حجي

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 4

الإصحاح الثاني. 8

 


 

المقدمة

1.     سقطت أورشليم تحت السبي البابلي على أربعة مراحل (راجع سفر أرمياء).

2.     كان سقوط أورشليم النهائي على يد نبوخذ نصر سنة 586 وفيها حطمت المدينة تماماً وحطم الغزاة الهيكل وقصر الملك، وأخذ الكل إلى السبي ولم يترك إلا مساكين الأرض. وكان هذا في أيام الملك صدقيا أخر ملوك يهوذا نسل الملك داود.

3.     سقطت مملكة بابل على يد كورش الفارسي سنة 536 ق.م. ثم قامت مملكة مادي وفارس التي أسسها كورش.

ملوك الفرس وعلاقتهم بأورشليم:

أ‌.        ‌كورش: أصدر نداء بعودة الشعب من السبي سنة 536ق.م. (عز2:1) فعاد الشعب وبدأوا في بناء الهيكل (عز8:3-13). وكان ذلك سنة 535ق.م. وبدأت مقاومة الأعداء (عز5:4) وتوفى كورش سنة 529ق.م.

ب‌.    ‌قمبيز: (أرتحشتستا): ابن كورش، وهذا أقنعه الوشاة بوققف العمل في بناء المدينة والهيكل فأصدر أمراً بذلك (عز17:4-25) وظل العمل متوقفاً طوال مدة حكمه، ومات سنة 522ق.م.

ت‌.    ‌داريوس هستاسب: ملك سنة 521ق.م. وإمتدت مملكته جداً. وفي أيامه قام النبيان حجي وزكريا يحثان الشعب للعمل في بناء الهيكل (عز1:5). وكان ذلك سنة 520ق.م. وقد أمر الملك بإعادة البناء (عز5،6) وقد إكتمل بناء الهيكل وتم تدشينه سنة 515ق.م. ومات سنة 486ق.م.

ث‌.    ‌زركسيس الأول (أحشويرش): غالباً هو زوج إستير. وهذا حاول غزو اليونان بجيش قوامه 2.5مليون جندي وهزم وأغتيل سنة465 ق.م.

ج‌.     ‌ارتحشتستا لونجيمانوس (أي طويل اليد): وهذا لاطف اليهود وسمح لعزرا بأن يعود بعدد منهم إلى أورشليم، كما أذن لنحميا بإعادة أسوار المدينة (عز11:7-13) + (نح1:2-10). وكان ذلك غالباً لأنه حدثت ثورة في أيامه من الشعوب، ولكن اليهود لم يشتركوا فيها فحفظ لهم هذا الجميل وتوفى سنة 424. وفي عهده سنة 457ق.م. صدر الأمر بإعادة بناء أورشليم.

‌تعاقب بعده على العرش عدة ملوك إلى أن قام الإسكندر الأكبر بإسقاط مملكة الفرس سنة 331ق.م. لتقوم على أنقاضها مملكة اليونان.

4.     يعتبر الأنبياء حجي وزكريا وملاخي هما أنبياء فترة ما بعد السبي. على أن فترات نبوات حجي وزكريا كانت في بداية العودة من السبي سنة 520ق.م. أما ملاخي فتزامن مع نحميا وعزرا سنة 445ق.م. وبهذا فهو آخر الأنبياء.

5.     يشار إلى النبي حجي مرتين في سفر عزرا (عز1:5 + عز14:6).

6.     اسم حجي اسم عبري يعني "عيدي" أو "المفعم بهجة". وهو ولد في أرض السبي. وربما أطلقوا عليه هذا الاسم لأجل توقع العودة من السبي بفرح، أو لأنه ولد يوم عيد.

7.     عاد حجي النبي مع زربابل في الرجوع الأول سنة 536ق.م. (عز1:2) وقد مارس عمله النبوي سنة 520ق.م. في السنة الثانية لداريوس هستاسب ثالث ملوك الفرس (كان الرجوع الثاني مع عزرا في أيام أرتحشتستا لونجيمانوس).

8.     بعد العودة من السبي وضع زربابل الأساسات لبناء الهيكل، ولكن قام السامريون بمقاومتهم (عز5:4) فتوقف العمل لمدة حوالي 15سنة. وحين ملك داريوس هستاسب حان الوقت للعمل من جديد. وهنا ظهرت مشكلة أخرى، فقد إنشغل كل واحد بتزيين بيته الخاص DECORATION وتغشية البيوت بالخشب. فقام حجي النبي ومن بعده بشهرين زكريا ينذران الشعب ويحثونه على العمل في بيت الرب بقوة وغيرة قلبية. وعندما بدأ العمل بالفعل، قام بعض الشيوخ من كبار السن، الذين شاهدوا الهيكل الأول يثبطون الهمم إذ حسبوا الهيكل الجديد كلا شئ بمقارنته بالهيكل القديم (كان إحراق وتدمير الهيكل القديم سنة 586 ق.م. وتاريخ النبوة سنة 520ق.م. ويكون الفارق 66سنة، ويكون بهذا أن كل شيخ سنة أكبر من 80سنة قادراً أن يتذكر مجد الهيكل الأول). ولولا حكمة النبيان لتوقف العمل تماماً، ولتحول الفرح إلى حزن خلال روح اليأس التي بثها هؤلاء الكبار.

9.     الدعوة لبناء بيت الرب هي دعوة إلهية موجهة إلى كل نفس لتستعيد في الرب بهجة خلاصها بالتمتع بسكنى الرب فيها، وإعلان قلبها هيكلاً للرب. هو عتاب إلهي للنفس المتراخية في قبول ملكوته داخلها إذ هي مرتبكة بأمور هذه الحياة. وهنا نجد تناسب اسم النبي مع مضمون السفر، فهو دعوة للحياة المفرحة أو الدخول لعيد مستمر خلال إعادة بناء هيكل الرب فينا بروحه القدوس. فالعيد الحقيقي يكون بسكنى الرب وسط شعبه، وسكناه داخلياً في قلوبنا. لذلك إهتم النبي أيضاً بالتشديد على الاهتمام بالتوبة والقداسة وبهذا يسكن الرب فينا ويبارك في كل ما تمتد إليه أيدينا.

10. حجي النبي بدأ عمله قبل زكريا النبي بشهرين وارتبطا بصداقة قوية ووحدة في الهدف. وقد جاء في التقليد اليهودي أنهما دفنا في قبر واحد. ولقد تنبأ زكريا لمدة ثلاث سنوات، أما حجي فلمدة 3شهور ، 24يوماً وهذه تحسب بالرجوع إلى (حج1:1 ، حج20:2).

11. الهيكل يشير لجسد المسيح (يو19:2) والسفر هنا يوجه نظرنا لهيكل جسد المسيح ومجده. فالنبي رأى بروح النبوة هيكل عجيب، أي رأي يوم المسيح الذي سيؤسس هيكله وتمتلئ الأرض من مجد الله، وهذا معنى أزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً أي البيت الذي سيتأسس في كل الأمم (حج7:2،9).

12. يرى النبي هنا مجداً لزربابل الوالي، ولكن هذه النبوة تمتد للمسيح فهو رمز للمسيح، وزربابل هو جد المسيح بالجسد (مت12:1،13).


 

الإصحاح الأول

آية (1): "في السنة الثانية لداريوس الملك في الشهر السادس في أول يوم من الشهر كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي إلى زربابل بن شألتيئيل والي يهوذا والى يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم قائلاً."

هنا تحديد الميعاد الذي بدأ فيه النبي عمله النبوي. وفي (20:2) ميعاد نهاية نبوته. وداريوس هو داريوس هستاسب ثالث ملوك الفرس. والشهر السادس هو شهر أيلول. في أول يوم من الشهر= كان لليهود عادة أن يجتمعوا في أول الشهر القمري لممارسة العبادة الجماعية. وغالباً فلقد استغل النبي هذا الاجتماع ليعلن كملة الرب. عن يد حجي النبي= كلمة يد تعني قوة، والمعنى أن كلمة الرب النبوية سلمت في أيدي الأنبياء كسيف روحي يحطم الشر، وعلى النبي أن يتكلم بقوة دون أن يخاف إنسان. وسلم النبي الكلمة إلى إثنين [1] زربابل الوالي [2] يهوشع رئيس الكهنة ليقوما ببناء الهيكل والمسيح مؤسس هيكل جسده أي الكنيسة هو ملك على شعبه وهو رئيس كهنة قدم ذبيحة نفسه. فكلا زربابل ويهوشع معاً يرمزان للمسيح.

زربابل بين شألتئيل= هو ابن يكنيا الملك (مت12:1). ومعنى زربابل أي المولود في بابل، وهو له اسم آخر بابلي وهو شيشبصر. وقد أقامه كورش الفارسي والياً على يهوذا (عز14:5). وزربابل هذا يشير للمسيح الذي حمل جسدنا وجاء إلى أرضنا ودخل معنا حتى إلى القبر. هو ولد في أرض عبوديتنا كما ولد زربابل في أرض السبي. وزربابل من نسل داود، والمسيح من نسل داود. وكما ملك زربابل على شعب الله بعد تحريره من السبي، هكذا ملك المسيح على شعبه بعد تحريره من عبودية إبليس.

يهوشع الكاهن العظيم ابن يهوصاداق ابن سرايا= وسرايا هذا قتله ملك بابل في ربلة (أر24:52-27) ومعنى اسم يهوشع = يهوه يخلص (نفس اسم يسوع) ومعنى يهوصاداق = يهوه بر (والمسيح هو برنا). وبذلك يكون يهوشع رمزاً للمسيح رئيس كهنتنا الذي قدم ذبيحة نفسه ليخلصنا ويبررنا.

 

آية (2): "هكذا قال رب الجنود قائلاً.هذا الشعب قال أن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب."

إن الوقت لم يبلغ وقت بناء بيت الرب= الله هنا يتهم الشعب بالرخاوة في بناء البيت، فهم يقولون أن الوقت لم يبلغ أي أن الظروف غير مناسبة وهم قدموا أعذاراً وجيهة، مثل أن تأخير البناء لمدة 15سنة علامة على أن الرب غير موافق على البناء، وربما تعللوا بالمقاومات الخارجية من أعدائهم وأنها لهي إشارة إلهية بأن وقت العمل لم يحن بعد، وهناك عذر وجيه آخر بأن الملك السابق أصدر أمراً بوقف البناء فهل يصح أن يكسروا أمر الملك، ومع أن الملك الحالي قد خفف الضغط إلا أنهم مازالوا يتحججون بذلك. ولكن السبب الحقيقي هو أنهم إنشغلوا بتزيين بيوتهم وجعلها كالقصور في زينتها، وسبب آخر أن شهر أيلول هو شهر جني الثمار، فهم ليس لديهم وقت لبناء بيت الرب ولذلك فالله غاضب عليهم ويقول هذا الشعب ولا يقول شعبي فالخطية وإهمال حقوق الله تجعل الناس في غربة عن الله. ولاحظ أن الله يسمى نفسه هنا رب الجنود= فهو رب الجنود السماوية، وهو في غير حاجة لهم، لكنه إذ يطلب منهم بناء بيته، فهذا لأنه يحبهم، وهذا فيه كرامة لهم، إذ سيأتي الله ويسكن في وسطهم ويكون مجداً لهم وسبب بركة لهم. ولأنه ربهم يطلب منهم العمل بلا رخاوة. ونلاحظ أن هذا هو نفس ما يصنعه إبليس معنا، فهو يقنعنا أن الوقت ليس مناسباً لكي نتقدس كهياكل للرب، أو يقنعنا بأن نؤجل خدمة الله. ولكن لنعلم أن كل وقت هو وقت مناسب لعمل الله. ولكن هل يوجد القلب المتحمس للعمل (عب13:3) هنا أناس تقدموا بأعذار تبدو وجيهة ولكن هل يعجز الله عن التدبير، المشكلة الحقيقية هي التراخي في القلوب وعدم الاهتمام واللامبالاة.

 

الآيات (3-6): "فكانت كلمة الرب عن يد حجي النبي قائلاً. هل الوقت لكم أنتم أن تسكنوا في بيوتكم المغشّاة وهذا البيت خراب. والآن فهكذا قال رب الجنود.اجعلوا قلبكم على طرقكم. زرعتم كثيرا ودخلتم قليلا.تأكلون وليس إلى الشبع.تشربون ولا تروون.تكتسون ولا تدفأون.والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب."

في بيوتكم المغشاة= أي المكسوة بالخشب علامة الرفاهية والنفقات الباهظة. ولاحظ أن الله لم يلمهم لأنهم يبنون بيوتاَ للسكن، فالله لا يريد لهم أن يناموا في العراء لكي يبنوا له بيتاً. ولكن الله يلومهم على الاهتمام بالترف الزائد، فالبيوت المغشاة هي للملوك. فالمشكلة إذاً في إنشغالهم بالترف بينما بيت الرب محطم، وهذا يعني أن الشعب لا يتوق لأن يسكن الرب وسطهم وهذا يشابه من ينشغل بالزمنيات عن الأبديات. ونلاحظ أن الله لا يطلب من موظف أن يترك عمله ليذهب للكنيسة، أو يطلب من طالب أن يترك دراسته ويقف ليصلي، لكن الله يسأل "هل حقاً أنت لا تصلي ولا تذهب للكنيسة بسبب العمل أو بسبب الكسل والترف الزائد أي اللهو (تليفزيون مثلاً، فهناك من لا يجد وقت للصلاة بسبب التليفزيون). وفي (5) اجعلوا قلوبكم القلب يشير للتفكير والإنتباه، والمقصود تأملوا بعمق في حياتكم الداخلية وراجعوا نفوسكم، ما سبب الإهمال؟ هل هو الأعذار الوجيهة التي تقولونها أم هو إنشغالكم بملذات عالمية عن الله؟ لو فكروا بعمق وبنية صادقة وانتبهوا لكانت الوقائع قد حدثتهم عن [1] لماذا هم متوقفين حقيقة عن بناء البيت. [2] لماذا إنعدمت البركة من حياتهم. ولو فكروا بنية صادقة لإستمعوا لصوت الله، وقدموا توبة ولعادت لهم البركة والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس منقوب= أي كأنه يضع نقوده في كيس مثقوب ولنعلم أن سر فقداننا للبركة في حياتنا هو عدم الالتصاق بالله، واهتمامنا الزائد وقلقنا على حياتنا الزمنية، ونسياننا بيت اله واحتياجاته، أو نسياننا لشروط أن تكون نفوسنا بيتاً للرب. ومن لا يلتصق بالرب تضيع البركة من حياته، وتقاومه الطبيعة، والأرض لا تعطيه ثمارها. وجسده لا يتمتع بالشبع مهما قدم له. وقد يزرع كثيراً ولكن الحصاد يكون قليل. فالله هو مصدر البركات كلها روحية ومادية. وراجع (تث7:2 + 17:8،18 + 5:29) فهم في البرية عالهم الله واشبعهم وحتى أحذيتهم لم تبلي. ملخص هذه الآيات "أطلبوا أولاً ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم (الأمور المادية)".

 

الآيات (7،8): "هكذا قال رب الجنود.اجعلوا قلبكم على طرقكم. اصعدوا إلى الجبل وأتوا بخشب وابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجد قال الرب."

إجعلوا قلبكم على طرقكم= بمعنى فكروا بالحق في طرقكم، وكيف تستعيدوا البركة وارجعوا للرب فيرجع لكم ويبارككم. ولاحظ أنه لا أمل في إصلاح الإنسان لنفسه إلا بمراجعة الإنسان لنفسه والتأمل في داخل قلبه، فإن كان هذا السفر هو سفر بناء بيت الرب ، فبناء بيت الرب الداخلي في نفوسنا يكون بتهيئة القلب ليجعل الرب مسكنه فينا، وهذا يتم بالروح القدس إن قدم الإنسان توبة. إصعدوا إلى الجبل = أي جبل لبنان ليأتوا بالخشب لبناء البيت. والمعنى الروحي، فبعد أن يقدم الإنسان توبة عليه أن يصعد للسماويات، والمسيح هو صخر وجبل إيماننا، نصعد به للسماء. والخشب الذي نجلبه لنبني البيت هو الصليب، فلنحمل صليبه ونتبعه= وأبنوا البيت= فمع أنه هو الذي يبني البيت ينسب البناء هنا لنا مؤكداً على تقديس الحرية الإنسانية فهو لا يقيم البيت فينا بغير إرادتنا. فأرضي عليه وأتمجد= هم ربما يتصورون أنهم لن يمكنهم إقامة بيت فخم للرب مثل هيكل سليمان. ولكن الله يطمئنهم أنه سيرضي عن عملهم. وهو لا يحتاج للذهب والفضة الكثيرة التي كانت في هيكل سليمان. بل أن وجود الله في هيكله هو سر مجد هذا المكان. ومعنى الكلام أن الله يقول هنا جربوا أن تصنعوا إرادتي وستجدوا البركة تعود لكم ثانية، وإرادة الله أن نبحث عن مجد أسمه أولاً.

 

الآيات (9-11): "انتظرتم كثيرا وإذا هو قليل ولما أدخلتموه البيت نفخت عليه.لماذا يقول رب الجنود.لأجل بيتي الذي هو خراب وانتم راكضون كل إنسان إلى بيته. لذلك منعت السموات من فوقكم الندى ومنعت الأرض غلتها. ودعوت بالحرّ على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى البهائم وعلى كل أتعاب اليدين."

في (9) نفخت عليه= هم انتظروا ان تزيد غلتهم وأرباحهم ولكنهم وجدوا هناك لعنة خفية تلحق بكل شئ، ولكل ما يدخلوه إلى بيوتهم إذاً الله قادر أن يبدد كل ثروة كنزها الإنسان بنفخة منه. ومن ذلك نستنتج أن قلة المطر والريح الشرقية اللافحة التي تحرق المحاصيل ليست ظواهر طبيعية فحسب، بل هي نفخة من الرب للتأديب، فالله لا الصدفة ولا الطبيعة هو المسيطر على أرزاق البشر. ولكن إذ يتجاهل الإنسان خالقه تتجاهله الطبيعة.

 

الآيات (12-15): "حينئذ سمع زربابل بن شألتيئيل ويهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وكل بقية الشعب صوت الرب إلههم وكلام حجي النبي كما أرسله الرب إلههم وخاف الشعب أمام وجه الرب. فقال حجي رسول الرب برسالة الرب لجميع الشعب قائلاً أنا معكم يقول الرب.  ونبّه الرب روح زربابل بن شألتيئيل والي يهوذا وروح يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وروح كل بقية الشعب فجاءوا وعملوا الشغل في بيت رب الجنود إلههم. في اليوم الرابع والعشرين من الشهر السادس في السنة الثانية لداريوس الملك."

في (14) نبه الرب روح زربابل= فبدون أن ينبه الرب فلا فائدة والرب ينبه أرواحنا دائماً لكن المهم أن نتجاوب مع عمل الرب. ونجدهم هنا قد سمعوا وخافوا ونفذوا، فالكلمة لها سلطان وطوباهم لأنهم فعلوا هذا. ولأنهم خافوا وتجاوبوا فلقد أرسل لهم الله نبياً آخر يعزيهم هو زكريا بعد شهرين. وأعطاهم الله أن يفرحوا بالعمل فتشجعوا، وقد حدثت الإستجابة وبدأ العمل بعد 24 يوماً من إطلاق النبي لندائه.


 

الإصحاح الثاني

عندما تجاوب الشعب مع النبوة الأولى لاحقهم الله في محبته بثلاث نبوات متتالية ليشجعهم.

 

الآيات (1-9): "في الشهر السابع في الحادي والعشرين من الشهر كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي قائلاً. كلم زربابل بن شألتيئيل والي يهوذا ويهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم وبقية الشعب قائلاً.  من الباقي فيكم الذي رأى هذا البيت في مجده الأول.وكيف تنظرونه الآن.أما هو في أعينكم كلا شيء.  فالآن تشدد يا زربابل يقول الرب وتشدد يا يهوشع  بن يهوصادق الكاهن العظيم وتشددوا يا جميع شعب الأرض يقول الرب واعملوا فأني معكم يقول رب الجنود. حسب الكلام الذي عاهدتكم به عند خروجكم من مصر وروحي قائم في وسطكم.لا تخافوا. لأنه هكذا قال رب الجنود.هي مرّة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة. وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فاملأ هذا البيت مجدا قال رب الجنود. لي الفضة ولي الذهب يقول رب الجنود. مجد هذا البيت الأخير يكون اعظم من مجد الأول قال رب الجنود وفي هذا المكان أعطي السلام يقول رب الجنود."

جاءت الرسالة الثانية حيث كان البناؤون قد بدأوا العمل منذ قرابة شهر، وكان الله قد أنبهم في رسالته الأولى، ولكن نجده يشجعهم حينما بدأوا العمل. في الشهر السابع في الحادي والعشرين من الشهر= أي في اليوم السابع من عيد المظال. وكان هذا العيد يتسم بالفرح أكثر من أي يوم آخر فهو أيضاً في نهاية موسم الحصاد. وهنا نجد الله كأنه يريد أن يقول إمتلئوا فرحاً ليس بعيد المظال فقط بل ببدء العمل في بيت الله. وفي (3) أما هو في أعينكم كلا شئ= بينما كان الكهنة واللاويون يترنمون بالفرح ويضربون بالأبواق من أجل العمل، أخذ المسنين يبكون بمرارة على مجد الهيكل القديم، فكادوا أن يحولوا الفرح لمرارة. وهذا تماماً هو عمل إبليس زرع اليأس في النفوس، لذلك يقول الحكيم "لا تقل لماذا كانت الأيام الأولى خيراً من هذه" (جا10:7). وحتى لا يسقطوا في هوة اليأس أخذ الله يشجعهم بقوله إني معكم (4) وكيف يدخلنا اليأس ونحن نسمع هذا الوعد أن الله معنا، إذاً لنسمع الأمر التالي إعملوا. والمعنى أن نجاهد بلا يأس وبفرح فالله في وسطنا. وفي (زك10:4) يشجعهم قائلاً "لأنه من أزدرى بيوم الأمور الصغيرة" الله يفرح بالبدايات مهما كانت صغيرة ويبارك فيها فتصبح كبيرة وهو يفرح بكل ما يقدم له مهما كان قليلاً إن قدمناه بقلب مملوء محبة. وفي (5) الله يجدد العهد معهم، ولنلاحظ أن الروح يقيم في وسطنا مادمنا نعمل، وهذا هو المجد الحقيقي. ومعنى الآية أن الله هنا يقول للشعب أنه ملتزم بعهوده إن التزموا هم بوصاياه، وكأنه يقول في هذه الآية.. أنا مازلت ملتزم بالعهد الذي قطعته مع أبائكم عند خروجهم من مصر، فهل تعملوا بأمانة لتروا التزامي بعهدي وأنني مازلت في وسطكم. وفي (6،7) الله يزلزل السموات والأرض والبحر وكل الأمم= حدث هذا قديماً فعندما أقام الله العهد على جبل سيناء زلزل الرب الموضع وكان الجبل يدخن. وعند الصلب حدثت زلزلة وتشققت الأرض وإظلمت الشمس. وقد تزلزلت كل الممالك وقامت مملكة المسيح. وكأن قيام مملكة المسيح زلزلة للأمم. فالأمم والممالك أشياء متزعزعة غير ثابتة (فبابل وأشور واليونان والرومان كلهم سقطوا) لكن مملكة المسيح ثابتة كالجبل (دانيال إصحاح 2.. حلم نبوخذ نصر). والآن بالنسبة لكل إنسان، فالله يزلزل جسده ونفسه، ويحطم إنسانه القديم ليقيم فينا الإنسان الجديد فنحمل سماته فينا. ولذلك يقول ويأتي مشتهى كل الأمم= فالزلزلة صاحبت العهد القديم، وصاحبت الصليب في العهد الجديد، وتصاحب كل إنسان حين يأتي إليه المسيح ليقيم ملكوته فيه. والمسيح هو مشتهى كل الأمم وغنى كل قبائل الأرض. وبحسب وعد الله لأبونا إبراهيم أنه "فيك تتبارك كل قبائل الأرض" (تك3:12) أي من نسلك يا إبراهيم سيأتي من يبارك كل الأرض أي المسيح. وهو مشتهى كل الأمم، فكل من سمع عنه إشتهاه. في هذه الآية رأى النبي بروح النبوة تأسيس المسيح لهيكل جسده أي الكنيسة.

بعد قليل.. ويأتي مشتهى الأمم= كان عليهم أن يصبروا فترة من سنة 520ق.م حتى يولد المسيح مشتهى الأمم، ونحن علينا أن ننتظر بصبر مجيئه الثاني الذي سيتزلزل فيه العالم كله، بل تنتهي صورته ويستعلن مجد الله، ويأتي مشتهى العالم كله في مجيئه الثاني. ومشتهى الأمم تعني أيضاً قبول الأمم للمسيح، فهؤلاء الذين كانوا مبعدين عن الله قبل المسيح صاروا جسداً للمسيح. وفي (8) إذاً عليهم أن لا يهتموا إذ ليس لهم فضة أو ذهب لتزيين هذا الهيكل الجديد، فالله الذي له الأرض بكل كنوزها، وجوده في هيكله هو سر المجد وليس الذهب والفضة. وفي (9) أي مكان يملأه الله يمتلئ مجداً مهما كان حقيراً. وهذا الوعد أعطى فرحاً لليهود شجعهم على البناء. ونجد أن هيكل سليمان قد إمتاز عن الهيكل الثاني بكثرة الذهب والفضة والحجارة الكريمة وفخامة المبنى، ولكن هذه الآية التي تتكلم عن مجد البيت الأخير= هذه تقصد هيكل جسد المسيح الذي تشير له هذه الآيات (راجع يو18:2-22) ومجد هذا الهيكل في أن لاهوت المسيح لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وكرمز لهذا الهيكل، هيكل جسد المسيح، هيكل زربابل الذي يبنونه الآن، وسر عظمة زربابل بالرغم من كل ذهب وفضة هيكل سليمان أن الرب معهم. وسر عظمة هيكل جسد المسيح هو اتحاد لاهوته بناسوته. وبجسد المسيح هذا تمت المصالحة بين الآب والبشرية لذلك يقول وفي هذا المكان أعطى السلام= فلم يكن لنا سلام سوى بالمسيح ملك السلام. ولاحظ قوله هذا البيت الأخير= فلا يوجد هيكل يهودي مقبول من الله بعد أن أسس المسيح هيكل جسده، فإذا أتى المرموز إليه بطل الرمز. وبالتالي فلا معنى أن يفهم أحد أن الهيكل الموصوف في سفر حزقيال (إصحاحات 40-48) هو هيكل حقيقي، إنما هو مجرد رمز لجسد المسيح أي الكنيسة.

 

الآيات (10-19): "في الرابع والعشرين من الشهر التاسع في السنة الثانية لداريوس كانت كلمة الرب عن يد حجي النبي قائلاً. هكذا قال رب الجنود.اسأل الكهنة عن الشريعة قائلاً. أن حمل إنسان لحماً مقدساً في طرف ثوبه ومس بطرفه خبزاً أو طبيخاً أو خمراً أو زيتاً أو طعاماً ما فهل يتقدس.فأجاب الكهنة وقالوا لا. فقال حجي أن كان المنجس بميت يمسّ شيئاً من هذه فهل يتنجس.فأجاب الكهنة وقالوا يتنجس. فأجاب حجي وقال.هكذا هذا الشعب وهكذا هذه الأمة قدامي يقول الرب وهكذا كل عمل أيديهم وما يقربونه هناك هو نجس. والآن فأجعلوا قلبكم من هذا اليوم فراجعا قبل وضع حجر على حجر في هيكل الرب. مذ تلك الأيام كان أحدكم يأتي إلى عرمة عشرين فكانت عشرة.أتى إلى حوض المعصرة ليغرف خمسين فورة فكانت عشرين. قد ضربتكم باللفح وباليرقان وبالبرد في كل عمل أيديكم وما رجعتم إلى يقول الرب. فاجعلوا قلبكم من هذا اليوم فصاعدا من اليوم الرابع والعشرين من الشهر التاسع من اليوم الذي فيه تأسّس هيكل الرب أجعلوا قلبكم. هل البذر في الإهراء بعد. والكرم والتين والرمان والزيتون لم يحمل بعد. فمن هذا اليوم أبارك."

لقد بدأ الآن بناء الهيكل ووضع الأحجار في مكانها واستجاب الشعب لنداء الله، لذلك نجد الله هنا يرتقي بهم لدرجة أعلى وهي مطالبته لهم بنقاء القلب، فإنه إن كان مجد الهيكل هو حلول الرب وسط شعبه، فإن غاية الهيكل هو تقديس القلب، فإن أقمنا الهيكل بقلوب دنسة فلن ننتفع، ولن تأتي البركة. وهنا يطالب الله بالآتي: [1] تطبيق الوصية= إسأل الكهنة عن الشريعة [2] الابتعاد عن النجاسة.. فبدون هذا لا تقبل ذبائحهم، وبدون قداسة فلن تكون هناك بركة. ومعنى الآيات الآتية أن هذا الشعب قد تنجس بخطاياه وإهماله بناء بيت الرب، لذلك فكل ما يلمسه هذا الشعب يتنجس وتنعدم منه البركة. وكانت الشريعة تنص على أنه إذا حمل إنسان لحمأً مقدساً في طرف ثوبه ومس بطرفه شيئاً ما، فإن هذا الشئ لا يتقدس، ولكن إن كان قد تنجس بميت فما يمسه هذا الشخص الذي يتنجس بالميت، ينجسه (الميت يشير للخطية) والمعنى أن العدوى تنتقل من شخص لآخر في الخطية أسهل بكثير من انتقال القداسة، لأن الهدم أسرع من البناء. وحياة الأشرار وسط الصالحين لا تقدسهم ولا تجعلهم مقبولين أمام الله، أضف لهذا أن هذا الشعب النجس بخطاياه، إذا لمس أي شئ يتنجس، لو لمس حقوله تتنجس ولا تعطي ثمارها، وإذا لمس كرومها تتنجس ولا تعطي عنباً.. وهكذا. الطريق الوحيد لقبول الله لهم وعودة البركة هو ابتعادهم عن النجاسة. ولاحظ قوله هذا الشعب= وأنه لم يقل شعبي، وهذه عادة الله حينما يريد أن يعلن غضبه عليهم، فهو لا ينسبهم لنفسه، كما قال لموسى في إحدى المرات "أنظر شعبك" ولم يقل شعبي.

وفي (14) سبب النجاسة هو فساد القلب. وفي (15) يطلب منهم قبل البدء في البناء أن يقدموا توبة قلبية. فأجعلوا قلبكم من هذا اليوم فراجعاً= الكلمة المترجمة راجعاً تترجم فصاعداً (كلمة راجعاً هنا هي نفسه كلمة صاعداً في الآية (18))أي منذ الآن فصاعداً (أي لبقية عمركم) قدموا توبة بنية صادقة، وصمموا على عدم الرجوع للخطية. وفي (16) عرمة= إيفة وهي مكيال للحبوب. والمعنى أنه حين تنتظروا من حصادكم 50أيفة تحصدوا فعلاً 20أيفة وذلك لانعدام البركة. والفورة = هي كلمة عبرانية معناها ما تسعه المعصرة في المرة الواحدة. وفي (17) الله يضرب النباتات بسبب نجاستهم باللفح= هبوب ريح عنيف. واليرقان= آفة حشرية تصيب الزرع بالإصفرار. والبَرَدْ= الصقيع الذي يقتل النبات. إذاً هذه الضربات هي من الله وليست ظروف طبيعية فقط، فالله ضابط الكل يتحكم في الطبيعة. الله وراء هذه الضربات يسلطها عليهم حتى يتوبوا عن نجاستهم، حينئذ تعود لهم البركة، لكن الله يعاتبهم أنهم لم يفهموا سبب إنعدام البركة فلم يتوبوا= وما رجعتم إلىَّ يقول الرب. وفي (18) الهيكل تأسس أيام كورش وتعطل 15سنة، ويعتبر وضع الأساس الجديد سنة 520 بدءاً جديداً، وكأن الله يطلب مع بداية هذا العمل، قدموا توبة قلبية فتزداد البركة لكم. ولكن معنى تحديد التاريخ من اليوم الرابع والعشرين.. أن الله يحدد ميعاد رجوع البركة لهم، ويطلب منهم أن يلاحظوا أنهم في نفس اليوم الذي بدأوا فيه البناء واستجابوا لنداء الله، ففي نفس هذا اليوم عادت البركة لهم، عليهم إذاً أن لا ينسبوا عودة البركة لهم للصدفة أو رضا الطبيعة عليهم، بل يفهموا أنها نتيجة رضا الله عليهم، الله عاد بالبركة لهم (أي أمطار وثمار ولا لفح ولا يرقان..) حينما عادوا لله واستجابوا لندائه وقدموا توبة.. وعليهم أن يلاحظوا ميعاد عودة البركة ليفهموا أنها من الله. وفي (19) مع أنه لا يوجد بذار في المخازن= الإهراء ولم تزهر أشجار الكروم والتين، إلاّ أنهم طالما قدموا توبة صادقة فعليهم أن ينتظروا بثقة وإيمان وصبر تحقيق وعود الله بعودة البركة لهم.

الآيات (20-23): "وصارت كلمة الرب ثانية إلى حجي في الرابع والعشرين من الشهر قائلاً. كلم زربابل والي يهوذا قائلاً. أني أزلزل السموات والأرض. وأقلب كرسي الممالك وأبيد قوّة ممالك الأمم وأقلب المركبات والراكبين فيها وينحطّ الخيل وراكبوها كل منها بسيف أخيه. في ذلك اليوم يقول رب الجنود آخذك يا زربابل عبدي ابن شألتيئيل يقول الرب وأجعلك كخاتم لأني قد اخترتك يقول رب الجنود."

في الرابع والعشرين من الشهر= الله يتكلم للمرة الثانية في نفس اليوم إعلاناً ن فرحته بهم. وهذه نبوة بكسر قوة الشياطين من أمامهم. وتفهم أيضاً أن الله يطمئن زربابل بأنه معه وسيقلب أمامه أمم الأرض التي تقاومه. فعندما أكرم زربابل الله بأمانته، نجد الله هنا يكرم زربابل جداً. وحينما نضع هذه الآيات بجانب السابقة نجد أن الإنسان حين يقدم توبة بنية صادقة فإن الله يقلب أمامه مملكة الشيطان. إذاً لا داعي لأن يعتذر أحد بأن الشيطان أقوى منه. كل منها بسيف أخيه= فالأمم التي تقاوم المسيح وشعبه تقوم على بعضها وتقتل بعضها (قصة جدعون وشعب مديان) زربابل عبدي= هكذا قيل عن المسيح في (أش1:42 + في7:2). لأني قد أخترتك= وقيل عن المسيح مختار الله (أش1:42 + 1بط4:2). فزر بابل هو رمز للمسيح. لذلك فآية (23) هي نبوة عن المسيح. وأجعلك كخاتم= خاتم التوقيع كان يتمتع بعزة فائقة في تلك الأيام فهو رمز للسلطة، فالله يعطي زربابل الملك والسلطان رمزاً لملك المسيح على كنيسته وإنهيار مملكة إبليس (لو32:1،33) (هذا ما قيل عن المسيح كملك). الختم يشير لسلطان المسيح الذي منحه له الآب. وبالخاتم يتم صرف الشئ المختوم عليه، وبالمسيح نحصل على إستجابة صلواتنا (يو24:16 + يو16:15 + يو14:14). ولذلك تضيف الكنيسة على الصلاة الربانية "بالمسيح يسوع ربنا" فالله لا يستجيب لنا إلا بالمسيح =أجعلك كخاتم. وراجع (2كو20:1-22). وزربابل كخاتم: هذا عكس ما قيل عن أبيه كنياهو (أر24:22) بسبب خطايا كنياهو، فبالخطية نفقد كل شئ

 

الصفحة الرئيسية