الخروج

 

كنيسة السيدة العذراء بالفجالة

 

 

المقدمة. 1

الإصحاح الأول. 7

الإصحاح الثاني. 12

الإصحاح الثالث.. 17

الإصحاح الرابع. 24

الإصحاح الخامس.. 31

الإصحاح السادس.. 34

الإصحاح السابع. 37

الإصحاح الثامن. 43

الإصحاح التاسع. 46

الإصحاح العاشر. 49

الإصحاح الحادي عشر. 53

الإصحاح الثاني عشر. 56

الإصحاح الثالث عشر. 67

الإصحاح الرابع عشر. 72

الإصحاح الخامس عشر. 77

الإصحاح السادس عشر. 83

الإصحاح السابع عشر. 90

الإصحاح الثامن عشر. 94

الإصحاح التاسع عشر. 97

الإصحاح العشرون. 103

الإصحاح الحادي والعشرون. 114

الإصحاح الثاني والعشرون. 121

الإصحاح الثالث والعشرون. 125

الإصحاح الرابع والعشرون. 130

مقدمة عن أسفار موسى الخمسة. 134

خيمة الاجتماع. 145

الإصحاح الخامس والعشرون. 190

الإصحاح السادس والعشرون. 209

الإصحاح السابع والعشرون. 224

الإصحاح الثامن والعشرون. 238

الإصحاح التاسع والعشرون. 248

الإصحاح الثلاثون. 258

الإصحاح الحادي والثلاثون. 270

الإصحاح الثاني والثلاثون. 271

الإصحاح الثالث والثلاثون. 277

الإصحاح الرابع والثلاثون. 281

الإصحاحات 35 – 40. 288

 


 

المقدمة

1.     أول أسفار الكتاب المقدس، سفر التكوين أعلن الله فيه بدء الخليقة وبدء الحياة البشرية. وسرعان ما سقط الإنسان تحت العصيان فخرج من الفردوس وكانت عاقبته الموت، والعبودية..

2.     رأينا العبودية في بداية سفر الخروج، تحت حكم فرعون القاسي المستبد.

3.     لم يقف الله مكتوف الأيدي، فهو في محبته للإنسان قدم له خلاصاً مجانياً وجاءت حوادث خروج الشعب من أرض مصر كرمز لهذا الخلاص المجاني. وصارت مصر رمز لأرض العبودية. والخروج منها رمز لتحرير أولاد الله. بذلك لم يعد سفر الخروج مجرد سجل تاريخي. بل قصة خلاص للشعب ولنا أيضاً. وبنفس المفهوم صار فرعون رمزاً للشيطان الذي يأسر أولاد الله. وشهوات الشعب للأكل المصري مثل الكرات وقدور اللحم.. أصبحت تشير إلى شهوات العالم.

4.     يتضمن سفر الخروج أحداث وقعت للشعب خلال 145سنة من موت يوسف حتى السنة الثانية للخروج.

5.     يظهر هذا السفر كيف تحقق وعد الله للأباء. وكيف صار شعب إسرائيل شعباً منظماً له رؤساء، ولهم كهنوت وكيف سكن الله في وسط شعبه (خيمة الاجتماع) بينما كان هذا الشعب في سفر التكوين مجرد أسر وقبائل، ونرى سياسة الله في قيادتهم.

6.     نرى في سفر التكوين الخلقة ونرى هنا الفداء وخلقة جديدة لشعب كان ميتاً فعاش ومستعبداً فتحرر.

7.     كان اسم السفر في العبرانية "هوميس سيني" أي الثاني من الخمسة أو "واله شيموث" أي وهذه أسماء، وهما أول كلمتين في السفر. وترجمته السبعينية "الخروج".

8.     بدأ السفر بحرف "و" كأنه امتداد لما قبله. فكاتب التكوين والخروج هو موسى.

9.     بالإضافة لأن السفر يرمز لقصة الخلاص فهو مملوء بالرموز. فالعليقة ترمز للتجسد وترمز للعذراء مريم. وخروف الفصح للمسيح فصحنا، ودم الفصح يرمز لدم المسيح الذي به صار الخلاص. والمن يشير للمسيح خبز الحياة. ووضع شجرة في المياه المرة لتصبح عذبة فهذا يشير للصليب، وقسط المن يشير للعذراء، وهرون كرئيس للكهنة يشير للمسيح رئيس كهنتنا الحقيقي، والذبائح الدموية تشير للمسيح الذبيحة الحقيقية. بل موسى نفسه صار رمزاً للمسيح فموسى قدم للشعب كلمة الله وقاد الشعب في الخروج والمسيح هو كلمة الله وهو قائد ورأس الكنيسة. والصخرة التي خرج منها الماء كانت إشارة للمسيح (1كو3:10) وعبور البحر الأحمر رمز للمعمودية. فالعهد الجديد مخفي في القديم والقديم معلن في العهد الجديد.

10. تاريخ الخروج:

هناك أراء متعددة بهذا الشأن وأقربها للصحة، أن الخروج تم حوالي سنة 1447 ق.م. أثناء حكم الأسرة الثامنة عشرة، في زمن تحتمس الثالث أو أمنوفس الثاني. وهذا يتفق مع (قض26:11) إذ يذكر يفتاح الذي عاش حوالي سنة 1100 ق.م. أن 300 سنة قد انقضت على دخول العبرانيين الأرض أي دخلوها حوالي سنة 1400 ق.م. فإذا أضيف إليها الأربعون سنة التي قضوها في البرية يكون تاريخ خروجهم سنة 1440 ويتفق هذا الرأي مع ما ورد في (1مل1:6) أن بيت الرب قد بنى في السنة ال480 لخروج الشعب من مصر. فإن كان قد بدأ سليمان في بناء الهيكل سنة 967 أو سنة 966 ق.م يكون الخروج قد تم حوالي سنة 1447 ق.م ويتفق هذا التاريخ أيضاً مع الاكتشافات التي ظهرت في أريحا وحاصور، ومع ما ورد في لوحات تل العمارنة التي تتحدث عن شعب قادم إلى أرض فلسطين.

وهناك مؤرخ مصري اسمه منثو من عصر بطليموس الأول سنة323-283 ق.م وهو من أقدم المؤرخين قال "كان هناك رجل اسمه موسى قاد من مصر إلى سوريا جماعة من النجسين وكان ذلك في أيام أمنوفس بن رعمسيس"

وكثير من المؤرخين سجلوا الحادثة بحسب آرائهم فمنهم من قال أن قادة اليهود اثنين هما موسى وهاروس. ومنهم من قال أن موسى عبر البحر مستغلاً فترة الجذر فسار فيه. وقد وجد في أثار رمسيس الثاني أنه سخر العبيد الأسيويين ليبنوا له مدينة المخارن رعمسيس. ووجد في أثاره أيضاً أنه بنى مدينة فيثوم. وبهذا يكون فرعون الاضطهاد هو رمسيس الثاني وفي فترة حكمه (حوالي 60سنة) هرب موسى مدة 40سنة في سيناء ويكون فرعون الضربات والعبور هو ابنه أمنوفس وهذا لا يوجد له أثار كثيرة في التاريخ فتاريخه مخزي.

11. شخصية موسى النبي

عرض سفر الخروج حياة موسى النبي، الذي صار ممثلاً للعهد القديم كله بكونه مستلم الشريعة والمتكلم مع الله وقائد الشعب في تحريره من العبودية للدخول به لأرض الموعد لذا حين تجلى السيد المسيح على جبل طابور ظهر موسى وإيليا معه (مت1:17-8) وفي سفر الرؤيا نسمع عن تسبحة موسى التي يترنم بها الغالبون في السماء (رؤ3:15)

ونرى في قصة موسى عمل الله مع الإنسان الذي يستجيب له وكيف يدرب الله خدامه ويهذبهم ويكملهم ولنرى كيف كان موسى. [1] ثقيل اللسان [2] قاسي الطبع فهو يقتل المصري [3] بعد قتل المصري نجده يخاف ويهرب [4] استعفي من العمل والخدمة بطريقة أهاجت عليه غضب الرب [5] حين رفض فرعون طلبه الأول لام الله بطريقة غير مقبولة.

وماذا وصل إليه موسى؟ [1] صار حليماً أكثر من جميع الناس. [2] عظيماً جداً في عيون المصريين (خر3:11) [3] قائد وقاضي ناجح للشعب [4] باختصار لم يكن مثل موسى من قبل ولا من بعد (تث1:34-12)

ولنرى كيف يدرب الله خدامه؟

فالله علم موسى في قصر فرعون الحكمة والفلسفة وكيف يكون قائداً ورجل دولة وسياسي وقائد عسكري.. ثم علمه في البرية كيف يتأمل ويصلي ويتواضع أمام الله، وكيف يتخلى عن الاعتماد على ذراعه ملقياً رجاؤه على الله. بهذا يصبح مستعداً أن يقود الشعب ولكن بروح الله.

ولقد سمح الله له بفترة خلوة كان يحتاجها عمل فيها راعٍ للغنم وهذه المهنة بالذات رجس عند المصريين ولكن سمح الله له بها وهو آتٍ من القصر استكمالاً لتدريبه. والمسيح كان يختلى ليصلي وبولس اختلى واستعد للخدمة في العربية. عجيبة هي حكمة الله. فحين تواضع موسى وخضع بين يدي الله رأى في الجبل وهو راعٍ ما لم يره في قصور فرعون.. !! لقد رأى وتكلم معه.

12. بدأ هذا السفر بالذل والاضطهاد وانتهى بظهور مجد الله في خيمة الاجتماع مروراً بدم خروف الفصح الذي يحرر ويفدي ويكفر. هنا نرى الله كفادي يخرجهم من العبودية ليجعلهم ملكه المقتني وخاصته (خر5:19).

13. السفر نرى فيه فشل الإنسان التام في أن ينقذ نفسه فكيف يخرج هذا الشعب الذي يقتلون أبكاره ويذلونه من عبودية هذا الفرعون الجبار، لم نسمع أن الشعب فكر في أن يهرب. ولكننا نجد أن الله هو الذي نظر إليهم وأرسل لهم موسى ليقودهم بوعود بأرض تفيض لبناً وعسلاً. ونسمع قول الله نزلت لأنقذهم (خر8:3) ثم نرى في العليقة تفسيراً لهذا القول. فالتجسد كان هو نزول الله إلينا لينقذنا.

14. نرى في هذا السفر طرق وحيل إبليس ضد أولاد الله.

‌أ.        ‌عبودية وإذلال: هذا حال كل خاطئ بعيد عن الله ومستغرق في الخطية.

‌ب.    ‌تقديم أنصاف حلول: هذا في حال أن يبدأ الخاطئ في التوبة نجد إبليس يقدم له حلول كثيرة فيها خبث فهو يوافق على التوبة لكن مع إبقاء ذيول لاستعادة النفس إليه مرة ثانية. وهكذا فعل فرهون "إذهبوا أنتم واتركوا أولادكم"

‌ج.     ‌التذكير بلذة الخطية: لقد ذكر الشعب قدور اللحم والكرات.. ونسى سياط العبودية وهكذا إبليس يذكرنا بلذة الخطية ويجعلنا ننسى مرارة عبوديتها وهذا ما تسميه الكنيسة في القداس الباسيلي "تذكار الشر الملبس الموت"

15. هو سفر الوصايا وخيمة الاجتماع. وإذ كانت خيمة الاجتماع هي لقاء مع المسيح فيجب أن يسبق هذا تنفيذ الوصايا. ويسبق الجميع المعمودية (عبور البحر الأحمر).

16. نرى الشعب في البرية في طفولة روحية يبكون ويصرخون طالبين الطعام والماء بل لهم شهوة للرجوع إلى مصر، دائمي التذمر.

17. نرى في قصة سفر الخروج قصة الخلاص. فقد سمح الله بتكوين أمة من نسل إبراهيم الذي احبه وسمح لهم الله أن يوجدوا في حالة ضعف وصل لقتل الأبكار بل وتكون هذه الأمة تحت ذل أقوى أمة في العالم ثم يصرخون لله ويكون الخلاص بالدم والعبور للحرية. وهي بالضبط قصة نسل آدم الذين تعرضوا لعبودية إبليس وما قتل الأبكار إلا الموت الذي حُكِمَ به على كل نسل آدم.

18. قصة الشعب في البرية بعد عبور البحر الأحمر والفداء بالدم هي قصة الكنيسة في هذا العالم. حروب متنوعة وجهاد مستمر ضد إبليس. فحروب إبليس هي هي في كل وقت لتجذب النفس فتشتهي الرجوع إلى مصر. فنجد إبليس يخيفهم في حروب مع عماليق وغيرهم ويذكرهم بأيام الأكل الكثير في مصر حيث لا حروب. ويستغل نقص الماء والطعام لإثارة تذمرهم.. ولكن شكراً لله فالله دائماً عنده حل لكل مشكلة وهو يسند ضعف شعبه. وتستمر هذه الحرب حتى دخول الشعب إلى كنعان رمزاً لدخولنا إلى أورشليم السماوية حيث الراحة.

19. مدرسة الإيمان

كان الشعب في مصر لا يعرف سوى الآلهة الفرعونية وقوتها والسحر القوى الذي في مصر. وجاء الله وطلب من موسى أن يخرج الشعب وكان أن سأل الله عن اسمه فقال الله له أن اسمه يهوه. وباختصار فهذا يعني أن الله لنا كل شئ ونجد الله يعلم موسى آيات يصنعها أمام الشعب ثم أمام فرعون. فهل طريق الله هو المعجزات والآيات؟! قطعاً الإجابة لا فالله يطلب أن نثق فيه بالإيمان ولكن كيف يؤمن هذا الشعب المتغرب عن الله الذي لا يعرف سوى سحر المصريين؟ لذلك سمح الله لهم ببعض الآيات ثم بضربات عشر رأوا فيها يد الله القوية بل سمح الله بشق البحر ومرور الشعب وغرق جيش فرعون. هنا كان الشعب عليه أن يؤمن فقد رأى. ولكن الخلاص بالإيمان فكيف يوجد هذا الإيمان؟ يسمح الله ببعض التجارب مثل الماء المر أو لا ماء وقطعاً فالله يعرف احتياجاتهم للماء بل ويسمح الله بعماليق يحاربهم.. الخ وكان كل هذا امتحاناً لهم حتى يثبت الله في ذهنهم أنه هو القادر على كل شئ. كانت هذه التجارب مدرسة للإيمان وهذه تشبه المسائل بعد نظريات العلوم والرياضة وهذه المسائل فائدتها تثبيت النظرية في ذهن الطالب. ونسمع من الطلبة شكوى لماذا التمارين فقد فهمنا النظرية وكما يتذمر الطلبة على التمارين تذمر الشعب على امتحانات الله، لكن كان الهدف هو تثبيت الإيمان وترسيخه في نفوسهم وكتطبيق لهذا نجد أن الإنسان حين يقرر التوبة تنهال عليه التجارب والضيقات. فلماذا يسمح الله بذلك؟ إبليس يريد أن يخيف الإنسان من طريق الله ويثبت له أنها طريق صعبة كلها آلام حتى يخاف ويترك هذا الطريق. ولكن الله يسمح بهذا حتى يزداد إيمان الشخص حين يجد أن الله يتدخل ويحل كل هذه المشاكل. والنصيحة التي نقولها لكل شخص "اصبر وانتظر الرب فهو يخرج من الجافي حلاوة" وهناك من قال "أمور الله مرة تنتهي بحلاوة وأمور العالم حلوة تنتهي بمرارة" علينا بالإيمان حين تأتي علينا التجارب أن ننظر للنهاية ونرى جيش فرعون غارقاً فنشكر الله حتى لو كانت التجربة مازالت تؤلمنا.

20. الله يدعونا دائماً للخروج من مكان الخطية واعتزال أماكن الشر(أش11:52 + رؤ4:18) + دعوة إبراهيم للخروج من أور ودعوة لوط للخروج من سدوم ودعوة نوح لدخول الفلك. وكل من خرج من مكان الشر كان له حياة ومن رفض هلك بل أن من تلكأ في الخروج مفضلاً مكان الشر خسر كل شئ مثل لوط أما الشعب في خروجه أخذ أملاكاً كثيرة. وإبراهيم كان غنياً جداً. والسبب أن لوط بالرغم من أنه كان يعذب نفسه بسبب الشرور في سدوم إلا أنه لم يخرج من نفسه فهو احتمل أن يعيش وسط الشر عن أن يخسر مادياً فخسر كل شئ، بل أنه تلكأ في خروجه حتى أن الملاك كان يجذبه فكاد يفقد حتى حياته. إن الخروج من الشر لهو بداية حياة جديدة.

ولكن للأسف فهناك كثيرون خرجوا من عبودية الخطية المحيطة بهم ولكنهم لم يخرجوا من عبودية الخطية التي في أحشائهم من الداخل. هناك ناس خرجوا من عبودية فرعون ثم أهلكتهم شهواتهم في البرية. لذلك لا نفرح إذا انتصرنا مرة ومرات بل علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة.

21. نلاحظ التذمرات الكثيرة للشعب في البرية. وقد سمح الله بالتجارب الكثيرة لهم حتى تظهر هذه الخطية المختبأة فكثيراً ما يسمح الله ببعض التجارب حتى تظهر الخطايا الخفية وهذه قادرة أن تهلكنا إن لم نكنشفها ونتوب عنها.


 

الإصحاح الأول

آية (1): "وهذه أسماء بني إسرائيل الذين جاءوا إلى مصر مع يعقوب جاء كل إنسان وبيته."

جاء كل إنسان وبيته= أي كل إنسان مع زوجته وأولاده وبناته وعبيده وإمائه وهؤلاء كانوا عدداً ضخماً. ولنذكر أن إبراهيم له 318رجل يحاربون. وأن يعقوب في عودته ومقابلته لعيسو إندهش عيسو من كل ما كان ليعقوب وأسماهم جيشاً. وحقاً كان عدد نفوس بني إسرائيل 70 نفساً ولكن بإضافة كل هؤلاء يصبح عدد الذين نزلوا إلى مصر عدداً ضخماً وربما يكون هذا تفسير لكيف وصل عددهم إلى ما يزيد عن ال2 مليون نفس خلال 200سنة.

 

الآيات (2-5): "رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا. ويساكر وزبولون وبنيامين. ودان ونفتالي وجاد واشير. وكانت جميع نفوس الخارجين من صلب يعقوب سبعين نفساً ولكن يوسف كان في مصر."

نلاحظ أن هذا السفر يروى لنا قصة العبودية كرمز لعبوديتنا للخطية فنجد أن عدد الأنفس المشار إليها 70نفساً وهذا العدد نجد أن موسى رأى فيه إشارة لشعوب العالم. فحين نعود إلى (تك10) نجد أن هناك 70إسماً تكون منهم العالم فهم رؤوس شعوب العالم. ورأى موسى أن 70 شعباً في العالم يناظرهم 70 نفساً في مصر (تث8:32) ويكون هذا إشارة إلى أن العالم كله سقط تحت العبودية بسبب الخطية كما سقط إسرائيل تحت عبودية فرعون.

وبنفس المفهوم فهنا يذكر أولاد الجاريتين بعد ذكر أسماء أولاد ليئة وراحيل. وعجيب بعد هذا أن ينكر شعب إسرائيل أنهم كانوا عبيداً (يو32:8) بالرغم من أنهم كانوا عبيد في مصر ويوسف كان عبداً لفوطيفار وهم في أيام المسيح كانوا خاضعين للحكم الروماني. فهناك كثيرين مستعبدين للخطية وهو لا يدرون.

 

الآيات (6-7): "ومات يوسف وكل اخوته وجميع ذلك الجيل. وأما بنو إسرائيل فأثمروا وتوالدوا ونموا وكثروا كثيراً جداً وامتلأت الأرض منهم."

نجد هنا بركة الرب في زيادة ونمو الشعب فأثمروا= أصل الكلمة أنهم تزايدوا في نسلهم مثل السمك ونموا= نمواً مضاعفاً وربما كانوا يلدون توائم وبلا وفيات في الصغر. وهذا النمو كان رمزاً لنمو الكنيسة ولنلاحظ أن الكنيسة نمت وتأسست على أساس 12 تلميذ، 70 رسول والشعب نما وتأسس على 12سبط و70 نفساً نزلوا إلى مصر. ولاحظ أن نمو الشعب ذكر بعد أن قيل ومات يوسف= فيوسف كرمز للمسيح كان ينبغي أن يموت أولاً وتدفن حبة الحنطة في الأرض حتى تأتي بثمر كثير (يو24:12). وكذلك كان ينبغي أن يصلب المسيح ويموت حتى تتأسس الكنيسة. لكن المعنى الحرف للآية أنه بعد أن مات يوسف بدأ الشعب المصري يلاحظ نمو الشعب اليهودي الغريب عنهم نمواً غير عادياً.

 

آية (8): "ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف."

غالباً الملوك الذين حكموا في أيام يوسف هم من الهكسوس ثم بعد أن خرجوا من مصر وحكم مصر المصريين لم يعد هناك ود تجاه هذا الشعب العبراني صديق الهكسوس.

 

آية (9): "فقال لشعبه هوذا بنو إسرائيل شعب اكثر واعظم منا."

هذه مبالغة للإثارة لتبرير الاضطهاد وربما كان عدد العبرانيين في أرض جاسان أكبر من عدد المصريين في هذه الأرض.

 

آية (10): "هلم نحتال لهم لئلا ينموا فيكون إذا حدثت حرب أنهم ينضمون إلى أعدائنا ويحاربوننا ويصعدون من الأرض."

هلم نحتال= لقد وعد الله إبراهيم أن شعبه سيعود لأرض الميعاد، لذلك إذ رأى إبليس نمو الشعب هاج وأثار ملك مصر عليهم ليبقيهم ضد مشورة الله. ولقد صبر الله على هذا لفترة حتى يكتمل الشعب وحتى يكمل إثم الأموريين. لكن مشورة الله وتدبيره سيكملان رغماً عن كل تدبيرات عدو الخير. ويصعدون من الأرض أي يهاجرون، وكان المصريين يريدونهم عبيد وحماة للجبهة الشرقية. وكان المصريين يكرهون اليهود لأنهم كان لهم امتيازات من أيام الهكسوس. ولاحظ في آية (8) قوله لم يكن يعرف يوسف= هو تجاهل وليس جهلاً. فهو لا يريد أن يذكر فضل يوسف على مصر حتى يعطي نفسه مبرراً أن يضطهد شعبه العبراني.

 

آية (11): "فجعلوا عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم بأثقالهم فبنوا لفرعون مدينتي مخازن فيثوم ورعمسيس."

تسخير= أي عمل بلا أجرة. لكي يذلوهم بأثقالهم= أي يثقلوا عليهم فيشعروا بالمذلة فلا يفكروا في التمرد والثورة والخروج، وحتى لا ينموا في العدد ويتكاثروا.

التفسير الروحي: نتيجة طبيعية لأي نمو للكنيسة أو للنفس البشرية يهتاج عدو الخير ويثور ويثير أعداء الكنيسة ضدها في محاولة لإرهابهم واستعبادهم. وأحد هذه المحاولات أن يشغل أولاد الله بالعمل الكثير (الطين الذي بنوا به المدن) حتى لا يصعدوا من الأرض أي يستمروا في حياتهم الأرضية ولانفلت منه إلى إلى الحياة السماوية. فيثوم= هي تل المسخوطة قرب التل الكبير بين الدلتا وبحيرة التمساح ورعمسيس= هي صان الحجر وجاء بالأثار أن الأجانب هم الذين بنوها. وهي مدن تحصينات للحدود الشرقية.

 

آية (12): "ولكن بحسبما أذلوهم هكذا نموا وأمتدوا فأختشوا من بني إسرائيل."

آية رائعة. لقد سمح الله بالتجارب لكن يده كانت تعمل وتبارك بل كان المصريين الأقوى يخشون عبيدهم اليهود الضعفاء. ولنسأل لماذا سمح الله بالتجربة؟

1.     حتى يشتاق الشعب لأرض الميعاد (والله يسمح لنا ببعض الآلام لنشتاق لراحة السماء ولا يكون اشتياقنا للأرضيات فقط).

2.     في الضيقة صرخ الشعب للرب (وكثيرين تعلموا الصلاة في ضيقاتهم).

3.     التجارب بركة فالشعب نما وإزداد والكنيسة نمت وإزدادت في أيام الاضطهادات.

 

آية (14): "ومرروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللبن وفي كل عمل في الحقل كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفاً."

الطين= كانوا يجلبون الطين ويصنعون منه الطوب ويجففونه.

 

آية (15): "وكلم ملك مصر قابلتي العبرانيات اللتين اسم إحداهما شفرة واسم الأخرى فوعة."

شمل اضطهاد فرعون للشعب [1] تسخيرهم في البناء [2] استخدام القابلات المصريات ليقتلا الذكور عند الولادة قبل أن يراهما أحد. [3] إصدار أمر بإغراق كل طفل ذكر. ولكننا نرى يد الله وعمله فهو أعطى للقابلات خوفاً مقدساً فلم تقتلا الأطفال. وأعطى موسى نعمة في عيني بنت فرعون فأنقذته وربته في قصر فرعون. وأعطى لأم موسى إيمان صنعت به سفطاً لتضع طفلها فيه في رجاء وإيمان قوى أن الله سينقذه.

والقابلتين شفرة= جمال وفوعة= فتاة. غالباً هما مصريتان وهذه الأسماء عبرية وربما أن هذه هي الأسماء التي أطلقها عليهن العبرانيات. وهاتين القابلتين كانتا رئيستان يتبعهن عدد من القابلات.

 

آية (16): "وقال حينما تولدان العبرانيات وتنظرانهن على الكراسي أن كان ابناً فاقتلاه وأن كان بنتاً فتحيا."

الكراسي= هي كراسي خاصة بالولادة تناظر "سرير الولادة الآن" وطبعاً فقتل الذكور هدفه إنهاء الشعب وذوبانه في وسط المصريين فسيتزوج رجال المصريين بنات العبرانيات حينما لا يوجد ذكور عند العبرانيين.

 

الآيات (18-21): "فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما لماذا فعلتما هذا الأمر واستحييتما الأولاد. فقالت القابلتان لفرعون أن النساء العبرانيات لسن كالمصريات فأنهن قويات يلدن قبل أن تاتيهن القابلة. فاحسن الله إلى القابلتين ونما الشعب وكثر جداً. وكان إذ خافت القابلتان الله انه صنع لهما بيوتاً."

إجابة القابلتين على فرعون ليست كذباً فالنساء العبرانيات يشتغلن كثيراً وبالتالي فعضلاتهم قوية ولسن كالمصريات مرفهات. وحتى الآن فالسيدة التي اعتادت العمل الشاق تستطيع أن تولد نفسها بسهولة. وما كان القابلات يستطعن أن يكذبن على فرعون فله وسائل متعددة يكشف بها كذبهن. لكن ما أخفته القابلات عن فرعون أنهم يتعاطفن مع العبرانيات وبالتالي يرفضن قتل الذكور. وكلام القابلات لفرعون لهو في منتهى الجرأة فكأنهن يردن القول أنه بالرغم من وحشية قرارك فالله يسهل لهن. وربما أظهر الله للقابلات فعلاً سهولة غير عادية في ولادة العبرانيات فخشيتا الله ورفضتنا قتل الأولاد. لذلك كافأهن الله وصنع لهما بيوتاً= أي تزوجتا وصار لهما أولاد.

 

آية (22): "ثم أمر فرعون جميع شعبه قائلاً كل ابن يولد تطرحونه في النهر لكن كل بنت تستحيونها."

إلقاء الذكور في النهر له غرضان [1] ديني. لزيادة مياه النهر (مثل طقس عروس النيل) فهو إكرام للنهر المعبود بتضحية الأولاد. [2] نقص عدد بني إسرائيل. ويرجح أن الأمر بإلقاء الذكور في النيل صدر بعد ولادة هارون (هارون أكبر من موسى بثلاث سنوات) وألغى الأمر بعد ولادة موسى. غالباً بتوصية من بنت فرعون التي تأثرت بمنظر موسى الطفل وهو يصرخ وحده في سفط عائم على وجه النيل.


 

الإصحاح الثاني

نجد هنا الله يعطي مع التجربة المنفذ (1كو13:10) فمع اضطهاد فرعون الصعب للشعب، نجد الله يعد موسى النبي للخدمة، فهو يعد المنقذ ويدربه لفترة 80سنة. في قصر فرعون حيث تهذب بكل حكمة المصريين (فهم علماء فلك وزراعة وكيمياء وهندسة وتحنيط وطب وشعر وفنون وسياسة وحكمة) ولم يحرمه من حنان أمه فشرب منها حب الله وحب شعبه، لقد غرست الأيام التي قضاها موسى في بيت أبيه وأمه بذرة حياة القداسة ومعرفة الله. وحينما ظن موسى أنه قادر أن يخلص الشعب بذراعه فقتل المصري أعطاه الله فترة 40 سنة في البرية ليتواضع ويعرف أنه لا شئ بدون الله، عاجز عن العمل بذاته، ثقيل الفم واللسان ثم يتلاقى معه الله في العليقة ويرسله بعد أن أتم الله تدريبه.

 

آية (1): "وذهب رجل من بيت لاوي واخذ بنت لاوي."

الرجل هو عمرام ابن قهات ابن لاوي والمرأة هي يوكابد. وولدوا مريم وهارون وموسى. ومن تواضع موسى أنه لم يفخم في أبيه وأمه ولم يذكر هنا اسميهما وهناك رأيين في هذه الآية: الأول أن عمرام تزوج عمته يوكابد بنت لاوي (خر20:6 + عد59:26) وزواج الرجل من عمته لم يكن ممنوعاً في هذا الوقت، ولم يمنعه سوى شريعة موسى. والرأي الثاني يقول أصحابه أن كلمة عمته قد تترجم بنت عمه وتصبح بنت لاوي أي من بيت لاوي.

 

آية (2): "فحبلت المرأة وولدت ابناً ولما رأته انه حسن خبأته ثلاثة اشهر."

سفطاً من البردي= كلمة سفط وكلمة فلك في العبرية هي كلمة واحدة "طبت" بمعنى تابوت. ولم تستخدم سوى في هذين الموضعين. وكان قدماء المصريين يصنعون المراكب من البردي. وما صنعته أم موسى دليل على إيمانها. فهي آمنت أن الله قادر أن يحفظ ابنها وتحول هذا السفط إلى فلك نجا راكبه الوحيد.

(عب23:11). الحلفاء= نبات مائي يصنع منه الحصر والحبال.

 

الآيات (5-9): "فنزلت ابنة فرعون إلى النهر لتغتسل وكانت جواريها ماشيات على جانب النهر فرات السفط بين الحلفاء فأرسلت أمتها وأخذته. ولما فتحته رأت الولد وإذا هو صبي يبكي فرقت له وقالت هذا من أولاد العبرانيين. فقالت أخته لابنة فرعون هل اذهب وأدعو لك امرأة مرضعة من العبرانيات لترضع لك الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي فذهبت الفتاة ودعت أم الولد. فقالت لها ابنة فرعون اذهبي بهذا الولد وارضعيه لي وأنا أعطي أجرتك فأخذت المرأة الولد وأرضعته."

عجيبة هي حكمة الله، فمن كان يصدق أن هذا الطفل الذي سيهز أركان مصر ينتشل من الماء ضد أوامر فرعون بقتل كل ذكر، يل يتربى في قصر فرعون وتحت حمايته. هذه هي عناية وحكمة الله أن يتحول الشر إلى خير، وأن تكون هزيمة الشيطان بالسلاح الذي في يده. ففرعون الذي أمر بقتل الأطفال هو نفسه الذي تربى منقذ إسرائيل في بيته.

 

آية (10): "ولما كبر الولد جاءت به إلى ابنة فرعون فصار لها ابناً ودعت اسمه موسى وقالت أنى انتشلته من الماء."

ولما كبر الولد= هي فترة علمته فيها أمه الروحيات فالأم هي المدرسة الأولى. ومعنى اسم موسى المنتشل من الماء mwou’’’si (mwou= ماء ،’’’si = يأخذ) وبالعبرية نجد له نفس المعنى (ميم يوشيه ميم= ماء يوشيه= منتشل)

 

الآيات (11،12): "وحدث في تلك الأيام لما كبر موسى انه خرج إلى اخوته لينظر في أثقالهم فرأى رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً من اخوته. فالتفت إلى هنا وهناك ورأى أن ليس أحد فقتل المصري وطمره في الرمل."

إذ تثقف موسى بحكمة المصريين 40عاماً ظن أنه قادر أن يخدم الله معتمداً على ذراعه وحكمته، هو ظن أنه شئ فإرتبك "إلتفت هنا وهناك" مهتماً بنظرة الناس إليه، بينما أن خادم الله لا يهتم ببغض الناس أو رضائهم عن خدمته مادام يعلم أن الله هو الذي أرسله. وموسى حين اعتمد على ذراعه خاف وهرب. رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً= غالباً هو من رجال التسخير (أع22:7-23)

 

الآيات (13-15): "ثم خرج في اليوم الثاني وإذا رجلان عبرانيان يتخاصمان فقال للمذنب لماذا تضرب صاحبك. فقال من جعلك رئيساً وقاضياً علينا امفتكر أنت بقتلي كما قتلت المصري فخاف موسى وقال حقا قد عرف الأمر. فسمع فرعون هذا الأمر فطلب أن يقتل موسى فهرب موسى من وجه فرعون وسكن في أرض مديان وجلس عند البئر."

غالباً الرجل العبراني الذي أنصفه موسى بالأمس نشر الخبر وسط الشعب. راجع (عب24:11-26). لقد رفض موسى أن يدعى ابن ابنة فرعون ويعيش في القصر، ونزل إلى شعبه ليحيا وسطهم شاعراً بآلامهم. وكان المنطق البشري يقول أن يستمر في القصر حتى يستطيع أن يقدم خدمات لشعبه، لكنه وجد أنه لا يستطيع وفضَّل أن يذل معهم. وهذا ما عمله المسيح فهو ترك السماء لأجل شعبه. لذلك قيل :حاسباً عار المسيح أفضل" فهو مثل المسيح وضع نفسه موضع شعبه. هو أخلى نفسه من أمجاده. وعجيب قول العبراني لموسى، فعجيب أن يقال هذا لمن يبحث عن خلاص شعبه وأحبهم أكثر من نفسه، بل العجيب أن يتشاجر من هم تحت العبودية والظلم معاً. ولكن كان الشعب الذي رفض موسى قاضياً أشبه بالمريض الذي يرفض المشرط في يد الجراح الذي يعالجه!! ولكن الله استخدم هذا الأمر حتى يكمل تدريب موسى في البرية. ولقد رأى أسطفانوس في رفض الشعب لموسى في هذه القصة رفض لعمل الروح القدس فيهم (أع23:7-51) بل رأى أسطفانوس أن رفض الشعب لموسى هنا كقاضي استمر فيهم حتى رفضوا المسيح كمخلص لهم. وهناك تشابه واضح بين موسى والمسيح:

1.     كما رفضوا خدمة موسى هنا لخلاصهم. رفضا المسيح المخلص.

2.     موسى ترك القصر لينزل لهم والمسيح أخلى ذاته أخذاً صورة عبد.

3.     موسى تزوج بصفورة في غربته والمسيح اتخذ الكنيسة (الأمم) عروساً له.

4.     موسى كان الوسيط بين الله والناس وهكذا المسيح.

5.     موسى كليم الله الذي أعطى الناموس والمسيح كلمة الله.

6.     موسى عمل كراعٍ ثم رعى الشعب كله والمسيح هو الراعي الصالح.

7.     كلاهما كان مخلص ومنقذ لشعبه.

8.     موسى كان نبي والمسيح كان نبي مثله (تث15:18).

9.     كلاهما ولد في أرض العبودية ثم عبروا بشعبهم للحرية.

10. كلاهما حاولوا قتله وهو طفل ونجا كلاهما بينما مات كثير من الأطفال.

11. موسى صام 40يوماً ليتسلم شريعة العهد القديم والمسيح صار 40يوماً قبل أن يبدأ عمله.

12. دخل موسى القصر وهو معروف أنه ابن ابنة فرعون والمسيح كان ابن العذراء.

 

الآيات (16-22): "وكان لكاهن مديان سبع بنات فأتين واستقين وملآن الأجران ليسقين غنم أبيهن. فآتى الرعاة وطردوهن فنهض موسى وانجدهن وسقى غنمهن. فلما أتين إلى رعوئيل أبيهن قال ما بالكن أسرعتن في المجيء اليوم. فقلن رجل مصري أنقذنا من أيدي الرعاة وانه استقى لنا أيضاً وسقى الغنم. فقال لبناته وأين هو لماذا تركتن الرجل ادعونه ليأكل طعاما. فارتضى موسى أن يسكن مع الرجل أعطى موسى صفورة ابنته. فولدت ابنا فدعا اسمه جرشوم لأنه قال كنت نزيلاً في أرض غريبة."

كان البنات يرجعن متأخرات يومياً بسبب مضايقة الرعاة. ولكن في هذا اليوم تدخل موسى وساعدهن فهذا هو طبعه. وتزوج من صفورة= عصفورة بنت رعوئيل ومعنى اسمه الله صديق وكان كاهناً لله ويظهر هذا من اسمه فهو منسوب إلى إيل وهو من مديان ومديان من أولاد إبراهيم ويغلب أن هذا الفرع من مديان حافظ على إيمان إبراهيم. وسمى ابنه جرشوم= الغريب بسبب غربته. ورعوئيل سمى يثرون وغالباً هذا لقب شرف بكونه كاهناً لمديان فهي تعني المتقدم في السمو.

 

آية (23): "وحدث في تلك الأيام الكثيرة أن ملك مصر مات وتنهد بنو إسرائيل من العبودية وصرخوا فصعد صراخهم إلى الله من اجل العبودية."

تنهد بنو إسرائيل= لما مات الملك جاء ملك جديد ظنوا أنه سيريحهم من العبودية فوجدوه مثل أبيه فصرخوا لله، وتركوا أوثانهم (حز8:20). وحين صرخوا إلى الله صار الوقت مناسباً لخروجهم فالله لابد أن يستجيب لمن يصرخ إليه.

 

الآيات (24،25): "فسمع الله أنينهم فتذكر الله ميثاقه مع إبراهيم واسحق ويعقوب. ونظر الله بني إسرائيل وعلم الله."

يذكر اسم الله هنا 4 مرات إشارة لأن الله يستجيب لكل العالم فتذكر الله= هذه تعني أن هذا هو الوقت المناسب لتدخل الله لينفذ وعوده فإسرائيل ترك أوثانه وصرخ إلى الله وموسى اكتمل تدريبه وإعداده وذنب الأموريين قد كمل (تك16:15). الآن جاء ملء الزمان.


 

الإصحاح الثالث

آية (1): "وأما موسى فكان يرعى غنم يثرون حميه كاهن مديان فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب."

إلى وراء البرية= إلى الأراضي المراعي خلف منطقة الرمال الواسعة. جبل حوريب غالباً هو جبل موسى حالياً بسيناء.

 

آية (2): "وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة فنظر وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق."

ملاك الرب= كلمة ملاك تعنى مرسل وتشير للأقنوم الثاني الابن الذي أرسل من الآب (يو37:5). وبحسب الفكر اليهودي فكل من ينزل من السماء فهو ملاك لأنه مرسل. وما يثبت أنه الأقنوم الثاني وليس ملاكاً عادياً (آية6) "قوله أنا إله أبيك.. " بلهيب نار= إلهنا نار آكله (عب29:12). ولقد حل الروح القدس على التلاميذ على هيئة ألسنة نار. وظهر لإبراهيم على شكل مصباح نار (تك15) وظهر للشعب على الجبل على شكل نار. وهو نار إحراق وتطهير وهو نور ومحبة نارية؟ ولهيب النار كان من وسط عليقة العليقة هي شجرة شوك ضعيفة. وهو ترمز لإسرائيل وقد أحاطت بها أشواك وآلام العبودية في مصر ولكن الله في وسطها فلا تحترق، وتشير للكنيسة التي اشتعلت فيها نار الاضطهاد ولم تفنى وكانت الأشواك رمز للآلام والاضطهاد ولكنها كانت ملتهبة بنار الروح الإلهي فلم تمت. والعليقة كانت ترمز للعذراء مريم التي حملت في بطنها الأقنوم الثاني بناسوته المتحد بلاهوته الناري ولم تحترق. لذلك فالعليقة حملت سر التجسد الإلهي. ولاحظ أن الله ظهر وسط شجرة ضعيفة وليست شجرة أرز فالله يسكن عند المتواضعين (اش15:57). وقارن مع (2كو7:4). وقال القديس أمبروسيوس "لماذا نيأس، إن الله يتحدث في البشر، هذا الذي تكلم في العليقة المملوءة أشواكاً، أنه لم يحتقر العليقة، أنه يضئ أشواكي.

 

آية (3): "فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم لماذا لا تحترق العليقة."

أميل الآن لأنظر= إعلانات الله كثيرة لكن على كل واحد أن يميل وينظر في جلسة هادئة أو صلاة أو خلوة مع الله. هنا دخل موسى إلى مرحلة جديدة هي مرحلة اللقاء مع الله. فحياة موسى 120سنة تنقسم إلى 3مراحل [1] 40 سنة في القصر. [2] 40 سنة في البرية [3] 40 سنة بعد أن تقابل مع الله وكان هذا سر قوته وعظمته.

 

آية (4): "فلما رأى الرب انه مال لينظر ناداه الله من وسط العليقة وقال موسى موسى فقال هأنذا."

الله هو الذي يدعوه. حقاً كان المتحدث ناراً آكلة لكنها لا تؤذيه بل تسنده وتلهبه كما فعل الروح القدس مع التلاميذ فأحرق ضعفاتهم وأعطاهم قوة للحياة الجديدة.

 

آية (5): "فقال لا تقترب إلى ههنا اخلع حذاءك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة."

كانت الأحذية ومازالت تصنع من جلود الحيوانات الميتة. وخلع الحذاء يشير لخلع محبة الأمور الزمنية الميتة عنا لنلتصق بالسماويات. ولذلك فحتى الآن نخلع أحذيتنا قبل دخول الهيكل لنذكر هذه المفاهيم أن الله يريد قداستنا وهو يدعونا لكننا لا يمكن أن نعاينه إلا بالقداسة (عب14:12).

 

آية (6): "ثم قال أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله."

إله أبيك= المقصود بها إله كل آبائك وهكذا فهمها أسطفانوس (أع32:7) فغطى موسى وجهه= حتى لا يموت إذ رأى الله. وهكذا يصنع السيرافيم إذ يغطون وجوههم.

 

آية (7): "فقال الرب أني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من اجل مسخريهم أني علمت أوجاعهم."

ما يعزينا جداً في ضيقاتنا أن الله شاعر بنا عالم بما نقاسيه.

 

آية (8): "فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً إلى مكان الكنعانيين والحثيين والاموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين."

إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً= أي مكان خيرات. الكل يجد فيه شبعه حتى الأطفال الذين يتغذون على اللبن والعسل إشارة إلى حياة الشبع واللذة الروحية إشارة لكلمة الله الحلوة في أفواهنا وهي لنا كلمة تعليم نتغذى بها. لذلك كان المعمدون في الكنيسة الأولى يشربون أثناء طقس المعمودية لبناً ويأكلون عسلاً، إذ صار لهم حق الدخول إلى كنعان السماوية الموعود بها. مكان الكنعانيين= لشرورهم وفجورهم.

 

آية (11): "فقال موسى لله من أنا حتى اذهب إلى فرعون وحتى اخرج بني إسرائيل من مصر."

من أنا حتى اذهب= هنا وصل موسى إلى أعلى مستوى من الإعداد إذ شعر أنه لا شئ. وهو الآن بينما هو أكفأ رجال عصره الذي أعطه الله طويلاً لهذا العمل، لكنه الآن في تواضعه يشعر أنه لا شئ.

 

آية (12): "فقال أني أكون معك وهذه تكون لك العلامة أني أرسلتك حينما تخرج الشعب من مصر تعبدون الله على هذا الجبل."

أني أكون معك= هذا هو سر قوة موسى وكل خدام الله (يش5:1 + أر16:1 + مت20:28) والعلامة التي أعطاها له الله أنهم يعبدون في هذا الجبل أي أن الله سيرافقهم حتى يصلوا إلى هذا الجبل ويقيمون خيمة الاجتماع ويعبدون الله هناك لمدة سنة.

 

الآيات (13،14): "فقال موسى لله ها أنا آتى إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم فإذا قالوا لي ما اسمه فماذا أقول لهم. فقال الله لموسى اهيه الذي اهيه وقال هكذا تقول لبني إسرائيل اهيه أرسلني إليكم."

اسم الله يهوه

طبيعة موسى الضعيفة المتأثرة بالفشل السابق حين خرج متكلاً على ذراعه البشري جعلته يتردد في قبول الدعوة. وكان لا يجب أن يعتذر موسى بعد أن سمع الله يقول له "أني أكون معك" وكان أول سؤال لموسى عن اسم الله. والله في محبته أجاب موسى عن سؤاله. أهية ويهوه الإسمان بمعنى واحد في صيغتين مختلفتين من فعل الكينونة في العبرية هو أو هيا = To BE. فأهية هو صيغة المضارع للمتكلم الفرد أكون أو أنا هو = I AM. وبذلك يكون معنى أهية الذي أهية= أكون الذي أكون. كما أن يهوه هي صيغة المضارع للغائب= HE IS= يكون.

إذاً المعنى أن الله وحده هو الإله الكائن وكل الآلهة غيره آلهة كاذبة وأنه وحده هو الكائن الواجب الوجود أي الذي لابد أن يكون وهو كائن بذاته ولم يوجده أحد ولا يعتمد في وجوده على أحد فهو ليس مخلوقاً وهو الكائن بذاته ولم يوجده أحد ولا يعتمد في وجوده على أحد فهو ليس مخلوقاً وهو الكائن دائماً الأزلي الأبدي وفيه كل الكفاية. وهو الكائن وحده الذي بجواره يكون الكل كأنه غير موجود. وكأن الله أراد أن موسى يخبرهم بهذا الاسم ليدركوا الفرق بين من هو كائن وما هو ليس بموجود. والاسم يعني أنه إذا قورنت كل الأمور الزمنية بالله تصير باطلاً أو لا شئ. والعبارة تعلن عن الله بكونه الوجود الأول والسامي غير المتغير، وهو حاضر على الدوام، ليس فيه ماضٍ انتهى ولا مستقبل منتظر، لكنه فوق الزمن (حاضر دائم) وفيه نجد لنا ملجأ من كل تغيرات الزمن. وإن كان الله هو الوجود الدائم فمن يأخذ الاتجاه المضاد لله إنما يسير نحو العدم.

واليهود خافوا من نطق اسم يهوه فسموه الرب وباليونانية كيريوس. وهناك فرق بين الاسمين الله والرب. فالله يفهم منها أنه هو رب الخليقة كلها، مثلث الأقانيم كلي القدرة والألوهية، الخالق والمسيطر على كل الخليقة وحده. وأما اسم الرب أو يهوه، فبهذا الاسم يخاطب شعبه وخاصته كمهتم بهم، كإله محب مشبع لاحتياجاتهم وكما نقول في أوشية الإنجيل "لأنك أنت هو حياتنا كلنا، خلاصنا كلنا، رجاؤنا كلنا، شفاؤنا كلنا، قيامتنا كلنا" فهو واهب النعمة والمواعيد. وفي آية (12) أكون معك هي نفسها أهية.

وأسماء يهوه التي أتت في الكتاب المقدس هي:

يهوه يرأه= الرب يرى ويرتب.

يهوه نسى= الرب رايتي

يهوه شالوم= الرب يرسل سلاماً.

يهوه صدقينو= الرب برنا.

ولكن أهيه تشمل كل هذا، فهو كل شئ لنا، أي كل ما نحتاجه نجده فيه، (هو لنا شيك على بياض) وهذا ما قاله المسيح أنا هو نور العالم، أنا هو الراعي.... من قبل إبراهيم أنا كائن وباختصار أنا هو الألف والياء= أي أنا كل شئ. ويسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد فهو كائن دائماً. ويهوه ترجمت باليونانية أنا هو= إيجو إيمي. لذلك قال المسيح حين ترفعون ابن الإنسان ستعرفون أني أنا هو (إيجو إيمي) (يو28:8) أي ستعرفون أني أنا يهوه. ولذلك حين جاء يهوذا ليسلمه مع العساكر سألهم يسوع من تطلبون قالوا يسوع قال أنا هو فسقطوا على وجوههم فكان المسيح بقوله هذا يعلن لاهوته وأنه هو يهوه. ولكن إذا حاولنا أن نعرف أكثر من ذلك لن نستطيع وسنسمع "لماذا تسأل عن إسمي وهو عجيب".

وأثار موسى بعد ذلك عدة تساؤلات واعتراضات وأعطاه الله آيات تسنده أمام الشعب وحين اعتذر بكونه ثقيل الفم واللسان أفهمه الله أنه هو الذي خلق الفم واللسان ولما رفض بعد ذلك حمى غضب الله عليه. ولنلاحظ أنه هناك فرق بين التواضع وبين رفض الخدمة. وما كان لموسى أن يعتذر بعد أن سمع أن الله معه.

 

آية (15): "وقال الله أيضاً لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم هذا اسمي إلى الأبد وهذا ذكري إلى دور فدور."

إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب= عجيب هو الله الذي ينسب نفسه لخاصته الأحباء ولاحظ تكرار هذا اللقب 3 مرات في لقاء الله مع موسى (آية 6،15،16). وهذا علامة صداقة الله مع الإنسان فمع أن الله هو إله العالم كله، إله السمائيين والأرضيين، لكنه ينسب نفسه لأصدقائه من البشر، هو لا يود أن يكون سيداً بل صديقاً فنراه يكلم موسى وجهاً لوجه ويقبل ضيافة إبراهيم ويتصارع حتى الفجر مع يعقوب. وإذ نربط الاسمين معاً يهوه وإله إبراهيم.. نقول أن الله غير المدرك ولا متغير الذي هو فوق حدود الزمن يقدم ذاته للبشرية ليتعرفوا عليه كإلههم الخاص المشبع لاحتياجاتهم. فهو الصديق والعريس والأخ والمخلص والخبز والقيامة والباب والطريق والحق.

 

آية (16): "اذهب واجمع شيوخ إسرائيل وقل لهم الرب إله آبائكم إله إبراهيم واسحق ويعقوب ظهر لي قائلا أني قد افتقدتكم وما صنع بكم في مصر."

افتقدتكم= زرتكم بمعنى عرفت أحوالكم وهي نفس كلمة يوسف للشعب (تك24:50).

 

آية (18): "فإذا سمعوا لقولك تدخل أنت وشيوخ بني إسرائيل إلى ملك مصر وتقولون له الرب إله العبرانيين التقانا فالآن نمضي سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا."

ثلاثة أيام= لقد طلب فرعون أن يذبحوا في مصر ولكن موسى أصر على السفر 3 أيام؟! فالطريق الذي يخرج فيه الشعب ليقدم لله ذبيحة إنما هو السيد المسيح نفسه الذي قام في اليوم الثالث، وخلال عبادته تقبل كل عبادة وتقدمة منا للآب. والثلاثة أيام هي التي قضاها المسيح في القبر لذلك علينا أن نموت عن كل شهوة للعالم (1يو15:2،16) فمصر تشير للعالم وسفر 3 أيام من مصر يشير للموت عن ملذات العالم وخطاياه، وإن فعلنا سنختبر قوة القيامة فلن نعرف قوة القيامة ما لم نصلب الأهواء مع الشهوات. ومحاولات فرعون منع الشعب من السفر 3أيام هي محاولات إبليس إغرائنا بملذات العالم فنحبه وبالتالي لا نختبر قوة القيامة. وطبعاً كان السبب الوجيه الذي يقدمه موسى لفرعون ليسمح له بالسفر أن العبادة تقتضي ذبح حيوانات يقدسها المصريون فلا يصح الذبح أمامهم.

وخبرة الثلاثة أيام اختبرها من قبل إبراهيم حين سار 3أيام ليقدم ابنه ذبيحة وعاد بعدها وقد اختبر قوة القيامة وخلال ال3 أيام كان يقدم ابنه ذبيحة حب.

 

آية (19): "ولكني اعلم أن ملك مصر لا يدعكم تمضون ولا بيد قوية."

الله يسبق ويخبر موسى بعناد فرعون حتى لا ييأس.

 

آية (20): "فأمد يدي واضرب مصر بكل عجائبي التي اصنع فيها وبعد ذلك يطلقكم."

وأمد يدي = أي أظهر قوتي الإلهية.

 

آية (22): "بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين."

كانت العادة أن المسافر أو المهاجر يعطيه جيرانه عطايا تساعده خلال سفره لكن الله أعطى نعمة لشعبه فأعطاهم المصريين الكثير فالله لا يريد أن يصرفهم فارغين تسلبون المصريين= تعبير مجازي يعني أنهم يأخذون منهم عطايا كثيرة يستوفون بها أجرهم عن سنين العبودية والسخرة. وهم كأنهم كانوا في حرب مع المصريين وانتصروا فيها وما أخذوه هو أسلاب المنتصر. وهكذا روحياً فمن يغلب روحياً يحمل معه غنائم كثيرة من طاقاته الداخلية ودوافعه وأحاسيسه، يصير كل ما في داخله مكرساً لله


 

الإصحاح الرابع

الآيات (1-9): "فأجاب موسى وقال ولكن ها هم لا يصدقونني ولا يسمعون لقولي بل يقولون لم يظهر لك الرب. فقال له الرب ما هذه في يدك فقال عصا. فقال اطرحها إلى الأرض فطرحها إلى الأرض فصارت حية فهرب موسى منها. ثم قال الرب لموسى مد يدك وامسك بذنبها فمد يده وامسك به فصارت عصا في يده. لكي يصدقوا انه قد ظهر لك الرب إله آبائهم إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. ثم قال له الرب أيضاً ادخل يدك في عبك فادخل يده في عبه ثم أخرجها وإذا يده برصاء مثل الثلج. ثم قال له رد يدك إلى عبك فرد يده إلى عبه ثم أخرجها من عبه وإذا هي قد عادت مثل جسده. فيكون إذا لم يصدقوك ولم يسمعوا لصوت الآية الأولى انهم يصدقون صوت الآية الأخيرة. ويكون إذا لم يصدقوا هاتين الآيتين ولم يسمعوا لقولك انك تأخذ من ماء النهر وتسكب على اليابسة فيصير الماء الذي تأخذه من النهر دماً على اليابسة."

أمام اعتذار موسى لله وخوفه من أن الشعب لا يصدقه أعطاه الله أن يصنع عدة آيات أو معجزات بها يظهر قوة فائقة للطبيعة حتى يصدقه الشعب وحتى يصدقه فرعون

كيف فهم الشعب هذه المعجزات

العصا تشير للسلطان والسيادة، هو صولجان. وتحويل العصا إلى حية يشير للشعب الذي كان حراً وله سيادة ثم تحول إلى عبيد يعملون في الطين مثل هذه الحية التي تلعق التراب. ثم تحويل الحية إلى عصا مرة أخرى كان يحمل معنى أن موسى قادر أن يعيد لم مجدهم المفقود. وتحويل اليد السليمة لبرصاء ثم رجوعها سليمة أشار للشعب أن موسى قادر أن يلحق بالمصريين الضربات ويرفعها عنهم ثانية. وهو قادر أن ينقذ الشعب من أمراضه ووثنيته التي لحقت به في مصر. إذاً هذه المعجزات لها معنى وليست مجرد ألعاب سحرية مثل سحر المصريين.

لكن هذه المعجزات أشارت لعمل المسيح

عصا موسى وقد سميت عصا الله (آية 20) تشير للسلطة والقوة والسيادة. وإذا فهمنا أن المسيح هو قوة الله (1كو24:1). فتحويل العصا إلى حية يشير لتجسد المسيح وأنه حمل خطايانا وهو على الصليب [فالحية النحاسية رمز للمسيح المصلوب (يو14:3)] والحية رمز للخطية والمسيح صار خطية لأجلنا (2كو21:5). إذ لبس شبه طبيعتنا الخاطئة. وعودة الحية إلى عصا مرة أخرى تشير للمسيح الصاعد إلى السموات ليقيمنا معه ويجلسنا معه بعد أن قتل خطايانا. ويد موسى كانت تشير ليد الله الآب أي الابن قوة الله وذراعه وحين تحولت اليد إلى يد برصاء أشار هذا للمسيح الذي حمل خطايانا فالبرص يشير للخطية. وعودة اليد سليمة إشارة إلى أن القداسة التي في المسيح ابتلعت الموت والخطية ليغسلنا ويقدسنا ليعود بنا إلى حضن أبيه أصحاء بلا خطية. البرص يشير لموت المسيح وشفاء اليد تشير لقيامته.

ثم تحويل الماء لدم فيه إشارة إلى أن التقديس والخلاص والتطهير لن يكونوا إلا بالدم وتحويل الماء لدم هذا كان إشارة لفرعون وعبيده حينما لا يفهمون بالمعجزتين الأولى والثانية أن هناك ضربات آتية وأولها تحويل الماء إلى دم.

إذاً معجزات موسى حملت ظلاً للخلاص والتجسد الإلهي والصليب.

آية (2) ما هذه في يدك= الله لا يسأل لأنه لا يعرف بل حتى ينسى موسى أنها عصا وحتى يشعر بقوة المعجزة حين تتحول إلى حية.

آية (3) فهرب موسى منها= هو خاف وهرب لأنه شعر وأدرك قوة العمل الإلهي.

آية (10): "فقال موسى للرب استمع أيها السيد لست أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك بل أنا ثقيل الفم واللسان."

نجد هنا اعتذار جديد لموسى بأنه ثقيل الفم واللسان. ولكن أسطفانوس قال عنه "أنه كان مقتدراً في الأقوال والأعمال" (أع22:7) وتفسير هذا أنه:-

1.     ربما أخذ قوة جديدة بعد إرساليته لم تكن له من قبل، فالله يعطي النعمة وقت الاحتياج.

2.     ربما كان عجزه في الكلام راجع لنسيانه اللغة المصرية لتغربه 40 سنة أو أن يكون له عيوب في النطق فعلاً "وعجيب أن من بدأ خدمته معتمداً على فصاحة لسانه وقوته يعتذر الآن بثقل لسانه" وربما أتاه هذا العيب بعد كبر سنه فعمره الآن 80 سنة. أو ربما كانت المشكلة هي أنه ليس صاحب موهبة في الخطابة وقوة الحجة. كل هذه عيوب لكن ما يقصده أسطفانوس أن أقواله كانت بقوة إلهية فهو حين يأمر بضربة تأتي الضربة. منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلمت عبدك= يبدو أن الله كلم موسى عدة أيام وهنا موسى يقول أن لسانه لم ينصلح من أول يوم كلمه الرب وحتى الآن. ومعنى كلام موسى أن العيب مازال في لساني حتى بعد أن تكلمت معك. ولكن الله يعطي النعمة وقت الاحتياج إليها إذ قبلنا العمل بالإيمان بالرغم من الشعور بضعفنا.

 

آية (12): "فالآن اذهب وأنا أكون مع فمك وأعلمك ما تتكلم به."

هذا هو قول السيد المسيح في (لو15:21) وهذا دليل على أن الرب يسوع هو يهوه.

 

آية (13): "فقال استمع أيها السيد أرسل بيد من ترسل."

اعتذار أخير لموسى أثار غضب الله. فجيد أن نتواضع أمام الرب شاعرين أن لا قوة لنا للخدمة وأننا نحتاج لقوة ولكن لا يكون إعتذارنا دائماً فهذا ضد التواضع فالاتضاع الحقيقي هو أنني لا أستطيع شيئاً ولكنني أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني. وأقبل الخدمة معتمداً على قدرة الذي دعاني.

 

الآيات (14-16): "فحمي غضب الرب على موسى وقال أليس هرون اللاوي أخاك أنا اعلم انه هو يتكلم وأيضاً ها هو خارج لاستقبالك فحينما يراك يفرح بقلبه. فتكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه وأعلمكما ماذا تصنعان. وهو يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فما وأنت تكون له إلهاً."

عجيب أن موسى يرفض الخدمة بينما كان الله شريكاً له في الخدمة ويقبلها حين يسمع أن هرون شريكاً له. وهذا من أسباب غضب الله. ومما يغضب الله علينا أننا نعتمد على إنسان وليس عليه. ولكن الله في محبته قبل هذا الضعف من موسى وليس سوى الله يقبل هذا الضعف. ولكن لقد خسر موسى أن ينفرد بالرسالة بل صار له هرون معطلاً في بعض الأحيان (قصة العجل الذهبي ثم تمرد هرون على موسى..) إلا أن الله يحول كل شئ للخير فهرون صار كاهناً يشفع في الشعب ويسند موسى في خدمته وصار إلتصاق موسى بهرون هو إلتحام الوصية والناموس مع العبادة للعمل بروح الرب من أجل خلاص الشعب. يكون لك فماً= أي يتكلم للشعب ولفرعون بما تلقنه أنت له وأنت تكون له إلهاً= أي رئيساً ومرشداً وملقناً لما يقول. والمعنى أن يكون موسى نائباً لله وهرون نائباً عن موسى. هرون اللاوي= إعلان عن بدء الكهنوت اللاوي.

 

آية (17): "وتأخذ في يدك هذه العصا التي تصنع بها الآيات."

القوة ليست في العصا بل في الله. كما أن ماء المعمودية وزيت الميرون.. الخ لهم قوة ليست من المادة نفسها بل من الله.

 

آية (18): "فمضى موسى ورجع إلى يثرون حميه وقال له أنا اذهب وارجع إلى اخوتي الذين في مصر لأرى هل هم بعد أحياء فقال يثرون لموسى اذهب بسلام."

من تواضع موسى أنه لم يخبر حميه برؤياه ولا بإرساليته العظيمة.

 

آية (19): "وقال الرب لموسى في مديان اذهب ارجع إلى مصر لأنه قد مات جميع القوم الذين كانوا يطلبون نفسك."

هذا القول كان ليعطي موسى إطمئنان بأن الفرعون الذي كان يطلب نفسه قد مات.

 

آية (20): "فاخذ موسى امرأته وبنيه وأركبهم على الحمير ورجع إلى ارض مصر واخذ موسى عصا الله في يده."

نفهم من هذه الآية أن موسى أخذ معه إلى مصر زوجته وإبنيه. ومن إصحاح 18 نجد أن يثرون حمو موسى أخذ صفورة والولدين وذهب إلى موسى مما يفهم منه أن صفورة والولدين كانوا عند يثرون ولم يذهبوا مع موسى إلى مصر وهناك احتمالين لهذا:

1.     قد يكون موسى أخذ معه صفورة والولدين ثم أعادهم معه بعد ختان إبنه الصغير (24:4-26) خصوصاً أنه لن يتحمل السفر إلى مصر بهذه الحالة. أو أن موسى فضل بعد هذه الحادثة أن يكون حراً في تحركاته دون قيود من زوجة وأولاد تعيقه.

2.     لعل صفورة والولدين ذهبا إلى مصر مع موسى وبعد عبور الشعب إلى سيناء ذهبوا لزيارة أبيها يثرون وقصا عليه كل ما حدث فأخذهم معه ليقابل موسى (1:18-7).

 

آية (21): "وقال الرب لموسى عندما تذهب لترجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي جعلتها في يدك واصنعها قدام فرعون ولكني اشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب."

ولكني اشدد قلبه حتى لا يطلق الشعب= فرعون رفض الحق وقاومه ورفض نور شهادة الله فأسلمه الله لذهن مرفوض فقاده إبليس لمصيره (2تس11:2،12 + رو28:1) والله ترك فرعون لقساوة قلبه (هذا معنى أن الله شدد قلبه أو قسى قلبه) ولم يعمل على أن يلين حتى يرى الشعب الإسرائيلي ويؤمن بالله القدير وحتى يرى الشعب المصري ضعف ألهته فيتخلى عن العبادة الوثنية. فالله وضع أمامهم آيات كثيرة ليفهموا ولما لم يريدوا تركهم الله (فرعون وشعبه) لعماهم فهلكوا.

 

الآيات (22،23): "فتقول لفرعون هكذا يقول الرب إسرائيل ابني البكر. فقلت لك اطلق ابني ليعبدني فأبيت ان تطلقه ها أنا اقتل ابنك البكر."

إسرائيل ابني البكر= فإسرائيل هم أول شعب عرف الله وكانوا هم شعبه وهو كان لهم إلهاً. ولكن بسبب إصرارهم على خطاياهم فقدوا بكوريتهم وصارت للمسيحيين وهذا ما حدث مع رأوبين وعيسو وقايين..الخ. إسرائيل كانت لهم البكورية جسدياً والمسيحيين صارت لهم البكورية الروحية عوضاً عن اليهود. بل صارت الكنيسة كلها كنيسة أبكار في المسيح الابن البكر (عب23:12). ها أنا أقتل ابنك البكر= هذا إنذار بآخر ضربة توجه لفرعون. والله لا يضرب أبداً بدون إنذارات. بل أن الضربات العشر كانوا إنذارات موجهة له قبل هذه الضربة المؤلمة.

 

الآيات (24-26): "وحدث في الطريق في المنزل ان الرب التقاه وطلب ان يقتله. فأخذت صفورة صوانة وقطعت غرلة ابنها ومست رجليه فقالت انك عريس دم لي. فانفك عنه حينئذ قالت عريس دم من اجل الختان."

يبدو أن صفورة زوجة موسى خافت على ابنها من آلام الختان فرفضت ختانه ويبدو أن موسى قد استجاب لها. وهذه نقطة ضعف في حياة هذا العملاق. والله كان لا يريد لموسى أن يذهب لعمل عظيم في خلاص الشعب وواضع للناموس وهو مخالف للناموس. وحساب الله يكون عسيراً على من كانت قامته عالية. فموسى العظيم الذي رأي الله وكلمه تكون خطيته أعظم من خطايا البشر العاديين. فموسى أحب زوجته وزوجته أحبت أبنها فامتنعا عن ختان الولد بينما كانا كلاهما لابد أن يخضعا لناموس الله. "من أحب أباً أو أماً.. أكثر مني فلا يستحقني" لذلك طلب الله أن يقتل موسى وغالباً فقد أصاب موسى مرض شديد وخافت صفورة، وغالباً فقد نبه موسى زوجته بأن السبب في غضب الله هو عدم ختان الصبي. فقامت صفورة بختان الولد مستخدمة صوانة أي سكين من الصوان كعادة المصريين. ومست صفورة رجلي موسى بغرلة الولد أي بالدم. وقالت إنك عريس دم لي= أي أنها افتدت موسى بدم ابنها وكأن موسى بنجاته رُدّ إليها عريساً من جديد. فهي حينما مست موسى بدم الولد إنفك عنه المرض ونجا. وصفورة شرحت ما تقصده في آية (26):- أنها بختانها للولد عاد موسى لها عريساً بسبب الدم. وصار هذا رمزاً للعلاقة بين العريس (المسيح) وكنيسته (العروس) فالمسيح صار عريساً لكنيسته بالدم، هو عريس دم. ولنلاحظ أن الامتناع عن الختان كاد أن يقتل موسى والمعنى الروحي أنه يجب أن نختن قلوبنا أي نقطع منها محبة الخطية حتى تكون لنا حياة (كو10:2-12). وقد حدثت القصة كلها في المنزل في الطريق= المنزل هنا أي النزل أو الفندق في أثناء السفر.

الختان: عرف الختان عند معظم شعوب الشرق. ولكن كان للختان عند اليهود معنى ديني هو العهد مع يهوه. والكتاب لم يطلق لفظ أغلف إلا على الفلسطينيين غالباً لأنهم كانوا لا يختتنون. وغالباً فقد كان الختان مرتبطاً بالزواج قبل أن يكون طقس ديني، لذلك يسمى العريس بالختن، وكذلك قالت زوجة موسى عنه "عريس دم" وبهذا المنطق أقنع أولاد يعقوب أهل شكيم أن يختتنوا قبل زواج ابنهم من دينة.

وكلمة عريس بالعبرانية وكل مشتقاتها تجئ من الفعل العبراني "ختن". وكون أن الختان سابق للناموس، فواضح من أن الله أعطاه لإبراهيم كعلامة عهد، وراجع أيضاً قول السيد المسيح (يو22:7) فاليهود اعتبروا أن موسى قد شرع الختان. وكان الختان هو العلامة الخارجية للدخول في عهد الله، فالدخول في عهد يتطلب دائماً علامة خارجية (أر8:34 + تك9:15 + تك44:31).

وكما قلنا أن مفهوم الختان هو أن يصبح الرجل عريساً وبالتالي يكون له نسل وأولاد، وهذه هي علامة البركة، أن يكون للرجل كثرة من البنين. ومن هنا كان الختان علامة العهد مع الله، لأنه حين يدخل الشخص في عهد مع الله يباركه الله، وهذا ما نفهمه من (تك28:1) أن الله بارك أدم وحواء وقال لهما أثمروا وأكثروا وإملأوا الأرض. وبهذا المفهوم نفهم النص (لا23:19،24). فالشجرة التي لا يأكلون ثمرها يسميها شجرة غلفاء. وبالتالي فهي شجرة غير مختونة حين لا يكون لها ثمار، وتكون شجرة مختونة حين يكون لها ثمار. وبهذا المفهوم نفهم معنى الأذن المختونة والقلب المختون.

يضاف لذلك أن الختان فيه قطع لجزء من الجسم وتركه ليموت فيحيا باقي الجسم في عهد مع الله وذلك إشارة ورمز للمعمودية التي هي موت وحياة ونقوم منها كأولاد لله. وتكون الأذن المختونة هي التي لا تريد أن تسمع كلمات بطالة والقلب المختون هو القلب الذي مات فيه حب الخطية بعمل الروح القدس (رو29:2 + رو13:8). والأذن المختونة والعين المختونة والقلب المختون هم كموتي أمام كل ما هو خطية. فتكون لهم حياة أمام الله.

 

الآيات (27-31): "وقال الرب لهرون اذهب الى البرية لاستقبال موسى فذهب والتقاه في جبل الله وقبله. فاخبر موسى هرون بجميع كلام الرب الذي أرسله وبكل الآيات التي أوصاه بها. ثم مضى موسى وهرون وجمعا جميع شيوخ بني إسرائيل. فتكلم هرون بجميع الكلام الذي كلم الرب موسى به وصنع الآيات أمام عيون الشعب. فأمن الشعب ولما سمعوا أن الرب افتقد بني إسرائيل وانه نظر مذلتهم خروا وسجدوا."

واضح هنا فرح الشعب بإرسالية موسى. ومما حدث نجد أن تخوف موسى من أنهم لن يقبلوه كان بلا أساس. والسبب أن الله وراء العمل وهو يسهل لموسى طريقه. ولو كان الشعب قد رفض دعوة موسى لكانوا في الحقيقة قد رفضوا عمل الله وليس موسى. وهذا ما حدث مع أرمياء فهم رفضوا الله حين رفضوا أرمياء وراجع (1صم7:8).


 

الإصحاح الخامس

آية (1): "وبعد ذلك دخل موسى وهرون وقالا لفرعون هكذا يقول الرب اله إسرائيل أطلق شعبي ليعيدوا لي في البرية."

ليعيدوا= سبق وقال الرب لموسى في (18:3) أن يقول لفرعون "نذهب ونذبح للرب" ويتضح الآن أن عبادة الله هي فرح وعيد وإذا رجعنا لقوله مسيرة 3 أيام ثم يذبح ويكون هذا عيد!! فإلى أي عيد يشير سوى لعيد القيامة الذي أتى بعد تقديم الذبيحة أي الصليب بثلاثة أيام فهو عيد وحرية وفرح هذا العيد هو رمز للقيامة.

 

آية (2): "فقال فرعون من هو الرب حتى اسمع لقوله فأطلق إسرائيل لا اعرف الرب وإسرائيل لا أطلقه."

من هو الرب= لاحظ أن موسى لم يشتكي من الظلم أو السخرة بل كان طلبه بسيطاً مقبولاً، ولكنه هاج ورفض فهو لا يريد أي إطلاق للشعب. وربما كان فرعون يجهل حقاً اسم يهوه (الرب) ولكن موسى ذكر له أنه إله إسرائيل. ولكن العالم لا يطيق اسم الرب (أع18:4) ولقد سمح الله بأن يتشدد قلب فرعون حتى يكون خروج الشعب بذراع رفيعة. وكل منا حين يبدأ طريق التوبة يهيج الشيطان ولكن الله دائماً يتمجد في النهاية فعلينا أن نصبر والله يعطي قوة.

 

آية (3): "فقالا إله العبرانيين قد التقانا فنذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا لئلا يصيبنا بالوبا أو بالسيف."

بالسيف= قد يحدث هذا بغزو بعض القبائل لأراضي جاسان (وهي على الحدود الشرقية).

 

آية (4): "فقال لهما ملك مصر لماذا يا موسى وهرون تبطلان الشعب من أعماله اذهبا إلى أثقالكما."

هذا رأى كثيرين حتى الآن إذ يظن كثير من الناس أن الصلاة والعبادة أو التكريس أو الرهبنة أو الخدمة عموماً هي مضيعة للوقت وللطاقة البشرية. ففرعون إنسان مادي لا يعرف سوى الطوب واللبن والبناء، يود أن يغمس حياة الكل فيها. أنا من تحرر فكره إلى الروحيات فهو إنسان يبطل وقته.

 

آية (5): "وقال فرعون هوذا الآن شعب الأرض كثير وأنتما تريحانهم من أثقالهم."

فقصد فرعون أذلالهم بالأثقال ليقل عددهم.

 

آية (6): "فأمر فرعون في ذلك اليوم مسخري الشعب ومدبريه قائلاً."

مسخري الشعب= هؤلاء من المصريين. ومدبريه= هؤلاء من اليهود وهو كمقاولي الأنفار أو متعهدي الأنفار، عليهم أن يدبروا رجالاً من اليهود لتسليم كمية معينة كواجب يومي إلى المسخرين.

 

الآيات (7-11): "لا تعودوا تعطون الشعب تبنا لصنع اللبن كأمس وأول من أمس ليذهبوا هم ويجمعوا تبنا لأنفسهم. ومقدار اللبن الذي كانوا يصنعونه أمس وأول من أمس تجعلون عليهم لا تنقصوا منه فانهم متكاسلون لذلك يصرخون قائلين نذهب ونذبح لإلهنا. ليثقل العمل على القوم حتى يشتغلوا به ولا يلتفتوا إلى كلام الكذب. فخرج مسخرو الشعب ومدبروه وكلموا الشعب قائلين هكذا يقول فرعون لست أعطيكم تبنا. اذهبوا انتم وخذوا لأنفسكم تبنا من حيث تجدون انه لا ينقص من عملكم شيء."

شدد فرعون أوامره لإذلال الشعب بدلاً من أن يطلقهم بل إتهمهم أنهم متكاسلون. ولاحظ أن حروب الشيطان تبدأ حين يشعر أن النفس تبدأ تنطلق في طريقها لتعرف الله وتعبده. وكان أن أمر فرعون أن على اليهود أن يجمعوا التبن بأنفسهم. فكان الزارع يتركون القش لمن يريد (القش هو فضلات القمح وبعض النباتات الأخرى) وكان هناك من يجمعه من الزارع المصريين ويأتوا به للشعب ليصنعوا منه الطوب اللبن ولكن حسب أوامر فرعون صار هذا واجب جديد على الشعب أن يذهبوا هم ليلتقطوا التبن لأنفسهم على أن يوردوا نفس كمية اللبن. بل أن فرعون وصف دعوة موسى للشعب أن يذهب ويعبد الله أنها كلام الكذب.

وفي داخل كل إنسان بعيد عن الله رذائل لا حصر لها لكنها تعيش في سلام داخل نفسه ولكنه إذا حاول التوبة ليقتني فضائل هنا تحدث معركة داخله وحرب بلا هوادة فمحاولته هذه تثير الشياطين. ولكن لا نخف من هذه الحرب الداخلية فهذا شئ طبيعي.

 

الآيات (12-18): "فتفرق الشعب في كل ارض مصر ليجمعوا قشا عوضا عن التبن. وكان المسخرون يعجلونهم قائلين كملوا أعمالكم أمر كل يوم بيومه كما كان حينما كان التبن. فضرب مدبرو بني إسرائيل الذين أقامهم عليهم مسخرو فرعون وقيل لهم لماذا لم تكملوا فريضتكم من صنع اللبن أمس واليوم كالأمس وأول من أمس. فأتى مدبرو بني إسرائيل وصرخوا إلى فرعون قائلين لماذا تفعل هكذا بعبيدك. التبن ليس يعطى لعبيدك واللبن يقولون لنا اصنعوه وهوذا عبيدك مضروبون وقد اخطأ شعبك. فقال متكاسلون انتم متكاسلون لذلك تقولون نذهب ونذبح للرب. فالآن اذهبوا اعملوا وتبن لا يعطى لكم ومقدار اللبن تقدمونه."

ذهب الشعب ليشتكي لفرعون أن المسخرين كانوا يضربونهم طالبين كمية أكبر من الأعمال وقالوا أخطأ شعبك= أي أن رجالك يا فرعون أخطأوا فيما فعلوه.

 

آية (20): "وصادفوا موسى وهرون واقفين للقائهم حين خرجوا من لدن فرعون."

يبدو أن موسى كان منتظراً عند باب فرعون منتظراً نتيجة هذا اللقاء.

 

آية (21): "فقالوا لهما ينظر الرب إليكما ويقضي لأنكما أنتنتما رائحتنا في عيني فرعون وفي عيون عبيده حتى تعطيا سيفاً في أيديهم ليقتلونا."

هذا أول تذمر للشعب ضد الله وضد موسى. وهي صفة لازمت الشعب طوال سيرهم في البرية لكن الله لم يعاقب على تذمرهم في المرات الأولى فالله يعرف مرارة قلوبهم وألامهم. وعلينا أن لا نلوم الظروف المحيطة بنا بل نثق في الله وخلاصه.

 

الآيات (22،23): "فرجع موسى إلى الرب وقال يا سيد لماذا آسات إلى هذا الشعب لماذا أرسلتني. فانه منذ دخلت إلى فرعون لأتكلم باسمك أساء إلى هذا الشعب وأنت لم تخلص شعبك."

ما أجمل أن يدخل الخادم مع الله في عتاب حين يشعر كأن خدمته قد فشلت مقدماً لله حسابات عمله. ولكن لنلاحظ أن كلمات موسى لله فيها قسوة.


 

الإصحاح السادس

الآيات (1-9): "فقال الرب لموسى الآن تنظر ما أنا افعل بفرعون فانه بيد قوية يطلقهم وبيد قوية يطردهم من أرضه. ثم كلم الله موسى وقال له أنا الرب. وأنا ظهرت لإبراهيم واسحق ويعقوب باني الإله القادر على كل شيء وأما باسمي يهوه فلم اعرف عندهم. وأيضاً أقمت معهم عهدي أن أعطيهم ارض كنعان ارض غربتهم التي تغربوا فيها. وأنا أيضاً قد سمعت أنين بني إسرائيل الذين يستعبدهم المصريون وتذكرت عهدي. لذلك قل لبني إسرائيل أنا الرب وأنا أخرجكم من تحت أثقال المصريين وأنقذكم من عبوديتهم وأخلصكم بذراع ممدودة وبأحكام عظيمة. واتخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً فتعلمون أني أنا الرب إلهكم الذي يخرجكم من تحت أثقال المصريين. وأدخلكم إلى الأرض التي رفعت يدي أن أعطيها لإبراهيم واسحق ويعقوب وأعطيكم إياها ميراثا أنا الرب. فكلم موسى هكذا بني إسرائيل ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس ومن العبودية القاسية."

ما أجمل تأكيدات الرب أنه وعد الآباء وأنه سينفذ، هو سمع أنين شعبه وسيخلص. هو الرب سيعطيهم الأرض التي وعدهم بها. هو الرب الذي كان مع آبائهم هو نفسه أمس واليوم وإلى الأبد، هو مع شعبه ويخلصهم دائماً وعليهم الصبر وفي آية (2) بدأ الله بقوله أنا الرب وفي آية (8) أنهى الله قوله لموسى بأنا الرب. وهذا يعني أنا الرب أنفذ ما وعدت به. ونجد في آية (6) أول ذكر لكلمة الخلاص من فرعون كرمز للشيطان. وأخلصكم بذراع ممدودة= الذراع تشير للمسيح المتجسد.

 

آية (11): "ادخل قل لفرعون ملك مصر أن يطلق بني إسرائيل من أرضه."

هذا الطلب لفرعون أشد من الطلب الأول فالطلب الأول كان أن يخرجوا مسيرة 3 أيام ولكن الآن لم يحدد مدة بل أن "يطلق بني إسرائيل من أرضه" نهائياً.

 

آية (12): "فتكلم موسى أمام الرب قائلاً هوذا بنو إسرائيل لم يسمعوا لي فكيف يسمعني فرعون وأنا أغلف الشفتين."

أغلف الشفتين= الغلف هو نوع من النقص. ويكون المعنى أنني غير كامل في نطقي، غير كامل الشفتين. وما أجمل أن يشعر الإنسان بضعفه الروحي وخطاياه كسر فشل خدمته. كأن شفتيه ليستا فيهما قداسة. وجميل أن يلوم الإنسان نفسه ويلقي على نفسه سبب فشل الخدمة بسبب خطاياه. ولا يشعر الإنسان بمقدار نجاسته وغلف قلبه وشفتيه إلا حين يقف أمام الله القدوس (أش5:6) وراجع (نح6:1 + دا 3:9-20)

 

الآيات (14-27): "هؤلاء رؤساء بيوت آبائهم بنو رأوبين بكر إسرائيل حنوك وفلو وحصرون وكرمي هذه عشائر رأوبين. وبنو شمعون يموئيل ويامين واوهد وياكين وصوحر وشاول ابن الكنعانية هذه عشائر شمعون. وهذه أسماء بني لاوي بحسب مواليدهم جرشون وقهات ومراري وكانت سنو حياة لاوي مئة وسبعا وثلاثين سنة. ابنا جرشون لبني وشمعي بحسب عشائرهما. وبنو قهات عمرام ويصهار وحبرون وعزيئيل وكانت سنو حياة قهات مئة وثلاثا وثلاثين سنة. وابنا مراري محلي وموشي هذه عشائر اللاويين بحسب مواليدهم. واخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هرون وموسى وكانت سنو حياة عمرام مئة وسبعا وثلاثين سنة. وبنو يصهار قورح ونافج وذكري. وبنو عزيئيل ميشائيل والصافان وستري. واخذ هرون اليشابع بنت عميناداب أخت نحشون زوجة له فولدت له ناداب وابيهو والعازار وايثامار. وبنو قورح اسير والقانة وابياساف هذه عشائر القورحيين. والعازار ابن هرون اخذ لنفسه من بنات فوطيئيل زوجة فولدت له فينحاس هؤلاء هم رؤساء آباء اللاويين بحسب عشائرهم. هذان هما هرون وموسى اللذان قال الرب لهما اخرجا بني إسرائيل من ارض مصر بحسب أجنادهم. هما اللذان كلما فرعون ملك مصر في إخراج بني إسرائيل من مصر هذان هما موسى وهرون."

أراد موسى أن يشرح من هما موسى وهرون اللذان أمرهما الرب أن يطلقا الشعب. ومن تواضعه ذكر نسل رأوبين وشمعون أولاً فهم الإخوة الأكبر لجده لاوي. ولقد أخطأ الثلاثة رأوبين وشمعون ولاوي، لكن الله برحمته عفا عنهم وهم الآن رؤساء بسبب توبتهم. وربما بسبب نبوة يعقوب عن الأسباط الثلاثة وكلامه الشديد عليهم نجد موسى يطيب خاطرهم بذكرهم هنا فربما رآهم في حالة توبة وهو يمجد الله على أنه قبلهم وصاروا رؤساء أسباط في شعب الله بعد أن تابوا. ولربما أراد موسى أن يشرح لماذا سمح الله لواحد من نسل لاوي الذي اخطأ أن يقود الشعب وذلك بأن يظهر قوة التوبة وأن خطية الآباء لا تورث للأبناء إن تاب الأبناء عن خطايا أبائهم. ولاحظ ذكر أسماء كثيرة لأولاد الأسباط فهذا إشارة لاهتمام الله بنا فرداً فرداً

 

آية (30): "فقال موسى أمام الرب ها أنا أغلف الشفتين فكيف يسمع لي فرعون."

ها أنا أغلف الشفتين فكيف يسمع لي فرعون= هنا موسى يشعر بضعفه. ثم في الإصحاحات الآتية نجد ضربات شديدة بأمره فنفهم أن القوة هي قوة الله عاملة فيه.


 

الإصحاح السابع

الضربات العشر كانت وسائل إنذار لفرعون ومقدمة لضربة كبيرة مهلكة هي غرق جيش فرعون في البحر. بل كانت متدرجة في عنفها ولنلاحظ:-

1.     الله دائماً يستخدم مع الخاطئ المصر على عدم التوبة ضربات خفيفة (مرض بسيط مثلاً) كإنذار فإن لم يتب يعقب هذا مرض أشد وهكذا حتى يتوب وهذا ما حدث مع فرعون فنجد أن الضربات الأولى بسيطة أعقبتها ضربات أشد حتى وصلت الضربة المؤلمة وهي موت الأبكار. ولما لم يفهم فرعون مع كل هذا هلك جيشه في البحر (رؤ20:9،21). وهذا العناد والإصرار على عدم التوبة هو ما أسماه سفر الرؤيا خطية مصر (رؤ8:11).

2.     الضربات كلها كانت من الله ولم يفعل بني إسرائيل شيئاً فالله هو الذي يدافع عن شعبه.

3.     من رحمة الله كانت هناك إنذارات قبل أن تأتي الضربات، بل كان هناك إرشادات من الله كيف يتقوا الضربة مثلما حدث في ضربة الَبرَدْ إذ أعطاهم الله فرصة لحماية مواشيهم.

4.     نجد في الضربات أنها تظهر ضعف الآلهة المصرية الوثنية وتظهر عظمة الله وهذا ليفهم المصريين تفاهة آلهتهم ويفهم اليهود قوة الله الذي يعبدونه (هي مدرسة للإيمان).

5.     نلاحظ أسلوب فرعون التفاوض فمرة يرفض ومرة يستخدم السحرة لإثبات قوة آلهته ومرة يوافق على سفر الرجال فقط ونلاحظ أن موسى كان رافضاً التفاوض تماماً، بل نخرج كلنا وكل مالنا. لذلك أولاد الله لا يتفاوضوا مع الخطية بل يتركوها تماماً.

6.     كان موسى في معظم الضربات يمد يده للسماء ليعرفوا مصدر الضربات. وهذه الضربات أثبتت صدق إرسالية موسى وهرون.

7.     هناك سؤال لماذا سمح الله للسحرة أن يقلدوا عمله في بعض الأحيان؟

‌أ.        أولاً هم قلدوه في بعض الأحيان وليس في كل الأحيان.

‌ب.    كان يظهر دائماً أن قوة الله تسود قوة السحرة. فمثلاً حين حول موسى الماء إلى دم صنع السحرة مثله لكنهم لم يستطيعوا تحويل الدم إلى ماء. هم اظهروا كل ما عندهم لكن قوة الله غلبتهم. فلا يخدع الشعب في المستقبل إذا رأوا أعمال عجيبة فهو عرفوا أن الله أٌقوى وأن إلههم له سلطان مطلق. بالإضافة لإرشاد فرعون والمصريين بتفاهة الأوثان.

8.     نسمع في (أِش25:19) مبارك شعبي مصر، فكيف يضرب الله مصر ويباركها في نفس الوقت. هذا يفسره قول بولس الرسول "من يحبه الرب يؤدبه" (عب6:12) فضربات مصر العشر كانت لتأديبها وكسر كبريائها فتستعد لدخول المسيح لها ليباركها حين هرب من هيرودس، أما ضربات الله ضد بابل وأشور بل وإسرائيل كانت كلها ضربات إفناء، فضربات مصر تتميز عن باقي الأمم بالتالي:

‌أ.        هي ضربات بسيطة ومحتملة (ضفادع وناموس..).

‌ب.    ليس فيها إبادة.

‌ج.     فيها تعليم بفساد عقائدهم الوثنية وتعليمهم أن يهوه هو سيد السماء والأرض (16:9).

‌د.       فيها إرشاد حتى تكون الضربات محتملة، فمثلاً في ضربة البرد يرشدهم الله ليخبئوا حيواناتهم (19:9).

‌ه.       فيها رمز لهزيمة إبليس بيد المسيح كما هزم موسى فرعون مصر.

 

 

آنية الهوان وآنية الكرامة:

قارن مع (رو9) فآنية الهوان هنا هي فرعون وآنية الكرامة هو موسى. ولنلاحظ أن الله له خطط ينفذها لخلاص البشر، فالله يريد خلاص مصر وخلاص اليهود، وهذا بأن يؤمن الكل به. والله له أدوات يستخدمها حتى ينفذ خطته، ومن هذه الأدوات نوعين [1] أشرار كفرعون [2] أبرار كموسى. ومن خلال عناد فرعون وقداسة موسى يظهر عمل يهوه العظيم ليؤمن الكل به. ولنلاحظ أن الله لا يقسي قلب فرعون (3:7) بمعنى أنه كان قديساً ولكن الله جعله قاسياً، بل أن فرعون كان قلبه قاسياً، ومعانداً، والله تركه على ما هو عليه، واستغل قسوته ليظهر مجده ولينفذ خطته. وموسى كان قديساً والله استغل قداسته ليظهر مجده ولينفذ خطته، فالله احتمل فرعون كآنية هوان لفترة ما ليظهر مجده، والله سُرَّ بأن يعلن مجده أيضاً من خلال طاعة موسى وقداسة موسى.

 

آية (1): "فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلهاً لفرعون وهرون أخوك يكون نبيك."

جعلتك إلهاً لفرعون= أي جعلتك سيداً عليه، فلا تخافه ولا ترهب قسوة قلبه. وعلى المؤمن ألا يخاف إبليس بل يؤمن بقوة الله الذي فيه أنه قادر أن يهزم إبليس. ولاحظ أن الإنسان قد يقال له أنه إله.. لكن يكون هناك مضاف "إلهاً لفرعون. تكون له إلهاً كما قيلت لموسى بالنسبة لهارون. ولكن الله هو إله مطلق ولا يضاف له شئ فهو إله الجميع وهذه التسمية من تواضع الله، ولكي يطمئن موسى فهذا رد على أن موسى "أغلف الشفتين". هرون يكون نبيك = النبي هو من يتكلم بما يقوله له الله. فهنا الله يقول لموسى وموسى يقول لهرون وهرون يكلم الشعب. وهذا هو ما شُرِحَ في الآية التالية.

 

آية (4): "ولا يسمع لكما فرعون حتى اجعل يدي على مصر فاخرج أجنادي شعبي بني إسرائيل من ارض مصر بأحكام عظيمة."

أجنادي= فالله هو رب الصباؤوت أي رب الجنود (سواء السمائيين أو الأرضيين)

 

آية (9): "إذا كلمكما فرعون قائلاً هاتيا عجيبة تقول لهرون خذ عصاك واطرحها أمام فرعون فتصير ثعباناً."

هاتيا عجيبة= يبدو أن فرعون سمع ما فعله موسى أمام الشعب وهو كان يسأل لا ليؤمن لكي ليثبت لهم أن سحرة المصريين أكثر قدرة.

 

آية (11): "فدعا فرعون أيضاً الحكماء والسحرة ففعل عرافو مصر أيضاً بسحرهم كذلك."

ذكر بولس الرسول اسمى الساحرين في (2تي8:3) ينيس ويمبريس. وبالطبع فالتقليد اليهودي هو ما احتفظ بالأسماء. وهم قاوموا موسى ليس بالرعب والتهديد بل بحرب خطيرة هي حرب التمويه. وإن أخطر حرب ضد الكنيسة هي التي تأتي ممن يرتدي ثياب الخدام لكنهم يشوهوا العقيدة وبذلك يقسموا جسد المسيح. فهؤلاء حاولوا أن يمحوا أثر أعمال موسى ولنتتبع الآن طرق إبليس في حروبه ضد شعب الله.

1.     يستخدم فرعون ليذل الشعب في عبودية مرة وسخرة وبغلظة، لكنه يعطيهم قدور لحم وأكل كثير (يعطيهم شهواتهم لكنهم مذلولين في عبودية).

2.     حرب تمويه لقلب الحقائق باستخدام الخداع، وهذا ما فعله الساحرين.

3.     في حالة إصرار الشعب على الخروج تبدأ المفاوضات (يخرج جزء ويبقى جزء) هذا يماثل من يدخن مثلاً ويريد الإقلاع فيقول لك أدخن علبة واحدة بدلاً من علبتين وبالتأكيد فبعد أسبوع سيعود إلى ما كان عليه إن لم يكن أكثر.

4.     بعد الخروج تكون الحرب بذكريات لذة الخطية "أين قدور اللحم" هذه الحروب والخدع سيقوم بها ضد المسيح في الأيام الأخيرة.

 

آية (12): "طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين ولكن عصا هرون ابتلعت عصيهم."

الحية تشير عند المصريين للقوتين الإلهية والملوكية وكان ملوك مصر يضعون حية على تيجانهم. وكون أن حية موسى أكلت باقي الحيات فهذا رمز لتسلط الله على ألهتهم وحية موسى هي حية حقيقية، وهي معجزة ظهرت فيها قوة الله، لكن حيات السحرة ما هي إلا خداعات وأوهام من الشياطين (فالشيطان قادر أن يظهر نفسه على هيئة ملاك نور لكي يخدع البسطاء 2كو14:11) ولذلك فقد اختفت حيات السحرة أمام حية موسى فكيف يقف الوهم أمام قوة الله الحقيقية.

والعصا سميت عصا الله وعصا موسى وعصا هرون. فهي عصا الله لأنها تشير للصليب الذي به كان الخلاص وهي تشير لقوة الله وسلطانه على كل الخليقة. وهي عصا موسى لأنها تشير لقوة كلمة الله والوصية وهي عصا هرون الكاهن فهي تشير لقوة عمل الذبيحة والعبادة.

ملحوظة: الضربات عشر لأنها موجهة لمن يخالف الوصايا العشر. فهناك ضربات لمن يخالف وصايا الله.

 

الضربة الأولى: تحويل الماء إلى دم

 

الآيات (14-25): "ثم قال الرب لموسى قلب فرعون غليظ قد آبى أن يطلق الشعب. اذهب إلى فرعون في الصباح انه يخرج إلى الماء وقف للقائه على حافة النهر والعصا التي تحولت حية تأخذها في يدك. وتقول له الرب اله العبرانيين أرسلني إليك قائلاً أطلق شعبي ليعبدوني في البرية وهوذا حتى الآن لم تسمع. هكذا يقول الرب بهذا تعرف أني أنا الرب ها أنا اضرب بالعصا التي في يدي على الماء الذي في النهر فيتحول دماً. ويموت السمك الذي في النهر وينتن النهر فيعاف المصريون أن يشربوا ماء من النهر. ثم قال الرب لموسى قل لهرون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين على أنهارهم وعلى سواقيهم وعلى أجامهم وعلى كل مجتمعات مياههم لتصير دما فيكون دم في كل ارض مصر في الأخشاب وفي الأحجار. ففعل هكذا موسى وهرون كما أمر الرب رفع العصا وضرب الماء الذي في النهر أمام عيني فرعون وأمام عيون عبيده فتحول كل الماء الذي في النهر دماً. ومات السمك الذي في النهر وانتن النهر فلم يقدر المصريون أن يشربوا ماء من النهر وكان الدم في كل ارض مصر. وفعل عرافو مصر كذلك بسحرهم فاشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم انصرف فرعون ودخل بيته ولم يوجه قلبه إلى هذا أيضاً. وحفر جميع المصريين حوالي النهر لأجل ماء ليشربوا لأنهم لم يقدروا أن يشربوا من ماء النهر. ولما كملت سبعة أيام بعدما ضرب الرب النهر."

1.     المصريين يعبدون النيل. وهذه الضربة إذاً موجهة لمعبودهم الذي يقدمون له الضحايا فقد كانوا يضحون بعروس النيل وبأبكار اليهود ليرضوا معبودهم النيل فيفيض، وهذه الضربة تكشف ضعف إلههم النيل (خر12:12) بل رأوه دنساً فالدم يعتبر دنس. بل هذا يعتبر عقوبة على قتل الأبرياء في النيل (عروس النيل والأبكار) (أية 18 ينتن النهر= دنس)

2.     هذه الضربة تظهر أن مصدر خيراتهم وهو النيل تحول إلى دم بسبب خطاياهم (الخطية= موت)

3.     كما بدأت الضربات بالدم لإظهار أن الخطية عقوبتها موت أنتهت الضربات بالدم (خروف الفصح) ليظهر أن بالدم كان إنقاذ الشعب وخلاصهم فالفداء يعني دم عوض دم.

4.     أول ضربات موسى كانت تحويل الماء إلى دم (الماء= حياة والدم = موت) فالناموس يحكم بالموت على الخاطئ. وأول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر والخمر يشير للفرح.

5.     يبدو أن هذه الضربة كانت للمصريين فقط وأن العبرانيين حين كانوا يأخذون ليشربوا يجدونه ماء!! لاحظ قوله فلم يقدر المصريين أن يشربوا ماءً من النهر (21) وحفر جميع المصريين حوالي النهر (آية24)= أي حفروا أباراً ليشربوا ماء منها. ولم يقال هذا عن العبرانيين وقد قيل صراحة ابتداء من الضربة الثالثة أنها كانت موجهة ضد المصريين فقط.

آية (19) أنهارهم= أي النيل وفروعه. وسواقيهم= الترع والمساقي. أجامهم= المستنقعات التي تنمو حولها الأشجار والنباتات. الأخشاب والأحجار= الأواني التي يحفظون فيها الماء حتى يصفى من العوالق التي به.

آية (15) اشترط الله على موسى أن يأخذ العصا معه فلا إمكانية للغلبة سوى بالصليب.

آية (22) لاحظ أن العرافون استطاعوا تحويل الماء إلى دم بقوة سحرية شيطانية وبسماح من الله. لكنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا النيل إلى حاله ثانية.


 

الإصحاح الثامن

 

الضربة الثانية : ضربة الضفادع

 

الآيات (1-15):"قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني. وان كنت تأبى أن تطلقهم فها أنا اضرب جميع تخومك بالضفادع. فيفيض النهر ضفادع فتصعد وتدخل إلى بيتك وإلى مخدع فراشك وعلى سريرك وإلى بيوت عبيدك وعلى شعبك والى تنانيرك وإلى معاجنك. عليك وعلى شعبك وعبيدك تصعد الضفادع. فقال الرب لموسى قل لهرون مد يدك بعصاك على الأنهار والسواقي والآجام واصعد الضفادع على ارض مصر. فمد هرون يده على مياه مصر فصعدت الضفادع وغطت ارض مصر. وفعل كذلك العرافون بسحرهم واصعدوا الضفادع على ارض مصر. فدعا فرعون موسى وهرون وقال صليا إلى الرب ليرفع الضفادع عني وعن شعبي فأطلق الشعب ليذبحوا للرب. فقال موسى لفرعون عين لي متى اصلي لأجلك ولأجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك ولكنها تبقى في النهر. فقال غدا فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك ولكنها تبقى في النهر. ثم خرج موسى وهرون من لدن فرعون وصرخ موسى إلى الرب من اجل الضفادع التي جعلها على فرعون. ففعل الرب كقول موسى فماتت الضفادع من البيوت والدور والحقول. وجمعوها كوما كثيرة حتى أنتنت الأرض."

1.     مرة أخرى هي أحكام موجهة ضد آلهتهم فالضفادع كانت مفرزة للإله أوزريس. والإله بتاح رمزه الضفدعة. ويسمونها ملكة العالمين الدنيا والآخرة. وهي بالنسبة لهم رمز للخصب والنماء. ويقولون أن إنتفاخها علامة وحي إلهي. فسمح الله بهذه الضربة لكي يخجلهم من آلهتهم بل تصير آلهتهم ضربة كبرى لهم.

2.     حين أخرج السحرة الضفادع فهم لم يخلقوها بل بقوة سحرهم استطاعوا أن يخرجوها من أماكنها لكنهم أيضاً لم يستطيعوا أن يعيدوها حيث كانت ويخلصون المصريين منها.

3.     هي ضفادع حقيقية والدليل أنها حين ماتت أنتنت.

4.     تشير الضفادع بنقيقها المزعج لكثيري الكلام بالأمور الباطلة الذين بلا عمل إيجابي.

5.     إن كان فرعون قد ألزم الشعب بالعمل في الطين فقد كان تأديبه أن تقفز الضفادع من الطين بشكلها القبيح ورائحتها غير المقبولة وصوتها المزعج وتقتحم مائدته وسريره..

آية (3): تنانيرك= أفران الخبز

آية (9): طلب موسى من فرعون أن يعين وقت ليصلي فيه حتى لا يظن فرعون أن قطع الضفادع كان صدفة. بل أن رفعها كان بصلاته. تبقى في النهر= أي تبقى بوفرة تذكاراً لقوة الله في هذه الضربة.

آية (10): فقال غداً= ولم يقل الآن لأنه كان له أمل أن تنقطع الضفادع دون الحاجة إلى موسى.

آية (15): ولم يسمع لهما= لاحظ أن فرعون بعناده يجلب على نفسه مزيد من الضربات.

 

الضربة الثالثة: ضربة البعوض

 

الآيات (16-19): "فلما رأى فرعون انه قد حصل الفرج اغلظ قلبه ولم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم قال الرب لموسى قل لهرون مد عصاك واضرب تراب الأرض ليصير بعوضا في جميع ارض مصر. ففعلا كذلك مد هرون يده بعصاه وضرب تراب الأرض فصار البعوض على الناس وعلى البهائم كل تراب الأرض صار بعوضا في جميع ارض مصر. وفعل كذلك العرافون بسحرهم ليخرجوا البعوض فلم يستطيعوا وكان البعوض على الناس وعلى البهائم."

كان المصريين أشهر أمة في النظافة. وكان الكهنة يستحمون مساءً وصباحاً ويلبسون كتاناً نقياً ولا يلمسون شيئاً نجساً ويحترسون من التدنس بالبعوض والقمل. فضربهم الله بالبعوض وفي هذه الضربة وما بعدها فشل العرافون أن يصنعوا مثلها فهي تشتمل على إيجاد حياة وعجيب هو الله فهو يشعرهم بضعفهم فها هم لا يستطيعون مقاومة أحقر وأضعف المخلوقات وهي البعوض. واضطر السحرة للاعتراف بأن هذا قوة إلهية= أصبع الله.

 

الضربة الرابعة: ضربة الذبان

 

الآيات (20-32): "فقال العرافون لفرعون هذا إصبع الله ولكن اشتد قلب فرعون فلم يسمع لهما كما تكلم الرب. ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح وقف أمام فرعون انه يخرج إلى الماء وقل له هكذا يقول الرب أطلق شعبي ليعبدوني. فانه أن كنت لا تطلق شعبي ها أنا أرسل عليك وعلى عبيدك وعلى شعبك وعلى بيوتك الذبان فتمتلئ بيوت المصريين ذباناً وأيضاً الأرض التي هم عليها. ولكن أميز في ذلك اليوم ارض جاسان حيث شعبي مقيم حتى لا يكون هناك ذبان لكي تعلم أني أنا الرب في الأرض. واجعل فرقا بين شعبي وشعبك غدا تكون هذه الآية. ففعل الرب هكذا فدخلت ذبان كثيرة إلى بيت فرعون وبيوت عبيده وفي كل ارض مصر خربت الأرض من الذبان. فدعا فرعون موسى وهرون وقال اذهبوا اذبحوا لإلهكم في هذه الأرض. فقال موسى لا يصلح أن نفعل هكذا لأننا إنما نذبح رجس المصريين للرب إلهنا أن ذبحنا رجس المصريين أمام عيونهم أفلا يرجموننا. نذهب سفر ثلاثة أيام في البرية ونذبح للرب إلهنا كما يقول لنا. فقال فرعون أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم في البرية ولكن لا تذهبوا بعيدا صليا لأجلي. فقال موسى ها أنا اخرج من لدنك واصلي إلى الرب فترتفع الذبان عن فرعون وعبيده وشعبه غدا ولكن لا يعد فرعون يخاتل حتى لا يطلق الشعب ليذبح للرب. فخرج موسى من لدن فرعون وصلى إلى الرب. ففعل الرب كقول موسى فارتفع الذبان عن فرعون وعبيده وشعبه لم تبق واحدة."

كان المصريون وغيرهم من الشعوب الوثنية يعبدون آلهة تقوم بطرد الذباب مثل بعل زبوب إله عقرون وهركيوليس وغيرهم. وهنا كشف الله عجز آلهتهم. والذباب يأتي بالأمراض للإنسان. ويبدو أن الضربة اشتملت على هوام مؤذي أيضاً للمواشي وبعض الحشرات المؤذية للزروع والنباتات لذلك قيل خربت الأرض من الذبان (آية24). ولكن ميز الله بين أرض المصريين وأرض جاسان أرض شعب الله التي لم يصبها الذبان، وبهذا يعلم فرعون أن يهوه هو الله.

(آية25): فرعون يسمح لهم بأن يذبحوا (يقدموا العبادة لله) لكن في أرض مصر. هكذا إبليس يماطل حتى لا يطلق الخاطئ من يده، يريده عبداً له كل الحياة.

(آية26) موسى يرفض التفاوض مع فرعون ويقدم عذراً وجيهاً وهو.. كيف نذبح أمام المصريين حيوانات هم يقدسونها ويعبدونها أمام عيونهم.

(آية28): لا تذهبوا بعيداً= فرعون يماطل حتى يستطيع أن يعيدهم للعبودية ثانية.


 

الإصحاح التاسع

 

الضربة الخامسة : ضربة الوباء الذي أصاب المواشي

 

الآيات (1-7): "ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون وقل له هكذا يقول الرب إله العبرانيين أطلق شعبي ليعبدوني. فأنه أن كنت تأبى أن تطلقهم وكنت تمسكهم بعد. فها يد الرب تكون على مواشيك التي في الحقل على الخيل والحمير والجمال والبقر والغنم وبأ ثقيلاً جداً. ويميز الرب بين مواشي إسرائيل ومواشي المصريين فلا يموت من كل ما لبني إسرائيل شيء. وعين الرب وقتاً قائلاً غداً يفعل الرب هذا الأمر في الأرض. ففعل الرب هذا الأمر في الغد فماتت جميع مواشي المصريين وأما مواشي بني إسرائيل فلم يمت منها واحد. وأرسل فرعون وإذا مواشي إسرائيل لم يمت منها ولا واحد ولكن غلظ قلب فرعون فلم يطلق الشعب."

كان المصريون يعتقدون بقداسة بعض الحيوانات مثل العجل أبيس وكانوا يحسبون أن فيه روح إلههم أوزوريس. وبلغ من تقديسهم للحيوانات أن ديودوروس المؤرخ سجل أن المصريين مزقوا سفير الرومان لأنه قتل قطاً. وبهذه الضربة يدركون خطأ معتقداتهم.

(آية7): هنا فرعون يريد أن يتأكد أن مواشي إسرائيل لم يصبها ضرر.

 

الضربة السادسة : ضربة البثور

 

الآيات (8-12): "ثم قال الرب لموسى وهرون خذا ملء أيديكما من رماد الأتون وليذره موسى نحو السماء أمام عيني فرعون. ليصير غباراً على كل ارض مصر فيصير على الناس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كل ارض مصر. فأخذا رماد الأتون ووقفا أمام فرعون وذراه موسى نحو السماء فصار دمامل بثور طالعة في الناس وفي البهائم. ولم يستطع العرافون أن يقفوا أمام موسى من اجل الدمامل لأن الدمامل كانت في العرافين في كل المصريين. ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يسمع لهما كما كلم الرب موسى."

كان المصريون يقدمون لبعض ملهتهم أناساً أحياء. وقيل أنهم كانوا يحرقون بعض العبرانيين على مذبح عالٍ. (هذا في بعض الأحيان لكن كان هذا الطقس يتم بذبائح حيوانات عادية إن لم يتم تقديم عبرانيين) ثم يذرون الرماد في الهواء. وكان يعتقدون أنه تنزل مع كل ذرة من الرماد بركة. ولذلك أخذ موسى رماداً من التنور وذراه فنشرته الرياح ونزل على الكهنة والشعب والحيوانات. ولم تصبهم بركات من جراء ذلك بل أصابهم قروح ودمامل. حتى أن السحرة خجلوا أن يقفوا أمام موسى بسبب الدمامل التي فيهم. والتنور هو الفرن حيث يشوى اللبن (الطوب). هنا درسين للمصريين [1] لا بركة في الرماد بل ضربة. [2] الضربة بسبب تعذيب الشعب.

 

الضربة السابعة : ضربة الرعد والبَرَدْ والنار

 

الآيات (13-35): "ثم قال الرب لموسى بكر في الصباح وقف أمام فرعون وقل له هكذا يقول الرب إله العبرانيين أطلق شعبي ليعبدوني. لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك وعلى عبيدك وشعبك لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض. فانه الآن لو كنت أمد يدي وأضربك وشعبك بالوباء لكنت تباد من الأرض. ولكن لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يخبر باسمي في كل الأرض. أنت معاند بعد لشعبي حتى لا تطلقه. ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً جداً لم يكن مثله في مصر منذ يوم تأسيسها إلى الآن. فالان أرسل احم مواشيك وكل ما لك في الحقل جميع الناس والبهائم الذين يوجدون في الحقل ولا يجمعون إلى البيوت ينزل عليهم البرد فيموتون. فالذي خاف كلمة الرب من عبيد فرعون هرب بعبيده ومواشيه إلى البيوت. وأما الذي لم يوجه قلبه إلى كلمة الرب فترك عبيده ومواشيه في الحقل. ثم قال الرب لموسى مد يدك نحو السماء ليكون برد في كل ارض مصر على الناس وعلى البهائم وعلى كل عشب الحقل في ارض مصر. فمد موسى عصاه نحو السماء فأعطى الرب رعوداً وبرداً وجرت نار على الأرض وأمطر الرب برداً على ارض مصر. فكان برد ونار متواصلة في وسط البرد شيء عظيم جداً لم يكن مثله في كل ارض مصر منذ صارت أمة. فضرب البرد في كل ارض مصر جميع ما في الحقل من الناس والبهائم وضرب البرد جميع عشب الحقل وكسر جميع شجر الحقل. إلا ارض جاسان حيث كان بنو إسرائيل فلم يكن فيها برد. فأرسل فرعون ودعا موسى وهرون وقال لهما أخطأت هذه المرة الرب هو البار وأنا وشعبي الأشرار. صليا إلى الرب وكفى حدوث رعود الله والبرد فأطلقكم ولا تعودوا تلبثون. فقال له موسى عند خروجي من المدينة ابسط يدي إلى الرب فتنقطع الرعود ولا يكون البرد أيضاً لكي تعرف أن للرب الأرض. وأما أنت وعبيدك فأنا اعلم أنكم لم تخشوا بعد من الرب الإله. فالكتان والشعير ضرباً لأن الشعير كان مسبلاً والكتان مبزراً. وأما الحنطة والقطاني فلم تضرب لأنها كانت متأخرة. فخرج موسى من المدينة من لدن فرعون وبسط يديه إلى الرب فانقطعت الرعود والبرد ولم ينصب المطر على الأرض. ولكن فرعون لما رأى أن المطر والبرد والرعود انقطعت عاد يخطئ واغلظ قلبه هو وعبيده. فاشتد قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل كما تكلم الرب عن يد موسى."

البَرَدْ هو كرات جليد تسقط على الأرض. وكانت هذه الضربة شديدة على المصريين إذ لم يعتد المصريين على البرد القارص وهذا الجو العنيف. وكان الرعد يشير لإنذار الله والبَرَدْ قتل النباتات. والنار قد تأتي من البرق كصواعق تنقض على المنازل والأشجار فتحرقها أو تأتي النار من احتكاك كرات البَرَدْ (الجليد) مع بعضها فيخرج منها ألسنة نار ومن شدة هذه الضربة قيل أرسل جميع ضرباتي إلى قلبك (آية14) فهي ضربة شديدة ثقيلة وهي موجهة لقلبه العنيد.

(آية15): الله من مراحمه كان قادراً أن يضربهم بوبأ فيفنيهم جميعاً بشر وبهائم لكنه لم يفعل.

(آية16): لكي أريك قوتي= لعله يؤمن بقوة الله فيتوب. إذاً ضربات الله هي إنذارات ودعوة للإيمان والتوبة. = ولكي يخبر باسمي في كل الأرض= أي ليؤمن العالم بالله القوى.

(آية19): من رحمة الله أنه يرشد فرعون أن يحمي مواشيه حتى تقل الخسائر.

الآيات (20،21): كل من يستجيب لإنذارات الله يرحم فيحيا ومن يستهين بها يهلك ويموت.

(آية29): لكي تعرف أن للرب الأرض= هذا مخالف لرأي الوثنيين الذين يقولون أن لكل أرض إله يحفظها. بل هناك إله للتناسل وإله للحرب وإله للمزروعات.. الخ.

الآيات (31،32): توقيت الضربة أهلك الكتان والشعير وأبقى الحنطة= القمح والقطاني= البقول.


 

الإصحاح العاشر

 

الضربة الثامنة : ضربة الجراد

 

الآيات (1-20): "ثم قال الرب لموسى ادخل إلى فرعون فأني أغلظت قلبه وقلوب عبيده لكي اصنع آياتي هذه بينهم. ولكي تخبر في مسامع ابنك وابن ابنك بما فعلته في مصر وبآياتي التي صنعتها بينهم فتعلمون أنى أنا الرب. فدخل موسى وهرون إلى فرعون وقالا له هكذا يقول الرب اله العبرانيين إلى متى تأبى أن تخضع لي أطلق شعبي ليعبدوني. فانه أن كنت تأبى أن تطلق شعبي ها أنا أجيء غداً بجراد على تخومك. فيغطي وجه الأرض حتى لا يستطاع نظر الأرض ويأكل الفضلة السالمة الباقية لكم من البرد ويأكل جميع الشجر النابت لكم من الحقل. ويملا بيوتك وبيوت جميع عبيدك وبيوت جميع المصريين الأمر الذي لم يره آباؤك ولا آباء آبائك منذ يوم وجدوا على الأرض إلى هذا اليوم ثم تحول وخرج من لدن فرعون. فقال عبيد فرعون له إلى متى يكون هذا لنا فخا أطلق الرجال ليعبدوا الرب إلههم ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت. فرد موسى وهرون إلى فرعون فقال لهما اذهبوا اعبدوا الرب إلهكم ولكن من ومن هم الذين يذهبون. فقال موسى نذهب بفتياننا وشيوخنا نذهب ببنينا وبناتنا بغنمنا وبقرنا لأن لنا عيداً للرب. فقال لهما يكون الرب معكم هكذا كما أطلقكم وأولادكم انظروا أن قدام وجوهكم شراً. ليس هكذا اذهبوا انتم الرجال واعبدوا الرب لأنكم لهذا طالبون فطردا من لدن فرعون. ثم قال الرب لموسى مد يدك على ارض مصر لأجل الجراد ليصعد على ارض مصر ويأكل كل عشب الأرض كل ما تركه البرد. فمد موسى عصاه على ارض مصر فجلب الرب على الأرض ريحاً شرقية كل ذلك النهار وكل الليل ولما كان الصباح حملت الريح الشرقية الجراد. فصعد الجراد على كل ارض مصر وحل في جميع تخوم مصر شيء ثقيل جداً لم يكن قبله جراد هكذا مثله ولا يكون بعده كذلك. وغطى وجه كل الأرض حتى أظلمت الأرض وآكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرد حتى لم يبق شيء اخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كل ارض مصر. فدعا فرعون موسى وهرون مسرعا وقال أخطأت إلى الرب إلهكما وإليكما. والآن اصفحا عن خطيتي هذه المرة فقط وصليا إلى الرب إلهكما ليرفع عني هذا الموت فقط. فخرج موسى من لدن فرعون وصلى إلى الرب.فرد الرب ريحا غربية شديدة جداً فحملت الجراد وطرحته إلى بحر سوف لم تبق جرادة واحدة في كل تخوم مصر.ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل."

الجراد مفسد للزرع ومجلب للقحط، إذ يبيد كل نبات أخضر. هنا عجزت آلهتهم عن إعالتهم حتى جسدياً. والجراد يأكل كل ما هو أخضر ثم يأكل خشب الشجر واللحاء ويترك الشجر بفروعه بيضاء (يؤ7:1). وحين يأتي الجراد يأتي بجيوش رهيبة من كثرتها قد تظلم الشمس، ثم يغطى الأرض (آية5)

(آية 5) الفضلة السالمة= التي تبقت وفضلت سليمة من ضربة البَردْ أي الحنطة والقطاني.

(آية8) هنا فرعون يدخل في مماطلة جديدة فهو لا يريد أن يطلقهم (هذه هي أفعال إبليس)

(آية10) يكون الرب معكم= هو تعبير تهكمي مثل "ما شاء الله عليكم" أو "اسم الله عليكم" والمعنى هل تريدون أن أطلق كل شئ وأحرم الأرض من العبيد الذين يعملون فيها مجاناً. قدام وجوهكم شراً= هي تعني إما أنه يخيفهم أنهم إن أنطلقوا إلى البرية فسيواجهوا الأعداء وسيكونون بلا طعام أو ماء أو تعني أنكم بذهابكم تقصدون الشر بالبلاد.

(آية 11) لأنكم لهذا طالبون= معنى كلام فرعون أنتم طلبتم العبادة وهذا عمل الرجال فليذهب الرجال وحدهم. ولكن هذا ضد ما طلبه موسى أن يذهب الجميع. وطبعاً لو ذهب الرجال وحدهم فلابد أن يعودوا من أجل نسائهم وأولادهم (مماطلة إبليس حتى لا يطلق شعب الله).

 

الضربة التاسعة : ضربة الظلام

 

الآيات (21-29): "ثم قال الرب لموسى مد يدك نحو السماء ليكون ظلام على ارض مصر حتى يلمس الظلام. فمد موسى يده نحو السماء فكان ظلام دامس في كل ارض مصر ثلاثة أيام. لم يبصر أحد أخاه ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم. فدعا فرعون موسى وقال اذهبوا اعبدوا الرب غير أن غنمكم وبقركم تبقى أولادكم أيضاً تذهب معكم. فقال موسى أنت تعطي أيضاً في أيدينا ذبائح ومحرقات لنصنعها للرب إلهنا. فتذهب مواشينا أيضاً معنا لا يبقى ظلف لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا ونحن لا نعرف بماذا نعبد الرب حتى نأتي إلى هناك. ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يشأ أن يطلقهم. وقال له فرعون اذهب عني احترز لا تر وجهي أيضاً انك يوم ترى وجهي تموت.فقال موسى نعما قلت أنا لا أعود أرى وجهك أيضاً."

هذه الضربة بدون إنذار. وكان المصريون يعبدون الإله رع أي الشمس. فهذه الضربة وجهت ضد معبودهم الأكبر. لقد إنطفأ معبودهم وكأن إله الشر في نظرهم قد انتصر على إلههم وهذا في حد ذاته مرعب جداً لهم. لذلك سادت هذه الضربة رعبة عظيمة.

(آية 21) حتى يلمس الظلام= من شدة حلوكته لا يكون كظلام الليل المعتاد بل شئ غير عادي.

(آية22) ثلاثة أيام= كما غضبت الطبيعة عند صلب المسيح وعم الظلام ثلاث ساعات من الساعة السادسة حتى التاسعة هكذا كانت هذه الظلمة احتجاجاً على تحدي فرعون وعصيانه لله. وهكذا يكون ظلام في العالم حتى يشرق المسيح شمس البر في مجيئه الثاني وهكذا كان المسيح 3 أيام في القبر قبل أن يشرق فجر القيامة وينير القبر. وبنفس المفهوم فكل خاطئ عاصي هو في ظلمة فاقداً لبصيرته الروحية الداخلية وفي حاجة أن يطلب أن يشرق عليه المسيح بنوره، نور قيامته.

(آية23) عدم حركتهم راجع للظلمة الشديدة وللرعب الذي أصابهم (مز49:78)

(آية24) لاحظ أن فرعون يعطي مسموحات أكثر لكنه لا يريد أن يطلق الكل.

(آية26) لا نعرف بماذا نعبد الرب حتى نأتي إلى هناك= أي لن نعرف عدد الذبائح التي يطلبها الرب منا حتى تذهب إلى هناك (مسيرة الثلاثة أيام) لذلك يجب أن نخرج بكل ما لنا وبكل مواشينا فلعل الله يطلب كل الماشية. وبالنسبة لنا فعلينا أن نعتبر أن كل ما لنا هو لله وهو يطلب ما يريد. ونحن لن نعرف كل قصد الله في حياتنا تماماً. إلا بعد مسيرة ال3 أيام أي بعد تذوق الموت (صلب الأهواء والشهوات) ثم اختبار قوة القيامة.

 

ملاحظات على الضربات:

1.     فرعون يقدم أنصاف حلول حتى لا يطلق الشعب ويضع معوقات كثيرة أمامهم.

‌أ.        ‌إتهام موسى وهرون أنهما يبطلان الشعب وأن الشعب متكاسل.

‌ب.    ‌كان مع الضربة أن فرعون يستجيب لموسى ومع الفرج يغلظ قلبه.

‌ج.     ‌سمح لهم أولاً بأن يذبحوا في مصر وهي خطة خبيثة بها يبقيهم في مصر، وستختلط عبادتهم بعبادة المصريين الوثنية فيصير الله إلهاً وسط آلهة كثيرة لذلك يقول الله "أخرجوا منها" ولنلاحظ أن الشيطان قد يوافق أن نعبد الله على أن نصنع الشر في نفس الوقت.

‌د.       ‌ثم سمح لهم أن ينطلقوا على أن لا يذهبوا بعيداً (حتى لا يختبروا الثلاثة أيام، الموت والقيامة) ولنلاحظ أن العبادة الحقة هي باختبار صلب الأهواء والشهوات لنتذوق قوة القيامة.

‌ه.       ‌ثم يسمح بخروج الرجال فقط (لمسيرة الثلاثة أيام). ثم يسمح بخروجهم دون مواشيهم.

2.     لاحظ تنوع الضربات وأنها تأتي من كل مكان. فالطبيعة تلاحق الخطاة.

‌أ.        الهواء (الريح تأتي بالجراد).

‌ب.    الماء (تحويله دم ومنه خرجت الضفادع).

‌ج.     التراب (البعوض).

‌د.       الشمس (تظلم).

‌ه.       رماد الأتون (الدمامل).

‌و.      السماء (البَرَدْ والنار).

‌ز.      الوبأ (للبهائم).

3.     لاحظ الصراع بين الحق والباطل داخل نفس فرعون.. إذهبوا.. لا تذهبوا بعيداً وحين استجاب لصوت الباطل خسر ثم هلك.


 

الإصحاح الحادي عشر

 

الضربة العاشرة : موت الأبكار

 

الآيات (1:11-10 + 29:12-33): "ثم قال الرب لموسى ضربة واحدة أيضاً اجلب على فرعون وعلى مصر بعد ذلك يطلقكم من هنا وعندما يطلقكم يطردكم طرداً من هنا بالتمام. تكلم في مسامع الشعب أن يطلب كل رجل من صاحبه وكل امرأة من صاحبتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب. وأعطى الرب نعمة للشعب في عيون المصريين وأيضاً الرجل موسى كان عظيما جدا في ارض مصر في عيون عبيد فرعون وعيون الشعب. وقال موسى هكذا يقول الرب أني نحو نصف الليل اخرج في وسط مصر. فيموت كل بكر في ارض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التي خلف الرحى وكل بكر بهيمة. ويكون صراخ عظيم في كل ارض مصر لم يكن مثله ولا يكون مثله أيضاً. ولكن جميع بني إسرائيل لا يسنن كلب لسانه إليهم لا إلى الناس ولا إلى البهائم لكي تعلموا أن الرب يميز بين المصريين وإسرائيل. فينزل إلى جميع عبيدك هؤلاء ويسجدون لي قائلين اخرج أنت وجميع الشعب الذين في أثرك وبعد ذلك اخرج ثم خرج من لدن فرعون في حمو الغضب. وقال الرب لموسى لا يسمع لكما فرعون لكي تكثر عجائبي في ارض مصر. وكان موسى وهرون يفعلان كل هذه العجائب أمام فرعون ولكن شدد الرب قلب فرعون فلم يطلق بني إسرائيل من أرضه. فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر في ارض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن وكل بكر بهيمة. فقام فرعون ليلا هو وكل عبيده وجميع المصريين وكان صراخ عظيم في مصر لأنه لم يكن بيت ليس فيه ميت. فدعا موسى وهرون ليلا وقال قوموا اخرجوا من بين شعبي أنتما وبنو إسرائيل جميعا واذهبوا اعبدوا الرب كما تكلمتم. خذوا غنمكم أيضاً وبقركم كما تكلمتم واذهبوا وباركوني أيضاً. وألح المصريون على الشعب ليطلقوهم عاجلا من الأرض لأنهم قالوا جميعنا أموات"

تأتي هذه الضربة في نهاية ضربات كثيرة هُزِم فيها الشيطان (العامل مع فرعون وسحرته) على يد موسى. وهما ضربة الأبكار وهي تشير لقطع كل جذور الشر وهذا تم بالصليب. وإذا كان الأبكار يشيرون للقوة (تك3:49) فقد ضرب الله الشيطان وقوته وربطه بالصليب ليحررنا من عبوديته. والصليب رمزه في العهد القديم هو خروف الفصح، وهذا ما يشرح ارتباط هذه الضربة الأخيرة (موت الأبكار أي سحق قوة الشيطان) بخروف الفصح الذي نجد قصته وطقسه وشريعته تأتي وسط أحداث الضربة العاشرة (الآيات 1:12-28) وارتباط هذا بخروج الشعب في نفس الليلة ويكون المعنى أن المسيح بصليبه داس قوة الشيطان ليحررنا من عبوديته لنخرج وننطلق إلى كنعان. وبهذه الضربة دفع المصريين ثمن ما فعلوه بقتلهم أولاد العبرانيين فأدبهم الرب بذات فعلهم وبالصليب دفع الشيطان ثمن هلاك أولاد الله. هذه الصورة ترمز كيف أباد الله الشر. وفي هذه الضربة ماتت أيضاً أبكار الحيوانات المقدسة عند المصريين هذه التي يؤلهونها.

(آية2) كان المعتاد أن السادة يعطون العبيد والغرباء ما يعينهم على سفرهم في حالة سفرهم وهجرتهم. والشعب خرج حاملاً غنائم وثروة كبيرة. ونحن لا نخرج من معاركنا مع إبليس فارغين بل نخرج مملوئين خبرات روحية وإيمان قوى وتزكية (2كو17:4 + 1صم3:6-8)

(آية3) موسى كان عظيماً جداً= هذه ليست ضد تواضع موسى بل ليشرح لماذا أعطى المصريين كل هذا للشعب عند خروجه. وكان المصريين يعتبرون فرعون إلهاً فحينما واجهه موسى وانتصر صار عظيماً جداً.

(آية4) سبق فرعون وطلب من موسى ألا يرى وجهه ثانية ولكن موسى من محبته نجده هنا يذهب لفرعون ليعطيه إنذاراً أخيراً.

(آية7) لا يسنن كلب= من الطبيعي مع حركة أكثر من 2 مليون شخص أن الكلاب تنبح وراؤهم ولكن من حماية الله لشعبه أنه لن يسمح حتى بهذا ضد شعبه وحتى بهائم شعبه كناية عن خروجهم في سلام تام. (الكلاب تنبح إذا مات شخص بالبيت.. مثل عبراني) والمقصود سلامتهم. وقد جاء في موسوعة الدكتور سليم حسن أن الفراعنة استخدموا الكلاب في الحرب فقد كان الكلب يتابعهم في كل معاركهم وكان يسبقهم للتعرف على جثث القتلى واختراق خطوط العدو ولذلك وجدوا الكلاب على جدران المقابر وبهذا يصبح معنى الآية أن الجيش المصري لن يجرؤ على مهاجمتهم في أثناء الخروج.

(آية8): غضب موسى غضباً مقدساً إذا رأى فرعون. عبيدك= العظماء المحيطين بك وتحقيق هذا (31:12-33)

(آية9) الله يكرر هذا القول حتى يعزي موسى ويشدده ليستمر في رسالته.


 

الإصحاح الثاني عشر

 الفصح- خروف الفصح

الفصح بالعبرية بيسح وهذا أصل كلمة بسخة القبطية. والكلمة تعني العبور. ففي هذا اليوم عبر الشعب من العبودية إلى الحرية. وفي الفصح المسيحي عبر بنا ابن الله إلى أبيه. هو يوم تاريخي لشعب إسرائيل فيه تحرروا وإنطلقوا لأرض الموعد وكان عليهم أن يعيدوا في هذا اليوم ليذكروا ما صنع الله لهم فلا يكون خروجهم قصة حدثت في الماضي بل عملاً حاضراً ودائماً لله في حياة شعبه. ولذلك نعيد في البصخة ثم عيد القيامة كل عام بل وفي كل قداس إلهي لنختبر قوة القيامة في حياتنا دائماً.

ولقد نقلت بعض قبائل البدو هذا التقليد بتلطيخ خيامهم بدم ذبائحهم ويعتقدون أن هذا يطرد الأرواح الشريرة عنهم. وقد يكون النقل عن طقس الفصح أو عن طريق التقليد من آدم.

ولنلاحظ أن تجسد المسيح وحده كان لا يمكن أن يكون سبباً في وحدتنا معه فكيف يتحد البار مع الخطاة. فكان يجب أن يموت جسد المسيح الحامل للخطية لتبطل الخطية وتتلاشى قوة العدو وبعد هذا يمكن أن نتحد معه، لذلك قال المسيح وفي اليوم الثالث أكمل، وهو يكمل كرئيس للخلاص ليأتي بثمر كثير وبعد قيامته انتشل معه الكثيرين للمجد.

ولقد ارتبط طقس الفصح بطقس الفطير، أي يأكل الشعب أسبوع كامل فطير ولا يأكلوا خميراً (أي خبز مختمر) رمزاً للمؤمن الذي عليه أن يبقى كل حياته (أسبوع حياته) مجاهداً أن يبقى بلا خطية بعد أن فداه المسيح بدمه، عابراً من الأعمال الشريرة إلى حياة الفضيلة (1كو7:5،8).

 

التشابه بين ذبيحة الصليب وخروف الفصح

 

1.       صار شهر الفصح هو أول شهور السنة

 

(آية2): "هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة."

كان اليهود يحيون والزمن يمر عليهم وأتى الله وقال لنبدأ كل شئ جديداً. وكأن الماضي إندثر. فكان شهر الخروج هو شهر أبيب (يناظر شهري مارس وإبريل) وكان في الترتيب اليهودي أو التقويم اليهودي شهر أبيب هو الشهر السابع فجعله الله الشهر الأول. لذلك صار لليهود تقويمان، التقويم الديني فيه شهر أبيب هو الشهر الأول والتقويم العادي فيه شهر أبيب هو الشهر السابع من شهور السنة.

وكما كان لليهود بالفصح بدءاً جديداً، سنة جديدة هكذا نحن بالفداء لنا بداية جديدة وفي كل قداس نحيا في حالة تجديد قلبي مستمر في المسيح يسوع الذبيح. وكلمة أبيب تعني سنبلة والمسيح هو حبة الحنطة التي سقطت في الأرض لتأتي بحصاد كثير. المسيح فصحنا هو رأس الخليقة وبكرها، هو صار بدء إنطلاق حياة جديدة لنا (رو2:6-4)

 

2.       ذبيحة الفصح هو ذبيحة شركة كل جماعة إسرائيل

 

(أية 3): "كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة للبيت."

وذبيحة الإفخارستيا هي ذبيحة الكنيسة كلها المتحدة بعريسها. وفيما بعد إشترط ألا يقدم الفصح خارج أورشليم. وهنا لأول مرة تذكر اسم جماعة إسرائيل فهم صاروا جماعة على أساس ذبيحة الفصح المشتركة الواحدة. والإفخارستيا هي شركة ولاحظ في آية (4). أنه يشترك في الذبيحة الواحدة العائلة وجيرانها وأقربائها. الكل يأكل منه والأكل هو علامة الشخصية والاشتراك الشخصي في ممارسة الطقس. إذاً فالفصح يعبر عن الشركة في الذبيحة ويعبر أيضاً عن العلاقة الشخصية مع الله لكل فرد.

 

3.       ذبيحة الفصح شاة

 

آية (3،5): "كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة للبيت. تكون لكم شاة صحيحة ذكرا ابن سنة تأخذونه من الخرفان أو من المواعز."

والمسيح هو حمل الله وذبح كشاة، هو حمل صامت أخذ من القطيع وأقتيد للذبح وتكون شاة صحيحة (أش7:53 + أر19:11 + يو29:1 + رؤ6:5) وكونه صحيحاً إشارة للمسيح أنه بلا عيب (عب14:9) وبلا خطية "من منكم يبكتني على خطية" ويكون ذكراً. هذا إشارة لأنه عريس الكنيسة (يو29:3 + 2كو2:11) ويكون ابن سنة. أي ليس فيه ضعف الشيخوخة ولا يصيبه القدم، يبقى جديداً في حياتنا على الدوام، مع أنه هو القديم الأيام الأزلى. وهو ليس طفلاً، فهو لم يمت مع أطفال بيت لحم. هو في منتصف العمر. تأخذونه من الخرفان إشارة للمسيح الذي هو ابن الإنسان الذي شابهنا في كل شئ ما خلا الخطيئة وحدها.

 

4.       دعوة الجار للقريب

 

(آية4): "وأن كان البيت صغيراً عن أن يكون كفواً لشاة يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة."

إشارة لدعوة الأمم للإيمان. فالكل مدعو لهذه الذبيحة.

 

5.       الحفظ في اليوم العاشر وتقديمه في اليوم الرابع عشر

 

(آية 3،6): "كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة للبيت. ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية."

كان هذا إشارة لدخول المسيح لأورشليم يوم الأحد وتسليمه يوم الخميس بيد يهوذا

العاشر

الحادي عشر

الثاني عشر

الثالث عشر

الرابع عشر

الأحد

الاثنين

الثلاثاء

الأربعاء

الخميس

 

وكانت المدة من العاشر حتى الرابع عشر هي فرصة ليتأكدوا من أن الشاة خالية من العيوب والأمراض ولتكون موضع تأملهم واستعدادهم روحياً ليوم الفصح.

[1] اليوم العاشر يشير لأن المسيح قدم نفسه عنا إذ كسرنا الوصية (الوصايا عشرة)

[2] في اليوم الرابع عشر يكون القمر بدراً. وإذا كان المسيح فصحنا هو شمس البر فالكنيسة هي القمر وقد أكتمل نورها خلال المسيح فصحها.

ويرى بعض المؤرخين مثل يوسيفوس ويوسابيوس وبعض الآباء مثل القديس فم الذهب أن يوم الجمعة كان موافقاً الخامس عشر من الشهر وأن المسيح أكل الفصح في مساء الخميس في موعده الناموسي. أما كهنة اليهود ورؤسائهم فقد أجلوا الفصح عمداً وبدون وجه حق إلى يوم السبت ليتمكنوا من صلب المسيح قبل العيد، ومن ثم فقد قرروا أن يؤكل الفصح في مساء الجمعة أي بعد أن فرغوا من صلب المسيح.

 

6.       يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل

 

(آية6): "ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية."

وهذا ما تحقق مع المسيح (أع27:4) كهنة ورؤساء كهنة وشعب، يهودا ً وأمماً.

 

7.       ذبحه في العشية

 

(آية6): "ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية."

هذا إشارة إلى تقديم المسيح نفسه فصحاً عن العالم في ملء الأزمنة. وكان الخروف يذبح في المساء والمسيح أسلم روحه حوالي الساعة التاسعة (الساعة 3 ظهراً بتوقيت الآن) وبقى جسده على الصليب حتى الحادية عشرة (الساعة 5 بتوقيت الآن)

 

8.       رش الدم على العتبة العليا والقائمتين

 

(آية7): "ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها."

لا يرش الدم على العتبة السفلي حتى لا يداس بالأقدام (عب29:10). ورش الدم على العتبة والقائمتين معناه أن الدم يحيط بكل ناحية "فأرى الدم وأعبر عنكم" (13) فبدون دم لا تحصل مغفرة (عب22:9) وإحاطة الدم بكل من في البيت تعطي فكرة عن الكفارة، فدم المسيح يغطينا أي يكفَّر عنا فنخلص ولا نهلك.

وبلا شك رأى كثير من المصريين هذا الطقس واستهزأوا به، وأيضاً فالعبراني الذي رفض رش الدم، هؤلاء بالتأكيد هلكوا. فلا خلاص سوى بهذا الدم والإيمان بعمله الكفاري.

 

9.       يأكلونه مشوياً بالنار مع فطير على أعشاب مرة

 

(آية8): "ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على أعشاب مرة يأكلونه."

الأكل يشير للإتحاد بالمسيح. والشي بالنار يشير لأن المسيح كان قد إجتاز من أجلنا نار العدل الإلهي "صار قلبي كالشمع، ذاب في وسط أحشائي" (مز14:22) والأعشاب المرة تشير لمرارة الخطية التي حملها عنا المسيح. والفطير يشير إلى أن كل مؤمن بالمسيح عليه أن يعيش حياة مقدسة بسيطة كل أيام حياته (كل سبعة أيام حياته). ولنلاحظ أن الخمير يشير للشر والخبث (1كو7:5،8) وإلى الرياء.

وقد استخدم السيد المسيح في سر الإفخارستيا خبزاً مختمراً، لأنه حمل في جسده خطايانا وكما دخل الخبز للنار في الفرن فماتت الخميرة هكذا بصليب المسيح ماتت الخطية.

ونلاحظ أن المرارة في الأعشاب تشير لمرارة عبودية الشعب في مصر وتشير لمرارة الخطية في حياتنا وقد تحررنا منها بالمسيح فصحنا[1]. وتشير لأن كل خاطئ عليه أن يتقدم لله في مرارة قلب وإنسحاق روح من أجل خطايانا. وإذ يتمرر فمنا بسبب الخطية يمتلئ قلبنا من حلاوة جسد الرب ودمه. فلا تمتع بسر الإفخارستيا بدون توبة وإعتراف. والشي كان يتم بوضع الخروف على سيخين متقاطعين يرمزان للصليب.

ونلاحظ أهمية الأكل من ذبيحة الفصح، فلا يكفي الإيمان بالمسيح بل أن نأكل ونتناول من جسده ودمه المبذولين عنه (الأعشاب المرة مثل الشيكوريا والجرجير).

 

10.     لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً بالماء.

 

(آية9): "لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً مطبوخاً بالماء بل مشوياً بالنار رأسه مع أكارعه وجوفه."

الشي يشير للعًجَلَةْ فلا وقت للطبيخ ولا آنية ولا ماء. ولا يأكلونه نيئاً فيتشابهوا مع الوحوش المفترسة والوثنيين. والله يريدنا أن نتمتع بالكلمة الإلهي الملتهب بنار فإلهنا نار آكلة ويريدنا الله أن نلتهب بنار محبته وناره تحرق أشواك الخطية التي فينا، وأن نقبل أي آلام كشركة مع المسيح المتألم. ولنلاحظ أن الماء يلطف من درجة الحرارة فأقصى درجة للماء هي 5100 أما درجة حرارة الشي فأعلى كثيراً. وآلام المسيح لم يكن هناك ما يلطفها، بل تركها الآب لنيران الألم.

 

11.     لا تبقوا منه إلى الصباح.. والباقي تحرقونه

 

(آية10): "ولا تبقوا منه إلى الصباح والباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار."

كان لابد أن يدفنوا المسيح قبل السبت (الفصح) (لو54:23 + يو31:19،42). وقد حرصت كنيستنا على عدم إبقاء الأسرار لليوم التالي. ونلاحظ أن الشعب قدم الذبيحة وخرجوا من مصر ليلاً وكان بقائه للصباح يعرضه للتلف مما يتعارض مع عظمة العمل، لذلك وحتى لا ينتن أو يستخدم في أغراض خرافية كما تفعل الشعوب الوثنية كانت تحرق الفضلات بالنار فهذه خير وسيلة لمنعها من التلف فالمسيح لم يرد فساداً.

وكانت الأجساد المعلقة لا تبقى للصباح (تث23:21) فكان يجب أن ينزل جسد المسيح قبل الصباح. وروحياً فالخلاص تم في المساء وذهب اللص للفردوس مع المسيح "اليوم تكون معي في الفردوس".

 

12.     رأسه مع أكارعه وجوفه.

 

(آية9): "لا تأكلوا منه نيئاً أو طبيخاً مطبوخاً بالماء بل مشوياً بالنار رأسه مع أكارعه وجوفه."

كانت الأحشاء تغسل وترد إلى داخل الخروف لتشوى معه. وعلينا أن نفهم المعنى الروحي لهذا فالرأس تشير لفكر المسيح (وعلينا أن يكون لنا فكر المسيح في5:2). والقدمين تشير لإتجاهاته (فلنسلك كما سلك ذاك) والجوف أي الأحشاء تشير لمحبته وعواطفه ولعلنا ندرك محبته لنا ويكون لنا نفس الحب تجاه الآخرين. وحينما نأكل جسد المسيح يتقدس فكرنا وتتقدس مشاعرنا وإتجاهاتنا. وما معنى أن تشوى الرأس والأكارع والجوف؟ فالمسيح في حياته وفي صليبه احتمل آلام فكرية ذهنية وعاطفية من كل من هاجموه وظلموه فهو قال "نفسي حزينة حتى الموت" لم يوجد مكان في جسد المسيح لم يتعرض للألم، الكل تعرض لنيران الألم.. رأسه وجسده ويديه وقدميه..

 

13.     يأكلوه وهم في استعداد للرحيل

 

(آية11): "وهكذا تأكلونه أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعصيكم في أيديكم وتأكلونه بعجلة هو فصح للرب."

اليهود كانوا يأكلونه وهم كأنهم في استعداد للرحيل (أحقاؤكم مشدودة وأحذيتكم في أرجلكم وعصيكم في أيديكم وتأكلونه بعجلة) كان اليهود ينفذون هذا حرفياً تذكاراً لخروجهم من مصر في تلك الليلة. ونحن نتناول جسد المسيح ودمه بشعور من هو في غربة ومستعد لترك هذا العالم ومتطلعاً للرحيل نحو أورشليم العليا. والأحقاء المشدودة تشير لضبط الشهوات (شهوات الجسد وملذاته) والحذاء في الرجل يشير لمن خرج لهذا العالم يخدم الله غير عابئٍ بأشواك هذا العالم. والعصا في اليد هي قوة الله التي يعطيها لكل إنسان وهي الوصية وهي العبادة (فالعصا قيل أنها عصا الله وعصا موسى وعصا هرون). وقيل أن العصا هي الرجاء الذي نستند عليه في رحلتنا نحو السماء.

 

14.     استخدام الزوفا.

 

(آية22): "وخذوا باقة زوفا واغمسوها في الدم الذي في الطست ومسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم الذي في الطست وانتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح."

الزوفا نبات طيار كالنعناع يعطي رطوبة للحلق لذلك قُدَّمَ للمسيح خلاً في إسفنجة موضوعة على زوفا (يو29:19) وكان هذا ليسكن الألم ويهدئ من العطش. وكان شكل النبات يجعله مناسباً لرش الدم وصار رمزاً للتطهير لإستعماله دائماً لهذا الغرض (طقس تطهير الأبرص وخلافه) (لا4:14،6 + مز7:50 + لا49:4،51 + عد6:19،18). وهو نبات ضعيف يشير لتواضع المسيح. إذاً استخدام الزوفا يشير لأن الدم هو للتطهير ولشفاء أمراضنا وتطهير نفوسنا وإشتراك مع المسيح في آلامه على الصليب.

 

15.     من هو داخل البيت ينجو

 

(آية22): "وخذوا باقة زوفا واغمسوها في الدم الذي في الطست ومسوا العتبة العليا والقائمتين بالدم الذي في الطست وانتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح."

إشارة لمن هو داخل الكنيسة جسد المسيح ثابتاً في المسيح، هذا يكفر عن الدم.

 

16.     فريضة أبدية                          = "اصنعوا هذا لذكري"

 

(آية14): "فتحفظون هذا الأمر فريضة لك ولأولادك إلى الأبد."

ظل الفصح شريعة ثابتة لليهود حتى أتى المسيح المرموز إليه فبطل الرمز وحل سر الإفخارستيا في الكنيسة للأبد، ووحدتنا مع المسيح هي وحدة أبدية (لو15:22،16).

 

17.     كل إبن غريب لا يأكل منه (43) كل عبد يأكل (44).

 

(آية 43،44): "وقال الرب لموسى وهرون هذه فريضة الفصح كل ابن غريب لا يأكل منه. ولكن كل عبد رجل مبتاع بفضة تختنه ثم يأكل منه."

اشترط أن لا يأكل منه إلا المختون. والتناول لا يتمتع به سوى المعمد والمختون روحياً أي التائب. وفي بيت واحد يؤكل (آية46) أي من هم واحد في الإيمان والكل يأكلون منه كباراً وصغار. والعبيد الذين يأكلون منه هم المختونين هذه إشارة لقبول الأمم على أن يعتمدوا أولاً. (1كو27:11).

 

18.     عظماً لا تكسروا منه.

 

(آية 46): "في بيت واحد يؤكل لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج وعظما لا تكسروا منه."

يشير للسيد المسيح الذي لما جاءوا ليكسروا ساقيه وجدوه قد مات سريعاً (يو36:19) فلم يكسروها. وهذا يشير لكمال ذبيحة الفصح وكمال عملها في الخلاص. وإذا كانت الكنيسة هي من لحمه ومن عظامه فكنيسة المسيح لن تنفصم وهو سيحافظ علي جسده. وكما أن الفصح لا يكسر عظامه، هكذا الصديقون المتحدون بالسيد المسيح فصحهم لا تكسر عظامهم (مز20:34). والعظم هو الإيمان الحي الذي لا ينكسر. فاللص اليمين كسرت عظامه أما عظام نفسه فقد حفظها الرب، إذ تمسك بالإيمان في لحظات الضيق فاستحق الفردوس.

(آية6): "ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية."

المقصود أن كل أسرة أو كل جماعة أو كل بيت تذبح الخروف في وقت واحد ولكنها حملت رمزاً واضحاً أن كل إسرائيل شعباً وكهنة وكتبة.... اشتركوا في صلب المسيح.

(آية12): "فأني اجتاز في ارض مصر هذه الليلة واضرب كل بكر في ارض مصر من الناس والبهائم واصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين أنا الرب."

أصنع أحكاماً بكل آلهة المصريين= هناك تقليد يهودي يقول أن الأوثان المصرية سقطت في هذه الليلة. ولكن الأهم أن أبكار عابدي الأوثان ماتوا ولم تستطع أوثانهم أن تحميهم. فضلاً عن موت أبكار البهائم المقدسة عند المصريين.

(آية15): "سبعة أيام تأكلون فطيراً اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم فان كل من آكل خميراً من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل."

كانوا يأكلون الفطير من يوم 14مساءً أي ليلة الخامس عشر حتى 21مساءً أي ليلة الاثنين وعشرين. وكانوا يحرقون كل أثر لخبز مختمر في البيت.

(آية16): "ويكون لكم في اليوم الأول محفل مقدس وفي اليوم السابع محفل مقدس لا يعمل فيهما عمل ما إلا ما تأكله كل نفس فذلك وحده يعمل منكم."

محفل مقدس= أي يحتفلون بطريقة مقدسة لا بطرق عالمية. وكلمة محفل مقدس مترجمة في اليونانية كنيسة وهي تذكر هنا لأول مرة.

(آية17): "وتحفظون الفطير لأني في هذا اليوم عينه أخرجت أجنادكم من ارض مصر فتحفظون هذا اليوم في أجيالكم فريضة أبدية."

تفسير هذه الآية روحياً "عليكم أن تحفظوا نقاوتكم لأنني قد حررتكم وهذه تقال للشعب الخارج من مصر وتقال لنا نحن المفديين بالدم.

(آية19): "سبعة أيام لا يوجد خمير في بيوتكم فان كل من أكل مختمراً تقطع تلك النفس من جماعة إسرائيل الغريب مع مولود الأرض."

كانوا ينظفون البيت من أي أثر للخمير ويسير رب الأسرة بمصباح ليبحث عن أي كسرة خبز ويحرقها. تقطع تلك النفس= ذكرت 36 مرة في العهد القديم.

(آية26): "ويكون حين يقول لكم أولادكم ما هذه الخدمة لكم."

طقس العيد فيه تذكار وتعليم للصغار ليعرف الكل ما صنعه الرب.

(آية29): "فحدث في نصف الليل أن الرب ضرب كل بكر في ارض مصر من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الأسير الذي في السجن وكل بكر بهيمة."

فحدث في نصف الليل= هذا إشارة ليوم دينونة إبليس، اليوم الأخير الذي سيكون له يوم ظلمة (يؤ30:2،31 + عا18:5-20) ولقد أسلم المسيح فصحنا الجديد روحه في آخر النهار ودخل بالليل إلى الجحيم ليفك المأسورين في الظلمة وينطلق بهم إلى نور الفردوس الذي بلا ظلمة.

(آية33): "وألح المصريون على الشعب ليطلقوهم عاجلاً من الأرض لأنهم قالوا جميعنا أموات."

ألح المصريين= لم يلح فرعون وحده بل كل الشعب المصري وأعطوا اليهود ما طلبوه حتى يخرجوا بسرعة ولا يعوقهم شئ فهم خافوا أن تأتي عليهم ضربات جديدة. ولننظر نهاية الكبرياء !! ماذا وصل إليه حال فرعون ورجاله وشعبه!! وقارن مع (2:5) هكذا يعمل الله في حياتنا وإن ثابرنا حتى النهاية فحتى المقاومين لنا يدفعونا للعبور دفعاً.

 

(آية37): "فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس إلى سكوت نحو ست مئة ألف ماش من الرجال عدا الأولاد."

ارتحلوا من رعمسيس إلى سكوت= بداية الإنطلاق أن نترك أرض الخطية فرعمسيس هي معقل العبادة الوثنية وسكوت تعني مظال فالمؤمن يحيا هنا في غربة. 600.000ماشٍ= دخل مصر 70 نفساً + نساؤهم وبناتهم وعبيدهم وإمائهم. وهذا العدد تقريبي والعدد الحقيقي نجده في (عد32:2) وهو 603550 عدا اللاويين. ولكن رقم 600.000= 6 × 100 × 1000 وبالمعاني الرمزية للأرقام فرقم 6 يشير لكمال العمل الإنساني فالإنسان خُلِقَ في اليوم السادس (وأكمل ما في الإنسان نقص بالنسبة لله) ورقم 100 يشير لجماعة الله (قطيع المسيح 100 خروف) ورقم 1000 يشير للحياة السماوية. وكأن الكنيسة المنطلقة لكنعان يمثلها هذا الرقم رمزياً. فهم بشر (6) لهم سقطاتهم ولكنهم قطيع المسيح ولهم طابعهم وحياتهم السماوية. وهم في حركة دائمة مستمرة نحو السماء (هم 600.000 ماشٍ نحو كنعان). ولاحظ أن العدد يشمل الرجال فقط دون الأولاد أي من له ثمار روحية وقد نضج.

 

(آية38): "وصعد معهم لفيف كثير أيضاً مع غنم وبقر مواش وافرة جداً."

لفيف= ربما كانوا من المصريين أو العبيد الآخرين من الشعوب الأخرى. وربما أعجب هؤلاء بإله إسرائيل أو وجدوها فرصة للهروب.

 

(آية40): "وأما إقامة بني إسرائيل التي أقاموها في مصر فكانت أربع مئة وثلاثين سنة."

430سنة= راجع تفسير سفر التكوين إصحاح (15).

 

(آية46): "في بيت واحد يؤكل لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج وعظماً لا تكسروا منه."

في بيت واحد يؤكل= كانت الشاة الواحدة تؤكل في بيت واحد، لأن النجاة من الهلاك كانت للإنسان الذي يوجد داخل البيت محمي بالدم. وتشير العبارة أيضاً لوحدة المؤمنين مع بعضهم، وبينهم وبين الذبيحة، وبينهم وبين الله الواحد للإيمان الواحد.


 

الإصحاح الثالث عشر

الآيات (1-8): "وكلم الرب موسى قائلاً. قدس لي كل بكر كل فاتح رحم من بني إسرائيل من الناس ومن البهائم انه لي. وقال موسى للشعب اذكروا هذا اليوم الذي فيه خرجتم من مصر من بيت العبودية فانه بيد قوية أخرجكم الرب من هنا ولا يؤكل خمير. اليوم انتم خارجون في شهر أبيب. ويكون متى أدخلك الرب ارض الكنعانيين والحثيين والأموريين والحويين واليبوسيين التي حلف لآبائك أن يعطيك أرضاً تفيض لبناً وعسلاً انك تصنع هذه الخدمة في هذا الشهر. سبعة أيام تآكل فطيراً وفي اليوم السابع عيد للرب. فطير يؤكل السبعة الأيام ولا يرى عندك مختمر ولا يرى عندك خمير في جميع تخومك. وتخبر ابنك في ذلك اليوم قائلاً من اجل ما صنع إلى الرب حين أخرجني من مصر. ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."

حتى يذكر الشعب هذه الليلة طلب الرب ثلاثة أشياء منهم وهي:

1.     الفصح.

2.     الفطير.

3.     تقديس الأبكار (موضوع هذا الإصحاح).

ويبدأ الإصحاح بقوله قدس لي كل بكر (آية2)= وقدس أي إفرز وخصص لله. فقبل العبور لابد من التقديس وإلا سيكون العبور عبوراً من عبودية إلى عبودية أخرى. والبكر هي أثمن وأعز شئ لدى العائلة، وهذا ما يطلبه الله أن نقدم له أثمن شئ عندنا. ونلاحظ أن هذه الوصية هي أول وصية يقدمها موسى ويأمر بها الله بعد الخروج مباشرة. وهي ليست وصية بمقدار ما هي وعد وعطية، فبخروج الشعب من دائرة العبودية والإنطلاق نحو أورشليم العليا (غل26:4) يدخل المؤمن في دائرة ملكية الله، ويصير عضواً حياً في هذا الملكوت الإلهي، إذ يقول الله "إنه لي" وتقول النفس وأنا له.. أنا لحبيبي وحبيبي لي.

 

خطوات التقديس:

1.     الفرز: لسنا للعالم فقد إشترانا المسيح (آية2).

2.     الإيمان: أذكروا هذا اليوم (آية3) = في الشدائد نذكر عمل الله فيكون لنا إيمان بل يزداد كل يوم.

3.     عزل الشر كل أيام الحياة= لا يؤكل خمير (آية6).

4.     إتحاد بجسد المسيح ودمه= تصنع هذه الخدمة (آية5).

5.     التعليم: وتخبر إبنك (آية8).

ولقد اهتم الرب بموضوع البكور، وطلب البكر من الإنسان والحيوان والنباتات. راجع (لا10:23-14، 26:27-29 + عد19:15-21 + 13:18-20 + 23:19). والمفهوم أنه بتقديم البكر يتقدس الكل وبهذا يحسب أن الكل قي قد للرب. وكان هذا رمزاً لما صنعه لنا المسيح بكرنا، وبكر كل خليقة ورأسها (كو15:1،18 + رو29:8). فهو تقدم نيابة عنا نحو إخوته الأصاغر مقدماً حياته للآب ذبيحة طاعة وحب بلا عيب، فإشتمه أبوه الصالح رائحة رضا وسرور، فصارت البشرية المتحدة فيه موضوع سرور الآب ورضاه. وكما فقد رأوبين وعيسو وغيرهم بكوريتهم لينالها من هم أصغر منهم فقد آدم بكوريته للبشرية وصار المسيح آدم الثاني هو بكر البشرية الجديدة، هو القدوس حدوه وبلا عيب. تقدم كبكر ثمار البشرية للآب فتقدس فيه كل المؤمنين. والآن فإن الآب قدَّم لنا أثمن ما عنده فهو يطالبنا أن نقدم له أثمن ما عندنا (هو يريد قلبنا المملوء حباً له) هو يريدنا بالكلية (ولاحظ أننا حين نعطي أنفسنا لله يكون هذا حرية لنا أما لو أعطينا أنفسنا لأي أحد غيره نستعبد).

ونلاحظ ن الله طلب الأبكار فهو الذي أنقذ الأبكار في ليلة الخروج فهو يعتبرهم له. ونحن صرنا في المسيح أبكاراً أعطانا المسيح حياة بعد موت بفدائنا كما أعطى أو أبقى حياة أبكار الشعب في ليلة الخروج وكما طلب الأبكار الذين أبقى حياتهم يطلبنا نحن الذين وهبنا حياته.

وكان البكر يحصل على نصيب إثنين في الميراث (تث17:21) إشارة إلى فيض نعم الله علينا في الميراث الأبدي. وكان بكر الملك يملك مكانه فنحن في المسيح ملك الملوك نكون ملوكاً. ولقد طلب الله بتقديم اللاويين له بعد ذلك عوضاً عن الأبكار بعد أن شرحت وصية تقديس البكر عمل المسيح لنا. إذاً وصية تقديم الأبكار لله كانت مجرد شرح أن الله يريد لنفسه من أنقذهم من الموت. وهذا إشارة لنا نحن الذين أنقذنا الله من الموت فصرنا أبكاراً (عب23:12) أي صرنا له مقدسين أي مخصصين ومكرسين له.

 

آية (9): "ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك لكي تكون شريعة الرب في فمك لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر."

ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك.. في فمك= فهم اليهود هذه الوصية حرفياً للأسف فكانوا يرتدون عصابات على رؤوسهم وعلى أياديهم (مثل الساعة الآن) وكانت تصنع من جلد على هيئة علبة صغيرة لها سوار جلدي ومكتوب داخلها آيات من الشريعة هي (خر2:13-10 + خر11:13-16 + تث13:11-21 + تث4:6-9)

ولكن كان قصد الله أن تكون الوصية منفذة عملياً ومطبقة في حياتنا= علامة على يدك وأن تكون وصايا الله وشرائعه موضع لهجنا وحديثنا (مز15:119،16،31.. )= في فمك.

 

(آية 13): "ولكن كل بكر حمار تفديه بشاة وأن لم تفده فتكسر عنقه وكل بكر إنسان من أولادك تفديه."

الحيوانات الطاهرة كانت تقدم منها الذبائح التي تشير للمسيح، أما البهائم غير الطاهرة فتشير للإنسان في حالته الطبيعية، الذي إن لم يفدي بشاة تًكْسَرْ عنقه. ونحن إن لم يكن المسيح قد إفتدانا لكنا قد هلكنا. ولعل الإنسان يتواضع إذ يتساوى هنا بالحيوان غير الطاهر. ولاحظ أن الله يرفض الحيوانات غير الطاهرة فهو لا يريد أبكارها. إنه لا يريدها بل يريد من يفتديها (شاة فداءً عن بكر الحيوان غير الطاهر). وعملياً فالحمار وسيلة للركوب والنقل وهو حيوان ثمين لدى الفلاح والشاة أرخص منه كثيراً فكان الفلاح يفضل فداء حماره عن قتله. والحمار هنا إتخذ كعينة لكل الحيوانات غير الطاهرة فهو الشائع استخدامه. وكسر العنق حتى لا تسول لهم نفوسهم أن يأكلوه. وكانت الشاة تعطى للكهنة.

 

(آية 17): "وكان لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين مع أنها قريبة لأن الله قال لئلا يندم الشعب إذا رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر."

الله لم يهدهم في طريق ارض الفلسطينيين كان الطريق السهل من مصر إلى فلسطين هو الطريق الذي يمر بالساحل الشمالي لكن الله أرشدهم لطريق آخر، فكان عليهم أن يدوروا بسيناء كلها. وقطعاً لقد تحيَّر الشعب لماذا أتى بهم الله لطريق غير الطريق المعروف؟!

وكان لهذا أسباب عديدة:

1.     كان الطريق الرسمي من مصر إلى فلسطين به كثير من الحاميات المصرية بالإضافة إلى أن جيش الفلسطينيين هو جيش قوي. فالله أراد أن يجنبهم الحرب مع المصريين والفلسطينيين فهو يعلم إمكانياتهم وأنهم لا يحتملون مثل هذه الحرب وغير مؤهلين لها. والله لا يدعنا نجرب فوق ما نحتمل (1كو13:10)= قال لئلا يندم الشعب إذ رأوا حرباً ويرجعوا إلى مصر.

2.     أراد الله لهم في البرية فترة تنقية من أثار العبودية، هي فترة صقل واختبارات روحية.إذ كيف يدخلون لكنعان بوثنيتهم وروح العبودية فيهم. وهي أرض الله.

3.     كان يجب أن تتم كل الرموز، بعبورهم في البحر رمزاً للمعمودية، وهلاك جيش فرعون رمزاً لدينونة إبليس، ورمزاً للهلاك الأبدي للأشرار من أتباعه.

4.     كانت فرصة البرية فرصة لهم لنمو إيمانهم (مدرسة للإيمان) يعرفون فيها الله ويختبرون أنه لا يستحيل عليه شئ فهو يعطي المن من السماء والماء من الصخرة.

5.     كان لهم تدرج في الحروب، فهم لا يستطيعون الحرب مع الجيوش الكبيرة. لكن بعد أن عبروا البحر وشربوا الماء وأكلوا المن سمح الله لهم بالحرب مع عماليق (تدرج في الحروب).

6.     كان الله يخطط لدمار فرعون نهائياً، وإلا لظل يتبعهم في طريق فلسطين.

7.     كان من السهل على الله أن يبيد أمامهم كل جيوش الأعداء ويدخلوا فلسطين بعد أيام قليلة من خروجهم من مصر لكن طبيعة التذمر وضعف الإيمان كان سيبقى داخلهم.

8.     كانت انتصاراتهم وعمل الله معهم مصدر رعب لشعوب كنعان (يش9:2،10).

9.     لذلك وإن بدت طريق الخروج طريق متخبطة لكنها كانت بحكمة وإرشاد الله.

فكان هناك سحابة تقودهم

 

(آية 18): "فأدار الله الشعب في طريق برية بحر سوف وصعد بنو إسرائيل متجهزين من ارض مصر."

متجهزين= أي سائرين بنظام دقيق عكس ما يتصوره المرء من أناس هاربين فهم لم يكونوا مشوشين وبلا نظام فإلهنا إله ترتيب.

 

(آية 19): "واخذ موسى عظام يوسف معه لأنه كان قد استحلف بني إسرائيل بحلف قائلاً أن الله سيفتقدكم فتصعدون عظامي من هنا معكم."

عظام يوسف معه= كأن يوسف أدرك أن شعبه سيخرج من أرض مصر ويستريح في أرض الموعد، فكان يود أن يستريح جسده في أرض كنعان كتعبير عن اشتهائه أن يقوم بجسده النوراني بعد القيامة في كنعان السماوية. وكانت عظام يوسف مع الشعب خلال الرحلة رمزاً للكنيسة التي تحمل ذكرى القديسين الذين سبقوا فرقدوا (السنكسار والمجمع).

 

(آية 20): "وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام في طرف البرية."

إيثام هي المحطة الثالثة (الأولى رعمسيس والثانية سكوت) وإيثام تعنى حد أو تخم. وأول مرة نسمع عن السحابة كانت بعد ذكر إيثام. والسحابة تشير للروح القدس الذي يقود الكنيسة والذي أعطى للكنيسة بعد قيامة المسيح في اليوم الثالث. كما سمعنا عن السحابة بعد المحطة الثالثة. (نفس مفهوم مسيرة الثلاثة أيام).

 

(آية 21): "وكان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلاً في عمود نار ليضيء لهم لكي يمشوا نهاراً وليلاً."

الله سمح لهم بالتوهان بعيداً عن الطريق السهل لكنه كان هو قائدهم فكيف يضلون الطريق. وهذه السحابة ظلت معهم حتى كنعان ولم تتركهم حتى في لحظات تمردهم وتذمرهم ومعاني هذه السحابة:-

1.     السحاب فيه معاني المطر والخير والتنقية. وتحمل معنى المعمودية (1كو2:10).

2.     كانت السحابة تظللهم في النهار فتمنع عنهم حرارة الشمس المحرقة (1كو1:10).

3.     عمود النار يحمل معاني التنقية والنور للإرشاد والتطهير (راجع مز39:105، أش5:4).


 

الإصحاح الرابع عشر

الله يسمح للشعب ولأولاده بتجارب قد تبدو قاسية ليروا ذراعه فيؤمنوا. إذاً لنسلم له حياتنا ولنسير حينما وإلى حيثما يأمر الله، حتى وإن قادنا في طريق تبدو خاطئة فالبحر أمامنا وفرعون وجيشه ورائنا والهلاك واضح أمامنا لكن في اللحظة المناسبة ينفتح البحر وفي اللحظة المناسبة يغلق فيهلك فرعون وجيشه.

 

الآيات (2-4): "كلم بني إسرائيل أن يرجعوا وينزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل والبحر أمام بعل صفون مقابله تنزلون عند البحر. فيقول فرعون عن بني إسرائيل هم مرتبكون في الأرض قد استغلق عليهم القفر. واشدد قلب فرعون حتى يسعى وراءهم فأتمجد بفرعون وبجميع جيشه ويعرف المصريون أني أنا الرب ففعلوا هكذا."

الله يضعهم في تجربة قاسية حتى يعلموا أن الطريق ليس سهلاً، بل هو طريق جهاد مستمر. والبحر يشير لتجارب العالم أمامنا وفرعون ورائنا يشير لعدو الخير بجنوده ورائنا، حقاً ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة (مت14:7). هو طريق سهر وجهاد وإيمان. لكن لماذا الخوف والله هو الذي يقودنا. والله سمح بهذه الضيقة ليتمجد أمام شعبه لقد شدد الرب قلب فرعون بأن تركه لشهوات قلبه وقساوة قلبه. الله تركه لحريته. وربما لو رأى الشعب أنهم محاطين بالبحر أمامهم وفرعون ورائهم والجبال تحيطهم ولا مفر بل هم هالكين بالتأكيد لظنوا أن الله قد أخطأ وقادهم في طريق خاطئة ولكن الله لا يخطئ فكل شئ بترتيب حتى يتمجد الله أمام شعبه بهلاك مقاوميه.

 

آية (5): "فلما اخبر ملك مصر أن الشعب قد هرب تغير قلب فرعون وعبيده على الشعب فقالوا ماذا فعلنا حتى أطلقنا إسرائيل من خدمتنا."

قد هرب= قيل أنهم هربوا مع أن فرعون هو الذي أطلقهم وربما يكون السبب أن فرعون تصوَّر أنهم سيعودون بعد الثلاثة أيام ولم يتصور هروبهم نهائياً.

 

آية (7): "واخذ ست مئة مركبة منتخبة وسائر مركبات مصر وجنودا مركبية على جميعها."

600مركبة= المعنى الرمزي للرقم هو أن فرعون خرج بكل طاقته البشرية (6×100) لكنهم ليس لهم السمة السماوية مثل شعب الله (600×1000) لذلك فشلوا وهلكوا. وكانت المركبة الحربية يجرها حصانان أو أربعة ولها أربعة جنود، قائد للمركبة ومدافع عن القائد ومحارب أو اثنين داخل المركبة.

 

آية (9): "فسعى المصريون وراءهم وأدركوهم جميع خيل مركبات فرعون وفرسانه وجيشه وهم نازلون عند البحر عند فم الحيروث أمام بعل صفون."

كان جيش فرعون مشاة وفرسان بخيلهم ومركبات. وغالباً فالفرسان والمركبات هم الذين دخلوا البحر وراء الشعب ويفهم هذا من تسبحة موسى "الفرس وراكبه طرحهما في البحر 1:15" وظل فرعون مع المشاة خارج البحر.

 

آية (11): "وقالوا لموسى هل لأنه ليست قبور في مصر أخذتنا لنموت في البرية ماذا صنعت بنا حتى أخرجتنا من مصر."

مع أول ضيقة ظهر نقص إيمان الشعب وروح التذمر فيه وهذا ما كان الله سيعالجه في البرية. لقد اشتاقوا إلى حياة العبودية في مصر ثانية عوضاً عن حياة الجهاد.

 

آية (14): "الرب يقاتل عنكم وانتم تصمتون."

الرب يقاتل عنكم= الله لم يدفعهم للحرب مع فرعون كما فعل معهم في حربهم مع عماليق وغيرهم فيما بعد، لأنهم لم يختبروا بعد المن السماوي ولا الشراب الروحي. هم خرجوا من مصر بلا خبرة في الجهاد. فالله لا يسمح لنا بحرب إلا في حدود إمكانياتنا.

 

آية (15): "فقال الرب لموسى ما لك تصرخ إلى قل لبني إسرائيل أن يرحلوا."

ما لك تصرخ إلىّ= مع أن الكتاب لم يذكر أن موسى قد صرخ بل كان يبعث في الشعب روح الرجاء في الخلاص، لكن كان هناك صراخ في قلبه وسمع الله صراخه لأنه كان أعلى من صرخات الشعب غير المؤمنة والمملوءة رعباً، لكن صراخ موسى كان صراخ المؤمن الذي يطلب من الله أن يتدخل وينقذ شعبه. (وهكذا :سمع الله صراخ إسماعيل الصامت ولم يسمع صراخ الأم (تك17:21)) وهكذا الله يسمع صرخات القديسين الصامتة. والله لم يقل لموسى أن يكف عن الصراخ بل أن يستمر في صلاته ويحرك الشعب= قل لبني إسرائيل أن يرحلوا وبنفس المفهوم نسمع أن هابيل كان دمه يصرخ من الأرض بعد أن مات.

 

آية (17): "وها أنا اشدد قلوب المصريين حتى يدخلوا وراءهم فأتمجد بفرعون وكل جيشه بمركباته وفرسانه."

مهما تشدد أعداء الكنيسة ضدها سيتمجد الله أخيراً. لقد سلك الشعب بالإيمان إذ رأوا البحر أمامهم فإنفتح لهم طريق ونجوا أما الأعداء فرأوا الطريق بالعيان فساروا فيه فغرقوا وهلكوا. وكان عبور البحر رمزاً للمعمودية التي فيها ندفن مع المسيح المتألم ونقوم للتمتع بقيامته. ويهيج إبليس وجنوده وتباد أعمالهم الشريرة ولنلاحظ:

1.     قسى فرعون قلبه لكي يهلك الشعب فهلك جيشه. وقسى إبليس أيضاً قلبه فأراد أن يقتل المسيح ويبيد أسمه من كورة الأحياء، وإذ به يهزم ويهلك جيشه. لاحظ أن الكتاب لم يذكر أن فرعون قد غرق بل هو فقد جيشه. وإبليس لم يهلك تماماً بعد الصليب بل فقد قوته فيوم هلاكه في البحيرة المتقدة بالنار لم يأت بعد.

2.     رأى فرعون البحر منشقاً فإندفع وراء الشعب ولم يخاف ويرتعب، ورأى إبليس الطبيعة الثائرة في لحظات صلب المسيح ولم يبال بل إندفع ليكمل الصلب.

3.     ضرب موسى البحر بعصاه ليهلك جيش فرعون وضرب السيد المسيح إبليس بصليبه ليهلكه.

4.     بعد العبور إجتاز الشعب البرية، ونحن أيضاً إذ تمتعنا بعمل الصليب في المعمودية نجتاز برية هذا العالم مع قائدنا المسيح حتى نبلغ أورشليم السماوية. وكما أرسل الله موسى ليخلص الشعب من العبودية هكذا أرسل الآب ابنه ليخلصنا من عبودية إبليس.

 

آية (19): "فانتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم."

عمود السحاب يرمز للروح القدس الذي يقود المسيرة. لأن خيمة الاجتماع كانت ترمز للمسيح وسط شعبه. ولأن السحابة ترمز للروح القدس الذي يعطي ماءً للإثمار والنار ترمز للروح القدس فهو حل على التلاميذ بهيئة ألسنة نار. وهذا يتضح من هذه الآية فهناك ملاك الله.. وهناك عمود السحاب= فإنتقل ملاك الله.. وإنتقل عمود السحاب فكل إقنوم له عمله في المسيرة. ولاحظ أن الشعب تعمد في السحاب (1كو2:10) وهذا عمل الروح القدس. وملاك الله هو الأقنوم الثاني، ونرى عمله في آية (24)

آية (20): "فدخل بين عسكر المصريين وعسكر إسرائيل وصار السحاب والظلام وأضاء الليل فلم يقترب هذا إلى ذاك كل الليل."

أولاد الله يسيرون في النور وأولاد العالم يتعثرون في الظلمة.

 

الآيات (21،22): "ومد موسى يده على البحر فأجرى الرب البحر بريح شرقية شديدة كل الليل وجعل البحر يابسة وانشق الماء. فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم."

ما أعجب اسمك يا رب فالهواء والريح والبحر، الكل يطيعك.

 

آية (24): "وكان في هزيع الصبح أن الرب اشرف على عسكر المصريين في عمود النار والسحاب وأزعج عسكر المصريين."

هزيع الصبح= ويسمى محرس الصبح. وهذه الكلمة جاءت من تغيير الحراس 4 مرات في الليل. فكان الليل يبدأ من الساعة 6 مساء حتى الساعة 6 صباحاً لمدة 12 ساعة تقسم إلى أجزاء كل منها 3 ساعات. وهناك نوبة حراسة لكل ثلاث ساعات. والنوبة تسمى هزيع أو محرس (نوبة حراسة) وآخر هزيع فيهم يسمى هزيع الصباح أو محرس الصبح. أشرف الرب[2]= أي ألقى برعبه على المصريين وربما بدأ ضرباته بصواعق من نار أو بروق ورعود أرعبتهم. وكان رعبهم سبب تخبطهم فالضباب كان محيط بهم (مز17:77-20)

 

آية (25): "وخلع بكر مركباتهم حتى ساقوها بثقلة فقال المصريون نهرب من إسرائيل لأن الرب يقاتل المصريين عنهم."

خلع بكر مركباتهم= ربما رجع هذا لتخبطهم من الرعب الذي وقع عليهم فتخبطت مركباتهم أو أن هذا من عمل الصواعق أو أي تدبير إلهي.

 

آية (27): "فمد موسى يده على البحر فرجع البحر عند إقبال الصبح إلى حاله الدائمة والمصريون هاربون إلى لقائه فدفع الرب المصريين في وسط البحر."

هاربون إلى لقائه= تعبير رائع يدل على فزعهم فهم اتجهوا ناحية البحر وراء الشعب وكان في هذا الوقت أن البحر تحرك لوضعه الأصلي. هم كانوا يتحركون في اتجاه تقدم ماء البحر فغرقوا. وهم كانوا هاربون من الضربات والرعب السابق. فهم هربوا من رعب ليلقوا حتفهم، أي هربوا من رعب إلى لقاء مصيرهم المحتوم في البحر.

 

آية (29): "وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر والماء سور لهم عن يمينهم وعن يسارهم."

ما أجمل أن يكون الله هم سور لنا ليحمينا (زك5:2).

 

آية (31): "ورأى إسرائيل الفعل العظيم الذي صنعه الرب بالمصريين فخاف الشعب الرب وآمنوا بالرب وبعبده موسى."

وآمنوا به= هنا تحقق هدف الله من توهانهم في البرية (البرية هي مدرسة الإيمان)

نقطة العبور : جنوب السويس 16كم

عرض البحر عندها : 12-13كم

نقطة الخروج : عيون موسى


 

الإصحاح الخامس عشر

لم نسمع من الشعب قبل العبور سوى الصراخ والأنين والشكوى. ولكنهم سبحوا فوراً عقب خروجهم للحرية، سبحوا في فرح لخلاصهم من العبودية. والنفس التي مازالت مستعبدة للخطية بالقطع لا تستطيع التسبيح أما من تحرر من الخطية فلا يستطيع أن يكف عن التسبيح لذلك يقول المزمور (137) "على أنهار بابل (حيث كان الشعب في السبي) هناك بكينا على الصفصاف علقنا أعوادنا.. كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة"

وهذه أول ترنيمة في الكتاب المقدس وقد كتبها موسى بالتأكيد فهي تشبه أشعار المصريين فالله يستغل إمكانيات أولاده ومواهبهم. وهنا الله استغل ثقافة موسى وترمز هذه التسبحة لتسبحة المفديين في السماء، إذ خلصهم الله وعبر بهم من العالم إلى السماء (رؤ3:15) لهذ1 وضعتها الكنيسة في التسبحة اليومية بكونها الهوس الأول وكلمة هوس تعني تسبحة، لتؤكد لأولادها ضرورة التسبيح لله وتقديم الشكر المستمر من أجل عمله الخلاصي معنا. وكنيستنا تهتم بالتراتيل والتسابيح والمزامير والألحان وتعلمنا ذلك لنشكر الله على أعماله العظيمة معنا. فعلينا أن نسبح الله إذا حصلنا على أي نعمة، ونسبحه فوراً كما فعل الشعب إذ سبحوا الله حالما خرجوا، لنسبحه قبل أن نفتر وننسى.

 

(آية1): "حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا أرنم للرب فانه قد تعظم الفرس وراكبه طرحهما في البحر."

آرنم للرب= فالرب هو موضوع تسبيح موسى. فهو مصدر قوته (آية2). ومن شعر أن الرب قوته لابد وأن يكون الرب تسبحته ونشيده. ومن شعر أن الرب خلاصه فلابد أن يعظم اسمه= فإنه قد تعظم. وموسى شعر أن الرب خلاصه ونجاته لذلك هو يعبده ويسبحه إذ هو إلهه وإله آبائه (آية2). وعظمته ظهرت في أعماله. ومن الذي يرنم؟ هو الشعب المفدي الذي اعتمد في البحر. والآن من الذي يسبح؟ الشعب المفدي بدم المسيحي والمعمد والتائب (فالتوبة معمودية ثانية). ونحن بالمعمودية إذ ندفن مع مسيحنا المصلوب ونقوم معه في جدة الحياة ينفتح لساننا الداخلي لنسبح الرب ونشكره. الفرس وراكبه طرحهما في البحر= ونحن نسبح المسيح الذي تمجد بالصليب حيث داس إبليس وكل قواته، ليعتق الذين سبق فأسرهم. وكان هذا الجزء من الترنيمة هو القرار الذي يردده الشعب مع مريم (راجع آية21).

 

(آية2): "الرب قوتي ونشيدي وقد صار خلاصي هذا الهي فأمجده إله أبي فارفعه."

إله أبي= أي أن مراحم الرب من جيل إلى جيل. هي كانت لأبائنا وهي لنا.

 

(آية3): "الرب رجل الحرب الرب اسمه."

الرب رجل الحرب= هو الغالب في الحروب التي يثيرها أعداء شعبه وهو قدير في ذلك وهي تشير للإله المتجسد الذي حارب وغلب بالصليب. الرب إسمه= أي يهوه أسمه.

 

(آية5): "تغطيهم اللجج قد هبطوا في الأعماق كحجر."

اللجج= الماء الكثير. هبطوا.. كحجر= القديس يكون كسحابة خفيفة فهو يشتاق للسماويات (أش1:19 هذه عن العذراء + عب1:12). أما الأشرار فهم كالرصاص ثقيل ومنجذب لأسفل (زك7:5،8). فالروح يشتهي ضد الجسد والجسد يشتهي ضد الروح فمن يستجيب للروح يصير سماوي ينتمي إلى فوق وأما الجسداني ينتمي إلى أسفل ويغرق والبحر يشير للعالم بخطاياه وأمواجه تشير لاضطراب العالم ومن يستجيب لشهوات جسده يغرق في أمواج هذا العالم ويهلك.

 

(آية6): "يمينك يا رب معتزة بالقدرة يمينك يا رب تحطم العدو."

يمينك يا رب= اليمين تشير للقدرة والقوة. معتزة بالقدرة= ممجدة بقدرتها والمسيح هو قوة الله (1كو24:1). إذن الابن هو يمين الرب الذي حطّم العدو بصليبه.

 

(آية8): "وبريح انفك تراكمت المياه انتصبت المجاري كرابية تجمدت اللجج في قلب البحر."

بريح انفك= قد تشير للرياح التي شقت البحر ثم جمعته ثانية ليغرق المصريين وريح الأنف تشير للغضب الإلهي على أعدائه. تراكمت المياه= أي وقفت كسد على الجانبين. تجمدت اللجج= وقفت المياه عن الجريان وصارت كجسم صلب.

 

(آية9): "قال العدو اتبع أدرك اقسم غنيمة تمتلئ منهم نفسي اجرد سيفي تفنيهم يدي."

قال العدو= هذا كان تصور فرعون حينما وجد الشعب أمام البحر وهو وجيشه من وراء أن الشعب صار في قبضة يده وأنه سيفترس الشعب. وهذا هو تصور إبليس عن المسيح إذ تصور أنه يمسك به على الصليب. وهذا هو تصوره عن الشهداء وعن كل من في ضيقة أنهم سيكونون غنيمة له بسبب ضعفهم. فعمل إبليس هو الإرهاب المستمر حتى يخيفنا لعل أحد يستسلم فيقع في قبضته.

 

(آية11): "من مثلك بين الآلهة يا رب من مثلك معتزاً في القداسة مخوفاً بالتسابيح صانعاً عجائب."

من مثلك= ليس لله شبيه في قدرته وحبه وفي طبيعته هو الغير مدرك وغير منظور ولا متغير. معتزاً في القداسة= الرب كلي القداسة وكل الخلائق تمجد قداسته مخوفاً بالتسابيح= أي تسبحه الخليقة في خوف.

 

(آية12): "تمد يمينك فتبتلعهم الأرض."

تبتلعهم الأرض= ربما حدث زلزال فتح الأرض وابتلع أعداداً منهم (مز18:77) وهذا حدث بعد ذلك مع قورح وجماعته ولكن المقصود غالباً هو البحر والأرض كناية فالأرض تشمل الماء واليابسة، وقيلت هكذا كنبوة عن عمل المسيح ضد إبليس. والأرض تبتلع كل من وضع رجاؤه فيها ويشتهيها غير ناظر للسماويات.

 

الآيات (13-18): "ترشد برأفتك الشعب الذي فديته تهديه بقوتك إلى مسكن قدسك. يسمع الشعوب فيرتعدون تأخذ الرعدة سكان فلسطين. حينئذ يندهش أمراء أدوم أقوياء موآب تأخذهم الرجفة يذوب جميع سكان كنعان. تقع عليهم الهيبة والرعب بعظمة ذراعك يصمتون كالحجر حتى يعبر شعبك يا رب حتى يعبر الشعب الذي اقتنيته. تجيء بهم وتغرسهم في جبل ميراثك المكان الذي صنعته يا رب لسكنك المقدس الذي هيأته يداك يا رب. الرب يملك إلى الدهر والأبد."

هي نبوة عن عناية الله بشعبه بعد خروجهم من مصر وحتى يصلوا إلى أرض الميعاد مسكن قدسه، أي حيث يسكن الرب في هيكله وسط شعبه. والله هو الذي قادهم برأفته ليس عن استحقاق لهم= ترشد برأفتك. يسمع الشعوب فيرتعدون= (راجع يش9:2-11 + عد21). فهذا حدث فعلاً لكنه نبوة عن فزع مملكة إبليس من عمل المسيح. حتى يعبر الشعب الذي إقتنيته= أي اشتريته فالله اشترانا بفدائه العجيب. وتكرار موسى حتى يعبر شعبك هو إعلان ان غاية العمل هو الخلاص والعبور إلى الأبدية. وربما ترديدها مرتين هو للإعلان عن أن الله سيقبل الأمم مع اليهود (أي أن العبور للشعبين). تغرسهم في جبل ميراثك لقد أقيم الهيكل فعلاً على جبل المريا. والله لا يغرس شعبه في أماكن شريرة وفاسدة بل على جبل أي في السماويات. وعلى جبل يعني أنه على أساس راسخ قوي شامخ. الله يريدنا أن نسكن في الأعالي. وقوله ميراثك لأن الله اقتني الشعب لذاته. المقدس الذي هيأته يداك= هذه تشبه الحكمة بنت بيتها (أم3:9). فهذا الأمر يخص تجسد المسيح، فإن الرب أخذ له جسداً ليس من زرع بشر بل بالروح القدس ومن بطن العذراء. الرب يملك إلى الدهر= عكس فرعون الذي هلك أمامهم.

(آية19): "فان خيل فرعون دخلت بمركباته وفرسانه إلى البحر ورد الرب عليهم ماء البحر وأما بنو إسرائيل فمشوا على اليابسة في وسط البحر."

وبنو إسرائيل فمشوا على اليابسة وأولاد الله قادرون أن يعيشوا وسط العالم بتقلباته وأمواجه وهم كأنهم على يابسة.

 

(آية20): "فأخذت مريم النبية أخت هرون الدف بيدها وخرجت جميع النساء وراءها بدفوف ورقص."

لا نعرف لمريم سوى هذا التسبيح فلم يذكر لها أي عمل آخر في الكتاب. ومن نبوة ميخا (مي4:6) نفهم أن مريم كانت من القادة. وأنه لعمل عظيم أن يقود أحد شعب الله ويعلمه التسبيح. أخت هارون= فموسى تربي في القصر وظلت مريم تدعى أخت هرون طوال فترة غياب موسى في القفر ثم هربه في البرية بالإضافة إلى أن هرون هو الأكبر سناً وأن موسى يميل لإنكار ذاته. بدفوف ورقص= كان الرقص يستخدم في التسبيح وداود رقص أمام تابوت الرب. ولكن هذا بطل لأن الرقص استخدم استخداماً دنيئاً.

 

الآيات (22-25): "ثم ارتحل موسى بإسرائيل من بحر سوف وخرجوا إلى برية شور فساروا ثلاثة أيام في البرية ولم يجدوا ماء. فجاءوا إلى مارة ولم يقدروا أن يشربوا ماء من مارة لأنه مر لذلك دعي اسمها مارة. فتذمر الشعب على موسى قائلين ماذا نشرب. فصرخ إلى الرب فأراه الرب شجرة فطرحها في الماء فصار الماء عذباً هناك وضع له فريضة وحكما وهناك امتحنه."

ما أن عبر الشعب وفرح وتهلل حتى بدأت التجارب والآلام، إذ شعروا بالعطش فتذمروا على موسى، إذ وجدوا ماءً مراً لا يقدر أن يرويهم. وأرشد الرب موسى عن شجرة ألقاها في المياه فصارت حلوة. وكان هذا هو أول دروس مدرسة الإيمان وقد فشل الشعب في فهم الدرس أن الله يستطيع كل شئ. كان هذا امتحان= هناك إمتحنه والله لا يمتحن شعبه ليعرف إن كان سيجتاز الإمتحان وينجح أو أنه لن يجتازه فيرسب فالله يعلم مقدماً نتيجة الامتحان. لكن الله كان قد اظهر قوته للشعب في معجزات عديدة والآن فالله يُثَّبِتْ لهم أنه قادر على كل شئ (هذه هي التمارين التي تعطى للطالب ليقوم بحلها بعد أن شرحت له النظرية، ويكون هذا لتثبيت النظرية في ذهن الطالب) والشجرة كانت ترمز للصليب الذي حول مرارة حياتنا إلى عذوبة وعوض ما نحمله من أعمال الإنسان القديم نتمتع بالطبيعة الجديدة التي صارت لنا في المسيح يسوع.

وإن تعقدت المشاكل أمامنا فلنسبح للمسيح أن يتدخل فيها فيحول ما هو للموت إلى ما هو للحياة وإن عشنا بمنطق الصليب لا يصبح فينا مرار داخلي بل سيكون كل شئ حلو في حياتنا فنحن إن قبلنا أن نحمل الصليب مع المسيح لن نتذمر وتتحول ألامنا إلى عذوبة وتسبيح.

ولنلاحظ أن أول ضربات موسى كانت تحويل الماء إلى دم وأول معجزات البرية تحويل الماء المر إلى ماء عذب وأول معجزات المسيح تحويل الماء إلى خمر (رمز الفرح). وهل يمكن وسط هذا العالم بآلامه أن يكون هناك فرح؟! هذا هو سر الصليب. فمن يقبل أن يحمل الصليب وراء المسيح تتحول حياته إلى عذوبة لأنه سيقبل داخله فرحة القيامة سيكون كل جهاد وتغصب وألم له طعم القيامة. هي حياة الرجاء في الأمور العتيدة ومن إنشغل بالحياة الأبدية فحتى الآلام ستكون لها طعم آخر.

 

(آية26): "فقال أن كنت تسمع لصوت الرب إلهك وتصنع الحق في عينيه وتصغي إلى وصاياه وتحفظ جميع فرائضه فمرضاً ما مما وضعته على المصريين لا أضع عليك فإني أنا الرب شافيك."

إن سمعوا لصوت الله يحول لهم مرارة الحياة إلى عذوبة فيقيهم من الأمراض التي ضرب بها المصريين لعنادهم. وإن مرضوا يشفيهم. والله استغل درس تحويل الماء المر إلى ماء عذب ليشرح أنه قادر على تحويل الماء المر في حياتنا أو أي مرارة في حياتنا لعذوبة. هو قادر أن يحميهم ويحمينا من آلام العالم وإن أصابتهم هذه الآلام قادر أن يشفيهم ويشفينا منها. ولكن إن سلكوا بالعصيان فسيعاملهم كما عامل المصريين.

 

(آية27): "ثم جاءوا إلى ايليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك عند الماء."

إيليم بها تعزيات كثيرة نخيل وماء كثير. فالله يسمح لنا بأن نعبر من مارة إلى إيليم أي خلال جهادنا في حياتنا ننتقل من فترة آلام إلى فترة تعزيات إستعداداً لفترة آلام أخرى وبعدها تعزيات أخرى وهكذا وفي كل مرحلة ينمو الإيمان تدريجياً. وفترات التعزية هي عربون لأفراح السماء، كما أن إيليم هي عربون لكنعان المتجه إليها الشعب، فهذا النخيل وعيون الماء هي عربون الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً. وإن سمح الله ببعض الآلام خلال الرحلة فهذه ليست النهاية بل من المؤكد أن هناك أفراح تعقب الآلام. فهناك إيليم بعد كل مارة. وتشير ال12 عين ماء للإثني عشر تلميذاً والسبعين نخلة للسبعين رسولاً (فالعبور كان من العهد القديم للعهد الجديد) ويشيروا للإثني عشر سبطاً والسبعين شيخاً بمعنى أن الله ملتزم ومتكفل بكل واحد في شعبه يعوله ويشبعه ويعزيه.


 

الإصحاح السادس عشر

الآيات (1-3): "ثم ارتحلوا من إيليم وأتى كل جماعة بني إسرائيل إلى برية سين التي بين إيليم وسيناء في اليوم الخامس عشر من الشهر الثاني بعد خروجهم من ارض مصر. فتذمر كل جماعة بني إسرائيل على موسى وهرون في البرية. وقال لهما بنو إسرائيل ليتنا متنا بيد الرب في ارض مصر إذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزاً للشبع فإنكما أخرجتمانا إلى هذا القفر لكي تميتا كل هذا الجمهور بالجوع."

هنا يتذمر شعب إسرائيل بسبب نقص الطعام لدرجة أن قالوا "ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر= أي ليتنا متنا مع المصريين في أثناء الضربات التي أصابهم بها الرب فالموت السريع في نظرهم أفضل من الموت البطئ بالجوع في الصحراء. وتذكروا أكل مصر= إذ كنا جالسين عند قدور اللحم= وكان من عادة المصريين أن يشبعوا العبيد ليحسنوا العمل وحتى يعملوا بنشاط وقوة، وهذا ثبت تاريخياً من الآثار المصرية. ولنلاحظ أنهم تذكروا الأكل الكثير ونسوا سياط العبودية، هكذا في حروب إبليس يجعلنا نذكر لذات الخطية وننسى آلام العبودية والمرار الذي كنا نحياه في فترات الخطية. وأحد حروب إبليس هو النهم وهذا ما حاربهم به هنا، هنا تصير البطون هي الآلهة التي تسيطر. على أن الجوع لم يكن هو السبب في التذمر بل كان طبعهم الردئ هو السبب فحتى بعد أن أعطاهم الله المن فشبعوا عادوا للتذمر وقالوا عن المن أنه خبز وطعام سخيف (عد4:11-6) واشتهوا اللحم. ولنذكر أن موسى الذي صام 40يوماً قابل الله وتسلم منه الشريعة مكتوبة، وأما الشعب بعد أن أكلوا وشبعوا وشربوا واستراحوا قاموا ليلعبوا أمام العجل الذهبي. لذلك علم المسيح أن جنس الشيطان لا يخرج إلا بالصلاة والصوم، اللذين بهما نستطيع أن ننتصر على شهوة العين وشهوة الجسد وتعظم المعيشة، العثرات التي يلقيها عدو الخير أمامنا والتي بسببها يرجع الكثيرين إلى مصر بقلوبهم أي بعد أن ذاقوا حياة الحرية مع المسيح ينسون بركات الله ونعمه وتجعلهم لذة الخطية يشتهون الذل عن الحرية.

 

(آية4): "فقال الرب لموسى ها أنا أمطر لكم خبزاً من السماء فيخرج الشعب ويلتقطون حاجة اليوم بيومها لكي امتحنهم أيسلكون في ناموسي أم لا."

أمطر لكم خبزاً من السماء= إشارة للمسيح النازل من السماء يعطينا نفسه خبزاً سماوياً لكي أمتحنهم= الله إمتحنهم في موضوع المن بأن طلب منهم أن لا يحملوا أكثر من إحتياجهم فهو سيعطيهم منه كل يوم. وطلب منهم أن لا يلتقطوا منه يوم السبت. وقد فشلوا في كلا الامتحانين. ولنفهم أن الامتحان وسيلة للتعليم وزيادة الإيمان.

 

(آية6): "فقال موسى وهرون لجميع بني إسرائيل في المساء تعلمون أن الرب أخرجكم من ارض مصر."

حتى نفهم أن الامتحان هو لزيادة الإيمان وتثبيته لنرى هذه الآية فالله يعطيهم المن ليعرفوا أن الرب أخرجهم من أرض مصر= والمعنى أن الله الذي أخرجهم من ارض مصر بيد رفيعة قادر أن يثبت لهم قدرته على إشباعهم بعمل إعجازي. فالله هو هو لا يتغير.

 

(آية7): "وفي الصباح ترون مجد الرب لاستماعه تذمركم على الرب وأما نحن فماذا حتى تتذمروا علينا."

في الصباح ترون مجد الرب= المعنى البسيط أن الله سيتمجد بأن يعطيكم المن في الصباح ولكن إذا رجعنا إلى قول بولس الرسول عن المسيح أنه بهاء ومجد الله (عب3:1) فالله لم يره أحد قط لكن المسيح أعلن مجده، ورأينا في المسيح عمل الله وقدرته ومحبته، فنفهم أن مجد الرب الذي سيظهر في المن هو إشارة للمسيح الذي سيظهر مجد الله.

 

(آية8): "وقال موسى ذلك بان الرب يعطيكم في المساء لحما لتأكلوا وفي الصباح خبزاً لتشبعوا لاستماع الرب تذمركم الذي تتذمرون عليه وأما نحن فماذا ليس علينا تذمركم بل على الرب."

اللحم هو لحم السلوى (طيور السمان التي تهاجر إلى مصر ويصطادها المصريون بعد أن تطير مسافات طويلة). الله يطعمهم الآن بيد قوية كما أخرجهم بيد قوية، فهو يعطيهم المن صباحاً والسلوى مساءً.

 

(آية13): "فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة وفي الصباح كان سقيط الندى حوالي المحلة."

صعدت= أي طارت الطيور فوق المحلة وغطت الأرض.

 

(آية14): "ولما ارتفع سقيط الندى إذا على وجه البرية شيء دقيق مثل قشور دقيق كالجليد على الأرض."

سقيط الندى= هو الندى المتساقط حول المحلة. وعندما تبخر هذا الندى ظهر من تحته المن كما لو كان متجمداً كالجليد أي متراكماً بكميات كبيرة. وإذا كان المن هو رمز للمسيح فالندى يرمز للروح القدس الذي يحمل لنا معرفة المسيح "يأخذ مما لي ويخبركم".

 

(آية15): "فلما رأى بنو إسرائيل قالوا بعضهم لبعض من هو لأنهم لم يعرفوا ما هو فقال لهم موسى هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا."

مَنْ هو= لها عدة تفسيرات

1.     في العبرية من قد تأتي بمعنى ما ويستفهم بها عن الشيء العاقل وغير العاقل، إذاً العبارة تعني الاستفهام أي ما هو هذا الشيء لأنهم لم يعرفوا ما هو.

2.     من هو هي جملة خبرية بمعنى هو مَنْ أو أنه مَنْ وفي اللغات السامية كما في العربية فكلمة مَنْ أي منحة أو هبة أو عطية من الله "مَنْ الله علينا به" .

3.     في سيناء كان العرب يعرفون نوعاً من المن له نفس الصفات تقريباً فهو يتجمع مع الندى على الشجر وله طعم عسلي ويذوب مع الشمس. وهناك مادة صمغية من الأشجار لها نفس المذاق يحضرونها من جروح الأشجار ويسميه العرب مَنْ وربما كان قول الشعب مَنْ هو إشارة لهذا المن ولكن لنلاحظ أن المَنْ الطبيعي يختلف عن عطية الله فيما يأتي.

[1] المَنْ الطبيعي لا يظهر سوى شهرين في السنة أما المن الذي أعطاه الله كان كل يوم خلال السنة ولمدة 40 سنة.

[2] المن الطبيعي في خلال فترة وجوده يظهر كل يوم ولكن المن الذي يعطيه الله كان يختفي يوم السبت إذاً هو من إعجازي فهو لا يظهر يوم السبت ويتضاعف يوم الجمعة.

[3] المن الطبيعي لا ينتن ولا يخبز ولا يطبخ كما يحدث مع المن الذي يعطيه الله.

[4] لو كان هذا المن هو المن الطبيعي لكانوا قد أكلوه منذ شهر طوال وجودهم في البرية بعد الخروج ولم يكن هناك داعٍ للتذمر.

[5] سيناء كلها تنتج نصف طن سنوياً من هذا المن فكيف يطعم هذه الملايين يومياً.

[6] كان المن السماوي له طبيعة معجزية فكل واحد يكيل كما يريد بين مكثر ومقلل وعندما يذهب لبيته يجده عمراً.

 

آية (17،18): "ففعل بنو إسرائيل هكذا والتقطوا بين مكثر ومقلل. ولما كالوا بالعمر لم يفضل المكثر والمقلل لم ينقص كانوا قد التقطوا كل واحد على حسب أكله."

كانوا يلتقطون بأيديهم فمنهم من يجمع كثيراً ومنهم من يجمع قليلاً ولما ذهبوا لبيوتهم وجدوا أن المكثر لم يجمع أكثر من حاجة البيت والمقلل لم يجمع أقل من إحتياج البيت وهذه معجزة رآها بولس الرسول دليلاً على أهمية السخاء والعطاء وسد أعواز المحتاجين لتكون هناك مساواة (2كو15:8).

 

كيف يرمز المن للمسيح

1.     أكل الشعب المن بعد العبور، فهو طعام جديد غير طعام أرض العبودية. وإذ دخلنا عهداً جديداً مع المسيح قدم لنا المسيح نفسه طعاماً روحياً حقيقياً يشبع النفس ويهبها حياة أبدية.

2.     بدأ نزول المن يوم الأحد وهذا يتضح من قول الرب لموسى "وفي اليوم السادس أنهم يهيئون ما يجيئون به فيكون ضعف ما يلتقطونه يوماً فيوماً (آية5) وكان يوم الاستعداد للسبت وهو يوم الجمعة هو اليوم السادس وبذلك يكون أول يوم لنزول المن هو الأحد والمسيح بقيامته أعطانا حياة جديدة يوم الأحد. وصار يوم الأحد يوم نتمتع فيه بتناول جسده.

3.     سقط المن من السماء والمسيح أتى من السماء.

4.     أخذ كل واحد حسب احتياجه. والمسيح يشبع كل واحد بحسب إحتياجه.

5.     من خالف الوصية واحتفظ بالمن لليوم التالي أنتن. ومن يتناول بغير استحقاق يمرض بل يعرض نفسه للموت (1كو27:11).

6.     هل كان هناك معنى لمن يجمع مناً ولا يأكله!! بالطبع سيموت من الجوع. وهذا يشبه من يجمع معلومات عن المسيح ويتعرف عليه معرفة نظرية ولا يعيش بالكلمة ويحياها.

7.     المن لم يعرفه الشعب أولاً، بل إزدروا به وقالوا هو ليس مثل طعام المصريين الدسم ولكنه كان مشبع لكل واحد حسب احتياجه وطعمه حلو. والمسيح تحيروا فيه (1كو8:2) ثم ازدروا به وقالوا هو ابن النجار.

8.     نزل المن حول المحلة (الخيام) والمسيح جاء إلى مساكننا وفي جسدنا وصار كواحد منا.

9.     نزل المن بعد تذمر الشعب وجاء المسيح بعد أن كان هناك عداوة بين الإنسان والله.

10. وصف المن أنه دقيق كالجليد. والمسيح صارت ثيابه تلمع بيضاء كالثلج. إشارة لقداسته.

11. طعم المن كرقاق بعسل والمسيح حلقه حلاوة وكله مشتهيات (نش6:5).

12. كان الشعب يلتقط المن صباحاً كل يوم وشركتنا مع المسيح متجددة كل يوم.

13. إذا تأخروا كانت الشمس تذيب المن فلا يجدوه= "الذين يبكرون إليّ يجدونني" (أم17:8) فالشعب كان يبكر ليجد المن، ونحن علينا أن نسعى باكراً كل يوم لنتقابل مع المسيح لنشبع به ويكون هو أول ما نهتم به وإلا لن نجده. والمن كان عطية من الله لكنهم كان عليهم أن يستيقظوا مبكراً ويجتهدوا لجمعه (هذا هو ما تسميه كنيستنا الجهاد والنعمة).

14. كان المن يلتقط ويطحن ويدق ليصير صالحاً للأكل والسيد المسيح تأنس وتألم وصلب ومات ليصير غذاءً وسر حياة لمن يأكله (راجع يو6).

15. كان إذ احتقر الشعب المن ضربهم الله ضربة عظيمة جداً ومن يأكل جسد الرب ودمه دون استحقاق ينال دينونة لنفسه (1كو27:11-33)

سمى المن خبز الملائكة (مز25:78) لأنه آتٍ من السماء مسكن الملائكة. والمن هو رمز للمسيح، والملائكة في شركة دائمة معه وهو شبعهم (راجع رؤ17:2) ونحن في السماء سيكون المسيح هو شبعنا كالملائكة (رؤ7:2) وشجرة الحياة هي المسيح.

 

(آية22): "ثم كان في اليوم السادس انهم التقطوا خبزا مضاعفا عمرين للواحد فجاء كل رؤساء الجماعة واخبروا موسى."

جاء رؤساء الجماعة إلى موسى ربما لأنهم لاحظوا أن المن تضاعف يوم الجمعة أو لما جاء للمنزل وجدوا أن ما جمعوه ضعف ما كان يجمع كل يوم.

 

(آية23): "فقال لهم هذا ما قال الرب غداً عطلة سبت مقدس للرب اخبزوا ما تخبزون واطبخوا ما تطبخون وكل ما فضل ضعوه عندكم ليحفظ إلى الغد."

هنا أول مرة نسمع فيها عن السبت فكان يسمى اليوم السابع. وكلمة سبت تعنى راحة. ورائع أن لا نسمع عن شريعة السبت إلا هنا. فنحن لم نسمع عن السبت إلا بعد أن إفتدى الرب شعبه وأعطاهم المن طعاماً فصار لهم راحة حقيقية.

 

(آية31): "ودعا بيت إسرائيل اسمه منا وهو كبزر الكزبرة ابيض وطعمه كرقاق بعسل."

دعوه مناً بسبب تساؤلهم "مَنْ هو" وكان المن يؤكل كما هو أو يطبخ أو يطحن ويخبز ولكل نوع مذاق ولذلك قيل أن طعمه كرقاق بعسل وقيل طعمه كقطائف بعسل.

 

(آية32): "وقال موسى هذا هو الشيء الذي أمر به الرب ملء العمر منه يكون للحفظ في أجيالكم لكي يروا الخبز الذي أطعمتكم في البرية حين أخرجتكم من ارض مصر."

العُمُرْ= 2.29 لتر.

 

(آية33): "وقال موسى لهرون خذ قسطاً واحداً واجعل فيه ملء العمر منا وضعه أمام الرب للحفظ في أجيالكم."

قسط المن إناء من الذهب له غطاء وضع به المن ووضع أمام تابوت العهد ثم وضع في داخله مع لوحي الشهادة وعصا هرون التي أفرخت (عب4:9) وكان هذا تذكاراً لعمل الله معهم. ورمزاً لمجيء المسيح. وهذا القسط يشير للعذراء التي حملت المسيح في بطنها.

 

(آية35): "وأتكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى جاءوا إلى ارض عامرة أكلوا المن حتى جاءوا إلى طرف ارض كنعان."

كتبها موسى مع أن المن ظل يتساقط حتى أيام يشوع ولكنه في أيام موسى وبعد أن أخذ سبطي جاد ورأوبين ونصف سبط منسى الأرض شرقي الأردن أن المن إنقطع عن سبطي جاد ورأوبين ونصف سبط منسى إذ صار لهم أرض ولهم محاصيل حنطة وخلافه (يش10:5-12) ثم انقطع عن باقي الأسباط بعد أن دخلوا أرض الميعاد.

تأمل: من جمع يوم الجمعة جمع ضعفين استعداداً ليوم السبت يوم الراحة. ونحن الآن في هذه الحياة على الأرض علينا أن نجمع ضعفين استعداداً ليوم راحتنا الأبدي. علينا أن نقتني المسيح، المن الحقيقي داخلنا فنصير قسط من أمام الله قبل أن يأتي علينا يوم السبت وأن أتى يكون لنا راحة فالمسيح فينا.


 

الإصحاح السابع عشر

آية (1): "ثم ارتحل كل جماعة بني إسرائيل من برية سين بحسب مراحلهم على موجب أمر الرب ونزلوا في رفيديم ولم يكن ماء ليشرب الشعب."

رفيديم= معناها راحات أو متسعات. بحسب مراحلهم= أي بنظام وترتيب فقد تم تقسيمهم إلى مراحل، وربما تعنى بحسب محطاتهم التي توقفوا فيها (راجع عد12:33) ومن سفر العدد نفهم أنهم قبل رفيديم توقفوا في دفقة ثم ألوش لأن الطريق إلى رفيديم طويل ولا يمكن قطعة مرة واحدة. ولم يكن ماء= إمتحان آخر في مدرسة الإيمان.

 

آية (2): "فخاصم الشعب موسى وقالوا أعطونا ماء لنشرب فقال لهم موسى لماذا تخاصمونني لماذا تجربون الرب."

هذا التذمر يثبت أن فهمهم أو إيمانهم مازال ضعيفاً وهم مازالوا في حاجة لمزيد من الامتحانات والتجارب حتى يثبت إيمانهم.

 

آية (4): "فصرخ موسى إلى الرب قائلا ماذا افعل بهذا الشعب بعد قليل يرجمونني."

هذه المرة صرخ موسى بلسانه وليس بقلبه فقط. وهذا درس لكل واحد منا، فحين تقابلنا شدائد وضيقات خلال رحلتنا في برية هذا العالم لنصرخ من قلوبنا لله.

 

آية (5،6): "فقال الرب لموسى مر قدام الشعب وخذ معك من شيوخ إسرائيل وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب. ها أنا اقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل."

الصخرة تشير للمسيح (1كو3:10) كما قال بولس الرسول. وضرب الصخرة يشير للآلام التي جاز فيها المسيح والماء الذي تفجر من الصخرة رمز للروح القدس. وما كنا لنحصل على الروح القدس ما لم يضرب المسيح محتملاً ثمن خطايانا على الصليب. والمسيح صُلب مرة واحدة لذلك ما كان يجب أن تضرب الصخرة سوى مرة واحدة. وعلى الصليب طُعِنَ المسيح في جنبه فخرج دم وماء كفارة وتطهيراً لكل من يؤمن به. ولأن إسرائيل كله إشترك في صلب المسيح، والمسيح صُلِبَ أمام الشعب أخذ موسى معه من شيوخ إسرائيل. ولاحظ أن الله لم ينزل مطراً من السماء لئلا يظنه الشعب مطراً عادياً. وهذا الماء لم يكن ماءً عادياً بل أسماه بولس الرسول شراباً روحياً فهو رمز للروح القدس (راجع يو37:7-40). ها أنا أقف أمامك هناك= ربما وقف عمود السحاب عند الصخرة التي سيضربها موسى، والله أر شد موسى لصخرة معينة ليكون حجمها كافياً أن يقف عندها كل الشعب ليشرب. وقد تعني العبارة أن الله سيكون حاضراً هناك بقوته كقادر على كل شئ ليجري المعجزة.

ولاحظ أن الشعب تمتع بهذه الشراب الروحي بعد [1] ذبح خروف الفصح (الفداء بدم المسيح) [2] عبور البحر (المعمودية) [3] ضرب جيش فرعون وغرقه (هزيمة إبليس) [4] المرور بإيليم (قبول كرازة وتعليم ال12 تلميذ وال70 رسول).

 

آية (7): "ودعا اسم الموضع مسة ومريبة من اجل مخاصمة بني إسرائيل ومن اجل تجربتهم للرب قائلين أفي وسطنا الرب أم لا."

مسة= مخاصمة، مريبة= تجربة.

 

آية (8): "وأتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم."

هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها الشعب في حرب علانية مع شعب آخر، في الحرب مع فرعون قال لهم موسى "قفوا وانظروا خلاص الرب.. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون" أما الآن وبعد عبور البحر وأكل المن وشرب الماء من الصخرة التزموا أن يحاربوا ليس بقوتهم البشرية إنما خلال عمل الله فيهم. هذه الحرب رمز للحروب الروحية بين ملكوت الله وملكوت إبليس، ويسمح الله لنا بالحروب مع إبليس لنختبر قوة الله التي معنا والتي تنصرنا فننمو في الإيمان. وهذه الحرب مع عماليق درس آخر في مدرسة الإيمان. وعماليق هم نسل عماليق بين اليفاز بن عيسو وكانوا يسكنون جنوبي فلسطين وهم هاجموا مؤخرة الشعب في دناءة وهم مُتعَبون (تث17:25،18). ولعل حرب عماليق كانت تأديب على تذمرهم لأجل الماء، أو الأدق أنه إتضح بتذمرهم أنهم مازالوا في حاجة لمزيد من الدروس حتى يثبت إيمانهم. وهنا كان درس جديد فمن قبل كان الرب يحارب عنهم والآن فالرب يحارب فيهم ويغلب بهم.

وكلا فرعون وعماليق يمثلوا حروب إبليس وقد لاحظنا أن الكتاب لم يذكر أن فرعون غرق في البحر الأحمر بل إنكسرت قوته فقط. وهكذا إبليس بالصليب إنكسرت قوته لكنه مازال يحارب شعب الله. فرعون يمثل إبليس الذي يستغل لذات العالم ليمنع انطلاقنا من عبوديته، وعماليق يمثل حرب الجسد (الإنسان العتيق الذي فينا رو12:6) فينا بعد أن أصبحنا شعب الله، فعالميق هو ابن أدوم الذي باع بكوريته بأكلة عدس. ولنلاحظ أن الجسد يشتهي ضد الروح والروح يشتهي ضد الجسد فنحن في حرب مستمرة بل حينما نأخذ عطايا جديدة من الروح يهتاج الشياطين ويحاربون ضدنا ولنلاحظ أن المسيح بعد أن حل عليه الروح القدس يوم العماد تعرض لتجربة إبليس مباشرة. وهنا نجد أن الشعب تعرض لحرب عماليق بعد أن شرب الشراب الروحي.

 

آية (9): "فقال موسى ليشوع انتخب لنا رجالاً واخرج حارب عماليق وغداً اقف أنا على رأس التلة وعصا الله في يدي."

فقال موسى ليشوع= هذه أول مرة يذكر فيها اسم يشوع وهو من سبط إفرايم وكان اسمه هوشع وتعنى خلاصي فغيره موسى إلى يشوع وتعني الرب خلاصي. (عد8:13). وهو الذي قاد الشعب بعد موت موسى. ويشوع يرمز للمسيح يسوع. يشوع= يهوشوع= يهوه شع= الرب خلاصي. وكان يشوع يحارب بينما موسى واقف على رأس التلة يصلي وعصا الله في يده= عصا الله أي قوة الله. هذه تشير لقوة شفاعة المسيح بفدائه. هنا نرى موسى واقفاً باسطاً يديه على شكل صليب فشفاعة المسيح كانت بدم صليبه. وقوف موسى بهذا الشكل رمز لغلبة الصليب. ولاحظ أن الشعب تذمر على موسى والآن يرى الشعب أن ذراع موسى المرفوع هو الذي أنقذهم وليست سيوفهم. وكان كلا موسى ويشوع يمثلان وجهين مختلفين لعمل المسيح فموسى يمثل المسيح في شفاعته الآن أمام الآب (موسى فوق التل) ويشوع يمثله وهو يحارب مع شعبه وفي شعبه "فهو خرج غالباً ولكي يغلب" (رؤ2:6) فالمسيح بدونه لا نستطيع أن نفعل شئ.

 

آية (10): "ففعل يشوع كما قال له موسى ليحارب عماليق وأما موسى وهرون وحور فصعدوا على رأس التلة."

تقول التقاليد اليهودية أن حور هو زوج مريم وهو جد بصلئيل وهو من سبط يهوذا راجع (خر3:31 + 1أي3:2-20). وبذلك يجتمع فوق التلة موسى وهرون كرئيس كهنة وحور من سبط يهوذا الملك. فالمسيح الذي يشفع فينا هو ملك الملوك ورئيس كهنتنا الأعظم. فصعدوا = لتشير لشفاعة المسيح في السماء.

 

آية (12): "فلما صارت يدا موسى ثقيلتين أخذا حجرا ووضعاه تحته فجلس عليه ودعم هرون وحور يديه الواحد من هنا والآخر من هناك فكانت يداه ثابتتين إلى غروب الشمس."

كان هرون وحور يسندان ذراعي موسى فلكل فرد عمله ودَوْرَهُ مهما كان صغيراً وكما ظل موسى رافعاً ذراعيه حتى الغروب هكذا ظل المسيح على الصليب حتى الغروب. ورفع يدي موسى إشارة لأن الصلاة هي سلاح قوى ضد إبليس "قاوموا إبليس فيهرب منكم" (يع7:4) وقارن مع (مز2:140) "لتكن رفع يدي كذبيحة مسائية".

 

آية (14): "فقال الرب لموسى اكتب هذا تذكاراً في الكتاب وضعه في مسامع يشوع فأني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء."

في الكتاب= يبدو أن موسى كان قد بدأ كتابة التوراة.

 

آية (15): "فبنى موسى مذبحا ودعا اسمه يهوه نسي."

يهوه نسي= الرب رايتي أو علمي. فالرب هو علمهم الحقيقي وفي سبيله يجاهدون وبقوته يغلبون. وهو رايتنا نرفعه فوق رؤوسنا وننظر إليه ونفتخر به ونعترف به ونسير بأوامره. إذاً يهوه هو الذي حارب عن إسرائيل وتحت حراسته.

 

آية (16): "وقال أن اليد على كرسي الرب للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور."

أن اليد على كرسي الرب= أي أن حرب عماليق ضد الشعب كانت كأنها ضد كرسي الرب لذلك سيحاربهم الرب من دور إلى دور أي مادامت أمة عماليق قائمة أو أمة يهوذا قائمة وهذا قد تحقق فقد حاربهم جدعون ثم شاول الملك ثم كسرهم داود.


 

الإصحاح الثامن عشر

آية (1): "فسمع يثرون كاهن مديان حمو موسى كل ما صنع الله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه أن الرب اخرج إسرائيل من مصر."

لا يعقل أن يكون يثرون عابداً للوثن وإلا لما ارتبط به موسى. بل يظهر من خلال الأحداث أن يثرون كان محباً للرب مؤمناً به، وهو غالباً كان ينتمي لعصر الأباء فهو من نسل إبراهيم. وكان كاهناً يقدم ذبائح لله ومن نسله جاء الركابيين والقنيين (1أي55:2 + أر35 + 1صم6:15) وقد ضمهم الشعب لمحبتهم ليثرون. سمع يثرون= هناك احتمال قوي أنه سمع من صفورة ابنته حينما ذهبت لتزوره إن كانت صفورة قد ذهبت مع موسى إلى مصر. وبعد العبور ذهبت لتخبر أباها بكم صنع الرب معهم.

 

آية (3،4): "فاخذ يثرون حمو موسى صفورة امرأة موسى بعد صرفها. وابنيها اللذين اسم أحدهما جرشوم لأنه قال كنت نزيلاً في ارض غريبة."

جرشوم= غريب واليعازر= الله عون (غالباً هو الذي ختن في البرية).

 

آية (7): "فخرج موسى لاستقبال حميه وسجد وقبله وسأل كل واحد صاحبه عن سلامته ثم دخلا إلى الخيمة."

نرى عظم اتضاع موسى في أنه يسجد لحميه بعد أن أعطاه الله كل هذا المجد.

 

الآيات (8-12): "فقص موسى على حميه كل ما صنع الرب بفرعون والمصريين من اجل إسرائيل وكل المشقة التي أصابتهم في الطريق فخلصهم الرب. ففرح يثرون بجميع الخير الذي صنعه إلى إسرائيل الرب الذي أنقذه من أيدي المصريين. وقال يثرون مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون الذي أنقذ الشعب من تحت أيدي المصريين. الآن علمت أن الرب اعظم من جميع الآلهة لأنه في الشيء الذي بغوا به كان عليهم. فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله وجاء هرون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمي موسى أمام الله."

هذا اللقاء إمتاز بأنه كان في الرب، لم يخرج عن تمجيد إسمه. ونرى هنا محبة يثرون للرب. وأنه يقدم له ذبيحة ككاهن. والأكل من الذبيحة يعتبر تعبد لله ومحبة مشتركة بينهم. وغالباً فالكل أكل من المن. ومن الذي أكل موسى وزوجته وابنيه (ممثلين عن اليهود) ويثرون (ممثلاً عن الأمم) هي الكنيسة المتحدة. والكل يأكل من المن ومن الذبيحة فالمسيح هو للجميع. ولاحظ قوله أكلوا أمام الله فالقديسين حينما يفعلون أي شئ يشعرون أنهم يفعلونه أمام الله أما الخاطئ فيهرب من الله (آدم وقايين).

 

الآيات (13-27): "وحدث في الغد أن موسى جلس ليقضي للشعب فوقف الشعب عند موسى من الصباح إلى المساء. فلما رأى حمو موسى كل ما هو صانع للشعب قال ما هذا الأمر الذي أنت صانع للشعب ما بالك جالساً وحدك وجميع الشعب واقف عندك من الصباح إلى المساء. فقال موسى لحميه أن الشعب يأتي إلىّ ليسال الله. إذا كان لهم دعوى يأتون إلىّ فاقضي بين الرجل وصاحبه واعرفهم فرائض الله وشرائعه. فقال حمو موسى له ليس جيدا الأمر الذي أنت صانع. انك تكل أنت وهذا الشعب الذي معك جميعا لأن الأمر اعظم منك لا تستطيع أن تصنعه وحدك. الآن اسمع لصوتي فأنصحك فليكن الله معك كن أنت للشعب أمام الله وقدم أنت الدعاوى إلى الله. وعلمهم الفرائض والشرائع وعرفهم الطريق الذي يسلكونه والعمل الذي يعملونه. وأنت تنظر من جميع الشعب ذوي قدرة خائفين الله أمناء مبغضين الرشوة وتقيمهم عليهم رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات. فيقضون للشعب كل حين ويكون أن كل الدعاوى الكبيرة يجيئون بها إليك كل الدعاوى الصغيرة يقضون هم فيها وخفف عن نفسك فهم يحملون معك. أن فعلت هذا الأمر وأوصاك الله تستطيع القيام وكل هذا الشعب أيضاً يأتي إلى مكانه بالسلام. فسمع موسى لصوت حميه وفعل كل ما قال. واختار موسى ذوي قدرة من جميع إسرائيل وجعلهم رؤوساً على الشعب رؤساء ألوف ورؤساء مئات ورؤساء خماسين ورؤساء عشرات. فكانوا يقضون للشعب كل حين الدعاوى العسرة يجيئون بها إلى موسى وكل الدعاوى الصغيرة يقضون هم فيها. ثم صرف موسى حماه فمضى إلى أرضه."

رأى يثرون موسى يتحمل كل المسئولية وحده فسأله عن السبب في أنه يقضي للشعب وحده وكان تبرير موسى [1] أن الشعب يريد هذا فهم يريدون أن موسى شخصياً يحكم لهم [2] أن موسى ينتهز فرصة القضاء ليشرح الشريعة للشعب ويعظه بكلمة الله (15،16) ولكن يثرون لم يقتنع بذلك وأعطاه مشورة بتعيين مساعدين له. ولم يعترض موسى ويقول كيف تشير علىّ وأنا أتلقى أوامري من الله وقد صنعت هذه الإنجازات الضخمة، كيف تشير علىّ وأنا أتكلم مع الله وأنت لا تفهم هذا، بل في منتهى التواضع استجاب موسى لحميه. وفي آية (23) كل هذا الشعب يأتي لمكانه بالسلام= قد تعنى أنه بعد فض المنازعات يذهب كل واحد لمنزله بالسلام إذ حُلَّتْ مشكلته، لأن وجود قاضي واحد يُعوِّق القضاء وتستمر المنازعات فترة طويلة وتزداد المشاكل. وقد تعني العبارة أن يمر وقت البرية بسلام وتصلوا إلى كنعان بسلام دون مشاكل ولا يتعبونك كما يتعبونك الآن.


 

الإصحاح التاسع عشر

لم يكن ممكناً للخارج من أرض العبودية، السالك في طريق البرية، أن يبلغ أرض الموعد وأن يستقر في أورشليم دون استلامه الشريعة الإلهية أو الوصية (مز19:119). ولنقل أن الله أراد أن يفيض من نعمه على شعبه ولكن هناك شروط حتى يحدث هذا وهذه الشروط هي أن يلتزموا بالوصية والشريعة. وما هي هذه الوصية والشريعة إلا أنها كلمة الله، والمسيح هو كلمة الله، فكيف نفهم هذا؟ أن الوصية تحمل في داخلها السيد المسيح، من يدخل إلى أعماقها ويعيشها بالروح يلتقي بالكلمة الإلهي نفسه. لذلك تحدث مزمور (119) عن الشريعة الإلهية كسند للمرتل في غربته فهي سر فرحه وسط ألام البرية (آيات16،47،103) وسر تسبيحه (54) وسر غناه الداخلي (72) وقائدة للنفس (11،61،92) وسر حياته (25) وسر الاستنارة (105،135).

 

الآيات (1،2): "في الشهر الثالث بعد خروج بني إسرائيل من ارض مصر في ذلك اليوم جاءوا إلى برية سيناء. ارتحلوا من رفيديم وجاءوا إلى برية سيناء فنزلوا في البرية هناك نزل إسرائيل مقابل الجبل."

جاءوا إلى برية سيناء= استقر الشعب هنا من الشهر الثالث للخروج وحتى العشرين من الشهر الثاني للسنة الثانية من الخروج (عد11:10) أي ما يقرب من سنة كاملة حدثت فيها أحداث هامة شملت باقي الخروج وسفر اللاويين والعشرة إصحاحات الأولى من سفر العدد. وهنا في برية سيناء استلموا الوصايا وأقاموا خيمة الاجتماع. وكونه يحدد أن بدء استلام الشريعة هو الشهر الثالث ورقم (3) هو رقم القيامة فهذا يشير لأن الوصية هي سر قيامة لنا في الأمجاد الإلهية.

 

آية (3): "وأما موسى فصعد إلى الله فناداه الرب من الجبل قائلاً هكذا تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل."

تقول لبيت يعقوب وتخبر بني إسرائيل= بيت يعقوب تشير لشعب اليهود وأمنا بني إسرائيل فتشير للكنيسة فإسرائيل هو اسم يعقوب بعد أن أخذ نعمة من الله بل اسمه هو عطية ونعمة من الله حصل عليه بعد صراع مع ملاك الرب. وهذه الوصايا معطاة لكلا الشعبين لليهود وللكنيسة حالياً جسد المسيح.

 

آية (4): "انتم رأيتم ما صنعت بالمصريين وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلىّ."

حملتكم على أجنحة النسور وجئت بكم إلىّ= النسر يطير عالياً ويحمل صغاره على جناحيه ليحميهم من أي خطر ويطير بسرعة وحين يتعبون يستقرون عليه. وهذا ما عمله الله مع شعبه. فهو أخذ شعبه عالياً (للسماويات) وهو حملنا وحمل شعبه وحفظهم من أي خطر وطار بهم بسرعة (خرج بهم من مصر بسرعة) وهو يعلمهم الطيران (علمهم الجهاد والحرب) ولكنه هو راحتهم. وقوله جئت بكم إلىّ ليختبروا أحشاء محبته ويتعرفوا على أبوته.

 

الآيات (5،6): "فالآن أن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فان لي كل الأرض. وانتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل."

هذه هي غاية الشريعة تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب، وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. مع أن الله له كل الأرض لكنه يريد أن نكون خاصته، هو إله كل الأرض ولكنه يهوه الرب لخاصته، لنا دالة النبوة، هو يحبنا وهو كل شئ لنا ونحن نحبه ونخضع له. ونكون أمة مقدسة تحمل طبيعته كقدوس. هو إله كل الأرض يهتم بالكل ولكن شعبه هو الابن البكر (وحلت الكنيسة روحياً مكانهم).

 

آية (8): "فأجاب جميع الشعب معا وقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل فرد موسى كلام الشعب إلى الرب."

الله لا يلزمنا بالعهد ما لم نعلن قبولنا له أولاً. ولكن الشعب للأسف قبلوا العهد بالكلام ولم ينفذوه عملياً، فهم كسروا الوصية وحنثوا بالعهد. وكان الأفضل أن يقولوا " ليعيننا الرب حتى نفعل" بدلاً من أن يقولوا "كل ما تكلم به الرب نفعل" وظل شعب الله غير قادر أن يلتزم بالوصية حتى جاء المسيح المخلص الذي وحده يقدر أن يتمم مشيئة الرب ووصيته في كمالها، وفيه نصير نحن أيضاً كاملين غير كاسرين للناموس فرد موسى كلام الشعب إلى الرب= لا لأن الرب لم يعرف، لكن ليتسلم موسى مزيد من التوجيهات.

 

آية (9): "فقال الرب لموسى ها أنا آت إليك في ظلام السحاب لكي يسمع الشعب حينما أتكلم معك فيؤمنوا بك أيضاً إلى الأبد واخبر موسى الرب بكلام الشعب."

ها أنا آت إليك في ظلام السحاب= وقارن مع (آية16) فهذا حدث بالفعل. فهناك أمران يحيطان بالرب هما السحاب والضباب (الظلام) فالسحاب يعلن مجد الله (خر34:40 + عد25:11 + 1مل10:8 + حز24:1 + أش1:19 + مت5:17 + مت30:24 + 1تس7:4) والسحاب يشير لقديسي الله (أش1:19 + عب1:12) إذ هم باشتياقاتهم السماوية وحياتهم السماوية ارتفعوا عن الأرضيات ومجدوا الله في حياتهم (لذلك يشبهون بالسحاب) وفي (أش1:19) فالسحابة السريعة التي أتى بها الرب إلى مصر هي العذراء مريم. أما الضباب فلأن هناك أسرار تحيط بالله فالشعب غير قادر على التعرف على الأسرار أما موسى فكان وحده يقدر أن يفهم لذلك يقول الكتاب "جعل الظلمة حوله والسحاب والضباب أيضاً لحماية الشعب حتى يحجبوا عن الشعب نور الله ومجده اللذان لن يحتملهما الشعب بحالته. نحن لا نستطيع أن ننظر لنور الشمس دون أن يكون هناك ساتر يحمي عيوننا.

ولماذا تكلم الله مع موسى أمام الشعب؟ فيؤمنوا بك أيضاً إلى الأبد بالإضافة إلى:

1.     سيعرفوا أن موسى لا يتكلم من عندياته بل أن الله يكلمه وهو الذي أعطاه الناموس.

2.     إذا كان الله أعطى الناموس فسيخافوا أن يكسروا وصاياه.

3.     سيستمعوا لكلام موسى ويوقروه وهذا ما حدث فعلاً حتى اليوم.

4.     سيعرفوا أنه لا أحد يستطيع أن يقترب إلى الله المخوف إلا عن طريق وسيط في العهد القديم كان الوسيط هو موسى وفي العهد الجديد الوسيط هو المسيح (عب18:12-24).

 

الآيات (10،11): "فقال الرب لموسى اذهب إلى الشعب وقدسهم اليوم وغداً وليغسلوا ثيابهم. ويكونوا مستعدين لليوم الثالث لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب على جبل سيناء."

قدسهم اليوم وغداً.. لأنه في اليوم الثالث ينزل الرب أمام عيون جميع الشعب مرة أخرى نرى أن الله سيتراءى لهم في اليوم الثالث أي ما كان لأحد أن ينتفع بالوصية إن لم يتعرف على إمكانية تنفيذها خلال المسيح القائم من الأموات والواهب الطبيعة الجديدة القادرة على تنفيذ الوصية الإلهية. وقوله "ينزل الرب" أي يتجلى مجده أمام الشعب وتكرار رقم (3) يشير للتأكيدات المستمرة لقبول قوة القيامة فينا.

والتقديس الجسدي هنا يرمز للتقديس الروحي. وليغسلوا ثيابهم= هي استعدادات خارجية وداخلية ليقابلوا الرب. خارجية بغسل الثياب وداخلية بعزل أي شر من داخلهم. فخلال الفضيلة يدخل الإنسان إلى الله أما خلال الرذيلة فيخرج من حضرة الله كما حدث مع قايين. وغسل الثياب يشير للمعمودية والتوبة التي هي معمودية ثانية.

 

آية (12): "وتقيم للشعب حدوداً من كل ناحية قائلاً احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه كل من يمس الجبل يقتل قتلاً."

هم لم يحتملوا وجه موسى فبالتأكيد لن يحتملوا مجد الله دون ضباب يحميهم ويبقى على حياتهم، لأن الإنسان مازال تحت الغضب الإلهي ولأن الإنسان كان مازال بخطاياه لم ينقيه دم المسيح منعوا من الاقتراب بل كانوا يقتلون من يقترب. أما في العهد الجديد جاء المسيح وأكل وشرب مع الخطاة وجلس في وسطهم. في العهد القديم حدثت أصوات رعود وبروق حتى إرتعد الشعب بل حتى موسى قال أنا مرتعب ومرتعد (عب21:12) لكن في العهد الجديد جاء المسيح وجلس مع الخطاة على الجبل. في العهد القديم حتى وإن نزل الرب وتراءى للشعب كان الشعب كمرفوضين إذا اقتربوا يقتلوا، أما في العهد الجديد فصرنا مقبولين في المسيح المحبوب (أف5:1-7).

 

آية (13): "لا تمسه يد بل يرجم رجماً أو يرمى رمياً بهيمة كان أم إنساناً لا يعيش أما عند صوت البوق فهم يصعدون إلى الجبل."

وإن مس أحد الجبل يرمي بسهم أو يرجم حتى لا تمسه يد. فهو بلمسه الجبل قد تقدس فيمتنع على أي إنسان أن يتلامس معه. وقوله بهيمة كان أو إنساناً لا يعيش= فالبهيمة تشير للإنسان الشهواني والإنسان يشير للعقلاني الذي يريد أن يعرف الله بعقله ويخضعه لمنطق البشر، كليهما لن يستطيعا أن يقتربا من الله. والإنسان المشغولة حواسه بالأمور المادية كالنظر والسمع وبالتالي فكره مشغول بهما (إنسان) أو هو مشغول بحواسه في الأمور الشهوانية (بهيمة) لن يستطيع أن يرتفع على جبل المعرفة ليرى الله لذلك يطلب بولس الرسول منا أن نستأسر كل فكر إلى طاعة المسيح (2كو5:10) وقطعاً قوله كل فكر تشمل العواطف والأفكار حتى نستطيع أن نصعد على جبل معرفة الله مع موسى. عند صوت البوق فهم يصعدون على الجبل= لم يكن كل واحد مسموح له أن يصعد إلى الجبل بل أشخاص معينين هم المسموح لهم (خر1:24،2،9،10) ولماذا استخدم صوت البوق؟ فالبوق صوته يبعث في الإنسان اليقظة والرهبة أكثر من أي صوت آخر أو آلة أخرى (1تس16:4 + رؤ8) وكانت هذه الطريقة مستخدمة إذ كانوا لا يزالون أطفالاً والبوق هو صوت إنذار (وكانت نبوات الأنبياء تشبه ببوق هوشع 1:8). فيكون المعنى أن من يستجيب لإنذارات الله هو يصعد على الجبل.

 

آية (15): "وقال للشعب كونوا مستعدين لليوم الثالث لا تقربوا امرأة."

لا تقربوا امرأة= ليس لأن العلاقات الزوجية تحمل شيئاً من الدنس، وإنما من أجل أن تتكرس كل الطاقات والعواطف والأفكار في إنتظار لقاء الرب. وفي هذا يقول المسيح من أحب أباً أو أماً.. لا يستحقني. ولذلك وضعت الكنيسة على أولادها أن يمتنعوا عن فراش الزوجية ليلة تناولهم "الكلمة الإلهية".

 

آية (16): "[3]وحدث في اليوم الثالث لما كان الصباح انه صارت رعود وبروق وسحاب ثقيل على الجبل وصوت بوق شديد جداً فارتعد كل الشعب الذي في المحلة."

قارن مع العهد الجديد إذ كان المسيح يتكلم بصوت هادئ وديع ليجذب الكل إليه في العهد القديم قُدِّم الناموس لأشرار ليرهبهم حتى يخافوا أن يخالفوه وفي العهد الجديد يحدثنا كأبناء ناضجين يريدنا أصدقاء وأحباء له. في العهد القديم عاملهم كعبيد أما في العهد الجديد فكأبناء. في العهد القديم كان يستحيل أن توجد شركة بين نار الله والخطاة ولكن بتجسد المسيح صارت هذه الشركة لكل من يتواضع ويتوب.

 

آية (18): "وكان جبل سيناء كله يدخن من اجل أن الرب نزل عليه بالنار وصعد دخانه كدخان الأتون وارتجف كل الجبل جداً."

الرب نزل عليه بالنار= فإلهنا نار آكلة (مز3:79 + مز4:104 + عب29:12).

 

الآيات (20-25): "ونزل الرب على جبل سيناء إلى رأس الجبل ودعا الله موسى إلى رأس الجبل فصعد موسى. فقال الرب لموسى انحدر حذر الشعب لئلا يقتحموا إلى الرب لينظروا فيسقط منهم كثيرون. وليتقدس أيضاً الكهنة الذين يقتربون إلى الرب لئلا يبطش بهم الرب. فقال موسى للرب لا يقدر الشعب أن يصعد إلى جبل سيناء لأنك أنت حذرتنا قائلاً أقم حدوداً للجبل وقدسه. فقال له الرب اذهب انحدر ثم اصعد أنت وهرون معك وأما الكهنة والشعب فلا يقتحموا ليصعدوا إلى الرب لئلا يبطش بهم. فانحدر موسى إلى الشعب وقال لهم."

الله في محبته يدعو موسى حتى لا يخاف أن يصعد ثم يطلب إليه أن ينزل ثانية لينبه الشعب فالله خاف على شعبه لئلا يقتربوا بسبب حب إستطلاعهم واقتحامهم المقدسات الإلهية المهوبة. ولم يصعد بعد ذلك سوى موسى وهرون. موسى ممثلاً للكلمة الإلهية وهرون كممثل لكهنوت السيد المسيح. فالمسيح وحده الكلمة الإلهي رئيس كهنتنا يدخل إلى المقدسات الإلهية وبدونه نهلك. ولاحظ أن موسى يقول للرب أن الشعب يعرف هذه الوصية والرب يكرر إذهب وإنحدر لتحذير الشعب ثانية وهذا يظهر مدى محبة الله لشعبه وحرصه على حياتهم. وليتقدس أيضاً الكهنة= كان الكهنوت اللاوي لم يتأسس بعد، والكهنة هنا هم رؤساء البيوت الذين يقدمون ذبائح عن عائلاتهم.


 

الإصحاح العشرون

نطق الوصايا كان أمام الشعب جميعه ومعهم موسى أما باقي الشرائع فكانت لموسى وحده على الجبل وهو مع الله. ولم يتكلم الله جهاراً سوى هنا ومن عظمة الوصايا عاد وكتبها بإصبعه.

قيل أن الناموس بترتيب ملائكة (أع53:7 + غل19:3 + عب2:2) وتفسير هذا:

1.     أن الرب تكلم بحضور الملائكة في ربوات (تث2:33، 4:5).

2.     كان الملائكة شهوداً ومنفذين للعجائب التي حدثت (بروق ورعود..).

3.     ربما كانوا يرددون هذه الوصايا أو أن الله كان يتكلم مع الملائكة وهم يقولونها للشعب. أو أن الملائكة كان لهم صوت بوق الإنذار قبل أن يتكلم الله بالوصايا، وهذا الإنذار كان ليلقي الرعب والتوقير في قلوب السامعين حتى يعرفوا أن كسر الوصية مرعب.

يقول التقليد اليهودي أن الوصايا نزلت في يوم الخمسين من الفصح الأول وهو ما يناظر يوم حلول الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين من قيامة الرب يسوع ويحسبونها كالتالي:

45يوم                               من الفصح لنهاية الشهر الثاني (فالفصح يبدأ ليلة الرابع عشر من الشهر الأول)

1 يوم صعود موسى

1 يوم نزول موسى

3 أيام للتقديس

الله يعطي الوصايا لكي نطيعها فهو [1] السيد الرب الإله مصدر كل حياة ومن يعطي الحياة له كل الحق أن يعطي الناموس والوصايا [2] الله يدخل في عهد مع شعبه وهذه هي شروط العهد [3] هو حررهم من عبوديتهم فعليهم أن يرتبطوا بأوامره كنوع من رد الجميل أو العرفان بجميله.

 

الوصايا العشر :

وتسمى أيضاً الكلمات العشر، كتبت على لوحي حجر وتدعى كلمات العهد ولوحي الشهادة والشهادة (خر28:34 + تث13:4 + تث4:10 + خر15:32 + تث1:29 + خر8:31، 16:25) ونلاحظ أن الله أعطى الشعب الوصايا بعد أن تحرروا من أرض العبودية وذلك حتى لا يعودوا يستعبدون مرة أخرى، أي حتى لا يخرجوا من عبودية فرعون رمز إبليس ليسقطوا في عبودية إبليس نفسه. فالله أعطى الإنسان الوصايا حباً في الإنسان واهتماماً من الله بحبيبه الإنسان. والله يعلم ما هو في صالح الإنسان، فكل وصية هي لصالح الإنسان ولنأخذ أمثلة:

1.     أنا الرب إلهك.. لا يكن لك آلهة أخرى "الوصية الأولي": فالرب وحده حين نعبده يحررنا ويعطينا حرية، فهو خلقنا أحراراً ويريدنا أن نبقى أحرار، وهو وحده الذي يعطي بسخاء ولا يعير، أما أي إله آخر والمقصود (إبليس أو أي شهوة يثيرها فيّ إبليس) فهو يستعبد الإنسان تماماً ويفقده حريته. إبليس قد يُسَّهِلْ لي أن أحصل على شهواتي وأتلذذ بخطايا هذا العالم ولكنه لا يعطي مجاناً بل يستعبد الشخص الخاطئ ويذله. إذاً فهذه الخطية هي لصالح الإنسان بالتأكيد وليس في صالح الله وهدفها حرية الإنسان.

2.     أحبوا أعدائكم: هي إحدى وصايا العهد الجديد وهدفها ليس مصلحة عدوي بل مصلحتي أنا فالإنسان الذي يحمل كراهية في داخله يحمل ناراً تحرقه هو، الله لا يطيق أن يكون في مكان توجد به كراهية فهذا ضد طبيعة الله نفسه. وقد يُصِّور لي إبليس عدوي على أنه مستحق لكل كراهية ويغذي فيّ نار البغضة وهو يعلم أنه بهذا يحرم الإنسان من الشركة الحلوة بينه وبين الله. وحين يستسلم الإنسان لكراهية عدوه يفقد الشركة مع الله وبالتالي يفقد سلامه بل يكون قد قتل نفسه "كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس" إذاً هذه الوصية لن ينتفع الله منها بشيء ولن ينتفع الآخر منها بشيء بل أنا سأنتفع منها وهدفها أن أعيش في سلام مع الله وهكذا.

وصايا اللوح الأول

هدفها العلاقة مع الله

وصايا اللوح الثاني

هدفها العلاقة مع الإنسان

1.      أنا الرب إلهك.. لا يكن لك آلهة أخرى.

2.      لا تصنع لك تمثالاً ولا صورة

3.      لا تنطق باسم الرب باطلاً

4.      قدِّس يوم السبت

5. أكرم أباك وأمك

6. لا تقتل                 7. لا تزن

8. لا تسرق               9. لا تشهد بالزور

10. لا تشته كل ما لقريبك

 

وهناك من يجمع الوصية الأولى مع الثانية في وصية واحدة. فتصير وصايا اللوح الأول ثلاث وصايا. وهؤلاء يقسمون الوصية العاشرة إلى وصيتين "الأولى" لا تشته امرأة قريبك و"الثانية" لا تشتهي مقتني غيرك حتى تبقى الوصايا عشر وبذلك تكون وصايا اللوح الثاني بهذا التقسيم سبعة.

وهناك من يقول أن وصية إكرام الوالدين (الوصية الخامسة) تنضم على اللوح الأول فيكون كل لوح به خمسة وصايا.

عموماً لقد لخص السيد المسيح وصايا اللوحين إلى وصيتين "محبة الله"، "محبة القريب" (مت37:22-40 + رو9:13 + غل14:5 + يع8:2) وإن كانت الوصايا تتلخص في المحبة لله وللقريب فهي أيضاً علامة محبة الله لنا فالوصايا في صالح الإنسان كيف؟ لنتصوَّر أن آدم كان في الجنة كإنسان يحيا في حضانة جوها معقم تماماً، إذاً لن يصيبه أي مرض ويمكن أن يحيا ويعيش ويأتي الطبيب ويقول لهذا الإنسان "أحذر إذا خرجت من الحضانة موتاً تموت، هذا بسبب الأمراض التي سوف تصيبك" وأختار هذا الإنسان أن يخرج من الحضانة فمن المؤكد أنه سوف يموت. ولكن هذا الطبيب الحكيم يأتي إليه ثانية ويقول هاك بعض الوصايا التي تطيل عمرك بقدر الإمكان "لا تلمس شيئاً قذراً.. لا تأكل خضراوات أو فاكهة دون تعقيم.. إن سمعت وصاياي "يطول عمرك" وإن لم تستمع موتاً تموت. هذا هو نفس ما حدث مع الإنسان. فآدم في الجنة وهو يحيا مع الله كان كمن هو في حضانة وقد طلب منه الله شيئاً واحداً.

لا تأكل من شجرة المعرفة= لا تنفصل عني فتخرج إلى العالم حيث الموت. وأخذ آدم قراره وخرج وتعرض فعلاً للموت وأتي الله مرة أخرى كطبيب حكيم إلى موسى وأعطاه قائمة بالوصايا التي عليه إتباعها لكي تطول أيامه على الأرض بل إن إتبعها يكون له حياة في السماء أيضاً. ولقد إعتبر الله لذلك أن أثمن ما أعطاه له هو السبت والوصايا (راجع حزقيال10:20-12) ففي هذه الآيات من حزقيال نرى أن الله حرر إسرائيل وأعطاه حرية ووصايا، ويعتبر الله أن هذا هو أثمن شئ أعطاه لهم فهو لم يذكر المن ولا الماء من الصخرة.. الخ لأنه يعتبر أن الوصايا هي شئ لصالح الإنسان لكي يحيا ولا يموت.

ولقد ثبت فشل الإنسان في أن يلتزم بالوصايا، وكان الفشل المتكرر حتى ظن البشر أن هذه الوصايا فوق طاقاتهم، بل هي تحكم من الله في حريتهم، لقد خدع إبليس البشر مرة أخرى فصدقوا أن ما هو لحياتهم وحريتهم كان من أجل عبوديتهم وضد لذتهم.

لقد كان الناموس والوصايا هي المرآة التي فضحت فشل البشر، وفضحت الخطايا التي فيهم "وأما الناموس فدخل لكي تكثر الخطية" (رو20:5 + رورو13:7) وكان هذا ليشعر الإنسان بعجزه وبحاجته لمخلص. إذاً لم تكن الوصية علاجاً بل كشف للمرض وإعلان بالاحتياج إلى طبيب "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى" لهذا أتى المسيح. وكما يقول بولس الرسول "حيث كثرت الخطية إزدادت النعمة جداً" (رو20:5) فحينما زادت خطايا البشر بل وافتضحت وافتضح عجزهم جاء المسيح لا ليدين بل ليعين ويشفي "أنا أشفي ارتدادهم" وهذا ما تنبأ عنه أرمياء النبي (أر31:31-34). فالعهد الجديد الذي تنبأ عنه أرمياء هو عهد تكتب فيه الوصايا ليس على ألواح حجرية[4] بل على قلوب لحمية (حز19:11) فكيف يعطينا الله القلب اللحم الذي يتكلم عنه حزقيال؟ هذا هو عمل الروح القدس الذي إنسكب علينا باستحقاقات دم المسيح، وهو روح المحبة. فمحبة الله قد إنسكبت في قلوبنا بالروح القدس (رو5:5) والحب يمنع عن مخالفة الوصايا "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو23:14). فصارت الوصايا مكتوبة على قلوبنا، لا نخالفها خوفاً من شئ بل لأننا نحب الله. أضف لهذا فالله يعين ضعفاتنا حتى نستطيع أن نحفظ الوصية. وهذا معنى أن المسيح ما جاء لينقض بل ليكمل، فهو لا ينقض الوصايا فهو واضعها بل يكملها بمعنى أنه يعيننا أن نلتزم بها. فمثلاً هو يعيننا أن نحب ومن أحب لن يكره ولن يبغض فبالتالي لن يقتل وهكذا؟ فالوصية في العهد القديم جاءت تنذر من الخارج أما في العهد الجديد وبعد أن نلنا نعمة الروح القدس المحيي في القلب فصار عمل الله في الداخل لذلك فوصايا العهد الجديد المكملة للعهد القديم هي "لا تغضب على أخيك.. لا تنظر لإمرأة وتشتهيها.. فالعمل الآن في الداخل.

 

الوصية الأولى :

الآيات (2،3): "أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر من بيت العبودية. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي."

ملحوظة: رجاء الرجوع لكتاب البابا شنوده الثالث عن الوصايا العشر وما تجده هنا مجرد تفسير معنى الوصية باختصار شديد.

أنا الرب إلهك الذي أخرجك من ارض مصر= الله يذكرهم بأنه هو الذي حررهم لأنه أحبهم. لا يكن لك آلهة أخرى= إن كان الله أحبهم وحررهم فلا يجب أن يستعبدوا أنفسهم لآلهة أخرى تذلهم. (في العهد القديم عبد الشعب الآلهة الوثنية وفي العهد الجديد أي الآن لا نجد أحداً يعبد آلهة وثنية بل يعبد الناس ذواتهم وشهواتهم ويعبدون المال وبطونهم.. الخ.

 

الوصية الثانية :

الآيات (4-6): "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن لأني أنا الرب إلهك إله غيور افتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي. واصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي."

لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا.... لا تسجد لهن ولا تعبدهن= المقصود بالوصية روحها لا الحرف فالحرف يقتل لكن الروح يحيي. وروح هذه الوصية أن لا تقدم العبادة لأحد أو لشئ سوى الله. والعبادة لله تكون بالروح والحق ولا يَسْمَح الله بأن نقيم له صورة ونقدم العبادة لها. فالعبادة هي لله وهو سماوي لا شبيه له على الأرض ومن ثم لا يمكن تشبيهه ولكن هذا لا يمنع أن تضع الكنيسة صوراً للقديسين لنقتدي بهم ويكونوا لنا مثالاً نكرمهم فالله قال "أنا أكرم الذي يكرمونني"، نكرمهم ولا نعبدهم. ولقد طلب الله نفسه وضع تمثالين كاروبين فوق تابوت العهد ووضع صور للكاروبيم في خيمة الاجتماع ونلاحظ أن الايقونات في الكنيسة لها دور تعليمي. إله غيور= هو يريدنا أن نحبه كما يحبنا لا ليستعبدنا بل ليحررنا. ولا نحب غيره فنكون عبيد لغيره. هو لا يحتمل أن ترتبط النفس التي حررها بالشياطين فتستعبدها ثانية. أفتقد ذنوب الأباء في الأبناء= الأبناء يحملون ثمار خطايا أبائهم، فالجنين الذي يتغذى على دم أم غضوب يحمل ثمار هذا الغضب في صحته الجسدية والنفسية. لكن الله لا يعاقب شخص على خطايا والديه إن كان هو نفسه لا يخطئ مثلهم، بل إن كان الأولاد يشبهون أبائهم في خطاياهم فالله سيعاقب في الجيل الثالث والرابع. وهو أضاف من مبغضَّي أي لو استمر الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع؟! الله يعاقب ويؤدب كل واحدٍ على حدى ولكن المقصود بقوله الجيل الثالث والرابع أن العقوبة تكون جماعية إذا تفشت الخطية في مجتمع ما. فالله في أيام إبراهيم عاقب سدوم وعمورة، إذاً هي ضربة محدودة. ولكن الله أطال أناته على باقي الأموريين والكنعانيين حتى الجيل الثالث والرابع. لذلك قال لإبراهيم سترث أرضهم ولكن ليس الآن "فذنب الأموريين ليس كاملاً إلى الآن" (تك16:15) وكانت ضربة الأموريين في الجيل الرابع لشعب الله أي ما يناظر الجيل الرابع من شعب الأموريين. والله ضربهم بواسطة شعب اليهود، ليس فقط بسبب ذنوب أبائهم بل لأنهم استمروا في نفس الذنوب بل صارت أبشع، بل إمتدت وصارت مرض عام. وبالتأكيد لو كانوا قد تابوا لما عاقبهم الله وكان قد سامحهم (راجع حز1:18-25 + أر29:31،30 + زك3:1،4).

وأصنع إحساناً إلى ألوف= في ترجمة أخرى أصنع إحساناً إلى الجيل الألف من محبيّ وهذا ما صنعه الله مع نسل إبراهيم. فاليهود محبوبون من أجل الأباء (رو28:11) ومن اجل أبائهم فسيؤمن منهم في الأيام الأخيرة بقية. الله لن يقبلهم كما هم الآن في حالة عدم الإيمان بالمسيح بل سيقبلهم في حالة إيمانهم، أما لو أصروا على رفضه فسيكون دمه عليهم وعلى أولادهم.

هذا الكلام نصيحة للآباء حتى لا يكونوا السبب في تعليم أبنائهم الفساد فيهلكون.

 

الوصية الثالثة :

آية (7): "لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأن الرب لا يبرئ من نطق باسمه باطلاً."

لقد خشى الله أن يتعلموا من الأمم الوثنيين ويحلفوا بأسماء ألهتهم فيرتبطوا بآلهتهم فسمح لهم الله أن يحلفوا باسمه ليرتبطوا به وليعلنوا اسمه على أن لا يستخدموا اسمه في الباطل، والباطل أي الكذب أو في كلام فارغ أو بلا سب جوهري، فإسمه قدوس مهوب. كان الحلف في العهد القديم إعلاناً لاسم إلههم وتمييزاً لهم عن الشعوب الوثنية. أما في العهد الجديد فمنع الله الحلف تماماً (مت37:5).

 

الوصية الرابعة :

الآيات (8-11): "اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك. وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك لا تصنع عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه."

السبت بالعبرية أي الراحة (شبت). وأول مرة سمعنا عن اليوم السابع كان في (تك2:2،3) هو راحة الرب وأول مرة نسمع عنه بعد الخروج كان مع حادثة معجزة المن (خر5:16) وأول مرة نسمع اسمه السبت كان خلال هذه القصة (خر29:16) وإذا كان المن يرمز للمسيح فيكون المعنى أن راحتنا الحقيقية هي في المسيح وبالمسيح وهذا تم بالصليب، وراحة الله كانت بالصليب إذ تمم الله كل عمل الفداء للإنسان وأصبح طريق السماء مفتوحاً للبشر. ولأن الإنسان له طبيعة مادية خشى الله أن يهتم الإنسان بالعمل والمكسب المادي وينسى أنه له حياة أخرى ومصيره في السماء. فطلب الله من الإنسان أن يعمل 6 أيام واليوم السابع أي السبت هو يوم له طقوس عبادة وتزداد فيه الذبائح، هو راحة عن العمل لكنه هو يوم للرب. حتى يذكر الإنسان الله والفردوس الضائع فيحيا برجاء أن يعود للفردوس ثانية، ولا ينسى أنه ينتمي لفوق حيث الله لذلك كانت هذه الوصية هي الوصية الوحيدة التي تحوي كلمة أذكر. وذلك حتى ننتبه ونذكر أن هناك سماء (كو1:3،2) "إن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق.. " ولقد طبق اليهود الوصية حرفياً بدون فهم روح الوصية الذي يسمح بأعمال الخير، فهم سمحوا بإنقاذ البهيمة ورفضوا شفاء المريض (مت5:12،11). هم لم يفهموا أن السبت هو فرصة لإرضاء الله بأعمال الخير لذلك أصَّر المسيح على شرح ذلك بفعل المعجزات في السبت والسبت الحقيقي بالنسبة للمسيحي هو يوم راحته الحقيقي، أي يوم قام المسيح أي يوم الأحد، فراحتنا الحقيقية صارت لنا بقيامتنا مع المسيح وبدء الخليقة الجديدة. على أن الكنيسة لم تلغي قداسة السبت ومنعت الأصوام الإنقطاعية أيام السبت والأحد. والوصايا العشر تكررت في (خر20 + تث5) مع فارق أن في الخروج قدم سبب تقديس السبت أن الله استراح بعد الخلقة في اليوم السابع، أما في التثنية فأهتم بأن يقول أنه تذكار للخلاص من العبودية والدخول إلى الراحة (والمعنيان يكتملان بالصليب).

 

الوصية الخامسة :

أية (12): "اكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك."

هذه الوصية في مقدمة الوصايا الخاصة بعلاقتنا بالآخرين، وهي الوصية الوحيدة المقترنة بمكافأة أو وعد (أف2:6) (وراجع خر15:21-17 + تث18:21-21 + 16:27) وهي في مقدمة الوصايا الخاصة بالآخرين لأن الوالدين هم أقرب الناس لنا.

ولنلاحظ أن من لا يستطيع أن يكرم أبوه الذي يراه وولده ورباه ورعاه لن يستطيع أن يكرم الله الذي لم يراه (1يو20:4) فالأبوة الجسدية هي صورة لأبوة الله لنا. لذلك فهناك من وضع هذه الوصية ضمن وصايا اللوح الأول. وطاعة الأبوين ليست طاعة مطلقة بل هي مشروطة بأن تكون في الرب (غل8:1) وإن أحب أحد أباه أو أمه أكثر من المسيح فلا يستحق المسيح. والطاعة تشمل الاحترام والمحبة والرعاية في الكبر. وتمتد الوصية لإكرام الآباء الروحيين وأمنا كلنا الكنيسة.

 

الوصية السادسة :

أية (13): "لا تقتل."

نفس الإنسان هي ملك لله وحده، ولا يطيق الله أن يرى الدم البريء مسفوكاً بلا ذنب فليس من حق إنسان أن يحدد حياة إنسان آخر فيهدر دمه، ويشمل هذا الانتحار فهو تحديد حياة النفس. ولكن شريعة الله تأمر بالقتل في حالة بعض الخطايا (القتل والزنا وغيرها..) على أن يكون هذا على يد قضاة وبحسب الشريعة والناموس وبحسب شهود. (تك11:4) وهناك من يقتل بلسانه أي بإطلاق الشائعات الكاذبة مثلاً (أر8:9 + مز21:55 + خر28:21،29 + 1يو15:3) ويمتد هذا المفهوم لمن يقتل نفسه بالسجائر والخمور والمخدرات والتهور في قيادة السيارات.

 

الوصية السابعة :

أية (14): "لا تزن."

الذي يزني يخطئ إلى جسده (1كو18:6) ويخطئ لجسد المسيح (1كو15:6) وجسده هو هيكل الروح القدس (1كو19:6). وليست خطية بشعة يكرهها الله مثل الزنا، حتى دعيت في الكتاب نجاسة. ومن فرط بشاعتها دعيت عبادة الأوثان زنا وبسببها أحرق الله سدوم وعمورة وأغرق الأرض بالطوفان وكاد سبط بنيامين يفنى بسبب خطية الزنى (راجع 1كو3:5،5) وهي السبب الوحيد للطلاق.

 

الوصية الثامنة :

أية (15): "لا تسرق."

هي إي اعتداء على حق الآخرين وأخذه دون وجه حق. وتزداد بشاعة الخطية أن كان المسروق منه محتاجاً مثل الأرملة (مر40:12) ويندرج تحت هذه الخطية سرقة أفكار الآخرين والغش في الامتحانات والتهرب من الضرائب للحكومة. وأيضاً فهناك سرقة من الله حين نمتنع عن دفع العشور والبكور والنذور (مل7:3-10)

 

الوصية التاسعة :

أية (16): "لا تشهد على قريبك شهادة زور."

الشهادة الزور هي بهدف تعويج القضاء. والكذب صفة للشيطان (يو44:8)، ومن يكذب يعمل عمل أبيه الشيطان. والشهادة كانت لابد أن تكون على فم شاهدين أو ثلاثة (تث15:19).

 

الوصية العاشرة :

أية (17): "لا تشته بيت قريبك لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لقريبك."

الشهوة هي أم كل محظور. وهذه الوصية كشفت عن عمق الناموس فهو أراد أن يقتل الخطية من جذورها، لكن الشعب في العهد القديم لم يقدر ولم يفهم. ولا تقف الشهوة على الشهوات الجسدية، بل شهوة الامتلاك وحب المال. وبالحب وحده، حب الله نعرف أن الله يحبنا كأب ويعطينا أحسن شئ وأحسن شئ في نظر الله مختلف عن أحسن شئ في نظر البشر. فالبشر يظنون أن أحسن شئ هو الغني والصحة.. الخ لكن نجد الله يشرح أن دخول غني ملكوت السموات صعب ونجد أن الله الذي يحب بولس الرسول أعطاه شوكة في الجسد. إذاً فما نفهمه أن لله سيعطينا أحسن شئ نافع لخلاص نفوسنا، والله يعرف ما يصلح لكل واحد منا وعلينا أن نثق فيه وفي محبته وأبوته.

 

الآيات (18-21): "وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن ولما رأى الشعب ارتعدوا ووقفوا من بعيد. وقالوا لموسى تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت. فقال موسى للشعب لا تخافوا لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا. فوقف الشعب من بعيد وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله."

الفرق بين العهد القديم والعهد الجديد واضح. فنجد هناك مناظر مرعبة ونجد أن الشعب خائف ومرتعد ولا يستطيع الاقتراب. أما في العهد الجديد نجد أن الجميع مجتمعين في العلية والروح القدس يحل عليهم في شكل ألسنة نار ويسكب الحب في قلوبهم ويعطيهم سلاماً يفوق كل عقل. ونلاحظ أن نفس المنظر الذي أرعب الشعب هو نفسه الذي جذب موسى للدخول إليه فموسى كان يحب الله والمحبة تطرد الخوف إلى خارج؟

 

الآيات (22،23): "فقال الرب لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل انتم رأيتم أنني من السماء تكلمت معكم. لا تصنعوا معي آلهة فضة ولا تصنعوا لكم آلهة ذهب."

الله يريدنا أن نرفع عيوننا للسماء ولا ننظر للأرض. فلا شبيه له ولا للسماء.

 

الآيات (24-26): "مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك في كل الأماكن التي فيها اصنع لاسمي ذكراً آتى إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة إذا رفعت عليها إزميلك تدنسها. ولا تصعد بدرج إلى مذبحي كيلا تنكشف عورتك عليه."

في العبادات الوثنية كان يهتم العابدين بشكل المذبح الخارجي وقيمة مواده التي تلفت نظر العابدين، كما لفت نظر أحاز الملك مذبح الوثنيين فصنع مثله. أما شعب الله فكان يحب أن يتجه تفكيرهم إلى الله ذاته فكان شكل المذبح متضع وبلا منظر خارجي ملفت. وهكذا كان صليب المسيح "لا منظر له ولا جمال فنشتهيه" (أش1:53-3). ولا معنى للزخارف والمسيح مصلوب متألم. ولا قيمة لعبادة لا تقوم على أساس الصليب (حمل الصليب كتلميذ للمسيح وصلب الأهواء مع الشهوات) وتحريم الإزميل في نحت الحجر: معناه أن الله يرفض الصنعة البشرية ومبتكرات الذهن الطبيعي في العبادة بدعوى تزويق العبادة. ولنلاحظ أن عمل أيدينا ما هو إلا دنس. ولا يصعدون بدرج: فكان المذبح في مستوى الأرض يقترب إليه كل إنسان. وكان الوثنيون يظنون أنهم كلما ارتفعوا يقتربون لآلهتهم فيرضونها فتستجيب لهم لذلك كانوا يعبدون على المرتفعات. ومعنى الدرج في المفهوم البشري أن الإنسان يحاول أن يصعد ليقترب من الله ولكن المذبح في مفهوم الله أنه هو نزل ليقترب من البشر. وكل محاولة للإنسان أن يقترب لله بدون دم المسيح كانت تزيد من إنكشاف عورته وافتضاح داخله وخطيته ونجاسته أمام الله. والله يريدنا لا أن نمتنع من أن نقترب إليه بل أن نفهم أن كل محاولة للإقتراب إليه بدون دم المسيح هي بلا فائدة.

إذاً مواصفات المذبح هي شرح لأهمية صليب المسيح منه نقترب إلى الله بل به اقترب الله إلينا. ومصنوع بحجارة طبيعية أي صنعة الله ولا يستخدم فيها إزميل أي لا يدخل في تشكيلها مجهود بشر فالمسيح تجسد في بطن العذراء بدون زرع بشر. والمذبح مصنوع من تراب لإعلان حقيقة تجسد المسيح فالمسيح شابهنا في كل شئ وأخذ شكل جسد بشريتنا الترابي وبهذا الجسد تقدم إلى الصليب. وعلينا حتى نقترب من فهم سر الصليب ونقترب من الله أن لا ننتفخ بل نقول صلب العالم لي وأنا للعالم، نتواضع بذهننا ولا نرتفع ونتكبر كمن يصعد على درج فمن يتكبر وينتفخ ويحاول الاقتراب إلى الله معتمداً على أعماله تنكشف عورته. ولا سبيل للاقتراب سوى بدم المسيح. وهذا ختام مناسب للوصايا وللمنظر المرعب الذي رأوه (آيات18-21) فمن يفشل في تنفيذ الوصايا فبالمذبح أي بالصليب يقترب إلى الله.


 

الإصحاح الحادي والعشرون

خرج الشعب من مصر كأمة بلا خبرة، لهذا التزم الله بكل احتياجاتهم ليس فقط الخاصة بتحريرهم من عبوديتهم وإنما باحتياجاتهم المادية فأعطاهم الماء والمن وقادهم بعمود سحاب وعمود نار وظلل عليهم بسحابته، كما اهتم بالتشريع لهم في أمور العبادة والحياة المدنية والأمور الجنائية، بل حتى في الأمور الطبية والهندسية والزراعية، إذ أنه كشعب بدائي صار الله لهم الأب والقاضي والطبيب المتكفل بكل التزاماتهم وفي الإصحاحات (21-23) نجد التشريعات التي تحدد علاقة الشخص بالله وبأخوته بل وبالأرض وبالحيوان وظهرت فيها عدالة الله واضحة فلا تحيز لغني أو فقير، بل نجد أن الله يهتم حتى بالعبيد. ولنلاحظ إذا كان الله يهتم بالأرض والحيوان فكم يكون اهتمامه بالإنسان. وهناك من أسمى الوصايا العشر بالوصايا الكبرى وأطلق اسم الوصايا الصغرى على هذه التشريعات وهكذا فهمها اليهود فقالوا إن من يرتكب مخالفة لهذه الوصايا الصغرى يرتكب خطية صغيرة. وكما نجد في الوصايا العشر وصايا خاصة بعلاقة الإنسان بالله ووصايا خاصة بعلاقته مع أخيه الإنسان هكذا نجد في هذه الوصايا تشريعات خاصة بعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان أولاً حتى لا يظن أحد أنه يمكنه أن يسترضى الله على حساب علاقتنا مع الآخرين كما أنه لا يمكن أن نهتم بعلاقتنا بالآخرين ونترك علاقتنا بالله.

 

قضية العبيد :

لم يكن ممكناً للشريعة اليهودية أن تمنع نظام العبودية دفعة واحدة، لكنها التزمت بتقديم قواعد ونظم تحفظ للعبد حقه الإنساني، وتنزع عنه إلى حد كبير الجانب الإذلالي، ليعيش كإنسان وأخ تحت ظروفه القاسية ولقد نشر هذا الخبر في الأهرام "تم وضع الأمريكي ويليام جاريسون (1805-1879) في السجن سنة 1835 لحمايته من ملاك العبيد لأنه كان يدعو للمساواة بين البشر" فإن كان هذا قد حدث في أمريكا سنة 1835 فكم وكم كان الوضع منذ 4000سنة. ولكن الله استغل وضع العبيد ليشرح كيف أننا استعبدنا لإبليس وكيف حررنا.

 

العبودية عند الوثنيين :

كانت العبودية عند الشعوب الوثنية رهيبة. فالقانون الروماني لم يعط أي حق مدني أو إنساني لهم. ولا يعاقب القانون السيد إن عذب عبداً أو أمة أو قتل عبده أو اغتصب منه زوجته وكان على العبد أن يشكر سيده لأقل رحمة.

 

العبودية عند العبرانيين :

يحدثنا هذا الإصحاح عن حقوق العبد العبراني، إذ تميز الشريعة بين العبد غير العبراني والعبد العبراني. والعبودية عند العبرانيين كانت تتم في أحد الظروف التالية:

1.     بسبب الفقر قد يبيع الإنسان نفسه أو أولاده (لا39:25 + 2مل1:4).

2.     بسبب السرقة، إن لم يكن له ما يوفي فيباع بسرقته (خر3:22).

3.     قد يبيع الإنسان إبنه أو ابنته عبيداً (خر7:21،17 + نح5:5).

4.     قد يصير الإنسان عبداً بالميلاد إذا كان والده عبداً.

الحقوق التي قدمتها الشريعة للعبد العبراني والأمة العبرانية :

1.     يعامل العبد العبراني كأخ وليس في مذلة (لا39:25-43). وبذلك قدمت الشريعة نظرة جديدة للعبد، إنه أخ، شريك في العبودية لله الواحد. فالكل عبيد لله، والسيد عليه أن يعامل عبده على أنه أجير (يعمل بالأجرة) وبدون إذلال.

2.     نصت الشريعة على أن العبد يعتق من عبوديته في السنة السابعة من عبوديته أي بعد 6 سنوات. هنا نرى صورة لما صنعه السيد المسيح الذي أعتنقنا من العبودية في اليوم السابع "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً" (يو36:8).

3.     للعبد حق الخيار أن يترك بيت سيده أو يطلب أن يبقى معه كل أيام حياته فإن كان العبد يحب سيده وزوجته وأولاده عليه أن يستعبد نفسه لسيده بمحض إرادته إلى النهاية، فيقدمه سيده إلى الباب ويثقب أذنه، علامة الطاعة الكاملة. وثقب الأذن كان عادة شرقية متعارف عليها، فهم يثقبون أذن العبد. والباب كان يشير للأسرة التي إلتصق بها العبد. مرة أخرى نجد صورة للمسيح الذي أحب أباه وأحب عروسته (الكنيسة) وأولاده (نحن) (أف25:5-27) فصار من أجلنا عبداً لكي يرفعنا من العبودية إلى البنوة لله. وحيث أن ثقب الأذن صار كناية عن العبودية إختياراً والطاعة الكاملة (لأن الأذن هي عضو السمع) صار قول داود النبي "أذني فتحت (ثقبت)" (مز6:40) نبوة عن قبول المسيح أن يتجسد أخذاً صورة عبد باختياره. هكذا فهمها بولس الرسول (عب5:10-7) تأمل "هل نقبل فتح أو ثقب أذاننا لنخضع ونسمع ونصير عبيداً لله في حب".

4.     في سنة اليوبيل وهي تأتي كل 50 سنة (كل 7 × 7 سنين) يتحرر جميع هؤلاء العبيد حتى الذين لم يكملوا السنوات الست (لا39:25،40) هذا يرمز لعمل الروح القدس يوم الخمسين الذي يهب الكنيسة كمال الحرية في استحقاقات دم المسيح.

5.     لا يخرج العبد فارغاً بعد تحرره، بل يأخذ معه من الغلات والقطيع ومن البيدر والمعصرة (لا43:25). والمسيح لم يحررنا فقط بل وهبنا غني روحه القدوس.

6.     يمكن للعبد أن يتزوج ابنة سيده (1أي35:2) كما يمكن للسيد أن يتزوج الأمة أو يعطيها زوجة لابنه، ولا يحق له أن يبيع العبد العبراني أو الأمة لسيد أجنبي (خر7:21-11) بهذا تصير الأمة من أهل البيت لها كل الحقوق كأحد أفراد الأسرة. هذه صورة حية لعمل الله معنا الذي قدمنا نحن عبيده كعروس لابنه، فصار لنا شركة أمجاده السماوية.

7.     إن أهمل السيد أو إبنه في حق الأمة التي تزوجها، من جهة الطعام أو الملابس أو حقوقها الزوجية تصير الأمة حرة.

8.     ألغيت عادة العبيد العبرانيين وحرمت تماماً بعد العودة من السبي.

 

عبودية الأممي (غير العبراني) :

غالباً هم من أسرى الحرب (عد9:31 + 2مل2:5) أو مشترين (تك27:17) أو بالميلاد. لكننا لا نشتم من الكتاب المقدس ولا من التاريخ أنه كان يوجد سوق للرق عند اليهود. ونرى كيف أن إبراهيم كان ينوي أن يترك ثروته لعبده إليعازر الدمشقي. وحفظت الشريعة للعبيد حقوقهم وآدميتهم:-

1.     من يسرق إنساناً ويبيعه أو يوجد في يده يقتل (خر16:21).

2.     جريمة قتل العبد تتساوى مع قتل الحر (لا17:24،22) وحسب التلمود إذا قتل سيد عبده يُقْتَلْ السيد أما المحدثين من اليهود قالوا يدفع عنه دية.

3.     إذا فقد عبد عينه أو يده يعتق (خر26:21،27) هذا فيه حماية للعبد.

4.     أعطت الشريعة للعبيد أن يعبدوا آلهتهم الخاصة (حرية العقيدة) حتى وإن كانوا مخطئين، على أنه كان من حًقْ السيد العبراني أن يختن عبيده.

5.     أعطتهم حق الاشتراك مع سادتهم في الأعياد (خر10:20،12:23)

 

المسيحية ونظام الرق :

لم تشأ المسيحية إثارة العبيد ضد سادتهم، فقد كان العبيد يمثلون نصف تعداد المملكة الرومانية. بل طالبت العبيد بالطاعة لسادتهم (أف5:6-8 + 1بط18:2-21) ولكنها طالبت العبيد بهذا حتى يكونوا قدوة حسنة وتكون حياتهم المقدسة مؤثرة على سادتهم لعلهم يؤمنون. ولقد أعاد بولس الرسول العبد الهارب لفليمون سيده وكانت الرسالة إلى فليمون السيد أن يحب عبده ويعامله كأخ ويحرره بإرادته المطلقة وليس بتحريض العبد أنسيموس على الثورة والهروب. وقد حرره فليمون فعلاً. لذلك بدأ نظام الرق في الانهيار وكان هذا من أسباب ثورة الرومان ضد المسيحية. ونلخص وجهة نظر المسيحية عن نظام الرق فيما يلي:

1.     الزمت الكنيسة أولادها أن يعاملوا العبيد كأخوة لهم (1كو21:7،22 + غل28:3).

2.     السادة الذين عاشوا بروح الإنجيل حرروا عبيدهم دون وجود أمر صريح.

3.     كثيرين من العبيد نالوا رتباً كنسية عالية مثل أنسيموس عبد فليمون فقد صار أسقفاً. ومن العبيد من صاروا شهداء وكرمتهم الكنيسة وطلبت شفاعتهم.

4.     الكتابات الكنسية شجعت على إنهيار هذا النظام بأن طالبت أن يحسب العبد كأخ. ولقد رأى أغسطينوس أن العبودية هي ثمرة للخطية فأول مرة نسمع عن العبودية كانت مع سقوط كنعان في خطيته (تك25:9)

 

آية (1) : "وهذه هي الأحكام التي تضع أمامهم."

الأحكام= هي أحكام لأنها بحكمة وضعت ولكي يحكم القضاة بها.

 

آية (4) : "أن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين أو بنات فالمرأة وأولادها يكونون لسيده وهو يخرج وحده."

كان السادة يزوجون عبيدهم من إمائهم.

 

آية (6) : "يقدمه سيده إلى الله ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ويثقب سيده أذنه بالمثقب فيخدمه إلى الأبد."

يقدمه سيده إلى الله= المقصود القضاة (تث17:19،18) لأن القضاة يحكمون باسم الله وبشريعة الله. وكلمة هالوهيم (الله) تعني أيضاً القضاة لذلك.

 

الآيات (7-11): "وإذا باع رجل ابنته أمة لا تخرج كما يخرج العبيد. أن قبحت في عيني سيدها الذي خطبها لنفسه يدعها تفك وليس له سلطان أن يبيعها لقوم أجانب لغدره بها. وأن خطبها لابنه فبحسب حق البنات يفعل لها. أن اتخذ لنفسه أخرى لا ينقص طعامها وكسوتها ومعاشرتها. وأن لم يفعل لها هذه الثلاث تخرج مجانا بلا ثمن."

إذا باع رجل ابنته= لا يفعل هذا سوى فقراء البائسين. وكانت حقوق البنت المباعة أكثر من العبد فإن كانت غير متزوجة تعتق بعد 6سنوات أي إن لم يتزوجها سيدها تعتق. وإذا تزوجها سيدها يكون لها حقوق الزوجة الحرة. لا تخرج كما يخرج العبيد= أي تخرج كإبنة مكرمة من بيت أبيها لبيت سيدها ثم من بيت سيدها لبيت أبيها. إن قبحت في عيني سيدها أي بعد أن اشتراها ليخطبها أو يتزوجها لم تَرُقْ له فعليه أن يتركها لأحد العبرانيين ولا يبيعها لأجنبي. غدره بها= أي أنه لم ينفذ قصده الأول أن يتزوجها. وأية (10) نجد أن الشريعة لقساوة قلوبهم أباحت الزواج بأكثر من واحدة ولكن إن تزوج بأكثر من واحدة فعليه أن يهتم بالأولى ولا ينقص لإحداهن طعامها ولا كسوتها. إن لم يفعل لها هذه الثلاث= أي [1] يتزوجها أو يزوجها لابنه [2]يعطيها لعبراني آخر [3] لا ينقص احتياجاتها. تخرج مجاناً= أي كان لها أن تخرج وتترك بيت سيدها بلا مقابل.

 

الآيات (12-36): تفصيل للوصايا (5،6) (إكرام الوالدين، عدم القتل)

 

آية (12) : "من ضرب إنساناً فمات يقتل قتلاً."

القتل العمد عقوبته قتل القاتل وحرمت الشريعة إفتداء القاتل بالمال (عد31:35-34) وبذلك ساوت الشريعة بين الغني والفقير. ولا يحكم بالموت إلا لو كان بشهادة شهود، أي يشهد 2 أو 3 على القاتل أنه قتل (عد30:35).

 

آية (13) : "ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا اجعل لك مكاناً يهرب إليه."

أوقع الله في يده= أي القاتل لم يكن قاصداً القتل، بل ربما دفع خصمه في مشاجرة عادية وسمح الله أن تكون هذه الدفعة سبباً في موت القتيل. أجعل لك مكاناً يهرب إليه= وضع الله في إسرائيل بعد ذلك 6مدن ملجأ يلجأ إليها القاتل غير المتعمد فينجو (راجع عد35).

 

آية (14) : "وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت."

حتى مذبح الله لا يحمى القاتل المتعمد (راجع 1مل28:2-34).

 

آية (15) : "ومن ضرب أباه أو أمه يقتل قتلاً."

الوالدين نائبا الله على الأرض فالاعتداء عليهما اعتداء على الله (آية17).

 

آية (16) : "ومن سرق إنساناً وباعه أو وجد في يده يقتل قتلاً."

الله يقدس الحرية الإنسانية. ومن يعتدي على حرية إنسان ليبيعه كعبد يقتل.

 

الآيات (20،21) : "وإذا ضرب إنسان عبده أو أمته بالعصا فمات تحت يده ينتقم منه. لكن أن بقي يوماً أو يومين لا ينتقم منه لأنه ماله."

هنا يعاقب من يقتل عبده. وإن ضرب السيد عبده ثم عاش العبد يوماً أو يومين لا يعاقب السيد لأنه من غير المعقول أن يضيع السيد عبده الذي دفع فيه ماله وهو يخدمه فبقاؤه حياً يعني أنه إنما كان يؤدبه ولم يكن ناوياً قتله.

 

آية (22) : "وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية يغرم كما يضع عليه زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة."

كان الزوج يقدر الغرامة فإذا حدث خلاف على القيمة يلجأوا إلى القضاة.

 

الآيات (23،24) : "وأن حصلت أذية تعطي نفساً بنفس. وعيناً بعين وسناً بسن ويداً بيد ورجلاً برجل."

يفهم من (18،19) أن الإصابة كان يدفع عنها غرامة يقدرها القضاء لذلك كان لكل عضو يفقد تقدر دية يدفعها المعتدي. وكان الشخص لا ينتقم لنفسه بل يتم كل شئ على يد القضاء. وشريعة عين بعين تناسب الحالة التي كان عليها الشعب وهذه أفضل من أن يرد المعتدي عليه الاعتداء مضاعفاً. أما المسيحية فطالبت برد الضرر بالحب ومقاومة الشر بالإحسان (مت43:5-48).

 

آية (28) : "وإذا نطح ثور رجلاً أو امرأة فمات يرجم الثور ولا يؤكل لحمه وأما صاحب الثور فيكون بريئاً."

القاتل حتى لو كان حيواناً فهو ملعون، لا يؤكل لحم الثور الذي يرجم لأنه لم يذبح ويسفك دمه شرعياً. وكان يجب قتل الثور لأن الثور القاتل هو أداة الجريمة فيجب أن تعاقب لذلك يعاقب الجسد في اليوم الأخير فهو أداة تنفيذ الخطية. ولا يجب أكل لحم الثور فهو لم يذبح (الذبح هو الطريقة القانونية).

 

آية (29) : "ولكن أن كان ثوراً نطاحاً من قبل وقد اشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلاً أو امرأة فالثور يرجم وصاحبه أيضاً يقتل."

هنا يُعْتَبَرْ صاحب الثور قاتلاً بالمسئولية لأنه أهمل ضبط ثوره وقد سبق وأخبروه أن ثوره نطاح وأهمل ضبطه فنطح وقتل.

 

آية (30) : "أن وضعت عليه فدية يدفع فداء نفسه كل ما يوضع عليه."

من يضع عليه هم أهل القتيل وإذا لم يتفقوا يذهبوا للقضاة. هذا إذا وافق الأهل أن لا يقتل الشخص ووافقوا علي الدية.

 

الآيات (33،34) : "وإذا فتح إنسان بئراً أو حفر إنسان بئراً ولم يغطه فوقع فيه ثور أو حمار. فصاحب البئر يعوض ويرد فضة لصاحبه والميت يكون له."

الرب يعتبر أن الإهمال خطية يتحمل صاحبها المسئولية.

تعليق: يظهر من هذه التشريعات تقديس النظرة للحياة الإنسانية، فالله لا يسمح بإهدار حياة إنسان أو ضربه أو إهانته بل يهتم الله أن لا يخسر شئ بسبب إهمال شخص آخر. بل حتى أن لا يهان عبد أو يخسر سناً أو عيناً.


 

الإصحاح الثاني والعشرون

نجد هنا شرائع تخص الوصيتان (7،8) (لا تسرق، لا تزن)

إعتبر الله نفسه مسئولاً ليس فقط عن حياة الإنسان وجسده وإنما أيضاً على ممتلكاته. وكانت الماشية هي أثمن ممتلكات هذا العصر فإعتبرت سرقتها نيابة عن سرقة المقتنيات.

 

الآيات (1-4): "إذا سرق إنسان ثوراً او شاة فذبحه أو باعه يعوض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة بأربعة من الغنم. أن وجد السارق وهو ينقب فضرب ومات فليس له دم. ولكن أن أشرقت عليه الشمس فله دم انه يعوض أن لم يكن له يبع بسرقته. أن وجدت السرقة في يده حية ثوراً كانت أم حماراً أم شاة يعوض باثنين."

الفرق بين آية (1) وآية (4) أنه في آية (1) اللص سرق وباع ما سرقه أو ذبحه هنا يرد بخمسة ثيران للثور المسروق وبأربعة من الغنم عن الشاة المسروقة وأما في آية (4) فاللص ضبط والسرقة في يده. اللص الأول محترف سرقة فعقوبته أكبر واللص الثاني مبتدئ فعقوبته أقل. وسارق الثور عقوبته أكبر لسببين: [1] الثور يؤجر فالخسارة أكبر لأن صاحبه يستفيد بأجرته [2] اللص الذي يسرق ثوراً هو أكثر جسارة ممن يسرق شاه فعقوبة سارق الثور تكون أكبر. ولو قُتِلَ اللص أثناء السرقة فلو كان ليلاً. يكون صاحب البيت في حل أن يضربه وإن مات هو المسئول عن نفسه. ولكن لو كان في النهار (آية 3) فيطلب دمه فبالنهار يستطيع صاحب البيت أن يستعين بالآخرين. فالحياة مهمة عند الله حتى لو حياة لص. والله لا يريد روح الانتقام بل التأديب. وفي الليل يفترض أن صاحب البيت يضرب في الليل ولا يرى دفاعاً عن نفسه وعن ممتلكاته.

 

آية (5) : "إذا رعى إنسان حقلاً أو كرماً وسرح مواشيه فرعت في حقل غيره فمن أجود حقله وأجود كرمه يعوض."

هنا سرقة بالإهمال.

 

آية (6) : "إذا خرجت نار وأصابت شوكاً فاحترقت أكداس أو زرع أو حقل فالذي أوقد الوقيد يعوض."

وأيضاً في آية (6) فهناك عادة للفلاحين بحرق الشوك.

 

الآيات (7-9): "إذا أعطى إنسان صاحبه فضة أو أمتعة للحفظ فسرقت من بيت الإنسان فان وجد السارق يعوض باثنين. وأن لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت إلى الله ليحكم هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه. في كل دعوى جناية من جهة ثور أو حمار أو شاة أو ثوب أو مفقود ما يقال أن هذا هو تقدم إلى الله دعواهما فالذي يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه باثنين."

إن أودع شخص أمانة عند أحد وسُرقت يعوِّض السارق بضعفين لو ضبط السارق. ولكن إن قال المتهم لم يودع عندي شئ يذهبا للقضاء= إلى الله ويحلف كلاهما والقضاة يحكمون والظالم منهم يدفع ضعفين. الظالم هو المدَّعِي كَذِباً أو المدَّعَي عليه لو اتضح أنه خان الأمانة.

 

الآيات (10-15): "إذا أعطى إنسان صاحبه حماراً أو ثوراً أو شاة أو بهيمة ما للحفظ فمات أو انكسر أو نهب وليس ناظر. فيمين الرب تكون بينهما هل لم يمد يده إلى ملك صاحبه فيقبل صاحبه فلا يعوض. وأن سرق من عنده يعوض صاحبه. أن افترس يحضره شهادة لا يعوض عن المفترس. وإذا استعار إنسان من صاحبه شيئاً فانكسر أو مات وصاحبه ليس معه يعوض. وأن كان صاحبه معه لا يعوض أن كان مستأجراً آتى بأجرته."

لم يكن في ذلك الزمان بنوك أو ما شابه فكان الشخص يودع أماناته عند الآخرين. وهنا تفرق الشريعة بين من يضيع الأمانة بإهماله أو لعدم الحرص (آية12) أو دوناً عن إرادته كأن يفترس وحش الوديعة (13) وفي (11) يمين الرب تكون بينهما= أي يرفع الشخص يده اليمنى ليقسم. وفي (15) إن كان مستأجراً أتى بأجرته= أي أن صاحب الحيوان المؤجر في هذه الحالة لا يطلب تعويض بل يأخذ الأجرة المتفق عليها فقط. فالأجرة شاملة التعويض.

 

الآيات (16-20): "وإذا راود رجل عذراء لم تخطب فاضطجع معها يمهرها لنفسه زوجة. أن آبى أبوها أن يعطيه إياها يزن له فضة كمهر العذارى. لا تدع ساحرة تعيش. كل من اضطجع مع بهيمة يقتل قتلاً. من ذبح لآلهة غير الرب وحده يهلك."

راود= أي كان ذلك بموافقتها. وإذا حدث هذا فعلي من زنى مع البنت غير المخطوبة حتى لو كان بموافقتها أن يتزوجها. وإن أبى والدها أن يزوجها له يدفع مهرها كنوع من التعويض. أما لو زنى رجل مع بنت مخطوبة فالعقوبة تكون الموت (تث23:22،24) وقطعاً نفس الشئ لو كانت متزوجة. وهنا يتسع مفهوم الزنا فيشمل الزنا الروحي أي السحر والذبح لآلهة غريبة. وساحرة بالعبرية تعني (مِكاَشِفَةْ) أي التي تكشف المستقبل والغيب وتُعِلنْ عن سارق الشيء. وكان من يذهب لهؤلاء الساحرات أو يذبح لوثن يعتبر خيانة للرب= زنا روحي لذلك وضع هذا ضمن خطايا الزنا. ونجد هنا خطية الزنا مع الحيوانات والله ينبهم لها هنا قبل دخولهم كنعان فهي كانت منتشرة وسط الكنعانيين ولم تعرف هذه الخطية في مصر.

 

الآيات (22-24): "لا تسئ إلى أرملة ما ولا يتيم. إن آسات إليه فأني أن صرخ إلىّ اسمع صراخه. فيحمى غضبي وأقتلكم بالسيف فتصير نساؤكم أرامل وأولادكم يتامى."

الله لا يحتمل الظلم خصوصاً لو كان ضد أرملة أو يتيم. وهنا لم يحدد الله عقوبة فهو نفسه الذي سيعاقب وهو له سيوفه الخاصة فهو أي الله استخدم بابل واليونان والرومان لتأديب شعبه.

 

آية (25): "أن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي لا تضعوا عليه ربا."

الله يمنع الربا ولاحظ أنه في تلك الأيام لم تكن القروض تستخدم في أعمال تجارية لزيادة الدخل بل بسبب العوز.

 

آية (28): "لا تسب الله ولا تلعن رئيساً في شعبك."

لا تلعن= لا تقل سوءاً في رئيس في شعبك (طاعة واحترام الرؤساء).

 

الآيات (29،30): "لا تؤخر ملء بيدرك وقطر معصرتك وأبكار بنيك تعطيني. كذلك تفعل ببقرك وغنمك سبعة أيام يكون مع أمه وفي اليوم الثامن تعطيني إياه."

ملء بيدرك وقطر معصرتك= أي بكورهما. فهذا الإصحاح الذي يتكلم عن عدم السرقة ينبه أن لا نسرق الرب (والبكور يعطيها الله للمحتاجين).

 

آية (31): "وتكونون لي أناساً مقدسين ولحم فريسة في الصحراء لا تأكلوا للكلاب تطرحونه."

من غير المعقول أن يأكل شعب الله من فضلات الوحوش فهذا تصرف شهواني وضيع، بالإضافة أن دم الفريسة سيكون فيها والدم ممنوع أكله. للكلاب تطرحونه= فالله يدبر حتى أكل الكلاب.


 

الإصحاح الثالث والعشرون

الآيات (1-9) : قوانين تخص الوصية التاسعة

 

آية (1): "لا تقبل خبراً كاذباً ولا تضع يدك مع المنافق لتكون شاهد ظلم."

لا تقبل خبراً إن لم تتأكد من صحته ومن صدق صاحبه وبالتالي لا تروج الخبر.

 

آية (2): "لا تتبع الكثيرين إلى فعل الشر ولا تجب في دعوى مائلاً وراء الكثيرين للتحريف."

الحق ليس مع الكثرة ولا تخف في شهادة الحق أن تكون ضد الكثرة. ولا تجري وراء الجماعة إذا إنحرفت.

 

آية (3): "ولا تحاب مع المسكين في دعواه."

الله يطلب منا الشفقة على الفقير ولكن على ألا تظلم الغني لأجل الفقير.

 

الآيات (4،5): "إذا صادفت ثور عدوك أو حماره شاردا ترده إليه. إذا رأيت حمار مبغضك واقعاً تحت حمله وعدلت عن حله فلا بد أن تحل معه."

مساعدة الآخرين ليست أمراً إختيارياً لكنها وصية إلهية إلزامية، لا تقف عند حد الإنسان، وإنما مساعدة حتى حمار العدو إن وقع تحت حمله. ومعنى آية (5) أن تقاوم الفكر في داخلك أن تترك عدوك ولا تساعده. وإن كانت الشريعة إهتمت بأن يساعد الشخص حمار عدوه فكم بالأولى شخص عدوه نفسه.

 

آية (6): "لا تحرف حق فقيرك في دعواه."

الله يهتم بالفقير والمسكين فلا نظلمه لحساب الغني،

 

آية (7): "ابتعد عن كلام الكذب ولا تقتل البريء والبار لأني لا ابرر المذنب."

الشهادة الزور أو الكذب وإطلاق الشائعات الكاذبة قد تكون سبباً في قتل برئ.

 

آية (8): "ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تعمي المبصرين وتعوج كلام الأبرار."

الرشوة تعمي بصيرة المبصرين لأن المرتشي يضطر أن يجامل فيشهد كاذباً.

 

الآيات (10-13): "وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تآكلها وحوش البرية كذلك تفعل بكرمك وزيتونك. ستة أيام تعمل عملك وأما اليوم السابع ففيه تستريح لكي يستريح ثورك وحمارك ويتنفس ابن أمتك والغريب."

هنا يتكلم عن السبت ليس من وجهة العبادة لكن من جهة حق الآخرين على الإنسان. في السنة السابعة تستريح الأرض. والفقراء يجدون طعاماً بل ووحوش البرية. وفي اليوم السابع يعطي الإنسان لنفسه راحة ولعائلته وابن أمته والغريب بل وللحيوانات. وذكر السبت والسنة السبتية (السابعة) متعاقبان معناه أن الأساس واحد. وفي السنة السابعة (السبتية) كان الإنسان لا يزرع أرضه. وكان الفقراء يأكلون ما يجدونه فيها (راجع لا1:25-7) فالزريعة التي تخرج هي لصاحب الأرض ولكل فقير وحتى للحيوانات. وكانت هذه السنة يقضونها في التعبد. وكان مما يزيد إيمانهم أن الله يبارك في محصول السنة السادسة. ولقد راعى اليهود السنة السبتية فترات قليلة فعوقبوا بالسبي وإمتنع زراعة الأرض 70سنة (2أي21:36) وبعد العودة من السبي راعى اليهود السنة السبتية حتى أن يوليوس قيصر سمح بإعفاء اليهود من الجزية في السنة السابعة. وفي آية (13) يمنع ذكر آلهة أخرى وكان لا ينطق أسماء الآلهة الأخرى سوى الأنبياء والمعلمين حتى يهاجمونها.

 

الآيات (14-17): "ثلاث مرات تعيد لي في السنة. تحفظ عيد الفطير تأكل فطيراً سبعة أيام كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنه فيه خرجت من مصر ولا يظهروا أمامي فارغين. وعيد الحصاد أبكار غلاتك التي تزرع في الحقل وعيد الجمع في نهاية السنة عندما تجمع غلاتك من الحقل. ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب."

عند اليهود 7 أعياد مذكورة في سفر اللاويين ولكن يذكر منها هنا ثلاث أعياد فقط وهي التي يعيدون فيها أمام بيت الرب (كل الذكور) ووجودهم معاً فيه معنى المحبة والشركة والوحدة. فالكل في فرح فتزداد الروابط الاجتماعية.

1.     عيد الفطير: مرتبط بعيد الفصح ولمدة 7 أيام، تذكار خروجهم من مصر.

2.     عيد الحصاد: ويسمى عيد البندكستي أو عيد الأسابيع ويأتي في اليوم الخمسين من عيد الفصح في أول حصاد القمح وتقدم فيه باكورات الغلات.

3.     عيد الجمع: ويسمى عيد المظال أو عيد الشكر في نهاية السنة الزراعية عند حصاد الثمار. وكانوا يقيمون 7 أيام في مظال وفي اليوم الثامن يكون فرح كبير.

هو شكر لله على إحساناته والإقامة في مظال هو تذكار لغربتهم في البرية، هو أيضاً تذكار لغربتنا في هذه الحياة والفرح الكبير في اليوم الثامن هو رمز للحياة الأبدية. وكانوا يأكلون الفطير في الأعياد عموماً فتكون فرصة لمراجعة النفس على أخطائها فالخمير رمز للشر.

 

آية (18): "لا تذبح على خمير دم ذبيحتي ولا يبت شحم عيدي إلى الغد."

تذبح على خمير دم ذبيحتي= الخمير رمز للشر فلا شركة للنور مع الظلمة. ولا يبت شحم عيدي إلى الغد= هنا يقول عيدي فهو ليس للإنسان ولكنه عيد للرب فيه يفرح الله بالإنسان. وكان من المفروض أن الشحم يوقد في نفس اليوم حتى لا يفسد. ولعله قصد بهذه الوصية أن يوزع كل ما يملكه بخصوص العيد في ذلك اليوم ولا يترك شيئاً لنفسه بل يعطيه للمحتاجين.

 

آية (19): "أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك لا تطبخ جدياً بلبن أمه."

 هناك خرافة وثنية أنهم يطبخون الجدي بلبن أمِّه ويرشوا الحقول بهذا المرق وكانوا يعتقدون أن هذا يعطي بركة لغلاتهم. وهنا يمنع الله هذه العادة الوثنية وهذه القساوة. ويربط البكور وبين هذه الوصية فما يبارك محصولنا هو تقديم البكور، أي أن نعطي الله حقوقه.

 

آية (20): "ها أنا مرسل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته."

الملاك بمعنى مرسل هو الأقنوم الثاني الذي يتنازل ليكون في وسطهم فيصير كملاك مرسل لحمايتهم وقيادتهم والدخول إلى الوعود الإلهية. وهذه نبوة عن المسيح ولذلك قيل أن الشعب جرّب المسيح (1كو9:10). وقد يعني الملاك موسى كرمز للمسيح أو ملاكاً فعلياً ليحميهم ولكن الغالب أنه المسيح وراجع آيات (21-23).

 

آية (21): "احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرد عليه لأنه لا يصفح عن ذنوبكم لأن اسمي فيه."

اسمي فيه= أي يهوه يسكن فيه= يسكن فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كو9:2) ومخالفة المسيح خطيرة (عب29:10) لذلك قيل لا يصفح عن ذنوبكم فهو ليس إنساناً عادياً يمكننا أن نخالفه. فمن هو هذا الذي له سلطان أن لا يغفر سوى من له سلطان أيضاً أن يغفر أي المسيح. إذاً فالملاك هو رمز للمسيح الذي نزل إلينا ليقودنا إلى أورشليم العليا. وموسى قد طلب ليسر السيد في وسطنا (خر16:33) ووافق الله (17:33) ولقد نبه موسى الشعب لهذا المرسل وطلب منهم أن يسمعوا له (تث15:18).

 

آية (23): "فان ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين فأبيدهم."

فأبيدهم= يبيدهم من أن يكونوا أمة فهم بقوا واندمجوا مع الشعب اليهودي.

 

آية (24): "لا تسجد لآلهتهم ولا تعبدها ولا تعمل كأعمالهم بل تبيدهم وتكسر أنصابهم."

أنصابهم= هي أعمدة تذكارية لها قيمة مقدسة وهي من الحجر مثل المسلات الفرعونية، أو هي شاهد على إتفاق أو منحوت عليها منظر شيء أو شخص.

 

آية (26): "لا تكون مسقطة ولا عاقر في أرضك واكمل عدد أيامك."

كان السقوط للمرأة الحبلى والعقم في هذه الأيام من علامات غضب الله.

 

آية (28): "وأرسل أمامك الزنابير فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من أمامك."

الزنابير قد تكون زنابير حقيقية تجعلهم يهربون ويتركون الأرض. أو هم المصريين الذين ضربوا الحثيين وفلسطين وكان الزنبور أو النملة علامة للمصريين وقد أرسل الله زنابير فعلاً لتساعدهم.

 

الآيات (29،30): "لا اطردهم من أمامك في سنة واحدة لئلا تصير الأرض خربة فتكثر عليك وحوش البرية. قليلاً قليلاً اطردهم من أمامك إلى أن تثمر وتملك الأرض."

قارن مع (2مل25:17،26). وعدم طرد الشعوب أمامهم مرة واحدة يعطي فرصة لهذه الشعوب الوثنية أن تؤمن وتتهود وتتوب عن أعمالهم النجسة.

 

آية (31): "واجعل تخومك من بحر سوف إلى بحر فلسطين ومن البرية إلى النهر فأني ادفع إلى أيديكم سكان الأرض فتطردهم من أمامك."

هذه تحققت أيام سليمان وبها تم الوعد لإبراهيم. والنهر هو نهر الفرات ثم فقدوا هذه الأرض ثانية بسبب خطاياهم.

 

آية (32): "لا تقطع معهم ولا مع آلهتهم عهداً."

المعاهدات بين الشعوب كانت بأن يعترف كل منهما بإله الآخر.

 

آية (33): "لا يسكنوا في أرضك لئلا يجعلوك تخطئ إلىّ إذا عبدت آلهتهم فانه يكون لك فخاً."

رَفْضْ اليهود أن يسكنوا مع هذه الشعوب الوثنية كان حماية لهم من أن يقلدوهم، فهم لم يكن لهم الإدراك أن يميزوا بين الخاطئ والخطية. ورفض هذه الشعوب كان يعني رفض آلهتهم وسلوكهم وخطاياهم. وكان هذا شرطاً ليستمر الله في وسطهم.


 

الإصحاح الرابع والعشرون

آية (1): "وقال لموسى اصعد إلى الرب أنت وهرون وناداب وابيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل واسجدوا من بعيد."

وقال لموسى= هذه تكملة ل (21:20) ودخل بينها بعض الشرائع. وكان موسى لا يزال على الجبل بعد أن أخذ ناموس العهد وبعد ذلك نزل إلى الشعب وقص عليهم كلمات الناموس وختم العهد بدم الذبيحة ثم عاد إلى الجبل مع هرون وناداب وأبيهو والسبعين شيخاً. والسبعين شيخاً يمثلون رؤساء الشعب في مصر.

 

آية (2): "ويقترب موسى وحده إلى الرب هم لا يقتربون وأما الشعب فلا يصعد معه."

في العهد القديم موسى يقترب وحده. أما في العهد الجديد فهناك دعوة لكل فرد أن يقترب. بل المسيح يقول "تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين... " + "اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم" (يع8:4).

 

آية (3): "فجاء موسى وحدث الشعب بجميع أقوال الرب وجميع الأحكام فأجاب جميع الشعب بصوت واحد وقالوا كل الأقوال التي تكلم بها الرب نفعل."

جميل أن يتلقى موسى الوصايا من الله ويشرحها للشعب ويقبلها الشعب بكل رضى. هذا هو دور الخدام أن يسمعوا من الله ويعلموا الشعب. وهذا دور الشعب أن يسمع ويستجيب. ولكن الشعب لم يعرف صعوبة الوصية وصعوبة طاعتها.

 

آية (4): "فكتب موسى جميع أقوال الرب وبكر في الصباح وبنى مذبحاً في اسفل الجبل واثني عشر عمودا لأسباط إسرائيل الاثني عشر."

المذبح علامة أو رمز لحضور الله والاثنى عشر عموداً رمزاً لحصور ال12 سبطاً فال12 سبط سيدخلون الآن في عهد مع الله. هذا ما يتضح في آية (7).

 

آية (5): "وأرسل فتيان بني إسرائيل فاصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران."

الشعب بكل فئاته وأعماره يشترك في العهد. وجميل أن نرى الشباب بحيويتهم وقدرتهم ونشاطهم يقدمون الذبائح فالفتيان لهم دور كما أن الشيوخ كانوا مع موسى، الكل في شركة وفي عهد مع الله. وفي الكنيسة لا يمكن أن يقام قداس بدون شعب ويلزم اشتراك الشعب علانية مع الكهنة في الخدمة. الكاهن يصلي عن الشعب والشعب يصلي عن الكاهن ويصلوا لأجل البطريرك والأساقفة. وكان لكل يهودي أن يذبح أما رش الدم فللكهنة فقط.

 

الآيات (6-8): "فاخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس ونصف الدم رشه على المذبح. واخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب فقالوا كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له. واخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال."

رش الدم نصفه على المذبح ونصفه على الشعب معناه ارتباط الله مع الشعب في هذا العهد، ويعني وحدة الشعب مع الله، وأن كلاهما ارتبط بالعهد. رش الدم على المذبح يعني أن الله دخل في عهد مع الشعب ليحفظهم ويحميهم. ورش الدم على الشعب يعني تقديس الشعب ليدخلوا في عهد مع الله وأنهم ملتزمين بالوصايا. وحيث أن الشعب طبيعته خاطئة ولا يستطيع تنفيذ العهد صار الشعب يتقرب لله عن طريق دم الذبائح لتكفر عنهم وبذلك صار هذا العهد رمزاً للعهد الجديد بدم المسيح. لذلك كان الدم المرشوش هو الوسيلة التي رأوا بها مجد الله (آية17) ولذلك نلاحظ هنا في آية (1) اسجدوا من بعيد، أما العهد الجديد فنسمع القول أقتربوا. وسبب ذلك دم المسيح الذي قربنا إلى الله لذلك قيل عن الذبائح في العهد القديم من أراد أن يقرب ذبيحة (لا2:1،3،10،14.. الخ)

آية (7) كتاب العهد= التوراة والوصايا العشر والتشريعات (إصحاحات 21-23)

تأمل في آية (5): الله يطلب محرقات الحب وذبائح السلامة منك في أيام شبابك لذلك يقول الكتاب "أذكر خالقك في أيام شبابك" (جا1:12) وكان لكل إسرائيل أن يذبح التقدمة (كهنوت عام) وأما إيقاد النار فهو للكهنة (كهنوت خاص). وبالنسبة لنا فالمسيحيين كلهم كهنة بالمفهوم العام يقدمون ذبائح الشكر وذبائح التسبيح ويقدمون أنفسهم ذبائح حية ويصلبون أهوائهم مع شهواتهم أما الكهنة فعملهم هو تقديم ذبيحة الإفخارستيا.

 

آية (10): "ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة."

ظهر لهم الرب في صورة إنسان لأنه يقول.. تحت رجليه. هم رأوا الله بلا رعب بل في محبة وجمال. وكانوا كضيوف على مائدته (آية 11) فرأوا الله وأكلوا وشربوا والعقيق الأزرق الشفاف يشير لقداسة الله وأن من يسود عليهم الله (من هم تحت رجليه) يجب أن تكون لهم الطبيعة السماوية والفكر السماوي فلا شركة للنور مع الظلمة. هذه الرؤيا كانت تشير من بعيد للتجسد حيث يأتي المسيح السماوي ويتجسد ويعطينا أن نأكل أمامه (التناول). فالتناول يعطي أن تنفتح عيوننا ونعرف الله ونحيا "من يأكلني يحيا بي+ هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحي.. ".

 

آية (11): "ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا."

لم يمد يده إلى أشراف إسرائيل= أي لم يقتلهم فإنه لا أحد يرى الله ويعيش وكان هذا إعلان من إعلانات الله (الأقنوم الثاني) الذي تجسد ليعطينا حياة لا لنموت. فرأوا الله وأكلوا وشربوا= تفهم أنها جسد المسيح الذي نأكله لنحيا، وقد نفهمها أن الله يهتم بأكلنا وشربنا وملبسنا، فإن أكلنا أو شربنا فنحن في حضرة الله نشكره على كل خيراته.

 

الآيات (12-14): "وقال الرب لموسى اصعد إلىّ إلى الجبل وكن هناك فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعليمهم. فقام موسى ويشوع خادمه وصعد موسى إلى جبل الله. وأما الشيوخ فقال لهم اجلسوا لنا ههنا حتى نرجع إليكم وهوذا هرون وحور معكم فمن كان صاحب دعوى فليتقدم إليهما."

بعد الأكل نزل الجميع ولم يمكث سوى موسى ويشوع. وذهب الشيوخ ليحكموا لإسرائيل. وهوذا هرون وحور معكم= كان هرون وحور معاً يسندان يدي موسى على الجبل. والآن هرون وحور يحكمان. هرون يمثل الكهنوت وحور من سبط يهوذا، سبط الملك بل حور هو جد بصلئيل بن أوري الذي أعطاه الله حكمة لبناء خيمة الاجتماع. فهرون وحور معاً يمثلان الكهنوت والحكمة اللتان أعطاهما الله لكنيسته لتدبيرها بعد أن صعد هو بالجسد (رمز لذلك صعود موسى للجبل).

 

آية (15): "فصعد موسى إلى الجبل فغطى السحاب الجبل."

موسى دخل إلى قلب السحاب ليعلن له الله سر المسيح الذي كان مخفياً في رموز وأبعاد وأجزاء خيمة الاجتماع وفي طقوسها والمواد المستخدمة فيها.

 

آية (16): "وحل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب ستة أيام وفي اليوم السابع دعي موسى من وسط السحاب."

مكث موسى 6 أيام للاستعداد للقاء الله، ولقد استراح الله في اليوم السابع بعد أن خلق العالم في ستة أيام. وفي اليوم السابع دُعِىَ موسى ليوجد في حضرة الرب ومن هذا نفهم أن الراحة الحقيقية هي أن نكون في حضرة الرب وفي دخول موسى وحده للسحاب صار رمزاً للمسيح الذي دخل وحده إلى الأمجاد.

تأمل: كم كانت خسارة موسى ستكون جسيمة لو أنه قال لنفسه في اليوم السادس لقد دعاني الرب وحتى الآن لم أراه وها أنا على الجبل وحدي فلأنزل ولكنه لم يفعل وفضل أن ينتظر الرب، لذلك يقول الكتاب "إنتظر الرب".

 

آية (18): "ودخل موسى في وسط السحاب وصعد إلى الجبل وكان موسى في الجبل أربعين نهاراً وأربعين ليلة."

صام موسى 40 يوماً ولكنه كان خلالها مستمتعاً شبعاناً من رؤية مجد الله، فموسى لم يأكل طوال هذه الأربعين يوماً. والمسيح صام 40 يوماً وهكذا إيليا لذلك يمكن أن ننظر لهذه الأربعين يوماً كأنها تشير لفترة حياتنا على الأرض فإذا قضيناها بروح الصوم والصلاة تصير لنا شهوات مقدسة للإنطلاق إلى السماويات حاسبين أن العالم وما فيه ما هو إلا نفاية.

وحين نسمع أن نينوى كان لها فرصة 40 يوماً وإن لم تقدم توبة يقبلها الله نفهم أيضاً أن رقم 40 يشير لحياتنا إن لم نحياها بروح التوبة ستكون نهايتها سيئة بعيداً عن الله.

 


 

الإصحاحات 25 – 40

خيمة الاجتماع

 

مقدمة عن أسفار موسى الخمسة

تسمى أسفار موسى الخمسة باليونانية pentateuch أي الأسفار الخمسة. وهي تمثل الجزء الأول من الكتاب المقدس في العهد القديم الذي ينقسم لثلاث وحدات:

أولاً: الناموس أو التوراة: ويحوي أسفار موسى الخمسة.

ثانياً: الأنبياء: وينقسم إلى قسمين. الأنبياء الأولين والأنبياء المتأخرين والقسم الأول يضم يشوع والقضاة حتى الملوك. ويضم القسم الثاني أشعياء وأرمياء وحزقيال والاثنى عشر نبياً الصغار.

ثالثاً: الكتوبيم: ومعناها الكتب وهذا بدوره ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1.     ‌كتب شعرية مثل المزامير والأمثال وأيوب.

2.     كتب ميحيلوت مثل النشيد وراعوث والمراثي والجامعة واستير.

3.     كتب تاريخية غير نبوية مثل دانيال وعزرا ونحميا وأخبار الأيام

وبهذا تظهر أسفار موسى الخمسة كوحدة تسمى الناموس وهي تمثل وحدة تاريخية مترابطة معاً. تبدأ بخلق العالم من أجل الإنسان ثم خلق الإنسان نفسه وإذ سقط هيأ له الله الخلاص. فإختار الله إبراهيم ونسله خلال إسحق ويعقوب وفي مصر بدأت البذرة الأولى للشعب الذي هيأه الله ليتحقق خلاله الخلاص للبشرية كلها. ثم أقيم موسى كأول قائد لهذا الشعب وليخرج الشعب من عبودية فرعون وخلاله تمتعوا بالعهد عند جبل سيناء، وأخيراً وقف بهم عند الشاطئ الشرقي للأردن ليسلمهم في يد قائد جديد هو يشوع، كأنه بالناموس يسلمنا ليسوع قائد الحياة وواهب الميراث.

 

سفر التكوين:

يبدأ السفر ب "في البدء خلق الله السموات والأرض.. وروح الله يرف ليعطي حياة. وهذه البداية تعطينا فكرة أن الله يريد أن يعطي حياة للبشر، بل نرى أن الله خلق الإنسان على صورته ومثاله وأعطاه سلطان على كل الخليقة. فالإنسان كان كسفير لله على الأرض يحمل سلطاناً وسيادة على كل ما على الأرض وما تحتها وما في البحار وما في الجو، ليس له سيد من كل الخليقة، بل هو سيد الخليقة الأرضية. وكان هذا مجداً للإنسان وإعلاناً عن إرادة الله من ناحية الإنسان ثم يعرض لنا سفر التكوين قصة السقوط، والسقوط معناه إنفصال الإنسان عن الله فلا شركة للنور مع الظلمة، وكان هذا معناه الموت، فالله هو مصدر الحياة. ولذلك ينتهي سفر التكوين بهذه النهاية "ثم مات يوسف.. فحنطوه وَوُضِعَ في تابوت في مصر. حقاً كما يقول القداس الغريغوري "أنا أختطفت لي قضية الموت" ولاحظ أن الله لم يكن يريد الموت للإنسان. ولاحظ أيضاً أن يوسف مات في أرض مصر وهي تشير لمكان العبودية. إذاً بعد أن كان الإنسان على صورة الله فقد السلطان والحرية وصورة المجد التي كان عليها من قبل، فالله خلق آدم على صورته حراً وله سلطان، ولكن التحنيط يعطي رجاء الخلاص فهو إشارة لحياة أخرى.

 

خطة الله لخلاص الإنسان

1.     الوعد الإلهي: منذ سقط آدم والله أعطاه وعداً بالخلاص "نسل المرأة يسحق رأس الحية" ثم نجد وعود الله لإبراهيم ونرى تجدد الوعد في نسله.

2.     الاختيار: ظهر الوعد الإلهي متجلياً في الاختيار. فلا فضل لآدم في اختياره كإنسان يحمل السيادة على الأرض كلها. ولا فضل لإبراهيم ولا للشعب حتى يختارهم الله كرجال له يخرج منهم المخلص الذي يخلص العالم.

3.     العهود: كانت العهود أساسية في المجتمعات الشرقية، كالعهد الذي أقيم بين إبراهيم وأبيمالك وبين يعقوب وحميه (تك23:21،44:31). ونجد أن الله قد رفع شأن الإنسان ودخل معه في عهود مثل قوس قزح (تك9) ثم مع إبراهيم (تك15). ثم أعطى الله علامة في جسد كل ذكر أي الختان (تك9:17-14) ثم ختم الله العهود بدم الذبائح الحيوانية إشارة إلى العهد الذي يسجله الآب على الصليب بدم إبنه.

4.     الشريعة: إرتبطت في سيناء الشريعة والذبائح، فلا إنفصال بين الوصية والعبادة.

سفر التكوين يقدم لنا الله كأب حنون يرعى أولاده ويدبر أمورهم المادية والروحية فهو الذي أسس لهم الأرض وما عليها ليحيوا ويشبعوا، وهو الذي يهيئ لهم الخلاص. أي أنه خلق للإنسان الأرض المادية والسماء المادية لينطلق به إلى السماء الجديدة والأرض الجديدة. وهذا السفر يعرض لنا العلاقة بين الله والبشر. ونرى في هذا السفر الله كصديق للبشر يتمشى في الجنة ليلتقي بالإنسان. ونراه يأكل مع عبده إبراهيم، ونراه يصارع مع يعقوب. ورأينا في هذا السفر أهمية الذبائح وهي عبادة وكيف أن العبادة هي سر مصالحة مع الله. ونرى في هذا السفر العداوة المستمرة بيننا وبين الشيطان (15:3). ونرى الله يتعامل مع كل إنسان في ضعفه محاولاً أن يرفعه.

 

سفر الخروج:

انتهي سفر التكوين والشعب في مصر رمزاً لعبوديته كنتيجة مباشرة للخطية ثم جاء سفر الخروج يعلن بطريقة رمزية عن خلاص الله المجاني. فقدم لنا خروج الشعب من أرض العبودية بيد الله القوية منطلقاً نحو حرية مجد أولاد الله وجاءت القصة كلها كرمز حتى يظهر الله عمل الشيطان ورمزه هنا فرعون الذي استعبد الشعب، حقاً هو كان يشبعهم "سمك ولحم وكرات.. " وهذا رمز للملذات الجسدية التي يعطيها عدو الخير لنا حتى ننشغل بها، ولكن فرعون هذا لم يكن يعطي مجاناً، فهو كان يسخر الشعب في عبودية قاسية بل يقتل أبكارهم وهذا بالضبط ما أراد الله لنا أن نعرفه عن إبليس أنه "كان قتالاً للناس" وأن الله وحده هو الذي يعطي بسخاء ولا يعير.

والسفر كله ينطق بالفداء. وإن الدم ينقذ. والعبور في البحر إشارة إلى المعمودية والمن إشارة للمسيح الذي أعطانا جسده ودمه لنحيا. والماء الذي خرج من الصخرة إشارة للروح القدس الذي أعطى للكنيسة. وتسبحة مريم وموسى هي صورة للكنيسة التي إمتلأت بالروح فإنطلقت تسبح وهي فرحة بحريتها ولاحظ في (8:3)

"فنزلت لأنقذهم" التي فيها إشارة واضحة للتجسد. وفي السحابة وعمود النار نرى المسيح وسط شعبه دائماً كسر إستنارتهم وكقائد لهم. ونرى محاولات إبليس أن يذكر الشعب بقدور اللحم (أي لذة الخطية) ولا يجعله يذكر العبودية ولسعات سياطها "هذا ما تسميه الكنيسة" تذكار الشر الملبس الموت" ونلاحظ في هذا السفر محاولات الشيطان في عرضه أنصاف حلول على موسى، نقصد فرعون رمز الشيطان. ونرى في ردود موسى عليه الطريق التي يرضاها الله في حوارنا مع عدو الخير، أن لا أنصاف حلول بل ننطلق نحن ونساؤنا وأولادنا ومواشينا أي كل ما لنا لمسيرة 3 أيام لنعبد الرب. إذاً المقصود أن نترك أرض الخطية والعبودية تماماً ولا نقبل بأقل من هذا.

هذا السفر يعلن أن الله لا يريدنا عبيداً بل أحراراً. ولكن هناك شرط

الوصايا العشر: فليس لنا استمرارية في حياة الحرية إلا بالالتزام بالوصايا. بل أن هذه الوصايا هي شروط العهد مع الله، إن التزم بها الشعب يكون لهم بركات وإن خالفوها تنصب عليهم اللعنات وهذا يبدو بصورة واضحة في (لا26 وتث28)

وبعد الحرية وبعد أن خرج الشعب من أرض العبودية يعطيهم الله بركة عظيمة جداً هي خيمة الاجتماع ليحل الله وسطهم ويسكن بينهم.

إذاً فسفر الخروج يختتم بأمرين. استلام الشريعة وخيمة الاجتماع. وكأن العبور وهو إنطلاق إلى الحرية خلال الاتحاد مع الله والوجود الدائم معه إنما يتحقق خلال كلمة الله أو الوصية والعبادة (الخيمة). فالوصية هي القائد للنفس للدخول إلى السماويات. والعبادة هي عبور للشركة مع السمائيين في ليتورجياتهم. العبادة هي غاية العبور "إطلق شعبي ليعبدونني" خلالها نتعرف على قانون السماء (الوصية) ونتدرب على السكنى مع الله (الخيمة السماوية)

إذاً نرى الإنسان في سفر التكوين سرعان ما فقد علاقته بالله فخسر سر حياته، ثم يأتي سفر الخروج ليعلن خلاص الإنسان بخروجه من عبودية إبليس، فرعون الحقيقي، لينطلق نحو كنعان الأبدية، خلال برية هذا العالم.

 

سفر اللاويين:

بعد عبور الشعب نجد هنا الله القدوس يلتصق بشعبه خلال الحياة المقدسة التي ننعم بها خلال السيد المسيح الذبيح والكاهن في نفس الوقت. هذا السفر هو سفر القداسة التي بدونها لا نعاين الله ولا نقدر على الاتحاد معه. هذه القداسة هي عطية الله توهب لنا خلال ذبيحة السيد المسيح الفريدة والتي كانت الذبائح الحيوانية في هذا السفر رمزاً لها. هنا نرى للقداسة شقين:

الأول: دم المسيح وتعبر عنه الذبائح. وقد قام المسيح بهذا العمل وحده.

الثاني: جهاد الإنسان حتى يصير قديس ويتم هذا بأن يترفع الإنسان عن الأرضيات ولا يتلامس مع دنس هذا العالم.

هو سفر الكهنوت والطقوس والشريعة والتطهيرات، هو سفر العبادة، حتى تحيا الجماعة مقدسة في الله القدوس. والكهنة واللاويين هم أداة إلهية للخدمة، لخدمة الجماعة الذين هم أعضاء فيها يعملون لحساب الجماعة وليس لحساب أنفسهم

سفر الخروج أظهر الله كإله مهوب لا يستطيع الشعب أن يقترب إليه أما هنا فنجد الله يسكن وسط شعبه ليحملوا سماته فيهم أي القداسة.

إذا كان سفر اللاويين يهتم بالإعلان عن دور الكهنة فسفر التثنية يهتم بالأكثر بأن يقدم ملخصاً وشرحاً للشريعة للاستعمال الشعبي العام.

ملخص هذا السفر "إني أنا الرب إلهكم فتتقدسون وتكونون قديسين لأني أنا قدوس" (44:11). إذاً في هذا السفر نعرف كيفية الاقتراب من الله.

 

سفر العدد:

هو سفر الجولان في البرية ورحلات الشعب فيها، بل تيهان الشعب في البرية، حتى وصولهم إلى موآب وإشرافهم على أرض الموعد. في هذا السفر نرى عمل الله مع الإنسان لتهيئته لدخول أرض الموعد. هو سفر الجهاد في هذه الحياة بعد أن حصلنا على الحرية والولادة الجديدة والعبور بالمعمودية، هو الجهاد المصحوب بالنعمة الإلهية، ونرى فيه الله مصاحباً شعبه كسحابة وكعمود نار. ولم يجعلهم يعتازوا شيئاً لمدة 40 سنة.

ولكننا في مقابل محبة الله نرى من الإنسان تذمر وقلة إيمان وعناد دائم وفي مقابل هذا نرى تأديب الله، ليس إنتقام بل تأديب حتى يضمن لنا الله الوصول لأرض الميعاد. هذا السفر يبرز بشاعة الخطية وأنها تدان دائماً ويسقط مرتكبها تحت التأديب حتى لو كان نبياً مثل موسى. ولكننا نرى الشفاء خلال الحية النحاسية رمز الصليب. ونرى أيضاً قوة الشفاعة ممثلة في صلاة موسى ونرى أن الرحلة تستلزم النظام الكهنوتي وبتر المعتدين عليه (قورح وداثان...).

نرى في هذا السفر سقطات الشعب وانتصاراتهم رمزاً لحياتنا في غربة هذا العالم.

 

سفر التثنية:

يشرح فيه موسى للشعب عمل الله معهم ونعمته في اختيارهم والحفاظ عليهم. والمسيح في حربه مع إبليس إقتبس ردوده عليه من هذا السفر. هنا نرى بركات الاقتراب من الله.

 

سفر يشوع:

هو دخول يشوع مع الشعب إلى أرض الموعد رمز لدخولنا مع المسيح يسوعنا الأرض السماوية أورشليم السماوية في نهاية هذا العالم. وعبور الأردن هنا رمز للموت في نهاية رحلتنا أما عبور البحر الأحمر فهو رمز للمعمودية (1كو1:10،2).

 

الخط العام:

التكوين: الله يعطي حياة الخطية والسقوط موت وعبودية وعد بالخلاص.

الخروج: العبور للحرية بواسطة الدم المعمودية في البحر التناول من المن الله وسط الشعب شرط الالتزام بالوصية.

اللاويين: دم المسيح (الذبائح رمز) يقدس الجهاد لنكون قديسين.

العدد: رحلة غربتنا في هذا العالم سقوط وقيام.

التثنية: نعمة الله في الحفاظ على شعبه واهتمامه بكل صغيرة وكبيرة.

يشوع: نهاية الرحلة نهاية حياتنا على الأرض = عبور الأردن أورشليم السماوية.

 

السحابة

كانت السحابة تقود الشعب في البرية. وهي كانت عمود سحاب نهاراً (تظلل عليهم من حر الشمس) وعمود نار ليلاً (يضئ لهم الظلام). هي كانت تقودهم فطريقهم كان غامضاً في صحراء لم يعرفوها من قبل، ولكن الذي يقودهم هو الله "فالرب راعيَّ فلا يعوزني شئ.. في مراعٍ خضر يربضني" وكانت السحابة في بعض الأحيان تقودهم ضد رغباتهم، وهكذا يصنع معنا الروح القدس إذ يدفعنا لطرق لا نريدها.

كان أول ذكر للسحابة في (خر20:13-22) "وكان الرب يسير أمامهم" ثم نجد أن السحابة قادتهم لما يبدو أنه مأزق، قادتهم لمواجهة مع فرعون من ناحية والبحر من الناحية الأخرى. وتصوَّر الشعب لفترة أن هناك خطأ في القيادة، ولكن وجدوا أن الله قادهم إلى هذا المكان ليغرق جيش فرعون. وهكذا فالله يقودنا لمواجهات مع الشيطان حتى نهزمه. ولاحظ أن عمود السحاب وقف بينهم وبين فرعون فالله يقودنا للمعركة ولكنه هو الذي يحارب ونحن نصمت (راجع إصحاح 14).

والمرة الثانية التي نسمع فيها عن السحابة كانت في (خر10:16) وبعدها نسمع عن المن إشارة للمسيح خبز الحياة الذي يرافقنا في رحلتنا.

والمرة الثالثة في (خر33) حين ظهر الله لموسى وحده في خيمته بعد أن أخطأ الشعب.

والمرة الرابعة في (خر40) بعد إقامة الخيمة وقد تكرر هذا في الهيكل (1مل10:8،11)

وأخر ذكر للسحابة في (عد42:16) في حادثة قورح وداثان. ولكن في سفر العدد مثلاً (في 48:33،49) نسمع أنهم ارتحلوا ونزلوا وفي هذا إشارة ضمنية للسحابة، فهم لا يتحركون إلا تبعاً للسحابة.

وبعد ذلك لم نعد نسمع عن السحابة فقد أوصلتهم لأرض الميعاد (أرض كنعان) والسحاب كما رأينا كان ليحجب مجد الله أيضاً حتى لا يموتوا، ولكن في السماء سننظر مجد الله بوجه مكشوف (2كو18:3) ولكن هنا على الأرض لابد أن يوجد لكل مجد غطاء (أش5:4)

 

الخط العام للإصحاحات الخمسة عشر الأخيرة من سفر الخروج (25-40)

·        انتهى الإصحاح (24) بقوله "فصعد موسى إلى الجبل فغطى السحاب الجبل. وحل مجد الرب على جبل سيناء.. وكان منظر مجد الرب كنارٍ أكلة.. ودخل موسى في وسط السحاب"

·        الإصحاحات (25-27) مواصفات الخيمة.

·        الإصحاح (28) ملابس الكهنوت.

·        الإصحاح (29) طقس تكريس الكهنة.

·        الإصحاح (30) بقية مواصفات الخيمة + مواصفات البخور ودهن المسحة.

·        الإصحاح (31) الله يعطي موهبة لبصلئيل للعمل + شريعة السبت.

·        الإصحاح (32) خطية العجل الذهبي.

·        الإصحاح (33) شفاعة موسى عن الشعب وحواره مع الله.

·        الإصحاح (34) موسى يحصل على لوحين جديدين ويرى مجد الله.

·        الإصحاحات (35-40) تنفيذ الخيمة وفيها إعادة للمواصفات السابقة.

من هذا الخط نرى أن موسى صعد إلى الجبل وقدم الله له صورة أو رؤيا جديدة هي المقدس السماوي الذي ليس من صنع إنسان وقال له الله "بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر9:25). ولذلك أطلق الرسول بولس على الخيمة شبه السماويات (عب5:8) إذاً الخيمة كانت هي المقدس السماوي، وكلمة مقدس تعني مكاناً مفرزاً، فيه يسكن الله مع الناس، خليقته المحبوبة لديه. وقد طلب الله من موسى أن يصنع مثال ما رأى، صورة لهذا المقدس حتى تكون هذه الخيمة ظل السماويات وسط الشعب الذين عند سفح الجبل ليسكن الله في وسطهم، وليهيأهم للدخول إلى المقدس السماوي. بمعنى آخر جاءت خيمة الاجتماع ظلاً لصورة السماء عينها حتى يجتاز الشعب إلى العهد الجديد فيدخلون صورة السماء أو عربونها وأخيراً ينطلقون في الحياة الأبدية إلى كمال المسكن السماوي.

وخيمة الاجتماع هي نبوة من خشب وأقمشة، من ذهب وفضة وهي تشير إلى جسد المسيح. ولإهتمام الله بها يفرد لها هذه الخمسة عشر إصحاحاً بينما نجد أن الخليقة كلها أفرد لها إصحاحاً واحداً (تك1) وإصحاح عن الإنسان (تك2) بل أظهر لموسى مسكناً ليقيم مثالاً له راجع (خر9:25 _ أع44:7 + عب5:8، 23:9) وهذا يعني أن موسى رأي نموذجاً حقيقياً ليصنع مثله. فهي ليست للزينة بل هي رمز يعلن حقيقة واقعية وإشارة تتنبأ بحقيقة روحية مقبلة. هي رمز للكنيسة جسد المسيح، لذلك نجد الخيمة غارقة في الدماء إشارة لجسد المسيح المخضب بالدماء.

ملحوظة: كلمة حسب ما أنا أريك تشير لأهمية الطقس وترتيبات الكنيسة.

ونجد في (إصحاح 25) أن الله يبدأ بوصف التابوت ثم المائدة ثم المنارة فنجد هنا أن الرب يريد أن يعلن ذاته للإنسان فهو سيد الأرض كلها ومجده محجوب خلف حجاب (الحجاب هو رمز لجسد المسيح (عب19:10) أي أن المسيح أخلى ذاته وأخذ شكل عبد وهو في ناسوته لم يظهر مجد لاهوته، أي أن جسده أخفى مجده).

ثم يعلن لنا في المائدة أنه يريد أن يدخل في علاقة شركة مع الإنسان. ويعلن لنا في المنارة أنه يريد أن يعلن لنا ذاته بنور وقوة الروح القدس هذه خطة الله قبل الخطية. والله لم يبدأ بتجديد أبعاد الخيمة من الخارج ومواد بنائها، هذا حسب المنطق البشري الذي يفترض بأن يشرح لنا الأبعاد من الخارج أولاً ثم تفاصيل الداخل وأقسامه لكن الله أراد أن يبدأ بالكلام عن أقدس الأمور وعن أقدس موضع يبدأ بالتابوت الذي هو سر حلول الله وسط شعبه ثم المائدة سر شبع الشعب بالله ثم المنارة سر الإستنارة. وإذا عرفنا أن مواصفات الخيمة جاءت بعد أن أعطى الرب الوصايا نعرف أن هذه الأشياء هي التي تساعدنا على تنفيذ الوصايا. الله يساعدني إذا سكن في داخلي. ومن يقدم له القلب يصير هذا القلب سماء لله يسكن فيه "عند هذا أسكن المتواضع القلب والمنسحق" (أش15:57) والذبيحة لله روح منسحق. الله أراد إعلان مجده لنا ولكن الخطية عطلت هذا.. فما هو الحل؟

ثم يأتي (إصحاح26) ليحدثنا عن الشقق والأغطية والألواح وهذه تشير للمسيح وكنيسته و(إصحاح27) يحدثنا عن مذبح المحرقة (الصليب).

في إصحاح (26) يقدم لنا مواصفات المسيح كإنسان ثم يقودنا في إصحاح (27) لنهاية حياة المسيح على الأرض أي الصليب (مذبح المحرقة) أو مذبح النحاس المكان الذي يلتقي فيه الإله القدوس مع الإنسان.

 

وفي (إصحاح30) نجده يحدثنا عن مذبح البخور ومواصفات البخور ودهن المسحة وهذا يشير للصلاة ولذلك نجده قبل أن يذكر مذبح البخور يشير للكهنوت في (إصحاحي28،29) فمع الكهنة نقترب لمذبح البخور ولكن لا اقتراب قبل المرور على مذبح المحرقة، لا عبادة بلا صليب، ولا عبادة قانونية بدون كهنوت لذلك إعترض الإصحاحين (28،29) شرح مواصفات الخيمة. إذاً مذبح البخور لا يذكر إلا بعد أن اقترب الإنسان لله بالصليب، مذبح المحرقة، وبعد تنظيم الكهنوت ولاحظ أن مذبح المحرقة يظهر فيه إدانة الخطية بحسب عدل الله أما مذبح البخور فيصعد منه رائحة قبول المسيح إلى عرش الله وبالتالي قبول الله لنا.

 

(إصحاح 31) هنا الله يملأ بصلئيل من روح الله أي أعطاه مواهب للعمل. فالله يقدس العمل. وقد قيل "أن كل شجر البرية لم يكن بعد في الأرض.. ولا كان إنسان ليعمل الأرض" ثم حين خلق الله الإنسان في جنة عدن قيل ليعملها ويحفظها" فالله خلق الإنسان ليعمل وزوده بالمواهب والطاقات اللازمة ليعمل. بل هو يشترك مع الإنسان في العمل. "فليس الزارع شئ ولا الساقي شئ الله الذي ينمي". والكنيسة تصلي "اشترك يا رب في العمل مع عبيدك في كل عمل صالح" أوشية المسافرين.

ولكن لاحظ أنه بعد أن يذكر الوحي أن الله زود بصلئيل بالمواهب ليعمل يشدد الكتاب على حفظ وصية السبت وذلك حتى لا ينكب الإنسان على العمل في الأرض وينسى السماء مكان الراحة الحقيقية فعليه أن يهتم بالعبادة في السبت ويذكر الله ويذكر أبديته فهو إن ربح العالم كله بالعمل وخسر أبديته وخسر نفسه فلن ينتفع شيئاً لذلك يقول كل من صنع عملاً في يوم السبت يقتل قتلاً (خر15:31) إذن علينا أن نعمل والله يقدس العمل ويعطينا النجاح كما صنع مع يوسف، ولكن يجب أن تكون عيوننا على السماء. والله كما ملأ بصلئيل قادر أن يملأ الطبيب والعامل والطالب، فالعمل عمله. ولكن هناك من يستعمل مواهبه ووزناته في الخطية.

 

(إصحاح32) هنا مرة أخرى يسقط الإنسان وينفصل عن الله فبينما نجد الله يخطط ليحل وسط شعبه ويكون مجداً لهم وفي شركة معهم وسر إستنارتهم ويملأهم حكمة وبركة ويكون نورهم وفرحهم. نجد قصة سقوط آدم تتكرر ثانية. وكما سقط آدم فإنفصل عن الله، سقط الشعب واختار عبادة العجل الذهبي أي إله حسب قلوبهم وشهواتهم، فهم قاموا للأكل واللعب أي ممارسة شهواتهم. وهنا نرى فكر الله الصالح وفكر الإنسان الشرير الذي يقوده دائماً للموت دون أن يدري أو وهو يعلم. والخطية تسببت في تكديرهم "اللعب= رقص خليع"

ونلاحظ هنا أن موسى كليم الله هو رمز للمسيح كلمة الله، فحين عَرَّض الشعب نفسه للموت نجد الله يقول لموسى (7:32) إذهب إنزل لأنه قد فسد شعبك. لو فهمنا أن القول لموسى فهذا يعنى حزن الله حتى أنه لم يقل شعبي بل قال شعبك. ولو فهمنا أن موسى رمز للمسيح يكون المعني أن الآب يقول للمسيح إذهب إنزل أي تجسد لأن شعبك فسد، فأعطه حياة حتى لا يموت. ومما يؤيد هذا الآية (30) في قول موسى "أصعد الآن إلى الرب لعلي أكفر خطيتكم" ولاحظ قول الله "أتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعباً عظيماً" لماذا يقول الله هذا وهل يغير الله قراره بعد شفاعة موسى؟ هنا الله يدفع موسى ليتشفع عن شعبه، هو يعلم قلبه ولكنه يريد أن يعلمه (ويعلمنا) أن يصلي عن شعبه (وأن نصلي لبعضنا البعض) وفي هذا درسين [1]قبول الله للشفاعة [2] لو فهمنا أن موسى هو رمز للمسيح، يكون المعنى أن الخطية جلبت الموت والفناء ولكن الله بواسطة عمل المسيح جعله شعباً عظيماً هو جسده (جسد المسيح هو شعبه).

 

(إصحاح 33) هنا نجد تناقضاً واضحاً أو فرقاً واضحاً بين موقف موسى القديس والشعب الساقط، نعرف منه نتيجة الخطية. فقد أقام موسى خيمته كخيمة اجتماع مصغرة خارج المحلة كأن الله لا يريد أن يقيم وسط هذا الشعب الخاطئ. هذه أكبر خسارة للشعب في مقابل تلذذه ببعض الرقصات الخليعة. وفي المقابل نجد أن موسى يكلم الرب وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه. كانت هذه هي إرادة الله مع كل شعبه أولاد آدم ولكن كم هي بشعة الخطية.

ثم نجد طلب موسى أن يرى الله والله يقول له لا يراني الإنسان ويعيش لأن هناك خطية ولكن هناك طريقة أن يختبأ في الصخرة (المسيح) وهكذا حدث. فلن نرى مجد الله إلا بالمسيح ونحن ثابتين فيه "اثبتوا فيّ وأنا فيكم".

 

(إصحاح34) نجد هنا وجه موسى يلمع فقد رأي جزء من مجد الله. وهنا يثور سؤال هل كان هذا وضع آدم قبل السقوط؟ احتمال أكيد أن تكون الإجابة نعم فالله أيضاً كان يكلمه في الجنة.

في تلخيص لما سبق نجد أن الله أراد وكان يخطط لأن يحل وسط شعبه مجداً ونوراً وشركة لهم. ولكن الخطية منعت هذا بينما أن موسى لم يحرم من هذا المجد لقداسته.

 

(إصحاحات 35-40) هي إعادة لما سبق وصفه وشرحه في الإصحاحات السابقة التي وصفت بالإسهاب تفاصيل خيمة الاجتماع. ولكن لماذا التكرار؟ لا يوجد تكرار في الكتاب المقدس دونما داعٍ. وهنا كرر الوحي تفاصيل الخيمة كأنه يريد أن يقول أن خطة الله أن يسكن وسط شعبه مجداً لهم، لن تعوقها الخطية. وكل ما أراده الله في محبته للإنسان سيتحقق تماماً ولكننا نقف أمام آية واحدة "خذوا من عندكم تقدمة للرب كل من قلبه سموح فليأت بتقدمة الرب.." (5:35). إذاً قصد الله سيتم لو كرسنا القلب لله، لو أطعنا الله طاعة كاملة اختيارية هذا معنى كلمة سموح. أيضاً لو قدمنا المرائي لله (أنظر المرحضة). ومرة أخرى فموسى كممثل للمسيح نجده في (35-40) يؤدي ما يريده الآب بينما في (25-30) نرى إرادة الآب أن يحل وسط شعبه.


 

خيمة الاجتماع

·        من كان يصدق أن هذه الخيمة البسيطة المسقوفة بجلود تخس وشعر معزى المقامة على عصى وأوتدة، المحمولة على الظهور والأكتاف تحوى في ظاهرها وفي باطنها سر الكنيسة وخلاص العالم.

·        وفي الواقع لن تستطيع فهم كل ما يخص الخيمة التي صنعت لتكون مثال للسماويات وهذا ما قاله بولس الرسول (عب5:9) وموسى نفسه احتاج أن يرى نموذج ليفهم بالرغم من وضوح التفاصيل.

·       
أقيمت الخيمة في اليوم الأول من السنة الثانية من خروجهم. واشتغل الصناع في عملها 9 أشهر وتم تدشينها بعد ذلك. وكانت تنصب مدة السفر في البرية وسط المحلة وتحيط بها خيام الكهنة واللاويين على شكل صليب صغير ثم خيام بقية الأسباط حواليهم على شكل صليب كبير (عد2:2-34، 38:3) فالله تصالح مع شعبه وحل بينهم عن طريق صليبه.

 

 

·        وفي اليوم الذي أكملت فيه الخيمة أظهر الله ذاته في سحابة غطتها وملأتها. وبعد ذلك كانت السحابة تسير أمامهم في رحلاتهم. وإذا وقف العمود فوق الخيمة ينزل الشعب وإذا إنتقل نقلت الخيمة وتبع الجمهور السحابة. وفي الليل تتحول السحابة لعمود نار يسير أمامهم. ومن أعجب ما حدث حين تابع فرعون الشعب دخل عمود السحاب بين جيش فرعون والسحاب فكان بالنسبة لفرعون وجنوده ضباب وظلام وكان بالنسبة لشعب الرب ناراً من الجهة الأخرى تضئ بالليل لهم (خر19:14،20 + 35:40-38 + عد15:9-23)

·        في حركتهم كان الشعب كله يتحرك نحو أرض الميعاد أي إلى الشرق. كما نصلي نحن الآن نحو الشرق منتظرين مجيء المسيح شمس البر. نحيا بهذه الروح متحركين تجاه السماء متوقعين مجيئه قائلين أمين تعال أيها الرب يسوع. وكانت حركتهم والتابوت في وسطهم، الله في وسطهم والله أمامهم يقود المسيرة. هذه هي حركة الكنيسة الآن والجسد والدم في وسطها والروح القدس يملأها ويقودها. وهذا هو إحساس الكنيسة ونحن نصلي القداس أن هناك شركة بين الأرضيين والسمائيين، هي كنيسة واحدة، جسد واحد يجمعه جسد المسيح ودمه.

·         

 

 


 

Text Box: الله يقود شعبه

الحركة نحو الشرق 

عمود السحاب

يهوذا ويساكر وزبولون

بني جرشون يحملون باب الخيمة وباب القدس والأغطية

بنو مراري يحملون ألواح القدس والعوارض وأعمدة السور

رأوبين وشمعون وجاد

Text Box: الله في الوسط

Text Box: رؤ1:2

بنو قهات يحملون التابوت

 

والمنارة ومذبح المحرقة والبخور والمرحضة

باقي الستة أسباط

 

·        بعد مدة الأربعين سنة في البرية استقرت الخيمة في الجلجال ثم نقلت لشيلوة (يش19:4 + يش1:18) وبقيت هناك ما بين 300-400سنة ثم نقلت إلى نوب (1صم1:21-9) وفي أيام داود نقلت إلى جبعون (1أي29:21) وكانت هناك في بدء حكم سليمان (2أي13:3) حتى بنى الهيكل على نمطها.

·        لاحظ أن الخيمة عبرت نهر الأردن أي نهر الموت بعد أن انتظروا 3 أيام (إشارة لدفن المسيح 3 أيام) ثم خرجت الخيمة من النهر كما قام المسيح في ثالث يوم بعد أن شق الموت (النهر).

 

بين الهيكل والخيمة

الخيمة تشير للغربة والارتحال في البرية والهيكل يشير للاستقرار النهائي لذلك يقول معلمنا بولس الرسول في (2كو5) "إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي" فبينما الخيمة تشير للجسد الذي نحيا به على الأرض الآن وهذا ينتهي بالموت (نقض) يشير البيت أو الهيكل للجسد الذي نقوم به من الأموات على شكل جسد الرب الذي قام به. لذلك فبينما نجد تفاصيل كثيرة ودقيقة لكل شئ في الخيمة نجد تفاصيل مبهمة وغامضة عن الهيكل فالخيمة تشير للكنيسة الآن على الأرض والهيكل يشير للكنيسة في السماء وهذه لا نعرف عنها الكثير. ولذلك أيضاً فقد كانت أرضية الخيمة من رمال الصحراء كانت أرضيات الهيكل ذهب وفي هذا فهو يشبه أورشليم السماوية (رؤ18:21). أما أن أرضية الهيكل ذهب فهذا يشير للمجد السماوي وكون أرضية الخيمة تراب فلكي يذكر كل من يدخلها أنه مازال على الأرض. وهذا يفهم من (عد17:5). ولذلك حين وضع التابوت في الهيكل جذبت عصوين التابوت رمز الاستقرار مع العلم بأن العصوين ما كان أحد يحركهم طوال ارتحال الخيمة مع الشعب تعبيراً عن ارتحال الله مع شعبه في تنقلاتهم وحروبهم. (راجع مز8:135) وراجع أيضاً (رؤ15:11-19)

راجع (1مل6:8-8) في موضوع جذب العصي إشارة للراحة.

ولنتصور الآن وضع من يدخل الخيمة وينظر حوله ليرى الذهب والشقق من فوق وينظر لأسفل فيرى التراب. هذا تصوير لكل من يتأمل السماويات وهو داخل الكنيسة فيشتاق قلبه لذلك اليوم الذي يرى فيه الذهب تحت قدميه في السماء.

 

خيمة الاجتماع هي خيمة يجتمع فيها الله مع شعبه.

 

1-      من حيث كونها خيمة

قلنا أن الخيمة تشير لجسدنا الحالي الذي به نعيش في هذا العالم في أيام غربتنا على الأرض. وتشير الخيمة كما قلنا لجسد المسيح الذي حل به وسطنا، لذلك ففي إنجيل معلمنا يوحنا يقول "والكلمة صار جسداً وحل[5] بيننا" لذلك تأتي كلمة حل بمعنى أتخذ له خيمة وخيَّم به وسطنا، أي صارت له خيمة كخيامنا. وبعد ما قام المسيح من الأموات أتخذ جسداً نورانياً ممجداً سنقوم نحن على صورته أيضاً.

والكتاب تكلم عن جسد المسيح باعتباره هيكل (يو19:2-22). وهنا هيكل تأتي بمعنى الخيمة أي قابل للنقض والهدم بدليل قوله "انقضوا هذا الهيكل" أما الجسد الذي قام به من الأموات فهو غير قابل للنقض مرة أخرى. ولأن الكنيسة ككل والمؤمن كفرد هم جسد المسيح قيل "أنتم هيكل الله" (1كو16:3،17).

 

2-      هي خيمة للاجتماع

راجع (أم23:8-31) نجده وقد لخصه معلمنا يوحنا في قوله "في البدء كان الكلمة.. به كان كل شئ" (يو1:1-40). وبينما كان الابن موضع لذة الآب "كنت كل يومٍ لذته" فالآب يحب الابن والابن يحب الآب، كان الآب أيضاً في محبته يعد العدة ليخلق الإنسان، وكان يهيئ السموات والأرض حتى يأتي الإنسان فيجد كل شئ معداً (تك1،2) وهذا لخصته الآية (أم31:8) ولذاتي مع بنى آدم.

وبعد أن خلق الله آدم نجده يتكلم مع آدم ويبحث عن راحته ويأتي له بحيوانات البرية ليرى ماذا يدعوها حتى بعد السقوط نجد الرب ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. الله كان يجد لذته في أن يأتي كل يوم ويجتمع بآدم ويتكلم معه ويشترك معه في العمل. وكم كانت قاسية على الله هذه المرة الأخيرة حين أتى ليتكلم مع آدم فوجده يهرب ويختبئ منه.

1.     بل نجد الله في محبته يأتي ليكلم قايين بعد أن خالفه وقدم من ثمار الأرض وبدأ ينمو في قلبه إحساس الغضب تجاه أخيه، نجد الله يأتي لقايين محذراً ثم يأتي له بعد أن قتل أخوه ليدفعه للاعتراف والتوبة.

2.     ونجد الله بعد ذلك يأتي لإبراهيم ويأكل معه ولا يخفي عليه شيئاً فهو صديقه.

3.     ثم يطلب من موسى أن يقيم خيمة ليجتمع مع شعبه ويقيم في وسطهم.

4.     ثم يطلب بناء هيكل في أورشليم وحين ينهدم هذا الهيكل إبان فترة السبي يطلب أن يقام هيكلاً ثانياً.

5.     كل هذا كان رمز لحلوله بالجسد وسطنا بهيكل جسده.

6.     ثم أتى الروح القدس وسكن في الكنيسة في كل شخص. والروح القدس يأتي ويسكن في هدوء. لذلك يشدد الله على أن لا يسمع صوت منحت ولا معول في الهيكل (1مل7:6). على أن هناك تأمل أخر فأحجار الهيكل هي المؤمنين (1بط5:2) وهي تُعّد بالتجارب هنا على الأرض (المعاول) فكانت الأحجار تنحت في الجبل بعيداً عن الهيكل. أما الهيكل فلا توجد فيه معاول ولا نحت رمزاً لأن السماء بلا ألم أو تجارب.

7.     ثم نسمع عن أورشليم السماوية وأنها مسكن الله مع الناس (رؤ3:21) إذاً فالله يريد هذا منذ البدء أن يسكن ويقيم وسطنا ونحن الذين نطرده من وسطنا ويعود ويقرع ويدخل ثم نطرده ثانية وهو لا يكل ولا ييأس فهو يحب البشر. ويا ليتنا نعرف أن الخطية هي التي تطرده خارجاً فلا شركة للنور مع الظلمة.

8.     والله قطعاً لا يريد أن يسكن في مباني حجرية بل في قلوبنا وهو الذي يقول يا ابني اعطني قلبك. وهو القائل "في الموضع المرتفع المقدس أسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح (أش15:57). هذه القلوب هي التي تفرح الله حقيقة وليس الذهب والفضة والستائر الملونة.

 

ولكن وسط من يقيم الله؟ من هم الذين أقيمت الخيمة وسطهم؟

1.     المفديين بدم الخروف.

2.     المؤمنين بفاعلية هذا الدم. فمن لم يرش خيمته بالدم مات بكره.

3.     القديسين "قدس لي كل بكر" (خر1:13 + 1كو20:6) إ    ذاً علينا أن نتقدس فقد اشترانا الله.

4.     نترك أرض مصر، أرض العبودية ويكون لنا العالم أرض برية وأرض غربة والله سيكون لنا عموداً من سحاب وعموداً من نار هو يقودنا وينصرنا حتى لو لاحقتنا جيوش الأبالسة (فرعون) فهو سيحمينا ويخلصنا ويغرقهم.

5.     الذين إجتازوا البحر، أي المعمودية. والمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح أي علينا أن نحيا كأموات عن الخطية فنختبر قوة قيامة المسيح فينا.

6.     في حالة حركة مستمرة نحو أرض الميعاد ناظرين ناحية الشرق متوقعين ظهور المسيح بفرح كل حين.

7.     نحيا حياة التسبيح مع مريم، مسبحين كل حين وشاكرين الرب على عمله معنا.

8.     نحيا على المن، مشتركين دائماً في مائدة الرب.

9.     لا نفكر في الغد وما يحمله لنا المستقبل من مفاجآت وراجع قول موسى "ثيابك لم تبلَ عليك ورجلك لم تتورم هذه الأربعين سنة " (تث4:8) فمن يدبر السمويات لن يصعب عليه تدبير أمور الأرضيات.

10. حفظ الوصايا "اللوحين".

11. حتى لو حدثت خطية مثل "العجل الذهبي" فالله يقبل التوبة.

12. أن نعمل في العالم بما أعطاه الله لنا من مواهب وطاقات وعيوننا على السماء ونعطى الرب حقه من العبادة، وهذه العبادة لا يحتاجها الله فهو لا يحتاج لعبوديتي، بل أنا المحتاج لربوبيته، العبادة تعطيني أن لا أنفصل عن السماء فأصير أرضي ترابي مائت. وعلينا أن نجاهد في هذه العبادة ما دمنا على هذه الأرض.

جسد المسيح من الروح القدس والقديسة العذراء مريم

 القداس الباسيلي

كيف تم التعبير عن هذا في خيمة الاجتماع؟

لاحظ في (خر5:35) كل من قلبه سموح فليأت بتقدمة الرب ذهباً وفضة..

 (خر5:35) خذوا من عندكم تقدمة للرب.

 (خر8:25) فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم.

 (خر9:25) بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن.

 (خر3:31،5) وملأته من روح الله بالحكمة.. ليعمل في كل صنعة

من هذه الآيات نجد أن البشر هم الذين قدموا مواد صناعة الخيمة. والبشرية قدمت في شخص العذراء المستودع الذي تجسد منه الرب يسوع. والقلب السموح هنا هو قلب العذراء وأحشائها الطاهرة التي استسلمت لمشيئة الرب "ها أنا أمة الرب ليكن لي كقولك" إذاً هذه هي تقدمة البشرية.

ثم يأتي دور بصلئيل المملوء من روح الله، هذا الصانع الماهر الذي جسم الخيمة هو إشارة للصانع الماهر الذي جسد المسيح في بطن العذراء.

وكانت الخيمة بحسب مثال المسكن. وهذا ما رأيناه في المسيح "من رآني فقد رأى الآب" ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب (يو14:1). الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر(يو18:1). أنا مجدتك على الأرض (يو4:17) فالمسيح هو بهاء مجد الله ورسم جوهره (عب3:1).

 

الفرق بين مجموعتي الإصحاحات (25-30، 35-40)

1.     نجد في المجموعة الأولى أن الكتاب يذكر التابوت والمائدة والمنارة قبل ذكر الشقق والألواح والعكس في المجموعة الثانية (إصحاح32) والمعنى أن الله كان يريد أن يعلن نفسه ويحل وسط شعبه ويكون سر استنارتهم ويكون في شركة معهم. لكن الخطية منعت هذا. ولكن جاء المسيح (ورمزه الشقق) ليغطينا فنصبح مقبولين فيه. الآب يراه هو ولا يرانا. إذاً المعنى أننا في المسيح سنحصل على ما كان لنا من قبل فبعد ذكر الشقق والعوارض ذكر التابوت والمائدة والمنارة.

2.     في المجموعة الثانية تقدم مذبح البخور في ترتيب ذكره على مذبح المحرقة والسبب أيضاً أن مذبح البخور يشير لشفاعة المسيح الكفارية المستمرة عنا فبالرغم من أن المسيح قدم نفسه على الصليب مرة (مذبح المحرقة) إلا أننا بسبب خطايانا المستمرة نحن في احتياج مستمر لشفاعته الكفارية. وظهوره المستمر عنا أمام الآب.

 

ترتيب ذكر القطع

يبدأ بتابوت العهد رمز عرش الله الذي يجلس عليه كسيد للأرض كلها يحكمها ثم يقودنا للمائدة والمنارة ثم لمذبح المحرقة حيث يتقابل الله مع الخاطئ على أساس دم المسيح. إذاً الله على عرشه وراء الحجاب يظهر أنه في عدله وحقه وقداسته لا يمكن أن يتقابل مع الخاطئ ولكن هناك طريق هو مذبح المحرقة حيث يتقابل معه وفي مذبح المحرقة يقال "الرحمة والحق تلاقيا. البر والسلام تلاثما" (مز10:85)

وكما قلنا سابقاً فالمائدة والمنارة يأتيان بعد التابوت مباشرة ففيهما يعلن الله رغبته ومحبته للبشر. بعد ذلك يأتي مذبح البخور ونرى فيه شفاعة المسيح الكفارية المستمرة عن الخطاة، هو رئيس كهنتنا الحقيقي، الذي يشفع فينا. لذلك يأتي ذكر الكهنة وملابسهم وتكريسهم وسط المذبحين (مذبح المحرقة ومذبح البخور) ليقدم لنا المسيح رئيس كهنتنا الذي يشفع فينا. فبينما مذبح المحرقة يركز على ذبيحة المسيح الكفارية يركز مذبح البخور على شفاعة المسيح. والشفاعة مؤسسة على الذبيحة. وأخيراً تأتي المرحضة التي تمثل هنا عمل المسيح في تطهيرنا من خطايانا باستمرار وغفران خطايانا ومسحها بدمه وتطهيرنا (رؤ14:7)

هنا نرى المسيح كرئيس كهنة يقترب بنا للآب.

إننا نحاول أن نتأمل في هذه الخيمة العجيبة لنفهم ولكننا بقدر ما نحاول نجد أننا غير قادرين أن نرى الحقيقة بوضوح كمن لا يستطيع أن ينظر لنور الشمس ولكن هي إرادة الله أن نحاول وهو في محبته يكشف لنا كل يوم أسرار حبه لنا.

 

أسماء الخيمة

خيمة الاجتماع:لأن الله يجتمع فيها مع شعبه (خر7:23) ليؤكد رعايته للشعب وحفظه لعهده معهم ولذته في أن يجتمع بهم ويقيم بينهم.

بيت الرب: (خر26:34 + يش24:6). إذاً هو ليس مجرد موضع لقاء لكنه المكان الذي يقدمه الشعب لله كتقدمة فيتقبله الله الذي لا يسكن في بيوت ويجعله مكاناً له. ومن ثم فحين يدخل أولاده فيه يكونون كمن يدخلون السماوات مسكن الله.

المسكن: (خر1:26) فالله كان سيسكن وسطهم. وكان هذا قصد الله أن يشعر الشعب بأنه في وسطهم وبأن حضوره مقدس. وفي تقديم الذبائح باستمرار يشعرون أنهم لا يمكن أن يقتربوا إلا بدم الذبائح ووساطة رئيس الكهنة. ويطلق المسكن على القدس وقدس الأقداس (شاملة الألواح والشقق) وتطلق الخيمة على شقق شعر الماعز وأغطية جلود الكباش وأغطية التخس.

مسكن الشهادة: (خر21:38) أو خيمة الشهادة (أع44:7) ففيها تابوت العهد الذي يحوي لوحي الشهادة داخله إعلاناً عن الحق الذي في الله. وكسر لوحي الشهادة دليل على أن الإنسان لم يستطع أن يحافظ على الحق. وقد يكون كسر موسى للوحي الشهادة ضيقاً منه، من الشعب الذي كسر الوصية أو حتى لا تشهد هذه الألواح على الشعب. ولكن الله يعود ويصنع لوحاً شهادة جديدان. وكما كسر الإنسان جسده بالخطية وإنشق عن الله ومات، صنع له الله جسداً جديداً. إذاً الخيمة هي شهادة عملية للعهد الذي أقامه الله مع شعبه. أنه سيحل في وسطهم. وهذه الألواح نقشها بإصبعه على لوحي الشهادة. وإذا فهمنا أن إصبع الله إشارة للروح القدس وأن نحت اللوحين هو عمل موسى نعود مرة أخرى لمفهوم أن هناك تقدمة من البشر وعمل للروح القدس. قبل فداء المسيح كانت قلوبنا حجرية فإستلزمت ألواح حجرية تنقش عليها الوصايا. وبعد الفداء وحلول الروح القدس حول الروح القدس قلوبنا لقلوب لحمية بأن سكب محبة الله فيها، وبهذا نقشت الوصايا على قلوبنا اللحمية بالروح القدس. (خر19:11 + أر33:31 + رو5:5 + يو23:14).

 

المواد المستخدمة في المسكن

تقدمات المسكن

(خر2:25) من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتي.

(خر5:35) كل من قلبه سمح أي بقدر ما تسمح محبتهم تأخذون هذه المواد.

هذه المواد التي نساهم بها في المبنى الذي سيصير في ملكية الله وفيه يجتمع الله بنا.

ونلاحظ أن هذه الخيمة الصغيرة تكلفت ملايين عديدة فكمية الذهب فيها ضخمة هذا عدا الفضة وباقي المواد. ولكن هذا لأنها ترمز لشخص المسيح الذي لا يقدر بمال. وأنها لكرامة أن نشترك في بناء بيت الرب، وأنه لعار أن لا نشترك إن عشنا بالتقوى أي أعطينا القلب للرب فهو سيجد له مسكناً وإن عشنا في عدم تقوى وبغير أمانة لن يجد الرب مكاناً يسكن فيه. والآن في اليوم الأخير من سيجد له مكان. هل حين يأتي المسيح سيجد هذا القلب له. أم أن رئيس هذا العالم يكون محتلاً للقلب وبذلك أحرم من يسوع الملك الحقيقي. إن وجد الشيطان مكاناً له يمتلكه لطالب به. أما الرب فلو وجد القلب له فهو يدافع عنه ويعطيه نصيباً وميراثاً سماوياً.

من أين حصل الشعب على كل هذه المعادن:

1.     هم وارثي إبراهيم واسحق ويعقوب الأغنياء (تك35:24،2:13).

2.     من المصريين (خر2:11،3 + 35:12،36) وهذا تطبيقاً للنبوة (تك14:15).

3.     من عماليق (خر13:17).

ولنلاحظ أن المصريين وعماليق قد أعطاهم الله لكنهم أساءوا استعمال عطاياه فأخذت منهم "من له سيعطى ويزاد ومن ليس له فالذي عنده سيؤخذ منه" (مت12:13). أما الشعب الذي قدم مما عنده فأخذ!! إقامة الله في وسطه. وقارن مع (يو23:14) "إن أحبنى أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً" إذاً من يعطى القلب لله ويحبه سيتحول هذا القلب لمنزل لله.

 

ملحوظات:

1.     لم يكن للخيمة أقفال فالباب مفتوح دائماً ولكل واحد. هذا حتى الآن. أما ما نجده في (رؤ8:15) فمخيف "وإمتلأ الهيكل دخاناً من مجد الله ومن قدرته ولم يكن أحد يقدر أن يدخل الهيكل حتى كملت سبع ضربات السبعة الملائكة. إذا علينا أن لا نقسي قلوبنا إن سمعنا صوته" (عب7:4).

2.     هناك تدرج في استخدام المعادن ففي الدار الخارجية فضة ونحاس.

 وفي القدس ذهب وفضة

 وفي قدس الأقداس ذهب فقط

فكلما دخلنا للأعماق نكتشف الأمجاد الإلهية.

 

1-      الذهب

أول ذكر للذهب في الكتاب المقدس كان في الجنة (تك11:2) فكان في أرضها ذهب وهو ذهب جيد وأخر مرة يذكر فيها الذهب في (رؤ18:21،21) فأورشليم السماوية كلها ذهب وطرقاتها ذهب. والمعنى أن ما كان في الجنة وفقدناه سنحصل عليه ثانية في السماء. الذهب يشير لمجد الله والسماويات. وحيث أن آدم كان يتمتع بمجد الله في الجنة قيل أن ذهب تلك الأرض جيد. فالذهب إشارة للسمويات حيث أنه لا يصدأ.

وكلمة ذهب جاءت في العهد القديم 350مرة واستخدم الذهب ليس للنقود بل للزينة والحلي (تك22:24) واستخدم رمزاً للثروة (تك2:13) فهو يعيش طويلاً ولا يفقد بريقه. وللأسف استخدم في عبادة الأوثان (أش19:40). وهذا معناه أننا حولنا عطايا الله لنستخدمها في الخطية. أو حولنا مجد الله الذي فينا لغير الله.

وحينما نجد آيات مثل "ذهبكم وفضتكم قد صدئا" (يع3:5 + 1بط7:1،18،19 + 1بط3:3،4) هنا نجد أن الذهب شئ فاسد بجانب دم المسيح فالأشياء الإلهية يشير لها الكتاب هنا أنها أثمن من الذهب (مز10:19 + أم10:8) ولكن في هذه الآيات أي نوع من الذهب يتكلم عنه؟ هو الذهب الذي اشتهاه البشر فصنعوا منه عجلاً ذهبياً عبدوه. هو شهواتهم أو هو المال الذي عبدوه. وهكذا صنع يربعام ملك إسرائيل عجل ذهبي ليعبده الشعب؟ ونبوخذ نصر صنع تمثال ذهب. هكذا عكس الذهب السماوي الذي يشير لمجد الله. فعطية الله صالحة لكن استخدام الإنسان يفسدها بأن يخضعها للشر وتتحول موضوعاً لشهواته.

إذاً الذهب يشير لمجد الله لذلك كان القدس وقدس الأقداس ذهبيين وكان الهيكل كله ذهباً رمزاً لأورشليم السماوية (حتى أرضية الهيكل كانت ذهباً) (1مل30:6) وفي (رؤ15:21) نجد قياس المدينة بقصبة ذهب والمعنى أن من يدخل هذه المدينة لابد أن يكون له مقاييس سماوية.

وكان الذهب يصنع على شكل صفائح رقيقة وتقطع بعض هذه الصفائح على شكل أسلاك رفيعة. فالصفائح تغشى بها أجزاء الخيمة والأسلاك توشى بها ملابس رئيس الكهنة. والخلاصة أن الذهب يشير لمجد الله أي لطبيعته الإلهية.

 

2-      الفضة

أول مرة يرد ذكر الفضة في الكتاب المقدس في (تك2:13) كإعلان عن غنى إبراهيم وكانت الفضة تستخدم كنقود، فإخوة يوسف باعوه بعشرين من الفضة. ثم نسمع عن فضة الكفارة (خر11:30-16). فالفدية تدفع من الفضة. وبذلك نفهم أن هناك ثمن دفع كفدية ليشتريني المسيح ويحررني (1بط18:1 + 1كو20:6) وتشير الفضة أيضاً لكلمة الله لنقاوتها ولونها الأبيض (مز6:12) "كلمة الله كالفضة". وقد تشير لكلمة الله المكتوبة أو كلام الكرازة.

وإذا كانت الفضة تشير للفداء فقيمة الفداء في أن من مات عني هو الله. إذاً الفضة تشير إلى الله الذي اشتراني. وفي لونها الأبيض تشير لقداسته الإلهية فهو بدمه نقاني "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج"

وما قيل عن الذهب يقال هنا أيضاً فإذا استخدم الإنسان الفضة استخداماً سيئاً وعبد المال نسمع كلاماً صعباً عن الفضة. إذاً الكلام الصعب يشير لاستخدام الإنسان السيئ.

 

3-      النحاس

أول مرة ذكر فيها النحاس كانت في (تك22:4). ولكن ذكر الذهب أولاً في (تك11:2) فمجد الله أولاً. وقد ذكر الذهب قبل السقوط. أما النحاس فذكر بعد السقوط وذكر مع عائلة قايين. والنحاس يوجد في أماكن كثيرة من العالم وقد يوجد مختلطاً بالشوائب غالباً لذلك يحتاج للتنقية والتنقية تحتاج للنار. وهو معدن لونه أحمر وهو لين فيسهل طرقه وتشكيله في شكل أواني أو ألواح تغطى أشياء أخرى مثل مذبح المحرقة. وهو يفوق الذهب والفضة في المتانة.

وكلمة نحاس مشتقة من كلمة قبرص حيث كان الرومان يستوردونه (نحاس copper وقبرص cyprus) وفي العبرية هناك صلة بين كلمة نحاس nehoshcth وحية nehash) وسماها حزقيا نحشتان وغالباً فهذا الاسم ناتج من دمج الكلمتان حية ونحاس.

وللنحاس في الكتاب المقدس استعمالات كثيرة بعضها جيد وبعضها شرير. فمثلاً (تث9:8) "من تلاله يخرج نحاساً" هذا يشير للأرض أنها جيدة لا تثمر غلة فقط بل معادن. ويشير لسحق العدو. (مي13:4)

ولكننا نجد أن النحاس يستعمل في السلاسل التي يقيد بها الأسرى (شمشون وصدقيا قض21:16 + 2مل7:25). والأسوار المنيعة تصنع أبوابها من نحاس (1مل13:4+ أش2:45 + مز16:107). ورداء جليات كان نحاس ولكن هذا الأخير ثبت ضعفه أمام إيمان داود. وبهذا يشير النحاس لقوة الدفاع (أر18:1،20:15) وفي (تث23:28، لا19:26) نسمع عن أن السماء نحاس، هذا من اللعنات لو أخطأوا.

والخلاصة فالنحاس يعني = متانة – قوة – عدم إثمار – عبودية وخضوع – حماية. ولتطبيق هذا على طبيعة الله فهذا يعني عدم تغير صفاته وقوته والخضوع له مع عدم الإمكانية من الهروب من أحكامه في حالة الخطية أو التمتع بحمايته في حالة الالتجاء إليه فيصير سوراً لنا.

أما في تطبيق هذا على الإنسان الخاطئ فيشير النحاس للعناد وقساوة القلب (أش4:48). وهنا النحاس يشير للوقاحة والتمرد وقارن مع حزقيال (8:3،9)

وهنا نفهم لماذا كانت الحية نحاسية فالنحاس علامة مميزة للشيطان. وحيث أن النحاس استخدم في الأحكام القضائية (سلاسل نحاسية) وفي السجون. إذاً هو يعني أن أحكام الله وقضائه هي أحكام قوية لا تتغير. وعلى الصليب كان قضاء الله على الخطية وبعده قُيِّد الشيطان بسلاسل (رؤ1:20-3) 1000سنة. وقداسة الله وكماله تستوجب دينونة الخطية إدانة مطلقة. وهذا أدى أن يرفع هو كالحية النحاسية. فهو صار خطية لأجلنا (يو14:3 + 2كو21:5) فهو حمل حكم الله الذي لا يتغير ضد الخطية ليأتي بالحياة والشفاء لمن يلجأ إليه. وعلى الصليب صارت السماء نحاساً للمسيح "إلهي إلهي لماذا تركتني" ولكن تم القضاء فيه لكن بهذا انفتحت السموات لي أنا لتمطر وينسكب الروح القدس على الكنيسة. إذاً على الصليب نرى دينونة الخطية ومحبة الله. فالله لن يكون الله إلا لو دان الخطية. إذاً فالنحاس يحدثنا عن ألوهية المسيح من حيث دينونته للخطية وعدله.

وهو يشير للصلابة (أي12:6+ رؤ15:1) فالمسيح رجلاه نحاسيتان بهما يطأ أعداؤه. وبهما ندك كل أشواك هذه الحياة وكل خطية. واستعمال النحاس في مذبح النحاس يشير لإدانة الخطية واستعماله في المرحضة يشير لإدانة النجاسة. ونجد أن كل من هو في المسيح لا شئ من الدينونة عليه (رو1:8) هذا يبدو هنا واضحاً جداً، فكل ما هو خارج الخيمة نحاس أما ما داخل الخيمة فهو ذهب أي مجد وفرح. وبينما المسيح رجلاه من نحاس نجد يداه ذهب فعطاياه لأولاده سماوية (نش14:5)،

ولنلاحظ في مذبح المحرقة النحاس اشتعال النار عليه دائماً رمزاً للدينونة الإلهية فهذه النار نزلت من السماء وإلهنا نار آكلة. وحينما ننظر للمذبح النحاسي والنار مشتعلة عليه هذا يذكرنا بأن أساس عرش الله هو البر والقضاء. هنا على هذا المذبح نجد الرحمة والعدل. ثم في المرحضة بعد المذبح مباشرة نجد النتيجة المباشرة لما حدث على المذبح، أي التطهير والغسيل أي الغفران.

 

4-      خشب السنط acacia wood

هو خشب ناشف قوي. لا يسوس فهو بذلك يرمز لجسد المسيح من حيث:

1.     أنه لا يفسد "لن تدع تقيك يرى فساداً" (مز10:16).

2.     الخشب من ثمار الأرض والمسيح إتخذ له جسداً من الأرض.

3.     هو خشب أي نبت: والمسيح نبت قدامه كفرخ (أش2:53) ويخرج قضيب من جزع يسى (أش1:11) وينبت غصن من أصوله.

والسنط استخدم هنا بينما استخدم سليمان الأرز، لأن السنط ينمو في الصحراء (1مل15:6،31..) وراجع (أش19:41،20). إذاً الله قادر أن يحول الصحراء إلى جنة. والصحراء الخربة كانت هي العالم قبل المسيح الذي نبت فيه كغصن سنط والشجر أيضاً يذكر بالبذر الذي يدفن ثم يظهر كشجرة.

ونفهم أن البرية أو الصحراء الخربة هي إسرائيل. أو كرسي داود الذي خرب ثم خرج المسيح كغصن من هذه البرية. وكانت إسرائيل كقبور مبيضة (مت27:23) هم جسد بلا روح، كقبور ملآنة عظاماً. لذلك كان المسيح حين جاء مثل جذع حي خرج من أرض ناشفة.

وهذا الشجر يخرج منه الصمغ ويستخدم كدواء ومقويات ومنشطات. وخشب السنط كما ذكرنا يعيش لفترات طويلة دون أن يفسد.

خشب مغشى بالذهب

هذا إشارة لأن طبيعة المسيح واحدة من طبيعتين، ناسوتية (خشب) ولاهوتية (ذهب) وهما بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. وكان الذهب مختبئ داخل المسكن لا يراه سوى الكهنة فمجد سيدنا ومخلصنا الإلهي مختبئ داخل حجاب جسده لا يدركه إلا من يدخل للعمق. ولاحظ أن المسيح وهو على الأرض كان لاهوته مختبئ في ناسوته أما الآن فقد ظهر مجده بعد القيامة والصعود.

خشب مغشى بالنحاس

نفس المفهوم السابق لكن يظهر هنا جانب الدينونة والعدل والقضاء لا المجد.

 

5-      البوص الكتان المبروم Five linen thread

لونه أبيض نقي إشارة للطهارة والنقاوة الكاملة (رؤ5:3، 13:7،14) وكان هو لباس الكهنة ولباس رئيس الكهنة يوم الكفارة. وكلمة مبروم أي أن خيوطه مبرومة أي مجدولة من عدة خيوط. وهو يشير لنقاوة المسيح الكاملة وأنه بلا خطية. وقوله مبروماً يشير لقمع الجسد وضبطه. ويكون كل جهاد لقمع الجسد والتحكم فيه في المسيح يسوع هو تقدمة لبيت الرب.

إذاً هو يشير للمسيح بالجسد، في حياته النقية على الأرض. وأننا فيه نتبرر.

 

6-      القرمز scarlet يسمى قرمز دودي

هذا اللون يحصل عليه من نوع من الدود يسمى الدودي توجد عالقة بأوراق الشجر، وهي تتولد عليها. وكانوا يأخذون هذا الدود ويغلونه في الماء ويعصرونه. وهذا يشير لدم المسيح المسفوك فلون القرمز هو لون الدم. وكان ملوك إسرائيل يلبسون رداءً قرمزياً، لذلك ففي إنجيل متى الذي يخاطب اليهود نجد أن الجند حين أرادوا أن يهزأوا بالمسيح ألبسوه رداء قرمزياً. وفي مزمور (6:22) أما أنا فدودة لا إنسان صورة واضحة للمسيح الملك الذي مات وعصر دمه لأجلنا فالدودة هنا هي المقصود بها التي يأخذون منها اللون القرمزي وتسمى هذه الدودة (دودة القرمز) وسنلاحظ أن الألوان المستخدمة هنا تأتي بموت دودة أو أي مخلوق إشارة للمسيح الذي مات عنا وراجع (يش18:2 + 2صم24:1 + عد6:19). لهذا علينا أن نمات النهار كله.

 

7-      أرجوان purple

هو لباس ملوك الأمم لذلك فمرقس الذي كتب إنجليه للأمم ذكر أن الجند ألبسوا المسيح ثوب أرجوان، ولعل الجنود كانوا يغيرون لون الرداء أو هو رداء به ألوان مختلفة لأن لوقا قال أنه كان لباساً لامعاً ومتى رأى فيه اللون القرمزي لون ملوك اليهود فمتى يكلم اليهود ومرقس رأي فيه اللون الأرجواني لون ملوك الأمم فهو يكلم الرومان. وغالباً فقول متى رداءً قرمزياً وقول مرقس رداءً أرجواني وقول يوحنا لباساً لامعاً القصد منه أنهم ألبسوه رداءً ملوكياً للسخرية منه كملك لليهود. وكل إنجيلي استخدم الوصف الذي يتناسب مع من يكتب لهم.

وهذا اللون يشير لملك المسيح. وهو لون أحمر يميل للبنفسجي. يؤخذ من نوع معين من الأصداف بعد سحقها (موت أيضاً). والمسيح هو ملك علينا بمحبته التي ظهرت في موته. (راجع قض26:8 + لو16) (ملابس الرجل الغني)

ولنلاحظ أنه طالما أن المسيح يملك علىّ، إذاً كل ما هو لي هو له.

 

8-      إسمانجوني Blue

هو لون سماوي أزرق. يشير للمسيح بكونه سماوي، آتياً من السماء (راجع يو13:3). والكلمة فارسية تنقسم لشقين (أسمان+ جوني) وأسمان تعني سماء وجوني معناها لون. إذاً الكلمة تعني ما لونه كالسماء. وهذا اللون أيضاً يؤخذ من الأصداف. هو يعلن جمال المسيح السماوي. وكمالاً ندرك أعماق السماء ولكن نتمتع بجمالها، هكذا يمكننا أن نتمتع بالسماويات وجمالها دون أن ندرك أعماقها (راجع خر10:24).

 

9-      شعر المعزى Goats hair

هو الغطاء الخارجي للحيوان. إذاً هو نقطة تلامسه مع العالم الخارجي أو هو نقطة الانفصال عنه. وهو يحمي الحيوان من الحر والبرد والمطر فهو يشير للإنفصال. ولذلك النذير كان يطلق شعره كمن إنفصل عن كل نجاسة ويكون مقدساً (عد5:6) ولو حدث وتنجس فكان عليه أن يحلق شعره كرمز لأنه فقد هذا الانفصال. وإحدى علامات البرص أن الشعر يغير لونه أو يسقط (لا30:13-42) والمقصود أن الانفصال لم يحدث عن عالم الخطية وبقوة فهذا يعتبر نجاسة.

وهذا ما كان يميز أنبياء العهد القديم، إنفصالهم عن الشر المحيط (1صم11:1) + شمشون يطلق شعره كسر لقوته + اعتزال النبي (أر17:15 + زك4:13)

وظيفة الأنبياء: لم تكن أساساً أن يتنبأوا بالمستقبل بل أن يحدثوا الشعب عن الله، بعد أن فشل الكهنة والشعب في التعرف على الله. فمثلاً صموئيل أرسله الله بعد فشل عالي الكاهن. (راجع عب1:1) فالله أرسل المسيح بعد أن فشلت كل محاولاته السابقة. وكان عمل النبي أيضاً أن يكشف خطايا الشعب ويدعوهم للتوبة (أش1:58). وكان النبي أيضاً يتنبأ عن خراب الأمم ثم رجوع إسرائيل. كذلك كان يوحنا المعمدان أعظم من الجميع (مت9:11) مع أن كل عمله كان الدعوة للتوبة (مر15:1)

والمسيح قام بنفس العمل بعد سجن يوحنا المعمدان ووبخ السيد المرائين والفريسيين وكانت شهادته الدائمة في توبيخ الرياء هي ثوب الأنبياء الذي يرتديه. وكان ثوب الشعر يستعمل أيضاً في المسوح وهذه تستعمل في أوقات الحزن، إذاً فثوب الشعر يشير أيضاً لحزن المسيح على خطايا الشعب ودموعه ورثاؤه على أورشليم (لو34:3)

إذاً ثوب الشعر يشير للمسيح في إنفصاله عن الخطية كنذير حقيقي (عب26:7) ويشير له كنبي. فصفات الأنبياء قد تجمعت فيه وهي توبيخ الخطية وروح الحزن والرثاء. وشعر المعزى يشير أيضاً للخطية الخداع. (قصة رفقة ويعقوب، ثم أن أولاد يعقوب خدعوا أباهم في قصة يوسف بأنهم ذبحوا معزى كما أن رفقة قد ذبحت معزى (تك16:27، 31:37) ولاحظ أنهم لم يذبحوا خروفاً. وميكال صنعت نفس الشئ مع شاول لتحمي داود. لذلك فالمعزى تشير للخطية والغش والخداع قارن مع (مت32:25). ولون الماعز الأسود يشير للخطية، لذلك كانت ذبيحة الخطية من الماعز، وهذا ما كان يستخدم يوم الكفارة (لا16) ولاحظ أن كلمة خطية= كلمة ذبيحة خطية في العبرية (قارن مع 2كو21:5) والخلاصة أن شقق شعر الماعز في الخيمة تشير للمسيح كحامل خطايانا وهو الذي بلا خطية هي تشير للمسيح الذي رفع خطايا البشرية وأظهر الخطية أنها خاطئة جداً وسوداء. والفرق بين غطاء شعر الماعز وغطاء الجلود أن شعر الماعز هو شعر حيوان حي لم يذبح بعد إذاً هو يشير للمسيح في عمله وحياته وكذبيحة لم تقدم بعد أما الأغطية الخارجية فتشير لعمل الفداء.

 

بين القرمز وشعر المعزى

رأينا القرمز يشير للملك. وقارن مع (رؤ3:17،4). فالمرأة هنا تشير للعالم الخاطئ، بابل أم الزواني، وهي هنا تلبس القرمز والأرجوان والذهب وغيرهم. كل هذا هنا يشير لملك العالم ومجد العالم وهذا يوفره رئيس هذا العالم لمن هم يسجدون له. بينما الكنيسة عروس المسيح الآن في المسوح وسيأتي الوقت الذي يذهب عن بابل مجدها ويظهر المجد العتيد أن يستعلن فينا. هذه الصورة ظهرت في شاول الملك بعد أن رفضه الله ومسح داود ملكاً لكن ظل شاول لفترة ظاهراً أمام الشعب كأنه الملك الحقيقي وداود نراه هارباً من وجهه حتى جاء الوقت الذي ظهر فيه داود في مجد كملك حقيقي.

ولاحظ أن المسيح كدودة دخل تحت الآلام ليعصر وليحمل عنا خطايانا.

لذلك يقول في (أش18:1) "إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف" ونحن علينا أن نحتمل معه الآن بعض الألم وإن كنا نتألم معه سنتمجد معه أيضاً (رو17:8،18)

 

10-    جلود كباش محمرة Rams skin dyed red

محمرة أي مصبوغة باللون الأحمر. فكانت الكباش تذبح ثم تسلخ. ثم تصبغ جلودها. والله أعطى إبراهيم كبشاً ممسكاً بقرنيه في غابة ليقدمه ذبيحة. والغابة تعنى هنا أيكة أو شجرة كبيرة وهي تشير لشعب إسرائيل، هذا الذي أعده الله ليكون كرمة تعطى عنباً جيداً (أش5 + مز8:80-11) فتحولت لشجرة مملوءة شوكاً. فجاء لهم المسيح في شكل كبش، في طاعة حتى الصليب. ولكن في قوة فالقرون ترمز للقوة والسلطة الملوكية التي للمخلص (مز10:92 + مت37:27). والكبش كان يستخدم كثيراً كذبيحة (لا18:8 + 2:9 + 3:16،5،9 + 18:9 + عد14:6 + 88:7) وهو عادة ذبيحة الإثم (لا16:5، 6:6، 21:19). ويستخدم في تكريس الكهنة. الكبش هنا صورة للمسيح الذي قدم نفسه في طاعة كاملة عن شعبه. ولاحظ في طقس تكريس الكهنة (خر15:29-26) أنه تمسح آذانهم وأصابع أياديهم وأرجلهم فتتكرس حواسهم وطاقاتهم لله. وهكذا كان المسيح رئيس كهنتنا في كل دقائق وجزئيات حياته لله "ينبغي أن أكون فيما لأبي" " "طعامي أن أصنع مشيئة الذي أرسلني" وفي (مز6:114،7) حتى يصوِّر المرنم طاعة الطبيعة بإعجاز أمام الله صوّر الجبال كأنها كباش، فالكباش رمز للطاعة. فأمام الله الكل يخضع حتى الجبال القوية.

وبالخطية إنتهت براءة الإنسان فشعر بعريه. فمعصية الإنسان لله دمرت جمال وبراءة الخلقة الأولى ولحق بها الفساد والموت، فحل بالإنسان الخجل من طبيعته، ولذلك اختبأ حتى من الله الذي يحبه، وحاول أن يستر نفسه بأقمصة من ورق التين التي هي محاولات الإنسان البشرية ليخلص نفسه من الهلاك بدون دم المسيح، وهذه المحاولات أو أقمصة ورق التين لن تستطع أن تحميهم من العين الإلهية القادرة أن تعرف كل شئ (أش6:64) ولكن شكراً لله الذي صنع القميص الذي يرضيه ليسترنا ويغطينا. فهو صنع لآدم وحواء أقمصة من جلد. فالمسيح ككبش فداء لم يقدم ذاته فقط كذبيحة بل تعرى (مقابل هذا نرى الذبيحة تسلخ من جلدها) ليكسينا. وهكذا لبس الابن الضال الحلة الأولى (أر6:23 + 1كو30:1)

وكان جلد بعض الذبائح يعطي للكهنة إشارة لنفس المعنى أن المسيح الذبيحة يسترنا. وفي عدم شق ثوب المسيح بعد الصلب (يو23:9،24) مفهوم أن الثوب يشير للكنيسة التي يسترها المسيح ولا يريد لها إلا أن تكون كنيسة واحدة لا تنشق.

وكون الجلود محمرة فهذا إشارة للون الدم فالذي يغطى ويستر هو دم المسيح. الله يريد أن يكون كل شئ مصبوغ بالدم وباللون الأحمر. فبدون سفك دم لا تحدث مغفرة. (راجع شريعة البقرة الحمراء (عد19) + أش63).

ولنرى طاعة المسيح وثباته بلا تردد لتأدية هذه المهمة (راجع لو31:9،51).

 

11-    جلود التخس Badger skin

التخس هي حيوانات برمائية مثل كلب البحر أو عجل البحر. وكلمة تخس هي نقل للكلمة العبرية "تحش" أي الحيوان المأخوذ منه هذا الجلد. وهذا الجلد متين جداً. وتصنع منه الأحذية الراقية (حز16 حذاء عروس المسيح) وكلمة تخس استعملت هنا وفي حزقيال 16 فقط.

وهذه الحيوانات تعيش في البر والبحر وجلدها هذا يحميها من الوسط الغريب الذي تحيا فيه. وهكذا المخلص السماوي الذي من السماء وعاش على الأرض، هو من مكان النور والفرح وجاء ليعيش في جو غريب عليه، وفعلاً هاجمه عدو الخير ليسقطه في خطايا العالم ولكنه لم يقبل أي إغراء ولا حتى كل ممالك العالم.

إذاً جلد التخس يمثل الحماية الكاملة في وسط جو مخالف للطبيعة بل جو معادي.

ومرة أخرى كيف يتم الحصول على الجلد؟ الإجابة مرة أخرى بالموت. إذاً هنا نفس ستموت لتعطيني الحماية من العالم وخطيته.

رأينا في جلود الكباش المحمرة، الفداء والستر ونرى في جلود التخس الحماية والعزل، ولكن الله لا يعطي هذه الحماية لأي إنسان إن لم يجاهد "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية" (عب4:12)

ولاحظ استخدام هذه الجلود في صنع الأحذية (حز16). وإذا لاحظنا أن الابن الضال أعطوه حذاء، فماذا تعنى هذه الأحذية؟ الحذاء يستعمل عند خروج الإنسان للعمل فيحمي قدمه من الجروح حينما تتلامس مع الأرض وأشواكها والمعنى حفظ الإنسان في حياته وأثناء خدمته. أنظر للمسيح الذي سار إلى سوخار من أجل خلاص نفسي. ولذلك نخلع الحذاء في حضرة الله فلا دنس ولا خوف في حضرته.

وهذه الجلود لونها قاتم لأن الحياة مع المسيح تبدو غير جذابة (لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه" (أش2:53) لكن كل مجد ابنة الملك من داخل.

 

12-    حجارة جزع وحجارة ترصيع

في (تك12:2) نجد في أرض الجنة ذهب جيد والمقل وحجر الجزع.

وحجر الجزع حجر كريم ثمين جداً. وهو شفاف بلوري ترى فيه عدة ألوان مرتبة في خطوط متوازية.

والمقل هو صمغ عربي أو هندي أو أفريقي ذو رائحة لطيفة وتشير الكلمة أيضاً إلى أنها تعنى الدر في المعنى العبراني الأصلي. وحجارة الترصيع هي حجارة كريمة من كل الأنواع.

كل هذا رمز لقيمة المؤمنين عند الله فهم عنده كحجارة كريمة. وقد رأينا في (تك2) ذكر الذهب في الجنة والمعنى أن الله خلق الإنسان وأعطاه مجداً، فهذا الإنسان عند الله ثمين جداً. وتنوع ألوان الحجارة تشير إلى أن كل واحد له لونه أو جماله الخاص عند الله. ولكل عضو مكانه عند الله والكل في تناسق وتكامل. وكثير من الأحجار الكريمة المذكورة لا نعرفها ولكن المهم أن لكل واحد جماله وصفاته الخاصة، هكذا أبناء الله في عين الله. وهناك محاولات وتأملات كثيرة لدراسة كل نوع ومحاولة تطبيقه على كل سبط وأصحاب هذه المحاولات يؤكدون أن هناك ارتباط بين نوع الحجر والصفة المميزة لكل سبط.

 

أطياب دهن المسحة

"وكلم الرب موسى قائلاً. وأنت تأخذ لك أفخر الأطياب. مراً قاطراً.. وقرفة عطرة.. وقصب الذريرة.. وسليخة.. ومن زيت الزيتون.. وتصنعه دهناً مقدساً للمسحة"

 

1- المر القاطر Myrrh

هو مادة صمغية تسيل من جذع الشجرة الخاصة بها وهناك طريقتين للحصول عليه:-

أ‌-       يسيل طبيعياً أي يقطر من تلقاء ذاته (هذا سبب تسميته قاطر). وهذا يجمع ويكون نقياً جداً وحينما يجمد يكون لونه أحمر صافياً وحينما ينكسر ينكسر في نقط بيضاء. وهذا هو النوع الفاخر، النقي والخالص، الذي يقطر من تلقاء ذاته.

ب‌-     الطريقة الثانية هي بجرح الشجرة أي بشرطها بسكين.

وكان المصريين يستعملونه في التحنيط والتكفين أما اليهود فاستعملوه في التكفين وهو مادة زكية الرائحة جداً لكنها مرة جداً وكانت تستعمل كعطر وكدواء لتخفيف الألم وتسكينها (مر23:15)

وهو حين يقطر من تلقاء ذاته يشير للمسيح لقبوله الآلام بإرادته حتى الموت وحين يقطر بجرح الشجرة يشير لطعن المسيح بواسطة البشر. وفي الحالتين يخرج رائحة طيبة. وطعم المر اللاذع يشير لآلام المسيح الرهيبة وكونها حقيقية (عب3:12). بل كون وجوده في عالم كله مضاد لله فهذا في حد ذاته مرارة له. وهو مازال يعرض لنا يداه تقطران مراً (نش4:5) فالعروس أنت أحشائها عليه حينما رأت أثار جروحه. هو يذكرنا بألامه حتى يرق قلبنا له. بل هو رفض أن يشرب المر والخمر من يد صالبيه حتى يشرب كأس الألم حتى آخرها. فالمر والخمر يعملان على تسكين الآلام وهو رفض هذا. هو قبل مرارة الألم ليرفعها عني. هذا معنى أن مياه مارة (مرة) صارت حلوة بالخشب (أي الصليب) (خر23:15) وفي قبوله الألم المر خرجت رائحة طيبة أمام الآب (الطاعة) والحب (أمامنا) فليس حب أعظم من هذا.

كنيسة سميرنا تعنى المر هي كنيسة تفعل ما فعله مخلصها فهي تقبل المر لأجله فكانت لها رائحة طيبة ولم يسمع تأنيباً من الرب من نوع "لكن عندي عليك.. " والمرأة الخاطئة التي سكبت الطيب على قدمي المخلص هي نوع من هؤلاء الذين بفرح يكسرون آنيتهن الخزفية أي أجسادهم ويقبلون الآلام فتفوح رائحتهم الذكية أمثال الشهداء والرهبان والنساك والذين يحتملون آلام أعداء المسيح والكنيسة عبر العصور فمن أذاقوا الرب مراً في حياته مازالوا يذيقون كنيسته المر حتى الآن وإلى آخر يوم. (راجع را 20:1 + أر19:2) لترى أن ترك الرب مر (هنا في مذاقه).

وكان المر هدية المجوس وهذا إشارة لموته وتحقق هذا في (يو39:19) (في تكفين الرب).

 

2- قرفة عطرة Sweat cinnamon

هذه لها رائحة عطرة وطعم مرغوب لطيف وتعطى نكهة طيبة للمأكولات وتستخدم في العقاقير الطيبة كمنبه ومنعش. وشجرة القرفة خضراء دائماً ليس لها وقت تذبل فيه. والمسيح كان ناضراً دائماً كشجرة مغروسة عند مجاري المياه (مز1) ونحصل على القرفة بنزع قشور شجيراتها وبالتالي تموت الشجيرة وهنا مرة أخرى نرى صورة الموت بل والسلخ (سلخ الذبيحة يناظرها هنا سلخ الشجيرات) حتى تخرج الرائحة. والمسيح أيضاً منبه ومنعش بسيرة حياته ومحبته كنموذج يحتذى وأيضاً بنعمته العاملة فينا، هو ينبه القلب الخائر. وهو كدواء شافي لنا.

وقد يكون معنى قرفة بالعبرية مشتق من كلمتين Kinna & min وهي التي جاءت منها كلمة Cinna mon. وكلمة Kinna تعنى غيور وكلمة min تعني هيئة أو مظهر خارجي. ولو طبقنا هذا المفهوم على المسيح نجده في (يو17:2) يطرد التجار من بيت أبيه كتطبيق للآية غيرة بيتك أكلتني وراجع أيضاً (نش6:8).

 

3- قصب الذريرة Sweat calamus

هو نبات ينمو في الأرض الموحلة والمستنقعات. وهو نبات مشهور باستقامته وكلمة قصب تفيد الاستقامة. وبسحق النبات نحصل على المادة ذات الرائحة العطرية. ويسمى قصب الذريرة فمنه نحصل على الذرائر وذرائر تعنى أطياب. مرة أخرى نرى صورة المسيح الذي نما في وسط هذا العالم الموحل بالخطية لكنه نما مستقيماً. وبسحقه وآلامه خرجت الرائحة الطيبة. وكلمة قصب وردت في كلمة قصبة القياس (خر3:40) + (أش3:42) وهذه تنطبق بكمال الرب يسوع واستقامته المطلقة وأنه يقيس أرواح البشر ويقيمهم بموازينه ولكنه قصبة مرضوضة لا يقصف بل هو يعالج ويشجع ويعطى من نعمته ويطيل أناته (يو11:8) "لا أنا أدينك أيضاً".

 

4- سليخة Cassia

هي مشتقة من كلمة سلخ فكانت قشور النبات تسلخ لنحصل منه على هذه المادة ورائحتها نفاذة أكثر من القرفة وتستعمل أيضاً كدواء ولإعطاء نكهة. وهذه الكلمة وردت هنا وفي (خر19:27) فقط في حديثه عن تجارة صور رمز لتجارة عدو الخير. وكأن المعنى أن العالم يتاجر بصفات المسيح وهكذا الشيطان يحاول أن يسرق من كمالاته ويتاجر بها.

 

5- الزيت Oil

الزيت زيت زيتون. وكان العبرانيون يستخدمون الزيت في:

1.     الطعام: أرملة صرفة صيدا (1مل12:17). وكانوا يصنعون الخبز بالزيت.

2.     الإضاءة: مثل العذارى + (أم18:31)

3.     مسح الأجساد: داود اغتسل وإدهن بعد أن مات إبنه (2صم20:12) وكانوا يستعملون الزيت بعد تعطيره بالعطور الشرقية في احتفالاتهم دليلاً على الفرح (مز5:23) وعدم استخدامه دليل الحزن (مت17:6).

4.     معالجة الجروح: (أش6:1 + لو34:10) (السامري الصالح)

وكان هناك استخدامات مقدسة (أي خاصة بالعبادة) مناظرة لهذه:

                     أ‌-         تقدمة الدقيق يسكب عليها زيت (لا2).

                   ب‌-       المنارة تستخدم الزيت (داخل الخيمة).

                   ت‌-       مسح الملوك ورؤساء الكهنة وبعض الأنبياء وتدشين الأماكن.

                   ث‌-       مسح المرضى بالزيت (مر13:6).

المسح

كان الملوك يمسحون وقد ذكر الكتاب مسح شاول وداود بواسطة صموئيل النبي ومسح ياهو بن نمشى ملكاً على إسرائيل بواسطة إيليا. ومسح هرون رئيساً للكهنة بواسطة موسى. ومسح إليشع نبياً بواسطة إيليا (1مل16:19)

وكان مسح هرون مختلفاً عن مسح الكهنة العاديين. ولكن كان لابد من مسحهم بالزيت فهم مكرسون ومخصصون للخدمة ولا عمل آخر لهم سواها راجع (خر13:40،14 + لا12:8 (لرئيس الكهنة) + لا30:8 (للكهنة بنى هرون).

وكانت الأماكن أيضاً تدشن بالزيت أي تقدس وتخصص وتفرز وتكرس لله (تك18:28 + 13:31) (الله يؤكد على عمل التكريس للأماكن) [هذا أول استخدام للزيت]. وآنية وأدوات الخيمة كانت تمسح بالزيت أي تخصص لله (خر9:40) لذلك كان استعمال بيلشاصر (دا2:5-4) في آخر يوم له، لآنية بيت الرب إعتداء على الله استوجب معه نبوة دانيال المخيفة "وزنت فوجدت ناقصاً" ومات في نفس الليلة. وإذا كان معنى التكريس هو تخصيص الشئ لله فهذا ما تم بالكامل في المسيح، وهذا تم يوم حل عليه الروح القدس مثل حمامة (مت16:4) وسفر الأعمال أطلق على حلول الروح القدس على المسيح أنه مسح "مسحه الله بالروح القدس" (أع38:10) ولذلك سمى المسيح أي الممسوح.

وفي (1صم13:16) في قصة مسح صموئيل لداود. والآية نبوة كاملة عن ما حدث مع المسيح "فأخذ صموئيل قرن الدهن ومسحه في وسط إخوته. وحل روح الرب على داود من ذلك اليوم وصاعداً" (إذاً فالمسح بالزيت رمز بل هو سر حلول الروح القدس. (الذي على مثاله تستخدم الكنيسة الآن سر الميرون)

والأشخاص بالمسحة يأخذون هبة من الروح القدس لابد أن يستخدموها في تقديم العبادة لله والشهادة لله أمام الناس. ولنرى عمل الروح راجع (لو14:4،15) "ورجع يسوع بقوة الروح إلى الجليل.. وكان يُعِلم في مجامعهم ممجداً من الجميع" ولاحظ القوة والمجد والنور الذي صار له بعد حلول الروح القدس وكيف تحول هذا لكرازة (مز2:2، 50:18، 9:84 + دا 25:9،26). وأكمل لوقا الإنجيلي شرحه لعمل الروح بأن أورد قصة دخول المسيح للمجمع وقراءته لسفر إشعياء حيث يعلن عمل مسح الروح (لو16:4-22). ولاحظ قوله في (لو14:4) "وخرج خبر عنه" هو نور كان يشع في كل مكان. (في15:2 + مز17:132 + 1مل36:11 + 2صم17:21) وهذا ما حدث مع التلاميذ فقد حل الروح عليهم (أع3:2) فإنطلقوا يتكلمون بألسنة وبقوة جعلت الكثيرين يؤمنون. وبهذه القوة صنعوا معجزات مثل معلمهم.

إذاً الزيت رمز للروح القدس والمسح يكون بواسطته وهذا يعطى قوة وطاقة للشهادة والإضاءة والكرازة "لكي يرى الناس أعمالكم.. "

وكان يخلط الزيت بمقادير معينة من العطور السابق ذكرها وحينما يمسح الشخص أو المكان بالزيت تفيح منه رائحة هذه العطور. وإذا فهمنا أن الزيت يشير للروح القدس والعطور السابقة أنها تشير للمسيح نفهم الآتي:

1.     أن الروح القدس هو العطّار "عطر عطارة صنعة العطّار" (خر25:30) الذي يمزج كل هذا، بل هو الذي كون جسد المسيح في بطن العذراء= صنعة العطاّر. ونعود مرة أخرى لنفهم أن الروح القدس صنع الجسد من تقدمة العذراء أي جسدها أو بطنها، وكما تسميها التسبحة عجينة البشرية (تسبحة يوم الخميس).

2.     بالمسح تفوح الرائحة. فحين يمسح الشخص تفوح رائحة العطور. هذا هو عمل الروح القدس أن ينشر رائحة المسيح الذكية "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو14:16). بل هو يحولنا إلى صورة المسيح عينها (2كو18:3). هذا معنى وضح هذه المواد مع الزيت. أن الروح القدس يظهر لنا شخص المسيح في كماله وحبه وفداؤه، في مجده وجلاله، في تواضعه ووداعته.

وهذا الزيت لا يستعمل لأي إنسان فهو إشارة للمسيح الذي ليس مثله. وكونه يستخدم مع الملوك ورؤساء الكهنة فلأنهم رمز للمسيح الملك ورئيس الكهنة لذلك يسمى إكليل دُهن مسحة (لا 12:21) فهو يشير للمقام الكهنوتي والملوكي السامي للمسيح (طقس ملكي صادق)

 

البخور المقدس

"وقال الرب لموسى خذ لك أعطاراً ميعة وأظفاراً وقنة عطرة ولباناً نقياً تكون أجزاء متساوية. فتصنعها بخوراً عطراً صنعة العطاّر مملحاً نقياً مقدساً.

البخور ليس القصد منه إيجاد رائحة طيبة في الخيمة، لكنه حمل مفهوماً لاهوتياً يمس حياتنا في الله، ولذلك حدد الله نوع البخور وكمياته وموعد إيقاده ومن الذين يقومون بهذا العمل فحرم إستخدامه بذات النسب خارج الخيمة أو إيقاده بيد غريبة ولنلاحظ:

1.     البخور العطر يعبر عن كمالات المسيح التي لا تحد وكل أجزاء البخور متساوية فكل صفاته متساوية (رحمة وعدل.. ) ولكن كل منها يظهر في الوقت المناسب.

2.     تحريم استخدامه خارج الخيمة يشير أنه لا يوجد ولم ولن يوجد من هو كامل مثل المسيح، ولن يعرف هذه الصفات الكاملة إلا الله فهي لا تقدم لسواه.

3.     كان البخور يحرق بالكامل على المذبح وفي هذا فهو يتشابه مع ذبيحة المحرقة كلاهما رائحة سرور للرب، فهو يحرق كما اشتعلت نيران الغضب الإلهي في المسيح على الصليب وكانت طاعة المسيح والحب الذي ظهر هو الرائحة العطرة.

4.     لأن البخور ذبيحة فلا يقدمه سوى كاهن. والكاهن هو رمز للمسيح رئيس الكهنة الحقيقي الذي قدم ذبيحة نفسه. إذاً المسيح هو البخور الذي يحترق وهو الكاهن الذي يقدم البخور.

5.     الكنيسة عروس المسيح يقال عنها في سفر النشيد "من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذرة التاجر" وفي (ملاخي10:1) نجد نبوة عن أن كنيسة المسيح (الأمم) ستقدم بخوراً وفي (رؤ3:8،4، رؤ8:5) نجد السمائيين يقدمون هذا البخور. هنا نرى صلوات الكنيسة المجاهدة أي نحن تجتمع مع صلوات السمائيين وتقدم أمام الله. فالكنيسة المتألمة هنا على الأرض وبينما هي في آلامها تقدم تسابيحها لهي كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان. والمر واللبان إشارة للآلام (المر) واللبان (الصلاة) وكم هي عطرة رائحة صلوات المتألِّم أمام الله فهو هنا يتشبه بالمسيح. وهنا حينما يلتحم عمل المسيح الذبيحة مع صلواتنا يشتمها الله رائحة رضا.

6.     حينما نبخِّر أمام أيقونة القديسين فنحن نعبر عن أشياء كثيرة منها:

[1] كيف صارت صلاتهم مقبولة أمام الرب كرائحة البخور العطر.

[2] شركة الصلاة بين الكنيستين المجاهدة والظافرة (رؤ4:8)

[3] توسل أن يذكرونا ويرفعوا صلواتنا أمام الجالس على العرش في السماء.

[4] الطواف بالبخور حول المذبح وتقديمه للأيقونات وأجساد القديسين والشعب، هنا نجمع صلوات الجميع كصوت واحد يحمله البخور المقدس وترفعه الملائكة المنوطة بالخدمة مع صلوات وتشفعات العذراء مريم.

[5] حينما يشم الشعب رائحة البخور يذكر أنه يجب أن تكون له فضائل وأن يقدم نفسه ذبيحة حتى يكون رائحة طيبة أمام الله.

[6] حينما يرى المصلي البخور صاعداً لفوق عليه أن يصلي فهذه الصلوات ترفع أمام عرش النعمة. وعليه أن يذكر أن صلاته يجب أن تكون من النوع الذي يرتفع لأعلى مثل البخور (أي في حب وصلاة من أجل الجميع) فهناك صلوات لا ترتفع لفوق إن اتسمت بالكراهية والأنانية.

7.     هناك بخور غريب أي ليس بالنسب المحددة والطريقة المحددة أو الذي يقدم بطريقة غير شرعية (أي ليس بيد كاهن، وليس بالطريقة المحددة في الخيمة. وهذا يشير للصلوات التي لا يقبلها الله مثل صلوات قلب حقود أو مملوء شر ويشير أيضاً لمن يخالف طريق العبادة الذي حدده الله.

8.     كان الكهنة فقط يشمون رائحة البخور. والمؤمنين الآن الذين لهم الكهنوت العام يشمون رائحة المسيح الذكية. فالبخور كان يقدم لله (فلا أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلإ الابن) ولكن كان الكهنة في تقديمهم للبخور يشتمون الرائحة الذكية. هكذا المؤمنون في صلواتهم وعبادتهم يتعرفون على صفات المسيح ويشتمون رائحته الذكية. فنخن نشترك مع الآب في التلذذ بإبنه.

9.     يذكر المؤمنون صلاة داود "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك".

10. الله أمر موسى باستخدام البخور ولم يوجد ما أبطل هذا التقليد ويكفينا نبوة (ملاخي10:1) فهي تشير لتقديم البخور في كنيسة الأمم وهذا يعني الكنيسة الحالية وليست كنيسة اليهود وهذه الكنيسة التي للأمم لم تعرف إلا بعد المسيح.

 

تركيب البخور:

كان البخور العطر يتركب من أجزاء متساوية من 4 أصناف من الأعطار مصنوعة معاً بخوراً عطراً صنعة العطار، مملحاً نقياً مقدساً. ولا يشار لمقدار الملح فيه فكلمة مملحاً المستخدمة قد تعنى مخلوطاً أو تعنى إضافة ملح حقيقي، والملح يعني عدم الفساد في طبيعة السيد المسيح الإنسانية.

والمواد المستخدمة هي مواد صمغية خارجة من نباتات عطرية وهي بذلك الخلاصة المركزة المشتملة على كل خواص النبات والممثلة لكل مزاياه. وقد تكررت كلمة عطرة وعطار وأعطار فكلمة واحدة لا تشير بالكامل لرائحة المسيح الذكية. وكما ذكرنا سابقاً فالعطار هو الروح القدس الذي يمزج هذه الأعطار (هذا ما صنعه الروح القدس في بطن العذراء)

 

1- ميعة Stacte

Stacte هي الكلمة اليونانية التي استخدمتها الترجمة السبعينية أما الكلمة العبرية المناظرة فهي nataph ومعناها ما يقطر. فهي مادة صمغية تستحلب أو تسيل أو تفرز من شجيراتها. وقد تكون هي المر أو مادة أخرى تسمى الإصطرك تنبت شجيراتها في سوريا وعموماً هي مادة صمغية عطرية تعبِّر عن الرائحة المركزة للنبات. وقد استخدمت نفس الكلمة في (قض4:5 + أي27:36 + عا13:9 + اي22:29 + نش11:4) وتفسير الأخيرة نجده في (لو22:4). فقد كانت كل كلمة خرجت من فم المسيح لها رائحة ذكية. هي كلمات حق أبدي كان على استعداد أن يموت من أجله. ونلاحظ أن المادة العطرة كانت تقطر من الشجرة عند طعنها. والسيد قبل أن يطعنوه بالحربة طعنوه بسخريتهم واستهزائهم به وكراهيتهم وفي كل هذا لم يصدر عنه سوى كلمات الحب والحق. وكانت قطرات دمه التي سالت على الأرض رائحة زكية أمام الآب تعنى ليس كإرادتي بل إرادتك بل عرقه سال كقطرات دم. إذاً الميعة تعبر عن كل ما فاض من قلب المسيح في حياته وآلامه.

 

2- أظفار Onycha

هذه هي التسمية اليونانية بحسب الترجمة السبعينية أما العبرية فهي تعنى قشر سمك أو صدف. فهذه المادة تؤخذ من أسماك صدفية أو حيوانات بحرية صدفية تعيش في البحر الأحمر وتتغذى بنباتات عطرية تنمو بجانب المياه وتنتج المادة العطرية من طحن هذه الأصداف. وهذا يقودنا إلى المسيح في موته وآلامه، ففي حياته كان طعامه أن يعمل مشيئة الذي أرسله (يو34:4) وفي آلامه سُرَّ الآب أن يسحقه بالحزن (أش10:53). وكون أن هذه الأصداف تعيش في البحر فهذا يذكرنا بشعب إسرائيل الذي خاف من دخول البحر أما السيد فهو دخل إلى أعماق البحر، بحر الموت ودفن في القبر وذهبت نفسه للجحيم لكي تطلق من هناك نفوس الأبرار وفي موته فاحت رائحته العطرية (يو11:18 + خر11:14) والأظفار كانت تستخدم كعطر وكدواء وهكذا المسيح كان فيه شفاء لنا.

 

3- قنة عطرة Galbanum

هي مادة صمغية مرة المذاق ونفاذة الرائحة تستعمل لتثبيت العطور وتقويتها وتعطى قوة واستمرارية ومتانة لباقي مركبات البخور. ولرائحتها النفاذة صفة هامة أنها لها قوة على طرد الأفاعي والحشرات السامة.

والكلمة في أصلها تنقسم لقسمين، الجزء الأول بمعنى خلاصة النبات أو الجزء الحيوي فيه SAP أ، FATNESS والجزء الثاني المضاف له بمعنى مرثاة. هذا يشير لأحزان المسيح التي احتملها وكان رجل أحزان أما الدسم فيشير لطاقة عزيمة المسيح في تنفيذ وطاعة إرادة الآب "طعامي أن أصنع مشيئة الذي أرسلني" (يو34:4) وكل أحزان المسيح لم تجعله يتذمر ويتمرد بل كان جائعاً لأن يتمم مشيئة الآب ويطيعها وهذا ما أعطى لحياته رائحة طيبة. وعزيمة المسيح كانت عزيمة لا تلين وهذا واضح أنه حتى العواطف البشرية مثل عواطف بطرس حين أراد منعه من الصليب، هو طرد هذه العواطف فالعواطف البشرية التي تثنينا عن الشهادة للمسيح أو الأفكار الشيطانية التي تطلب أن نتعاطف مع أنفسنا ضد إرادة الله هذه قد طردتها الرائحة النفاذة التي للقنة العطرة. كما طردت كبرياء الفريسيين وعقلياتهم الضحلة وريائهم. هذه الرائحة هي رائحة تواضع المسيح، كما أن عدم رغبته في الدنيويات كان له رائحة نفاذة ضد من هو متعلق بهذه الدنيويات. ورائحة آلامه على الصليب هي رائحة نفاذة طاردة لكل من لا يرق قلبه لآلامه ويتوب.

والقنة العطرة تستخدم أيضاً كدواء وهذا عمل المسيح مع المؤمنين.

 

4- لبان نقي Frankincense

أصل الكلمة مشتق من أصل يعني أبيض ومن نفس الأصل اشتقت كلمة لبنان فجبال لبنان قممها بيضاء. وهي مادة صمغية لونها أبيض. وأيضاً فلون البخور المتصاعد عند حريقه أبيض. واللبان يأتي من شجرة تنمو على الصخور وهكذا المسيح كان كنبت في أرض يابسة. وقد يسيل اللبان من الجروح التي تجرح بها الشجرة. وهي مادة نافعة كدواء وكترياق ضد السم (الشيطان) بجانب استخدامه كبخور. (زك6:13 + يو34:19 + أش5:53) وكان اللبان يوضع فوق تقدمة الدقيق (لا1:2) ويقدم كله للمذبح. وكان يوضع على خبز الوجوه. واللبان هو المستخدم كبخور الآن.

 

وبأختصار:

الميعة: تشير لرائحة المسيح في كلماته وتصرفاته وأفعاله في حياته وحتى الموت.

الأظفار: تشير لأنه سحق حتى الموت ولم يخرج منه سوى طاعة وحب رائحة عطرة.

القنة: تشير لطاقته المقدسة التي لم يكن لها سوى هدف واحد وكانت توبخ وتطرد كل ما هو شرير.

اللبان: يشير لنقاوته وتكريسه الكامل لله.

ونلاحظ أنه استخدم مع الزيت أربعة أنواع من العطارة لتظهر رائحة المسيح ومع البخور استخدم أربعة أصناف لنفس السبب. ولنا مثال أخر فالأناجيل أربعة وبها تظهر رائحة المسيح الزكية لكل العالم.

وكون الأربعة مواد متساوية فيشير هذا إلى أن صفات المسيح متساوية وكلها كاملة وليس كالبشر فنحن نجد في البشر أن إنساناً قد يتصف بالعدل ولكن يكون هذا على حساب الرحمة فالبشر ناقصون والكاملين منهم نسبياً نجد لديهم صفة جميلة يتصفون بها وهذه تغطى نواحي نقص أخرى يعانون منها ولنأخذ مثالاً لو زادت القنة (وهي ذات رائحة نفاذة ومنفرة) على حساب الميعة (التي تشير لعذوبة كلمات المسيح) لفقد وداعته وتواضعه ولا تسم بالعنف الشديد في مقاومة الخطاة. ولو زادت الميعة عن القنة نجده غير قادر على تعنيف الخطاة ودعوتهم للتوبة "ولا أنا أدينك.. إذهبي ولا تخطئ" = قنة + ميعة بتساوي. ولو زادت الأظفار (سحق حتى الموت) لكان مات قبل الصليب (يو1:13) وكم من مرة أرادوا أن يضعوا عليه اليد ليقتلوه وكان يختفي عنهم (يو59:8 + 20:8 + 44:7).

 

تأمل من واقع طقس القداس

في القداس الباسيلي وعند عبارة "تجسد وتأنس" يضع الكاهن يد بخور (أي ملء ملعقة من البخور) في المجمرة المشتعلة إشارة لأن المسيح في تجسده وتأنسه كان رائحة طيبة للآب وللبشر.

وقبل أن يمسك بالقربان بين يديه يضع يديه فوق البخور كمن يقول "أنا لا أستحق من أجل خطاياي لكن طهرني فيك يا رب حتى أتمم هذا السر" وبعد ذلك يأخذ من البخور ويضع على القربان والكأس إشارة لأن المسيح كان رائحة طيبة ليس فقط في حياته بل حتى في موته وتقديم نفسه ذبيحة عنا. وأن الذي تجسد هو نفسه الذي يقدم لنا جسده نأكله كذبيحة.

الأعداد في الكتاب المقدس

أعمال الله كاملة في قوتها والتخطيط لها وتنفيذها. والله وضع قوانين للطبيعة وهو وراء تنفيذ هذه القوانين. والأرقام في الكتاب المقدس خاضعة لخطة معينة، ولها هي أيضاً تخطيط وقوانين تحكمها، ولكل رقم معنى ودلالة فالله لا يختار الأرقام عشوائياً.

 

أمثلة:

1.     رقم (7) الله استراح في اليوم السابع. ويعتبر الله اليوم السابع يوماً مقدساً. ونجد أن الشهر السابع هو شهر مقدس والسنة السابعة هي الأخرى تسمى السبتية وفيها تستريح الأرض. ثم تأتي سنة اليوبيل بعد 7×7= 49سنة. أي في السنة الخمسين.

2.     تقسيم الأوقات في العهد القديم. فهو ينقسم لفترات كل منها 490سنة أي 7 × 70 سنة.

الأولى من إبراهيم حتى الخروج.

الثانية من الخروج حتى بناء الهيكل.

الثالثة من بناء الهيكل حتى عودة نحميا

الرابعة من عودة نحميا حتى مجيء المسيح

3.     المسيح بدأ خدمته بعد 1500سنة من خروج الشعب من أرض مصر وهي تعادل 30 يوبيل = 30×50 والكتاب المقدس يسمى اليوبيل السنة المقبولة (أش2:61).

4.     ألوان الطيف (7). ومن السبعة ألوان ينتج اللون الأبيض.

5.     كلمة المن وردت 14 مرة في العهد القديم = 2×7.

6.     اسم بطرس ورد 245مرة = 27×5 ويعقوب ورد اسمه 21 مرة = 3 × 7 ويوحنا 49مرة = 7×7. ويكثر ورود رقم (7) خاصة في سفر الرؤيا.

 

 

حساب رقم الاسم أو الكلمة GEMATRIA

استعمال الأرقام العربية أي 1،2،3،4 …….

أو الأرقام الهندية أي 1،2،3،4، ……

هو طريقة حديثة للتعبير عن الأرقام. لكن قبل أن تستعمل الطريقة الحديثة كان لكل شعب طريقته. فاليونانيين والعبرانيين استخدموا الحروف الأبجدية للتعبير عن الأرقام، وللتمييز بين الرقم والحرف توضع شرطة فوق الحرف فيصبح رقم مثلاً a b g هي حروف

 هي أرقام a/ =1 b/= 2 g= 3 ولكن

أما الرومان فكان لهم طريقتهم في كتابة الأرقام

I = 1 II = 2 V = 5 X = 10 L= 50 C= 100 D= 500 XL= 40

وكان للشعوب التي تستخدم أبجديتها كأرقام طريقة معروفة بها يحسب كل واحد رقم إسمه، وهذا بجمع الأرقام المناظرة للحروف في الاسم أو الكلمة.

أمثلة:-      a d e l

= 1 + 4 + 5+ 30 = 40

                   رقم اسم عادل باليونانية = 40

                   إيسوس          I H S O U S

 

=      10+8+200+70+400+200=888

                       رقم إيسوس (يسوع) = 888

 

 


 

     ب   ن   ى         هـ    أ      ل    هـ   ى    م       أبناء الله

                = 40 + 10 + 5 +  30 +   1  +  5     +   10 + 50 + 2 = 153

وبنفس الطريقة يحسب رقم الوحش (رؤ18:13) فيكون 666 ومن هنا فحين يظهر هذا الوحش سيكون اسمه دلالة عليه. وكثيرين من أعداء المسيح حسبت أسماءهم فكانت 666 مثل دقلديانوس.

 

 

(1)

هو رقم الوحدة والأولوية (المنصب الرئاسي). ويشير لعدم الإنقسام، فهو لا ينقسم. ويشير بهذا لعدم الاعتماد على آخر، فهو المصدر للآخرين. لذلك فهو يشير للألوهية (نؤمن بإله واحد). الكل في احتياج إليه، لا يوجد ثانٍ يتفق معه أو يختلف معه (الرب إلهك إله واحد). ولهذا فلا يوجد آلهة سوى الله، وهذه أيضاً هي الوصية الأولى.

ورقم (1) يشير أيضاً للأقنوم الأول أي الآب.

 

(2)

رقم (1) يبعد كل اختلاف ويشير للسيادة. ولكن العكس هنا. فرقم (2) يشير لأن هناك اختلاف وأن هناك آخر. هناك اثنين قد يتفقان وقد يختلفان والخلاف قد يكون للصالح أو للشر. لذلك فرقم (2) يعتمد على النص، أي قد يشير للخير أو للشر. وهو أول رقم يمكن تقسيمه. ويشير لسقوط الإنسان فهو يعني الانفصال عن الله ومقاومته. وبالنسبة لله فهذا الرقم يشير للتجسد فهو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً (أف14:2-16) فهذا ما أراده الله بتجسده (يو20:17-23). لذلك فرقم (2) يشير للأقنوم الثاني أي المسيح الله المتجسد.

 

(3)

أول رقم له خواص هندسية، فخطين مستقيمين لا يحيطوا أي مساحة. كذلك أي سطحين لا يكونان جسماً. ويلزم ثلاثة أبعاد (طول وعرض وارتفاع) لتكوين جسد. إذاً رقم (3) يشير لما هو حقيقي وكامل ومجسم وواقعي ومتين وكلي وجوهري. لذلك فرقم (3) هو رقم من الأرقام الكاملة ويشير للكمال الإلهي. والله مثلث الأقانيم. والملائكة تسبح قائلة "قدوس قدوس قدوس". فالله هو الحقيقي أما الإنسان فلا شئ ورقم (3) يشير للأقنونم الثالث أي الروح القدس.

ورقم (3) هو رقم القيامة، فالمسيح قام في اليوم الثالث، ويونان خرج من جوف الحوت بعد ثلاثة أيام، وفي اليوم الثالث للخليقة ظهرت الحياة والثمر والبذور. ومن يقوم مع المسيح يكون له ثمار، والروح القدس الأقنوم الثالث هو الذي يروي أجسادنا فتثمر، وهو الروح المحيي والمسيح أقام (3) أشخاص من الموت.

رقم (1) الآب يحيي ويعطي حياة للخليقة ويخلق الإنسان       حياة.

رقم (2) الإنسان ينفصل فيموت فيتجسد الابن ليتحد بالإنسان   موت.

رقم (3) الروح القدس يعطي حياة ويقيم الإنسان من موته      حياة.

 

3 صفات تنسب للنور والله نور

1.     أشعة الحرارة (تحت الحمراء): هذه نشعر بها لكنها لا ترى. وهذه تشير للآب (يو18:1 + 1يو12:4) فنحن لا نرى الآب لكن نشعر بمحبته فالله محبة (1يو8:4،16) ومن يشعر بمحبة الآب لا يستطيع إلا أن يسلك في محبة (أف2:5 + 1يو19:3).

2.     أشعة الضوء (المرئية): هذه نراها لكن لا نشعر بها. هذه تشير للمسيح الذي أنار لنا طريق معرفة الآب وأعلنه لنا. والمسيح قال عن نفسه "أنا نور العالم. والله نور (1يو5:1) وعلينا أن نسلك في النور (أف8:5).

3.     الأشعة التي لها قدرة على إحداث تأثيرات كيماوية (فوق البنفسجية): هذه لا ترى ولا نشعر بها ولكن وجودها نشعر به من التفاعلات الكيماوية التي تحدثها. وهذه تعلن عن عمل الروح القدس وأعماله العجيبة في الكنيسة وفي المؤمنين (يو8:3).

 

الأرقام التي تتكرر (3) مرات:

(444) هو رقم كلمة دمشق( ) وهي أقدم مدن العالم ورقم 4 هو رقم العالم.

(666) هو رقم إنسان وهو رقم نقص. وهم رقم الحكمة البشرية الناقصة.

(888) هو رقم اسم يسوع فرقم 8 يشير للأبدية.

(999) هو رقم القضاء. وهو رقم الجملة  tee orgeemov أي غضبي. ونجد هذا الرقم يتكرر كثيراً في قصة سدوم وعمورة.

 

(4)

4 = 3 + 1 (3 هو رقم الكمال الإلهي)

 ما يلي رقم (3) هو استعلان عمل الله (رو20:1)

إذاً رقم (4) يشير للعالم خلقة الله. فالله يعرف بواسطة الأشياء المرئية. لذلك يبدأ الوحي الكتاب المقدس بقوله "في البدء خلق.. " فالخليقة هي الشيء التالي. ويصير رقم العالم هو رقم (4)، أو هو رقم المادة. وفي اليوم الرابع خلق الله الشمس والقمر، وفيه انتهت خلقة المادة، وابتداءً من اليوم الخامس بدأت خلقة الأحياء في الماء والأرض والسماء.

ورقم (4) هو رقم الجهات الأصلية (شمال وجنوب وشرق وغرب)

ورقم (4) هو أقسام اليوم (صبح وظهر ومساء وليل)

ورقم (4) هو أقسام السنة (شتاء وربيع وصيف وخريف)

والجنة كان يسقيها (4) أنهار. والكاروبيم لهم (4) وجوه إذاً عملهم خاص بالخليقة (يشفعون في الخليقة/ ينفذون أوامر الله في الضربات ضد الأشرار..). وبنفس المفهوم نجد تمثال دانيال (4) أجزاء إشارة لكل الممالك التي تقاوم عمل الله، وهذا نهايته الفناء. أما من يتشبه بالكاروبيم فيكون مكاناً لراحة الله ويتحول كمركبة كاروبيمية.

فالله (3) كان موجوداً منذ الأزل، ثم أوجد كياناً آخر يحيا معه، هو الخليقة لذلك يرمز للخليقة برقم (4)

(5)

5 = 4 + 1 فرقم (4) يشير لإعلان أن الله ظاهر في خليقته ومعلن وبهذا يكون رقم (5) هو إعلان آخر عن عطايا الله لخليقته، هو نعمة الله وخلاصه للإنسان حين سقط، هي إعلان عن نعمة الله الدائمة والمتجددة للخليقة. (4) يشير للعالم الضعيف الساقط الفاني.

(5) تشير للقوة الإلهية التي أضيفت فأكلمت هذا الضعف

                                                    إبرام

 


 

            إبراهيم

         أ      ب      ر       ه      م

فالله اختار إبرام وفاض عليه بنعمته وغير إسمه لإبراهيم. والفرق بين اسم إبرام وإسم إبراهيم هو حرف ه = ويناظر رقم (5) فيكون رقم (5) هو إضافة النعمة وسكبها على إبراهيم فهو المختار ليأتي منه المسيح مصدر كل نعمة. وبنفس المفهوم نجد أن المسيح يطعم (5000) من 5 خبزات. هذا هو عمل النعمة. ولكن لنلاحظ أن الإنسان له (5) حواس، (5) أصابع في كل يد (اليد إشارة للعمل)، (5) أصابع في كل رجل (الرجل إشارة للاتجاهات التي يسير فيها الإنسان)، فلو قدس الإنسان حواسه وإتجاهاته وأعماله أي يخصصها لمجد الله، وهذه هي مسئولية الإنسان وقراره الحر، تنسكب عليه النعمة، فلا نعمة لمن لا يستحق، ولا نعمة لمن لا يقدر المسئولية. لذلك وجدنا هناك (5) عذارى حكيمات و(5) جاهلات. (الزيت متاح لكل فرد لكن ملء المصابيح هي مسئوليتي). ومن يمتلئ من النعمة يحيا حياة سماوية، لذلك أشبع السيد المسيح 5000 = 5×1000 (1000 رقم السمائيين). دخول المسيح لحياتي يشبعها ويحولها لحياة سماوية. لكن نكرر على مسئوليتي فالمسيح يفيض من نعمته على من يستحق، من يتحمل مسئوليته ويقدس حواسه لذلك نلاحظ أن المسيح لم يفض بنعمته ويشبع الجموع إلا بعد أن قدموا له شئ.. هو كل ما عندهم (الخمس خبزات وهذا ما نسميه الجهاد، في مقابل الجهاد تنسكب النعمة.

ولذلك نجد رقم (5) يسود خيمة الاجتماع.

الدار الخارجية 100 × 50 ذراع محيطها = 100 + 50 + 50 + 100

الأعمدة الخارجية 20 + 10 + 10 + 20 = 60 = 5 × 12 وهذه تعني أن النعمة متاحة لكل شعب الله.

المذبح النحاس 5 × 5 ذراع

مكونان الزيت 500 + 250 + 250 + 500

= 5 (100 + 50 + 50 + 100) = 5 (نفس أبعاد الخيمة) والخيمة تشير لشعب الله المتمتع بنعمته.

 

(6)

6= 4 + 2 إذاً هو خليقة الله حينما تكون في تضاد مع الله.

6 = 7 – 1 وإذا كان رقم 7 هو رقم الكمال. إذاً 6 هو رقم النقص.

6 = 5 + 1 إذا كان رقم 5 هو رقم النعمة وكمال عطايا الله للإنسان، فكل زيادة عليها تعتبر إفساد لعمل الله.

إذاً رقم 6 هو رقم عدم الكمال أو النقص، هو رقم الإنسان المحروم من الله، أو بدون الله، وبدون عمل المسيح. والإنسان خلق في اليوم السادس وبذلك طبع عليه رقم (6). وهو يعمل 6 أيام واليوم السابع له علاقة بسيادة الله، فهو يوم الراحة، ولذلك رقم (6) يشير للعمل إذا انفصل عن الله وأصبح بعيداً عن الراحة مع الله. رقم (6) يشير لكمال الخليقة كعمل من أعمال الله، فالله أتم عمله في 6 أيام. لكن هذه الخليقة بدون الله تصبح ناقصة، فهو يشير لكمال العالمية. والله أكمل عمل الفداء للإنسان في اليوم السادس والساعة السادسة. وعرس قانا الجليل كان به 6 أجران ماء. وحينما أضيفت لهم نعمة المسيح تحولوا لخمر رمز الفرح.

والوحش رقمه 666 رمز لكمال شره. فتكرار رقم (6) 3 مرات إثبات لكيانه ووجوده في كمال شره.

 

(7)

هو رقم الكمال الروحي، ويحتل مكاناً بارزاً في أعمال الله، وقد ورد الرقم 7 أكثر من أي رقم آخر. فرقم 7 ومضاعفاته ورد في العهد القديم 287مرة = 7×41. وقوله السابع Seventh ورد 98مرة = 7×14. وكلمة 7 أضعاف وردت 7 مرات وبذلك يصبح الإجمالي 287 + 98 + 7= 392 = 8×27= 32×27. ورقم 70 أتي 56مرة = 7×8.

أصل الكلمة العبري Shevah واصلها Savah أي يشبع أو يمتلئ. فالله في اليوم السادس أتم الخلقة وأشبع العالم ولم يعد ينقصه شئ وفي هذا اليوم استراح الله لأن كل شئ كان قد تم خلقه حسناً وكاملاً ولا يمكن أن يضاف شئ لما خلقه الله (تفسير أن الله استراح في اليوم السابع أن الخلاص تم بالصليب للبشرية الساقطة خلال اليوم السابع الذي مازلنا فيه حتى المجيء الثاني لنبدأ في الأبدية في اليوم الثامن الذي لن ينتهي) المقصود إذاً أنه خلال اليوم السابع كان كل عمل الله كاملاً لا ينقصه شيء. وكلمة Shavath معناها يتوقف/يستريح/يكف عن العمل.

وكلمة Shabbath أو Sabbath هو يوم الراحة ومنها كلمة سبت في العربية. وبهذا أصبح الأسبوع 7 أيام ويكون اليوم الثامن تكرار للأول وسفر الرؤيا يتكرر فيه هذا الرقم كثيراً 7 كنائس/ منائر/ سبع ختوم.... وإيليا استراح بظهور الغمامة بعد صلاته السابعة، ونعمان السرياني بعد أن إغتسل 7 مرات استراح من مرضه، وأسوار أريحا سقطت بعد الدورة السابعة في اليوم السابع. وأول إنسان صعد للسماء كان أخنوخ السابع من آدم. وأعياد اليهود 7 والأعياد السيدية في الكنيسة القبطية7. والأعياد السيدية الصغرى 7 وأسرار الكنيسة 7 وأصوامها 7 وصلوات الأجبية 7.

7= 6 + 1 (الإنسان الناقص لو أضيف له عمل الله يكمل) قوتي في الضعف تكمل.

 

(8)

في العبرية 8 = شيمونة وأصل الكلمة يُسَمِّنْ to make fat إذاً هو رقم يشير للوفرة. هو الأول في مسلسل جديد، المسلسل الأول هو الأسبوع الأول. لذلك يعبر عن القيامة. بعد نهاية هذه المرحلة الزمنية التي نحياها الآن في اليوم السابع. والمسيح قام في اليوم الثامن أي في بداية الأسبوع الجديد، منذ دخل أورشليم يوم أحد الشعانين. والكتاب المقدس ذكر 8 معجزات إقامة من الموت، هؤلاء قاموا وبدأوا حياة جديدة.

السيد المسيح أقام 3 (ابن أرملة نايين- ابنة يايرس- لعازر)

وبطرس أقام (طابيثا) وبولس أقام (أفتيخوس)

والعهد القديم به 3 معجزات إقامة (إيليا أقام ابن أرملة صرفة صيدا) وإليشع أقام ابن الشونمية. وعظام إليشع أقامت ميت.

وبداية عهد جديد مع الله في العهد القديم كان بالختان في اليوم الثامن.

وبداية العالم الجديد الذي بدأ حياة جديدة بعد الطوفان كان بثمان أنفس.

وقدس أقداس الهيكل= 20×20×20= 8 × 1000 فقدس أقداس الهيكل يشير للسماء. بينما قدس أقداس الخيمة= 10×10×10= 1×1000 فهو إشارة للسمائيات على الأرض. وأسماء المسيح فيها مضاعفات رقم8

إيسوس = 888 المسيح (خريستوس) = 8×185. والرب (كيريوس) = 800= 8×100. ومخلص (سوتير)= 28×22. المسيا = 656= 8×82

 

(9)

هو آخر الأرقام لذلك يشير للنهاية أو خاتمة أمرٍ ما. وله علاقة برقم 6

6 = 3+3 (رقم الإنسان)

9 = 3×3 (هو يمثل نهاية الإنسان) وفي نهاية الإنسان سيظهر حصيلة أعماله، لذلك هو يشير للدينونة والقضاء ونهاية كل شئ، حين يأتي ابن الإنسان ليدين العالم.

666= 9×74

كلمة دان بمعنى قضاء= 54= 9×6

كلمة غضبي = 999

كلمة أمين= حقاً = 99 وهي تختم وتنهي كلماته.

مجموع حروف العبرية ال22 = 4995 = 5×999 (مختومة بالنعمة والدينونة) أو بالمسئولية والدينونة. ومجموع حروف اليونانية = 3999.

9= 3×3 وإذا فهمنا أن رقم 3 هو رقم الكمال الإلهي، وبالتالي فإن مربع الرقم 3 هو تشديد على كمال الله، وكمال الله يظهر في قداسته وعدم قبوله للخطية ودينونتها. وهناك مكعب آخر 10×10×10 يظهر فيه المجد الإلهي.

(10)

هو أحد الأرقام الكاملة ويشير لكمال الترتيب الإلهي، يشير لكمال السعادة والبر حين تلتصق الخليقة (يعبر عنها برقم 7) مع الله (يعبر عنه برقم 3) 10= 7+3. فالوصايا عشر فهي تحتوي لكل ما هو ضروري وكامل ويكمل الإنسان. فرقم 7 يمثل الإنسان الكامل 7= 3+4 (3يمثل النفس المخلوقة على صورة الله) + 4 (الجسد المأخوذ من تراب العالم) والإنسان ملتزم بتقديم عشوره لله كاعتراف أن الكل من الله. وخيمة الاجتماع يتكرر فيها رقم 10 كثيراً، (ومضاعفاته). والعشر عذارى يمثلون البشرية.

 

(11)

رقم 10 كان يمثل كمال البر والسعادة حين تلتصق الخليقة بالله، ويشير لإرضاء الله في الوصايا العشر. ورقم (12) يشير لكمال سيادة الله.

11= 12-1 إذاً هو يشير لأن سيادة الله غير كاملة (عب8:2)

11= 10+1 هذا يشير للتعدي على وصايا الله، وأن الخاطئ يطلب ما هو خارج حدود البر. رقم 11 هو رقم غير كامل يشير لعدم الترتيب فأصحاب الساعة الحادية عشرة أمضوا عمرهم بعيداً عن الله.

عمر المسيح على الأرض = 33 سنة = 3×11 فهو الكامل الذي حمل خطايانا وصار خطية لأجلنا.

(12)

هو رقم كامل يشير لكمال السيادة. فنجد عدد الأسباط التي تكون منها شعب الله 12 سبطاً. والسيد المسيح كان له 12 تلميذاً.

12= 3 (رقم الله مثلث الأقانيم) × 4 (رقم العالم)

12= 3×4 أي من يملك عليهم الله من شعوب الأرض، من هم لله.

أبعاد أورشليم السماوية = 12.000 ولها 12 أساس، 12 باب وعدد المختومين = 144000= 12×12×1000

(13)

هو رقم مكروه عند كثير من الناس دون أن يعرفوا لذلك سبب إلا أننا نكتشف السبب من الكتاب المقدس. فأول ذكر لرقم (13) في الكتاب المقدس كان في (تك4:14) فلقد استعبدوا لكدر لعومر 12 سنة، وفي السنة الثالثة عشر عصوا عليه. فهو رقم عصيان وتمرد. وفي كل مرة يأتي رقم (13) أو مضاعفاته يصاحبه تمرد أو إرتداد أو فساد أو عيب أو إنحلال.

مجموعة أسماء عائلة آدم= 8×396

مجموعة أسماء نوح وسام ويافث= 888 وبإضافة حام الملعون= 8×9×13

مجموعة أسماء عائلة قايين= 13×9×19

يتكرر رقم 8 في عائلات شعب الله، ورقم (13) في عائلات الأشرار فرقم 13 يدخل في عائلة لامك من نسل قايين. كلمة لعنة أناثيما = 13×42 وتكررت 6 مرات.

والكتاب يذكر 13 مجاعة. ووادي ابن هنوم (جهنم) يذكر 13 مرة.

 

(14)

14=7×2 إذاً هو مقياس مضاعف للكمال الروحي. ولذلك كانت سلسلة متى للأنساب، 3 مجموعات وكل مجموعة منها 14 جيل.

 

تطبيق من سلسلة أنساب المسيح

نلاحظ أن المجموعة الثالثة في سلسلة أنساب متى والتي تبدأ بيكنيا تشمل 14 إسماً إذا بدأنا بيكنيا الذي تنتهي به المجموعة الثانية. وإذا لم نضع يكنيا في المجموعة الثالثة يصير رقم المسيح 13 في المجموعة الثالثة فهذا الذي لم يصنع خطية صار خطية لأجلنا.

وفي سلسلة لوقا نجد 77 إسماً. والمسيح يأتي فيها رقم 77

77= 7×11 فالمسيح الإنسان الكامل صار خطية لأجلنا، فرقم 11 هو رقم يشير للخطية.

أما رقم 14 في سلسلة أنساب متى = 2×7 (2 رقم التجسد) 7 رقم الإنسان الكامل.

راجع التفصيلات في كتاب الميلاد والعماد.

 

(15)

هي مضاعفات رقمي 5،3 أي النعمة والكمال الإلهي. إذاً فرقم 15 يشير إلى الأعمال المعمولة بطاقة النعمة الإلهية. ولذلك نجد حزقيا الملك قد زاد عمره 15 سنة. وزيادة عمره هو إشارة لقيامة المسيح بقوة لاهوته المعبر عنها برقم 15.

رقم 10    هو = ى ورقم 5 هو     = ه إذاً 15 = ياه وهما معاً ينطقان ياه وهو اسم الله يهوه. لذلك كان اليهود لا يستعملون هذا الاسم لخوفهم من أن يدنسوه فيتعرضوا لعقاب الله. ولذلك غيروا حروف رقم 15 بحرفين آخرين هما ت + ف = 9+6= 15.

15= 7+8 = إذاً يشير الرقم لطاقة الحياة، طاقة النعمة الإلهية التي أقامت المسيح الإنسان الكامل (7).

 

(30)

30=5×6 كمال النعمة في الإنسان

وكان الكاهن يبدأ عمله في سن الثلاثين، وهكذا بدأ يوحنا المعمدان والمسيح وداود في سن الثلاثين، وهكذا يوسف في سن 30 حكم مصر. 30= 3×10 يشير لدرجة عليا في كمال النظام الإلهي ويشير لسن النضج الذي يبدأ فيه الإنسان في خدمة الله.

 

(40)

هو رقم هام يتكرر كثيراً ويشير لفترة اختبار أو تجربة أو عقاب كتأديب، وليس عقاب كدينونة مثل رقم 9. هو يشير لتأديب أبناء العهد، أما 9 فهو يشير لدينونة الأعداء المقاومين لله. ويشير لفترة عمرنا على الأرض حيث يؤدبنا الله بنعمته.

الطوفان استمر 40 يوماً. والشعب في البرية 40 سنة. أصوام موسى وإيليا والمسيح كانت 40 يوماً. وإنذار أهل نينوى كان بأن الخراب سيقع بعد 40 يوماً إن لم يتوبوا. إذاً هو رقم يشير لفترة اختبار يعقبها بركات لمن يقبل التأديب أو عقاب ودينونة لمن يرفض.

 

 

(42)

هو رقم متعلق بضد المسيح الذي سيبقى 42شهراً (رؤ2:11 + 5:13) 42= 7(رقم كمال) × 6(مقاومة الله)= كمال مقاومة الله.

 

(50)

هو رقم اليوبيل أي سنة العتق والحرية في العهد القديم. إذاً هو يشير للخلاص والراحة= 7×7+1 فيشير لبداية الأسبوع الثامن بعد كمال إتمام الزمان.

ورقم 50 هو يوم حلول الروح القدس على التلاميذ في العهد الجديد.

 

(100)

مثال الخروف الضال يشير لأن الله له قطيع 100خروف، إذا ضل منهم واحد، يذهب وراءه الراعي الصالح حتى يجده. فرقم 100 يشير لقطيع المسيح، القطيع الصغير، وهؤلاء تركوا كل شئ لأجل المسيح، فلهم 100ضعف. (لو1:15-7 + يو12:17، 39:6 + مت29:19).

 

(153)

هذا الرقم ورد في معجزة صيد السمك في (يو11:21)، والمسيح كان قد قال لبطرس سأجعلك صياد للناس، لذلك نفهم أن هذه المعجزة تشير إلى المؤمنين الذي سيؤمنون بكرازة الرسل. والشبكة تشير للكنيسة التي تحتوي هذا العدد من المؤمنين، ورقم 153 يشير لصفات المؤمنين 153= 3+50+100

3= هو مؤمنين بالله مثلث الأقانيم، وقاموا من الأموات بالإيمان والتوبة.

50= هو معمدين حلَّ عليهم الروح القدس وحصلوا على العتق من إبليس.

100= هم قطيع الله الذي لن يهلك منه أحد، لكن عليه أن يترك محبة العالم.

كلمة أبناء الله بالعبرية= 153 وباليونانية = 153×7×3

كلمة خليقة الله = 8×153 كلمة سمك = 8×153

كلمة شبكة = 8×153

 

(666)

هم رقم اسم الوحش، وحينما سيظهر سيكون رقم اسمه 666. والله أعطانا هذا الرقم لنستدل منه على هذا الشخص حين يظهر.

رقم 6 هو رقم الكمال الإنساني العالمي الدنيوي. وبذلك يكون رقم 66 هو تعبير مشدد عن نفس الحقيقة، 666 هو تعبير أكثر تركيز، بل هو ثالوث الكمال الإنساني. هو كمال اللاكمال، أو كمال النقص، كمال العيب؟ هو أوج الكبرياء الإنساني، وإنفصاله عن الله ومقاومته للمسيح. وهذا ما سيتحقق في شخص ضد المسيح في آخر الأزمنة، والتي بدأت من الآن بظهور عبادة الشيطان في كل أنحاء العالم ورقمهم المقدس هو 666 ووصل الأمر لأن عرافة الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان نصحته بأن يختار رقم 666 لبيته الجديد الذي يسكن فيه بعد ترك البيت الأبيض.

 

(½)

أول مرة نسمع فيها رقم ½ في الكتاب المقدس كانت حينما قدم عبد إبراهيم خزامة ذهب وزنها ½ شاقل لرفقة ليخطبها لاسحق ابن سيده. وعبد إبراهيم أو رئيس بيته يشير إلى الروح القدس الذي أرسله الابن وحيد الجنس وهنا هو اسحق الابن الوحيد الذي على حسب الوعد، والروح القدس جاءنا ليحملنا من أرضنا إلى أرضه،أي يحملنا إلى سمواته لنوجد مع العريس السماوي إلى الأبد وكان المهر الذي دفعه الابن ليس ½ شاقل ذهب بل دمه وما نحصل عليه الآن هو عربون ما سوف نحصل عليه في السماء. ما نحصل عليه الآن هو بالإيمان والرجاء ولكن ما سنحصل عليه في السماء فهو مجد لا يوصف.

ثم نسمع عن رقم ½ في (خر13:30) "كل واحد يعطي فدية نفسه للرب لئلا يصير فيهم وبأ عندما تعدهم. هذا ما يعطيه كل من اجتاز إلى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس" إذاً هو رقم فدية. ويشير لفداء المسيح أو دمه الذي اشتراني به.

وفي (1مل7:10) نسمع قول ملكة سبأ لسليمان حين رأت مجده وحكمته بعد أن كانت قد سمعت عنه فجاءت لزيارته "فقالت للملك صحيحاً كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك. ولم أصدق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي فهوذا النصف لم أخبر به" هذا سيكون لسان حالنا في السماء حين نرى مجد الله فنقول صحيحاً كان الخبر الذي سمعناه وصحيحاً كان العربون الذي نلناه وصحيحاً كان ما آمناً به أن نراه وقد رأيناه ولم يكن ما عرفناه إلا النصف أي شيئاً بسيطاً من الحقيقة.

نلخص ما سبق في أن رقم يُعبِّر عن خطبة المسيح لنا "خطبتكم لأقدم عذراء.... " وأنه دفع مهراً هو فداؤه بدمه وصاحب هذا خيرات روحية وزمنية كعربون لما سوف نراه ونفرح به في المجد.

 


 

تطبيق على الأرقام من واقع خيمة الاجتماع

أبعاد قدس الأقداس= 10 × 10 × 10 ذراع3

 = 1000 ذراع3

رقم 1000 هو رقم سماوي ولكنه يعبر عن السماويات كما نحياها على الأرض فالخيمة تشير للسماء على الأرض. هكذا قال بولس الرسول "الذي أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات" بينما بولس كان مازال على الأرض وقال في (أف12:6) أن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع الرؤساء.. مع أجناد الشر الروحية في السماويات" ولذلك فالخيمة أرضها ترابية لأننا مازلنا على الأرض أما الهيكل فلأنه يرمز للسماء نجد أبعاد قدس الأقداس 20×20×20=8×1000 ورقم 8 يشير للحياة الأبدية. فهي تشير للسماويات كما نحياها في الحياة الأبدية.

ولذلك نجد أن أرضية الهيكل من ذهب (1مل30:6 + رؤ18:21)

أبعاد القدس = 10 × 10 × 20 = 2 × 1000 ذراع3

ورقم 2 كما رأينا يشير لأنه حدث اختلاف مع الله وأصبح البشر في تضاد بل وعداوة مع الله وتحطمت الوحدة. وبالتجسد جعل المسيح الاثنين واحداً فرقم 2 يشير للتجسد، وأن المسيح جمع في طبيعته الواحدة طبيعتين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية. لذلك فقدس الأقداس كان يشير للسماء وأمجاد السماء قبل التجسد أما القدس فيشير للسماويات بعد التجسد، ولطبيعة المسيح الواحدة التي من طبيعتين. هي تشير إلى المسيح الذي وحدنا فيه.

تابوت العهد= ½ 2 × ½ 1 × ½ 1 ذراع، مذبح البخور 1×1×2 ذراع

المائدة= 2 × 1 × ½ 1 ذراع

 

نلاحظ أن أبعاد القدس = 20 × 10 × 10

 النسبة= 2 × 1 × 1

ولو تصورنا حذف رقم الـ ½  من أبعاد القطع لصارت الأبعاد كالتالي

تابوت العهد = 2 × 1 × 1                الله متساوي الكمالات ويعبر لهذا التساوي بالأبعاد

مذبح البخور = 2 × 1 × 1 1×1×1      وبالتجسد صار هناك بعداً جديداً يعبر

المائدة = 2 × 1 × 1                       عنه بـ2×1×1[6]

إذن كل القطع لها نفس نسب القدس وفي بعض الأحيان يضاف لها فما معنى هذا؟

كما سنرى فيما بعد فإن تابوت العهد ومذبح البخور والمائدة كلهم يشيروا إلى شخص المسيح. والقدس يشير للمسيح أيضاً لذلك فكلهم لهم نفس النسب فكلهم يشيروا لشخص المسيح وسنأتي لشرح كل قطعة على حدة، لكن باختصار.

تابوت العهد: يمثل الله على عرشه في مجده وفي سمائه وحوله ملائكته يحكم ويقضي.

المائدة: تمثل المسيح في شركة مع شعبه. فالله يطلب من الشعب أن يقدم له خبزاً يوضع على المائدة سخناً ثم يأكله الكهنة بعد أسبوع ويقدم غيره فمن هو هذا الخبز سوى المسيح الذي من عند الله ثم يقدمه الكهنة على المذبح ثم يأكلونه. هو المسيح الذي دخل في شركة مع البشر.

 

مذبح البخور:

يمثل المسيح الواقف أمام عرش الله كشفيع وحيد عن البشر لذلك لا نسمع عن رقم ½ هنا فلا دور لنا في شفاعة المسيح عنا.

والآن نضيف رقم الـ ½

فتصبح المائدة 2 × 1 × ½1 فهذا يعني شركة المسيح مع خطيبته وعروسه الكنيسة. والمسيح ممثل هنا بالنسب 1 × 1 × 2 والكنيسة ممثلة برقم ½.

 

ويصبح تابوت العهد ½2 × ½1 × ½1 هذا يشير لدخول المسيح بجسده الذي هو الكنيسة للسماء كتطبيق للآية "أنا ذاهب لأعد لكم مكاناً وحيث أكون أنا تكونون أنتم" وحينما نكون هناك سنرى مجده وسنراه بالعيان.

والمائدة لها بعد واحد به رقم ½ أما التابوت فعلى الثلاث أبعاد. فما نراه وما حصلنا عليه هنا هو مجرد عربون وعلى مستوى واحد وهو الإيمان، أما هناك فما نحصل عليه فعلي ثلاثة أبعاد أي مجسد ومنظور. أما ما نحصل عليه هنا فبالإيمان فقط دون أن نرى شئ.

قدس الأقداس 10 × 10 × 10 = 1 × 1 × 1 × 1000

هذا يشير للسماء ولله متساوي الكمالات.

القدس 20 × 10 × 10 = 2 × 1 × 1 × 1000

هذا يشير لأن المسيح أتخذ بعداً جديداً بالتجسد (2 رمز للتجسد)

أبعاد القطع التي تشير للمسيح بدون رقم ½ هي:

التابوت 2 × 1 × 1

المائدة 2 × 1 × 1                  هي نفس نسب القدس

مذبح البخور 2 × 1 × 1

فكل ما يشير للمسيح الإله المتساوي الكمالات (1×1×1) والمتأنس (2×1×1) صار له هذا البعد ويشير له هذا البعد (2×1×1) بإضافة رقم ½ هذا يشير للكنيسة في المسيح.

المائدة 2×1× ½1 هذا يشير للشركة بيننا وبين المسيح هنا على الأرض. وهذا يعني أننا في مجد غير منظور، نحصل عليه بالإيمان التابوت ½2 × ½ ½1 هذا يشير للمجد الحقيقي الذي لنا في المسيح والذي سنحصل عليه في السماء.


مذبح البخور 2×1×1 هذا يشير للمسيح شفيعنا في السماء ولا دور لنا في هذه الشفاعة لذلك لا نجد أثراً لرقم ½ في مذبح البخور.


 

الإصحاح الخامس والعشرون

الآيات (1-9): "وكلم الرب موسى قائلاً. كلم بني إسرائيل أن يأخذوا لي تقدمة من كل من يحثه قلبه تأخذون تقدمتي. وهذه هي التقدمة التي تأخذونها منهم ذهب وفضة ونحاس. وأسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى. وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط. وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة وللبخور العطر. وحجارة جزع وحجارة ترصيع للرداء والصدرة. فيصنعون لي مقدساً لأسكن في وسطهم. بحسب جميع ما أنا أريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون."

طلب الله من موسى أن يسأل شعبه لكي يقدم كل إنسان حسبما يسمح قلبه (خر5:35) أي قدر ما تسمح محبته يساهم في التقدمة التي تستخدم في صنع المقدس الذي يسكن فيه الرب وسط شعبه. وأنها لكرامة أن يشترك كل إنسان في أن يقدم شيئاً للرب. ولاحظ قول الله تقدمتي فالله ينسبها إلى نفسه ليدل على أنه له الحق أن يطلبها لأن الإنسان وكل ماله هو لله. والتقدمة تشير:-

1.     للعذراء: هي تقدمة البشرية لله حتى يأتي الروح القدس ويصنع للمسيح جسداً منها.

2.     لنا: فعلينا أن نطيع ونحيا في أمانة فيأتي الآب والابن ويصنعوا عندنا منزلاً (يو23:14). ومسكن الرب يبني خلال طهارة القلب والجسد.

والآن ليبحث كل واحد في قلبه ماذا قدم ولمن قدَّم؟ لو قدمنا لله فسيملك الله على حياتنا وفي اليوم الأخير نكون معه. ولو قدمنا القلب لشهوات وخطايا العالم يأتي رئيس هذا العالم في اليوم الأخير ويثبت ملكيته لهذا المكان. لذلك قال السيد المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ".

راجع شرح المواد في الفصل المخصص لذلك.

يصنعون لي مقدساً: ليسكن فيه الله معهم. يكون ظلاً للسماويات. وهكذا يقام في القلب أيضاً مسكناً للرب يحمل صورة السماويات (عب14:12).

والله أظهر لموسى صورة للسماويات= مثال المسكن. إذاً هذا المسكن هو ظل للسماويات إذاً فخيمة الاجتماع كانت ظلاً لصورة السماء عينها. حتى بدأ فك رموزها في العهد الجديد حيث دخلنا لعربون السماويات. وفهمنا تدبير وخطة الله. ولكن مع كل ما حصلنا عليه فهو مازال كما قلنا في بعد واحد ولم يتم حتى الآن ظهور كل عطايا الله بوضوح فما زلنا نحيا كما في لغز كما في مرآة في عربون السماويات. ونستطيع أن نقول أن الخيمة هي ظل للكنيسة في العهد الجديد والكنيسة هي ظل لمجد السماويات في الحياة الأبدية (1كو12:13)

الآيات (10-22): "فيصنعون تابوتاً من خشب السنط طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف وارتفاعه ذراع ونصف. وتغشيه بذهب نقي من داخل ومن خارج تغشيه وتصنع عليه إكليلاً من ذهب حواليه. وتسبك له أربع حلقات من ذهب وتجعلها على قوائمه الأربع على جانبه الواحد حلقتان وعلى جانبه الثاني حلقتان. وتصنع عصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب. وتدخل العصوين في الحلقات على جانبي التابوت ليحمل التابوت بهما. تبقى العصوان في حلقات التابوت لا تنزعان منها. وتضع في التابوت الشهادة التي أعطيك. وتصنع غطاء من ذهب نقي طوله ذراعان ونصف وعرضه ذراع ونصف. وتصنع كروبين من ذهب صنعة خراطة تصنعهما على طرفي الغطاء. فاصنع كروباً واحداً على الطرف من هنا وكروباً آخر على الطرف من هناك من الغطاء تصنعون الكروبين على طرفيه. ويكون الكروبان باسطين أجنحتهما إلى فوق مظللين بأجنحتهما على الغطاء ووجهاهما كل واحد إلى الآخر نحو الغطاء يكون وجهاً الكروبين. وتجعل الغطاء على التابوت من فوق وفي التابوت تضع الشهادة التي أعطيك. وأنا اجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من بين الكروبين اللذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل."


 

تابوت العهد

 


 

أبعاد التابوت ½ 2 × ½ 1 × ½ 1 أبعاد الغطاء ½ 2 × ½ 1

من بين الكاروبين كان يظهر الشكيناه أي مجد الحضرة الإلهية (آية22)

 

الغطاء: كرسي الرحمة

تابوت العهد هو القطعة الوحيدة داخل قدس الأقداس. وقدس الأقداس رمز للسماء فيكون تابوت العهد رمز لعرش الله. وقد رأى حزقيال رؤياه التي ذكرها في (حز1،10) أن الله جالس على عرشه والعرش موضوع على مقبب والمقبب فوق الكاروبيم أي الله جالس على الشاروبيم (مز1:80). والله على عرشه هناك يعلن مجده وإرادته وقضاؤه. وكان مجد الله يظهر بين الكاروبين المظللين لتابوت العهد. وكان اليهود يطلقون على مجد الله الذي يظهر بين الكاروبين الشكيناه. راجع (عد89:7 + 1صم4:4 + مز1:99 + أش16:37 + 2صم2:6)

وفي (أش6) نجد السيرافيم يصرخون قدوس قدوس قدوس. فوجود السيرافيم هنا إشارة وشهادة لمجد الله الحال في هذا المكان. والكاروبيم أيضاً يشيروا أن مشيئة الله وقضاؤه هم مسئولون عن تنفيذها. فهم منعوا آدم عن الفردوس (تك24:3 + عد23:22 + 1أي16:21 + 2مل15:19) وفي حز10 وفي سفر الرؤيا نراهم يسكبون جامات غضب الله ونجد لديهم جمراً مشتعلاً لحرق أورشليم تنفيذاً لأوامر الله لغضبه على أورشليم.

ولنلاحظ أن الغطاء ليس هو مجرد غطاء عادي لصندوق لكنه يشير لأكثر من هذا فنحن نجد في (1أي11:28) أن بيت الله يسمى بيت الغطاء وكأنه يريد أن يقول أنه أهم قطعة في البيت لماذا؟

هناك قاعدة عامة أن الخشب يشير لناسوت أي جسد المسيح والذهب يشير إلى لاهوت المسيح في مجده والنحاس يشير للاهوت المسيح في عدله ودينونته للخطية فحينما نجد التابوت أو المائدة أو مذبح البخور مصنوع من خشب سنط لا يسوس فهذا يشير لجسد المسيح. والخشب مغشى بالذهب، إذاً هذا الخشب المغشى بذهب يشير للإله المتأنس ذو الطبيعة الواحدة التي من طبيعيتين وواضح أن هذه الصورة تشرح بقدر ما نفهم أن الطبيعيتين ظلاّ بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ونفس الكلام ينطبق على مذبح المحرقة فهو خشب مغشى بنحاس. كل هذا يرمز للمسيح المتجسد.

أما لو ذكر الذهب لوحده فهو لا يشير للمسيح المتجسد بل يشير لله بلاهوته. وهذا ينطبق هنا على غطاء التابوت فهو ذهب خالص ويشير للمنارة فهي أيضاً ذهب خالص وللمرحضة فهي نحاس بدون خشب. أما المنارة والمرحضة فهي تشير للروح القدس وعمله في جسد المسيح أي الكنيسة. أما الغطاء يشير لله في مجده وعلى عرشه.

المنظر الذي نراه هنا متطابق تقريباً مع حزقيال (1). فمجد الله حال بين الكاروبيم هنا كما كان عرش الله فوق الكاروبيم في حزقيال. ولاحظ أن الكاروبيم كان قطعة واحد مع الغطاء، هي عرش الله حيث يظهر مجد الشكيناه وشكيناه كلمة عبرية تعني بهاء الرب، هكذا ترجمت كلمة شكيناه في (خر34:40،35). وهذه الكلمة تعنى في أصلها سكينة أو هدوء واطمئنان، إشارة لما كان يشعر به من يرى مجد الله الحال بين الكاروبين.

وكان رئيس الكهنة يوم الكفارة يرش دم تيس الخطية على الغطاء. ولاحظ أن الكاروبيم وجوههم إلى الغطاء أي إلى الدم، دم الكفارة فكأنهما ينظران برأسيهما ليروا الدم فلا ينفذوا الضربات ضد البشر. هنا إنما هم يراقبون بفرح فاعلية دم الذبيحة في تسكين غضب الله وعودة الصلح بين السماء والأرض. وراجع قول المسيح (يو51:1) من الآن ترون السموات مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان. ولذلك حينما قام مترجمو الترجمة السبعينية بترجمة كلمة غطاء وهو كافورت لم يستعملوا كلمة غطاء عادية فهي لا تؤدي المعنى بل أسموه كرسي الرحمة. لأن كلمة غطاء لا تعني غطاء عادي بل الدم الذي يغطي الخاطئ فيرحمه الله برحمته، من هنا كانت الترجمة كرسي الرحمة. ولأن هذا هو أهم خبر لنا كبشر أن الله رحمنا سمى البيت كله بيت الغطاء أو مكان كرسي الرحمة.

ولاحظ أن الغطاء مقاسه هو مقاس التابوت تماماً. وإذا كان التابوت يمثل المسيح المتجسد، فهذا يعني أن المسيح وفّى تماماً مطاليب[7] العدالة الإلهية. هذا ما يعنيه نظرة الكاروبين على الغطاء في فرح لأجل الخلاص (1بط12:1 + رؤ8:5-14) فالسماء التي تفرح بخاطئ واحد يتوب نجدها هنا في فرح بسبب الخلاص. الكاروبين هنا أمام عرش الله (كرسي الله) شهود على مراحمه تجاه البشر.

ولاحظ أن الكاروبين أجنحتهما مبسوطة فهم على استعداد دائمً لتنفيذ أوامر الله وقضاؤه ضد الخطاة لكن الدم يؤجل هذا. نجد هنا الرحمة والعدل يتلاقيان. ومن عند كرسي الرحمة كان الله يتكلم مع موسى بدلاً من كلامه معه من على الجبل حيث ارتعب موسى والشعب ولكن على أساس الرحمة يُشْعِرْ الله موسى براحة وسكينة عندما يرى مجده (الشكيناه) راجع (عب18:12-24 + تث16:18). بدم المسيح صار هناك مصالحة (2كو18:5)

 

التابوت:

يسمى بالعبرية "عارون" وهي تعني صندوق وهو أشبه بصندوق خشب سنط مغشى بصفائح ذهبية خالصة من داخل ومن خارج يحيط برأسه إكليل ذهب وفوقه غطاء (الكافورت) والكلمة مشتقة من كافار التي تعنى يغطى ومنها يُكَّفِّر وكما ذُكِرَ فالذهب يمثل اللاهوت والخشب يمثل الناسوت "وكان الكلمة الله والكلمة صار جسداً" (يو1) هذا هو الذهب والخشب. والخشب أيضاً إشارة للصليب فهو مصنوع من الخشب. والمسيح أتى من أجل الصليب وما كان ممكناً أن نتقابل نحن كخطاة إلا عن طريق الصليب، فالصليب هو سر إتحادنا مع الله وهو سبب دخولنا للمقدسات الإلهية. ولنا طريق واحد لهذا أن نقدم أنفسنا ذبيحة ونحمل نحن أيضاً كل منا صليبه ونسير وراءه فنصل للمجد، ونحيا حياة سماوية داخلياً (فالتابوت مغشى بذهب من داخل) وخارجياً (التابوت مغشى بذهب من خارج) ومعنى هذا أن تكون حياتنا في بر وطهارة خارجياً ونشعر داخلياً بالأمجاد التي أعدها لنا الله.

وجود تابوت العهد في قدس الأقداس يعني أن المسيح حملنا فيه إلى داخل أمجاد السماء "أنا ذاهب لأعد لكم مكاناً لأنه حيث أكون أنا تكونون أنتم" وهذا معنى ظهور الرقم ½  في كل أبعاد التابوت. ولاحظ أن الغطاء فوق التابوت. هنا يتحول البشر في السماء إلى مكان يستريح الله فيه ويجلس عليه كما كان يجلس على الشاروبيم (حز1 + مز1:80).

 

الإكليل:

هو حافة على طول الجوانب العليا الخارجية وظيفتها تثبيت وضع الغطاء وأيضاً تعلن أن الرب يسوع نجده مكللاً بالمجد والكرامة. وطالما عروس المسيح متحدة به فهذا يعلن أيضاً أن العروس هناك ستكلل. هذا قمة الرحمة والحب أن نذوق نحن المزدري وغير الموجود الأمجاد (الإكليل).

 

العصوين:

هما أسفل التابوت داخل أربع حلقات ويستعملوا لحمل التابوت وكون العصى أسفل التابوت هذا يجعل بنو قهات حينما يحملونه لا تصيبهم اللعنة ويموتوا إذا لمسوا التابوت بأجسامهم. والحلقات تعنى أن الله ينتقل مع شعبه في كل مكان، لا يتركهم لذلك لا تنزع العصوان ولم ينزعوا سوى في الهيكل فالله لا يرتاح إن لم يريح شعبه أولاً. والعصوان يمثلان حياة الغربة في هذا العالم. لكن في غربتنا هذه فالله لا يتركنا (مت20:28).

 

ارتحال التابوت:

عدد (4) ينزل بنو هرون الحجاب ويغطون به تابوت الشهادة ثم يجعلون عليه غطاء من جلد تخس ويبسطون فوقه ثوباً إسمانجوني، فالتابوت السائر في البرية يرمز لحياة المسيح في العالم. والحجاب هو رمز لجسد المسيح (عب20:10) أي شخص ابن الله في ناسوته. وجلد التخس للوقاية فهو يحمي من شرور العالم، والإسمانجوني لأن حياته سماوية. وكان الشعب في حركته يتقدمهم عمود السحاب نهاراً وعمود نار ليلاً وكان متى حملوه يقال "قم يا رب فلتتبدد أعداؤك ويهرب مبغضوك من أمامك" وعند حلوله كان يقول "إرجع يا رب إلى ربوات ألوف إسرائيل" (عد33:10-36) وعندما عبر الشعب نهر الأردن حملوا التابوت أمامهم فإنشق النهر (يش14:3-17).

 

تابوت الشهادة:

هو أحد أسماء تابوت العهد فداخل تابوت العهد نجد لوحي الشهادة. واسم الشهادة ليكونا شهادة مستمرة لكونهما من الله ولوعد الشعب أنهم يطيعوا أقوال الله. وكلمة شهادة هي كلمة عبرية تحمل معنى التأكيد، فإن شهادات الله تحمل صفاته وإرادته وأغراضه التي تضمنتها الكتب المقدسة. والمسيح جاء ليشهد للآب. وكانت الشهادة في قلبه أما نحن فقد أنحرفنا عنها، لذلك فهو لم يصنع خطية راجع (مت2:15،3 + لو27:2 + يو34:4، 38:6، 29:8،46). ووجود الكاروبين شهادة على قيمة عمل الكفارة وكما كان هناك ملاكين للشهادة عن القيامة فهنا ملاكين كاروبين للشهادة أن ثمن الخطية قد دفع وأنه لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع.. (رو1:8) ولكن بقية الآية "السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح. فالكاروبيم شهود علينا الآن هل نسلك حسب الجسد أم بحسب الروح بعد أن اشترانا المسيح بدمه.

والتأمل في عمل المسيح لنا بصليبه يبعث فينا مشاعر الحب ومن يحبه يحفظ وصاياه بل تكتب وصاياه على قلبه لا على ألواح حجرية. (أر33:31 + حز26:36 + رو5:5) ووجود الغطاء من خارج ولوحي الشهادةمن داخل يشير لعدل الله ورحمته في وقت واحد. وتصوَّر عدم وجود الغطاء لظهر لوحي الشهادة يدينون العالم كله فلا يوجد من لم يكسر وصية ويستحق اللعنة (يع10:2). لذلك يوجد من قال أن موسى قد كسَّر لوحي الشريعة حين إغتاظ من خيانة الشعب حتى لا يكونا شاهدين على الشعب ويموت الشعب بسبب خطيته فبدون ناموس لا يوجد تعد (رو3:4) وظل لوحي الشهادة والناموس يحكمان علينا بالموت ويدينوا كل البشرية حتى جاء المسيح الذي حفظ الشهادة في قلبه وقدم كفارة (غطاء) لكل خطايانا.

ولكن لوحي الشهادة لهم نظرة أخرى فالله لم يعطنا الشريعة كنوع من التحريم والتجريم والتحكم ولكن لأن الله يعلم أن الالتزام بهذه الوصايا هو السبيل الوحيد حتى يحيا الإنسان لذلك في (حز11:20،12) فالله أشار هنا فقط كتدليل على محبته أنه أعطاهم الوصايا والسبت فمن يلتزم بها يحيا. إذاً لوحي الشهادة هم شهود أننا بعد أن تركنا الله لم يتركنا هو "بل أعطانا الناموس عوناً" كما يقول القداس الغريغوري حتى لا نهلك. كان الناموس مؤد بنا إلى المسيح (غل24:3).

 

صنعة خراطة:

أي ليس بالسبك ولا بالطرق. ولكنهم صنعوا كتلة واحدة ثم صوروها بالإزميل والآلات الموجودة وقتئذ. إذاً كان الغطاء واحداً مع الكاروبيم علامة على وحدة هذه المخلوقات السمائية الملائكية بالله. وكان الله يريد أن يكون الإنسان أيضاً في وحدة معه لكن بسبب الخطية حدث الإنفصال وجاء المسيح ليصيرنا واحداً مرة أخرى (يو21:17) ومن هناك كان الله يكلم موسى أي على أساس الوحدة.

 

ماذا في داخل التابوت:

يذكر بولس الرسول في (عب4:9) أن تابوت العهد كان يحوي لوحي الشريعة وقسط المن وعصا هرون التي أفرخت وفي (خر21:25) لا نجد سوى لوحي الشريعة وهذا يعني أن عصا هرون وقسط المن أضيفا للوحي الشريعة بعد ذلك ولكنهما لم يكونا هناك طول الوقت. ولنرى كيف يشير كل هذا لعمل المسيح.

1.     لوحي الشريعة: فلكوننا عجزنا عن أن نلتزم بالناموس جاء المسيح الذي حفظ هذه الشريعة في قلبه وحفظها هو. ومن يثبت فيه لذلك يثبت ويخلص، ولذلك يطلب المسيح أن أثبتوا فيّ وأنا فيكم. ومن يثبت فيه يحيا.

2.     قسط المن: يشير للمسيح الذي قدم نفسه لنا لنأكله ونحيا به.

3.     عصا هرون: هي تمثل البشرية بدون المسيح، ميتة لا رجاء فيها، وبالمسيح صار لها حياة.

إذاً التابوت يرمز للمسيح ويرمز للكنيسة التي هي جسده الثابت فيه فيصير له حياة والتابوت يشير للعذراء فهي أم الكنيسة وهي التي حوت المسيح بلاهوته في بطنها وهي عصا هرون التي أفرخت بدون زرع بشر. وتسربلت بمجد اللاهوت داخلها (الذهب من داخل) وكان حياتها مثمرة وبارة وقديسة (ذهب من خارج) وكما رقص داود أمام تابوت العهد هكذا ارتكض الجنين بابتهاج في بطن إليصابات حينما زارتها العذراء مريم، التابوت الذي يحمل المسيح داخله.

وكل ما في التابوت أيضاً شاهد على كسر وصية أو مخالفة (لوحي الشريعة) وعلى العجل الذهب. وطاس المن يشير لتذمرهم في الصحراء. وعصا هرون تذكرهم بتمرد قورح "خطيتي أمامي في كل حين"

إذاً كان كل ما في التابوت يذكر بخطية أي شاهد على خطية. لكن شكراً لله فهو غطى على كل خطية بدمه وإعطانا المن الحقيقي جسده ودمه فصارت فينا حياة مقامة بدلاً من الموت ووهبنا روحه القدس يعيننا على حفظ الوصية.

ولاحظ أن العصا التي أفرخت تشير للقيامة من بعد الموت ولذلك فحينما أفرخت العصا أفرخت لوزاً واللوز هو أول الثمار والمسيح باكورة الراقدين (1كو20:15).

 

تابوت العهد والمذبح في الكنيسة:

·        وعاء المن يشير له الجسد والدم على المذبح والوعاء يشير للصينية والكأس.

·        عصا هرون يشير لها الصليب على المذبح فبدون عمل الصليب لا حياة.

·        الكاروبيم يشير لهم وجود شمعدانين حول الذبيحة.

·        وعصا هرون التي أفرخت تشير للكاهن فهي تشير للكهنوت المعين من قبل الله (عب4:5).

·        لوحا العهد تشير لهما البشارة أي الإنجيل الموضوع دائماً على المذبح حاملاً بشارة الخلاص التي نتقبلها خلال العمل الذبيحي الذي يغفر الخطايا ولكن طالما ذكرنا غفران الخطايا فلا غفران خطية لمن لا يعترف فمن يكتم خطاياه لا ينجح (أم13:28 + مز3:32،5).

 

تأملات:

·        لا يوجد أي مصدر للضوء داخل قدس الأقداس، فهو يمثل السماء وفي السماء وهناك لا توجد شمس لأن الرب الإله ينير (رؤ5:22). فقدس الأقداس رمز لعرش الله في السماء. لذلك فالنور الوحيد داخل قدس الأقداس هو نور الشكينه.

·        أما القدس فيشير للكنيسة في غربة هذا العالم، يشير لجسد المسيح خلال رحلة غربته. ولدخول القدس يلزم المرور من باب الخيمة = المسيح هو الباب.

·        مذبح المحرقة= الإيمان بصليب المسيح.

·        المرحضة = التوبة لغفران الخطية، والمعمودية أولاً.

ولا يدخل القدس سوى الكهنة أي المؤمنين الذين لهم الكهنوت العام الذين يقدمون ذبائح روحية، صلوات وتسبيح ويقدمون أنفسهم ذبائح حية.

·        أما الدار الخارجية فتشير لمن دخل المسيحية لكنه لا يريد أن يدخل للأعماق واكتفى بالقشور راجع (رؤ1:11،2).

·        وجد ثلاث أبواب في الطريق إلى قدس الأقداس وكل باب يشير للمسيح الذي قال لا أحد يأتي إلى الآب إلا بي (يو6:14).

·        ان رئيس الكهنة ينضح من دم الكفارة سبع مرات للغرب ومرة واحدة للشرق (لا14:16). والغرب إشارة للأقداس الأرضية وهذه تحتاج لتكرار الرش حتى يتأكد الشعب من كمال الغفران (7مرات). والشرق يشير للأقداس السماوية الحقيقية وهذه لا تحتاج للرش إلا مرة واحدة وهكذا فعل المسيح بدخوله للأقداس السماوية مرة واحدة (عب12:9).

·        كان لا يمكن إلا لرئيس الكهنة أن يدخل إلى قدس الأقداس سوى مرة واحدة يوم الكفارة ومن دخل غير ذلك يموت. وكان يحجب قدس الأقداس الحجاب الذي هو رمز لجسد المسيح. لذلك وقت أن صلب المسيح على الصليب تمزق الحجاب وصار قدس الأقداس مفتوحاً لنا جميعاً.

 

حجاب الهيكل الأرثوذكسي:

هو مغلق دائماً إن لم يكن هناك صلاة وهذا ليس إعلاناً عن أن السماء مغلقة!! إنما حين يفتحه الكاهن يكون ممسكاً بصليبه إعلاناً أن بالصليب فتح الحجاب. هذا جمال الطقس القبطي.

 

ترتيب ذكر القطع كما جاء بالكتاب المقدس:

يبدأ بالتابوت حيث قدس الأقداس الذي يشير للسماء، هناك الله على عرشه وفي مجده. ثم نجد المسيح يعبر الهوة السحيقة التي تفصل بين السماء والأرض، ثم يأتي ذكر المائدة ليشير لأن المسيح أتى لتكون لنا شركة معه. ثم يأتي دور المنارة لتشير أن المسيح أرسل روحه القدوس كسر إستنارة لنا. كل ذلك ليحملنا فيه، بعد أن نكمل رحلة غربتنا على الأرض، ليدخل بنا للأقداس السماوية.

الآيات (23-30): "وتصنع مائدة من خشب السنط طولها ذراعان وعرضها ذراع وارتفاعها ذراع ونصف. وتغشيها بذهب نقي وتصنع لها إكليلاً من ذهب حواليها. وتصنع لها حاجباً على شبر حواليها وتصنع لحاجبها إكليلاً من ذهب حواليها. وتصنع لها أربع حلقات من ذهب وتجعل الحلقات على الزوايا الأربع التي لقوائمها الأربع. عند الحاجب تكون الحلقات بيوتا لعصوين لحمل المائدة. وتصنع العصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب فتحمل بهما المائدة. وتصنع صحافها وصحونها وكأساتها وجاماتها التي يسكب بها من ذهب نقي تصنعها. وتجعل على المائدة خبز الوجوه أمامي دائماً."

مائدة خبز الوجوه:

أبعاد المائدة 2 × 1 × ½1 ذراع


هي من خشب مغشى بذهب إذاً هي تشير للمسيح المتجسد، الذي قدم نفسه بصفته خبز الحياة من يأكله يحيا (يو6). ولاحظ الطقس. أن الكهنة يضعون الخبز ساخناً على المائدة يوم السبت ويبقى أسبوعاً ويأتي الكهنة بخبز ساخن جديد يوم السبت التالي ليضعوه على المائدة ويأكلوا الخبز الذي كان موضوعاً. فمن هو هذا الخبز الذي يوضع على المائدة الذي يقدمه الكهنة ثم يأكلونه إلا المسيح.

كلمة مائدة في العبرية SHULMAN مشتقة من الفعل يرسل أو يمد ومن نفس المصدر اشتقت كلمة سلوام SILOAM أي مرسل (يو9) فهو المرسل الذي أرسله الآب ليجمعنا (أف4:2-6). وهذه المائدة هي مكان يوضع فيه الخبز وراجع (مز23) "هيأت قدامي مائدة تجاه مضايقي" + (يو32:6).

الأبعاد 2 × 1 × ½1 = 2 × 1 × 2/3 = 4 : 2 : 3.

رقم 4 هو كل العالم ورقم 2 يشير للتجسد ورقم 3 يشير للإعلان الإلهي. فشركة جسد المسيح أي التناول هي لكل إنسان وهي تعطي لمن يتناول إعلان إلهي به نعرف الله. فالتناول يعطي حياة. والحياة هي معرفة "وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحي ويسوع المسيح الذي أرسلته. وفي السماء، من يغلب ويصل للسماء سيأكل من شجرة الحياة ومن المن وهذا يعني أن في السماء الله سيعطينا أن نعرفه ومعرفته هي ستكون لنا حياة، فالمعرفة هي اتحاد مع المسيح. (في9:3،10) "وأوجد فيه.. لأعرفه"

 4 : 2 : 3 = التجسد هو شركة بين الله وبين العالم

 2         :        3   :    4

 

خبز الوجوه:

ويسمى خبز الحضرة والترجمة الحرفية للكلمة العبرية خبز الوجه وهذا يشير إلى وجود الخبز أمام الله وفي حضرته. كأن الله ملتزم بإشباع شعبه. لذلك كان عدد الخبز 12 بعدد أسباطهم وكأن الله ملتزم بإشباع ال12 سبطاً طوال ال12شهراً أي إشباع الكل دائماً ولذلك يسمى الخبز الدائم. راجع (رؤ2:22) وكان يقدم بلا إنقطاع فهذا عهد دائم بين الله والشعب (لاحظ نفس الشيء فنحن نعطى لله والله هو الذي أعطانا لنعطيه). ويسمى الخبز المقدس، لأن الذي يأكله هم الكهنة المقدسين للعمل ويأكلونه في الخيمة يوم السبت (يوم الراحة) فهو لا يشير للشبع الجسدي بل لشبع روحي يليق بحياة القداسة. وهو يؤكل يوم الراحة لذلك يشير أو يخص الراحة الأبدية (رؤ7:2،17:2)         

ورقم 12 يشير للأسباط وللتلاميذ أي لشعبه أو للكنيسة. إ      ذاً هذا الخبز هو جسده الذي يعطيه للكهنة ليأكلوه. وعموماً فالمائدة تشير للشركة. فهنا نجد أن للمؤمنين شركة مع الله في لذته وشبعه بإبنه الوحيد (1يو3:1). فالله لا يريد فقط أن يقيم وسط شعبه بل أن يجعل بيته وليمة. وحيث أنه يقدم جديداً دائماً فهذا يشير أنه دائما لنا جديد في المسيح. وأما اللبان فهو إشارة لرائحة المسيح الذكية.

طقس الدقيق: (لا5:24-9) يصنع يوم السبت حيث لا يجوز أي عمل. لذلك هو يشير للخبز السماوي الذي ليس من هذا العالم أي المسيح نفسه.

تقديمه ساخناً: إشارة لقلبه الملتهب حباً لإشباعنا.

كان الخبز يوضع في صفين: رقم 2 يشير للشهادة فهذا الخبز شهادة بمحبة الله. وراجع (1كو16:10،17) فإننا نحن الكثيرين خبز واحد جسد واحد لأننا جميعنا نشترك في الخبز الواحد. إذاً نحن في المسيح خبز واحد.

العصوين: إشارة لأن المسيح معنا دائماً كخبز سماوي.

المائدة لها إكليلان ذهب وحاجب على شبر حواليها: الحاجب هو حائط أو سور يحيط بالمائدة. فالله هو سور وحصن لشعبه. وهو شبر إشارة ليد الله التي تحفظ شعبه. قارن مع (حز15:42-20) فالله يحيط بشعبه ويحفظهم من العالم الخارجي، من الذين يحاولون أن يعتدوا على شعبه وقارن مع (زك5:2) فهذه اليد قوتها لا نهائية ونعمتها لا نهائية وتعطي بسخاء ولا تعير.

والإكليل ليحمي الخبز من السقوط. ولكونه إكليل فهو يشير للمسيح في مجده (عب9:2 + يو4:17،5) لذلك الإكليل كله من ذهب فهو يشير لمجد المسيح الأزلى قبل تجسده والإكليل الآخر يحفظ شعب المسيح في علاقة معه هو إكليل للحاجب.

إكليل منهم يشير للمسيح في مجده الأزلى والأخر يشير للمسيح الذي في طاعته أتى وأكمل عمله وأتى بالبشر الذين كانوا قد تمردوا على الله، هو مجد نعمته المتمثل في أرغفة الخبز التي وحدنا بها فيه فأمسك بنسل إبراهيم (عب16:2) وسيج حوله حتى لا يخطفهم أحد منه (يو28:10). والحاجب يذكرنا بأن نمتحن أنفسنا قبل أن نقترب لنأكل (1كو28:11)

وكانت الصحاف تستخدم في إحضار الخبز إلى المائدة ورفعه عنها. أما الصحون ففيها البخور (لا7:24) ويوضع في الكاسات الخمر للتقدمة. وتستخدم الجامات في صب الخمر. والأدوات كلها ذهب. أي لا يمكن التمتع بالبركات الروحية إلا بالروح القدس فالذهب هنا يرمز للروح القدس الذي يأخذ مما للمسيح ويخبرنا.

والسكيب يشير لسكب حياته ودمه على الصليب فكان موضع سرور وفرح الآب.

 

قوس نصر تيطس بروما:

وجدوا منقوشاً عليه شكل المنارة والمائدة وصحافها وقد نقشهم تذكاراً لانتصاره سنة 70م ومن هذه الأشكال تصورنا أشكال القطع.

الآيات (31-40): "وتصنع منارة من ذهب نقي عمل الخراطة تصنع المنارة قاعدتها وساقها تكون كأساتها وعجرها وأزهارها منها. وست شعب خارجة من جانبيها من جانبها الواحد ثلاث شعب منارة ومن جانبها الثاني ثلاث شعب منارة. في الشعبة الواحدة ثلاث كأسات لوزية بعجرة وزهر وفي الشعبة الثانية ثلاث كأسات لوزية بعجرة وزهر وهكذا إلى الست الشعب الخارجة من المنارة. وفي المنارة أربع كأسات لوزية بعجرها وأزهارها. وتحت الشعبتين منها عجرة وتحت الشعبتين منها عجرة وتحت الشعبتين منها عجرة إلى الست الشعب الخارجة من المنارة. تكون عجرها وشعبها منها جميعها خراطة واحدة من ذهب نقي. وتصنع سرجها سبعة فتصعد سرجها لتضيء إلى مقابلها. وملاقطها ومنافضها من ذهب نقي. من وزنة ذهب نقي تصنع مع جميع هذه الأواني. وانظر فاصنعها على مثالها الذي اظهر لك في الجبل."

المنارة:

المنارة هي المصدر الوحيد للإضاءة داخل القدس. وحيث أنها من ذهب خالص فهي لا تشير للمسيح بل للروح القدس. فهنا لا يوجد خشب سنط. إذاً لا إشارة للتجسد ففي المائدة رأينا الشركة في جسد المسيح وفي المنارة نجد الروح القدس يعطي استنارة لذلك فطقس كنيستنا الرائع يحدد قراءة فصل المولود أعمى يوم عيد أحد التناصير فالمعمودية وبعدها الميرون يعطي استنارة ويفتح الأعين لتدرك أسرار السماويات.

 

الكأسات والعجر والأزهار:

غالباً هي ثلاثة أجزاء لنبات اللوز. والأجزاء الثلاثة هي برعم النبات (أي وهو يبدأ في النمو) ثم الزهرة ثم الثمرة. في شكل عنقود واحد. وبالتالي فالمنارة تصبح كأنها شجيرة لوز. وهي تشير للحياة المقامة من الأموات. وقد رأينا في (عد8:17) عصا هرون وقد أفرخت الثلاث أشياء (فروخاً وزهراً ولوزاً أي نفس مراحل الحياة لشجرة اللوز الموجودة في المنارة) والعصا مقطوعة من شجرة إذاً هي ميتة. وهذه العصا قد أفرخت، أي الموت تحول إلى حياة، وهذا دليل الحياة المقامة. ولاحظ أن كل فرع به 3 وحدات وكل وحدة تشتمل على الكأس والعجرة والزهرة. ورقم 3 يشير للقيامة، قيامة المسيح من بين الأموات بعد أن كان قد قطع من أرض الأحياء (أش53). ورقم 3 هو رقم الأقنوم الثالث فهو الذي يعطي الحياة الآن لكل من مات بالخطية.

وكلمة لوز في العبرية تعني المستيقظ WAKEFUL أو يقظ أو أرق وتعنى أيضاً المتعجل HASTENER أو المسرع فهي أول شجرة تستيقظ بعد الشتاء وتظهر براعمها في شهر يناير. والمسيح يسميه بولس الرسول باكورة الراقدين (1كو20:15) ولاحظ أن عمل الروح القدس أن يجعلنا في حالة يقظة.

والثلاث المراحل تشير لعمل الروح القدس في الأحداث والشباب والرجال (1يو13:2) أو لثلاث مراحل النضج الروحي. ومعنى ظهور الثلاثة مراحل معاً شاملة عدم النضج وشاملة الثمر والزهر يشير أن الروح يعمل في الجميع ويعمل على نمو الجميع، فحتى المسيح كان ينمو في القامة والحكمة والنعمة. فعدم النضج في مفهومنا يعني النقص. ولكن في مفهوم الله أنه مرحلة تعقبها مرحلة حتى يكون للشخص ثمار في حالة نضجه والروح القدس له ثمار (غل22:5). وأيضاً لأن شجرة اللوز تعنى التيقظ فعلى كل مؤمن أن يظل في حالة سهر على خلاص نفسه حينئذ سيكون لهم ثمر.

 

لا مقاسات للمنارة

لأن المنارة تشير للروح القدس والروح القدس لم يتجسد فلا تعطى أبعاد للمنارة هكذا للمرحضة وهكذا للغطاء، إلا أن الغطاء له بعد واحد فقط معطى وهو ½ 2 × ½ 1 ليشير أن المسيح بعمله الفدائي استوفى المطالب الإلهية. وهي قد صنعت من وزنة واحدة من الذهب أي حوالي 4كجم صنعة خراطة.

 

الفتائل والأسرجة

هي إشارة للمؤمنين الأواني البشرية الضعيفة التي يستخدمها الروح القدس ليظهر نور المسيح "ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا" (2كو7:4) ولكي يظهر النور فلابد من وجود فتائل "أنتم نور العالم". وكانت الأدوات المستخدمة هي الملاقط وهذه تستخدم في إصلاح فتائل المنارة والمنافض كانت توضع فيها الأشرطة أو الفتائل المحترقة. والأدوات كلها ذهب فهي تشير لأن العمل هو عمل الروح القدس وكان عمل هرون هو إيقاد السرج السبعة والاعتناء بها. وهرون رمز للمسيح وهنا نرى كيف أن عمل الروح القدس مرتبط بعمل المسيح على الأرض وبعمله في السماء وأيضاً نرى أن العناية والرعاية الكهنوتية لازمة لخدمة أولاد الله. والمؤمن حين يحترق لينير للآخرين يصير فتيلة في سراج منير. ولاحظ عمل الخدمة في إزالة ما احترق وتجديده حتى يستمر في عمله كنور للعالم "يجدد كالنسر شبابك".

ولاحظ أنه لم يذكر أية أداة لإطفاء السرج فالله يريد أن يكون النور دائم والله لا يطفئ حتى الفتيلة المدخنة (مت20:12). إذاً عمل الخدمة هو لحفظ نور الفتائل (المؤمنين) لامعاً. ولاحظ أن الفتائل التي تحترق تجمع أيضاً في أواني ذهبية. لذلك فحين مات العازر الفقير حملته الملائكة ونحن نصلي في صلاة الغروب للعذراء بقولنا "وعند مفارقة نفسي من جسدي احضري عندي" هذا عن نفس الإنسان، لكن حتى أجسادنا حين تموت فالله يهتم بها. وتنقية الفتائل يتمشى مع قول المسيح كل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر. والفتائل لا تضئ من نفسها بل هي تنقل الزيت خلال فتائلها فالفتيلة لو تعرضت للنار وحدها لاحترقت. ولكن وجود الزيت هو الذي يجعلها تنير. فالمؤمن هو مجرد قناة توصل لكن الفتيلة المحترقة تشير للإعجاب بالذات. والمقصود الفتيلة التي بلا زيت، أي إنسان غير مملوء من الروح القدس.

 

النور:

النور يذكرنا بالله الذي أوجده كأول أعمال خليقته (تك3:1) والمسيح كان نوراً للعالم يضئ وسط الظلمة (أش2:9 + 6:42 + 6:49) والمسيح جعلنا نوراً للعالم. والكنائس في سفر الرؤيا ظهرت كسبع منائر فالروح القدس يعمل فيها ليجعلها تنير للعالم. والكنيسة كانت تصلي القداس في وجود أنوار كثيرة (أع8:20) والكنيسة تضع شموع أمام صور القديسين فهم بالمسيح صاروا نوراً للعالم والشمعدانات تشير للملائكة النورانيين. والكاهن في صلاة عشية ورفع بخور باكر يبارك الشعب بصليب وثلاث شمعات وأثناء الإنجيل تضاء كل أنوار الكنيسة ويقف حول الإنجيل اثنين من الشمامسة يمسكون بشمعة مضيئة. ولاحظ أن المنارة وحدها هي التي كانت تضئ داخل القدس فلا يوجد نور غريب في الداخل بل الروح القدس وحده سر الاستنارة. وهذا النور الداخلي يسطع على الذهب (الألواح الذهبية) وعلى الشقق الملونة فيظهر جمالها ويسطع على المائدة ويجعلها تبرق بلمعان ذهبي. وهذا كله له معنى واحد أن نور الروح القدس أو أن الاستنارة التي يعطيها الروح القدس تجعلنا نمجد المسيح ونراه كإله سماوي (ذهب) ونرى حياته النقية وفداؤه وملكه (الشقق الملونة) فنحبه ونمجده ونراه في شركته معنا (المائدة). أي نرى مجد المسيح ومحبته وعظمته في نور واستنارة الروح القدس. فالمنارة إذاً هي النور الإلهي الكامل بقوة الروح القدس في القدس. وهي تشير لكمال ونور وتأثير الروح القدس المؤسس على عمل المسيح الكامل والمقترن به اقتراناً تاماً. ولاحظ أن ذكر المنارة جاء بعد ذكر المائدة فالروح القدس لم يعطي إلا بعد أن تمجد يسوع (يو39:7) وكان يستعمل للإضاءة زيت نقي جداً والزيت إشارة للروح القدس الذي مُسِحَ به المسيح (أش1:61 + 2كو21:1،22).

 

سبعة سرج:

المنارة مكونة من 6 شعب + ساق (به شعبة) + قاعدة. الكل سبع أسرجة والسبعة سرج تشير لعمل الروح القدس الناري الذي يضئ ويلهب الكنيسة بنار الحب الإلهي. عاملاً في أسرارها السبعة. بل وفي كل عمل روحي تمتد إليه الكنيسة لكي يعيش المؤمنين في استنارة دائمة. وفي (رؤ1:3) نسمع أن المسيح له سبعة أرواح الله هذا يشير لعمل الروح القدس الكامل في المسيح فرقم 7 يشير للكمال.

(أش2:11) يحل عليه روح الرب/ روح الحكمة والفهم/ روح المشورة والقوة/ روح المعرفة ومخافة الرب. هنا السبعة أرواح المذكورة على نسق تركيب المنارة الذهبية. أي ساق رئيسية وثلاث مجموعات زوجية والساق هنا تمثل المسيح الذي حل عليه الروح القدس أقنومياً (روح الرب)

روح الحكمة والفهم: الحكمة هي المعرفة وهي مرتبطة بالفهم أي بالحكم الصحيح وكلمة فهم في أصلها تعني إفراز أي تمييز الغث من الثمين (هذا يمثل حلول الروح على المسيح ثم على الكنيسة)

روح المشورة والقوة: كلمة مشورة تعنى أن الإنسان يكون قوي يستطيع أن يسيطر ثم يعطي النصيحة والمسيح كان يعلم بسلطان (هذا يمثل حلول الروح على المسيح ثم على الكنيسة)

روح المعرفة ومخافة الرب: المعرفة التي بها حاول الإنسان أن يعرف بالإنفصال عن الله كانت مدمرة. والإنسان يحتاج أن يعرف لكن ليس بالإنفصال عن الله لأن هذه هي الخطية فالإنفصال وعدم الطاعة نتيجتهما عالم مخرب. أما الحكمة الحقيقية فهي من الله (1كو20:1) والحكمة العالمية سدت منافذ حكمة الله (1كو21:1) وكبرياء الإنسان يطرد مخافة الله. أما خوف الله هو بدء الحكمة (أم57:1) وسقوط آدم كان نتيجة أنه ظن أنه يريد أن يعرف مثل الله. ولننظر للمسيح الذي يعرف كل شئ ولكنه يطيع الآب حتى الموت.

ولاحظ رقم 7 = 6+1 = الإنسان الناقص + المسيح والروح يحل على المسيح وكنيسته.

وكانت سرجها لتضئ إلى مقابلها وبمقابلة (35:26 مع 24:40) نجد أن المنارة مقابل المائدة وربما يشير هذا لأن المنارة تضئ للمائدة لتظهر أن المسيح هو سر الشبع الحقيقي. أو أن الأسرجة تضئ للساق وهنا رأى بأن كل سراج له فتحتان واحدة للفتيلة والأخرى ليملأ منها الزيت. والمطلوب أن تكون الفتائل كلها في اتجاه الساق. والساق يرمز للمسيح. إذاً المقصود إعلان مجده.


 

الإصحاح السادس والعشرون

الآيات (1-6): "وأما المسكن فتصنعه من عشر شقق بوص مبروم وإسمانجوني وأرجوان وقرمز بكروبيم صنعة حائك حاذق تصنعها. طول الشقة الواحدة ثمان وعشرون ذراعاً وعرض الشقة الواحدة أربع اذرع قياساً واحداً لجميع الشقق. تكون خمس من الشقق بعضها موصول ببعض وخمس شقق بعضها موصول ببعض. وتصنع عرى من إسمانجوني على حاشية الشقة الواحدة في الطرف من الموصل الواحد وكذلك تصنع في حاشية الشقة الطرفية من الموصل الثاني. خمسين عروة تصنع في الشقة الواحدة وخمسين عروة تصنع في طرف الشقة الذي في الموصل الثاني تكون العرى بعضها مقابل لبعض. وتصنع خمسين شظاظاً من ذهب وتصل الشقتين بعضهما ببعض بالأشظة فيصير المسكن واحداً."

 

الشقق الملونة:

Text Box:  


تتكون الخيمة من 48 لوح مقسمة إلى 3 جوانب 20،8،20 لوح وطول اللوح 10 أذرع. وسنأتي لطريقة تثبيتها في الأرض، وتثبيتها معاً. وتغطى هذه الألواح بالشقق الملونة. وحيث أن محيط المبنى 10+10+10=30 ذراع فهذا يعني أن الشقق لن تغطي ذراع من الألواح من كل ناحية. 

Text Box:  

  


 

أما طول الشقق وهو 40 ذراع فيكفي تماماً لتغطية المسكن فطول المسكن 30 ذراع وارتفاع المسكن 10 أذرع. والشقق الملونة تغطى المسكن كله أي كل الألواح وتترك المدخل. وبالتالي تتدلى هذه الشقة على ألواح المؤخرة وتغطيها تماماً. أما ألواح الأجناب العشرون فيتبقى منها ذراع غير مغطى.

ويأتي فوق الشقق الملونة شقق أخرى من شعر المعزى.

ويأتي فوق شقق شعر المعزى غطاء من جلود كباش محمرة.

ويأتي فوق غطاء جلود الكباش المحمرة غطاء من جلود تخس وهو الخارجي.

إذن يغطي المسكن أربعة طبقات من الشقق والأغطية والأخيرة للحماية من الشمس والمطر.

 

أبعاد الخيمة كلها بالذراع:

والذراع يقاس من الكوع إلى الإصبع الأوسط. إذاً وحدات القياس مأخوذة بحسب جسدنا البشري فالله ليس إلهاً غامضاً بل يريد أن يعلن كل شئ للبشر، ولأن الخيمة تشير للمسيح المتجسد. ولكن على قدر ما يحتملون. والذراع بالعبرية AMMAH ومعناها ذراع الأم فهذه الخيمة تشير للمسيح المتجسد من العذراء الأم. والذراع يساوي 45سم تقريباً.

الشقق الملونة تحيط بالمسكن:

ولاحظ أن الشظاظ الذهبية تأتي فوق الحجاب. فطول القدس 20ذراع وطول الشقق اليسرى 20 ذراع.

 

كل مجد ابنة الملك من داخل:

ماذا يرى الكاهن الواقف داخل القدس؟ حينما ينظر يميناً أو يساراً يرى الألواح الذهبية وإذا نظر لأعلى يرى الشقق الملونة ونور المنارة يسطع على القطع الذهبية أي المائدة ومذبح البخور والألواح الذهبية. والشقق محلاة برسم الكاروبيم فالملائكة والبشر مجتمعون في وحدة لتسبيح الله الواحد الذي يحبونه كلهم. وراجع معنى الألوان والمواد في مقدمة الدراسة. والشقق هي كتان أبيض مطرز بألوان.

 

معنى الأرقام:

الشقق الملونة هي 10 شقق مقسمة لخمسة وخمسة وكل خمسة موصولة معاً وتسمى كل خمسة موصَّل، وغالباً طريقة وصلهم عادية أي بحياكتهم بالإبرة. وتصبح الأبعاد النهائية للشقق 28×40ذراع.

ورقم (5) يشير لطاقة البشر ومسئوليتهم (5 أصابع في كل يد وفي كل رجل). وإجمالي عدد الشقق 10أيضاً كمثل إجمالي عدد الأصابع. ولذلك فالوصايا عشر والوصايا هي المسئولية الكاملة للبشر (لا ننسى أن رقم 5 يشير أيضاً للنعمة فهناك النعمة التي تعين الإنسان على حفظ الوصية.)

والوصايا كانت على لوحين. الأول يمثل الالتزام نحو الله والثاني ما هو نحو الإنسان وهكذا مجموعتي الشقق فهم يشيران لعمل المسيح تجاه الله (اللوح الأول) وعمله تجاه الإنسان (اللوح الثاني). فهو كان طعامه أن يصنع مشيئة الآب الذي أرسله. لذلك قال عنه الآب "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" فهو كان الكمال المطلق للإنسان أمام الله. وأيضاً هو كان الكمال المطلق لله تجاه الإنسان فهو الذي أطاع حتى يقدم للبشر حباً عجيباً. ونجد هذا التقسيم في الشقق فالشقق تنقسم لموصلين مرتبطين ب50شظاظ والأشظة تأتي فوق الحجاب تماماً والموصل الأول يغطى قدس الأقداس بمعنى أن خمس شقق تعبر عن عمل المسيح وطاعته أمام الآب والموصل الثاني يغطى القدس أي الكنيسة في هذا العالم. إذاً فهو يعبر عن التزام المسيح من نحو الكنيسة جسده أو تجاه الإنسان عموماً. فهو أطاع كل الوصايا بكمال إنساني مطلق. وكل الشقق لها نفس المقاس فكمال المسيح كان قياسي في كل الاتجاهات. أما الإنسان العادي فقد يطيع وصية ما ولا يطيع وصية أخرى. وحينئذ يسمع من أخطأ في واحدة فقد صار مجرماً في الكل (يع10:2) والشقتين تم جمعهم بجانب بعضهم بواسطة شظاظ على التوازي فهو كان يطيع إرادة الآب في حب كامل له وللإنسان على التوازي (1يو21:4). وكانت الشظاظ 50

50= 2×5×5 فهو تشديد على أن المسيح تحمل المسئولية كاملة نحو الله والناس.

50= 10×5 و10 هي الوصايا و5 هي المسئولية فهو أطاع وبلا خطية وتحمل المسئولية تماماً.

 

الشظاظ والعرى:

الشظاظ هي مثل الأزرار التي تربط في عرى أكمام القميص وهي من ذهب والعرى من إسمانجوني وهي تشير للمسيح فكل حياته ظاهر فيها طابعه السماوي الذي يلفت حتى غير المؤمنين. فهو كان السماوي الذي وضع نفسه تحت أمر الآب كخاضع له ووضع نفسه في خدمة البشر. علامة السماء كانت عليه دائماً هو من السماء وذهب للسماء وتصرفاته سماوية.

والشظاظ من ذهب وعددها 50 فهي تشير للروح القدس الذي حل يوم الخمسين وهو ذهب لم يدخله خشب فالروح القدس لم يتجسد. وهذه الشظاظ تقع فوق الحجاب مباشرة فعمل الروح القدس مبنى على عمل المسيح فالحجاب هو جسد المسيح (عب20:10) والروح القدس هو المفاصل التي تربط جسد الكنيسة (أف22:2،4:4،16 + كو19:2) فالروح القدس الذي جسَّد المسيح في بطن العذراء هو مازال يجمع جسده ويربط بينه ونجد أن أصل كلمة شظاظ في العبرية تعنى الصداقة والرفقة. فهنا نجد الوحدة في مخافة الله أي الوحدة بين الشقتين أو الموصلين (مز11:86). والكنيسة التي جمعها الروح القدس هي من الأمم واليهود، سمائيين وأرضيين هو جعل الاثنين واحداً. ولاحظ أن الكهنة وحدهم هم الذين يروا الشقق الملونة والجمال من الداخل أما من هم من خارج فلا يرون إلا جزء من شقق شعر المعزى الأسود وأغطية الجلد. والكهنوت العام الآن هو لمن يقدم نفسه ذبيحة حية ويقدم ذبائح التسبيح والشكر، هذا يعاين الأمجاد الداخلية لذلك يقول يوحنا رأينا مجده (يو14:1) وراجع (مز45).

 

أبعاد الشقق 28 × 40 ذراع :

وكل شقة 28 × 4 ذراع (الذراع يشير لتنازل ابن الله وإعلان ذاته بطريقة ندركها كبشر).

رقم 28 = 7×4 هو المسيح الكامل حينما أتى ليعيش في العالم ويبذل نفسه عنه.

28 × 4 هي طريقة حياة المسيح في العالم فهو أتى وصار في ضعف مثل سائر البشر وهو الذي أطعم 5000 جاع وعطش وتألم وهو الذي شفى الآخرين ومات وهو الذي أقام الموتى وأدين كخاطئ وهو الذي لم يدين المرأة الخاطئة. فهو لم يلجأ إلى قوته اللاهوتية لصنع معجزات لتسهيل مهمته وحياته بل عاش كبشر وكإنسان طبيعي 28×40 هو أبعاد الموصلين معاً. ورقم 28 يشير لكنيسة العهد الجديد فرقم 7 يشير للكمال، 4 جهات المسكونة. والإنجيل نشرته الكنيسة في كل المسكونة. ورقم 40 يشير لفترة الانتظار في العالم فهي فترة وجود الكنيسة في العالم فترة غربتها وهي مرتبطة بخمسين شظاظ فهي الكنيسة المتحدة بين اليهود والأمم.. الخ والروح القدس الذي حل يوم الـ50 هو الذي وحد الكنيسة.

ولأنهم عشر شقق فنحن كجسد المسيح علينا مسئولية حفظ الوصايا في غربة هذا العالم وأن يكون لنا الفكر السماوي (العرى من أسمانجوني) فيربطنا الروح القدس في وحدة.

إذاً الخيمة في حقيقتها عبارة عن ستارة ضخمة تغطى السقف بل هي السقف، وتغطى الجانبين ولكنها لا تتلامس مع الأرض فهي ترتفع بمقدار ذراع من كل جانب. وهي مصنوعة من الكتان الأبيض المحلي بتطريز من خيوط أسمانجونية وقرمزية وأرجوانية وعليها كاروبيم برسم حاذق.

وهي عبارة عن موصلين متصلين بخمسين شظاظ خلال 50 عروة في كل موصل فتصير الخيمة كأنها قطعة واحدة كلها. الموصل الأول يغطى القدس وجانبيه والموصل الثاني يغطي قدس الأقداس بجانبيه والجانب الغربي (الظهر). وكون الشقق لا تصل للأرض فهذا إعلان أن من يريد أن يحيا في أمجاد السماويات عليه أن لا يتلامس مع تراب هذا العالم.

ملحوظة: شقق شعر المعزى طولها 30 ذراع وهي بذلك تصل للأرض هذه يمكن أن تصل للأرض على أساس الانفصال عن الخطية، أي أحيا في العالم لكن لا أحيا في خطايا العالم. راجع مواد الخيمة.

 

الآيات (7-13): "وتصنع شققاً من شعر معزى خيمة على المسكن إحدى عشرة شقة تصنعها. طول الشقة الواحدة ثلاثون ذراعاً وعرض الشقة الواحدة أربع اذرع قياساً واحداً للإحدى عشرة شقة. وتصل خمساً من الشقق وحدها وستاً من الشقق وحدها وتثني الشقة السادسة في وجه الخيمة. وتصنع خمسين عروة على حاشية الشقة الواحدة الطرفية من الموصل الواحد وخمسين عروة على حاشية الشقة من الموصل الثاني. وتصنع خمسين شظاظاً من نحاس وتدخل الأشظة في العرى وتصل الخيمة فتصير واحدة. وأما المدلى الفاضل من شقق الخيمة نصف الشقة الموصلة الفاضل فيدلى على مؤخر المسكن. والذراع من هنا والذراع من هناك من الفاضل في طول شقق الخيمة تكونان مدلاتين على جانبي المسكن من هنا ومن هناك لتغطيته."

شقق شعر المعزي (الخيمة):

هذه الشقق عددها 11 وكل شقة أبعادها 30×4 إذاً هي تصل للأرض. وهي أيضاً مصنوعة من موصلين أحدهما 6 شقق والآخر 5 شقق.

الأولى تغطى القدس بجوانبه ويتدلى منها جزء على المدخل والثانية تغطى قدس الأقدساس. وهم مرتبطين معاً بخمسين شظاظ نحاس. وكما كانت الأشظة الذهبية مناسبة للشقق الملونة فكلاهما يحدثنا عن البر والمجد والسماويات. هكذا الأشظة النحاسية هنا تحدثنا عن الخطية. والأشظة النحاسية أيضاً تشير للروح القدس. الذي يبكت على خطية (يو8:16). ولاحظ أيضاً أن الأشظة النحاس تقع فوق الأشظة الذهب وفوق الحجاب فعمل الروح القدس مبنى على فداء المسيح.

 

معنى الأرقام:

هم 11 شقة من شعر المعزى. وموصلين على هيئة موصلين (ستارتين كبيرتين) إحداهما 5 شقق والأخرى 6 شقق. ولاحظ أن رقم 30= 5×6


ورقم 6 يشير للإنسان الذي خُلِقَ في اليوم السادس ويشير له من حيث أنه أراد أن يحيا في إنفصال عن الله. فهو رقم يشير للخطية. ومن حيث أن المسيح صار خطية لأجلنا فهذا الرقم يتكلم أيضاً عن المسيح كذبيحة خطية. ورقم 5 يحدثنا عن المسئولية ويصيح رقم 30= 5×6 يعني المسيح الذي صار خطية ليتحمل المسئولية عنا كخطاة.

ولذلك هو بدأ خدمته في سن الثلاثين وهكذا كان كل كاهن يبدأ خدمته في سن الثلاثين. وكل شقة 30×40 ذراع ونعود لرقم 4 لنرى المسيح المتجسد يعيش حياته على الأرض في ضعف كأي إنسان.

والطول الإجمالي = 30×4×11 ورقم 11 يشير للتعدي على وصايا الله ويكون المعنى أن المسيح صار خطية (6) ليتحمل مسئولية خطأ (5) العالم (4) لتعدي العالم على وصايا الله (11)

30= 4×7.5 ونعود لرقم حيث نرى المسيح الكامل (7) يأخذنا كعروس ويدفع المهر بدمه ليأخذنا لمجده ويظهره لنا.

وقد حصر أحدهم المناسبات التي تقدم فيها ذبائح خطية مثل (رؤوس الشهور، عيد الفصح، عيد الخمسين، عيد هتاف البوق، عيد المظال، تقديس الكهنة..) فوجدها (11) مناسبة.

والستارة السادسة تطوى في المقدمة فتختفي الشقق الملونة الداخلية تماماً. مما يظهر لكل إنسان في الخارج أن الله الذي يعرف كل خطاياه هو يحمل الكل وحملها عنه كحامل خطية أو كذبيحة خطية. وهذه الستارة المطوية هي دعوة لكل إنسان أن لا ييأس من خطيته فقد نسيها الله وأن خطيته ليست أكبر من أن تغفر. لكن الأشظة النحاسية تحدثنا عن دينونة الروح القدس وتبكيته للخطية فلو لم نقاومه واستجبنا لهذا التبكيت وإعترفنا بخطايانا يغفرها لنا. ونجد من يحتمي في هذه الخيمة (اثبتوا فيّ وأنا فيكم) تغفر له خطاياه. هذه هي صورة شقق شعر المعزى. فمن يأتي بعد أن آمن بغفران خطاياه، يأتي ليحتمي بالخيمة يفاجأ بأن هناك مجد في الداخل والموضوع ليس فقط شعر معزى (أي غفران خطية) بل شقق ملونة وذهب أي مجد ابنة الملك الذي في الداخل.

 

آية (14): "وتصنع غطاء للخيمة من جلود كباش محمرة وغطاء من جلود تخس من فوق."

المنظر الخارجي جلود كباش محمرة (تشير للفداء والموت) وجلود تخس سوداء، هي تشير للحماية من أجواء العالم الفاسدة. لكن من يرى هذه الأغطية الخارجية يتصور أن المسيحية ألم وعذاب، هذا لأنه لم يرى الأمجاد التي في الداخل. هكذا من ينظر للوصية (الناموس) يجدها صعبه التنفيذ لكن إذا عاش الوصية وإذا عاش الإنجيل ودخل للعمق سيكتشف جمال ومجد تنفيذ الوصية. وهذه الأغطية ليس لها مقاسات فآلام الرب وفداؤه لا يقاس ولا يوصف (جلود كباش محمرة) وحمايته لنا (جلود التخس) أيضاً ليس لها أبعاد.

 

تفسير الآية (13):

والذراع من هنا والذراع من هناك.. يقصد أن شقق شعر المعزى وطولها 30 ذراع تغطى الذراع المتبقي من الألواح من هنا ومن هناك لأن الشقق الملونة طولها 28 ذراعاً فقط.

ولاحظ أن لا إشارة لتثبيت الشقق والأغطية فهي ترمز للمسيح والمسيح ثابت.

 

الآيات (15-30): "وتصنع الألواح للمسكن من خشب السنط قائمة. طول اللوح عشر اذرع وعرض اللوح الواحد ذراع ونصف. وللوح الواحد رجلان مقرونة إحداهما بالأخرى هكذا تصنع لجميع ألواح المسكن. وتصنع الألواح للمسكن عشرين لوحاً إلى جهة الجنوب نحو التيمن. وتصنع أربعين قاعدة من فضة تحت العشرين لوحاً تحت اللوح الواحد قاعدتان لرجليه وتحت اللوح الواحد قاعدتان لرجليه.ولجانب المسكن الثاني إلى جهة الشمال عشرين لوحاً. وأربعين قاعدة لها من فضة تحت اللوح الواحد قاعدتان وتحت اللوح الواحد قاعدتان. ولمؤخر المسكن نحو الغرب تصنع ستة ألواح. وتصنع لوحين لزاويتي المسكن في المؤخر. ويكونان مزدوجين من اسفل وعلى سواء يكونان مزدوجين إلى رأسه إلى الحلقة الواحدة هكذا يكون لكليهما يكونان للزاويتين. فتكون ثمانية ألواح وقواعدها من فضة ست عشرة قاعدة تحت اللوح الواحد قاعدتان وتحت اللوح الواحد قاعدتان. وتصنع عوارض من خشب السنط خمساً لألواح جانب المسكن الواحد. وخمس عوارض لألواح جانب المسكن الثاني وخمس عوارض لألواح جانب المسكن في المؤخر نحو الغرب. والعارضة الوسطى في وسط الألواح تنفذ من الطرف إلى الطرف. وتغشي الألواح بذهب وتصنع حلقاتها من ذهب بيوتاً للعوارض وتغشي العوارض بذهب. وتقيم المسكن كرسمه الذي اظهر لك في الجبل."

 

الألواح والعوارض:

الألواح تشير للمؤمنين. فكل فرد في الكنيسة قائم بذاته كما أن اللوح قائم بذاته. إذاً ثبات اللوح بمفرده يشير لأن كل مؤمن ثابت كفرد ولكن غرض الله أن يبنى المؤمنين جميعهم كمسكن واحد. ولا يوجد من هو قائم بذاته في انفصال عن المجموعة كلها.

ولاحظ أن كل لوح أبعاده 1.5 × 10 وهو من خشب مغشى بذهب. وقلنا أن الخشب المغشى بذهب يشير للمسيح المتجسد. ولكن كل مؤمن مختبئ داخل المسيح، كل مؤمن هو خشب في حد ذاته ولكنه مختبئ داخل المسيح السماوي الذي تجسد حتى يأخذنا فيه للمجد. ومرة أخرى نعود للرقم ½ فعرض كل لوح ½1 هو المسيح المختبئ فيه الشخص كعروس له. وارتفاع اللوح 10 ذراع هو مسئولية كل فرد أمام المسيح في أن يلتزم بوصاياه ولكن شكراً للرب فإن حتى من يفشل في حفظ وصية فهو يغطينا ببره وبدمه فنوجد مقبولين أمام الآب. فنحن فيه نحسب كاملين ولكن رقم 10 يشير للمسئولية تجاه الله والناس. فعلينا أن نجاهد حتى الدم تجاه حفظ الوصية (رو12:14).


والألواح ما كان ممكناً أن تستقر في رمال الصحراء دون قواعد. والقواعد فضية إذاً المقصود أننا نثبت في برية هذا العالم على أساس الفداء. ولا يوجد بيت يبنى على الرمل. والمقصود إذاً أن المؤمن عليه أن يقف أمام الله كخاطئ محتاج للفداء ومعتمد على دم المسح (لو13:18). واختفاء الخشب داخل الذهب لنفهم أن المؤمن لا يرى نفسه إلا في المسيح. وأساسه هو المسيح، أساس البيت كله هو المسيح راجع (أف2: 19-22) هذا هو البيت المؤسس على المسيح أي كل المؤمنين كبيت. وراجع أيضاً (11:4،12). ولاحظ أن القواعد فضية تشير للفداء فالفضة جاءت من فضة الفداء. إذ        اً هذه الألواح الثابتة تشير أننا في المسيح لنا أساس ثابت كامل وفداء كامل ووقفة ثابتة.

وعجيب أن يشار للمؤمنين بألواح لها مظهر ذهبي فكما نقول في التسبحة "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له" وراجع (كو6:2-10 + أف6:1 + يو22:17) هذا معنى أننا نلبس المسيح.

 

48 لوح

·        48= 12×4 هم المؤمنين (12= 3×4) ولكنهم مازالوا يحيون في الأرض فمع كل ما أخذناه من أمجاد فمازلنا في الأرض متوقعين أن يستعلن المجد الذي فينا (رو18:8)

·        48= 8×6 و6 رقم الإنسان الناقص ولكن بضرب رقم 8 رقم القيامة والحياة الجديدة المقامة في المسيح يكون للإنسان المسيحي إمكانيات القيامة.

ترابط الألواح

يوجد بكل لوح ثلاث حلقات تدخل فيها عوارض من خشب السنط المغشى بالذهب وطالما العوارض خشب مغشى بالذهب فهي تشير للمسيح المتجسد الذي أعطانا جسده ودمه لنصبح كلنا جسداً واحداً. وقد تشير لخدام المسيح العاملين في كرمه سواء في العهد القديم (كهنة وأنبياء) أو في العهد الجديد (رسل وتلاميذ وكهنوت).

معنى الثلاثة حلقات

حقاً أن جسد المسيح الذي نأكله يعطينا كلنا أن نكون جسداً واحداً. ولكن هذا العمل اشترك فيه الأقانيم الثلاثة الأب بمقتضى علمه السابق وتدبيره والابن بذبيحة نفسه والروح القدس بتقديسه (1بط2:1)

وكون العوارض خمسة من كل جانب فهذا عمل نعمة الله وعمل الروح القدس في جمع الكنيسة في جسد واحد. (أف20:2-22). وهم خمسة فالخليقة رقمها 4 والمسيح الواحد مع الخليقة يصير الرقم خمسة، هذا هو عمل نعمة الله. وغالباً فالعارضة الطويلة تشير لجسد ودم المسيح في التناول والعوارض القصيرة تشير لخدام المسيح الذين يقومون بخدمة المصالحة.

 

الألواح الزاوية

الرسم التوضيحي الموجود هنا ما هو إلا محاولة ولكن الأصل غامض. واعتقد أن الله يريده هكذا غامضاً. فإن قلنا أن الألواح تشير للمؤمنين وأن هناك ثلاثة جوانب للمسكن، وقد تمثل اتجاهات مختلفة للمؤمنين (ليس في العقيدة أو الإيمان قطعاً) بل كما اختلف بولس مع مرقس أو مع برنابا. وهذه الاتجاهات يجمعها الله ويجمع بين المؤمنين بطريقة خفية لا ندريها حتى تستمر الكنيسة في وحدة. والزاوية هي أهم جزء في المبنى بعد الأساس (فالمسيح كان حجر الزاوية( (مت42:21). وهذه الألواح الزاوية تربط الحوائط معاً حتى لا ينهار المبنى.

ولاحظ قوله أن الألواح مزدوجين من أسفل ومن عند الرأس. فمن هم ضعاف في إيمانهم ومن هم أقوياء عند القمة. الجميع يحتاج لأن يعمل روح الله في جمعه للجسد الواحد. ومهما كان إنسان عند القمة فهو يحتاج لمن يربطه للجسد الواحد.

 

الرجلين والقواعد الفضية

القواعد الفضية تشير لفداء المسيح فالفضة تشير للكفارة والقواعد عددها 48 لوح × 2 (قاعدة لكل رجل) = 96+4 قواعد لأعمدة الحجاب فيكون الكل 100 قاعدة فضية، كل منها وزنة من فضة الكفارة (خر27:38). و100 رقم قطيع المسيح إذاً ففداء المسيح هو القاعدة التي يستند عليها المؤمنون. أما الرجلين فهما جهاد المؤمن لكنه جهاد مؤسس على دم المسيح فبدون دم المسيح فأي جهاد فهو بلا قيمة إذاً الرجلين هما الإيمان والطاعة للوصايا أو الإيمان والمحبة. وعمل المسيح هو الذي يسند احتياج الخاطئ الذي يلجأ إليه. فالقاعدة هي نفس مقاس الرجل. والقاعدة مخفية فعمل المسيح داخلي.

 

الآيات (31-34): "وتصنع حجاباً من اسمانجوني وارجوان وقرمز وبوص مبروم صنعة حائك حاذق يصنعه بكروبيم. وتجعله على أربعة أعمدة من سنط مغشاة بذهب رززها من ذهب على أربع قواعد من فضة. وتجعل الحجاب تحت الأشظة وتدخل إلى هناك داخل الحجاب تابوت الشهادة فيفصل لكم الحجاب بين القدس وقدس الاقداس. وجعل الغطاء على تابوت الشهادة في قدس الأقداس."

الحجاب:

الحجاب هنا هو لعزل القدس عن قدس الأقداس. وفي كنيستنا لا نضع الحجاب حتى يحجز الهيكل عن الشعب. بل نسمى الحجاب "حامل الأيقونات" فكأن القديسين مشتركين معنا في الصلاة. هذا يعطى إحساس بأن الكنيستين هما كنيسة واحدة، الكنيسة المنتصرة والكنيسة المجاهدة. وللحجاب أو حامل الأيقونات ستر (ستارة) يفتحها الكاهن ممسكاً في يده بصليب عند بدء الصلاة ليعلن أنه بالصليب حدث الصلح بين السماء والأرض، بين الله وبين الناس.

ودائماً في كنائسنا نصلي نحو الشرق [1] لنذكر الفردوس المفقود الذي كان جهة الشرق (تك8:2) وهذا يعطي دافعاً للمصلين للجهاد حتى لا تفوتهم الفرصة ثانية. [2] لنذكر المسيح الذي ولد لأجل خلاصنا وظهر نجمه في المشرق (مت2:2) [3] مع كل صباح تشرق الشمس من الشرق وهذا يذكرنا بالمسيح الذي سيأتي من المشارق (مت17:24). وهو شمس البر (مل2:4). وهذا يعطينا رجاء في المسيح بل انتظار وشوق للمسيح الذي سيأتي "أمين تعال أيها الرب يسوع"

ثلاثة أبواب للوصول لقدس الأقداس:

باب الخيمة الخارجي وله أربعة أعمدة ثم باب المسكن وله خمسة أعمدة. ثم باب أو حجاب قدس الأقداس وله أربعة أعمدة والأعمدة لها قواعد فضية.ومن المعروف أن الحجاب يشير للمسيح (عب20:10) فلمن تشير الأعمدة؟ طالما ذكر أن لها قواعد فضية فهي تشير للمؤمنين وليس للمسيح. ورقم 4 يشير لكل المسكونة هو رقم العمومية وكأن الله يريد أن يقول أن الكل مدعو بنعمته للدخول (هذا معنى وجود رقم 5 في باب المدخل (20=5×4) وباب المسكن 5 أعمدة). أما للدخول لقدس الأقداس فلا دخول والسبب خطية العالم (4). فحب الناس للعالم وشهوات الجسد والتراب هو الذي أقام هذا الحجاب. وهذه الأعمدة كانت قائمة على قواعد فضية فهي لها رجاء في الفداء الذي سيشق الحجاب وينفتح المسكن كله ويصبح القدس مفتوحاً على قدس الأقداس بلا حواجز. والثلاثة أبواب تشير للمسيح الذي بدونه لن نعاين الأقداس.

مواد صنع الحجاب:

بوص مبروم وإسمانجوني وأرجوان وقرمز يصنعه بكروبيم. هذه المواد تشير لجسد المسيح في نقاوته وأنه سماوي وأنه ملك. والكروبيم على الحجاب يماثل الكاروبيم على باب الجنة يمنع الدخول. هو من ناحية يمنع الدخول بسبب الخطية وهو يمنع الدخول بسبب مراحم الله حتى لا يموت الإنسان ويهلك "فالإنسان لا يراني ويعيش" وذلك في انتظار الفداء وشق الحجاب.

وهناك ملحوظة أن الكتاب في ذكر مواد الحجاب ذكر الإسمانجوني أولاً وانتهى بالبوص المبروم وفي ذكره للشقق بدأ بالبوص المبروم وتلاه الإسمانجوني. وهذا يشير هنا في حالة الحجاب للمسيح الذي جاء من السماء وتجسد أما في حالة الشقق فتشير للمسيح في حياته على الأرض في طهارة ثم بعد ذلك صعوده للسماء ثانية. وهناك رأى آخر أن الكاروبيم هنا مرسومين على أرضية إسمانجونية سماوية.

الأعمدة:

هم أربعة أعمدة إشارة للبشرية الخاطئة التي أحبت العالم فإحتجب عنها الله. ولكن لنرى عمل الله فالحجاب يغطى الأعمدة. وهي مقامة على قواعد فضية. فكل من إعتمد على الفداء وغلب يجعله عموداً في هيكله "عموداً في هيكل إلهي" (رؤ12:3) ويغطيه المسيح. وكونهم أعمدة فهم بهذا ثابتين ولهم عمل شهادة للمسيح. وهم واقفين مسبحين فرحين أمام الله. وكون الكنيسة في وقفتها الثابتة هي شهادة للمسيح فهذا عملها "كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضاً" (يو19:20-23)

·        والرزز الذهبية هي حلقات تعليق الحجاب وهي ذهبية إشارة لمجد المسيح الإلهي.

·        وهنا لا نجد أكاليل للأعمدة فهي تمثل المؤمنين وليس المسيح.

·        في (1تي15:3) الكنيسة هي عامود الحق وقاعدته فهي التي تعلن حق المسيح في العالم والمسيح هو الحق فهي تعلن المسيح للعالم. فهي الدعائم والأعمدة التي يقام عليها الحق. وفي (1تي16:3) يردف الرسول "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" هذا هو الحجاب.

 

الآيات (36-37): "وتصنع سجفاً لمدخل الخيمة من إسمانجوني وارجوان وقرمز وبوص مبروم صنعة الطراز. وتصنع للسجف خمسة أعمدة من سنط وتغشيها بذهب رززها من ذهب وتسبك لها خمس قواعد من نحاس."

ستارة مدخل الخيمة:

سجفاً تعني ستارة. وهذه الستارة هي لباب المسكن أي باب القدس. وهي من نفس المواد إسمانجوني.. الخ لذا فهي تشير للمسيح وهي بدون كاروبيم= إذن الطريق مفتوح فلا كاروبيم يغلق الطريق بسيف من نار. فالمسيح تحمل السيف الناري وحده أي كل غضب الله ليفتح لنا طريق الأقداس. فالمسيح هو الباب. والستارة معلقة على خمسة أعمدة لها قواعد نحاسية. وهذه الأعمدة حيث أنها لم تؤسس على الفداء فهي لا تشير للمؤمنين بل للمسيح الذي احتمل دينونة الله عوضاً عنا (هذا معنى القواعد النحاسية) كما يظهر هذا في مذبح النحاس. وفتح بنعمته طريق الأقداس (معنى رقم 5). ولأن هذه الأعمدة الخمسة تشير للمسيح فهي لها رؤوس مغشاة بالذهب (خر38:36) هنا لا نجد الكاروبيم بل شخص المسيح الذي أتى لا ليدين بل ليخلص العالم (يو47:12).

ملحوظة على القواعد والأرجل:

سبق أن ذكرنا أن كرسي الرحمة مقاس التابوت وأن القواعد الفضية نفس مقاس الأرجل وقلنا أن هذا يعني أن فداء المسيح استوفى مطاليب العدالة الإلهية فما هي النظرة الأرثوذكسية لهذا؟ الفداء بدم المسيح استوفى مطاليب العدالة الإلهية لكن الذي يستفيد منه هو من يجاهد حتى الدم، أي أن يكون له الإيمان العامل بالمحبة (الأرجل) حتى تسنده القواعد (فداء المسيح) فبدون الجهاد (أرجل) لن يثبت اللوح لوحده. وبدون الفداء (القواعد) يكون اللوح مثبتاً على الرمل فيسقط. بدون فداء لا معنى لأي جهاد.


 

الإصحاح السابع والعشرون

الآيات (1-8): "وتصنع المذبح من خشب السنط طوله خمس اذرع وعرضه خمس اذرع مربعاً يكون المذبح وارتفاعه ثلاث اذرع. وتصنع قرونه على زواياه الأربع منه تكون قرونه وتغشيه بنحاس. وتصنع قدوره لرفع رماده ورفوشه ومراكنه ومناشله ومجامره جميع آنيته تصنعها من نحاس. وتصنع له شباكة صنعة الشبكة من نحاس وتصنع على الشبكة أربع حلقات من نحاس على أربعة أطرافه. وتجعلها تحت حاجب المذبح من اسفل وتكون الشبكة إلى نصف المذبح. وتصنع عصوين للمذبح عصوين من خشب السنط وتغشيهما بنحاس. وتدخل عصواه في الحلقات فتكون العصوان على جانبي المذبح حينما يحمل. مجوفا تصنعه من ألواح كما اظهر لك في الجبل هكذا يصنعونه."

مذبح المحرقة:

(1) القرون                 (2) القدور        (3) مراكن وطشوش

(4) مناشل                 (5) مجامر       (6) رفوش

(7) شبكة (شباكة)          (8) حاجب        (9) عصوين


 

 

تأخر الكلام عن مذبح النحاس أي مذبح المحرقة. لأن الله أراد أن يعلن ذاته على عرشه وفي مجده (تابوت العهد) وإرادته في الشركة مع الإنسان (المائدة) وفي أنه وحده سر استنارة الإنسان فلا داعي للمعرفة بعيداً عنه (المنارة) ولكن أخطأ الإنسان وكان أن المسيح تجسد (شقق ملونة تشير لحياته) ليدين الخطية (شقق شعر الماعز) ثم جلود كباش ليستره وجلود تخس ليحمى الإنسان أثناء فترة وجوده في العالم. وبخطية الإنسان صار حجاب بين القدس وقدس الأقداس (الحجاب) لكن باب النعمة مفتوحاً للكل (سجف المدخل).

والآن هناك سؤال !! على أي أساس يلتقي الله مع الإنسان؟ الباب أي باب المسكن؟ باب القدس مفتوح بنعمة الله (5أعمدة) للجميع ولكن على أي أساس؟ هنا يأتي دور مذبح المحرقة الذي يعلن الله فيه بره وقداسته وعدله مع رحمته ومحبته. هنا عند مذبح المحرقة يتحقق قول المزمور 85 "رضيت يا رب عن أرضك.. غفرت إثم شعبك. سترت كل خطيتهم.. والرحمة والحق التقيا. البُر والسلام تلاثما"

بعد حديثه عن مذبح المحرقة يشرح الدار الخارجية وهي التي يدخلها كل إسرائيلي، إذاً هي تشير لكل من آمن بعمل المسيح الذبيحي. لكن لدخول الخيمة هناك شرط آخر فنحن نمر بالمرحضة (التوبة والاعتراف) وهذا يتمثل في الكهنوت. ولا قيمة للتوبة ولا لأي شئ بدون شفاعة المسيح الكفارية ووقوفه أمام الآب فنوجد مقبولين فيه لذلك قبل أن يشرح مذبح البخور شرح الكهنوت وطقوسه لتكريس خدام الله يخدمون شعبه على الأرض وأما في السماء فهناك المسيح شفيعنا الوحيد بدمه. وبعد ذلك يشرح المرحضة فهي وسيلة الاقتراب لله أي التوبة، والمعمودية أولاً.

 

خشب مغشى بالنحاس:

نجد مذبح المحرقة مصنوع من خشب سنط (إِشارة لناسوت المسيح) ومغشى بالنحاس إشارة للاهوته بينما مذبح البخور من خشب مغشى بالذهب. فلماذا هذا الفرق؟ يمكن أن نقول أن مذبح النحاس ستشتعل فيه النيران طوال اليوم ولن تطفأ والذهب لن يستطيع مقاومة هذه النيران ومن المناسب استخدام معدن يقاوم الحرارة العالية ولكن المقصود أن النحاس يشير للدينونة فالمسيح احتمل آلام نار العدل الإلهي على الصليب ولم يظهر هنا صورة مجده بل صورة الاحتمال بثبات وهذا ما يعنيه استخدام النحاس في مذبح المحرقة أما بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب فهو يظهر في مجده ونراه في صورة الذهب.

عموماً خارج الخيمة لا نجد أثراً للذهب فالأمجاد السماوية في الداخل. أما في الخارج فنجد نحاس فكما تحمل الابن ثمن الخطية في ثبات علينا أن نتحمل ضيقات وآلام العالم الحاضر حتى يحين موعد دخولنا للأقداس السماوية ونتمتع بالذهب (المجد) وإذ نلبس المسيح يكون لنا هذا الثبات فندوس الأتعاب والضيقات ونسير في طريق السماء بدون تراخ. فمذبح المحرقة كان مكان إدانة الخطية بحسب عدل الله. أما مذبح البخور فهو المكان الذي تصعد منه رائحة قبول المسيح أمام عرش الله. وخشب السنط الذي يشير لجسد المسيح ويشير أيضاً لصليبه نجده في مذبح البخور فهو دخل بجسده للسماء عربوناً لنا.

 

المذبح:

كان على هيئة صندوق مجوف بدون قاع ولا غطاء وعلى كل زاوية قرن مصنوع قطعة واحدة مع المذبح = منه تكون قرونه.. وفي وسطه شباكة وحاجب. وكان المذبح يملأ بالتراب (خر24:20) لتحرق عليه الذبائح. وأبعاد المذبح 5×5×3 ذراع.

5×5: فالذبيحة مقدمة بنعمة الله لتقديس حواسنا وطاقاتنا لكي نتهيأ للدخول للمقدسات الخفية. ورقم 5 يشير للذبائح وعددها والذبائح تشير للمسيح. ولأن الطول مساوي للعرض فهذا يشير لصفات الله المتساوية الرحمة والحب من ناحية ومن ناحية أخرى للبر والعدل والقداسة (مز10:85). وما فشلنا فيه من تقديس كل طاقاتنا وحواسنا وكان سقوطنا الذي إستوجب عقاب الله بسبب عدله وبره وعدم احتماله لترك الخطية بدون عقاب، جاء المسيح برحمته ومحبته وحمل هذا عنا واحتمل هو دينونة الله (5×5) واستوفى كل قضاء عدله. ولاحظ أن خروف الفصح أيضاً كان يقدم في اليوم الخامس (فكان تحت الحفظ من اليوم العاشر حتى اليوم الرابع عشر). وكلمة تحت الحفظ ليتأكد مقدم الذبيحة أنها بلا عيب إذن فهذا إعلان عن بر المسيح وأنه يموت عنى فهو بلا عيب ولذلك فهو يتحمل مسئوليتي.

الارتفاع 3 ذراع: كل الذبائح كانت تقدم وتحرق بدلاً عن الخاطئ. ولكن المسيح بعد أن مات على الصليب قام بعد 3 أيام. وهذا معنى الارتفاع أنه وعد بالقيامة لكل من مات بسبب الخطية كما قام المسيح في اليوم الثالث. ولاحظ أن خشب السنط المستخدم خشب لا يسوس إشارة لعدم فساد جسد المسيح وقيامته. إذن قوة ذبيحة المسيح أنها تدخل بنا إلى الصليب لكي تعبر بنا إلى القيامة. هذه هي نعمة الله (رقم 5 هو رقم النعمة). لكن حتى نتمتع بالقيامة يجب أن نصلب الأهواء والشهوات وأقول مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ. فطريق القيامة يمر بالصليب حتماً. ورقم 3 يشير لقبول ذبيحة المسيح وأن هذا أعلن بقيامته.

 

قرون المذبح:

في مجتمع كالمجتمع اليهودي حيث يكثر الرعاة وقطعان الماشية تستوحى التشبيهات من الواقع الذي يحيونه. لذلك نراهم يستخدمون التشبيهات من واقع المراعي. وفي المرعى علامة القوة هي القرون. لذلك نجد داود يقول "تنصب مثل البقر الوحشى قرني" (مز10:92) وهذا يعني أن الله يعطيه قوة عظيمة أمام أعداؤه. وراجع أيضاً (1صم1:2) "ارتفع قرني بالرب" بل نسبوا لخلاص الله نفس الصفة لقوته (راجع مز1:18،2) "أحبك يا رب يا قوَّتي، الرب صخرتي وحصني ومنقذي.. ترسي وقرن خلاصي وملجأي"

والمذبح هنا يشير للصليب فيكون المقصود أن في صليب المسيح قوة جبارة هي قوة دمه "وهم غلبوه بدم الخروف" (رؤ11:12) وبهذه القوة ندوس كل قوة العدو. وقوة الذبيحة في دمها الذي هو نفسها وحياتها، هذا الدم سفكه المسيح ليعطيني قوة حياة وقوة غفران "غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف" وقوة انتصار على الشيطان. وكون أن للمذبح 4 قرون و4 هو رقم العالم إذن فهذه القوة مقدمة للجميع ضد خطية العالم، فالعالم كله أخطأ والمسيح ذُبِح عن العالم كله. ومنه تكون قرونه= فالقوة من دم الذبيحة. وكانت الذبيحة تربط بقرون المذبح (مز27:118) "أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح". وتشير هذه الربط التي تربط بها الذبيحة للمسامير التي سمِّر بها المسيح على الصليب، بل هي تشير للمحبة فمحبته ربطته بالصليب.

وفي (خر12:29) "تأخذ من دم الثور وتجعله على قرون المذبح" إشارة لأن القوة من الدم. وكان المذنب له الحق لأن يلجأ لقرون المذبح ويتمسك بها (1مل50:1 + 1مل28:2-34) هذا يعني أننا كمذنبين علينا أن نتمسك بالمسيح كسر خلاصنا. ولكن ليس كل من يقول يا رب يا رب يخلص وليس كل من يتمسك بقرون المذبح يخلص والحادثتين دليل على ذلك وهاتين الحاثتين كانتا تنفيذاً لقانون وضعه الله في (خر14:21) "وإذا بغى إنسان على صاحبه ليقتله بغدر فمن عند مذبحي تأخذه للموت". لذلك حكم بالموت على يوآب بينما نجا أدونيا. ولاحظ أن داود أوصى سليمان بقتل يوآب ولم يقتله هو وهذا لأن داود كان يمثل المسيح في خلال فترة العالم فهو لا يدين. وسليمان يمثله في مجده كديان فمن لا يستحق النجاة لا يدان هنا بل ينتظر حتى اليوم الأخير حين يظهر إبن الإنسان في مجده. وفي (حب4:3) "الله جاء من تيمان.. جلاله غطى السموات والأرض.. وكان لمعان كالنور له من يده شعاع" في الإنجليزية “He Had Horns Coming out of His Hands” فالكلمة الأصلية التي ترجمت شعاع في العبرية وترجمت قرون في الإنجليزية لها نفس المعنى أو لهم أصل واحد. فالنور يشير لمجد الله وقوته "لهذا لمع وجه موسى حين رأى مجد الله" والقرون تشير لقوته. فالله نور ومحبة وهو يشع مراحمه خلال دم ذبيحة ابنه، فلنحتمي ونتحصن فيها(أش5:27، 4:25). ولنمسك بقرون المذبح بتوبة صادقة فإن كانت توبتنا صادقة سننجو ولا نهلك مثل يوآب.

ولنرتبط بقرون المذبح كذبائح حية بربط المحبة التي تجعلنا نقدم حتى النفس للمسيح كما فعل هو على الصليب وكما فعل الشهداء. وفي (مز27:118) الذبيحة هنا هي ذبيحة سلامة أي ذبيحة شكر. فنحن حينما نربط أنفسنا بالمذبح في حب فنحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً ونشكره لأجل سلامتنا وسلامنا.

 

الشبكة (الشباكة)


كلمة شبكة مشتقة من كلمة يجدل أو يضفر ومن نفس الأصل نجد كلمة غربال أو منخل وهذه الشبكة تحت محيط المذبح. تحت حاجب المذبح من أسفل= ومعنى كلمة حاجب أي الذي يحيط. وهناك عدة تصوُّرات للمذبح مع الشبكة والحاجب. واعتقد أن الأقرب للتصَّور هو الرسم الكبير تحت عنوان مذبح المحرقة وعلى هذا فيكون المذبح مجوفاً. وهناك حجاب خارجي وحجاب داخلي أي شفة. فالخارجي لوقوف الكاهن عليه والسبب الآخر أن العصوين يأتيان تحته لحمل المذبح في التنقل والداخلي يستعمل لتثبيت الشبكة وأيضاً فالعصوين يأتيان تحته. ويمر العصوين في حلقات والحلقات من ضمن الشبكة نفسها ويمران أيضاً في ثقوب في جسم الذبح نفسه. ولاحظ أن الشباكة عند منتصف المذبح تماماً.

وبهذا فهي تساعد على ربط حوائط المذبح وبالتالي متانته ومنعه من الإلتواء.

والشبكة في الوسط لتحمل اللحم والنار التي تأكل اللحم. والنار هي إشارة لدينونة الله العادلة فإلهنا نارٌ آكلة (عب29:12). وهذه النار سوف تأكل وتفني كل من يضاد بر وكمال الله (بحيرة النار مكان الشيطان ومن يتبعه).

ولا نتصوًّر حياة في الأرض بدون نار كمصدر طاقة، وأيضاً لا يمكن تصور أن هناك حياة روحية أو أخلاقية بدون قضاء الله ودينونته للخطية فهذا ما يظهر صلاح الله وبره. (مر48:9 + لو23:16،24 + مز6:11 + مز9:21 + أش33:30، 15:66) إذ       اً النار هي رمز لقضاء الله. ووجود الله أيضاً يظهر في نار كما ظهر لموسى في العليقة وعمود النار كان يصاحب الشعب وهكذا ظهر لحزقيال (خر18:19 + لا2:10 + حز4:1،27 + تث24:4).

النار تشير لقضاء الله ودينونته وأيضاً لقداسته وبره لشعبه. فهو لشعبه ناراً تحرق خطاياهم وتلهب قلبهم حباً ولأعدائه هو نارٌ آكلة لدينونتهم.

والشبكة في وسط المذبح وغالباً في داخله وهي تعبر عن عمل المسيح لماذا؟ لأن المسيح لم يتحمل نار العدل الإلهي بطريقة سطحية أو خارجية بل هو احتمل كل الاضطهاد العنيف وحقد الشيطان الذي أثار الكل ضده فجعله يحتمل ألاماً تفوق الوصف. لقد اشتعلت النيران داخل المسيح وهذه النيران لا يعرفها سواه. لذلك كان لابد للمذبح أن يكون نحاساً ليحتمل النار، أي لابد للمصلوب أن يكون إلهاً ثابتاً قوياً ليحتمل ما حدث له هو القدوس البار. فالمسيح تعرض لهذه النار كالشبكة تتعرض لنار مشتعلة من أسفل ونار مشتعلة من أعلى. فمن أعلى نجد الحطب المشتعل ومن أسفل نجد الدهن والشحم مشتعلاً وهذه الشبكة تتحمل ناراً من أعلى وناراً من أسفل، هكذا كان المسيح على الصليب فمن أعلى نار الدينونة الإلهية ومن أسفل هزء وسخرية الشعب الذي أحبه وهو الآن معلق من أجله وتخلى تلاميذه وأحباؤه عنه وتآمر الجميع ضده.

ولكن النحاس يثبت أمام النار والحب في داخل قلب المسيح جعله يثبت ويتحمل والصليب كان معركة فشل فيها إبليس أن يجعل المسيح يتراجع.

بل نقول بتحديد أكثر أن الشبكة إنما تمثل قلب المسيح. فالخطية صادرة من قلب الإنسان. والقلب نجيس وأخدع من كل شئ (أر9:17). والقلب مركز كينونة الإنسان. لذلك كانت نار الدينونة تشتعل في قلب المسيح وهو بلا خطية نيابة عني. إذاً هذا المذبح يشير لعمل المسيح الفدائي الكامل. وفي (مز14:22) نبوة عن هذا حين يقول عن المسيح المصلوب قلبي مثل الشمع وفي (12:40) قلبي قد تركني وراجع أيضاً (مز3:102،4،9،10) لذلك كان لابد أن تكون الشبكة نحاسية حتى تحتمل كل هذا. وكلمة حريق التي تستخدم على مذبح المحرقة أي مع الذبائح التي تقدم على هذا المذبح ليست بمعنى حريق عادي إنما حريق البخور لقبول الله لهذه الذبيحة.

 

الحلقات كانت لابد أن تكون في الشبكة:

فالحلقات تشير للحمل. وماذا حمل المسيح في كل حياته على الأرض سوى محبته للآب وللناس وهذا الحب مصدره قلبه فالمسيح يرافق شعبه في كل خطوة في رحلتهم في برية هذا العالم. وكل بركة وكل عناية وكل رحمة مرتبطة بهذه الحلقات أي بهذا القلب الذي احتمل القضاء الذي كنا نستحقه (رو32:8 + 2بط3:1) وهذا الحب لكل العالم، هذا ما تمثله الأربعة الحلقات.

 

الأدوات التي تستعمل مع مذبح المحرقة:

المناشل: لها 3 شعب (مثل الشوكة) وتستعمل في ترتيب قطع الذبيحة.

المجامر: لنقل النار من على مذبح المحرقة إلى مذبح البخور (هناك مجمرة ذهبية لرئيس الكهنة لاستعمالها يوم الكفارة) (عب4:9). ولاحظ أن كل ما يدخل قدس الأقداس ذهب.

المراكن والطشوت: لتلقي الدم (سفك المسيح دمه لغفران الخطية) (زك15:9)

الرفوش والقدور: الرفوش لجمع الرماد ورفعه حتى القدور (كالملعقة) والقدور لحفظ الرماد حتى يتم نقله. وهناك كلمتين يستخدمان للرماد الأولى تستعمل في الحزن وأيضاً في إثبات أن هذا العالم زائل (أس1:4،3 + أي8:2 + أش20:44) والثانية تستخدم مع مخلفات الذبائح ولغوياً هي تعني الدهن فما يحرق على المذبح هو الدهن والشحم. وكون الذبيحة تحولت لرماد فهذا يعني ضمناً قبول الله لها. وفي (مز3:20) الرب يستسمن محرقاتك. هنا كلمة يستسمن أتت في أصلها العبري بمعنى أنها قبلت عند الله وصعد دخانها (أي دخان ذبيحة المحرقة) هذا علامة القبول. وكان الرماد يجمع أولاً في مكان عن يمين المذبح ثم ينقل لمكان طاهر (لا12:4 + 10:6،11) وهكذا جسد مخلصنا لم يسلم لأعدائه بل لمحبيه فكفنوه ودفنوه ولم يكسر منه عظم ودفن في قبر جديد. والجهة الشرقية من المذبح تشير لمكان شروق الشمس وهي تشير لقبول الذبيحة والأمل في القيامة وهكذا كان المسيح يربط موته بقيامته (مت21:16) ولهذا ارتفاع المذبح 3 أذرع.

وكل الأدوات كانت نحاسية فهي تشير لقضاء الله ودينونته على الخطية ولكن هذا لا يعني أن يترك جسد المسيح بعد أن مات. فبعد موته كان قد استوفى عدل الله حقه والآن فيجب احترام وتوقير هذا الجسد (هذا معنى القدور والرفوش) ومعنى الآية "ويكون محله مجداً" (أش10:11) وللآن في بعض الأحيان يخرج نور من القبر يوم سبت النور وفي قصة قورح نرى خطورة أن نقترب إلى الله بطريقة غير التي رسمها الله وقورح كان قد استخدم مجامر نحاسية وهذه حولوها لنحاس لتغطية المذبح لنرى فيها دينونة الله وكيفية الهروب من هذه الدينونة أي بالصليب. ولاحظ وقفة هارون بين الأحياء والأموات هنا يمثل المسيح الشفيع الذي يمنع الموت عن شعبه ويحميهم.

 

المذبح ارتفاعه 3 أذرع:

إذن الشبكة ارتفاعها 1 أي نفس ارتفاع كرسي الرحمة والمائدة فالفداء على الصليب ومراحم الله والشركة معه كلها على نفس المستوى.

ولأن ارتفاع المذبح 1.5متر تقريباً فكان يستحيل على الكاهن الوقوف على الأرض للخدمة وحيث أن الكتاب ينص على أنه لا درج (خر26:20) بينما نجد في (لا22:9) أن هرون إنحدر من عمل الذبيحة. فقد اتفق أنه كان هناك منحدر ناحية الجنوب.

 

الآيات (9-19): "وتصنع دار المسكن إلى جهة الجنوب نحو التيمن للدار أستار من بوص مبروم مئة ذراع طولاً إلى الجهة الواحدة. وأعمدتها عشرون وقواعدها عشرون من نحاس رزز الأعمدة وقضبانها من فضة. وكذلك إلى جهة الشمال في الطول أستار مئة ذراع طولاً وأعمدتها عشرون وقواعدها عشرون من نحاس رزز الأعمدة وقضبانها من فضة. وفي عرض الدار إلى جهة الغرب أستار خمسون ذراعاً أعمدتها عشرة وقواعدها عشر. وعرض الدار إلى جهة الشرق نحو الشروق خمسون ذراعاً. وخمس عشرة ذراعاً من الأستار للجانب الواحد أعمدتها ثلاثة وقواعدها ثلاث. وللجانب الثاني خمس عشرة ذراعا من الأستار أعمدتها ثلاثة وقواعدها ثلاث. ولباب الدار سجف عشرون ذراعاً من إسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص مبروم صنعة الطراز أعمدته أربعة وقواعدها أربع. لكل أعمدة الدار حواليها قضبان من فضة رززها من فضة وقواعدها من نحاس. طول الدار مئة ذراع وعرضها خمسون فخمسون وارتفاعها خمس اذرع من بوص مبروم وقواعدها من نحاس. جميع أواني المسكن في كل خدمته وجميع أوتاده وجميع أوتاد الدار من نحاس."

 

دار المسكن:

آية (9): نحو التيمن= هو اسم عبري يعني اليمين أو الجنوب. والصحراء الجنوبية يسمونها صحراء التيمن. ودار المسكن هي الجزء الثالث في الخيمة بعد قدس الأقداس والقدس ويشمل السور مع بابه وبالداخل يوجد مذبح المحرقة والمرحضة. والسور عبارة عن بوص مبروم أي كله كتان أبيض غير ملون ولا مطّرز؟

الآيات (14-16  ): من ناحية الشرق يوجد الباب وهو ستارة ملونة من البوص المبروم ومطرزة بالألوان الثلاثة. إذاً هي تشير للمسيح. ومعلقة على أربعة أعمدة ثم نجد ثلاثة أعمدة عن يمين الباب وثلاثة أعمدة عن يساره ضمن السور أي مغطاة بالبوص المبروم.

(آية 18): عرضها خمسون فخمسون= يعني أنها من ناحية الشرق ومن ناحية الغرب عرضها خمسون ذراعاً.

 

 

 

 

 

 

 

Text Box: هذا الحل لتوزيع الأعمدة يراعي العدد المذكور في الكتاب 10 أعمدة من كل ناحية من الشرق والغرب و20 عمود من كل ناحية من الشمال والجنوب وأربعة أعمدة للمدخل.
Text Box: هذا الحل لتوزيع الأعمدة يراعي المسافات بين  الأعمدة أن تكون 5 أذرع ولكن هناك إشكال أن ستارة المدخل ستعلق بهذا على خمسة أعمدة.

  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

الدار الخارجية إذن عبارة عن مستطيل 100 × 50 ذراع وطول السور 5 أذرع وتعلق على الأعمدة شقق كتان مبروم تكون السور. والأعمدة الستون رؤوسها مغطاة بالفضة (17:38)= تغشية رؤوسها من فضة.

والأعمدة لها قواعد من نحاس. والمدخل له ستارة ملونة معلقة على 4 أعمدة وعرض المدخل 20 ذراع وارتفاعه نفس ارتفاع السور 5 أذرع.

والأعمدة مرتبطة ببعضها عن طريق قضبان فضية وكل عمود مثبت في الأرض بأوتاد وأطناب (حبال) وقاعدة نحاسية والأوتاد نحاسية.

ودار المسكن هي الفناء الخارجي المكشوف الذي يحيط بخيمة الاجتماع في السور الأبيض الذي يحيط بالمسكن (كتان) نرى إعلان بر الله في المسيح هذه الدار الخارجية تمثل شعب الله في برية هذا العالم. فهم معزولون عن العالم (سور) في حماية الله. والسور مغطى بكتان أبيض تشير للبر والنقاوة وسط الخيام السوداء التي للشعب (فخيام الشعب غالباً من شعر المعيز الأسود) والسور طوله 100 + 50 + 100 + 50 ويطرح منه طول الباب فيصبح 280 ذراعاً وهذه المسافة هي نفسها طول الشقق الملونة 28×10. هذا هو شعب المسيح الذي لبس المسيح "البسوا المسيح" الذي بلا خطية صار خطية لأجلنا لنصبح نحن بر الله فيه. ولاحظ أنه لم تذكر المادة المصنوع منها الأعمدة. وقد يفهم من (10:27) أن الأعمدة من النحاس مثل القواعد ولكن هذا لم ينص عليه، كما أن بعضهم أثبت استحالة هذا فمن (29:38) نجد أن النحاس الذي استعمل 70 وزنة فقط ومن هذا نستبعد استعمال النحاس. ولذلك استقر كثيرين أنها من خشب. لكن كما ذكرنا فإنه حين يغفل الكتاب ذكر شئ فهو يريد أن يقول شئ. والمهم هنا أن مهما كانت المادة المستخدمة فقد اختبأت وراء السور الكتاني (البوص المبروم). هذا يشير لشعب المسيح الذي لبس المسيح ومن يختبئ في المسيح لا يعود يذكر ماذا كان أو ماذا هو المهم أن المسيح غطاه. "وإن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض.. هذه صفة النقاوة وراجع (رؤ14:7 + 8:19) فالكتان هو تبررات القديسين أي أعمالهم البارة وهذا لا يتم إلا في المسيح + (1يو5:3) هكذا ألبس الله يشوع (زك5) + (1يو17:4، 2:3). إذن المسيح منحنا إمكانية أن نحيا في قداسة حتى في هذا العالم. "أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني".

ولاحظ أن ارتفاع السور 5 أذرع فمن ناحية رقم (5) يشير أن هذا التبرير هو نعمة من الله ولكنه يشير لمسئوليتي في أن أعمل على حفظ الوصية.

وكانت قواعد الأعمدة من نحاس فنخن حصلنا على هذا التبرير بواسطة فداء المسيح الذي ألبسني رداء البر (أش10:61 + 1كو30:1)

 

الأعمدة:

هم 60 عمود (60 = 12 × 5) 12هم شعب الله، 5 رقم النعمة والمسئولية. فهم شعب الله اللابس براً بنعمة الله ولكن عليهم أن يحفظوا أنفسهم وحواسهم ويقدسوا طاقاتهم لحساب المسيح.

العمود مختفي وراء الستر الأبيض ومعتمد وثابت على قاعدة نحاس وله رأس مغطى بالفضة. هنا نرى المسيح الذي احتمل الدينونة (نحاس) ليوفي مطاليب عدل الله ويقدم للخاطئ الفداء الكامل (الفضة). ولاحظ أيضاً أن النحاس يشير للثبات وحين حان وقت الصليب ثبت المسيح وجهه لينطلق إلى أورشليم (لو51:9) وهناك رزز فضية تعلق فيها الستائر البيضاء وهذه الصورة تحمل لذهننا الارتباط بين المسيح برنا والمسيح فداؤنا.

ولو حدث واعتبر كل مسيحي أنه معزول عن شر العالم فلن يرى العالم فينا سوى الكتان الأبيض. وقد تشير الرؤوس الفضية والرزز الفضية لكلمة الله في الكرازة فالكنيسة المبررة المعزولة عن شر العالم هي كارزة بكلمة الله.

والأعمدة موصولة بقضبان فضية تشير لارتباط الكنيسة في جسد واحد (أف8:3 + جا9:4،10،12). والسيد المسيح يريد هذه الوحدة "إذا اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون في وسطهم" (مت20:18) فهذه إرادته أن نجتمع وباسمه. وكيف نجتمع باسم المسيح؟ هذا لا يتم إلا حينما نجتمع مع كلمة الله (قضبان الفضة). والمسيحي (العمود) نراه الآن مختفي وراء الستر الأبيض (بر المسيح) ومرتبط مع إخوته في ضوء كلمة المسيح. والقاعدة النحاسية هي موت المسيح، ومعنى هذا أن بموت المسيحي عن العالم وخطيته مع المسيح فحينئذ يثبت في بر المسيح، هذه هي القاعدة للعمود، موتى مع المسيح هذا ما يعطيني ثبات فالقاعدة تثبت العمود. ومن له أساس لن يهتز أمام أي صعاب.

وأعمدة المدخل 4 فالمدعو للدخول كل العالم. وفي تطلعنا لليمين واليسار نجد 3 أعمدة من كل جهة فهو دخول للإنعزال عن الشر مع رجاء في القيامة.

 

الأوتاد والأطناب:

(خر19:27، 18:35، 40:39، عد26:3،37، 26:4،32). فالأوتاد كانت من نحاس والأطناب أي حبال ولم تذكر أي مادة للأطناب ولكن حيث أن المواد المذكورة في استعمال الخيمة لم يضاف لها شئ أو أي مادة غريبة فغالباً يكون الأطناب من البوص المبروم مع خيوط إسمانجوني.. الخ وهذا يعني أن المسيح في الأطناب أيضاً، فالأوتاد والأطناب لحماية الأعمدة ضد الرياح والسيول ومحبة المسيح التي لم تستطع سيول كثيرة أن تطفئها هي مثل الأطناب التي تربط قلوبنا بشخصه وهي التي تحمينا وتثبتنا أمام سيول وعواصف برية هذا العالم. ولاحظ أن الأطناب كانت تحفظ العمود مستقيم. وغالباً فالأغطية الخارجية للمسكن (الخيمة) كانت تربط بأوتاد وأطناب. عموماً فالأطناب هي ربط المحبة.

وفي (أر20:10) هنا قطع الأطناب علامة خراب الأمة وهكذا عكس (أش2:54) فهي تشير للكنيسة المقامة مع المسيح والتي ستشمل العالم كله.

والأوتاد هي للتثبيت وفي (زك4:10) يشار للمسيح بأنه الوتد فهو الذي يثبت كل مقاصد محبة الله ورحمته ويربطها بنا نحن الذين على الأرض. راجع (أش22:22،23) ولأن المسيح هو وتدنا فنحن سنشاركه ثباته فمجده. والوتد نصفه يكون مدفوناً في الأرض ونصفه ظاهراً في الهواء لربط الأطناب. وهذا يشير لدفن المسيح وقيامته. وهذا ما يحدث لي في المعمودية من موت مع المسيح وقيامة، ثم التناول من جسده ودمه.

 

باب الخيمة:

الباب عريض 20 ذراع أي مفتوح للجميع فهو ليس باباً ضيقاً، وهو ضعف عرض باب الخيمة أو الحجاب. هنا نجد المسيح فاتحاً ذراعيه ليرحب بكل من يأتي إليه من كل أنحاء العالم (أربع أعمدة). ولاحظ أن الخيمة كلها لها باب واحد والباب هو المسيح "أنا هو الباب" (يو9:10). وكما أن الباب يفيد القبول هكذا يفيد القضاء فعند الباب كان يجلس القضاة (تث18:16 + را 1:4) وفي المسيح يجتمع المعنيان فهو الذي فتح لي الباب بأن احتمل القضاء والدينونة لذلك هو الطريق الوحيد للقبول أمام الله. وحين يتساءل أحد كيف وأنا الخاطئ استطيع الدخول للأقداس يجيب المسيح أنا هو الباب وأنا هو الطريق.

ولاحظ أن مساحة كل الأبواب واحدة         باب الخيمة 20×5 = 100 ذراع2

باب المسكن 10×10 = 100 ذراع 2

باب الحجاب 10×10=100 ذراع2

ولا عجب في ذلك فكلها تشير للمسيح الذي به الدخول.

والباب عبارة عن ستارة بوص وبها الألوان إسمانجوني.. الخ وبدون كاروبيم. إذاً لا أحد يمنعنا من الدخول. وهذه المواد كما رأينا تشير للمسيح. والستارة معلقة برزز فضة وهذه هي بشارة الإنجيل كلمة الله تدعو الجميع أن يأتوا ليدخلوا.

 

الآيات (20،21): "وأنت تآمر بني إسرائيل أن يقدموا إليك زيت زيتون مرضوض نقيا للضوء لإصعاد السرج دائما. في خيمة الاجتماع خارج الحجاب الذي أمام الشهادة يرتبها هرون وبنوه من المساء إلى الصباح أمام الرب فريضة دهرية في أجيالهم من بني إسرائيل."

زيت الزيتون المرضوض هو أنقى أنواع الزيت وهذا يحصل عليه بدق الزيتون في الهاون وليس بطحنه. وكان هذا النوع خالياً من الشوائب. وهذا الزيت يستخدم لإيقاد المنارة ولكن لماذا هذه الآيات هنا؟ هذه مقدمة للكهنوت إصحاحي (28،29). فلا كهنوت بدون عمل الروح القدس (الزيت). وعمل الكاهن أن يضئ الطريق لشعبه طالما كان الوقت مساء (فترة هذا العالم) من المساء إلى الصباح فريضة دهرية= هذه وظيفة الكهنة حتى يأتي المسيح شمس البر.


 

الإصحاح الثامن والعشرون

ملابس رئيس الكهنة:

الآيات (1-5): "وقرب إليك هرون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي هرون ناداب وابيهو العازار وايثامار بني هرون. واصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك للمجد والبهاء. وتكلم جميع حكماء القلوب الذين ملأتهم روح حكمة أن يصنعوا ثياب هرون لتقديسه ليكهن لي. وهذه هي الثياب التي يصنعونها صدرة ورداء وجبة وقميص مخرم وعمامة ومنطقة فيصنعون ثياباً مقدسة لهرون أخيك ولبنيه ليكهن لي. وهم يأخذون الذهب والإسمانجوني والأرجوان والقرمز والبوص."

فهمنا أن الخيمة بمشتملاتها ترمز للسيد المسيح في حياته وفي تقديم نفسه ذبيحة والسيد المسيح كان هو الذبيحة وهو الكاهن الذي قدم نفسه ذبيحة. ولذلك نجد هنا تفاصيل ملابس الكهنوت وبالذات رئيس الكهنة، فالمسيح هو رئيس كهنتنا الأعظم. ونجد صورة لطقوس التكريس والعبادة وهي تحمل صورة رائعة لذات الأمر "المسيح رئيس كهنتنا". فالكهنوت اليهودي هو رمز لكهنوت السيد المسيح، أما الكهنوت المسيحي فهو اختفاء العاملين في بيته الروحي في هذا الكاهن الأعظم، الذي وحده في حضن الآب قادر بدمه الطاهر أن يشفع فينا ليدخل بنا إلى هذا الحضن الإلهي. الكاهن المسيحي يعمل لحساب المسيح باسمه وليس لحساب نفسه. هو وكيل يدير أمور موكله (أع12:3 + 1كو10:15)

ولا توجد خيمة ولا خدمة بدون كهنوت. وراجع (خر32-42) لترى أن الثياب الكهنوتية من ضمن عمل مسكن خيمة الاجتماع. وهذه الملابس هي للمجد والبهاء، ليس لمجد الكاهن إنما هي لمجد السيد المسيح الذي يمتثل به الكاهن، يحمل سماته ويختفي داخله.

ويرى القديس أثناسيوس أن هرون لبس ثياباً كهنوتية ليعمل ككاهن. وكان هذا رمزاً لابن الله الذي لبس جسداً حتى يخدم لحسابنا ككاهن يشفع فينا بدمه.

وتكلم جميع حكماء القلوب الذين ملاتُهُمْ روح حكمة:- الله ملأهم بالروح القدس ليصنعوا الثياب مرة أخرى نعود لعبارة القداس "تجسد من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم" وقرِّب إليك= هي بالعبرية قرَّب ومن نفس أصل الكلمة قربان راجع (لا2:1). فكلمة قرّب هنا تستخدم مع تقديم ذبيحة. راجع (دا 13:7) نجد نفس الكلمة مستخدمة. والمعنى أن الكلمة تشير أن المسيح قُدِّم ذبيحة. ويصير بهذا معنى قرِّب إليك هرون=أن هرون هنا يشير للمسيح الذي قدم نفسه ذبيحة. لأن كلمة قرب تستخدم مع تقديم ذبائح. فهو رئيس كهنة وهو ذبيحة.

 

الآيات (6-14): "فيصنعون الرداء من ذهب واسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص مبروم صنعة حائك حاذق. يكون له كتفان موصولان في طرفيه ليتصل. وزنار شده الذي عليه يكون منه كصنعته من ذهب واسمانجوني وقرمز وبوص مبروم. وتأخذ حجري جزع وتنقش عليهما أسماء بني إسرائيل. ستة من أسمائهم على الحجر الواحد وأسماء الستة الباقين على الحجر الثاني حسب مواليدهم. صنعة نقاش الحجارة نقش الخاتم تنقش الحجرين على حسب أسماء بني إسرائيل محاطين بطوقين من ذهب تصنعهما. وتضع الحجرين على كتفي الرداء حجري تذكار لبني إسرائيل فيحمل هرون أسماءهم أمام الرب على كتفيه للتذكار. وتصنع طوقين من ذهب. وسلسلتين من ذهب نقي مجدولتين تصنعهما صنعة الضفر وتجعل سلسلتي الضفائر في الطوقين."

الرداء / الأفود:

مكونة من نصفين متصلين عند الكتف ويوضع على كل كتف ستة أحجار فيكون الإجمالي 12 بعدد الأسباط ومنقوش أسماء الأسباط عليهم. وكل مجموعة محاطة بطوق ذهب.

ونجد هنا نفس المواد (بوص مبروم.... وهي تشير للمسيح. ونجد هنا شئ جديد أنها تدخل فيها خيوط الذهب وهذه تشير للاهوته المتحد بناسوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير.

وكلمة أفود تعني غطاء أو يرتدي وهي كلمة عبرية تطلق بصفة عامة على الملابس الكهنوتية (1صم28:2) وكان ظهور رئيس الكهنة في الخيمة لابساً رداؤه عملاً من أعمال الشفاعة المستمرة (عب25:7) والأفود كان هو ثوب الكاهن الممسوح الرسمي.

ونجده هنا يحمل على كتفيه أسماء بني إسرائيل منقوشة على حجارة جزع. وهذه هي صورة المسيح الراعي الصالح الذي يحملنا على كتفيه، هو يحمل الكل حتى أضعف واحد بقوة فائقة ورعاية كاملة. ونجد نفس الأحجار على الصدرة أي على صدرِهِ بالقرب من قلبه وهذا تعبير عن المحبة غير المحدودة.

زنار شد الرداء: ومواده هي نفس مواد الرداء وكان على الرداء ليشد به على رئيس الكهنة فكان بمثابة منطقة للرداء وهذه تشير لخدمة المسيح كرئيس كهنة والتي يقوم بها لأجلنا أمام الله. وحجري الجزع: كانت الحجارة الكريمة التي ذُكِرَت في الجنة لأول مرة (تك12:2) فهكذا كنا في الجنة، حجارة كريمة. وهي الآن على كتفي رئيس الكهنة، إذاً هذا وعد بأن المسيح سيعيدنا كحجارة كريمة على كتفيه وعلى صدره.

ولاحظ أن الحجارة محاطة بطوقين ذهب فالله يريد أن يحيطنا بمجده. وهكذا في الجنة كان هناك حجارة الجزع وذهب جيد (تك12:2) ويُذكر الذهب مع حجارة الجزع فحينما يوجد الجزع يكون محاطاً بالذهب.

 

الآيات (15-30): "وتصنع صدرة قضاء صنعة حائك حاذق كصنعة الرداء تصنعها من ذهب واسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص مبروم تصنعها. تكون مربعة مثنية طولها شبر وعرضها شبر. وترصع فيها ترصيع حجر أربعة صفوف حجارة صف عقيق احمر وياقوت اصفر وزمرد الصف الأول. والصف الثاني بهرمان وياقوت ازرق وعقيق ابيض. والصف الثالث عين الهر ويشم وجمشت. والصف الرابع زبرجد وجزع ويشب تكون مطوقة بذهب في ترصيعها. وتكون الحجارة على أسماء بني إسرائيل اثني عشر على أسمائهم كنقش الخاتم كل واحد على اسمه تكون للاثني عشر سبطاً. وتصنع على الصدرة سلاسل مجدولة صنعة الضفر من ذهب نقي. وتصنع على الصدرة حلقتين من ذهب وتجعل الحلقتين على طرفي الصدرة. وتجعل ضفيرتي الذهب في الحلقتين على طرفي الصدرة. وتجعل طرفي الضفيرتين الآخرين في الطوقين وتجعلهما على كتفي الرداء إلى قدامه. وتصنع حلقتين من ذهب وتضعهما على طرفي الصدرة على حاشيتها التي إلى جهة الرداء من داخل. وتصنع حلقتين من ذهب وتجعلهما على كتفي الرداء من اسفل من قدامه عند وصله من فوق زنار الرداء. ويربطون الصدرة بحلقتيها إلى حلقتي الرداء بخيط من اسمانجوني لتكون على زنار الرداء ولا تنزع الصدرة عن الرداء. فيحمل هرون أسماء بني إسرائيل في صدرة القضاء على قلبه عند دخوله إلى القدس للتذكار أمام الرب دائما. وتجعل في صدرة القضاء الأوريم والتميم لتكون على قلب هرون عند دخوله أمام الرب فيحمل هرون قضاء بني إسرائيل على قلبه أمام الرب دائما."

الصدرة:

ليس من السهل معرفة هذه الأنواع المذكورة من الحجارة الكريمة. لكن يكفينا أنها حجارة كريمة في نظر الله فالله يحب أولاده هكذا بهذا المقدار. وراجع (حز13:28) فهكذا كانت صفات الشيطان. أيضاً وعلى هذه الحجارة منقوش أسماء بني إسرائيل كنقش الخاتم= وقارن مع "هوذا على كفي نقشتك" (أش16:49). وكون الأحجار مثبتة على الصدرة فهذه تساوي "لا يخطفها أحد من يدي" (يو28:10). والصدرة لا يمكن أن تسقط لأسفل فهي مربوطة بسلاسل ذهبية.

وهي أيضاً لا يمكن أن تنزع من الأفود فهي مربوطة بحلقات ذهبية وبخيط إسمانجوني والحلقات تكون دائرية رمز لمحبة المسيح الأبدية، فالدائرة لا بداية ولا نهاية لها.

ولاحظ أن هناك سلاسل لربط الصدرة بالكتف وهذه تشير لقوة ذراع الرب التي تعتني بأولاده. وكل حركة من حركات الذراع تؤثر على السلسلة وبالتالي على الصدرة وكل الحركات وكل الأمور تعمل معاً للخير. ويكون الذراع والقلب متحدان في العمل بلا انقطاع لتدعيم مسيرة أولاده وجهادهم. وهذا يعني إجعلني كخاتم على قلبك، كخاتم على ساعدك" (نش6:8) على قلبك حيث المحبة قوية وعلى ساعدك حيث القوة التي تحفظني والمسيح هو الذي عَمِل عمل الخلاص بقوة ذراعه ثم حملنا في قلبه أو هو بسبب الحب في قلبه اسلم نفسه لأجل كنيسته وتمم لها الخلاص بذراعه" (أف25:5).

 

الأوريم والتميم:

قارن الشواهد (عد21:27 + تث8:23-10 + 1صم6:28 + عز63:2) ومن هذا نستنتج أنهما يستخدمان لإعلان فكر الله من جهة المسائل التي تقع وسط الشعب وغالباً فقد كان رئيس الكهنة يدخل إلى القدس فقط لسؤال الله. وهناك احتمال بأن الحجرين كان مكتوب علي أحدهما نعم وعلى الآخر لا وكان يسطع نور على أحدهم بعد سؤال وصلاة رئيس الكهنة. وهناك رأى آخر أن الحجرين ربما كانا من أحجار الجزع اللواتي على الصدرة. ورأى ثالث بأن الأحجار كانت داخل الصدرة فهي مثنية. وهي تسمى صدرة القضاء بسبب وجود هذه الأحجار عليها. (أوريم جمع أور= نور، تميم جمع تم = كمال) أنوار وكمالات.

 

الآيات (31-35): "وتصنع جبة الرداء كلها من اسمانجوني. وتكون فتحة رأسها في وسطها ويكون لفتحتها حاشية حواليها صنعة الحائك كفتحة الدرع يكون لها لا تشق. وتصنع على أذيالها رمانات من إسمانجوني وأرجوان وقرمز على أذيالها حواليها وجلاجل من ذهب بينها حواليها. جلجل ذهب ورمانة جلجل ذهب ورمانة على أذيال الجبة حواليها. فتكون على هرون للخدمة ليسمع صوتها عند دخوله إلى القدس أمام الرب وعند خروجه لئلا يموت."

والآية (39): "وتخرم القميص من بوص وتصنع العمامة من بوص والمنطقة تصنعها صنعة الطراز."

الجّبة والقميص المخرّم راجع ملحوظة في آخر الإصحاح عن القميص المخرم.


الرمانة: إسمانجوني وأرجوان وقرمز.

الجلاجل: ذهب "الجلاجل أولاً ثم الرمان" فصورة الروح القدس أولاً ونتيجة الاستجابة ثمار"

أول شئ يرتديه رئيس الكهنة هو القميص المخرم. وكلمة مخرم أي منسوج. وتخرم القميص أي تنسجه. (نوع من النسيج يكون مخرماً مشغولاً بشكل ورود إلخ. ويسمى ركامة أو شكله كالشبكة. ويلبس هذا القميص فوق جسده مباشرة. وباقي الملابس تلبس فوقه. ويلبس فوقه مباشرة الجبة وهي إسمانجوني ولها جلاجل ورمانات وفوق الجبة الرداء والصدرة. وإذا كانت الرداء والصدرة هي للمجد والبهاء وكان الكتان يشير للنقاوة فمعنى هذا أن رئيس الكهنة ما كان ليتمتع بالمجد والبهاء لو لا نقاوته الداخلية. والله ألبس آدم وحواء أقمصة من جلد بعد أن تعريا بسب الخطية وعصيانهما. وكلمة جلد ترد بصيغة المفرد أي أن جلد ذبيحة واحدة كان كافياً لكلاهما، جلد ذبيحة واحدة كافي للبشرية، هي ذ    بيحة المسيح الذي شهد الكل ببره حتى أعدائه ثم هو الآن في المجد. والقميص المخرم الأبيض هذا يشير لبر المسيح ونقاوته. وكان رئيس الكهنة يدخل بهذا القميص فقط، يوم الكفارة، إلى قدس الأقداس. إشارة للمسيح الذي ذهب للصليب باستحقاقات بره. ولكن حين يدخل رئيس الكهنة في باقي السنة ليتشفع عن الشعب ويُصَّلى ويسأل بالأوريم والتميم عن الشعب كان يلبس ملابس المجد والبهاء رمز للمسيح الذي عن يمين الآب الآن يشفع فينا. وفوق القميص يرتدي الجبة الإسمانجوني إشارة لأنه سماوي وهي لا تشق فالمسيح غير منقسم في كماله وكنيسته واحدة وحيدة.

الرمانات والجلاجل الذهبية: الرمان ثمر من ثمار الأرض المقدسة وأحضره الجواسيس معهم (عد23:13 + تث8:8). أما ثمار مصر التي تذكر قثاء وبطيخ- وكرات وبصل وثوم (عد5:11) وهي ثمار تظهر على الأرض مباشرة أو في باطنها. فطعام مصر أرض العبودية من مصادر أرضية منخفضة بينما ثمر الأرض المقدسة يظهر مرتفعاً عن سطح الأرض وعصير الرمان (نش11:6 + 12:7 + 2:8) هي ثمار تبهج الله راجع (غل22:5) إذاً الرومان يشير للثمار التي تفرح الله والرمانات معلّقة في الجبة الإسمانجونية فمن يحيا سماوياً يكون له ثمر يفرح الله ويكون له جلاجل ذهبية وهذه تشير للتسبيح والكرازة التي يسمعها العالم. ورئيس الكهنة حين يصلي ويسبح يسمعه الشعب ويصلي وراءه فلا يموت. وحتى لا نموت يجب أن يكون صِّوتنا سماوي مملوء قداسة. والمسيح حين دخل للسماء حل الروح القدس في داخلنا فكان صوت كرازة الرسل الذهبي وكان الإيمان وكان حلول الروح القدس فكانت الحياة للعالم وثمار حلول الروح القدس فينا. ولاحظ لون عصير الرمان الأحمر إشارة للدم وإشارة لشعب المسيح الذي على استعداد لسفك دمه حباً فهو عصير الحب.

 

الآيات (31-35): "وتصنع صفيحة من ذهب نقي وتنقش عليها نقش خاتم قدس للرب. وتضعها على خيط اسمانجوني لتكون على العمامة إلى قدام العمامة تكون. فتكون على جبهة هرون فيحمل هرون إثم الأقداس التي يقدسها بنو إسرائيل جميع عطايا أقداسهم وتكون على جبهته دائما للرضا عنهم أمام الرب. وتخرم القميص من بوص وتصنع العمامة من بوص والمنطقة تصنعها صنعة الطراز."

العمامة والصفيحة والمنطقة:

الصفيحة الذهب مكتوب عليها "قدس للرب" أي مكرس تكريساً كاملاً للرب. فرئيس الكهنة هو بالكامل للرب. هو ظاهر أمام الرب دائماً ليرضى الرب علينا. ونحن ممثلون في شخصه ومقبولون فيه، قداسته هي لنا. وكلما إزددنا معرفة بضعفنا وإثمنا كلما إزددنا إدراكاً لهذا الحق المذهل. والعمامة بوص إشارة لأن إكليل رئيس الكهنة هو البر (راجع زك5:3).

والجبهة رمز للفكر فكأن قرار التكريس قرار فكري إرادي. وهذا عكس ما حدث مع عزيا الملك حين ظهر البرص في جبهته. وعبيد الله سيكون لهم ختم على جباههم راجع (رؤ3:7، 1:14، 4:22). ونلاحظ هنا وجود تاج (ملك) + كهنوت (طقس ملكي صادق) وعبارة قدس للرب تشير للمسيح الذي هو البكر الذي تقبله الآب نيابة عنا. لقد قدس السيد حياته للآب بإسمنا لكي نصير نحن أيضاً مقدسين فيه، إذ يقول "من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق.

وكما كانت المنارة مضاءة دائماً وخبز الوجوه موجود دائماً والمحرقة دائمة. كان رئيس الكهنة يقدم نفسه كقدس للرب دائماً ممثل للشعب. فيحمل إثم الأقداس التي يقدسها بنو إسرائيل= أي العطايا المقدسة التي يقدمونها للرب. فإن أحسن تقدماتنا لله يرافقها إثم أيدينا وأقدس أعمالنا يداخلها العجب والأنانية لإرضاء الذات. ولاحظ أن إثمنا ناشئ أننا نعطي جزء لله وجزء للعالم، أي القلب موزع. ولكننا في المسيح الذي قدّس نفسه لأجلنا أي أصبح مكرساً بالكامل لله (قدساً للرب) نصبح فيه مقبولين.

 

المنطقة:

من كتان أبيض مطرّزة بخيوط ملوّنة. وكون رئيس الكهنة يمنطق ذاته بها فهذا إعلان عن استعداده للخدمة بعزم ثابت. وهذا ما صنعه السيد المسيح يوم خميس العهد.

 

ملابس بني هرون (الكهنة):

الآيات (40-43): "ولبني هرون تصنع أقمصة وتصنع لهم مناطق وتصنع لهم قلانس للمجد والبهاء. وتلبس هرون أخاك إياها وبنيه معه وتمسحهم وتملأ أياديهم وتقدسهم ليكهنوا لي. وتصنع لهم سراويل من كتان لستر العورة من الحقوين إلى الفخذين تكون. فتكون على هرون وبنيه عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع أو عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة في القدس لئلا يحملوا إثماً ويموتوا فريضة أبدية له ولنسله من بعده."

يلبس الكهنة العاديون رداء أبيض بسيط وعليه منطقة وغالباً هي بدون تطريز بالألوان. واللون الأبيض للمجد والبهاء. وهم يلبسون هذه الملابس سواء في القدس أو الدار الخارجية عند مذبح المحرقة. وثياب الكهنة أقمصة ومناطق وقلانس كلها من بوص أي كتان نقي. والمناطق استعداد للخدمة (أف14:6 + لو35:12،36 + 1بط13:1) والقلانس غير عمامة رئيس الكهنة وقد تكون لفائف من الكتان تلف كعصائب حول رأس الكاهن ويتضح هذا من قوله تشد لهم قلانس (9:29) وتغطية الرأس تفيد الزينة والخضوع (1كو11) فيه نجد أن المرأة تغطي رأسها كعلامة خضوع. والكاهن كممثل لشعبه أمام الله يغطي رأسه علامة خضوع الكنيسة أمام الله كعروس له.

السراويل:

كانت أول نتيجة للخطية أن الإنسان إكتشف عريه فشعر بالخجل من نفسه وإتجه تفكيره إلى اختراع طريقة لتهدئة ضميره وإخفاء عريه عن رفيقه قبل التفكير في عدم قدرته للوقوف أمام الله وفي حضرته. وهذا هو حال الإنسان حتى يومنا هذا. فكل واحد مهتم بمظهره أمام الآخرين بمظهر حسن، وهذا ما يوازي أوراق التين، ويشير لهذا أيضاً كل الديانات الوثنية ولكن حينما يستيقظ الضمير نشعر بعرينا أمام الله وإحتياجنا لمن يبررنا حقيقة (مز1:32،2)

 

أسماء العائلة الكهنوتية:

هرون= جالب النور أو العالي فهو رمز الرب يسوع، هو رأس العائلة الكهنوتية

ناداب= المنتدب أو المتطوع         

أبيهو= أبي هو أي الله أبوه

اليعازار= الله معين

إيثامار= أرض الثمر والنخيل

 

ملحوظة:

لم يذكر الكتاب أن رئيس الكهنة كان يرتدي حذاء. وهذا كما حدث مع موسى في حادثة العليقة لأنه واقف في أرض مقدسة. وهذا يظهره التاريخ أيضاً وخلع الحذاء يشير لخلع كل ما له صلة بالعالم حينما نقف أمام الرب.

 

القميص المخرم:

(قارن مع نش9:2) فالخروم تظهر شيئاً بسيطاً مما وراءها (هذا معنى يوصوص) والمسيح، جسده أخفى مجد لاهوته، لكنه كان يظهر من لاهوته الشئ البسيط كما حدث في التجلي وسلطانه على الشياطين وعلى الطبيعة.

رئيس الكهنة في ملابس المجد والبهاء.


 

الإصحاح التاسع والعشرون

تقديس الكهنة

كلمة تقديس معناها إنفصال عن الخطية إلى الله القدوس (لا26:20). والتقديس له جانبين الأول هو عمل الله والثاني هم دور البشر أن يمتنعوا عن الخطية. وعمل الله في التقديس ينسب للآب وينسب للابن وينسب للروح القدس. فبالنسبة للآب يقول يهوذا (يه1) المقدَّسين في الله الآب وبالنسبة للابن فهو قدس شعبه بدمه المقدسين في المسيح يسوع (1كو3:1). والروح القدس يقَّدَّس بتبكيته وبمعونته في تقديس الروح للطاعة (1بط3:1) أما عمل البشر فهو الجهاد حتى الدم للامتناع عن كل خطية.

وكان تقديس هرون وبنيه لوظائف الكهنوت يتم عن طريق 5 رموز

1- الغسل للتطهير (4) 2- الكساء بملابس كهنوتية (5-9)

3- المسحة لإعطائهم نعمة إلهية (7) 4- الذبيحة للكفارة والشكر (10-21)

5- ملء اليد (22-28) لإعطائهم سلطة ولتكريسهم.

وكان هذا يتم بعد أن اختارهم الرب (عب1:5) ويقدمون إلى باب الخيمة أي يقدمون للرب وإلى حضرته المقدسة في تكريس كامل.

وهنا يدعو الله هرون وبنيه للعمل الكهنوتي ويحدد لهم الثياب التي يلبسونها فيدركوا أن الله هو الذي دعاهم وسترهم بنفسه وأن القوة سرها في الله وليس منهم. ثم نجد طقساً طويلاً خاصاً بتقديسهم وتقديس ثيابهم الكهنوتية وتقديس المذبح الذي يخدمونه. وكأن الثلاثة يمثلون وحدة واحدة، فلا تقديس للكهنة ما لم يلبسوا السيد المسيح نفسه (الثياب المقدسة) ويحملوا سماته فيهم ويخدموا المذبح المقدس (الصليب).

واختيار الكهنة وتقديسهم كان إشارة إلى اختيار الابن الوحيد القدوس الذي قدس ذاته لهذا العمل الخلاصي "من أجلهم أقدس ذاتيَّ ليس بمعنى أن يحمل قداسة جديدة، إنما قد قدم وخصص وكرس حياته المقدسة لهذا العمل. وكما يرتدي الكهنة ملابسهم للعمل هكذا إرتدى الابن جسد بشريتنا ليقوم بعمله.

وكان الرب قد قال لموسى عن الشعب "وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة" (خر6:19). ومع هذا لم يترك الله الكهنوت لكل أفراد شعبه بل لمجموعة مختارة يتم تكريسها بالكامل لحساب الله ولخدمة مذبحه. ولو كان الكهنوت شيئا عاماً لكل إنسان لكان انتهى أمره فالعمل الذي يقوم به أي إنسان سرعان ما سوف يهمله كل إنسان. وتفهم كلمة مملكة كهنة أن الله يريدهم ان يكونوا مملكة لهم ملك يملك عليهم وكهنة يخدمون مذبحه نيابة عنهم. وفي العهد الجديد نفس الكلام تماماً فكثيرين يسيئون فهم قول بطرس الرسول وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي" وبالتالي يتصوَّرون الكهنوت هو حق للجميع. ولكن يجب أن نفهم أن هناك كهنوت عام لكل المسيحيين وهذا يشمل تقديم ذبائح روحية وذبائح تسبيح بل أن يقدم المسيحي نفسه ذبيحة حية وهناك كهنوت خاص فيه ينتخب الكهنة لخدمة المذبح وخدمة أسرار الكنيسة.

وطقس التكريس هنا طقس طويل حتى يشعر الكاهن بعظم المسئولية الملقاة على عاتقه ويشعر الشعب أن هذا العمل مكلف به هؤلاء الكهنة فقط فلا يفكروا في الاعتداء على هذه الوظيفة وهذا الطقس يعطي شعوراً للجميع أن هؤلاء الكهنة مختارين من الله نفسه (عب4:5،5) وكلمة تكريس أو تقديس الكاهن في العبرية يناظرها تملأ يد (آية9) وبالتالي يكون كبش الملء هو كبش التقديس والتكريس. وهناك احتمال بأن الكلمة أصلها وضع أجزاء من الذبيحة وترديدها في يد الكاهن. ولكن تعبير ملء اليد يعني ما هو أكثر من هذا:-

1.     فالكهنة أيديهم مملوءة فلا داعي للاهتمام بالتفاهات الأرضية مشغولين فقط بخدمته.

2.     الله يملأهم روحياً ليشبعوا الآخرين. ولا يجب أن يأتي إليهم أحد ويجدهم فارغين.

وهم لن يستطيعوا أن يملأوا قلوب الناس إن لم يملأ الله أياديهم[8] فهم يأخذون من ملئه.

 

الآيات (1-3): "وهذا ما تصنعه لهم لتقديسهم ليكهنوا لي خذ ثوراً واحداً ابن بقر وكبشين صحيحين. وخبز فطير وأقراص فطير ملتوتة بزيت ورقاق فطير مدهونة بزيت من دقيق حنطة تصنعها. وتجعلها في سلة واحدة وتقدمها في السلة مع الثور والكبشين."

موسى هو الذي يقوم بطقس التكريس وهو يقوم بهذا بدعوة إلهية. فالله دعاه وكرّسه ولكن لم يكرسه إنسان. ثم يقوم موسى بتكريس هرون وبنيه وبعد هرون يقوم الكهنة بتكريس أحدهم ولكن البداية من الله لموسى ثم من موسى لهرون وهكذا. وهذا ما حدث بالنسبة للكنيسة فقد نفخ المسيح في وجه تلاميذه وأرسلهم مملوئين وهم وضعوا الأيادي على آخرين وهكذا حتى اليوم. ولأن موسى كان مختاراً من الرب للقيام بعمل الكهنوت كان له نصيب الكاهن (26:29).

 

الآيات (1-9): "وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الاجتماع وتغسلهم بماء. وتأخذ الثياب وتلبس هرون القميص وجبة الرداء والرداء والصدرة وتشده بزنار الرداء. وتضع العمامة على رأسه وتجعل الإكليل المقدس على العمامة. وتأخذ دهن المسحة وتسكبه على رأسه وتمسحه.وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة. وتنطقهم بمناطق هرون وبنيه وتشد لهم قلانس فيكون لهم كهنوت فريضة أبدية وتملأ يد هرون وأيدي بنيه."

الغسل بالماء ولبس الملابس ودهن المسحة:

(آية4) إلى باب خيمة الاجتماع= خيمة الاجتماع هي المكان الذي يجتمع الله فيه مع شعبه. وهناك يجتمع الشعب والله مسرور بوجوده في وسطهم. ولذلك فباب خيمة الاجتماع هو المكان المناسب لتكريس الوسيط بين الله وشعبه، أي رئيس الكهنة هرون. وتغسلهم= في طقس التكريس كان الكهنة يغسلون كلية من رأسهم لأرجلهم، كل الجسد (رمز المعمودية). أما بعد ذلك فطول فترة خدمتهم يغسلون أيديهم وأرجلهم فقط (رمزاً للتوبة) (خر9:30 + يو10:13) وغسل الكهنة ضروري ليعرفوا أن من يحمل أواني الله يجب أن يكون طاهراً. وعلى الكهنة أن يعرفوا دائماً ويشعروا دائماً أنهم محتاجين للغسيل كما يُصَّلى في القداس الكاهن ويقول "إعط يا رب أن تكون مقبولة أمامك ذبيحتنا عن خطاياي وجهالات شعبك". والكاهن يحتاج للغسيل أما المسيح فقد اعتمد وهو غير المحتاج ليكمل كل بر، إغتسل إعلاناً لطهارته. وليتمم لنا طريق التبرير.

 

الآيات (5،6): إرتداء الملابس جزء من طقس تقديس الكهنة. وما أن يرتدي رئيس الكهنة ملابسه يصير ممثلاً للسيد المسيح. ولذلك يسميها للمجد والبهاء. فكان الغسيل هو للتطهير من الخطايا ولكن هذا لا يكفي بل عليهم وضع رداء للبر ويرتدوا لباس نعمة الروح (مز9:132).

 

آية (7): طالما لبس رئيس الكهنة ملابسه وصار ممثلاً للمسيح يسكب الدهن على رأسه. كما حل الروح القدس على المسيح. وهذا تم قبل تقديم أي ذبيحة إشارة إلى حلول الروح القدس في السيد المسيح حلولاً أقنومياً منذ الأزل وإشارة لحلول الروح القدس عليه بعد خروجه من الماء قبل أن يُقدَّم نفسه ذبيحة. أما الكهنة العاديين فكان ينضح عليهم من دهن المسحة بعد تقديم الذبيحة ومسحهم بالدم أولاً. فبالنسبة لرئيس الكهنة يسبق الحلول الذبيحة وبالنسبة للكهنة تسبق الذبيحة المسح بالدهن. فالمسيحي لا يمكن أن يحصل على الروح القدس إلا باستحقاقات دم المسيح ومن المؤكد فما يحصل عليه رئيس الكهنة أكثر من الكهنة فهو رمز للمسيح (مز7:45 + عب9:1) ولاحظ "عبارة أكثر من رفقائك" والكهنة العاديين لم يقال عنهم أن الدهن سُكِب على رؤوسهم بل ملابسهم. فالدهن يسكب على رأس رئيس الكهنة كما حل الروح القدس على المسيح بعد عماده والمسيح رأس الكنيسة. وكان هذا الحلول لحساب الكنيسة حتى يسيل الدهن على لحيته أي شعبه (شعب المسيح) (مز2:133).

 

الآيات (10-14): "وتقدم الثور إلى قدام خيمة الاجتماع فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الثور. فتذبح الثور أمام الرب عند باب خيمة الاجتماع. وتأخذ من دم الثور وتجعله على قرون المذبح بإصبعك وسائر الدم تصبه إلى اسفل المذبح. وتأخذ كل الشحم الذي يغشي الجوف وزيادة الكبد والكليتين والشحم الذي عليهما وتوقدها على المذبح. وأما لحم الثور وجلده وفرثه فتحرقها بنار خارج المحلة هو ذبيحة خطية."

 

ذبيحة الخطية:

تفاصيل الذبائح في سفر اللاويين ونجد فيما يلي مجرد بعض ملحوظات.

1.     هذه الذبيحة تعبِّر عن المسيح وقد حمل خطايانا لهذا يضع هرون وبنيه أيديهم على رأس الثور. ولا نسمع أنها للرضى والمسَّرة فهي تشير إلى ثقل ومرارة ما حمله المسيح عنا ولهذا صرخ المسيح "نفسي حزينة حتى الموت".

2.     يأخذ من دم الثور ويجعله على قرون المذبح بإصبعه. والمعنى أن الدم هو الذي يعطي القوة للمذبح. وسائر الدم يصبه إلى أسفل المذبح بمعنى مؤسس على الدم.

3.     حرق لحم الثور وجلده خارج المحلة يشير لتألم المسيح خارج المحلة حتى يخرج الكهنة معه حاملين عاره في خدمتهم لشعبه.

4.     هذه الذبيحة هي للتكفير عنهم (أي تغطيتهم). فهم الكهنة حتى يقدموا ذبائح للتكفير عن الشعب كان يلزمهم أن يقدموا ذبائح للتكفير عن أنفسهم (عب27:7،28). وكان الكهنة يأكلون من لحم ذبائح الخطية التي يقدمها الشعب عن أنفسهم والمعنى أنه كأن الكاهن يزيل خطايا مقدم الذبيحة. ولكن الذبائح المقدمة عن الكهنة تأكلها النار كلها إشارة للإله المنتظر أن يأتي من السماء ليحمل خطايا الجميع.

 

الآيات (15-18): "وتأخذ الكبش الواحد فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الكبش. فتذبح الكبش وتأخذ دمه وترشه على المذبح من كل ناحية. وتقطع الكبش إلى قطعه وتغسل جوفه وأكارعه وتجعلها على قطعه وعلى رأسه. وتوقد كل الكبش على المذبح هو محرقة للرب رائحة سرور وقود هو للرب."

 

ذبيحة المحرقة:

هذه الذبيحة تقدم جانباً آخر للصليب، فإن كانت الأولى تحمل ثقل خطايانا فهذه لا علاقة لها بالخطية بل هي تعلن طاعة المسيح للآب حتى الصليب، طاعة إرادية غير إضطرارية وحين يضع هرون وبنيه أياديهم على راس الذبيحة يصيروا واحداً معها. فيحملوا روح الطاعة الكاملة التي للمسيح فيهم. فكما يشتم الآب رائحة طاعة المسيح رائحة سرور هكذا يشتم رائحة الكهنة وكهنوتهم رائحة سرور ورضا (راجع يو38:6 + في8:2). وذبيحة المحرقة تغسل قطعها وترتب على المذبح إعلاناً عن قداسة المسيح ونقاوته خارجياً وداخلياً وهكذا ينبغي أن يكون الكهنة. ونلاحظ اختلاف الكلمة المستخدمة لحرق أنواع الذبائح فمع ذبيحة الخطية تستعمل كلمة يحرق وأيضاً مع البقرة الحمراء. أما كلمة يوقد التي تستعمل أيضاً مع البخور فتستعمل مع ذبائح المحرقة وأجزاء من ذبيحة السلامة ومن ذبيحة الخطية فهي إشارة لسرور الرب بالطاعة الكاملة للمسيح.

 

الآيات (19-35): "وتأخذ الكبش الثاني فيضع هرون وبنوه أيديهم على رأس الكبش. فتذبح الكبش وتأخذ من دمه وتجعل على شحمة إذن هرون وعلى شحم آذان بنيه اليمنى وعلى أباهم أيديهم اليمنى وعلى أباهم أرجلهم اليمنى وترش الدم على المذبح من كل ناحية. وتأخذ من الدم الذي على المذبح ومن دهن المسحة وتنضح على هرون وثيابه وعلى بنيه وثياب بنيه معه فيتقدس هو وثيابه وبنوه وثياب بنيه معه. ثم تأخذ من الكبش الشحم والإلية والشحم الذي يغشي الجوف وزيادة الكبد والكليتين والشحم الذي عليهما والساق اليمنى فانه كبش ملء. ورغيفاً واحداً من الخبز وقرصاً واحداً من الخبز بزيت ورقاقة واحدة من سلة الفطير التي أمام الرب. وتضع الجميع في يدي هرون وفي أيدي بنيه وترددها ترديداً أمام الرب. ثم تأخذها من أيديهم وتوقدها على المذبح فوق المحرقة رائحة سرور أمام الرب وقود هو للرب. ثم تأخذ القص من كبش الملء الذي لهرون وتردده ترديداً أمام الرب فيكون لك نصيباً. وتقدس قص الترديد وساق الرفيعة الذي ردد والذي رفع من كبش الملء مما لهرون ولبنيه. فيكونان لهرون وبنيه فريضة أبدية من بني إسرائيل لأنهما رفيعة ويكونان رفيعة من بني إسرائيل من ذبائح سلامتهم رفيعتهم للرب. والثياب المقدسة التي لهرون تكون لبنيه بعده ليمسحوا فيها ولتملأ فيها أيديهم. سبعة أيام يلبسها الكاهن الذي هو عوض عنه من بنيه الذي يدخل خيمة الاجتماع ليخدم في القدس. وأما كبش الملء فتأخذه وتطبخ لحمه في مكان مقدس. فيأكل هرون وبنوه لحم الكبش والخبز الذي في السلة عند باب خيمة الاجتماع. يأكلها الذين كفر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم وأما الأجنبي فلا يأكل لأنها مقدسة. وأن بقي شيء من لحم الملء أو من الخبز إلى الصباح تحرق الباقي بالنار لا يؤكل لأنه مقدس. وتصنع لهرون وبنيه هكذا بحسب كل ما أمرتك سبعة أيام تملأ أيديهم."

 

شريعة الملء (كبش الملء)

ذبيحة كبش الملء هي ذبيحة سلامة ولكن بشكل خاص أي لها بعض الفروق عن ذبيحة السلامة العادية. وذبيحة السلامة هي شركة مع الله ومع الآخرين. هنا نجد صورة حية للتقديس فبعد ما يضع هرون وبنيه أياديهم على رأس الكبش، أي يعلنون إتحادهم معه وكأنهم يعلنون طاعتهم الكاملة لله ورفضهم الكامل للخطية حتى لو وصلت الطاعة لسفك الدم مثل هذه الذبيحة التي يرش دمها على أجسادهم وثيابهم لتطهيرهم وتقديسهم بالكلية فتكون حياتهم وأعمالهم كلها للرب ويأخذ موسى من الدم ويجعله على شحم أذانهم اليمني وأباهم أيديهم اليمني وأباهم أرجلهم اليمني. وكأن أذانهم وأياديهم وأرجلهم قد تقدمت وتكرست في طاعة كاملة لخدمة الله تماماً. كل كلمة يسمعها الكاهن (بل أن الآذن تعبير عن كل الحواس الخمس) وكل حركة وكل عمل (أرجل وأيدي) إنما يكون لحساب موكله. لقد تقدس له بالكامل لذلك فإن هذه الذبيحة التي للتقديس هي "رائحة سرور أمام الرب" ويجب أن نعرف أن هذا لم يحدث بالكامل سوى في المسيح.

 

مسح الثياب المقدسة (21)

في ذبيحة المحرقة رأينا الدم كله لله والذبيحة كلها لله وهذا يعني أن الله له مجد كهنوتهم. وفي هذه الذبيحة نجد مفهوم الشركة بين الله وبينهم ففي آية (20) نجد الدم يرش على المذبح وفي (21) نجد جزء من الدم يرش على ثياب الكهنة بل وعلى الكهنة مع الزيت وبهذا يفهم الكهنة أنهم تقدسوا من رأسهم حتى أخمص قدميهم لحساب الرب. والدم والزيت معاً إشارة لدم المسيح الذي يقدس ولنعم الروح القدس التي سيحصلون عليها. ومفهوم الشركة مع الله نجده في لحم الذبيحة فجزء من اللحم للمذبح وجزء للكهنة يأكلونه.

 

ملء أيدي الكهنة والترديد

إذ تقدست أيدي الكهنة يضع فيها الأجزاء المقدسة من كبش الملء ويقومون بالترديد أي تقديمها للرب، وكأنها أول ذبيحة تمتد يدهم التي تقدست لتقديمها أمام الرب والترديد يكون برفع الذبيحة لأعلى أي إلى الله ثم يحركها للأمام ثم إلى الخلف. وتحريكها للأمام أي أن هذه الأجزاء هي مِلْكٌ لك يا رب ثم للخلف تعني وأعطيتها لنا وكان موسى ينقل لهم النعمة ويسلمها لهم بأن يرفع أياديهم ويرددها حتى يستطيعوا هم أن يرفعوا أيدي الشعب ويرددوها.

وكان يُعَبَّر عن الكهنوت أو التعيين أو التكريس في الكهنوت بملء اليد (قض12:17 + 1مل33:13) وكان التقديس يعتبر ملئاً لليد لأن الشخص يتسلم به نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. واليد هنا تعبر عن الشخص نفسه فاليد هي التي تقبل المنح والعطايا لذلك نرفع أيدينا في الصلاة منتظرين النعم. فالملء هو ملء من نعمة الكهنوت وسلطانه وحقوقه. وكان بعض الشعوب تستخدم هذا التعبير في تنصيب ملوكها حين يعطى الملك صولجانه والكنيسة تعطى الإنجيل والحية للأسقف. أما كهنة اليهود فكانوا يأخذون من قطع لحم الذبيحة إشارة للكهنوت المسيحي الذي يشترك فيه الكاهن مع الشعب في ذبيحة الإفخارستيا. وحيث أن قطعة لحم ذبيحة الخطية التي يأكلها الكاهن هي قطعة من الذبيحة التي حملت خطايا الخاطئ الذي قدمها. فأكل الكاهن لها هو إشارة للمسيح الكاهن الأعظم الذي حمل خطايانا.

والفرق بين ذبيحة كبش الملء وذبيحة السلامة العادية أنه في طقس ذبيحة السلامة يعطى الكاهن الرجل اليمنى ولكن هنا الكاهن يعطي نصيبه للرب في حفل تقديسه وتكريمه وكلمة ملء تشير لإمتلاء أيدي هرون وبنيه فقد كانت تملأ بالأجزاء الدسمة من الكبش وبأقراص الفطير التي يمتلكونها ويشعرون ويقدرون قيمتها ممتلئين بها. وهم سبق لهم في ذبيحة الخطية أن نقلت خطيتهم عنهم إلى الذبيحة وإذ تفرغت تلك الأيدي من الذنب تمتلئ الآن بتلك الأجزاء المختارة من الذبيحة. وهي مبادلة عجيبة حقاً!! فقد وضع على المسيح إثم جميعنا وخطايانا حملها وبدلاً من ذلك ملأ قلوبنا من شخصه وعندما رددت هذه الأشياء أمام الرب وهي في أيدي هرون فكأنهم هم أنفسهم قُدّموا لله كتقدمة ترديد وهم مملوءون بالمسيح ومتحدون معه فاستقرت عيناه الله على الأشياء الثمينة التي في أيديهم (رمز المسيح) وبها صاروا مكرسين ككهنة. ثم تقدم للمذبح كمحرقة فكأن الكهنة يتحدون أنفسهم بالمحرقة أمام الله.

وبالنسبة للآية (22) راجع سفر اللاويين أما زيادة الكبد فهناك من يقول أنها هي الحجاب الحاجز الذي يتحرك مع كل نفس فكأن كل نفس مكرس لله أيضاً (وغالباً هي المرارة) ووجود الخبز في التقدمة يشير للمسيح خبز الحياة وعدم وجود خمير، فالكل فطير، يشير للمسيح الذي بلا خطية فالخمير ينتشر في العجين كله بسرعة وهكذا الشر.

وفي آية (32) نجد الله يأمرهم أن يأكلوا عند باب خيمة الاجتماع وفي هذا إشارة للدخول في عهد بين الله وبين الكهنة وهو إشارة لأن الله يتعهدهم كخدام له. هم يتعهدون بتكريس أنفسهم لله وهو يتعهد بهم حتى في أكلهم وشربهم هذا غير النعمة التي يعطيها لهم. وكان على الكهنة أن يتغذوا بتلك الأشياء التي كفر بها عنهم لملء أيديهم لتقديسهم وهكذا نرى الكفارة والتقديس والملء كلها متضمنة في الذبيحة التي صارت طعامهم ومصدر حياتهم وقوتهم (1كو18:10). إذاً هناك شركة وحب بينهم، وهذا الأكل تقديس وتثبيت لهم (يو54:6،55).

وفي (26) نجد أن نصيب موسى كنائب ليهوة هو القص أي الصدر. وهذا يرمز لمحبة الله لابنه المحبوب الذي ترمز إليه الذبائح.

ولاحظ أن في طقس ذبيحة السلامة كان نصيب الكهنة هو الساق والصدر ونجد هنا أنهم أصبحوا نصيباً للرب فموسى يأخذ الصدر والمذبح يأخذ الساق (لا34:7) ونصيب هرون وبنيه في ذبائح سلامة الشعب هو الصدر وساق الرفيعة (27،28) وكلمة الرفيعة نستخدمها حين نقول نرفع صلاة أو نرفع ذبيحة فهي مرفوعة لله.

 

مسح الثياب المقدسة (29،30)

تقدس الثياب بالدم والمسحة (لا30:8) ليلبسها الكاهن سبعة أيام، لا يخرج فيها من باب خيمة الاجتماع (لا33:8) + (لا35:8). هذا يعني أن الكاهن الذي قدَّم حياته ذبيحة حب لله ولخدمته وبعد أن لبس الملابس الكهنوتية المقدسة وتقدست حياته الداخلية وتصرفاته الظاهرة يليق به أن يبقى كل حياته (رقم7 رقم كامل) حافظاً لشعائر الرب ولا يرتبك بأي عمل زمني. هي فترة مقدسة فيعزل فيها الكاهن عن حياة سابقة ليبدأ حياة جديدة.

 

(آية33): الأجنبي هنا أي العلماني فهو غير مسموح له أن يأكل.

وباقي الطقس تجده في سفر اللاويين (طقس ذبيحة السلامة)

 

الآيات (36،37): "وتقدم ثور خطية كل يوم لأجل الكفارة وتطهر المذبح بتكفيرك عليه وتمسحه لتقديسه. سبعة أيام تكفر على المذبح وتقدسه فيكون المذبح قدس أقداس كل ما مس المذبح يكون مقدساً."

مع أن الكهنة قُدَّم عنهم ذبيحة خطية وتقَّدسوا إلا أنهم ينبغي أن يشعروا دائماً بأن "خطيتهم أمامهم في كل حين وأنهم محتاجين للدم بصفة مستمرة ومحتاجين للتوبة بصفة مستمرة لذلك كان يقدم كل يوم ثور خطية عنهم. وهذه الذبائح هي لتقديس المذبح 7 أيام أي تكريساً كاملاً وهكذا يتقبل الله من شعبه هذا المذبح الذي يقدسه ويجعله قدس أقداس وخلاله تقبل الذبيحة لتقديس شعبه والتكفير عنهم. وكثرة تكرار الذبائح تشير أنها غير كاملة وهم في انتظار لذاك الذي يأتي ليقدم نفسه ذبيحة مرة واحدة. والمذبح لم يخطئ فلماذا يقدم عنه ذبيحة خطية؟ هذا بسبب خطايا من يخدمون المذبح. فهو يتنجس بنجاسة وخطايا الكهنة. ومهما كان الإنسان الذي يتقدم للخدمة فهو غير مستحق.

 

الآيات (38-49): "وهذا ما تقدمه على المذبح خروفان حوليان كل يوم دائماً. الخروف الواحد تقدمه صباحاً والخروف الثاني تقدمه في العشية. وعشر من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرض وسكيب ربع الهين من الخمر للخروف الواحد. والخروف الثاني تقدمه في العشية مثل تقدمة الصباح وسكيبه تصنع له رائحة سرور وقود للرب. محرقة دائمة في أجيالكم عند باب خيمة الاجتماع أمام الرب حيث اجتمع بكم لأكلمك هناك. واجتمع هناك ببني إسرائيل فيقدس بمجدي. واقدس خيمة الاجتماع والمذبح وهرون وبنوه أقدسهم لكي يكهنوا لي. واسكن في وسط بني إسرائيل وأكون لهم إلهاً. فيعلمون أنى أنا الرب إلههم الذي أخرجهم من ارض مصر لأسكن في وسطهم أنا الرب إلههم."

 

التقدمة اليومية

بعد أن تكلم عن الكهنوت يكلمنا هنا عن وظيفة الكاهن وهي تقديم ذبائح بصفة مستمرة صباحاً ومساءً. وعلى كل مسيحي ككاهن روحي بالمفهوم العام أن يقدم ذبائح تسبيح وشكر (صلوا بلا انقطاع) طول النهار. وغرض الذبائح المستمرة كما هو محدد في آية (43) "حيث اجتمع بكم.... فيقدس بمجدي" فالشعب يتقدس بحلول الله وسطهم. الله يريد أن يسكن في وسطنا ليقدسنا.

وتقديم سكيب خمر هو رمز للفرح فالله يفرح بنا وبمحرقاتنا وبصلواتنا ويريد أن يشركنا في هذا الفرح. ولاحظ أن الله يفرح بمن هو على استعداد أن يسكب نفسه لأجله (2تي6:4). هي عبادة يومية صباحاً ومساءً تعبيراً عن الشكر لمراحم الله المستمرة. وهي محرقة دائمة رمز لشفاعة المسيح الدائمة عنا. والله يريد أن يسكن في وسطنا يقدسنا ويكون مجداً لنا. ولكن من الذي سيتمتع بهذا؟ هؤلاء الذين يلتصقون ببيته مقدمين ذبائح تسبحتهم دائمة. حيث اجتمع بكم لأكلمك هناك= هو يجتمع بالشعب ويكلم شخص واحد قد يكون موسى كممثل للشعب وقد يكون المقصود الشعب كوحدة واحدة فالله يريد أن يكون شعبه واحداً. في العشية= في العبرانية الكلمة تعني بين العشاءين فاليهود كان عندهم عشاءان. وحسب ما يقول المفسرون أن العشاء الأول حوالي الساعة التاسعة أي الثالثة ظهراً وبعده كان يقدم محرقة المساء أي بين الساعة التاسعة والحادية عشر.


 

الإصحاح الثلاثون

الآيات (1-10): "وتصنع مذبحاً لإيقاد البخور من خشب السنط تصنعه. طوله ذراع وعرضه ذراع مربعاً يكون وارتفاعه ذراعان منه تكون قرونه. وتغشيه بذهب نقي سطحه وحيطانه حواليه وقرونه تصنع له إكليلاً من ذهب حواليه. وتصنع له حلقتين من ذهب تحت إكليله على جانبيه على الجانبين تصنعهما لتكونا بيتين لعصوين لحمله بهما. وتصنع العصوين من خشب السنط وتغشيهما بذهب. وتجعله قدام الحجاب الذي أمام تابوت الشهادة قدام الغطاء الذي على الشهادة حيث اجتمع بك. فيوقد عليه هرون بخوراً عطراً كل صباح حين يصلح السرج يوقده. وحين يصعد هرون السرج في العشية يوقده بخورا دائماً أمام الرب في أجيالكم. تصعدوا عليه بخوراً غريباً ولا محرقة او تقدمة ولا تسكبوا عليه سكيباً. ويصنع هرون كفارة على قرونه مرة في السنة من دم ذبيحة الخطية التي للكفارة مرة في السنة يصنع كفارة عليه في أجيالكم قدس أقداس هو للرب."

 

مذبح البخور:

المذبح 1 × 1 × 2 ذراع وهو من خشب مغشى بذهب. إذاً هو يشير للمسيح الإله المتأنس.

وهو مذبح بلا ذبيحة فهناك ذبائح الحمد والتسبيح (مز3:50، 22:107، هو2:14، مز2:141، عب15:13) وخدمة الفقراء (عب16:13) وتقديم الإنسان نفسه ذبيحة حية. هذا ما يجعلنا نقتني حياة الرب يسوع.

جاء الحديث عن مذبح البخور بعد الحديث عن مذبح المحرقة حيث أدينت الخطية وتحولت إلى رماد حينئذ نقدر خلال المسيح الكاهن الأعظم أن ندخل إلى المقدسات

الإلهية (القدس وما فيه وفيما بعد لقدس الأقداس نفسه).

إلى نهاية الإصحاح 27 نرى إعلان الله للإنسان في المسيح رمزياً في كل ما رأيناه من قطع الخيمة. وهنا نجد الاقتراب لله لذلك نجد موضوع الكهنوت يتوسطهم (28،29) وفي نهاية ص29 نجد المحرقة الدائمة فلا اقتراب لله سوى بالمسيح المحرقة الدائمة. وبأن نقدم أنفسنا محرقة كذلك.

 

بين مذبح المحرقة ومذبح البخور

(مز3:84). "لهم ارتباط وثيق ببعضهما البعض"

1.     خلال المذبح النحاس دفع الدين لكي ندخل إلى بر المسيح وفي شركة معه (على المائدة نجد شركة جسده ودمه) وفي المنارة نستنير بالروح القدس، بل نرى الأمجاد الإلهية فوق الكاروبيم.

2.     في مذبح النحاس نجد المسيح مواجهاً نيران عدل الله وغضبه وعند مذبح الذهب نراه يشبع قلب الله برائحة الرضا. هو عند مذبح المحرقة يطفئ نار غضب الله أما عند مذبح البخور يوقد نار الحب.

3.     حين ينتهي المؤمن من ذاته وخطيته ويدفنها عند مذبح المحرقة حينئذ ينشغل بالمسيح فيلتهب حبه ناراً وحين يصلب أهوائه وشهواته عند مذبح المحرقة يصير رائحة المسيح الزكية الصاعدة بخوراً عطراً. ولكن كل من لازال يتمتع بالشر يحرم نفسه من بركة شركة الأقداس.

4.     قرون مذبح النحاس تشير أن المسيح ملجأ حصين للخاطئ وقرون مذبح البخور تشير لقوة شفاعة المسيح الكفارية. وقرون مذبح النحاس تشير للقوة والسلطان لنا ضد عدو الخير.

5.     كان الدم يؤخذ من على مذبح المحرقة حيث تذبح الذبيحة ويوضع على قرون مذبح البخور في مناسبتين (لا7:4،18 ذبيحة خطية رئيس الكهنة أو رئيس + لا18:16 يوم الكفارة).

6.     كان هرون بعد تقديم المحرقة. في كل صباح وكل مساء يدخل تواً للقدس ليقدم البخور، فهو يدخل باستحقاقات المحرقة. أي أن المحرقة أساس شفاعة المسيح. وكان هرون أيضاً بعد تقديمه للمحرقة يصلح السرج للمنارة وهذا يعني أن المحرقة أساس عمل الروح القدس في المؤمنين.

7.     كانت النار تؤخذ من على مذبح المحرقة في مجامر خاصة إلى مذبح البخور.

 

ثلاثة تحذيرات

1.     ستعمال بخور غريب (آية9) إذن المطلوب استعمال البخور المحددة مواصفاته فيما بعد وإذا كان البخور يشير للمسيح فالمعنى أنه لا تقبل أي شفاعة ولا تقدمة خارج المسيح.

2.     تقديم محرقة أو تقدمة أو سكيب على مذبح البخور. فالمسيح في شفاعته الكفارية الآن أي بعد دخوله للأقداس وجلوسه عن يمين الآب لا يعود يقدم ذبيحة ثانية.

3.     التحذير من تقديم نار غريبة (لا12:16، 1:10) غير التي خرجت من عند الرب. والنار هي الروح القدس وإلهنا نار آكلة. والمطلوب في العبادة أن تكون بالروح لا بالإنفعالات.

 

البخور رائحة زكية:

يقول معلمنا بولس الرسول في (2كو14:2) "ولكن شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لأننا رائحة المسيح الزكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة".

وهذه الصورة اقتبسها بولس الرسول من واقع الحياة في الدولة الرومانية. فكان قائد الجيش الروماني بعد أن ينتصر في معركة يدخل إلى المدينة منتصراً. ويتبعه موكب من الأسرى فيحرقون البخور قدامه ثم يقدمون الأسرى للأسود ويكون البخور رائحة حياة للمنتصرين (القائد وجنوده) ورائحة موت للأسرى المهزومين. والرسول استخدم هذا التشبيه لكل من يسمع بشارة الإنجيل ويظل غير مؤمن، فهو يظل في حالة الموت والأسر، أما كل من يشتم رائحة المسيح ويقبله فيكون له رائحة حياة. والبخور يشير لصلوات المؤمنين التي تتصاعد في استحقاقات الرب يسوع وهذا يتم برفع بخور من الكنيسة الأرضية مع بخور هو صلوات القديسين وصلوات السمائيين وتقدم هذه الصلوات أمام العرش الإلهي (رؤ8:5-14).

ولو كان هناك مذبح بخور داخلنا لصرنا رائحة المسيح الزكية ومذبح البخور داخلنا يكون بأن نصلي بلا انقطاع (1تس17:5،18) ولاحظ قول داود "لا اعطى لعيني نوماً ولا لأجفاني نعاساً إلى أن أجد موضعاً للرب" (مز131). ويكون هذا بأن يرى الناس أعمالنا الحسنة فيمجدوا أبانا الذي في السموات ولاحظ قول المسيح "انا مجدتك على الأرض" (يو4:17،5) وبهذا قدم ذبائح حمد. ونحن نقدم ذبائح حمد وتسبيح نكون مذبح للبخور. ويكون هذا أيضاً بأن نلهج في ناموس الرب نهاراً وليلاً (مز2:1) ليكون القلب تابوت عهد يستقر فيه لوحي الشريعة. ويكون هذا بالإمتلاء من الروح القدس فنستنير وننير ويكون هذا بالشركة من جسد الرب ودمه.

ولاحظ أن للمذبح عصوين فكل هذا (تسبيح وأعمال... ) ينبغي أن نمارسه طوال رحلتنا في غربة هذا العالم. وأيضاً العصوين يشيران لشفاعة المسيح المستمرة عنا.

ولكن فلنعود ونلاحظ أن المذبح مربع (1×1) ذراع وهذا يعني أن المسيح الذي يشفع فينا هو أيضاً ديان لا يريد من شعبه أن يكون متهاوناً مع الخطية. والمذبح ارتفاعه 2 ذراع إشارة للمسيح المتجسد بسبب خطايا البشر. والمائدة طولها 2 ذراع بينما مذبح البخور ارتفاعه 2 ذراع. والسبب أن المائدة تشير لشركة الكنيسة الأرضية في جسد المسيح ودمه أما مذبح البخور فيشير لإمتداد جسد المسيح الواحد من الأرض للسماء، من الأرض حيث الكنيسة المجاهدة إلى السماء حيث الكنيسة المنتصرة فكنيسة الأرض ممتدة أفقياً وكنيسة السمائيين ممتدة راسياً وهذا عمل الصليب الذي وحد الكنيستين على خشبتيه الأفقية والرأسية.

 

اختفاء رقم (4) من مذبح البخور

مفهوم ضمناً أن عدد قرون المذبح (4) قرون من التشابه مع مذبح النحاس. ومعروف ضمناً أن عدد الحلقات 4 حلقات اثنين من كل جهة ولكن لا نجد إشارة لعدد القرون على مذبح البخور وتأتي الكلمات التي تشير لعدد الحلقات بطريقة غامضة لا توضح هل هم حلقتين أم (4) حلقات حلقتين من كل جهة. والرسم الموجود يمثل الحالة الأولى أن مذبح البخور له حلقتين حلقة من كل جهة. فرقم 4 يمثل العالم وحقاً فإن المسيح في فدائه مات عن كل العالم لكنه الآن في مجده وعمل شفاعته الكفارية هو بوجوده عن يمين الآب، هناك هو في السماء ظاهر لأجلنا وهناك في السماء والمجد لا مجال للحديث عن رقم (4) رقم العالم الضعيف ورقم الخليقة الضعيفة.

ولكن حتى يتقابل المسيح مع الناس نجد مذبح البخور خارج قدس الأقداس. ولكن حتى نفهم معنى الأحداث راجع (لا16) فرئيس الكهنة هرون كان ممنوعاً دخوله لقدس الأقداس سوى مرة واحدة مع ذبيحة الخطية ومع سحابة من البخور في مجمرته الذهبية هنا المجمرة دخلت للأقداس عوضاً عن مذبح البخور (لا12:16). هنا المجمرة الذهبية تمثل المسيح في مجده ظاهراً في الأقداس السماوية. والمجمرة الذهبية يأخذها هرون معه لقدس الأقداس بعد تقديم ثور الخطية ومعنى هذا أن هرون رئيس الكهنة يمثل المسيح بالجسد بعد أن قدم ثور الخطية (المسيح الذبيحة) يدخل للأقداس (المجمرة الذهبية) ليشفع فينا. وقد سبق القول أن كل ما يمثل المسيح هو خشب مغشى بالذهب حتى يكون هذا مثالاً للناسوت واللاهوت. لكن هنا نجد المجمرة الذهبية بلا خشب في داخلها ولكن علينا ألا ننسى شخص هرون كممثل لناسوت المسيح فهو مع المجمرة يمثلان الناسوت واللاهوت. والآن نفهم أن المجمرة تمثل المسيح في مجده لذلك فبولس الرسول استعاض عن المذبح الذهبي (مذبح البخور) بالمجمرة الذهبية في (عب4:9) فحين كتب بولس الرسول هذا كان الحجاب قد إنشق وطريق الأقداس أصبح مفتوحاً وظاهراً (عب25:7)

 

كلمة أخيرة فالمسيح هو المذبح الذي به تصبح صلواتنا وذبائحنا مقبولة (عب15:13) ولا نسمع عن رقم

(مذبح البخور 1 × 1× 2) فالبشر لا دور لهم في شفاعة المسيح الكفارية.

 

الآيات (11-16): "وكلم الرب موسى قائلاً. إذا أخذت كمية بني إسرائيل بحسب المعدودين منهم يعطون كل واحد فدية نفسه للرب عندما تعدهم لئلا يصير فيهم وبأ عندما تعدهم. هذا ما يعطيه كل من اجتاز إلى المعدودين نصف الشاقل بشاقل القدس الشاقل هو عشرون جيرة نصف الشاقل تقدمة للرب. كل من اجتاز إلى المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعداً يعطي تقدمة للرب. الغني لا يكثر والفقير لا يقلل عن نصف الشاقل حين تعطون تقدمة الرب للتكفير عن نفوسكم. وتأخذ فضة الكفارة من بني إسرائيل وتجعلها لخدمة خيمة الاجتماع فتكون لبني إسرائيل تذكاراً أمام الرب للتكفير عن نفوسكم."

 

فضة الكفارة:

·        كان المطلوب عن كل شخص ½ شاقل فضة وهي تساوي تقريباً 7.5جم فضة وكان عدد الأشخاص الذين هو فوق 20 سنة المطلوب منهم تقديم هذا المبلغ 603550 شخصاً، مطلوب منهم 301775 شاقل ومع ملاحظة أن الوزنة= 3000شاقل يكون المتحصل 100وزنة + 1775 شاقل واستخدمت المائة وزنة في صنع قواعد الألواح وأعمدة الحجاب وهم 100قاعدة، كل قاعدة وزنة فضة أما ال1775 شاقل المتبقية فاستخدمت في عمل رزز وقضبان الأعمدة لدار المسكن.

·        وهناك ضريبة أخرى نسمع عنها في (عد40:3-51) موضوعها أن كل بكر مقدس للرب وقد أُخِذَ اللاويين بدلاً من الأبكار ولكن وُجِدَ أن عدد اللاويين 22000 والأبكار وُجِدَ عددهم 22273 ويكون الفرق 273 طُلِبَ من كل منهم 5 شواقل والمتحصل صنع منه الأبواق الفضية.

·        وسن العشرين هو الذي كان اللاويين يبدأون فيه خدمتهم وهو أيضاً سن التجنيد أي السن التي يصبح فيها الإنسان مستعداً للجهاد ولخدمة الله.

·        ½ شاقل= 10 جيرات والجيرة كانت تساوي وزن 11 قمحة تساوي تقريباً 6قروش. إن كان البخور هو ذبيحة الحب التي يقدمها الكهنة داخل القدس باسم الجماعة كلها، لكن الشعب التزم بتقديم مساهمة حب في نفقات الخيمة من كل الرجال فوق 20 عاماً دون تمييز بين غني وفقير. فهي تحمل روح جماعية في خدمة بيت الله. وهي تشير أيضاً حيث أنها فضة كفارة لإقرارهم بأنهم خطاة محتاجين للفداء وإعترافاً منهم بمراحم الله الذي نجاهم. لا فرق بين غني وفقير أو ذو مواهب أو من لا مواهب له، الكل يقف أمام الله في احتياج لكفارته. كل واحد مسئول عن نفسه ويقف كخاطئ أمام الله، من لا يدفع يصير فيه وبأ ومن لا يدفع هو من يشعر أنه لا يحتاج للفداء.

·        ويلاحظ أن التقدمة رمزية فستة قروش هي في متناول الجميع أي مجاناً. ونحن نعلم أن الخلاص مجاني لكن الكل ملزم بأن يجاهد حتى الدم ولكن كل جهاد نقوم به ما هو إلا شئ بسيط لا يزيد عن ½ شاقل بالقياس لعمل المسيح. هذا ما نسميه الجهاد والنعمة. وهذا ما يتضح في قصة الخمس خبزات والسمكتين (هذا هو الجهاد) وهذه الكمية البسيطة أشبعت الجموع وتبقى منها (هذه هي النعمة).

·        ½ شاقل = 10 جيرات ورقم 10 نجده في الوصايا ونجده في ارتفاع الألواح فهذا الفداء كان بسبب كسرنا للوصايا. وجهادنا الآن أن نحفظ الوصايا. وهي تعني أن فداء المسيح بسبب خطيتي كان فداءً كاملاً واستوفى مطاليب العدل الإلهي. ولكن من يجاهد يستفيد من الفداء (هذا معنى النصف شاقل) فالكل نجا من فرعون وخلص منه وعبر البحر الأحمر لكن يجب دفع النصف شاقل.

·        كان من يدفع هذه القيمة من يتجند أو يخدم الهيكل (اللاويين) وكل منا هو جندي في جيش الله خداماً لإسمه ملتزمين أن نحيا في قداسة (1كو20:6).

·        تحولت هذه الضريبة إلى ضريبة سنوية على اليهود لمصروفات الهيكل وهناك احتمال أن موضوع الدرهمين (مت25:17-27) كان إشارة لهذه الضريبة لذلك طلب المسيح من بطرس أن يصطاد سمكة بداخلها المبلغ. وأخذ المبلغ من السمكة إشارة لموت المسيح الذي دفع عني الثمن. لكن الاحتمال الأصح أن هذه الضريبة كانت هي التي تدفع للرومان كجزية.

·        (1بط18:1،19) هنا الفضة المقصودة هي فضة الكفارة.

·        لئلا يصير فيهم وبأ= هذا ما حدث مع داود (2صم10:24-17).

 

الآيات (17-21): "وكلم الرب موسى قائلاً. وتصنع مرحضة من نحاس وقاعدتها من نحاس للاغتسال وتجعلها بين خيمة الاجتماع والمذبح وتجعل فيها ماء. فيغسل هرون وبنوه أيديهم وأرجلهم منها. عند دخولهم إلى خيمة الاجتماع يغسلون بماء لئلا يموتوا أو عند اقترابهم إلى المذبح للخدمة ليوقدوا وقودا للرب. يغسلون أيديهم وأرجلهم لئلا يموتوا ويكون لهم فريضة أبدية له ولنسله في أجيالهم."

المرحضة:

هي إناء نحاس مستدير كان الكهنة يغسلون فيه أياديهم وأرجلهم قبل الدخول للخيمة وقل تقديمهم ذبائح على مذبح المحرقة وهي من نحاس وتشير إذن لدينونة الخطية والنجاسة. وليس بها خشب سنط إذن هي لا تشير للمسيح بل للروح القدس الذي يبكت على خطية (يو8:16).

وهو يشير للروح القدس العامل في المعمودية التي هي موت مع المسيح وقيامة. وبدون استعمال المرحضة لم يكن الكاهن يقدر أن يدخل للخيمة، وهكذا بدون المعمودية لا دخول للسماء (يو5:3). وهي تأتي مباشرة بعد المذبح أي الصليب فالمعمودية عملها مبني على الصليب فهي موت مع المسيح وقيامة.

وكان من يدخل الخيمة هم الكهنة الممسوحين ونحن بعد المعمودية نجد سر الميرون الذي به يمسح المعمد ليحصل على الروح القدس ويصير كاهناً روحياً (الكهنوت العام) فيكون له حق التمتع بشركة جسد المسيح (المائدة). والاستنارة (المنارة) وله الحق في شفاعة المسيح الكفارية وله أن يعاين أمجاد الله (التابوت).

وكان غسل هرون بالماء هو تأهيل هرون ليكون نقياً للخدمة وهذا رمز للمسيح القدوس في ذاته. أما قداسة الكنيسة ففي اتحادها بالمسيح.

وكان الكهنة عند تقديسهم للخدمة في المرة الأولى يغتسلون إغتسالاً كاملاً أي غسل الجسد كله في المرحضة (أي استحمام) وهذا يشير للمعمودية (تي4:3،5)

وكانت المرحضة تستخدم أيضاً في التطهير اليومي للكهنة عند خدمتهم (دخول الخيمة أو تقديم ذبيحة) وكان هذا بغسل الأيدي والأرجل وهذا يرمز للتوبة والأرجل ترمز للسلوك والأيدي للأعمال والتوبة هي النية لتغيير كلاهما.

 

وهناك كلمتان عبريتان ولهما نظير في اليونانية لكلا الاستعمالين وهما:

لوفو= استحمام أو غسل كامل، بنتو = غسل الأيدي والأرجل

وفي كلام الرب لبطرس (يو10:13) استعمل السيد المسيح كلا الكلمتين

الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه بل هو طاهر كله

وهي الذي قد (لوفو) ليس له حاجة إلا إلى (بنتو) رجليه بل هو طاهر كله ولذلك نحن لا نكرر المعمودية وتسمى التوبة معمودية ثانية.

وهذا الكلام من الواقع اليهودي والكهنوت اليهودي فكيف يفهمه الرومان؟

أقام الرومان حمامات عامة يستحم فيها الجمهور ويخرج منها الشخص نظيف تماماً لكن بعد أن يسير في الشوارع تتسخ قدماه فهم كانوا يلبسون صنادل مفتوحة وكان من العادات السائدة وقت الرومان أن يأكل الناس وهو راقدين وأرجلهم إلى الخلف ويأتي صاحب البيت المضيف ويغسل أرجل ضيوفه. وهذا ما فعله المسيح بغسل أرجل تلاميذه فهم ضيوف مائدته، وهذا ما يفعله في غسل قلوبنا وتنقيتنا وبالمفهوم الروماني لكلام المسيح أن من اغتسل (في الحمام العام) وسار في الشوارع لا تكون له حاجة لإعادة حمامه بل يحتاج لغسل قدميه فقط. والمسيح لم يذكر شئ عن غسل الأيدي فهو يشير بالأكثر للعادة الرومانية. وغسل الأرجل روحياً لازم نتيجة السير في العالم والاحتكاك بخطاياه فيلزمنا التوبة لنتمتع بأمجاد القدس.

ولاحظ أن الكاهن الذي يدخل الخيمة آتياً من حرارة الجو في سيناء حيث الشمس المحرقة ثم يرطب جسده بالماء فينتعش هكذا من يقدم توبة يشعر بالانتعاش بعد طول عبودية للخطية واستعباد لها في ألم كألم الشمس الحارقة. وهناك تأمل بأن البحر في سفر الرؤيا كان من زجاج أي بلا ماء فنحن هناك بلا خطية وفي فرح دائم لا حاجة لنا لما ينعشنا فنحن في انتعاش دائم.

والمرحضة يأتي ذكرها بعد مذبح البخور لأن لا قيمة للتوبة إلا بشفاعة المسيح الكفارية الدائمة. المسيح الآن أتم عمله الكفاري وجلس عن يمين الآب ونحن في هذا العالم مازلنا نجاهد ونخطئ ونحتاج للتوبة والغفران (الغسيل).

 

المرحضة ليس لها أبعاد:

فالله قادر أن يغفر الخطايا مهما كان نوعها. ولأنها تمثل الروح القدس والروح لم يتجسد فلا نجد لها أبعاد.

 

قاعدة المرحضة:

سمعنا من قبل في وصف المنارة قوله المنارة وقاعدتها وهنا يقول المرحضة وقاعدتها. ومن المؤكد أن هناك قاعدة ترتكز عليها المنارة وقاعدة ترتكز عليها المرحضة فما معنى قوله وقاعدتها وتكرار هذا؟

 

كما سبق ورأينا أن كل ما لا يدخله خشب السنط فهو لا يشير للمسيح وهذه القطع هي:

1.     غطاء تابوت العهد.

2.     المنارة.

3.     المرحضة.

ونرى أن غطاء تابوت العهد يغطى التابوت نفسه والتابوت رمز للمسيح، بينما الغطاء يرمز لله في مجده. أما المنارة فتشير للروح القدس الذي يعطي استنارة للكنيسة والمرحضة تشير للروح القدس الذي يبكت الخطية ويدينها ويعطي الغفران للتائبين ويعمل في سر المعمودية ويعطي للمعمد موتاً ودفناً مع المسيح (ليموت جسد الخطية) وقيامة مع المسيح. وكون أن لكل قطعة لا تشير للمسيح قاعدة فهذا يعني أن الله حتى يتعامل مع الإنسان الخاطئ فهذا يستلزم أن تكون هناك قاعدة أو أساس لتعامل الله مع الإنسان وهذا الأساس هو تجسد المسيح وفداؤه. إذاً القاعدة تشير لأساس تعامل الله مع الخاطئ وهو المسيح المتجسد.

 

المرحضة مصنوعة من مرايا المتجندات (خر8:38)

المرايا قديماً كانت تصنع من النحاس اللامع. وهنا نجد بعض المتجندات قد ضحوا بمراياهن النحاسية وصنعت منها المرحضة ولكن لماذا الإشارة إلى أن المرحضة من هذه المرايا؟ المرايا تتحدث عن الإعجاب بالذات والمشغولية بالذات وبالباطل وهذا يسبب الكبرياء (أش23:3) وهذا ما حدث مع الفريسي المعجب بذاته (لو11:18) "اشكرك يا رب أني لست خاطئاً مثل باقي الناس". وما هو دور الروح القدس هو يدين الخطية في داخلي (النحاس رمز الدينونة) وهذا ما حدث مع السامرية في لقائها مع المسيح. في هذا اللقاء مع الروح القدس، لقاء التبكيت تستبدل مرآة الكبرياء البشري بمرآة إلهية تعكس حالتي وتريني الله، وحين يصنع المسيح هذا يصرخ الفريسي مع العشار "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" هكذا كان بولس يفتخر بنفسه معجباً بنفسه أنه فريسي ابن فريسي.. (في4:3-7) ولكنه حين تقابل مع الروح القدس حسب كل شئ نفاية (في8:3) بل صرخ في مكان آخر قائلاً "الخطاة الذين أولهم أنا" وفي مكان ثانٍ يقول "ويحي أنا الإنسان الشقي" وهذا يحدث معنا بالتأمل في كلمة الله فهي كمرآة تكشف كل الشر الذي فينا (يع23:1-25). وحين نرى حقيقة أنفسنا بكل الشر الذي فينا نرى أننا نحتاج للغسيل. حين نأتي إلى الله فاحص القلوب والكلى نجد أننا نحتاج له ليطهرنا فأتخذ قراراً بالتوبة أي قرار بتغيير هدفي من الإنشغال بالعالم للإنشغال بالله. ومرائي المتجندات صنعت في مصر أرض العبودية والثانية أي المرحضة هي من تصميم الله. وهناك معنى آخر للمرآة يتضح من قول بولس الرسول في (1كو12:13) فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه. لأن أعرف بعض المعرفة لكن حينئذ سأعرف كما عرفت" والمعنى أننا حينما نتأمل الآن في كلمة الله نرى ملامح السماويات فننشغل بها وبالمسيح الذي أعد لنا هذا المجد عوضاً عن الانشغال بأنفسنا.

 

ملحوظات:

1.     كل ما هو خارج الخيمة نحاس ولا يوجد ذهب وما داخل الخيمة ذهب ولا يوجد نحاس وإن كان نحاس يشير للدينونة فلا دينونة على من هم في المسيح.

2.     في المرحضة نجد الكهنة يغسلون الأيدي والأرجل أما في (يو13) أشار المسيح لغسل الأرجل فقط، وحقاً هذه عادة رومانية لكن تفسيرها الروحي أن التوبة أي حين أغير قراري وهدفي يكون هذا غسيل لرجليَّ أما الأيدي فهي تشير للعمل وحينما أغير هدفي وأتجه للمسيح يصير المسيح شريكاً في كل عمل صالح.

3.     كيف نغسل أقدام بعضنا البعض راجع (غل1:6 + الاعتراف يع16:5)

 

الآيات (22-33): "وكلم الرب موسى قائلاً. وأنت تأخذ لك افخر الأطياب مراً قاطراً خمس مئة شاقل وقرفة عطرة نصف ذلك مئتين وخمسين وقصب الذريرة مئتين وخمسين. وسليخة خمس مئة بشاقل القدس ومن زيت الزيتون هيناً. وتصنعه دهنا مقدساً للمسحة عطر عطارة صنعة العطار دهناً مقدساً للمسحة يكون. وتمسح به خيمة الاجتماع وتابوت الشهادة. والمائدة وكل آنيتها والمنارة وآنيتها ومذبح البخور. ومذبح المحرقة وكل آنيته والمرحضة وقاعدتها. وتقدسها فتكون قدس أقداس كل ما مسها يكون مقدساً. وتمسح هرون وبنيه وقدسهم ليكهنوا لي. وتكلم بني إسرائيل قائلاً يكون هذا لي دهناً مقدساً للمسحة في أجيالكم. على جسد إنسان لا يسكب وعلى مقاديره لا تصنعوا مثله مقدس هو ويكون مقدساً عندكم. كل من ركب مثله ومن جعل منه على أجنبي يقطع من شعبه."

 

دهن المسحة : راجع المقدمة (المواد المستخدمة)

يشير لمسحة الروح القدس لبعض الأشخاص في العهد القديم (أنبياء/ ملوك/ كهنة) للقيام بأعمال قيادية تحمل جوانباً من عمل السيد المسيح نفسه. (مز45 + عب9:1) بل أن هذه الأمور (النبوة/ الملك/ الكهنوت) اجتمعت في شخص المسيح "من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك" فمن هم رفقائه؟ هم شعبه من المسيحيين الذين يمسحون بزيت الميرون فيحل عليهم الروح القدس وبهذه المسحة نصير ملوكاً، نملك متسلطين على شهواتنا ونصير كهنة نقدم أجسادنا ذبيحة حية ونقدم ذبائح تسبيح ونصير أنبياء لإطلاعنا على أسرار هامة وعظيمة جداً.

ومزمور (143) يحدثنا عن الدهن الذي يسكب على رأس هرون رئيس الكهنة ويسيل هذا الدهن على لحيته. فمن هو هرون؟ هو رمز للمسيح رأس الكنيسة الذي حين حل عليه الروح القدس كان هذا لحساب الكنيسة والكنيسة هنا ممثلة في شعر لحية هرون فشعب المسيح ملتصقين به كما الشعر بالرأس وحينئذ، حين ينسكب عليهم الروح القدس وهم في محبة تفوح منهم رائحة المسيح الذكية (فالعطور تمثل المسيح).

ويؤخذ من الزيت مقدار هين أي مقياس كامل. والرب يسوع امتلأ تماماً من الروح القدس (لو1:4) [الهين مقياس أو مكيال للسوائل والإيفة للحبوب والشاقل للوزن والذراع للقياس] وكون الزيت يكال بالهين أي أن الروح أعطى بالمفهوم البشري بقدر ما تدرك أفهامنا. أما الروح القدس حين حل على التلاميذ كان كألسنة نار منقسمة كل بقدر ما يحتمل أما المسيح فحل عليه حلولاً كاملاً وليس على هيئة ألسنة نار. وهذا معنى "أكثر من رفقائك".

مقادير العطور:- 500 (مر) + 250 (قرفة + (قصب) 250 + 500 سليخة

 = 5 × [100 + 50 + 50 + 10] هي نفس مقاييس الخيمة وإذا فهمنا أن الخيمة تشير للمؤمنين نفهم أنه بنعمة الله (5) انسكب الروح على الكنيسة جسد المسيح حين حل على المسيح نفسه. غير أن هذه الأرقام لها معاني أخرى فإذا زاد أحداها عن المحدد فهذا يعني زيادة أحد كمالات المسيح عن الآخر والمسيح متساوي في كمالاته.


 

الإصحاح الحادي والثلاثون

أوصى الله موسى بصنع الخيمة وأدواتها. وأراه نموذجاً حياً ليقيم الخيمة على مثاله. وحدد له بصلئيل وملأه من روح الله بالحكمة. وأهوليآب ليسنده في العمل. وبل في قلب كل حكيم القلب الله يعطي حكمة للعمل في خدمته. فكل عطية صالحة هي من فوق (يع17:1) والله يعطي لكل إنسان حكمة فإذا ما سار في خوف الله يقدس الله بروحه القدوس حكمته هذه ويسنده ويعينه. والله يريد أن يعمل الكل في محبة وروح واحد بصلئيل وأهوليآب وكل حكيم القلب. ومن خلال الوحدة وفي العمل بمحبة يفيض الله من روحه على الجميع. وغالباً فقد اختص بصلئيل بالصناعات والمعادن والنجارة ونقش الأحجار واختص أهوليآب بالتطريز والتوشية وصناعة النسيج. ولاحظ أن الشعب تعلم هذه الفنون في مصر فالله يُعِّدْ أولاده ثم يقدس مواهبهم وعلمهم لخدمته ولنعرف أن الله شريك في العمل. والله أعطاهم حكمة= عقل وتدبير حسن وفهم= إدراك كامل معرفة= علم وإلمام.

ثم ينتقل إلى تقديس يوم السبت فلا ينبغي أن ننشغل بالعمل وننسى يوم الرب وهنا يوم الرب أي يوم الراحة فهو يشير للراحة الأبدية والمعنى أن الإنسان يجب أن يعمل ويجد والله يشترك معه في العمل لكن عليه أن لا ينشغل عن حياته الأبدية فماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. لذلك يشدد هنا على حفظ السبت في نفس الموضع الذي يتكلم فيه عن العمل ومواهب الله لمن يعمل. من دنسه يقتل قتلاً. ومن يحفظ السبت أي ينشغل بحياته الأبدية يكون هذا فرحاً له وفرحاً لله لذلك ينسب الله السبوت له ويقول سبوتي تحفظونها. الله سر راحتنا الحقيقية وفي نفس الوقت يستريح هو فينا إذ يجد له موضعاً في قلوبنا. وكلمة سبوتي أي راحتي.

ثم سلّم الله لموسى لوحين مكتوبين بإصبعه أي بالروح القدس الذي أوحى بالكتاب المقدس كله.


 

الإصحاح الثاني والثلاثون

الآيات (1-10): "ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هرون وقالوا له قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هرون انزعوا أقراط الذهب التي في أذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها. فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في أذاهم وأتوا بها إلى هرون. فاخذ ذلك من أيديهم وصوره بالأزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً فقالوا هذه الهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من ارض مصر. فلما نظر هرون بنى مذبحا أمامه ونادى هرون وقال غداً عيد للرب. فبكروا في الغد واصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامة وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب."

هناك سؤال هام لماذا أراد الشعب أن يصنع له إلهاً؟

1.     هم اعتادوا ذلك في مصر! أن يعبدوا عجول وحيوانات. وهذه مشكلة نعاني منها كلنا وهي الخطايا القديمة التي تعودنا عليها، هذه تصبح كشيء مُلّح علينا في أوقات كثيرة. وها هم قد خرجوا من أرض العبودية لكن مازالت خبراتهم السيئة تمثل مشكلة كبيرة في حياتهم.

2.     ما يحركهم هو أساساً شهواتهم فهذه العبادة التي اعتادوا عليها في مصر كانت تقترن بالزنى والرقصات الخليعة وكانوا يتعرون في هذه الرقصات" وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" (تث15:32-18). هم يريدون عبادة لإله حسب شهوات بطونهم وأجسادهم.

3.     هم اعتادوا على أن يكون الإله منظوراً أمامهم. هكذا كانوا في مصر وبعد أن خرجوا للبرية كان موسى بالنسبة لهم شيئاً مرئياً فحينما اختفى عن عيونهم طالبوا بأن يكون لهم إله يرونه بالعيان. وهذه مشكلة كل منا أننا نريد أن نرى الله ونرى يد الله بالعيان ونرفض الإيمان. والإيمان هو "الثقة بما يرجي والإيقان بأمور لا ترى" ولنأخذ مثل لذلك: لنفرض أنني واقع في مشكلة وقد صليت لله أن يتدخل ويحلها وطال انتظاري للحل ولم يحدث (كما طال انتظار الشعب لموسى ولم ينزل من على الجبل) حينئذ أبدأ في الشكوى بأن الله لا يسمع ولا يستجيب ثم يبدأ التذمر ومطالبة الله بأن يتدخل بحل أراه بالعيان. ولذلك نسمع كثيراً في الكتاب المقدس عبارة "انتظرالرب" أي ثق بالإيمان أن الله سيتدخل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة التي يراها الله وليس بالطريقة التي تراها أنت.

4.     هم لم يتركوا الله يهوه بل أرادوا أن يصير يهوه مجسماً أمامهم. بدليل قول هرون هذه آلهتك التي أخرجتك ثم قوله غداً عيدٌ للرب. فهم لم يقصدوا تجاهل الله بل أن يعبدوا اله من خلال تصوراتهم هم عنه ومن خلال شهواتهم. والله قصد أن يتأخر موسى عنهم لتستعلن الخطية التي في داخلهم وهذا من مراحم الله أنه يكشف لنا عن أمراضنا الروحية بمثل هذه التجارب. فهذه الأمراض ستؤدي حتماً للموت إن لم نكتشفها.

5.     طلب هرون أن يصنع العجل من أقراطهم ربما تفتر همتهم إذا علموا أن هناك ثمناً باهظاً لتتحقق طلبتهم لكنهم لم يهتموا، هكذا كل من يجري وراء شهواته، ربما يجد العشور حملاً كبيراً لا يستطيع حمله ولكن هو على استعداد أن يبذل الغالي والرخيص ليحقق شهوة خاطئة له.

6.     هناك بركات كثيرة في حياتنا تشهد بوجود الله وعنايته بنا لكن لأننا تعودنا عليها أصبحت في حكم المألوف. وأصبحنا نطلب غير المألوف. فالشعب الذي طلب إلهاً منظوراً كان متمتعاً بالمن كل صباح وكان أمامه عمود السحاب وعمود النار وأمامه صخرة تخرج ماء فهم بلا عذر. ليعطينا الرب العين المفتوحة التي ترى عطاياه فنشكره.

 

الآيات (7-35): "فقال الرب لموسى اذهب انزل لأنه قد فسد شعبك الذي أصعدته من ارض مصر. زاغوا سريعاً عن الطريق الذي أوصيتهم به صنعوا لهم عجلاً مسبوكاً وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه الهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من ارض مصر. وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة. فالآن اتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم فأصيرك شعباً عظيماً. فتضرع موسى أمام الرب إلهه وقال لماذا يا رب يحمى غضبك على شعبك الذي أخرجته من ارض مصر بقوة عظيمة ويد شديدة. لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض ارجع عن حمو غضبك واندم على الشر بشعبك. اذكر إبراهيم واسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم اكثر نسلكم كنجوم السماء وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد. فندم الرب على الشر الذي قال انه يفعله بشعبه. فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا ومن هنا كانا مكتوبين. واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين. وسمع يشوع صوت الشعب في هتافه فقال لموسى صوت قتال في المحلة. فقال ليس صوت صياح النصرة ولا صوت صياح الكسرة بل صوت غناء أنا سامع. وكان عندما اقترب إلى المحلة انه ابصر العجل والرقص فحمي غضب موسى وطرح اللوحين من يديه وكسرهما في اسفل الجبل. ثم اخذ العجل الذي صنعوا واحرقه بالنار وطحنه حتى صار ناعماً وذراه على وجه الماء وسقى بني إسرائيل. وقال موسى لهرون ماذا صنع بك هذا الشعب حتى جلبت عليه خطية عظيمة. فقال هرون لا يحم غضب سيدي أنت تعرف الشعب انه في شر. فقالوا لي اصنع لنا آلهة تسير أمامنا لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من ارض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقلت لهم من له ذهب فلينزعه ويعطني فطرحته في النار فخرج هذا العجل. ولما رأى موسى الشعب انه معرى لأن هرون كان قد عراه للهزء بين مقاوميه. وقف موسى في باب المحلة وقال من للرب فالي فاجتمع إليه جميع بني لاوي. فقال لهم هكذا قال الرب اله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومروا وارجعوا من باب إلى باب في المحلة واقتلوا كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه وكل واحد قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل. وقال موسى املأوا أيديكم اليوم للرب حتى كل واحد بابنه وبأخيه فيعطيكم اليوم بركة. وكان في الغد أن موسى قال للشعب انتم قد أخطأتم خطية عظيمة فاصعد الآن إلى الرب لعلي اكفر خطيتكم. فرجع موسى إلى الرب وقال آه قد أخطأ هذا الشعب خطية عظيمة وصنعوا لأنفسهم آلهة من ذهب. والآن أن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبت. فقال الرب لموسى من اخطأ إلىّ أمحوه من كتابي. والآن اذهب اهد الشعب إلى حيث كلمتك هوذا ملاكي يسير أمامك ولكن في يوم افتقادي افتقد فيهم خطيتهم. فضرب الرب الشعب لأنهم صنعوا العجل الذي صنعه هرون."

هناك مقارنة بين هذه الأحداث وبين قصة سقوط آدم وحواء. فالله خلق آدم وحواء ليعيشوا في الجنة ثم ينتقلوا من مجد إلى مجد ولكن سقوطهم جلب عليهم الموت ولكن الله أرسل إبنه ليعيدهم لهذا المجد. وفي قصة سقوط الشعب نرى الله يُعِّد أمجاداً لشعبه ويظهر لموسى أشباه السماويات حتى يصنع خيمة لله يقيم فيها وسط شعبه ويكون لهم هذا مجداً وبركة ولكن الشعب جرى وراء شهواته وسقط فأرسل الله لهم موسى (كرمز للمسيح) ليعيدهم للمجد الذي أراده الله لهم وليبنى لهم الخيمة ويقيم الله وسطهم حسب خطته الأولى. ولكن هذا السقوط وكل سقوط له ثمن ندفعه. فآدم مع أن فداء المسيح فتح له الطريق للمجد ثانية إلا أنه مات وتألم في حياته كثيراً في أرض ملعونة. والشعب مع أن موسى تشفع عنهم وأتم بناء الخيمة لهم إلا ان ما حدث كان مؤلماً جداً فقد قُتِلَ منهم الكثير وبيد إخوتهم آية (27) واقتلوا كل واحد أخاه= أي كل من لا يزال يمارس هذه العبادة الشهوانية، عليهم أن يقتلوه حتى ولو كان أخاً أو صاحب ويظهر غضب الله على الشعب من قوله لموسى إذهب إنزل لأنه قد فسد شعبك ولم يقل شعبي أو ابني البكر كما كان يقول سابقاً. على أن هذه الآية تفهم بطريقة أخرى. فموسى هنا يرمز للمسيح الذي نزل ليخلص شعبه بعد أن فسد ولنأخذ أمثلة نقارن فيها بين المسيح وعمله وما قيل هنا لموسى.

قصة موسى مع الشعب

ما يناظرها في عمل المسيح الفدائي

1.  آية (7) إذهب إنزل لأنه قد فسد شعبك

2.  افنيهم فاصيرك شعباً عظيما (آية10)

ملحوظة: الموت مع المسيح= كان الموت هو ما نستحقه بسبب خطيتنا وجاء المسيح ومات عنا ونحن في المعمودية نموت معه لنقوم بحياة جديدة.

3.  فتضرع موسى أمام الرب إلهه (آية11)

4.  لماذا يتكلم المصريون قائلين أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم (آية12)

5.    فندم الرب على الشر (آية14)

 

6.    لوحا الشهادة في يده (آية15)

 

 

7.  أصعد الآن إلى الرب لعلي أكفر خطيتكم (آية30)

 

8.  من أخطأ إلىّ أمحوه من كتابي (آية33)

 

9.    إذهب إهد الشعب (آية 35)

1.  إرادة الآب أن نخلص. وهذا تم بنزول المسيح لنا على الأرض.

2.  أفنيهم هذا يشير للموت مع المسيح هذا يبدأ بالموت في المعمودية ثم القيامة معه وينتهي بموت هذا الجسد وفنائه ثم القيامة مع المسيح أبدياً. وبالمعمودية يتكون شعب المسيح أي جسده. هذا هو الشعب العظيم الذي تكوَّن أي جسد المسيح.

 

3.  هذه هي شفاعة المسيح الكفارية التي بدأت بقوله على الصليب "يا أبتاه اغفر لهم"

4.  لماذا يشمت الشيطان في بني البشر قائلاً خلقهم الله ليقتلهم ويفنيهم.

 

5.  الرب قال لآدم موتاً تموت وبالفداء كان هناك قبول للبشر وحياة بدلاً من الموت.

6.  المسيح أتى من السماء وصعد ليرسل روحه يكتب في قلوبنا وأذهاننا ناموسه (عب10:8)

7.  المسيح صعد إلى السموات وجلس عن يمين الآب وظهر في الأقداس ليكفر عنا (عب24:9)

8.  بفداء المسيح كتبت أسمائنا في سفر الحياة الأبدية ومن يغلب يثبت اسمه فيه (رؤ5:3)

9.  الله يقودنا في مسيرة غربتنا في هذه الحياة.

آية (10): الله هنا لا يتردد في قراره فهو هنا ببساطة يدفع موسى ليصلي، هو يَعْلَمْ قلب موسى ومحبته لشعبه ولكنه هنا يريد أن يعلمه كيف يتشفع عن شعبه. ولذلك يطلب منا معلمنا يعقوب "صلوا بعضكم لأجل بعض" (يع16:5)

 

آية (14): فندم الرب= الله لا يندم مثل البشر ولكن لكي نفهم هذه الآية نضع بجانبها الآية "إرجعوا إلىّ.. فأرجع إليكم" (زك3:1) فالله في محبته واقف ينتظر توبتنا ونحن الذين نختار طريقنا.

(آية19): كسر اللوحين علامة أو رمز لبدء عهد النعمة ونزول موسى كما قلنا رمز لنزول المسيح وتجسده وبدء العهد الجديد وشيخوخة العهد القديم (عب13:8). وفي العهد الجديد تكتب الوصية على قلوبنا التي يحولها الله لقلوب لحمية عوض القلوب الحجرية. وهذا يتم بالحب، هذا عمل الروح القدس أن يسكب المحبة في قلوبنا (رو5:5) ومن يحب يحفظ الوصية.

(آية20): وسقى بني إسرائيل= هم شربوا نتيجة خطيتهم وهكذا كل خاطئ يحمل ثمار خطيته. وما صنعه موسى أظهر للشعب تفاهة هذا الإله الذي صنعوه.

(آية22): نرى هنا موقف هرون المتخاذل وحججه الواهية. ربما خاف أن يقتله الشعب إن لم يصنع لهم العجل. ولكن ماذا يهم في هلاك الجسد لكي تخلص الروح!!

(آية25): بين مقاوميه= هم عماليق. الذين شاهدوهم في هذا الرقص العاري فهزأوا بهم.

(آية27): رأينا سابقاً محبة موسى وشفاعته وحلمه وهنا نرى حزم موسى وغيرته.

(آية29): إملأوا أيديكم= كما رأينا فهذه الآية تعني التكريس وخدمة الكهنوت. والمعنى هنا أن موسى يريد أن يقول لهم تكرسوا لله وقدِّموا له خدمة وأزيلوا هذا الشر حتى يصفح الله عنا.


 

الإصحاح الثالث والثلاثون

هناك فكرة واضحة في هذا الإصحاح أن الخطية هي سبب حرماننا من التمتع بوجود الله في وسطنا ورؤيتنا له. فالله نار آكله ووجود خطية فينا هو كالوقود الذي يشتعل فيه غضب الله فيفنينا. ومن محبة الله أنه لم يعد يظهر أمامنا لئلا نموت لهذا وقف ملاك كاروبيم على باب الجنة ولهذا نسمع هنا إن صعدت لحظة واحدة في وسطكم أفنيتكم (آية5) ولا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش (آية20)

ولكن هناك حل. فالله يريد أن يكون وسط شعبه والشعب لن يحتمل وجوده وسطهم، هذا ما حدث حين أراد الشعب أن الله يكلمهم راجع (خر9:19-19) بل أن موسى نفسه ارتعب (عب18:12-21). وراجع أيضاً (تث15:18-19) لنعرف الحل. فالمشكلة الآن أن الله يريد أن يكلم شعبه ويكون في وسطهم ولكنهم لن يحتملوا لذلك كان لابد من التجسد وهذا يتضح هنا "يقيم لك الرب إلهك نبياً من وسطك من إخوتك.. وأجعل كلامي في فمه". ويظهر في (خر2:33) "وأنا أرسل أمامك ملاكاً.. " ويظهر في (خر21:33) "هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة...." والصخرة هي المسيح (1كو4:10) والله يضعه في نقرة في الصخرة (آية22) والله يستره. وما هي هذه النقرة سوى جنب المسيح المطعون الذي خرج منه دمٌ وماء والدم يسترنا ويغطينا ويبررنا = يكفر عنا والماء مع الروح نولد منه ولادة جديدة في المعمودية. ولذلك فعلي الأرض الشهود ثلاثة هم الروح والماء والدم (1يو8:5)

وهناك درجات فنحن نرى موسى يكلم الله وجهاً لوجه في خيمته كما يكلم الرجل صاحبه. ويتحدث مع الرب ويطلب منه والرب يستجيب. حقاً كلما اقتربنا من الله وتخلينا عن العالم بإرادتنا يقترب الله منا فنتمتع بمجده ولكن طالما نحن مازلنا في الجسد فلا تمتع بالأمجاد بصورة نهائية إلى أن نخلع هذا الجسد الترابي المائت "ويحيي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" (رو24:7) "فإننا.. نئن مشتاقين أن نلبس فوقها مسكننا الذي في السماء" (2كو2:5 + لي اشتهاء أن أنطلق"

 

الآيات (1-6): "وقال الرب لموسى اذهب اصعد من هنا أنت والشعب الذي أصعدته من ارض مصر إلى الأرض التي حلفت لإبراهيم واسحق ويعقوب قائلا لنسلك أعطيها. وأنا أرسل أمامك ملاكاً واطرد الكنعانيين والاموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. إلى ارض تفيض لبناً وعسلاً فإني لا اصعد في وسطك لأنك شعب صلب الرقبة لئلا أفنيك في الطريق. فلما سمع الشعب هذا الكلام السوء ناحوا ولم يضع أحد زينته عليه. وكان الرب قد قال لموسى قل لبني إسرائيل انتم شعب صلب الرقبة أن صعدت لحظة واحدة في وسطكم أفنيتكم ولكن الآن اخلع زينتك عنك فاعلم ماذا اصنع بك. فنزع بنو إسرائيل زينتهم من جبل حوريب."

قبلت شفاعة موسى لذلك يأمره الله أن يتحرك صوب أرض الميعاد وهكذا قبلت شفاعة المسيح والكنيسة الآن كلها في حركة نحو السماء. وفي آية (2) نجد مقاومات من الكنعانيين والأموريين.. الخ لكن لماذا الخوف والملاك يطردهم وهؤلاء رمز لمقاومة الشياطين ولكن ملاك الله يقاومهم ويطرحهم أمامنا. وفي آية (4) نجد الشعب ينوح وهذا واجب شعب المسيح الآن أن يحيا في توبة مستمرة نائحاً على خطاياه. وكان وضع الزينة علامة فرح عند الشرقيين (أطواق وخلاخيل..) وخلع هذه علامة للحزن والمطلوب هو الحزن المقدس ليس بيأس بل برجاء فنحن مسافرين لأرض الميعاد.

 

الآيات (7-11): "واخذ موسى الخيمة ونصبها له خارج المحلة بعيداً عن المحلة ودعاها خيمة الاجتماع فكان كل من يطلب الرب يخرج إلى خيمة الاجتماع التي خارج المحلة. وكان جميع الشعب إذا خرج موسى إلى الخيمة يقومون ويقفون كل واحد في باب خيمته وينظرون وراء موسى حتى يدخل الخيمة. وكان عمود السحاب إذا دخل موسى الخيمة ينزل ويقف عند باب الخيمة ويتكلم الرب مع موسى. فيرى جميع الشعب عمود السحاب واقفاً عند باب الخيمة ويقوم كل الشعب ويسجدون كل واحد في باب خيمته. ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه وإذا رجع موسى إلى المحلة كان خادمه يشوع بن نون الغلام لا يبرح من داخل الخيمة."

هنا نجد موسى يأخذ خيمته ويعتزل خارج المحلة والله يجتمع معه فيها. فالله لا يحتمل الخطية ولذلك فهو الآن يقيم مع موسى خارج المحلة. أي مجد للتائب فقد اصبحت خيمته بيتاً لله وأي خسارة للخاطئ. موسى خلال حب الله دخل معه في علاقة صداقة بل سميت خيمة موسى خيمة الاجتماع (7) فخيمة الاجتماع لم تكن قد اقيمت بعد.

وفي (8) كان الشعب ينظر وراء موسى وهو داخل لخيمته وهنا أدركوا قدسية اللقاء مع الله وقدسية خدام الله. وفي دورة البخور يدور الكاهن داخل صحن الكنيسة والشعب يصلي ويقدم طلباته وينظر الشعب الكاهن داخلاً الهيكل يقدم هذه الطلبات أمام الهيكل عن الشعب. هذا ما يحدث هنا ففي قوله يقوم كل الشعب ويسجدون نجد فيها تقديمهم لصلواتهم وخشوعهم أمام الله. ونرى تلمذة يشوع ومرافقيه لموسى دائماً فهو ملتصق به في تعاليمه وفي عبادته. بل هناك احتمال أنه إذا كان موسى في خارج الخيمة يُعّلِّم أو يقضي للشعب كان يشوع يصلي من أجله في الخيمة.

 

الآيات (12-17): "وقال موسى للرب انظر أنت قائل لي اصعد هذا الشعب وأنت لم تعرفني من ترسل معي وأنت قد قلت عرفتك باسمك ووجدت أيضاً نعمة في عيني. فالآن إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك لكي أجد نعمة في عينيك وانظر أن هذه الأمة شعبك. فقال وجهي يسير فأريحك. فقال له أن لم يسر وجهك فلا تصعدنا من ههنا. فانه بماذا يعلم أني وجدت نعمة في عينيك أنا وشعبك أليس بمسيرك معنا فنمتاز أنا وشعبك عن جميع الشعوب الذين على وجه الأرض. فقال الرب لموسى هذا الأمر أيضاً الذي تكلمت عنه افعله لأنك وجدت نعمة في عيني وعرفتك باسمك."

 

في هذه الآيات نجد طلبتين لموسى:

الطلبة الأولى لموسى: علمني طريقك حتى أعرفك:

هنا موسى يريد أن يقول لله أنت أرسلتني مع هذا الشعب وهذا الشعب هو شعبك وأنت قد اخترتني لهذا العمل فهل تتركني وحدي. أنت قلت عرفتك بإسمك في السبعينية عرفتك فوق الكل. هي معرفة القبول والصداقة فالرب يعرف الذين هم له (2تي19:2) أما الذين يفعلون الشر يقول الله لهم لا أعرفكم (مت23:7).

علمني طريقك لكي أعرفك= اسمح لي أن أعرف طريق معاملات حبك مع شعبك لكي أعرفك أنا أيضاً كما عرفتني بإسمي فأنا أريد أن أعرفك ليس معرفة الفهم بل معرفة الحب والصداقة.

الطلبة الثانية: إن لم يَسِرْ وجهك فلا تصعدنا :

موسى هنا يقول لله لن نقبل عنك بديلاً ولن نستريح بدونك. ووجه الله هنا إشارة للأقنوم الثاني الذي تأنس وصار بيننا يقود حياتنا ويصعد بنا إلى أحضان الآب. وسير الله أمامنا يعطينا سلاماً حقيقياً "الساكن في ستر العلي يستريح في ظل إله السماء" (مز1:91)

 

الآيات (12-17): "فقال ارني مجدك. فقال أجيز كل جودتي قدامك وأنادي باسم الرب قدامك وأتراءف على من أتراءف وارحم من ارحم. وقال لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش. وقال الرب هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة وأسترك بيدي حتى اجتاز. ثم ارفع يدي فتنظر ورائي وأما وجهي فلا يرى."

 

الطلبة الثالثة : أرني مجدك :

هنا نجد موسى الذي يطمع في عطايا الله اللانهائية. هو حين اشتعل قلبه بمحبة الله أراد أن يراه كما هو. وكان رد الرب أجيز كل جودتي قدامك= الله يريد ويشتاق أن يعلن مجده لنا ولكنه لا يفعل فنحن لن نحتمل. ولذلك هو يعلن مجده الآن بأن يعلن جوده وكرمه وعطاياه لكننا لا نستطيع أن نراه وإلا نموت لأننا مازلنا في جسد الخطية. وكأن بهذه الإجابة الله يريد أن يقول لموسى أنت سألت أمراً لا تحتمله فإكتفي بأن تنظر جودي وإحساناتي وأعمال قوتي. والله يعلن نفسه داخل النفس قدر ما تستطيع أن ترى لكن جوهر لاهوته لا يقدر أحد أن يعاينه. وكان هذا هو سؤال فيلبس للمسيح "أرنا الآب وكفانا" فهو لم يفهم أنه لا يمكن رؤيته بالنظر. الطريق الوحيد لأن نعاين الله هو نقاوة القلب "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" ليس بالنظر ولكن بإعلانات الله لهم عن نفسه، كلٌ بقدر ما يحتمل.

لاحظ أن موسى طلب طلبين وكان هذا هو الثالث. فكل ما نعرف عن الله نشتاق أن نعرف أكثر.

أتراءف على من أتراءف= هذه تشير لأن مراحم الله مجانية لا أحد يستحقها بل هو في نعمته يعطي لمن يريد. هي إرادته الحرة أن يعطي وهو يريد أن يعطي ولكن ما يحجز عطاياه هو مقدار احتمالنا. لذلك قال بعدها لا تقدر أن ترى وجهي. ثم يأتي الحديث عن الصخرة وهي تحدثنا عن التجسد والكفارة والتغطية حتى نكون مقبولين = أسترك بيدي فتنتظر ورائي= حين ننظر وجه إنسان نرى جماله ومجده ولكن حين يمر إنسان أمامنا ويعبر لا نرى سوى ظله. وهذا أقصى ما استطاع موسى إحتماله وهذا جعل وجهه يلمع (29:34).


 

الإصحاح الرابع والثلاثون

الآيات (1-4): "ثم قال الرب لموسى انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين فاكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما. وكن مستعداً للصباح واصعد في الصباح إلى جبل سيناء وقف عندي هناك على رأس الجبل. ولا يصعد أحد معك وأيضاً لا ير أحد في كل الجبل الغنم أيضاً والبقر لا ترع إلى جهة ذلك الجبل. فنحت لوحين من حجر كالأولين وبكر موسى في الصباح وصعد إلى جبل سيناء كما أمره الرب واخذ في يده لوحي الحجر."

الخطية دائماً تسبب خسائر لبعض النعم والإمتيازات ففي المرة الأولى وجدنا أن الله قدم اللوحين منحوتين والوصايا منقوشة عليهما. ولكن في هذه المرة طلب الله من موسى أن ينحت هو اللوحين ويكتب الله عليهما. الشعب كسر المعاهدة مع الله والله قبل أن يتصالح مع الشعب ولكن هناك خسائر. وفي تصالح الله مع شعبه نفهم أن عدم أمانة البشر لا يبطل أمانة الله "وأن قصد الله ومحبته للبشر والمجد المعد لهم سيحققه الله وأن الخطية ونتائجها من موت وخلافه هو شئ عارض فقط.

وهذه القصة تشير أن الله كتب وصاياه على قلوب آدم وحواء وهما في حالة البراءة الأولى. وكانت قلوبهم هي الحجر الذي من صنعه والذي كتب هو عليه وصاياه وكانت قلوبهم وقتئذ قلوب لحم (حز19:11). وكسر اللوحين الأولين حين كسَّرها موسى كان يشير لفساد الإنسان الأول بسبب خطيته ولذلك بدأ الله يكتب كلماته ووصاياه بإصبعه (الروح القدس) على ألواح حجرية أي الكتاب المقدس الذي كتب بواسطة الأنبياء والرسل الذين أوحى لهم الروح القدس بما يكتبونه. فالكتاب كله موحى به من الروح القدس. وكان هذا حتى يأتي المسيح والذي يمثله كما رأينا الحجرين الجديدين اللذان نحتهما موسى وكتبهما الله بإصبعه (المسيح الذي تجسد من الروح القدس والقديسة العذراء مريم). هذا كان طريق الصلح. وحيث أن الطريق الأمثل أن تكتب الوصية على القلب فهذا ما صنعه المسيح فقد أرسل روحه ليسكب محبة الله فينا ويكتب وصاياه على قلوبنا وأذهاننا (أر31:31-34 + عب10:8-13 + رو5:5) وهذا معنى قول المسيح "من يحبني يحفظ وصاياي" هنا نسأل كيف يتحول قلبنا الحجري لقلب لحمي؟ والإجابة التوبة وهنا يبدأ عمل الله في تحطيم وتشكيل حجارة هذا القلب والكتابة عليه. ويكون ذلك بأن الروح القدس يسكب محبة الله فينا فنطيع وصاياه.

وحتى يأخذ موسى من يد الله الوصايا ويكلم الله موسى كان على موسى أن يظهر وحده دون أي شخص (فهم خطاة) ولا يصعد على الجبل بهيمة (هذا إشارة للشهوات الحيوانية المُعَطِلة). ويصعد للجبل (أي يتسامى من الأرضيات) ويعرف أنه ينتمي للسماويات. هذه هي شروط المصالحة.

 

الآيات (5-9): "فنزل الرب في السحاب فوقف عنده هناك ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير اللاحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف غافر الإثم والمعصية والخطية ولكنه لن يبرئ إبراء مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع. فأسرع موسى وخر إلى الأرض وسجد. وقال إن وجدت نعمة في عينيك أيها السيد فليسر السيد في وسطنا فانه شعب صلب الرقبة واغفر اثمنا وخطيتنا واتخذنا ملكاً."

هنا نجد في (6) أن الرب حقق وعده فإجتاز الرب قدامه. وحيث أن الإنسان لا يحتمل مجد الله والله حين يعلن فهو يعلن لكل إنسان حسب إحتماله نزل الله في السحاب (5). ونرى الله هنا يعلن عن طبيعته أنه إله رحيم ورؤوف.. والله يعلن حضوره بذكر إسمه المبارك= ونادى باسم الرب ثم إعلان صفاته وهذا يتم بينما موسى في النقرة والله يستره بيده والله في السحاب ليحجز عن موسى بهاء مجده فلا يموت. وقطعاً في قول الله هنا أنه رحيم وبطئ الغضب لكن لا يبرئ إبراء إعلان عن رحمته وعدله. وهو حين يعلن أنه يرحم من يرحم فهذا يشير إلى أنه يريد أن يرحم لكنه لا يرحم إلا من كان مستحقاً. وقوله يفتقد ذنوب الأباء في الأبناء=هذا يعني أن الأبناء يتحملون ذنوب أبائهم اجتماعياً وصحياً ومادياً ومعنوياً ونفسياً وأدبياً ولكن هذه الآية تشير لبطء غضب الله وطول أناته فهو يصبر على الجيل الأول فلو استمرت الخطية في الجيل الثاني بلا توبة يصبر للجيل الثالث والرابع وليس معناها أن الله سيجازي الجيل الثالث والرابع لو كانوا أبرياء على خطايا أبائهم في الجيل الأول. (حز1:18-25 + أر29:31،30). والمقصود أن الله يؤدِّب الأبناء لو استمروا في خطايا أبائهم بلا توبة. ولنأخذ مثالاً من اليهود فهم قالوا "دمه علينا وعلى أولادنا" وستستمر خطيتهم حتى يؤمنوا بالمسيح! فلو آمنوا لا تصير عليهم خطية وسجود موسى أمام الله كممثل للشعب هو إعلان عن خضوع المسيح للآب كرأس للجسد (1كو28:15).

 

ملحوظات:

1.     الله يعلن عن اسمه وعن نفسه لموسى بينما هو مجتاز فهو لا يحتمل بقاؤه أمامه.

2.     الله يعلن اسمه القدوس قبل أن يعلن عن رحمته حتى نتعلم أن نقترب إلى الله في خوف ورهبة وليس في استهتار. والعكس صحيح فرهبة الله وعظمته تجعلنا لا نخشى الاقتراب منه فهو هنا يعلن عن رحمته.

3.     الله يعلن هنا عن رحمته فهو يغفر لا لاستحقاقنا بل لأنه رحيم.

4.     هناك مقارنة تظهر مراحم الله فهو حافظ الإحسان إلى ألوف ومفتقد إثم الآباء في الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع فقط.

5.     أمام إعلان الله عن اسمه وصفاته لم يستطع موسى إلا أن يخر ويسجد (رؤ10:4).

6.     حينما كان موسى في حضرة الله صلّى طالباً من الله أن يسير وسطهم. وطلب الغفران ولاحظ أنه يقول وإغفر إثمنا ففي حضرة الله يشعر أعظم القديسين بأنه خاطئ.

7.     في (3:33) قال الله عن الشعب أنه صلب الرقبة وهنا يكررها موسى ثانية!! وهو يقصد أن يقول "يا رب فعلاً هو شعب "صلب الرقبة" ولكن هو شعبك فتعال وأملكْ علينا وغير طبيعة هذا الشعب.

 

آية (10): "فقال ها أنا قاطع عهداً قدام جميع شعبك افعل عجائب لم تخلق في كل الأرض وفي جميع الأمم فيرى جميع الشعب الذي أنت في وسطه فعل الرب أن الذي أنا فاعله معك رهيب."

الله يقبل الصلح ويقطع عهداً مع الشعب ولكن بشروط :

1.     شروط سلبية (الإمتناع عن الخطية) الآيات 11-17

2.     شروط إيجابية (وصايا حفظ الأعياد.. ) الآيات 18-26

أفعل عجائب= هزيمة كل أعدائهم وشق الأردن ووقوف الشمس وكونهم يكونون رعباً للأمم ولكن هذه الآية لو فهمنا أن العهد يشير للعهد الجديد فهي تشير لأعمال الفداء العجيب. وفعل العجائب هو دور الله. أما دور الإنسان فهو الشروط السابق ذكرها.

 

الآيات (11-17): "احفظ ما أنا موصيك اليوم ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخاً في وسطك. بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم. فانك لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور اله غيور هو. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض فيزنون وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم. وتأخذ من بناتهم لبنيك فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن. لا تصنع لنفسك آلهة مسبوكة."

المطلوب هنا رفض الخطية وعدم إقامة عهد مع الشعوب الوثنية. ولاحظ أن الشعب في هذه الرحلة كان يصعب عليه التمييز بين الخطية والخطاة لذلك حرم الله عليهم الخطاة وأمرهم بإبادتهم رمزاً لإبادة الخطية في حياتنا. والأنصاب جمع نصب وهي أعمدة تصنع من الحجر وتسمى بأسماء الآلهة تذكاراً وتكريماً لها. وغالباً تقام الأنصاب للبعل والسواري جمع سارية وهي أعمدة خشبية كانت تقام على الأماكن المرتفعة ليجتمع عندها وحولها عباد الأوثان لعبادة هذه الآلهة والسواري كانت تقام للآلهة عشتروث. ولاحظ قوله تكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم ولم يقل تهدمون مذابحهم وقد أثبت التاريخ أن الكنعانيين لم يكن لهم هياكل. والتحريم هنا يشير في حياة التائب أن لا يتساهل مع أي خطية حتى ولو صغيرة حتى لا تكن شركاً له "اخترز من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم". والسبب المذكور هنا حتى يتركوا الخطية. أن الله إله غيور لن يحتمل أن يكون قلب شعبه منقسماً بين عبادة الله وعبادة البعل. وكون الله غيور فهي تعني انه غيور على خلاص أولاده وهو يعلم أن خلاص أولاده لن يتم إلا في حالة تبعيتهم الكاملة له وتحررهم من كل تبعية غريبة. ومنع الزواج من بنات الكنعانيين هو لمنع زواجهم بآلهتهم وهذا ما حدث مع الملك سليمان نفسه فعبد الأوثان في أواخر أيامه.

 

الآيات (18-27): "تحفظ عيد الفطير سبعة أيام تأكل فطيراً كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنك في شهر أبيب خرجت من مصر. لي كل فاتح رحم وكل ما يولد ذكراً من مواشيك بكراً من ثور وشاة. وأما بكر الحمار فتفديه بشاة وأن لم تفده تكسر عنقه كل بكر من بنيك تفديه ولا يظهروا أمامي فارغين. ستة أيام تعمل وأما اليوم السابع فتستريح فيه في الفلاحة وفي الحصاد تستريح. وتصنع لنفسك عيد الأسابيع أبكار حصاد الحنطة وعيد الجمع في آخر السنة. ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب اله إسرائيل. فأني اطرد الأمم من قدامك وأوسع تخومك ولا يشتهي أحد أرضك حين تصعد لتظهر أمام الرب إلهك ثلاث مرات في السنة. لا تذبح على خمير دم ذبيحتي ولا تبت إلى الغد ذبيحة عيد الفصح. أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك لا تطبخ جديا بلبن أمه. وقال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل."

هنا نجد الشروط الإيجابية فلا يكفي الهروب من الشر ولكن حفظ الأعياد وتقديم الأبكار وتقديس يوم الرب شروط هامة. فهذه الأمور تلهب قلب الإنسان بنار محبة الله وتعطيه فرحاً وراحة.

هم احتفلوا وأكلوا وشربوا للعجل الذهبي والله يعرف حاجة الإنسان للأعياد. لأن تكون له أيام فرح فحدد الرب أياماً مقدسة للفرح ولكن لمناسبات مقدسة وفيها نذكر إحسانات الله علينا فنقدم له الشكر وتقديم الشكر لله يلهب القلب بمحبته. فالأعياد المقدسة تقربنا من الله بينما أفراح العالم تبعدنا عنه.

سبعة أيام تأكل فطير= الفطير أي لا خمير والخمير يشير للشر. وسبعة أيام أي هي إشارة للامتناع عن الشر العمر كله. وحفظ السبت= إشارة للاهتمام بالحياة الأبدية وسط مشاغل العالم والعمل. الظهور أمام الرب 3مرات في السنة= إشارة لأهمية الشعور بأننا أمام الله دائماً فنحيا في وقار وخشية. وهل في الظهور أمام الرب حين يذهب كل الرجال أي خطر من هجوم الأعداء؟ الإجابة لا تخافوا فالله هو الذي يحفظ مدنكم وأسواركم لا يشتهي أحد أرضك. ليس فقط لن يغزوا أحد أرضك بل لن يشتهي أحد أرضك فقلوب البشر في يد الله. والأعياد المذكورة هنا هي عيد الفصح والفطير تذكاراً لخروجهم من مصر ويلحق بهذا قانون تقديم الأبكار تذكاراً لأن الله أهلك أبكار المصريين وأنقذهم هم. ثم نجد عيد الأسابيع (البنديكوستي) في يوم الخمسين بعد الفصح ومعه شريعة الباكورات لباكورات الأثمار وثالث عيد هو عيد الجمع أو الحصاد الذي هو عيد المظال.

لا تطبخ جدياً بلبن أمِّه= هي دعوة لمنع القسوة وهي أيضاً لمنعهم من العادات الوثنية فكانوا يطبخون الجدي بلبن أمه ويأخذون هذا اللبن ويرشونه في الحقول اعتقاداً منهم بأن هذا يزيد خصوبتها.

وكان اليهود يملكون كثيراً من الحمير للركوب والنقل وحيث أن الحمار حيوان غير طاهر فكان يجب أن بستبدلوه بشاة.

 

الآيات (28-35): "وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماء فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر. وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه. فنظر هرون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا جلد وجهه يلمع فخافوا أن يقتربوا إليه. فدعاهم موسى فرجع إليه هرون وجميع الرؤساء في الجماعة فكلمهم موسى. وبعد ذلك اقترب جميع بني إسرائيل فأوصاهم بكل ما تكلم به الرب معه في جبل سيناء. ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعاً. وكان موسى عند دخوله أمام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتى يخرج ثم يخرج ويكلم بني إسرائيل بما يوصى. فإذا رأى بنو إسرائيل وجه موسى أن جلده يلمع كان موسى يرد البرقع على وجهه حتى يدخل ليتكلم معه."

امتزج العهد بالصوم فموسى صام والسيد المسيح في بدئه للعهد الجديد صام 40 يوماً وهكذا إيليا صام 40يوماً. والمسيح حين تجلى كان معه موسى وإيليا. وسر احتمال موسى أنه كان عند الرب فهو يتلذذ بالرب وبوصاياه. والجموع التي شبعت من معجزة إشباع الجموع لم يشعروا بجوع فهم متلذذين بما يسمعون. إذاً نحن نصوم لنأخذ من الله وإذ نأخذ من الله لا نشعر بالجوع أو ننسى الجوع لفترة. فنحن لا نحيا بالخبز وحده بل بكل كلمة تخرج من فم الله. موسى كان يشبع من معرفة الله فهذه هي الحياة وهذا هو خبز الملائكة. وكيف عاد موسى للأرض.

1.     حاملاً كلمة الله. وأي مجد لموسى أن يحمل كلمة الله للبشر.

2.     كان وجهه يلمع فهو رأى أكثر من المرات السابقة. هو رأي مجد الله. وموسى وجهه لمع وهو مختبئ في الجبل فكم وكم كان لمعان وجه آدم وحواء اللذان كانا يكلمان الله مباشرة.

وهذا درس في التواضع فموسى يخفي نوراً يلمع في وجهه وهناك من يريد أن يظهر نوراً ليس له= موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع.

والبرقع علّق عليه بولس الرسول بأن اليهود مازالوا يضعون هذا البرقع على عيونهم حتى لا يدركوا أن الكتاب الذي بين أيديهم يشهد للمسيح (2كو15:3) وكثيرين يوجد برقع على عيونهم يقرأون الكتاب ولا يفهمونه، ولا تكفي الدارسة لنفهم بل يجب أن يفك المسيح ختوم الكتاب (رؤ5:5 + لو32:24) هنا نرى تلميذي عمواس قلبهم ملتهب إذ يشرح لهم المسيح. والمسيح لن يفك الختوم ويشرح إن لم نترك عبودية العالم والمال وشهوة الجسد.


 

الإصحاحات 35 – 40

نجد هنا إعادة لما سبق فخطة الله لا شئ يُعَوِّقها، والله يريد أن يقيم وسط شعبه وهو سيفعل هذا. بالإضافة لأن الوحي أراد إظهار أن كل شئ تمَّ حسب أمر الله تماماً. وهنا نلاحظ طاعة الشعب في تنفيذ أوامر الله، وهذا يعطينا شعور بأن بطاعة الله تكتب أسماءنا في سفر الحياة والخلود كما سُجِّلَ هنا طاعة الشعب. ولاحظ تكرار كلمة بحسب ما أمر الرب كثيراً.

ونجد هنا التكريس الاختياري والتقدمات الاختيارية "كل سموح القلب"

 

(19:35): "والثياب المنسوجة للخدمة في المقدس والثياب المقدسة لهرون الكاهن وثياب بنيه للكهانة."

الثياب المنسوجة للخدمة= غالباً هي التي يغطون بها الأدوات.

ونرى هنا وحدة الشعب، الكل يشترك بما عنده وبمواهبه في العمل، رؤساء وشعب، رجال ونساء. هذه هي الروح التي يحبها الله ويفيض خلالها من روحه عليهم.

 

(3:36): "فاخذوا من قدام موسى كل التقدمة التي جاء بها بنو إسرائيل لصنعة عمل المقدس لكي يصنعوه وهم جاءوا إليه أيضاً بشيء تبرعاً كل صباح."

كل صباح= الذين يبكرون إلىّ يجدونني (أم17:8)

 

(26:38): "للرأس نصف نصف الشاقل بشاقل المقدس لكل من اجتاز إلى المعدودين من ابن عشرين سنة فصاعداً لست مئة ألف وثلاثة آلاف وخمس مئة وخمسين."

نصفٌ نِصفّ الشاقِلِ= يبدو أن نصف الشاقل أصبح اسمه نصفُ وأصبح كعملة معروفة. كما نقول شلن على العملة التي تساوي 5قروش،

 

(34:40): "ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن."

ثم غطت السحابة وملأ بهاء الرب المسكن= كلمة بهاء الرب بالعبرية شكيناه وحينما ملأ بهاء الرب المسكن لم يستطع موسى أن يدخل بكل ما بلغ إليه من دالة لدى الله. كأنه أراد أن يعلن لشعبه أنه قدم الرمز كاملاً وترك الطريق للابن الوحيد الذي في حضن الآب، هو وحده الذي يدخل قدس الأقداس، يحملنا فيه لننعم ببهاء الرب وشركة أمجاده إلى الأبد.

 

طريق الاقتراب لله كما يبدو وللذين هم من خارج

الذين هم خارج يرون سوراً أبيض (نقاوة) ورؤوس فضية للأعمدة (كرازة بكلمة الله ويشتهون الدخول ويجدون باباً واحداً ملوناً (المسيح) وهو واسع 20ذراع فهو دعوة للجميع. ثم يجدون مذبح النحاس (الإيمان بالمسيح المصلوب) ثم المرحضة (التوبة كحياة مستمرة بعد المعمودية لأول مرة ولمرة واحدة فقط) ثم يجدوا باباً آخر للدخول للمقدسات هناك الشركة (المائدة) والاستنارة (المنارة) والمسيح القائم يشفع فينا للأبد (مذبح البخور) ثم نجد حجاباً (كان هذا رمزاً للمسيح الذي مات على الصليب ليفتح الأقداس والآن نحن نتحد بهذا الجسد حتى يحين موعد دخولنا للسماويات) وأخيراً نجد السماويات التي ننعم بعربونها الآن.

 

طريق الاقتراب بحسب خطة الله أو قصده الأول (إصحاحات 25-30)

الله يعلن مجده أولاً (تابوت العهد) وأنه يريد أن يشرك معه شعبه (المائدة) ويعطيهم استنارة (المنارة)

 

طريق الاقتراب بحسب قصد الله بعد السقوط (إصحاحات 35-40)

هنا يبدأ بالشقق فلا اقتراب الآن إلا عن طريق المسيح المتجسد.


 

[1]يضاف "وتشير للمسيح الذي تحمل مرارة الآلام حياته وحتى الصليب.

[2] ملاك الرب هو الأقنوم الثاني (آية19)

[3] فائدة هذه الأمور هي إعداد القلب بالخشوع لكي يروا الله، وهذا ما حدث مع إيليا أيضاً.

[4] كانت الألواح الحجرية في العهد القديم إشارة لأن قلوب البشر صارت قاسية وبلا محبة كالحجر.

[5] لاحظ أن كلمة المحلة تترجم المعسكر أو المخيم.

[6] هو الكنيسة جسد المسيح أو الكنيسة على الأرض.

[7] المسيح استوفى مطاليب العدالة الإلهية، لكن من يستفيد من دم المسيح هو من آمن بالمسيح وجاهد حتى الدم.

[8] فالله يعطي لخدامه مواهب لكي يقوموا بخدمته (1بط10:4).

 

الصفحة الرئيسية