المقدمة
1. معنى اسمه المحتضن أو المعانق.
2. يتضح من (حب19:3) أنه كان من سبط لاوي كأحد المغنين في الهيكل.
3. ما ورد في (5:1،6) فهأنذا مقيم الكلدانيين يجعلنا نتصور أن هذه النبوة قد كتبت قبل أن تظهر بابل كأمة لها شأن. وما جعل بابل قوة عظيمة ذات شأن هو إنتصارها على أشور وكان ذلك سنة 612ق.م. ثم إنتصارهم على مصر في معركة كركميش سنة 605ق.م. لذلك فهذه النبوة قد كتبت قبل سنة 612 ق.م.
4. أيضاً واضح أن الهيكل كان مازال قائماً فهناك فرق للتسبيح (حب19:3) وقد دمر البابليون الهيكل، ودمروا أورشليم سنة 586ق.م.
5. الكلدانيون اسم يطلق على بعض الفئات الكهنوتية في بابل كالسحرة والمنجمين. ولكن الأجانب عن بابل أطلقوا اسم الكلدانيين على البابليين عامة. كما يطلق على المصريين الفراعنة، مع أن الفرعون هو لقب ملك مصر.
6. بدأ النبي السفر بصلاة يشتكي فيها من الفساد الذي يراه في شعبه. ويجيبه الله على صراخه بأنه سيؤدبهم بواسطة الكلدانيين. ويعود النبي بعد أن رأى شراسة هؤلاء الكلدانيين يصرخ لله.. لماذا يظلم هؤلاء الأشرار شعبه بينما أن هؤلاء الكلدانيين هم أشر من شعبه. وفي الإصحاح الثاني نجد النبي على مرصده وعلى حصنه منتظراً أن يجيبه الله على شكواه التي اشتكى منها في الإصحاح الأول. ويجيبه هنا الله بأنه يستخدم هؤلاء الكلدانيين كعصا تأديب لشعبه ، ولكن لكبريائهم سينقلبون بعد أن يؤدوا دورهم. وفي الإصحاح الثالث نجد النبي متهللاً مرنماً. وفي صلاته يرى عهد الخلاص المستقبل فينتظر البركة. وهو يحث اليهود أن يصلوا بهذه الصلاة، ويكون لهم رجاء في أثناء ضيقتهم في سبيهم المنتظر في بابل. فهي ترنيمة لتشجيع وتعزية الشعب.
7. نجد النبي هنا في تساؤل مستمر وفي صراع مستمر مع الله في الصلاة ولذلك أطلق عليه اسم النبي المتسائل وسماه جيروم المصارع مع الله مثل يعقوب الذي صارع مع الله حتى الفجر. ومن هنا نفهم أن المرصد الذي يقف عليه كان في غرفته أو مخدعه حيث يطرح هناك شكواه لله وينتظر مصارعاً حتى يحصل على إجابة لتساؤلاته. ومن هنا نفهم علاقة اسمه بسفره. فهو محب لله وله تساؤلات عن أحكام الله، فلم يذهب بتساؤلاته بعيداً عن الله، بل إلتجأ لله يتمسك به كأنه يعانقه طالباً منه بدالة الحب أن يجيبه على تساؤلاته، يعانقه ويحتضن كأنه يتصارع معه، ويسأله عن هذه الأوضاع التي تبدو وكأنها مقلوبة في العالم، فهو يرى البرئ والبار مظلومين. وهناك من يرى أوضاعاً لا يفهمها عقله البشري فيتذمر على الله، أما أولاد الله الواثقين فيه فهم دائماً في حب يحتضنون الله ويصارعون معه ويسألونه، والله دائماً يجيب ويعطي راحة لأولاده فيسلمون أن حكمة الله دائماً أعلى من حكمة البشر. لذلك نرى في هذا السفر أنه حوار حب مشترك بين الله والإنسان. الله يتكلم والإنسان يسمع. والإنسان يتكلم والله بالحب ينصت.
8. السؤال الذي يسأله النبي هنا "لماذا يسمح الله بان يظلم شعبه، هو سؤال كل الأجيال (راجع مز73 + أر1:12 + سفر أيوب) وهنا نفهم أن من يحبه الرب يؤدبه. وهذا السؤال تم توجيهه للسيد المسيح، فأجاب بسؤال آخر ولم يرد على السؤال (لو1:13-5). والمعنى أننا غير قادرين على استيعاب حكمة الله.
9. نجد هنا صفات الخادم الحقيقي:
أ. قلب مفتوح أمام الله، حاملاً همومه وهموم مخدوميه داخلاً بها مخدعه طارحاً إياها أمام الله، ثم يخرج وفي قلبه عزاء وثقة.
ب. قلب مفتوح نحو المخدومين. فهو لم يحتمل آلام شعبه بالرغم من أنهم يستحقونها.
ت. قلب مملوء فرحاً وتسبيحاً، ورؤية للمستقبل الذي فيه يتمجد الله.
10. نجد في هذا السفر صورة لحياة الإنسان الصالح ممثلاً في شعب الله الذي يعاني من فساد طبيعته الداخلية (فساد الشعب وخطاياه) ويعاني من الحروب الخارجية (هجوم جيش بابل). ولكنه لا يكف عن العبادة والتسبيح (إصحاح 3).
11. يرى معظم الدارسين أن محور السفر هو الآية "البار بإيمانه يحيا" ونجد أن بولس الرسول قد إقتبسها في (رو17:1 + غل11:3 + عب38:10).
12. أشهر أعداء شعب الله كانوا أدوم وأشور وبابل، وقد تنبأ عوبديا ضد أدوم وناحوم ضد أشور وحبقوق ضد بابل.
13. نجد أن دانيال حين وضع في جب الأسود، أن ملاكاً نقل حبقوق إلى بابل مع الطعام الذي كان يعده ليعول دانيال في جب الأسود. وقد يكون حبقوق هذا هو النبي الذي نتحدث عنه (هذه الرواية من الأسفار القانونية الثانية).
14. تبدأ نبوة حبقوق بكلمة الوحي وهي تعني ثقل. فالله يختار الأنبياء من وسط الخدام الأمناء. ويكون النبي المختار هذا متفاعلاً مع أحداث عصره بكل صدق. فيبدأ الروح القدس ينقل مشكلات هذا الجيل لقلب هذا الخادم فتطحنه وتثقله. فيبدأ هذا الإنسان يطرح شكواه في الصلاة أمام الله فيفتح الله عينيه ليرى الحقائق. الروح القدس ينقل ثقل المشكلة إلى قلب النبي فتتحول في قلبه إلى صلاة، وفي ذهنه إلى رؤيا فيصير رائي. ويشعر أنه صار مسئولاً عن جيله فيصلي ويتشفع عنهم. إذاً فالروح القدس يفتح البصيرة الروحية فيرى الأمور كما هي في السماء أي كما تراها السماء. وبعد ذلك يعطيه الروح القدس الحل فيتنبأ كيف ستسير الأمور وبهذا يصير نبي. فهو أصبح رائي حينما رأى الأمور كما تراها السماء وأصبح نبياً حينما أخبر بالمستقبل.
الإصحاح الأول
الآيات (1-4): "الوحي الذي رآه حبقوق النبي. حتى متى يا رب أدعو وأنت لا تسمع اصرخ إليك من الظلم وأنت لا تخلص. لم تريني إثما وتبصر جورا وقدامي اغتصاب وظلم ويحدث خصام وترفع المخاصمة نفسها. لذلك جمدت الشريعة ولا يخرج الحكم بتة لأن الشرير يحيط بالصديق فلذلك يخرج الحكم معوجا."
هنا النبي يتساءل عن الظلم الذي تفشى وسط شعبه إسرائيل. وهو في تساؤله هذا يتعجب لماذا لا يستجيب الله لصلاته ويخلص المظلومين، ولماذا تنجح طريق الأشرار. وفي (2) نجد هذا تساؤل كل عصر. وربما النبي لم يظلم شخصياً لكنه في رقة مشاعره حسب أن ظلم الآخرين لهو ظلم له شخصياً يؤذي مشاعره. وبمشاعره المجروحة يلجأ لله بصلواته وقلبه. ولاحظ أن في هذه الآيات ، الظلم واقع من شعب الله ضد شعب الله، فالفساد داخلي إذاً. والنبي هنا يصرخ لكي ينزع الله هذا الظلم والفساد. وفي (3) لم تريني إثماً = فالنفس البارة لا تطيق أن ترى الإثم.وترفع المخاصمة نفسها = هناك من يثيرون النزاع والخصام وهم بهذا يساعدون الشيطان في إثارة المشاكل. وفي (4) لذلك جمدت الشريعة = أي توقفت وجمد عملها، لم يعد أحد يحترمها، لقد زاد تيار الظلم وتعدى كل الحواجز والشرائع وتعطل إجراء العدل. لقد صار طبيعياً، ولم يعد أحد يبالي بتلك الجرائم ويوقع القصاص على المجرمين لأن الشر يحيط بالصديق = صار الشر هو الغالب والصديقين قلة ومحاصرين بالشرور. وهذا دائماً أسلوب إبليس، فالرجل النبيل أو الفكرة النبيلة يحيط بها الشر. هذا عمل الشيطان ليفسد كل شئ صالح. والملخص لقد تفشى الشر داخلياً في شعب الله. وعجيب هو الله في طول أناته فهو لا ينتقم مباشرة بل يعطي فرصاً وفرصاً للتوبة أمام الظالم، أما بالنسبة للمظلوم فالله يستخدم الظلم الواقع عليه لتنقيته من خطاياه.
الآيات (5-11): "انظروا بين الأمم وابصروا وتحيروا حيرة لأني عامل عملا في أيامكم لا تصدقون به أن اخبر به. فهانذا مقيم الكلدانيين الأمة المرة القاحمة السالكة في رحاب الأرض لتملك مساكن ليست لها. هي هائلة ومخوفة من قبل نفسها يخرج حكمها وجلالها. وخيلها أسرع من النمور وأحد من ذئاب المساء وفرسانها ينتشرون وفرسانها يأتون من بعيد ويطيرون كالنسر المسرع إلى الأكل. يأتون كلهم للظلم منظر وجوههم إلى قدام ويجمعون سبيا كالرمل. وهي تسخر من الملوك والرؤساء ضحكة لها وتضحك على كل حصن وتكوم التراب وتأخذه. ثم تتعدى روحها فتعبر وتأثم هذه قوتها إلهها."
في آية (5) الله ينذر بأنه سوف يؤدبهم على خطاياهم بعمل يكون مذهلاً حقاً "مخيف هو الوقوع في يد الله" وهنا فهذا الخراب قريب وعلى الأبواب = عاملاً عملاً في أيامكم = فمن الذي يصدق أن الله يترك شعبه في يد الكلدانيين الأشرار، لكن السبب هو أنهم تركوا عهد أبائهم. ولكن تأديب الله حلو، فهو سمح لهم بالسبي حتى يزرع فيهم الحنين للحرية الحقيقية أي الحرية من سلطان إبليس وسلطان الخطية. وجعلهم يشعرون بالغربة ليشتاقوا للعبادة في أورشليم وفي هيكلها، أي يشتاقوا لله، والله يعطينا كثيراً أن نشعر بالغربة هنا في حياتنا على الأرض حتى نشتاق لأورشليم السماوية. وفي (6) الله هو سيد التاريخ، فهو الذي حرك الكلدانيين كعصا تأديب لشعبه. وجاءت مواصفات أمة الكلدانيين هنا لتوافق مواصفات أمة الشياطين التي استعبدت البشر قبل مجيء المسيح المخلص، ومازالت تستعبد كل من يخرج من حماية المسيح وينفصل عنه بقبوله الخطايا والملذات التي يهيئها إبليس له.
1. أمة مرة: الكدانيون كانوا في منتهى القسوة والمرارة في ظلمهم وتحطيمهم واستعبادهم والشياطين هم أمه وليسوا واحداً. ويسببون المرارة لمن يستعبدونه وغايتهم هدمه تماماً.
2. قاحمة: مسرعة للاقتحام، تنقض على الآخرين لتذلهم وتأسرهم. يتربصون لحظة خاطفة يتغافل فيها حراس المدينة ليقتحموا. والشياطين تستغل غفلتنا فتهاجمنا عن طريق حواسنا.
3. سالكة في رحاب الأرض: لقد استولى الكلدانيون على كل الأرض. ولقد دعى إبليس رئيس هذا العالم وفي (أي2:2) كان يجول في الأرض لماذا؟ يلتمس من يبتلعه (1بط8:5).
4. تملك مساكن ليست لها: استولى الكلدانيون على الأرض والمساكن، والشيطان سكن قلوب الناس التي هي ليست له بل هي مسكن لله (1كو16:3 + يو23:14).
5. هائلة ومخوفة: الشيطان هائل ومخوف لمن هو وحده بدون المسيح، لكن من هو في المسيح فهو مرعب لإبليس لذلك يقول السيد "إثبتوا فيّ وأنا فيكم".
6. من قبل نفسها يخرج حكمها وجلالها: هم أمة مستبدة برأيها، لا تخضع لقانون سوى هواها، يتحكم فيهم شهيتهم للإستيلاء على كل شئ بلا عقل ولا ضمير. لذلك فالحوار مع إبليس ضار وغير مجدي، فحواره مملوء خداع وغير بناء، فعلينا ألا نعطيه أذاننا.
7. خيلها أسرع من النمور: الخيل أداة هجوم في الحروب، إذاً هم في حرب دائمة (الكلدانيون أو الشياطين) ضد شعب الله، وفي هجومهم سرعة في الإنقضاض للإفتراس، شريعتهم الظلم، وبلا رحمة، مملوئين مكراً ودهاءً، ولهم طبيعة وحشية، يترقبون أي إهمال أو تراخٍ ليهجمواً.
8. أحد من ذئاب المساء: التي قضت نهارها جائعة، وخرجت ليلاً لتخطف بشراهة ولنلاحظ أن الليل إشارة للخطية، فالذي يذهب لأماكن الخطية معرض للإفتراس.
9. فرسانها ينتشرون، يأتون من بعيد: أي يحاربوننا من حيث لا نتوقع، فلنحذر، لقد حارب إبليس السيد المسيح على جناح الهيكل.
10. كالنسر المسرع للأكل: النسر يرى فريسته من بعد وينقض عليها في الوقت المناسب.
11. يأتون كلهم للظلم: شريعة إبليس الظلم، فهو لا يطلب سوى حرماننا من السماء.
12. منظر وجوههم إلى الأمام: في ترجمات أخرى "للخطف بدلاً من الأمام" أي إتجاه وجوههم واضح، فهم ينظرون دائماً لفريستهم ويتحينون الفرصة للهجوم.
13. يجمعون سبياً كالرمل: لقد التفتت البشرية كلها تقريباً حول إبليس، وصاروا عبيداً له بمحض إرادتهم.
14. تسخر من الملوك: هكذا صنع ملوك بابل بملوك يهوذا، ونحن بالمسيح نصير ملوك نملك على حواسنا وإرادتنا وشهواتنا، أما من يخرج عن المسيح فيسخر منه الشيطان.
15. تضحك على كل حصن: أي كل حصن بشري، أما حصننا المضمون فهو المسيح البرج الحصين.
16. تكوم التراب وتأخذه: لقد أخذت بابل كل كنوز إسرائيل، ولكن كل هذا ما هو إلا تراب. وأيضاً الإنسان المخلوق على صورة الله إنساناً سماوياً، لو إنجذب للأرضيات بخداع إبليس لصار أرضياً فهو من تراب. فلو خسر ما هو سماوي فيه، عاد لطبيعته كتراب (تك7:2) وفي هذا الوقت يكن للحية سلطان عليه أن تبتلعه (تك14:3). أما من ارتفع بقلبه إلى السماء ليمارس الحياة السماوية دون أن تسحبه محبة الأرضيات فلا يقدر العدو أن يقتنصه.
17. تتعدى روحها فتعبروتأثم هذه قوتها إلهها: أي بسبب إنتصاراتهم على الشعوب من حولهم تزداد كبريائهم، وهذا الكبرياء يجعلهم أعداء الله، خصوصاً أنهم نسبوا كل نجاح لهم إلى قوتهم، بل هم ألّهوا قوتهم، وبهذا فهم يقربون أنفسهم للهلاك. ولنلاحظ أن هذا خطية، أن ننسب نجاحاتنا لأنفسنا وقدراتنا (يع17:1 + 1كو7:4). ومما سبب إنتفاخ الشياطين أنهم وجدوا أن البشر يخضعون لهم فتعدت روحهم = تتعدى روحها فتأثم = أي تصوروا أن حجمهم أكبر من الواقع فألهوا أنفسهم إذ شعروا أن الإنسان خاضع لهم وكلما انتفخوا وتكبروا أثموا، أي إزداد إثمهم = فتأثم.
الآيات (12-17): "الست أنت منذ الأزل يا رب الهي قدوسي لا نموت يا رب للحكم جعلتها ويا صخر للتأديب أسستها. عيناك اطهر من أن تنظرا الشر ولا تستطيع النظر إلى الجور فلم تنظر إلى الناهبين وتصمت حين يبلع الشرير من هو ابر منه. وتجعل الناس كسمك البحر كدبابات لا سلطان لها. تطلع الكل بشصها وتصطادهم بشبكتها وتجمعهم في مصيدتها فلذلك تفرح وتبتهج. لذلك تذبح لشبكتها وتبخر لمصيدتها لأنه بهما سمن نصيبها وطعامها مسمن. أفلأجل هذا تفرغ شبكتها ولا تعفو عن قتل الأمم دائما."
هو بدأ بالشكوى من الشر الموجود وسط شعبه (الآيات 1-4) والله أظهر له صفات العصا المؤدبة (الآيات 5-11) وما ستلحقه بشعبه من أذى، فعاد للصراخ لله ثانية، فهو لم يحتمل أن يرى ظلم البابليين لشعبه، هو لم يحتمل سماع أنات شعبه، وهذا ما يطلبه الله منا تماماً أن نئن مع المتألمين ونبكي مع الباكين (عو12 + رو15:12). وفي آية (12) أنت منذ الأزل يا رب إلهي وقدوسي = كأنه يريد أن يقول أنت الله القدوس الذي لا تحتمل الشر، فكيف تحتمل ظلم شعبك. ولكن لاحظ قوله "إلهي وقدوسي" شاعراً أنه في لحظات مرارته لا يجد من يلتصق به سوى إلهه وقدوسه. لا نموت هو أدرك أن الرب إلهه أزلى أبدي، إذاً هو يعطي من صفاته لشعبه، إذاً هو سيعطي لشعبه الخلود، فحتى لو جاء هؤلاء الكلدانيون فلن يستطيعوا إفناء شعب الله، بل كل ما سيصنعونه هو تأديب الشعب = يا صخر للتأديب أسستها= أي هو أسس أمة الكلدانيين للتأديب. ولكنه هو الصخر الأبدي الذي يحمي شعبه. وأيضاً فالله سمح للشيطان حتى الآن أن يلحق بشعبه بعض الأذى ولكن هذا للتأديب (أي7:2). وفي (13) المعنى أن الله لقداسته ولأنه لا يسّر بالشر فهو لن يترك هؤلاء الناهبين مستمرين في ظلمهم لشعب الله. وهو هنا حين يقارن الكلدانيين بشعبه يجد أن الكلدانيين أشر منهم. وأن اليهود مهما أخطأوا، ومهما كانت خطيتهم فهم أبر من الكلدانيين. ولكن لا مانع أن يستخدم الله من هو أشر منا لتأديبنا. وبدأ النبي يبرز سمات هؤلاء الكلدانيون. فهم يتصورون الشعوب كسمك البحر = بلا مالك فمن حقهم أن يصطادوا منهم ما يحلو لهم. وكدبابات لا سلطان لها = كحشرات على الأرض، يستطيع أي إنسان أن يطأها ويسحقها. وفي (15) لاحظ أن لهم وسائل متعددة بها يقتنصون أعدائهم (شص + شبكة + مصيدة). هذا هو جيش الكلدانيين. وإبليس له وسائل متعددة فلنحذر. وهم لهم وسائلهم المتعددة التي يستخدمونها للقتل. وهي تفرح وتبتهج بضحاياها = وإبليس يفرح بمن يسقطه. وفي (16) تذبح لشبكتها = الناس عادة تذبح لآلهتها وهم هنا يذبحون لشبكتهم أي جيشهم. والمعنى أنهم تصوروا أن قوتهم سرها جيشهم فإفتخروا به وألهوه (حب11:1). وهكذا يميل كل إنسان أن يمجد قدراته البشرية ولا ينسب الفضل لله. وأنظر لما يفرح الكلدانيين أو إبليس بهما سمن نصيببها وطعامها مسمن = في السبعينية "طعامها من الصفوة" أي أنهم لا يفرحون إلا بالصيد الثمين مثل الملوك والرؤساء. والشياطين تبتهج بسقوط القديسين. وفي (17) العدو إبليس كالكلدانيين كلما سمن نصيبه إزدادت شراهته لإصطياد آخرين فيفرغ شبكته حتى تكون هناك فرصة لاصطياد آخرين = لا تعفو عن قتل الأمم دائماً.
الإصحاح الثاني
بعد أن طرح النبي تساؤلاته وشكواه من ظلم البابليين لشعبه، وقف في مخدعه مصلياً رافعاً قلبه لله "حتى متى تسمح يا رب لهذه الأمة القاحمة أن تفرغ شبكتها لتصطاد آخرين"
آية (1): "على مرصدي اقف وعلى الحصن انتصب وأراقب لأرى ماذا يقول لي وماذا أجيب عن شكواي."
على مرصدي أقف وعلى الحصن = هو يترصد أي إجابة من الله على تساؤلاته. يقف على حصن الذي هو يسوع صخرتنا الذي نحتمي به حتى لا تتحول تساؤلاتنا إلى زعزعة إيمان. فلا مانع أن نتساءل ولكن بروح الصلاة وبثقة في إلهنا، وليس عن تشكيك أو تذمر. وهو على المرصد أيضاً "فلا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد أن يعلن له" أي يسوع هو المرصد الذي يعلن لنا الآب ومحبة الآب. والمرصد هو الروح القدس الذي يعلن لنا الابن (يو13:6-15). والروح القدس قد حل فينا ولكن يلزم أن ندخل لمخدعنا يومياً، منعزلين عن ضجيج العالم لنسمع صوته الهامس. والروح القدس يكشف لنا كل شئ ويعلمنا. وتشبه هذه الآية قول ناثان في مزمور73 "حينما دخلت للمقادس" (17:73). فهو ظل متسائلاً "متمرمراً أي متمرداً على أحكام الله حتى دخل للمقادس أي وقف على مرصده وحصنه في مخدعه مصلياً، حينئذ يجيب الله عليه. فنحن لن نحصل على إجابة عن تساؤلاتنا بمخاصماتنا مع الله وأعتراضنا على أحكامه، بل بالصلاة من الأعماق وطلب رحمته ماذا يقول لي.. وماذا إجيب = فالله يرد على تساؤلات النبي وتساؤلات شعبه المؤمن المصلي، وهم يجاوبون المتشككون حينما يسألونهم. عن شكواي = النبي اشتكي لله ولكن بروح الثقة وبدالة المحبة، والله يجيبه، وحين يسأل النبي من الشعب، نفس السؤال الذي اشتكى هو منه لله يكون قادراً على الإجابة.
آية (2) : "فأجابني الرب وقال اكتب الرؤيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها."
أي اكتبها بحيث تكون واضحة لكل من يقرأها، فيفهمها ويركض في طريق التوبة. فإذا قررنا التوبة فلابد أن نسرع فالزمن مقصر.
آية (3) : "لان الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب أن توانت فانتظرها لأنها ستأتي أتيانا ولا تتأخر."
مضمون الرؤيا أن الأبرار سيحيون والأشرار سيهلكون، وهذا سيحدث حتماً حتى وأن تأخر. لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد = أي ستتحقق في الميعاد الذي حدده الله، فهناك ميعاد قد حدده الله لكل حدث.
الآيات (4،5) : "هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه والبار بإيمانه يحيا. وحقا أن الخمر غادرة الرجل متكبر ولا يهدا الذي قد وسع نفسه كالهاوية وهو كالموت فلا يشبع بل يجمع إلى نفسه كل الأمم ويضم إلى نفسه جميع الشعوب.
هوذا منتفخة غير مستقيمة نفسه فيه = لقد تعجرف الكلدانيون بسبب إنتصاراتهم، وظنوا هذا راجع لقوتهم. هم أنتفخوا، وهكذا كل نفس منتفخة لا تنسب لله أي فضل في الخير الذي تنعم به، وهذه النفس تزداد شهوتها للإمتلاء من العالم، وتسلك لذلك أي مسلك. والله يحقق بهؤلاء غرضه بأن يعطيهم الفرصة ويهيئ لهم الظروف فيؤدبون أولاده، ويعود ليضربهم على كبريائهم. والبار بإيمانه يحيا = على البار أن يصبر ويحتمل ويظل على رجائه وإيمانه وثقته بمواعيد الله، وعليه أن يضع رجائه في الله فيحيا في راحة بالرغم من آلامه، واثقاً أن ما يسمح به الله فهو دائماً للخير حتى وأن لم نفهم وهذا هو الإيمان الذي يعطي حياة (رو28:8 + 1كو22:3 + يو7:13) وهذه الآية جاءت هنا لتساعد الشعب في سبيه بأنهم هم لهم المواعيد بالرغم من سبيهم، وأن سادتهم الحاليين فمصيرهم الهلاك بالرغم من قوتهم وسلطانهم الحالي. وفي (5) الرجل متكبر ولا يهدأ = هو ملك بابل، (أو هو إبليس) فكبريائه يزداد بزيادة من يلتهمهم ويستعبدهم، ولا يهدأ حتى يسقط آخرين. والكبرياء هي الخطية التي سقط بها إبليس، وبها يسقط كثيرين. وهذا الكبرياء يجعل الإنسان يظن أنه لا يشبع إلا من كل ما هو أرضي خلال الظلم والاغتصاب، لكنه بقدر ما يحصل يظل فارغاً وبلا شبع كل أيام حياته، لذلك لا يهدأ كل أيام حياته، أي يحيا بلا سلام، لا يسعده كل ما يحصل عليه. هذا الشرير ينتفخ من كبريائه ومن كل ما عنده من أملاك ويصير كالسكران متصوراً أنه أمتلك العالم لكنه كالسكران أيضاً كلما شرب من الخمر إزداد ظمأه إلى المزيد منها = وحقاً إن الخمر غادرة لذلك يقول ذهبي الفم "من يرتفع بفكره متشامخاً فوق كل البشر يوجد منحطاً دون الخليقة العاقلة". وإن كان الشرير بالكبرياء الشيطاني يهلك فإن البار بالإيمان يحيا. هذه الآية هي قلب نبوة حبقوق. والرسول بولس اقتبسها ليشير أن الحياة هي للذي يختفي في بر المسيح وليس للذي يتبرر بأعمال الناموس. وصورة بشعة لطمع الكلدانيين نجدها هنا وسع نفسه كالهاوية وهو كالموت فلا يشبع (وهذه منطبقة تماماً على الشيطان) = فهم يهاجمون الأمم ويصطادون الشعوب ويقتلونهم ليشبعوا ولكنهم لا يشبعون. فالطماع كثير التذمر، يصير له بيته وإن كان قصراً، يصير له كسجن. الطماع يصبح كالقبر الذي يتقبل جثث الموتى كل يوم ومع ذلك يطلب المزيد (وكل من يرتمي في أحضان إبليس فهو يرتمي في أحضان الموت، وكل من يرتمي في أحضان الخطية يرتمي في أحضان الموت). ومعنى الآيتين (4،5) أن الله يشرح للنبي أن أمة الكلدانيين سيدمرها طمعها وخطاياها وكبريائها. وعلى شعب الله أن يتمسك بإيمانه وبره وثقته في الله مهما فعل الكلدانيين، وبالتأكيد ستكون له حياة بينما يهلك أعداؤه، ويوم هلاك هذا العدو يشمت به الكل.
الآيات (6-8): "فهلا ينطق هؤلاء كلهم بهجو عليه ولغز شماتة به ويقولون ويل للمكثر ما ليس له إلى متى وللمثقل نفسه رهونا. إلا يقوم بغتة مقارضوك ويستيقظ مزعزعوك فتكون غنيمة لهم. لأنك سلبت أمما كثيرة فبقية الشعوب كلها تسلبك لدماء الناس وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها."
الويل الأول: هو ضد المتكبر الذي لا يشبع. ونجد هنا نبوة بسقوط الطاغية وسخرية الشعوب التي ظلمها منه، ونطقها بهجو عليه أي سخرية منه. ولغز شماته عليه = لغز PROVERB أي مثل، هم سيقولون أمثال ساخرة عليه. كانت خطيته الكبرياء، إ ذاً عقوبته ستكون الخزي والعار. للمكثر ما ليس له = أي حصل على أملاكه بالظلم. إلى متى = لا تكتفي وتظل في ظلمك للغير حتى تزيد ممتلكاتك وثرواتك. المثقل نفسه رهوناً = رهوناً تعني طيناً كثيفاً. والمعنى أن ما جمعه هؤلاء الأشرار من كنوز لا يزيد عن كونه طيناً، وكل ما يجمعه الإنسان من كنوز هذا العالم ما هو إلا تراب يثقل نفسه بمحبة العالم الأرضي وفي (7) نبوة بأن أعداء بابل سيستيقظون بغتة ويثورون ضدهم في لحظة لا يتوقعونها وتصير بابل غنيمة لهم. ونحن قد قمنا مع المسيح الذي أتى وباغت الشياطين وأعطانا سلطاناً أن نهاجمهم ونهزمهم بعد أن كنا نياماً أو موتى فأحيانا. مقارضوك = أي دائنوك. هنا يعتبر أن كل ما سلبه العدو سابقاً هو مجرد شئ وقتي أو دين، عليه أن يرده لأصحابه. وفي (8) نتيجة ظلمهم سيظلمون (عو15). ثم تأتي أربعة ويلات أخرى ضد الأشرار.
الآيات (9-11): "ويل للمكسب بيته كسبا شريرا ليجعل عشه في العلو لينجو من كف الشر. تآمرت الخزي لبيتك إبادة شعوب كثيرة وأنت مخطئ لنفسك. لان الحجر يصرخ من الحائط فيجيبه الجائز من الخشب."
الويل الثاني: ضد المكسب بيته كسباً شريراً = الله ليس ضد أن يكسب الإنسان، لكنه ضد أن يكون المكسب بالظلم أو بالشر. وهذا الإنسان يظلم وينهب متصوراً أنه إنما يجعل عشه في العلو = أي أنه يتصور أن كنوزه تعطيه نوعاً من الأمان أو الاطمئنان من الأيام الغادرة في المستقبل = لينجو من كف الشر = وهذا ما صنعه أهل بابل قديماً حينما بنوا برج بابل ليهربوا من أي طوفان قادم. وهكذا كان شعور ملك بابل حين قال "أليست هذه هي بابل التي بنيتها بقوة إقتداري ولجلال مجدي (دا 4) "ولكن تآمرت لخزي بيتك = ففيما أنت متصور أنك تلحق الأذى بالغير لتؤمن نفسك، إذاً بك تلحق الشر بنفسك. فشرك يرتد عليك. هذا ما حدث لآخاب وإيزابل. وهنا ملك بابل حينما أباد شعوب كثيرة فهو أخطأ في حق نفسه وبيته الذي بناه بالظلم شاهد عليه. لأن الحجر يصرخ من الحائط، فيجيبه الجائز من الخشب = الجائز هي عواض الخشب التي تربط المسكن، أي أحجار بيوتكم حجراً حجر، وخشبة خشبة تنطبق بالظلم الذي بنيتموها به.
الآيات (12-14): "ويل للباني مدينة بالدماء وللمؤسس قرية بالإثم. أليس من قبل رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار والأمم للباطل يعيون. لان الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطي المياه البحر."
الويل الثالث: ضد الذي يبني ثروته أو مدينته بسفك الدماء. هنا تحول الظالم إلى وحش مفترس. ولقد بنى نبوخذ نصر بابل بظلم سباياه ودمائهم. وما نتيجة هذا الظلم = أليس من قبل رب الجنود أن الشعوب يتعبون للنار = لقد أكلت النار بابل وتركتها خراباً تماماً. وهذه هي نهاية الطمع في العالم. ولكن هذه الآية موجهة لكل من وضع أماله في الأرض. الأمم للباطل يعيون = فالعالم كله باطل وهو سيزول. وليس معنى هذا أن لا يعمل الإنسان، فالله خلق آدم ليعمل الجنة ويحفظها. وكان مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً. وبولس الرسول ينبه التسالونيكيين بشدة أن يعملوا ومن لا يعمل لا يأكل (2تس6:3-12). ولكن المقصود هو عدم الإنغماس في الأرضيات كأننا سنعيش في العالم إلى الأبد، أو أن يكون كل إهتمامنا بالعمل ولا وقت لله، فالله طلب أن نعمل ستة أيام ويوم السبت راحة فيه نعيش لله. وتعنى الآية أيضاً أن لا نحصل على أموالنا بالغش والخداع والظلم. وتعنى أيضاً أن يظل الإنسان في حياته متذمراً غير قانع بما أعطاه الله. عموماً كان خراب بابل لمجد الله، فقد ظهر أن الله لا يقبل الشر. والله أعلن مجده بأحكامه ضد بابل الشريرة. ومن لا يقبل أن يمجد الله بصلاح أفعاله، يظهر الله فيه مجده حينما يؤدبه. وستعرف الأرض كلها أن الله قدوس لا يقبل الشر= لأن الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب. وهذا حدث بالكامل في المسيح وإمتداد ملكوته على الأرض.
الآيات (15-17): "ويل لمن يسقي صاحبه سافحاً حموك ومسكراً أيضا للنظر إلى عوراتهم. قد شبعت خزيا عوضاً عن المجد فأشرب أنت أيضاً واكشف غرلتك تدور إليك كأس يمين الرب وقياء الخزي على مجدك.لأن ظلم لبنان يغطيك واغتصاب البهائم الذي روعها لأجل دماء الناس وظلم الأرض والمدينة وجميع الساكنين فيها."
الويل الرابع : ضد إبليس الذي يغوي الأبرياء بأن يسكروا بملذات هذا العالم فيفقدوا كرامتهم، وتكشف عوراتهم. سافحاً حُموّك = في ترجمات أخرى " يقدم له زجاجته". سافح = يصب أو يسكب حمو = تعنى سم أو غضب. والمعنى من يصب الخمر التي هي كالسم لأنها تجلب الغضب. هكذا نوح ولوط حينما سكروا فقدوا كرامتهم (فنوح تعرى وسخر منه إبنه ولوط زنى مع بنتيه). والمعنى أن إبليس يغرينا بملذات هذا العالم التي تسكر كالخمر، فنفقد كرامتنا ونفقد حرية مجد أولاد الله التي لنا. وهذا ينطبق أيضاً على كل من يُعلّم الآخرين الخطية. وهؤلاء سيزداد خزيهم لذلك فخير لك أن تعلق في عنقك حجر رحي من أن تعثر أحداً. فأشرب أنت أيضاً من كأس خمر غضب الله. وإكشف غرلتك = أي خطيتك وفضيحتك. وما كان لك مجد سيصير قياء = فبولس الرسول حسب العالم نفاية، وهذا ما يعتبره إبليس أو أي خاطئ مجده. وتشبيه القئ هنا مناسباً، فمن يشرب ليسكر عادة ما يتقيأ. لأن ظلم لبنان يغطيك= الإنسان هنا مشبه بلبنان. فقد خلقه الله جميلاً كلبنان، وبالخطية أفسد إبليس صورة الإنسان الجميلة هذه، وهكذا أفسد ملك بابل أورشليم الجميلة وظلم شعبها. إغتصاب البهائم= أي سلب البهائم فملك بابل سلب مواشي الشعب. ولكن الآية تشير لأن إبليس لا يمكنه أن يسلب إلا من يسلك كالبهائم أي يجري وراء شهواته. وإبليس إغتصب البشر أي سلبهم لنفسه إذ أغواهم بأن يجروا وراء شهواتهم. ففقدوا جمالهم. الذي رَوّعها = فمن لم يسلك وراء شهواته أعد له إبليس تجارب صعبة ليروعه. فالمسيح رفض عروض إبليس، فأعد له الصليب. ومن إنخذع أو خاف من التجارب والاضطهاد وترك الله هلك = لأجل دماء الناس وظلم الأرض فالله يقول الويل لإبليس بسبب هلاك نفوس البشر.
الآيات (18-20): "ماذا نفع التمثال المنحوت حتى نحته صانعه أو المسبوك ومعلم الكذب حتى أن الصانع صنعة يتكل عليها فيصنع أوثانا بكما. ويل للقائل للعود استيقظ وللحجر الأصم انتبه اهو يعلم ها هو مطلي بالذهب والفضة ولا روح البتة في داخله. أما الرب ففي هيكل قدسه فاسكتي قدامه يا كل الأرض."
الويل الخامس: ضد من عبد الأوثان، فكيف تنفعهم أوثانهم في اليوم الأخير. وهكذا الأفكار الفلسفية الملحدة الآن لها صورة الذهب والفضة. وأيضاً التكنولوجيا التي بسببها تصور الإنسان نفسه إلهاً قادراً أن يصنع كل شئ. فعبدوا قدراتهم وأنفسهم. وفي مقابل هذه الآلهة الباطلة الفانية يرى النبي الرب في هيكل قدسه،هو حق وكل ما دونه باطل، في مجده وفي جبروته وقدرته لا يستطيع أحد، ولا كل الأرض أن تتكلم قدامه فيقول النبي للجميع إسكتي قدامه يا كل الأرض = لقد بدأ النبي محتجاً على أحكام الله والآن وصل أنه أمام حكمة الله وقدرته يستد كل فم. فقال ما معناه لتكن مشيئتك، ليتقدس إسمك وهذه هي نهاية كل صلاة صحيحة أن تستسلم النفس لإرادة الله، واثقة أن أحكامه تسمو عن أفكار البشر ولكن كلها للخير (رو33:11-36).
الإصحاح الثالث
آية (1): "صلاة لحبقوق النبي على الشجوية."
صلاة لحبقوق النبي = كانت صلاة الأنبياء تعتبر نبوات تتحقق = على الشجوية وهي آلة وترية. وقد تكون مشتقة من كلمة "شجوج" العبرية بمعنى جهالة فتكون هذه الصلاة عن جهالات الشعب وبلحن شجوي أي لحن حزين. وقد لاحظنا أن النبي بدأ صلاته أو بدأ سفره بشكوى ثم وقف على المرصد يترقب رد الله. وإذ انتصب على البرج الإلهي متحصناً تهللت نفسه داخله بالرغم من كل الظروف القاسية المحيطة به. فهو رأى نهاية بابل الدولة التي ظلمت شعبه، بل من خلال هذه الرؤيا كشف الله له خلال الرموز خطته الخلاصية التي تمت بالصليب.
آية (2): "يا رب قد سمعت خبرك فجزعت يا رب عملك في وسط السنين احيه في وسط السنين عرف في الغضب اذكر الرحمة."
سمعت خبرك فجزعت = حين عرف ما سيفعله البابليون جزع. ثم تأتي صلاة النبي وشفاعته عن شعبه. عملك في وسط السنين أحيه = هو نظر إلى أعمال الله العظيمة في الماضي، والله قد أراه المستقبل وخطته للخلاص. ولكن الآن وسط هاتين الحقبتين، وها نحن مقبلون على التأديب أحيي يا رب عملك وأظهر مجدك في وسط سنين الضيق التي ستعمل بنا. في وسط السنين عرف = في وسط سنين الضيق أظهر قوتك ليعرفك شعبك.
آية (3): "الله جاء من تيمان والقدوس من جبل فاران سلاه جلاله غطى السماوات والأرض امتلأت من تسبيحه."
ابتداء من هذه الآية نجد رؤيا النبي والتي ظهر فيها استجابة الله لصلاته. وكأننا نرى النبي هنا يتذكر الأمجاد السابقة في سيناء أو أن الله يريه أن هذه الأمجاد سوف تتكرر ثانية وأنه سوف يخلص شعبه (راجع تث2:33 خر20:19 + 17:24). هذه الآيات تشير لظهور الله في مجده أمام الشعب و "كما كان فهكذا يكون من جيل إلى جيل". وحين يأتي الله تمتلئ السموات من جلاله فهو ساكن في السموات، والسموات تشير للنفس البشرية التي إلتصقت بالله فتحولت لسماء. والأرض إمتلأت من تسبيحه = هذا هو الجسد الذي يسبح الله. تيمان في أدوم وفاران في سيناء وقوله الله جاء من تيمان = أي ظهر وتجلي مجده في تيمان. ثم يقول والقدوس من جبل فاران. وحينما نعود لأصل الآية في كلمات موسى (تث2:33) نجدها معكوسة، فموسى يقول جاء الرب من سيناء (حيث ظهر في مجده) وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران" فموسى يقصد أن مجد الرب سيظهر أولاً للشعب اليهودي في سيناء ثم يظهر بعد ذلك لسعير (رمز إنتشار معرفة الله في الأمم. أما حبقوق فيبدأ بسعير رمز لدخول المسيحية للأمم ثم جبل فاران حيث كان الشعب اليهودي تائهاً وذلك رمزاً لإيمان اليهود في أواخر الأيام. والأرض امتلأت من تسبيحه = إشارة للكنيسة الممتدة في العالم.
آية (4): "وكان لمعان كالنور له من يده شعاع وهناك استتار قدرته."
كان لمعان كالنور = الله نور، بل موسى حين رأي على قدر ما يحتمل من مجد الله إستنار وجهه، ولمع جلد وجهه. ونور الله يكشف الظلمة، وهكذا شريعة الله التي أخذوها على جبل سيناء، وحين ظهر لهم الله رأوا نوراً (خر10:24،17). وكأن النبي يريد أن يقول "حين سمعت بخبر الكلدانيين تصورت أن أمورنا في يدهم وهم خارجين عن سلطانك، لكن الآن قد علمت أنك تعلم كل شئ نورك يفضح هؤلاء السالكين في الظلمة. له من يده شعاع = هو البرق الذي يصاحب العاصفة، فالله على أعدائه يكون كعاصفة تدمرهم، وبرق يصعقهم. وهناك إستتار قوته = إن الله لا يتعامل مع أعداء شعبه كما نتصور نحن البشر أو نتمنى، فهو لا ينتقم منهم فوراً، بل يعطيهم فرصة [1] لعلهم يتوبون [2] يتم عمل التأديب فينا.
وحينئذ سيدرك الكل قوة الله التي كانت مستترة إلى حين. لكن هذه الآية تشير لتجسد المسيح الذي هو نور من نور هو شعاع (نور) يد الله، فيد الله إشارة للمسيح (أش5:51) يقضيان فالمسيح هو الديان + أش9:51) لكن حين تجسد المسيح إستتر نور مجد لاهوته في جسده. وهو أيضاً كان مستتراً في نبوات العهد القديم. ومجد الله ظهر في المسيح لكن على قدر ما نحتمل.
آية (5): "قدامه ذهب الوبا وعند رجليه خرجت الحمى."
قدامه ذهب الوبأ = أي هو ضرب فرعون بالوبأ. والمسيح بظهوره طرد وباء الشر وهزم وباء الموت (هو14:13 + 1كو54:15،55). وعند رجليه = فالمسيح بموته داس الموت، فهو له سلطان. خرجت الحمى = هرب الموت من قدامه وبالنسبة لضربات فرعون فالحمى قد تشير لجمر نار أي ضربة النار والبرد.
آية (6): "وقف وقاس الأرض نظر فرجف الأمم ودكت الجبال الدهرية وخسفت آكام القدم مسالك الأزل له."
وقف وقاس الأرض = حين قسمها لشعبه على يد يشوع. نظر فرجفت الأمم = الكل رجفوا من شعب الله مثل الكنعانيين والموآبيين. ودكت الجبال الدهرية= الله له القدرة على دك الجبال، وقد تعني الأمم المتكبرة أو ملوك هذه الأمم أو تعني الشياطين فهم أول المتكبرين. والله القادر على دك الجبال قادر على دك خطايانا وعاداتنا الرديئة. والمعنى وراء هذه الآية أن الله أرعب الشياطين ودكهم وقسم الأرض (أي السماء) لشعبه الذي سيرث الله، يرث مع المسيح. مسالك الأزل له = كل طرق الله متفقة مع مشورته الأزلية، وكما عمل في القديم في جبل سيناء، هكذا سيعمل في تأديب شعبه وإهلاك أعدائهم بعد أن يؤدبوا شعبه.
أية (7): " خيام كوشان تحت بلية رجفت شقق ارض مديان."
كوشان = هذه الاسم لم يرد إلا هنا وقد يكون إسماً قديماً لمديان. والمعنى من الآية أن كل الممالك المجاورة قد إنزعجت (قض8:3). هكذا ترتجف الشياطين أمام أولاد الله. كأن النبي رأى عمل الله القادم على الصليب وإنزعاج الشياطين من خلال رعب الموآبيين. وقد يكون كوشان = ما يختص بكوش (قاموس الكتاب). وماذا يختص بكوش إلا اللون الأسود، لون الخطية (أر23:13). رجفت شقق مديان = سمح الله لمديان أن تذل شعب الله فترة بسبب خطية الشعب، وعاد الله وأرسل لهم جدعون، وكان جدعون رعباً لأهل مديان، بل حطمهم، وهذا رمز لعمل المسيح الذي حطم إبليس، المملكة التي استعبدت البشر فترة من الزمان.
آية (8): "هل على الأنهار حمي يا رب هل على الأنهار غضبك أو على البحر سخطك حتى انك ركبت خيلك مركباتك مركبات الخلاص."
هنا تساؤل من النبي هل حمى غضب الرب على الأنهار والبحار = والأنهار تشير لشعب الله والبحار تشير للشعوب الوثنية. ولقد حمى غضب الله عليهم جميعاً إذ أن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله (رو3). ولقد كان المتصور أن الله يبيد الجميع ولكن العجب أن الله ركب مركباته وأتى للخلاص = وكل ما حدث أن الله استخدم الأمم الوثنية ضد شعبه ليؤدبهم، بل استخدم الأمم الوثنية ضد بعضها البعض ليؤدب الجميع.
الآيات (9-13): "عريت قوسك تعرية سباعيات سهام كلمتك سلاه شققت الأرض أنهاراً. أبصرتك ففزعت الجبال سيل المياه طما أعطت اللجة صوتها رفعت يديها إلى العلاء. الشمس والقمر وقفا في بروجهما لنور سهامك الطائرة للمعان برق مجدك. بغضب خطرت في الأرض بسخط دست الأمم. خرجت لخلاص شعبك لخلاص مسيحك سحقت رأس بيت الشرير معريا الأساس حتى العنق سلاه."
هنا في آية (9) نرى الرب كجبار يخرج قوسه ويظهره ويوجه سباعيات سهام كلمته ضد أعداء شعبه. فالله أظهر قوته في غزو كنعان بحسب وعده لشعبه في كلمته للأباء بأنهم يرثون الأرض. شققت الأرض أنهاراً = حين إنشقت الصخرة وخرج منها أنهار ماء تروى الشعب في البرية سيل المياه طما = في ترجمات أخرى توقف فيضان النهر إشارة لشق نهر الأردن وذلك بقوة جبارة أوقفته. فأعطت اللجة صوتها = كأن المياه زمجرت أمام هذه القوة التي صدتها عن المسير. رفعت يديها إلى العلاء = هذا يشير إلى أنها أي المياه أمام قوة جبارة لا تستطيع أي شئ أمامها. وفي (11) إشارة لحادثة وقوف الشمس والقمر مع يشوع حتى يكتمل إنتصاره على أعدائه. وذلك حتى يكون هناك نور للسهام الطائرة من شعب الله إلى الأعداء. ولاحظ أن السهام هي سهام الله، وفي هذه المعجزة الجبارة ظهر مجد الله كالبرق اللامع. وفي الآيات (12،13). هنا يتضح أن الله هو الذي داس الأمم الكنعانية أمام شعبه، وهو الذي خرج أمام شعبه، لخلاص مسحائه أي ملوك شعبه، وملوك يهوذا الأتقياء بالذات. على أن هذه الآيات فيها نبوات واضحة عن الخلاص بالمسيح:-عريت قوسك = تشير للتجسد الإلهي الذي به كشف المسيح عن قوته في حربه ضد إبليس. وبالتجسد تمتعنا بكلمة الله كسهم يحطم الشر الذي تملك في داخلنا. ويحل كلمة الله فينا كسهم حقيقي يجرح قلوبنا ويوقظ ضمائرنا لينزع عنا كل فساد خبيث. وعمل كلمة الله في داخلنا عمل كامل = سباعيات سهام كلمتك ورقم 7 يشير للكمال. وكلام الرب نقي كفضة محماة سبع مرات (مز6:12) ونلاحظ أن المسيح على الصليب نطق 7كلمات. شققت الأرض أنهاراً = هذا رمز لفيض الروح القدس (الأنهار) (يو37:7-39) الذي تفجر بعد صلب المسيح (الصخرة) وحين امتلأ المؤمنون رفعوا أيديهم إلى العلاء. لكي يسبحوا = فأعطت اللجة صوتها. الأرض التي شقها الله هي أنا وأنت فبعد أن كنا أرضاً بوراً جاء المسيح وآمنا به فجري من بطننا (أرضنا) أنهار ماء حي. أبصرتك ففزعت الجبال= تشير الجبال للملوك الجبابرة الذين فزعوا من شعب الله. وتشير للشياطين المتكبرين، وللخطايا التي كانت تجثم على قلوبنا. هم أبصروا عمل المسيح ففزعوا ، وبهذا استطعنا أن نرفع أيدينا بالتسبيح وبينما المسيح معلق على الصليب أرتجت الأرض وخرج كثيرين من الذين ماتوا. وإظلمت الشمس = الشمس والقمر وقفا. وفي هذه اللحظات كان المسيح يقبض على الشيطان ليقيده = نور سهامك الطائرة الموجهة ضد إبليس سيل المياه طما = هذه إشارة لتوقف سلطان الموت فبينما كان من يعبر النهر وسط الماء لابد وأن يغرق (قد اكتنفتني مياه إلى النفس ) (يو3:2،5). ونلاحظ أن رحلة خروج بني إسرائيل من مصر تشير لرحلة حياتنا على الأرض. فعبور البحر الأحمر يشير للمعمودية، وتوهان الشعب في البرية لمدة 40 سنة يشير للفترة عمر الإنسان على الأرض وجهاده، وفي النهاية فإن عبور الأردن ودخول كنعان يشير للموت ودخول الراحة السماوية. وبعد الصليب أصبحنا نقول أين شوكتك يا موت لأن المسيح بموته داس الموت والأمم الشياطين. وتوقف نهر الأردن يشير لتوقف سلطان الموت. خرجت لخلاص شعبك. لخلاص مسيحك = في ترجمات أخرى "خرجت لخلاص شعبك مع مسيحك، وبهذا تكون الآية نبوة واضحة عن الخلاص الذي بالمسيح وفيه سحقت رأس الشرير = أي الشيطان، وهذا تحقيقاً لقول الله "هو يسحق رأسك "(تك15:3). معرياً الأساس حتى العنق = عنق البيت هو مكان وصلة الجدران مع السقف. والمعنى أن المسيح كشف بيت إبليس أي كل حيله وضعفه وحقارته وحقده على البشر. سلاه = وقفة تأمل وسط المزمور.
آية (14): "ثقبت بسهامه رأس قبائله عصفوا لتشتيتي ابتهاجهم كما لأكل المسكين في الخفية."
تسبحة النبي على هذا الخلاص ثقبت بسهامه رأس قبائله = تشير هذه لما حدث مع المديانيين، فقد أثار الرب ارتباكاً في صفوفهم أمام جدعون "جعل الرب سيف كل واحد بصاحبه" (قض22:7) والمعنى أن الله بعدما كشف إبليس وحيله، فحينما يوجه إبليس سهامه ضد شعب الله ترتد هذه السهام وتحطمه فهو لا سلطان له علينا. ولقد دبر إبليس مؤامرة الصليب ليهلك المسيح، فإرتد هذا العمل ضده، وصار الصليب يحرقه. ولقد سمعنا كثيراً في قصص القديسين أنهم حين يصرخون لله ويرسمون علامة الصليب أن الشيطان يحترق ويتحول إلى دخان. عصفوا لتشتيتي = هنا النبي يتكلم باسم شعب الله ويرى الأعداء كالعاصفة يقومون ضده ليشتتوه بعيداً عن أرضه وهدفه (هذا ما فعله فرعون مثلاً في خروجه وراء الشعب) ابتهاجهم كما لأكل المسكين في الخفية = هم يسرون بالظلم أما الصالحون فيسرون بالرب.
آية (15): "سلكت البحر بخيلك كوم المياه الكثيرة."
إشارة إلى هلاك المصريين في البحر. والمعنى أنه كما خلص الرب شعبه من مصر، هكذا بالتأكيد سيخلصهم من يد بابل ومن كل أعدائهم. وهنا يصور النبي كأن الله في المعركة يقود شعبه (خيله) فهو الذي يركب على الفرس الأبيض، وخرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) وهو قاد شعبه للنجاة وسط كوم المياه الكثيرة = أكوام المياه.
آية (16): "سمعت فارتعدت أحشائي من الصوت رجفت شفتاي دخل النخر في عظامي وأرتعدت في مكاني لاستريح في يوم الضيق عند صعود الشعب الذي يزحمنا."
حينما نظر أولاً لضعف الشعب وقوة العدو إرتعد، إرتعد إذ رأى شعب الكلدانيين أتى ليزحم شعب الله، وهو عرف قوة الكلدانيين وجبروتهم ولكنه لجأ إلى الله فتحول ارتعاده إلى فرح، إذ أعلن له الله ، أن هذا الضيق هدفه التأديب، وأن كل الأمور تعمل معاً للخير لمن يحبون الله. ولنفهم أن الخوف والرعدة يكونان سبباً في النجاة. فنوح حينما خاف من الطوفان صنع فلكاً فنجا، والذين لم يخافوا بل استهتروا هلكوا. وإبتهاج النبي ظاهر في آية (18). وإبليس قوته مرعبة ولو عرفناها نرتعب، لكن بالمسيح إذ نلجأ إليه نطمئن ونهزمه فنفرح.
آية (17): "فمع انه لا يزهر التين ولا يكون حمل في الكروم يكذب عمل الزيتونة والحقول لا تصنع طعاما ينقطع الغنم من الحظيرة ولا بقر في المذاود.
هو رأى هذا العدو يأتي ليخرب الأرض من ثمارها (التين والكروم) بل من بهائمها. والنبي يقول في (18) أنه يبتهج مع أن العدو أزال كل الخيرات فلماذا يبتهج؟ هو فهم أن كل تأديب سيأتي بنتيجة وتوبة للشعب (عب11:12) وطالما قدم الشعب التوبة فهو واثق أن الثمار ستظهر ثانية لذلك يبتهج. لقد إمتد بصره لبعيد ليرى الخلاص العتيد، فلم يحزن بسبب الخسائر الحالية، الخيرات العالمية يفرح بها العالميون، أما نحن فنبحث أولاً عن رضا الله، وهذا يأتي بالتوبة، وإذا قدمنا توبة لابد وستأتي بركات الله ثانية بعد أن ضاعت منا بسبب الخطية (وهذا ما حدث للابن الضال).
آية (18): "فأنى ابتهج بالرب وافرح باله خلاصي."
بالرغم من الآلام فإن فرحة النبي لأنه رأى الخلاص، وبروح النبوة رأى خلاص المسيح. ولاحظ لقد بدأ سفره بالحزن، لكن من يستطيع أن يصلي في حزنه ويلجأ لله سيحول الله حزنه إلى فرح. (يو22:16).
آية (19): "الرب السيد قوتي ويجعل قدمي كالأيائل ويمشيني على مرتفعاتي لرئيس المغنين على الآتي ذوات الأوتار."
سر الفرح أن إلهه قوته يمشيني في مرتفعاتي = يقودني للسماويات. كالآيائل أي بسرعة.
تأملات:
1. الخاطئ المستمر في خطيته تضيع منه بركاته. وحين يتوب قد تتأخر هذه البركات لبعض الوقت، ولكن في ثقة نستطيع أن نقول أن البركات ستعود ثانية = فمع أنه لا يزهر التين.. فإني أبتهج لثقتي في رحمة الله وأن البركات ستعود طالما هناك توبة.
2. عموماً المؤمن يبتهج ويفرح بالمسيح حتى مع أنه لا يزهر التين = أي أنه لا توجد بركات مادية، لأن المؤمن الحقيقي لا يفرح بالماديات، لأنه يؤمن أنه سيفرح في النهاية في الأبدية، حتى لو هناك ضيقات الآن.
3. قد تشير هذه الآيات لنهاية الأيام والضيق العتيد أن يحدث (16) سمعت فإرتعدت (دا 1:12 + مت21:24). وعن هذه الأيام يقول السيد المسيح "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" ويقول "حين يأتي إبن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض" ويشير لهذا آية (17) فالتين إشارة للأمة اليهودية التي لعنها المسيح، أو هي تشير للمحبة التي كادت أن تنعدم في تلك الأيام. والكرمة تشير للكنيسة التي تشتتت لمئات الطوائف الضعيفة وتشير للفرح الروحي الذي كاد أن يختفي. والزيتونة التي تكذب تشير للعذارى الجاهلات اللواتي بلا زيت في أنيتهن. ولا بقر في المذاود = أي لا مؤمنين في الكنائس لأنه لا يوجد طعام روحي. ومع هذه الصورة القاتمة فالمؤمن الحقيقي في فرح (18).