا تفسيراً واضحاً سوى (2تس4:2) فهو سيجلس نفسه في هيكل الله كإله. ومن يعرفه يزيده مجداً ويسلطهم على كثيرين ويقسم الأرض أجرة= فالأرض هو كل ما يملكه، وما يستطيع أن يعطيه لمن يتبعه، وهكذا قال الشيطان للمسيح "أعطيك هذه جميعها أن خررت وسجدت لي" والمجد المقصود الذي سيزيده لتابعيه هو مجد هذا العالم وهذا متطابق مع سفر الرؤيا " هو صنع سمة لمن يتبعه، ولا يقدر أحد أن يشترى أو يبيع إلا من له السمة أو اسم الوحش أو عدد اسمه (رؤ16:13-18).

 

الآيات (40-45): هذه لها تطبيقان، فهنا عاد النبي ليتنبأ عن الحروب بين ملك الجنوب وملك الشمال وهذه قد حدثت مع أنطيوخس إبيفانيوس، لكنها ستتكرر حدوثها مع اقتراب أيام النهاية. إذاً هذه النبوة ستتكرر مرتين.

بالنسبة لأنطيوخس إبيفانيوس:  فقد قيده الرومان ومنعوه أن يغزو مصر. ولكن قام ملك مصر بشن حرب ضده = في وقت النهاية يحاربه ملك الجنوب هو هاجم حدوده فثار عليه أنطيوخس = يثور عليه ملك الشمال = وأتى عليه بقوة عظيمة ويجرف ويطمو = وهو ضرب بلاداً كثيرة في مصر. وفي حملته ضد مصر سيضرب اليهود = يدخل إلى الأرض البهية (9:8) أسماها فخر الأراضي فبها أورشليم) وسيصنع بهم أموراً مرعبة = فيعثر كثيرون لكنه لم يضرب أدوم وبني عمون (41) فهم كانوا يؤيدونه ويشجعونه ضد اليهود. وهو في حملته هذه ضد مصر ضرب بلاداً كثيرة ومنها مصر (42) ما عدا من سبق وأيَّده وكانت هذه حملته الرابعة والأخيرة ضد مصر في سنته العاشرة والحادية عشرة لحكمه. وهو جاء ضد مصر مدعياً أنه يساعد أخو بطلميوس فيلوميتر الصغير ضد أخيه. وفي هذه الحملة لم يسقط قتلي ولكنه استولى على كنوز مصر(43). فهو جاء من أجل هذا. وهذا سجله بوليبيوس الأثيني، أن أنطيوخس غنم كثيراً من مصر بعد أن كسر المعاهدة مع فيلوميتر. ويسجل هذا المؤرخ كيف أنه بذر كل ما حصل عليه، وقد ساعده الليبيين والكوشيين بخيانتهم لمصر وكانوا رهن إشارته = عند خطواته (43) وفي آية (44) بينما هو مشغول في حربه مع مصر مزهواً بانتصاراته فيها سمع بأخبار من الشرق والشمال فهو سمع بأن ملك بارثيا هاجم مملكته وأن الفرس تمردوا عليه. وهذا اضطره أن يؤجل خططه ضد اليهود لإفنائهم وذهب ليحارب في فارس. ومات هناك كما ذُكِرَ قبلاً خلال حملته ضد البارثيين وهذا شرحه تاسيتوس الوثني الذي كان يمتدح أنطيوخس على محاولاته استئصال ديانة اليهود بخرافاتها وتطبيعهم بالطبع اليوناني. وهذا الوثني رثى موته في هذه الحرب (هو مات بمرض كما ذكر قبلاً لكنه مات وجيوشه تحارب) قبل أن يتم مهمته ضد اليهود (راجع تفسير إصحاح8) وكانت هذه المهمة في تحطيم اليهود هي ما قيل عنها لُيِخْرِبْ ويْحَطَّمَ كثيرين. فهو حين وجد نفسه مضطرباً ومحرجاً في أعماله وحربه ضد البارثيين خرج بغضب عظيم ليخرب اليهود وقصة هذا تجدها في (1مك27:3) وما بعده.

آية (45): سمع أنطيوخس بنجاح يهوذا المكابي فأعطى أوامره إلى أحد قادته واسمه ليسياس ليُدَمّر أورشليم. فجاء ليسياس ونشر خيامه وبينها خيمة الملك بين البحر الأبيض والبحر الميت. وهذا معنى ينصب فسطاطه بين البحور = والفسطاط هو الخيام الملكية. وأراد أنطيوخس بوضع خيمته بينها أن يكون كأنه وسط جيشه. وكان نشر الخيام هذه في منطقة عمواس بالقرب من أورشليم. وكان قد أعطى تفويضاً كاملاً إلى ليسياس بأن يضرب بكل عنف وأعطاه سلطاناً مطلقاً. وهو وضع خيمته هناك كأنه امتلك جبل قدس الرب. ولكن يهوذا المكابي هزم جيش ليسياس وكانت نهاية أنطيوخس بشعة كما سبق وشرحناه (إصحاح 8) فالله هو الذي قطعه ولا نجد نبوات عن أي ملك يأتي بعده فهو كان أسوأهم وهو رمز لضد المسيح الذي به ينتهي العالم ولا يأتي شيئاً بعده، بعد أن يتحول التمثال إلى عصافة وتذريه الريح (دا 2).

بالنسبة لتفسير الآيات في الأيام الأخيرة: هذه تشير لحروب قرب الأيام الأخيرة وتبدأ بزحف ملك الجنوب على الشمال ولكن من الصعب تصور طبيعة هذه الحروب. إلا أنه من الواضح أن ضد المسيح سيخوض حروباً تدور رحاها بين الشمال والجنوب.

إلا أن ما يستوقفنا هو الآية (45) فهناك من يحاول أن ينشر فسطاطه بين البحور وجبل بهاء القدس = فللأسف فهذا ما يحدث الآن من بدع وهرطقات وصلت لعبادة الشيطان وعلم لاهوت حديث يدعَّي أن الكتاب المقدس به أساطير وهذه البدع تحجز البشر (المعبر عنهم بالبحور) عن رؤية جبل بهاء القدس أي مجد الله. وسيكون هذا في أبشع صوره مع ظهور ضد المسيح.

عموماً فالله إذا سمح بضيقات وآلام تجتازها الكنيسة خلال هذه الحروب وخلال اضطهاد ضد المسيح لها، فسيكون هذا للتأديب والتبييض إعداداً للمجد السماوي، وملك الله الكامل على كنيسته وخلال الآلام يعين الله كنيسته ولا يتركها وحيدة (دا 34:11،35)


 

الإصحاح الثاني عشر

يسمى هذا الإصحاح إصحاح القيامة العامة. فبعد أن انتهى الإصحاح السابق بأخبار ضد المسيح الذي يأتي في نهاية الأيام. ينبؤنا هذا الإصحاح بأحداث نهاية الأيام والقيامة. ولأن هذا السفر يحدثنا عن ملكوت الله، فنجد ختام السفر يكلمنا عن القيامة التي فهيا سيظهر ملكوت الله بصورته الكاملة.

 

الآية (1): "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت وفي ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر."

هذه الأيام الأخيرة مع ظهور الدجال ستكون أيام ضيق لم يكن منذ كانت أمة = هذا هو  نفس ما قاله السيد المسيح في (مت21:24) وبنفس الكلمات. وسيكون ذلك نتيجة تسلط الشيطان. حتى أن السيد المسيح قال " لو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد " (مت22:24) ولكن نشكر الله فهم لهم سلطان على الجسد فقط. والضيق سيكون ناشئاً من أن شعب المسيح لن يقبل سمة الوحش وبذلك لن يستطيع أن يبيع أو يشتري. وأيضاً الضيق سيكون في صورة اضطهاد جسدي يصل للاستشهاد ولكن الله لن يتخلى عن شعبه.  وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك (رؤ7:12-11) وسيرسل الله شاهدين (إيليا وأخنوخ) ضد هذا الوحش ليحاربوه ويفسدوا أعماله ضد شعب الله (رؤ3:11) وهذه هي الأيام التي ينجي فيها شعبك كل من يوجد مكتوباً في السفر قارن مع (رؤ5:3) فهناك سفر للحياة مكتوب فيه أسماء الذين يرثون الحياة. ولكن من هم هؤلاء الذين ينجوا؟ هم المؤمنين بالمسيح الذين يغلبون، وهذا واضح من نفس الآية " من يغلب لن أمحو اسمه من سفر الحياة" وأيضاً قد تشير هذه الآية لليهود الذين سيؤمنون بالمسيح في نهاية الأيام فينجوا. وما أجمل أن نشعر بأن الله يرسل لنا قوى غير مرئية مثل الملاك ميخائيل مع قوى مرئية مثل إيليا وأخنوخ ليدافعوا عن الكنيسة وعن شعب الله، حقاً "أن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم" وقد سبق الملاك أن أخبر دانيال عن ميخائيل في (دا 21:10) أنه صديق وشفيع ومحارب عن الكنيسة وينجي شعبك = لا يجب أن نفهمها أن الله سينجي شعبه من الاستشهاد فهذا ليس في فكر الله. ولو كان هذا في فكر الله فلماذا سمح بعصور استشهاد طويلة في الماضي ولكن ما تقصده الآية هو النجاة من الهلاك الأبدي (رؤ15:20).

 

آية (2): "وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي."

هذه هي القيامة العامة. وهي نفس المعنى الذي قاله السيد المسيح في (يو28:5،29) وقوله كثيرين تعنى أن هؤلاء الكثيرين الراقدين سيقومون أو أن هؤلاء الراقدين سيقوم منهم كثيرين للحياة وسيقوم كثيرين للعار (أع15:24) ولاحظ أنه يسمى الأموات راقدين، وهذه تسمية العهد الجديد كما قال المسيح "  حبيبنا لعازر قد نام" ونلاحظ أن هناك مكانين فقط بعد الموت إذاً أين الملك الألفي وأين المطهر؟!! وهذه الآية مناسبة هنا جداً، فمع هذه الضيقات الشديدة سنجد كثيرين يخورون مدعين أنه لا أحد يستطيع أحتمال هذا العذاب. ولكن ترد عليهم هذه الآية بأن كثيرين يخلصون ويثبتون محتملين هذه الآلام. وهذه الآية تشجع كل من يصبر على ضيقات هذا العالم.

 

آية (3): "والفاهمون يضيئون كضياء الجلد والذين ردوا كثيرين إلى البر كالكواكب إلى أبد الدهور"

من عرف المسيح وامتلأ من الروح القدس يعطي له الروح فهماً. فحين تأتي هذه الخدع سيكتشفها هؤلاء الفاهمين ويشرحوا لمن ليس له فهم وخَدَعَتْهُ حيل هذا المضل. ولكن من يشهد للمسيح في هذه الأيام سيعرض نفسه للاستشهاد والضيق ولكن إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه (رؤ17:8). وهؤلاء مجد الرب الإله ينير عليهم (رؤ5:22) والقديسين سيكونون في السماء كالكواكب لأن المسيح سيكون هو شمس البر التي تضئ لهم.

 

آية (4): "أما أنت يا دانيال فأخف الكلام وأختم السفر إلى وقت النهاية.كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد."

معنى الكلام أن كلمات هذا السفر ستكون غامضة إلى وقت إلى وقت النهاية. وقرب النهاية ستتضح معاني الكلمات حتى تكون شاهداً، ومؤيدة بعلامات تكشف هذا الوحش. وفي وقت النهاية كثيرون يتصفحونه والمعرفة تزداد بخصوص علامات هذه الأيام. ويتأكدون من صدق مواعيد الله، فهو قد سبق وأخبرهم بكل شئ.

 

آية (5): "فنظرت أنا دانيال وإذ باثنين آخرين قد وقفا واحد من هنا على شاطئ النهر وآخر من هناك على شاطئ النهر."

هنا دانيال يري ملاكين كل منهما على ضفة من ضفاف النهر.

 

آية (6): "وقال للرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إلى متى انتهاء العجائب."

أما الرجل الملابس الكتان فهو المسيح. وواضح اهتمام الملاك بالبشر وهو الذي يسأل إلى متى انتهاء العجائب = أي متى ستكون هذه النهاية. أو متى تأتي وتنتهي هذه الأحداث. وقد سمع دانيال سؤال الملاك للمسيح ورد المسيح عليه. ولاحظ أن المسيح مكانه هنا فوق مياه النهر= والنهر هو نهر دجلة الذي قيل عنه في (دا 4:10) وعرفنا سابقاً أن جريانه السريع وإندفاعه وعمقه تشير للأحداث الرهيبة الأخيرة أو المعارك الحربية الأخيرة التي كانت رمزاً لها حروب الماضي بين اليونان والفرس. وفي الأيام الأخيرة تشير لأحداث صاخبة مثل إندفاع مياه دجلة. ولكن أليس من المعزي جداً والمبهج لنا جداً أن المسيح فوق هذه الأحداث أي يسيطر عليها ويتحكم فيها لصالح شعبه. وهذه العبارة تتكرر ثانية في آية (7) كتأكيد لهذا، أن الله هو ضابط الكل. وكيف يستغل الله هذه الأحداث لصالح شعبه. راجع الآية (10) من هذا الإصحاح كثيرون يتطهرون ويبيضون ويمحصون = هذه هي فوائد الضيقات. وكان سير المسيح على مياه البحر بنفس المعني "حتى البحر يطيعه" ويبدو أن الملاك سأل هذا السؤال نيابة عن دانيال الذي خشى أن يسأله وذلك لأن المسيح أراد هذا. فهو كان يرد على أسئلة التلاميذ التي يريدون أن يسألوها (يو19:16) ولاحظ قوله يتطهرون ويبيضون.. وقارن مع قصة الثلاثة فتية في أتون النار فالله يسمح بالضيقات حتى نتطهر ونتحرر من قيودنا ويكون هو معنا في وسط الضيقة يعزينا.

 

آية (7): "فسمعت الرجل اللابس الكتان الذي من فوق مياه النهر إذ رفع يمناه ويسراه نحو السموات وحلف بالحي إلى الأبد أنه إلى زمان وزمانين ونصف.فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس تتم كل هذه."

الإجابة كانت زماناً وزمانين ونصف زمان = هذه الإجابة الرمزية تتكرر كثيراً. وهي تعني [1]ملء الزمان أي حينما تنضج الأحداث وتكتمل ويرى الله هذا مناسباً [2] هي فترة ضيقات تنتهي بمجد لله [3]قد تعنى نصف الأسبوع الأخير من نبوة السبعين أسبوعاً (دا 9) أي     3 سنة [4] ولها تفسير آخر:

فزمان = تعني أنه ملء الزمان أي أفضل توقيت لحدوث هذا في علم الله الكامل.

وزمانين= بالنسبة للبشر فهم متسرعين، لكن عليهم أن يتعلموا الصبر فهم يريدون تنفيذ الأحداث الآن أو نهاية الضيقات الآن لكن الله يقول لا.. فعليكم أن تعتبروا مدة تنفيذ هذه الأحداث ضعف ما تتصورون، أي لا داعي للعجلة.

ونصف زمان= هذه بالنسبة للمتهاونين، هؤلاء عليهم أن يعلموا أن المسيح سيأتي بأسرع مما يتصورون فالوقت منذ الآن مقصر "ويوم الرب يأتي كلص". وحين تتم الأحداث سيجد الإنسان أن الوقت كان أسرع مما يتصور.

وهذا الوقت تم التعبير عنه في سفر الرؤيا بنفس الأسلوب. وهذا الوقت تم بقسم فقد رفع لابس الكتان كلتا يديه، وهكذا صنع في سفرالرؤيا (5:10،6). أي تأكيد أكثر من هذا؟! فحين يأتي أحد وينكر المجئ الثاني فأي دينونة تنتظره (2بط4:3).

فإذا تم تفريق أيدي الشعب المقدس. ويعود في (11) ويحدد بدءها إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب. فقد يعني هذا سيطرة كاملة للوحش أو ضد المسيح مما يتسبب في تعطيل العبادة في الكنائس. وإقامة رجس المخرب. من المحتمل أن يكون هذا بجلوس ضد المسيح في الهيكل مظهراً نفسه أنه إله. ويمكن بعدها حساب مدة الآلام بالأيام كما في آية (11).

 

الآية (8): "وأنا سمعت وما فهمت.فقلت يا سيدي ما هي آخر هذه."

هذا سؤال كل محب للكنيسة هنا دانيال هو الذي يسأل، وما آخر كل هذا الشر الذي في العالم. ودانيال يعبر هنا عن عدم فهمه فلنتضع ونقول ونحن أيضاً لا نفهم.

 

الآية (9): "فقال اذهب يا دانيال لأن الكلمات مخفية ومختومة إلى وقت النهاية."

ولكن هذه الكلمات ستظل مختومة وغير مفهمومة حتى وقت النهاية "حين تزداد المعرفة" ويكون لهذه الأيات فائدة وربما لو عُرف معناها الآن تماماً لتعطلت خطة الله، وهذه هي طبيعة النبوات فهي تفُهم بعد تنفيذها أو بالقرب من موعد تنفيذها ليكون لها فائدة.

 

آية (10): "كثيرون يتطهرون ويبيّضون ويمحّصون.أما الأشرار فيفعلون شراً ولا يفهم أحد الأشرار لكن الفاهمون يفهمون."

هذه الآلام يكون لها عمل النار المطهرة للمؤمنين وأما الأشرار فيزدادون تجديفاً على الله، ولن يقدموا توبة. (راجع رؤ20:9) فلم يتوبوا بعد.. بالرغم من الضربات التي بيضت وطهرت غيرهم + (رؤ9:16) فهم لم يتوبوا بل أيضاً هم جدفوا + (رؤ10:16) وأما الذين أعطاهم الروح القدس فهماً فسيفهمون ويقدمون توبة والآن نجد كلا القمح والزوان في الحقل وكلاهما ينميان معاً حتى يوم النهاية. وهذه الآية هي نفسها (رؤ11:22) من هو نجس فليتنجس بعد وهؤلاء الأشرار ستعمى عيونهم ولن يفهموا أن النهاية قد اقتربت (2بط4:3) فالخطية تعمى العيون (يو19:3 + مت14:13،15).

 

آية (11): "ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرب ألف ومئتان وتسعون يوماً."

1290 هي المدة التي تبطل فيها الشعائر الدينية، حين يبطل الوحش العبادة. مع ملاحظة أنه في خلال هذه المدة ولمدة 1260يوماً سيشهد للمسيح شاهديه إيليا وأخنوخ (رؤ3:11) بينما سيدوس الأمم المدينة المقدسة 42شهراً أي 1278 أو 1279 يوماً وهنا مجرد تصور لتقسيم هذه المدة وهي محاولة للفهم مجرد محاولة لكن الأمر سيظل غامضاً إلى أن يتضح في حينه.

                       

وطوبى لمن ينهي فترة الـ1335 يوماً ومازال على الإيمان = طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى (12) أي يحتمل الآلام التي سيثيرها هذا الوحش ضد المؤمنين وهذه تساوي قوله من يغلب في سفر الرؤيا.

 

آية (13): "أما أنت فأذهب إلى النهاية فتستريح وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام."

لاحظ أن الموت راحة. ولاحظ أن الآية تتكلم أيضاً عن القيامة = وتقوم لقرعتك في نهاية الأيام = وكان دانيال في هذا الوقت قد وصل لشيخوخة كبيرة، لم يستطع بسببها غالباً أن يعود إلى وطنه، رغم أن كورش كان قد سمح بعودة اليهود سنة 536 ق.م. وغالباً فقد مات دانيال سنة 534 ق.م أي بعد هذه الرؤيا مباشرة. وقد دفن في برج كبير في عاصمة مادي كان مثوى لملوك مادي وفارس وتعيد كنيستنا القبطية لنياحته في يوم 23برمهات بركة صلاته تكون معنا أمين.


 

دانيال 3، 13، 14 تتمة نبوءة دانيال

الأسفار القانونية الثانية

بقية الإصحاح الثالث

  "24- فكانوا يتمشون في وسط اللهيب مسبحين الله ومباركين الرب.  25- ووقف عزريا وصلى هكذا وفتح فاه في وسط النار وقال.  26- مبارك انت ايها الرب اله ابائنا وحميد واسمك ممجد الى الدهور..  27- لانك عادل في جميع ما صنعت واعمالك كلها صدق وطرقك استقامة وجميع احكامك حق.  28- وقد اجريت احكام حق في جميع ما جلبت علينا وعلى مدينة ابائنا المقدسة اورشليم لانك بالحق والحكم جلبت جميع ذلك لاجل خطايانا.  29- اذ قد خطئنا واثمنا مرتدين عنك واجرمنا في كل شيء.  30- ولم نسمع لوصاياك ولم نحفظها ولم نعمل بما اوصيتنا لكي يكون لنا خير.  31- فجميع ما جلبت علينا وجميع ما صنعت بنا انما صنعته بحكم حق.  32- فاسلمتنا الى ايدي اعداء اثمة وكفرة ذوي بغضاء وملك ظالم شر من كل من على الارض.  33- والان ليس لنا ان نفتح افواهنا فقد صرنا خزيا وعارا لعبيدك والقانتين لك.  34- فلا تخذلنا الى الانقضاء لاجل اسمك ولا تنقض عهدك.  35- ولا تصرف رحمتك عنا لاجل ابراهيم خليلك واسحق عبدك واسرائيل قديسك.  36- الذين قلت لهم انك تكثر نسلهم كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر.  37- لقد جعلنا ايها الرب اقل عددا من كل امة ونحن اليوم اذلاء في كل الارض لاجل خطايانا.  38- وليس لنا في هذا الزمان رئيس ولا نبي ولا قائد ولا محرقة ولا ذبيحة ولا تقدمة ولا بخور ولا موضع لتقريب البواكير امامك.  39- ولنيل رحمتك ولكن لانسحاق نفوسنا وتواضع ارواحنا اقبلنا.  40- وكمحرقات الكباش والثيران وربوات الحملان السمان هكذا فلتكن ذبيحتنا امامك اليوم حتى ترضيك فانه لا خزي للمتوكلين عليك.  41- انا نتبعك الان بكل قلوبنا ونتقيك ونبتغي وجهك.  42- فلا تخزنا بل عاملنا بحسب رافتك وكثرة رحمتك.  43- وانقذنا على حسب عجائبك واعط المجد لاسمك ايها الرب.  44- وليخجل جميع الذين اروا عبيدك المساوئ وليخزوا ساقطين عن كل اقتدارهم ولتحطم قوتهم.  45- وليعلموا انك انت الرب الاله وحدك المجيد في كل المسكونة.  46- ولم يزل خدام الملك الذين القوهم يوقدون الاتون بالنفط والزفت والمشاقة والزرجون.  47- فارتفع اللهيب فوق الاتون تسعا واربعين ذراعا.  48- وانتشر واحرق الذين صادفهم حول الاتون من الكلدانيين.  49- اما اصحاب عزريا فنزل ملاك الرب الى داخل الاتون وطرد لهيب النار عن الاتون.  50- وجعل وسط الاتون ريحا ذات ندى تهب فلم تمسهم النار البتة ولم تسؤهم ولم تزعجهم..  51- حينئذ سبح الثلاثة بفم واحد ومجدوا وباركوا الله في الاتون قائلين.  52- مبارك انت ايها الرب اله ابائنا وحميد ورفيع الى الدهور ومبارك اسم مجدك القدوس ورفيع الى الدهور.  53- مبارك انت في هيكل مجدك القدوس ومسبح وممجد الى الدهور.  54- مبارك انت في عرش ملكك ومسبح ورفيع الى الدهور.  55- مبارك انت ايها الناظر الاعماق الجالس على الكروبين ومسبح ورفيع الى الدهور.  56- مبارك انت في جلد السماء ومسبح وممجد الى الدهور.  57- باركي الرب يا جميع اعمال الرب سبحي وارفعيه الى الدهور.  58- باركوا الرب يا ملائكة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور.  59- باركي الرب ايتها السماوات سبحي وارفعيه الى الدهور.  60- باركي الرب يا جميع المياه التي فوق السماء سبحي وارفعيه الى الدهور.  61- باركي الرب يا جميع جنود الرب سبحي وارفعيه الى الدهور.  62- باركا الرب ايها الشمس والقمر سبحا وارفعاه الى الدهور.  63- باركي الرب يا نجوم السماء سبحي وارفعيه الى الدهور.  64- باركي الرب يا جميع الامطار والانداء سبحي وارفعيه الى الدهور.  65- باركي الرب يا جميع الرياح سبحي وارفعيه الى الدهور.  66- باركا الرب ايها النار والحر سبحا وارفعاه الى الدهور.  67- باركا الرب ايها البرد والحر سبحا وارفعاه الى الدهور.  68- باركا الرب ايها الندى والجليد سبحا وارفعاه الى الدهور.  69- باركا الرب ايها الجمد والبرد سبحا وارفعاه الى الدهور.  70- باركا الرب ايها الصقيع والثلج سبحا وارفعاه الى الدهور.  71- باركا الرب ايها الليل والنهار سبحا وارفعاه الى الدهور.  72- باركا الرب ايها النور والظلمة سبحا وارفعاه الى الدهور.  73- باركي الرب ايتها البروق والسحب سبحي وارفعيه الى الدهور.  74- لتبارك الارض الرب لتسبح وترفعه الى الدهور.  75- باركي الرب ايتها الجبال والتلال سبحي وارفعيه الى الدهور.  76- باركي الرب يا جميع انبتة الارض سبحي وارفعيه الى الدهور.  77- باركي الرب ايتها الينابيع سبحي وارفعيه الى الدهور.  78- باركي الرب ايتها البحار والانهار سبحي وارفعيه الى الدهور.  79- باركي الرب ايتها الحيتان وجميع ما يتحرك في المياه سبحي وارفعيه الى الدهور.  80- باركي الرب يا جميع طيور السماء سبحي وارفعيه الى الدهور.  81- باركي الرب يا جميع الوحوش والبهائم سبحي وارفعيه الى الدهور.  82- باركوا الرب يا بني البشر سبحوا وارفعوه الى الدهور.  83- باركوا الرب يا اسرائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور.  84- باركوا الرب يا كهنة الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور.  85- باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور.  86- باركوا الرب يا ارواح ونفوس الصديقين سبحوا وارفعوه الى الدهور.  87- باركوا الرب ايها القديسون والمتواضعو القلوب سبحوا وارفعوه الى الدهور.  88- باركوا الرب يا حننيا وعزريا وميشائيل سبحوا وارفعوه الى الدهور لانه انقذنا من الجحيم وخلصنا من يد الموت ونجانا من وسط اتون اللهيب المضطرم ومن وسط النار.  89- اعترفوا للرب لانه صالح لان الى الابد رحمته.  90- باركوا يا جميع القانتين الرب اله الالهة سبحوا واعترفوا لان الى الابد رحمته.  91- حينئذ تحير نبوخذنصر الملك وقام مسرعا فاجاب وقال لمشيريه الم نلق ثلاثة رجال موثقين في وسط النار فاجابوا وقالوا للملك صحيح ايها الملك.  92- اجاب وقال ها انا ناظر اربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الالهة.  93- ثم اقترب نبوخذنصر الى باب اتون النار المتقدة واجاب فقال يا شدرخ وميشخ وعبد نغو يا عبيد الله العلي اخرجوا وتعالوا فخرج شدرخ وميشخ وعبد نغو من وسط النار.  94- فاجتمعت المرازبة والشحن والولاة ومشيرو الملك وراوا هؤلاء الرجال الذين لم تكن للنار قوة على اجسامهم وشعرة من رؤوسهم لم تحترق وسراويلهم لم تتغير ورائحة النار لم تات عليهم.  95- فاجاب نبوخذنصر وقال تبارك اله شدرخ وميشخ وعبد نغو الذي ارسل ملاكه وانقذ عبيده الذين اتكلوا عليه وغيروا كلمة الملك واسلموا اجسادهم لكيلا يعبدوا او يسجدوا لاله غير الههم.  96- فمني قد صدر امر بان كل شعب وامة ولسان يتكلمون بالسوء على اله شدرخ وميشخ وعبد نغو فانهم يصيرون اربا اربا وتجعل بيوتهم مزبلة اذ ليس اله اخر يستطيع ان ينجي هكذا.  97- حينئذ قدم الملك شدرخ وميشخ وعبد نغو في ولاية بابل.  98- من نبوخذنصر الملك الى كل الشعوب والامم والالسنة الساكنين في الارض كلها ليكثر سلامكم.  99- الايات والعجائب التي صنعها معي الله العلي حسن عندي ان اخبر بها.  100- اياته ما اعظمها وعجائبه ما اقواها ملكوته ملكوت ابدي وسلطانه الى دور فدور"

يشمل صلاة الفتية الثلاثة في آتون النار ونلاحظ عناصر صلاتهم:-

1.     الاعتراف بالخطية: كان هذا بانسحاق ويقولون أن كل هذا أتى عليهم (السبي/ احتراق أورشليم/ إلقائهم في آتون النار) بسبب خطيتهم وهذا هو قول العشار اللهم ارحمني أنا الخاطئ وهذا ما قاله النبي إرمياء في المراثي فهم لم ينسبوا لله ظلماً.

2.     اللجاجة في الصلاة: لا تخذلنا للإنقضاء... أطلبوا تجدوا...

3.     الشفاعة: كانوا يصلون قائلين "من أجل إبراهيم واسحق ويعقوب".

4.     الذبائح المقبولة : إقبل ذبائحنا قدامك. يقول بولس الرسول " قدموا أجسادكم ذبائح حية ولكن هؤلاء قدموا أجسادهم ذبائح حقيقية. علينا أن نحسب كل شئ رخيصاً أمام الله".

5.     الشكر: لأنه أنقذهم من النار. والكنيسة تضع صلاة الشكر في مقدمة كل صلاة.

6.     العهد مع الله: نتبعك الآن من كل قلوبنا. والتوبة هي نوع من العهد مع الله.

7.     التمجيد: خليقة الله الجملية (شمس / نجوم..) تمجد الله وشاهدة على عمله وعظمته.


 

الإصحاح الثالث عشر

" 1- وكان في بابل رجل اسمه يوياقيم.  2- وكان متزوجا امراة اسمها سوسنة ابنة حلقيا جميلة جدا ومتقية للرب.  3- وكان ابواها صديقين فادبا ابنتهما على حسب شريعة موسى.  4- وكان يواقيم غنيا جدا وكانت له حديقة تلي داره وكان اليهود يجتمعون اليه لانه كان اوجههم جميعا.  5- وكان قد اقيم شيخان من الشعب للقضاء في تلك السنة وهما من الذين قال الرب فيهم ان الاثم قد صدر من بابل من شيوخ قضاة يحسبون مدبري الشعب.  6- وكانا يترددان الى دار يوياقيم فياتيهما كل ذي دعوى.  7- وكانت سوسنة متى انصرف الشعب عند الظهر تدخل وتتمشى في حديقة رجلها.  8- فكان الشيخان يريانها كل يوم تدخل وتتمشى فكلفا بهواها.  9- واسلما عقولهما الى الفساد وصرفا اعينهما لئلا ينظرا الى السماء فيذكرا الاحكام العادلة.  10- وكانا كلاهما مشغوفين بها ولم يكاشف احدهما الاخر بوجده.  11- حياء من كشف هواهما ورغبة في مضاجعتها.  12- وكانا كل يوم يجدان في الترقب لكي ينظراها.  13- وان احدهما قال للاخر لنتصرف الى بيوتنا فانها ساعة الغذاء فخرجا وتفارقا.  14- ثم انقلبا ورجعا الى الموضع فسال بعضهما بعضا عن سبب رجوعه فاعترفا بهواهما وحينئذ اتفقا معا على وقت يمكنهما فيه ان يخلوا بها.  15- وكان في بعض الايام بينما هما مترقبان اليوم الموافق انها دخلت مثل امس فما قبل ومعها جاريتان فقط وارادت ان تغتسل في الحديقة لانه كان حر.  16- ولم يكن هناك احد الا الشيخان وهما مختبئان يترقبانها.  17- فقالت للجاريتين ائتياني بدهن وغسول واغلقا ابواب الحديقة لاغتسل.  18- ففعلتا كما امرتهما اغلقتا ابواب الحديقة وخرجتا من ابواب السر لتاتيا بما امرتا به ولم تعلما ان الشيخين مختبئان هناك.  19- فلما خرجت الجاريتان قام الشيخان وهجما عليها وقالا.  20- ها ان ابواب الحديقة مغلقة ولا يرانا احد ونحن كلفان بهواك فوافقينا وكوني معنا.  21- والا فنشهد عليك انه كان معك شاب ولذلك صرفت الجاريتين عنك.  22- فتنهدت سوسنة وقالت لقد ضاق بي الامر من كل جهة فاني ان فعلت هذا فهو لي موت وان لم افعل فلا انجو من ايديكما.  23- ولكن خير لي ان لا افعل ثم اقع في ايديكما من ان اخطا امام الرب.  24- وصرخت سوسنة بصوت عظيم فصرخ الشيخان عليها.  25- واسرع احدهما وفتح ابواب الحديقة.  26- فلما سمع اهل البيت الصراخ في الحديقة وثبوا اليها من باب السر ليروا ما وقع لها.  27- ولما تكلم الشيخان بكلامهما خجل العبيد جدا لانه لم يقل قط هذا القول على سوسنة.  28- وفي الغد لما اجتمع الشعب الى رجلها يوياقيم اتى الشيخان مضمرين نية اثيمة على سوسنة ليهلكاها.  29- وقالا امام الشعب ارسلوا الى سوسنة بنة حلقيا التي هي امراة يوياقيم فارسلوا.  30- فاتت هي ووالداها وبنوها وجميع ذوي قرابتها.  31- وكانت سوسنة ترفة جدا وجميلة المنظر.  32- فامر هذان الفاجران ان يكشف وجهها وكانت مبرقعة ليشبعا من جمالها.  33- وكان اهلها وجميع الذين يعرفونها يبكون.  34- فقام الشيخان في وسط الشعب ووضعا ايديهما على راسها.  35- فرفعت طرفها الى السماء وهي باكية لان قلبها كان متوكلا على الرب.  36- فقال الشيخان اننا كنا نتمشى في الحديقة وحدنا فاذا بهذه قد دخلت ومعها جاريتان واغلقت ابواب الحديقة ثم صرفت الجاريتين.  37- فاتاها شاب كان مختبئا ووقع عليها.  38- وكنا نحن في زاوية من الحديقة فلما راينا الاثم اسرعنا اليهما ورايناهما متعانقين.  39- اما ذاك فلم نستطيع ان نمسكه لانه كان اقوى منا ففتح الابواب وفر.  40- واما هذه فقبضنا عليها وسالناها من الشاب فابت ان تخبرنا هذا ما نشهد به.  41- فصدقهما المجمع لانهما شيخان وقاضيان في الشعب وحكموا عليها بالموت.  42- فصرخت سوسنة بصوت عظيم وقالت ايها الاله الازلي البصير بالخفايا العالم بكل شيء قبل ان يكون.  43- انك تعلم انهما شهدا علي بالزور وها انا اموت ولم اصنع شيئا مما افترى علي هذان.  44- فاستجاب الرب لصوتها.  45- واذ كانت تساق الى الموت نبه الله روحا مقدسا لشاب حدث اسمه دانيال.  46- فصرخ بصوت عظيم انا بريء من دم هذه.  47- فالتفت اليه الشعب كله وقالوا ما هذا الكلام الذي قلته.  48- فوقف في وسطهم وقال اهكذا انتم اغبياء يا بني اسرائيل حتى تقضوا على بنت اسرائيل بغير ان تفحصوا وتتحققوا الامر.  49- ارجعوا الى القضاء فان هذين انما شهدا عليها بالزور.  50- فاسرع الشعب كله ورجع فقال له الشيخان هلم اجلس بيننا وافدنا فقد اتاك الله مزية الشيوخ.  51- فقال لهم دانيال فرقوهما بعضهما عن بعض فاحكم فيهما.  52- فلما فرقا الواحد عن الاخر دعا احدهما وقال له يا ايها المتعتق الايام الشريرة لقد اتت عليك خطاياك التي ارتكبت من قبل.  53- بقضائك اقضية ظلم وحكمك على الابرياء واطلاقكك للمجرمين وقد قال الله البريء والزكي لا تقتلهما.  54- فالان ان كنت قد رايتها فقل تحت اي شجرة رايتهما يتحدثان فقال تحت الضروة.  55- فقال دانيال لقد صوبت كذبك على راسك فملاك الله قد امر من لدن الله بان يشقك شطرين.  56- ثم نحاه وامر باقبال الاخر فقال له يا نسل كنعان لا يهوذا قد فتنك الجمال واسلم الهوى قلبك الى الفساد.  57- هكذا كنتما تصنعان مع بنات اسرائيل وكن يحدثنكما مخافة منكما اما بنت يهوذا فلم تحتمل فجوركما.  58- فالان قل لي تحت اية شجرة صادفتهما يتحدثان فقال تحت السنديانة.  59- فقال له دانيال وانت ايضا قد صوبت كذبك على راسك فملاك الله واقف وبيده سيف ليقطعك شطرين حتى يهلككما.  60- فصرخ المجمع كله بصوت عظيم وباركوا الله مخلص الذين يرجونه.  61- وقاموا على الشيخين وقد اثبت دانيال من نطقهما انهما شهدا بالزور وصنعوا بهما كما نويا ان يصنعا بالقريب.  62- عملا بما في شريعة موسى فقتلوهما وخلص الدم الزكي في ذلك اليوم.  63- فسبح حلقيا وامراته لاجل ابنتهما مع يوياقيم رجلها وذوي قرابتهم لانه لم يوجد فيها شيء قبيح.  64- وعظم دانيال عند الشعب من ذلك اليوم فما بعد.  65- وانضم الملك اسطواج الى ابائه واخذ كورش الفارسي ملكه."

نجد فيه قصة سوسنة العفيفة والتدبير الشرير ضدها من قضاة اليهود ونجاتها بفضل حكمة دانيال. وتقرأ الكنيسة هذه القصة ليلة أبوغلمسيس أي مساء الجمعة العظيمة بعد صلب المسيح. فالله الذي أنقذ سوسنة من حكم الشيوخ الظالم، أقام المسيح من الأموات بعد أن حكموا عليه زوراً وهو القدوس، كما حكموا على سوسنة بالظلم وهي العفيفة.

 


 

الإصحاح الرابع عشر

"1- وكان دانيال نديما للملك ومكرما فوق جميع اصدقائه.  2- وكان لاهل بابل صنم اسمه بال وكانوا ينفقون له كل يوم اثني عشر اردبا من السميذ واربعين شاة وستة امتار من الخمر.  3- وكان الملك يعبده وينطلق كل يوم فيسجد له اما دانيال فكان يسجد لالهه فقال الملك لماذا لا تسجد لبال.  4- فقال لاني لا اعبد اصناما صنعة الايدي بل الاله الحي خالق السماوات والارض الذي له السلطان على كل ذي جسد.  5- فقال له الملك اتحسب ان بالا ليس باله حي او لا ترى كم ياكل ويشرب كل يوم.  6- فضحك دانيال وقال لا تضل ايها الملك فان هذا باطنه طين وظاهره نحاس فلم ياكل قط.  7- فغضب الملك ودعا كهنته وقال لهم ان لم تقولوا لي من الذي ياكل هذه النفقة تموتون.  8- وان بينتم ان بالا ياكل هذه يموت دانيال لانه جدف على بال فقال دانيال للملك ليفعل كما تقول.  9- وكان كهنة بال سبعين كاهنا ما خلا النساء والاولاد فاتى الملك ودانيال الى بيت بال.  10- فقال كهنة بال ها انا ننصرف الى الخارج وانت ايها الملك ضع الاطعمة وامزج الخمر وضعها ثم اغلق الباب واختم عليه بخاتمك.  11- وفي غد ارجع فان لم تجد بالا قد اكل الجميع فانا نموت والا فيموت دانيال الذي افترى علينا.  12- وكانوا يستخفون بالامر لانهم كانوا قد صنعوا تحت المائدة مدخلا خفيا يدخلون منه كل يوم ويلتهمون الجميع.  13- فلما خرجوا وضع الملك الاطعمة لبال فامر دانيال غلمانه فاتوا برماد وذروه في الهيكل كله بحضرة الملك وحده ثم خرجوا واغلقوا الباب وختموا عليه بخاتم الملك وانصرفوا.  14- فلما كان الليل دخل الكهنة كعادتهم هم ونساؤهم واولادهم واكلوا الجميع وشربوا.  15- وبكر الملك في الغد ودانيال معه.  16- فقال اسالمة الخواتيم يا دانيال قال سالمة ايها الملك.  17- ولما فتحت الابواب نظر الملك الى المائدة فهتف بصوت عال عظيم انت يا بال ولا مكر عندك.  18- فضحك دانيال وامسك الملك لئلا يدخل الى داخل وقال انظر البلاط واعرف ما هذه الاثار.  19- فقال الملك اني ارى اثار رجال ونساء واولاد وغضب الملك.  20- حينئذ قبض على الكهنة ونسائهم واولادهم فاروه الابواب الخفية التي يدخلون منها وياكلون ما على المائدة.  21- فقتلهم الملك واسلم بالا الى يد دانيال فحطمه هو وهيكله.  22- وكان في بابل تنين عظيم وكان اهلها يعبدونه.  23- فقال الملك لدانيال اتقول عن هذا ايضا انه نحاس ها انه حي ياكل ويشرب ولا تستطيع ان تقول انه ليس الها حيا فاسجد له.  24- فقال دانيال اني انما اسجد للرب الهي لانه هو الاله الحي.  25- وانت ايها الملك اجعل لي سلطانا فاقتل التنين بلا سيف ولا عصا فقال الملك قد جعلت لك.  26- فاخذ دانيال زفتا وشحما وشعرا وطبخها معا وصنع اقراصا وجعلها في فم التنين فاكلها التنين فانشق فقال انظروا معبوداتكم.  27- فلما سمع بذلك اهل بابل غضبوا جدا واجتمعوا على الملك وقالوا ان الملك قد صار يهوديا فحطم بالا وقتل التنين وذبح الكهنة.  28- واتوا الى الملك وقالوا له اسلم الينا دانيال والا قتلناك انت والك.  29- فلما راهم الملك ثائرين به اضطر فاسلم دانيال اليهم.  30- فالقوه في جب الاسود فكان هناك ستة ايام.  31- وكان في الجب سبعة اسود يلقى لها كل يوم جثتان ونعجتان فلم يلق لها حينئذ شيء لكي تفترس دانيال.  32- وكان حبقوق النبي في ارض يهوذا وكان قد طبخ طبيخا وثرد خبزا في جفنة وانطلق الى الصحراء ليحمله للحصادين.  33- فقال ملاك الرب لحبقوق احمل الغداء الذي معك الى بابل الى دانيال في جب الاسود.  34- فقال حبقوق ايها السيد اني لم ار بابل قط ولا اعرف الجب.  35- فاخذ ملاك الرب بجمته وحمله بشعر راسه ووضعه في بابل عند الجب باندفاع روحه.  36- فنادى حبقوق قائلا يا دانيال يا دانيال خذ الغداء الذي ارسله لك الله.  37- فقال دانيال اللهم لقد ذكرتني ولم تخذل الذين يحبونك.  38- وقام دانيال واكل ورد ملاك الرب حبقوق من ساعته الى موضعه.  39- وفي اليوم السابع اتى الملك ليبكي على دانيال فدنى من الجب ونظر فاذا بدانيال جالس.  40- فهتف بصوت عال وقال عظيم انت ايها الرب اله دانيال ولا اله غيرك ثم اخرجه من جب الاسود.  41- اما الذين سعوا به للهلاك فالقاهم في الجب فافترسوا من ساعتهم امامه.  42- فقال الملك ليتق جميع سكان الارض اله دانيال فانه المخلص الصانع الايات والعجائب في الارض وهو الذي انقذ دانيال من جب الاسود."

يشتمل على قصتين يفضح فيها دانيال بحكمته آلهة البابليين بال والتنين. وإلقاء الملك له في جب الأسود ليرضي الشعب الوثني ونجاته بل الملاك يحضر له حبقوق النبي بطعام في الجب

 

الصفحة الرئيسية