المقدمة

1.     كلمة ملاخي كلمة عبرية تعني "ملاكي" أو "رسولي".

2.  فترة كتابة السفر: كان نحميا ساقياً لملك فارس وفي السنة العشرين لملكه أي سنة 445 ق. م. (كان ذلك الملك هو ارتحشستا لونجيمانوس). أذن الملك لنحميا بالذهاب إلى أورشليم لكي يرمم السور ويصلح الأحوال، وبعد أن قضى نحميا حوالي 8 سنين في أورشليم رجع إلى بلاط الملك حيث قضى فترة قصيرة عاد بعدها إلى أورشليم، فوجد إنحطاطاً في أحوالها وفساداً في أخلاق شعبها، فقد طلق رجال يهوذا زوجاتهم اليهوديات وتزوجوا بوثنيات، وعاشوا في زنى وغش وظلم للبائسين، وأهملوا خدمة الهيكل ودفع العشور والتقدمة ودنسوا السبت، إذاً هم عاشوا في عدم مخافة الله عموماً، ويرجح المفسرين أن ملاخي كتب نبوته في أثناء غياب نحميا في فارس، وهذه الفترة يقدرها البعض بسنوات.

3.   الخطايا المذكورة هنا تتفق مع الخطايا المذكورة في (عز2:9 + 3:10،16-44 + نح 32:10-39 + 23:13-31 + نح32:10-39 + 4:13-14).

4.  كان حجي وزكريا قد وعدا الشعب بأن مجد الهيكل الثاني سيكون أكثر من الهيكل الأول (حج9:2 + زك10:6-12). وهم قطعاً لم يفهموا أن المقصود هو هيكل المسيح، لذلك إنتظروا مجداً زمانياً عالمياً وإزدهاراً كان موعوداً به، ولم يحدث هذا بل وجدوا أنفسهم محاطين بالأعداء كالسامريين وحدثت لهم مجاعات فشكوا في محبة الله لهم، وقالوا أنه لا فائدة تجنى من فعل الصلاح وطاعة الوصايا، فالشرير والمتكل على ذاته هو الذي ينجح، لذلك يحدثهم السفر عن حقيقة خطاياهم وريائهم الذي بسببهم قامت عليهم هذه الأوجاع. وكأن النبي يرد عليهم. . هل حقاً أنتم تسلكون بصلاح كما تقولون، ولقد رأينا في نقطة (2) عينة من خطاياهم، وفي نقطة (3) نرى خطاياهم كما شرحها النبيان حجي وزكريا. ثم كانت دعوة النبي لهم عن التوبة وترك خطاياهم لتعود لهم البركات.

5.  إمتد نظر النبي ليرى أن المجد الحقيقي لإسرائيل الله (الكنيسة) لن يكون فقط بالتوبة، وإنما بمجئ المسيح الذي سيأتي بالخلاص وملء البركات. لذلك فلقد تنبأ ملاخي عن مجيء المسيح بصورة واضحة.

6.  إذاً هذه النبوة كانت لتقنع الشعب بخطاياه وتوبخهم بسببها وتفتح الجروح، ثم تعطى الوعد بمجيء المسيح الذي يرفع الخطية ويعطي الدواء (البلسان) الشافي. وهذه النبوة ينتهي بها الكتاب في العهد القديم لتلهب القلوب بإنتظار المسيح شمس البر. وبهذه النبوة ينتهي زمن الأنبياء، فلن يأتي أنبياء بعد ملاخي، وأول من سيأتي هو يوحنا المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيح.

7.     بعد ملاخي إنتهى عصر النبوة وأتى عصر الكتبة والكهنة الذين يفسرون كل هذه الثروة والغنى الذي تركه الأنبياء في الكتاب المقدس.

8.  هذا السفر هو آخر أسفار العهد القديم، وبه ختمت النبوة، وكان ملاخي آخر الأنبياء، وبأنتهاء نبوته بات العالم في انتظار المسيح الذي أشار إليه كل الأنبياء. والمسيح هو ملاك العهد (1:3). والذي سيأتي قبله من يهيئ الطريق أمامه كملاك أيضاً (1:3). وهذا هو الارتباط بين اسم النبي وموضوع نبوته.

9.  لملاخي النبي أسلوب مميز، فهو يعتمد في كلامه على السؤال والجواب. سؤال للشعب ثم يعطي جواب الشعب على السؤال. . مثلاً. . أحببتكم قال الرب. وقلتم بما أحببتنا. أليس. . (2:1). وبهذا يكون النبي هنا يسجل الحوار الذي دار بينه وبين الشعب حينما بدأ يوجه لهم نبواته ويدعوهم للتوبة.


 

الإصحاح الأول

الآيات (1-5): "وحي كلمة الرب لاسرائيل عن يد ملاخي أحببتكم قال الرب. وقلتم بم أحببتنا. أليس عيسو أخاً ليعقوب يقول الرب وأحببت يعقوب. وأبغضت عيسو وجعلت جباله خراباً وميراثه لذئاب البرية. لأن أدوم قال قد هدمنا فنعود ونبني الخرب. هكذا قال رب الجنود هم يبنون وأنا أهدم ويدعونهم تخوم الشر والشعب الذي غضب عليه الرب إلى الأبد. فترى أعينكم وتقولون ليتعظم الرب من عند تخم إسرائيل. "

كان لهم شكوى، فالهيكل قد تم بناؤه من عشرات السنين، ولم يروا هذا المجد الزمنى الذي كانوا ينتظرونه تنفيذاً لنبوات حجي وزكريا. وهنا الله يعلن لهم محبته أحببتكم قال الرب= فالله يحرك فيهم مشاعر الحب حتى يدفعهم للتوبة، فهو أحبهم بلا فضل من جانبهم. وبالرغم من أنهم لم يبادلوه شعور الحب، بل أنهم شكوا في محبته وتساءلوا= وقلتم بما أحببتنا= وسؤالهم معناه، أثبت لنا يا رب أنك أحببتنا لأننا بحسب فكرنا أن دليل المحبة لهو في المجد الزمني. وكان رد الله أنه أحبهم والدليل أنه أحب يعقوب دون عيسو مع أنهم أخوة وتوأم. وأن الله دخل في عهد مع يعقوب وحصر البركة فيه وفي نسله. لكن مشكلة الكثيرين أنهم يفترضون أن البركة لابد وأن تكون مادية ولا اعتبار عندهم للبركات الروحية. والله هنا في (3) يقول لهم وإن أردتم إثبات لذلك أنظروا إلى أدوم وما قد حدث له فقد جعلت جباله خراباً = فلقد كان أدوم عدواً لدوداً ليعقوب، بل كان الأدوميون يحرضون بابل على تدمير أساسات أورشليم، وفي هروب بني يهوذا من أمام وجه بابل اصطادهم الأدوميون وقتلوهم وباعوا الباقي عبيداً، لذلك عاقب الله أدوم عدوهم، وخربت أدوم بيد نبوخذ نصر وذلك بعد خراب أورشليم بخمس سنوات، وللآن هي خراب، وذلك بسبب خطاياهم وبالذات ما فعلوه بيهوذا (راجع سفر عوبديا). والفرق واضح، فأورشليم قد أخربت ولكن ها هي قد قامت ثانية، أما أدوم فأخربت ولكن خرابها كان خراباً أبدياً؟ فخراب أورشليم كان للتأديب والتطهير "أني كل من أحبه أوبخه وأؤدبه" (رؤ19:3). وفي (4) فنعود ونبني= هم حاولوا تحدي قرار الله، ويعيدوا بناء أدوم ولكن من يسلك ضد إرادة الله يسلك الله معهم بالخلاف= هم يبنون وأنا أهدم وغالباً فهذا إشارة لكارثة حديثة على أدوم، وكانت بيد العرب الأنباط في ذلك الوقت، وهؤلاء قد طردوا أدوم من ديارهم وخربوها لهم. (هذا نفس ما حدث أيام الإمبراطور أدريان، فهو قد حاول أن يثبت أن كلام المسيح "ها بيتكم يترك لكم خراباً" أنه غير صحيح، فحاول إعادة بناء الهيكل، وبعد أن أزالوا الأساس القديم، وحاولوا إعادة البناء حدثت زلزلة وخرجت ألسنة نار من الأرض، فإضطروا أن يتوقفوا عن البناء. فأكملوا تحقيق النبوة إذ أزالوا حتى الأساس القديم). وهنا مقارنة أخرى يعرفون بها أن الرب قد أحبهم ففي أدوم يدعونهم تخوم الشر= أي كل من يرى ما حدث لأدوم، وكل من سيأتي في الأجيال القادمة ويرى خراب أدوم سيقول "أن شر هؤلاء كان عظيماً لدرجة أن كل هذا الخراب قد حدث داخل تخومهم، ويبدو أن هذا قد صار مثلاً، أن كل ما يدخل داخل تخوم أدوم يصير خراباً. وأن هناك خراب ودمار وشر داخل حدودهم بسب غضب الله. أما داخل إسرائيل فهناك بركة وأثار واضحة لرحمة الله تراها الأعين= فترى أعينكم وتقولون ليتعظم الرب= ويمكن ترجمة النص هكذا "الرب عظيم فوق أرض إسرائيل" وهذا يشهد له البركات والحماية التي يعطيها الله لشعب إسرائيل. وهذا بعكس ما حدث لأدوم.

 

الآيات (6-9): "الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده. فإن كنت أنا أباً فأين كرامتي وأن كنت سيداً فأين هيبتي قال لكم رب الجنود أيها الكهنة المحتقرون أسمي. وتقولون بما احتقرنا أسمك. تقربون خبزاً نجساً على مذبحي. وتقولون بم نجّسناك. بقولكم أن مائدة الرب محتقرة. وإن قربتم الأعمى ذبيحة أفليس ذلك شراً وأن قربتم الأعرج والسقيم أفليس ذلك شراً. قرّبه لواليك أفيرضى عليك أو يرفع وجهك قال رب الجنود. والآن ترضّوا وجه الله فيتراءف علينا. هذه كانت من يدكم. هل يرفع وجهكم قال رب الجنود. "

الله يدعو الكهنة هنا ليحاسبهم لأنهم احتقروا إسمه= أيها الكهنة المحتقرون إسمي. وهذا الكلام موجه الآن لكل الكهنة والخدام الذين بسبب عدم أمانتهم يدنسون مقدسات الله. وتوبيخ الله هنا لهم يأخذ طريقين فإن كانوا أبناء الله، فالطبيعة تشهد بأن الابن يكرم أباه. وإن كانوا عبيداً فالعبد يكرم سيده، خوفاً منه ويطيع أوامره. والكهنة هم أبناء وعبيد لله ولكنهم لا يكرمون الله ولا يهابونه= أين كرامتي. هؤلاء الكهنة احتقروا اسم الله= فهم اكتفوا بأن ينالوا التوقير لأنفسهم والاحترام لأسمائهم وأعطوا القدر الضئيل، أو لم يعطوا شيئاً لاسم الله. فاستهان الناس بتقدمة الرب. وأما هم فقد وصلوا لحالة تبلد الأحاسيس، وهذا ما يحدث عادة مع الخطاة المتكبرين، فهم يدافعون عن أنفسهم وقالوا بما احتقرنا إسمك (6) بما نجسناك (7). ويكون (وهذا أو هي) أنهم يجهلون الناموس. وربما لو سألوا بروح التواضع "كيف احتقرنا إسمك، علمنا فنتوب. ما كان الله قد حزن، ولكان هذا دليل توبتهم. وفي (7) تقربون خبزاً نجساً على مذبحي= فحسب الناموس كان يقدم (يقرب) مع كل ذبيحة تقدمة من دقيق ممزوج بزيت. ولكن يبدو أنهم قدموا خبزاً لا يصلح قط، ربما كان يابساً أو متعفناً أو من أرخص أنواع الحبوب. وربما لو قدم أحدهم تقدمة من نوع فخم من الدقيق لقالوا له. . لماذا هذا الإتلاف. بل هم احتقروا مائدة الرب= وقد تعني المائدة،مائدة خبز الوجوه أو مذبح المحرقة، وقد دعى هنا مائدة لأن الله وكهنته وشعبه كانوا يأكلون معاً من الذبائح. وهذه المائدة قد احتقروها. . ربنا حين قارنوا بينها وبين المذابح الوثنية (2مل14:16،15) أو هم تعاملوا مع هذه المائدة مثل أي مائدة أخرى بعدم أحترام، أو هم احتقروا الطقوس التي يمارسونها. ولاحظ أن من يحتقر الطقوس يحتقر اسم الله المكرم جداً. وفي (8) كان الناموس يلزمهم أن يقدموا الذبائح على أن تكون بلا عيب (فهي رمز للمسيح الذي بلا خطية) والتقدمة تقدم لله الذي ينبغي أن يقدم له أفضل شئ. أفليس ذلك شراً= هذا سؤال استنكاري يفيد أن الكهنة لم يروا سوءاً في الأمر. وهم تصوروا في غبائهم أنه طالما أن الذبيحة تحرق فأي شئ يصلح إذاً. والشعب قدم عطايا معيبة حقيرة والكهنة لم يعترضوا ولم يعلموا الشعب أن يقدموا أفضل ما عندهم، وذلك حتى لا يغضب الشعب منهم فتقل عطايا الشعب للكهنة، فالكهنة فضلا فائدتهم المادية على تعليم الشعب. وكان منطق الله في التوبيخ أنهم لو قدموا للوالي (الوالي هنا هو الوالي الفارسي) هدية من هذا النوع فهو لن يرضي عليهم أي لن يكون لهم حظوة لديه. وفي (9) دعوة للتوبة حتى يقبلهم الله ويقبل صلواتهم = يرفع وجهكم ويبارك فيهم. ومعنى الآية هذه كانت من يدكم= أي إن كانت هذه هي عطاياكم وذبائحكم المعيبة أفهل يرفع الله وجهكم.

ملحوظة: على الكاهن أن يقدم التعليم الصحيح مهما كان، وأن لا يراعي خاطر الشعب أو مصالحه الذاتية، وهذا واجب كل خادم. وعلى الشعب أن يقدم لله أفضل ما عنده من كل شئ. وينطبق هذا على الوقت، فلا ينبغي أن نصلي ونحن مستهلكين في نهاية اليوم، ولا نذهب متأخرين للكنيسة "فالذين يبكرون إلىّ يجدونني" وعلى الجميع احترام الطقوس.

 

الآيات (10-14): "من فيكم يغلق الباب بل لا توقدون على مذبحي مجانا. ليست لي مسرّة بكم قال رب الجنود ولا أقبل تقدمة من يدكم. لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها أسمي عظيم بين الأمم وفي كل مكان يقرب لأسمي بخور وتقدمة طاهرة لأن أسمي عظيم بين الأمم قال رب الجنود. أما أنتم فمنجسوه بقولكم أن مائدة الرب تنجّست وثمرتها محتقر طعامها. وقلتم ما هذه المشقّة وتأففتم عليه قال رب الجنود وجئتم بالمغتصب والأعرج والسقيم فأتيتم بالتقدمة. فهل أقبلها من يدكم قال الرب. وملعون الماكر الذي يوجد في قطيعه ذكر وينذر ويذبح للسيد عائباً. لأني أنا ملك عظيم قال رب الجنود وأسمي مهيب بين الأمم. "

في (10) من يغلق الباب أو يوقد ناراً مجاناً= هم رفضوا أن يقوموا بأي عمل، حتى لو كان عملاً صغيراً مثل غلق باب إن لم يأخذوا أجرهم على ذلك. وهم يقدمون الذبائح على المذبح لأنهم كانوا يشتركون في الأكل من لحومها إذ لهم نصيباً منها. مع أن الله لم يهمل أن يعطيهم أجرهم وبسخاء، إلا أنهم اهتموا اهتماماً شديداً بالماديات. ليست لي مسرة بكم. لا أقبل تقدمة من يدكم= الله لا يسر بالتقدمة قدر سروره بقلب مقدمها. فلا يكفي أن نقدم تقدمة بل علينا أن نفعل هذا بقلب مقدس مملوء محبة. وراجع (تك4:4) فالله نظر  إلى هابيل وتقدمته وهذا يعني أن الله قبل قربانه لأنه نظر إليه أولاً فوجده مقبولاً. وفي (11) نبوة بالمسيحية (قارن مع يو21:4 حيث يقول المسيح ما معناه أن العبادة ستكون في كل مكان) ومن مشرق الشمس إلى مغربها إسمي عظيم بين الأمم= لقد دنس اليهود اسم الله واحتقروه في أورشليم لذلك سيجعل الله الأمم في كل مكان يدخلون الإيمان وهؤلاء سيعظمون إسمه (أع46:13) وفي هذه الآية كأن الله يقول سأرفض اليهود بطقوسهم وسآتي بعبادة روحية جديدة، سيكون فيها تقديم بخور. وتقدمة طاهرة = هي سر الإفخارستيا. وفي (12) ثمرتها محتقر طعامها= هم احتقروا العائد المادي من خدمتهم، وقارنوا أنفسهم بالأغنياء وأطايبهم. لذلك احتقروا الطقوس فهم ظنوا أن العائد منها لا يساوي تعبهم، ولم يقدروا ما لخدمة الرب من كرامة. وفي (13) وقلتم ما هذه المشقة وتأففتم= مما يهين الله جداً أن يعتبر الخادم أن خدمته مشقة ويتأفف منها، بل عليه أن يفتخر بها. وفي (14) الذي يوجد في قطيعه ذكر= المقصود أن المفروض أن يقدم الشخص أفضل ما عنده لله. وملعون الماكر= أي الذي يظن أن الله يمكن خداعه كالإنسان فيقدمون له العائب. ومن يفعل هذا هذا يجد اللعنة عوضاً عن البركة. فالله أعطاهم بركات كثيرة، وهم بسلوكهم برهنوا على جحودهم.


 

الإصحاح الثاني

كان هناك طقسان عظيمان أسستهما الحكمة الإلهية [1] طقس الكهنوت. وهو لازم للمحافظة على الكنيسة. ولكن الكهنة دنسوا الكهنوت [2] الزواج. وهذا دنسه الشعب بالطلاق وبالزواج من وثنيات.

 

الآيات (1-9): "والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة. أن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجدا لأسمي قال رب الجنود فأني أرسل عليكم اللعن وألعن بركاتكم بل قد لعنتها لأنكم لستم جاعلين في القلب. هانذا أنتهر لكم الزرع وأمدّ الفرث على وجوهكم فرث أعيادكم فتنزعون معه. فتعلمون أني أرسلت إليكم هذه الوصية لكون عهدي مع لاوي قال رب الجنود. كان عهدي معه للحياة والسلام وأعطيته إياهما للتقوى فاتقاني ومن أسمي أرتاع هو. شريعة الحق كانت في فيه وإثم لم يوجد في شفتيه. سلك معي في السلام والاستقامة وأرجع كثيرين عن الإثم. لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود. أما أنتم فحدتم عن الطريق وأعثرتم كثيرين بالشريعة. أفسدتم عهد لاوي قال رب الجنود. فأنا أيضاً صيّرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب كما أنكم لم تحفظوا طرقي بل حابيتم في الشريعة. "

هذه الوصية= أي التعاليم الآتية. وفيها نجد رسالة موجهة للكهنة لتدنيسهم للكهنوت. وفي (2) لا تجعلون في القلب= أي تسمعوا هذا الإنذار وتضعوا في قلوبكم أن تقدموا توبة وتسلكوا كما ينبغي لتعطوا مجداً لإسمي فحينما نقدم توبة قلبية ونستجيب لتوبيخ كلمة الله ونخجل من خطايانا فنحن بهذا نمجد الله، أما الذي يستهين فهو يهين الله. والتهديد هنا لمن لا يستجيب. فإني أرسل عليكم اللعن= عوضاً أن يصير الكاهن بركة يصير لعنة، بل هو حتى لم ينتفع بتعب يديه ولن يبارك له الله في شئ. وفي (3) مثال على تلك اللعنات أنتهر لكم الزرع هذه لها تفسيران [1] لن يكون لكم نسل [2] حين يصيب الله الزرع بالأمراض أو تقل المياه وتندر المحاصيل الزراعية تقل العشور فيقل نصيب الكنهة. وهناك لعنة أخرى، فالله يرفضهم ويرفض تقدماتهم وخدماتهم، فكما احتقروا هم الرب سوف يحتقرهم الرب ويكرههم أمد الفرث على وجوهكم، فرث أعيادكم= والفرث هو الروث الذي في أحشاء الذبيحة وهذا يعتبر نجاسة، الفرث عموماً هو بقايا الطعام في الأمعاء، وهذا مصيره المزبلة. والذبائح التي كانوا يقدمونها في الأعياد، عوضاً عن أن يفرح بها الله، ستجعله يحتقرهم، حتى أنه سيلقي فرث هذه الذبائح في وجوههم فتنزعون معه= حين يغطيهم الفرث يكون مصيرهم أنهم يلقون معه في المزبلة، وهذا يشير لهلاكهم التام. لقد تحولت الأعياد من أفراح إلى إلقاء في المزبلة، هذه تساوي "أنتم ملح الأرض. ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح. لا يصلح بعد لشئ إلا لأن يطرح خارجاً ويداس من الناس" (مت13:5). وفي (4) فتعلمون أني أرسلت إليكم هذه الوصية= ولكن كيف يعلمون ؟ [1] بقوة الروح العامل في الكلمة، وقوة الكلمة في تغييرهم إن شاءوا التغيير [2] من إتمام التهديدات واللعنات في حالة رفضهم الإستجابة والتغيير والله مازال يرسل لهم كلماته. لأنه سبق وتعهد لأبيهم أو لأبائهم= لكون عهدي مع لاوي= فهم أحباء من أجل الأباء (رو28:11). وفي (5) كان عهد الله مع أبائهم عهد للحياة والسلام= فالله أفرزهم لنفسه وأعطاهم أن يكونوا خداماً له يلتزموا بخدمته فيكون لهم سلام في هذا العالم وحياة أبدية. وقد أعطى الله سبط لاوي هذه الكرامة لتقواهم فهم منهم موسى وهارون. وهم قد أظهروا شجاعة ضد من عبدوا العجل الذهبي (خر26:32) وكذلك راجع (عد6:25-15). وعموماً من يتقي الله عليه أن ينتظر بركاته. وفي (6) كان لاوي (أي سبط لاوي) صالحاً مقتدراً في الكتب المقدسة= شريعة الحق كانت فيه. وإثم لم يوجد في شفتيه= لم يغش كلمة الله لمصلحته أو للنفع المادي. وسلكوا باستقامة أي كانت حياتهم متفقة مع تعاليمهم. ومثل هؤلاء يكونون قدوة حسنة= أرجع كثيرين عن الإثم= أي ان الله كلل مساعيه بنجاح عجيب فساعد على خلاص نفوس كثيرة بتعاليمه وقدوته الحسنة. وفي (7) من المفروض أن الكاهن يكون ذا معرفة يعلم الأمور الدينية ويستطيع أن يعلمها للشعب. لأنه رسول رب الجنود= وكلمة رسول= ملاك. ومن هنا يسمي الكهنة والأساقفة ملائكة الكنائس (رؤ2،3) وفي (8) مقارنة بين حالهم الآن وحال الآباء. وأعثرتم كثيرين بالشريعة= فحين ينحرف الكاهن ينحرف وراءه الكثيرين. ولأنهم أفسدوا عهد لاوي أي أفسدوا الكهنوت وخانوا الأمانة، ولم يحفظوا هم أنفسهم الوصية= لم تخفظوا طرقي. (9) بل حابيتم في الشريعة= فهم كانوا يفسرون الشريعة لمصلحة من يدفع لهم أكثر ويغمضون عيونهم عن خطايا البعض. وفي نفس الوقت يحكموا على خطايا المساكين (راجع نح4:13) فكان إلياشيب الكاهن قد أقام مخدعاً عظيماً لطوبيا بسبب قرابته له). والنتيجة صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب= فالله يعطي كرامة ومجداً ومحبة من الناس للخادم الأمين والعكس صحيح.

 

الآيات (10-16): "أليس أب واحد لكلنا. أليس اله واحد خلقنا. فلم نغدر الرجل بأخيه لتدنيس عهد آبائنا. غدر يهوذا وعمل الرجس في إسرائيل وفي أورشليم. لأن يهوذا قد نجّس قدس الرب الذي أحبه وتزوج بنت إله غريب. يقطع الرب الرجل الذي يفعل هذا الساهر والمجيب من خيام يعقوب ومن يقرّب تقدمة لرب الجنود. وقد فعلتم هذا ثانية مغطين مذبح الرب بالدموع بالبكاء والصراخ فلا تراعى التقدمة بعد ولا يقبل المرضي من يدكم. فقلتم لماذا. من أجل أن الرب هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك التي أنت غدرت بها وهي قرينتك وامرأة عهدك. أفلم يفعل واحد وله بقية الروح. ولماذا الواحد. طالباً زرع الله. فأحذروا لروحكم ولا يغدر أحد بامرأة شبابه. لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل وأن يغطي أحد الظلم بثوبه قال رب الجنود. فأحذروا لروحكم لئلا تغدروا. لقد أتعبتم الرب بكلامكم. "

رسالة للشعب بخصوص الزواج لتدنيسهم لسر الزواج. هنا يبدأ النبي في آية (10) بأن الله أب لنا جميعاً فلا يصح أن نغدر أحد بأخيه، فلأن الله أب للجميع، فهذا مدعاة أن لا تكون هناك خيانة من أحد لآخر هو أخ له وفي وحدة معه أمام الله. خصوصاً أن لله أبونا قدوس لا يطيق الإثم والغدر والخيانة. وينتقل النبي من الكلام عن علاقة الإنسان بأخيه إلى علاقة الإنسان بزوجته، وهذه أقوى، فلقد صارا بالزواج جسد واحد، وهنا لا يصح إطلاقاً أن يغدر الرجل بزوجته، ولكن من كان غير أميناً مع إلهه لن يكون أميناً مع أخوته البشر، فهم تصرفوا بغدر مع الله في العشور والتقدمات. وفي (11) الله حرم عليهم الزواج من أجنبيات أي وثنيات (تث3:7) فالحياة الزوجية هي حياة إتحاد تحت ظل الله كما في مقدسات، لذلك فالزواج بوثنيات هو اتحاد مع بنات آلهة غريبة، ففيه يتحد ابن الله مع بنت إله غريب، وهذا الزواج ينجس قدس الرب= قدس الرب يعني هيكل الرب ويعني شعب الرب، وتعني كل فرد من شعب الرب، فهو كيهودي هو ابن لله وقدس للرب، وزواجه بوثنية ينجسه، فكل ابن لله مكرس له، فكيف يرتبط بزوجة نشأت في عبادة آلهة غريبة وكانت خاضعة لهذه الآلهة كما لأبيها. وقد بدأ فساد العهد القديم قبل الطوفان بهذه الخطية عندما اتخذ أبناء الله لأنفسهم زوجات من بنات الناس (تك2:6) وقد اعتبرت هذه الخطية هنا أنها غدر بالرب= لأن هناك عهد بين الله وأبناؤه أن يكونوا مكرسين له ولاحظ في (10) أن النبي وهو لم يخطئ يضع نفسه مع الخطاة ويقول نغدر الرجل بأخيه. وهذا قد صنعه دانيال من قبل (5:9) وأيضاً نحميا (33:9). ولاحظ أيضاً السبب الذي يذكره الله لنمتنع عن الغدر بأخوتنا أو زوجاتنا فهو أب لنا جميعاً وعينه تكون على المظلوم فهو ابنه أو ابنته. وفي (12) عقوبة من يفعل هذا يقطع الرب الرجل الذي يفعل هذا= هو بفعلته هذه وزواجه بوثنية قد قطع نفسه فعلاً من الأمة المقدسة وإنضم إلى الغرباء، فالله أيضاً سيقطعه من نصيبه في أورشليم السماوية.

الساهر والمجيب= الساهر تترجم المنادي، والمعنى من ينادي بهذا الشر ويسهر على تعليم الشعب هذه الخطية. والمجيب أي الذي يستجيب ويقبل هذا التعليم. من خيام يعقوب= الله لن يعترف بهؤلاء أنهم ينتمون لشعبه. ومن يقرب تقدمة= أي الكاهن الذي يفعل هذا هو أيضاً سيقطع (نح28:13،29) وفي (13) فعلتم هذا ثانية= لقد سبقوا وطردوا الأجنبيات لكنهم عادوا ونسوا عهدهم وتزوجوا بأجنبيات ثانية. مغطين مذبح الرب بالدموع= حين أساءوا معاملة زوجاتهن وطلقنهن بلا سبب ليتزوجوا من أجنبيات، بكين عند مذبح الرب من الظلم، والله يرى أن دموعهن قد غطت مذبحه فلن يقبل من الأزواج ذبائحهم وتقدماتهم= فلا تراعي التقدمة حتى وإن كانت بلا عيب= لا يقبل المُرضِي من أيديكم= فالله يريد أن يكون أولاده فرحين، ومن يحرم أحد أولاده من أن يحيا في فرح يرفضه الله ويرفض تقدماته. الله يرى أن الظلم الذي يقع على أي إنسان فيفقده سلامه وفرحه وتسبيحه هو خطية بشعة (1بط7:3). ولاحظ التشبيه أن الدموع كأنها تغطي المذبح فلا يوجد مكان لتقدمات وذبائح الظالم على المذبح، وبالتالي فهو غير مقبول أمام الله وخطاياه تكون بلا مغفرة بالتالي. وفي (14) فقلتم لماذا= هم في عماهم فقدوا الإحساس بأن هذا فيه شئ خاطئ. ولكن قد يدعي الإنسان ببجاحة أنه في هذا لم يخطئ لكن الرب هو الشاهد بينك وبين امرأة شبابك= وكون أن الرب هو الشاهد على الزواج، إذاً هو الزواج لم يكن عقد اجتماعي بل عمل إلهي يمس صميم الحياة الإيمانية. والله شاهد على الطريقة التي يتعامل بها الزوجان من حب أو ظلم، من أمانة أو غدر، وكان شاهداً على العهد الأول الذي قطعه الزوجان على نفسيهما أن يخلصا لبعضهما. لذلك هو يعاقب لأنه الشاهد الذي يعرف حتى ما في القلوب، وهو الذي سيقضي بالحق بين الزوج وزوجته، التي هي امرأة شبابك أحببتها وهي شابة واخترتها، وطالت العشرة بينكما إلى الآن وهي قرينتك التي شاركتك همومك وأفراحك. وهي امرأة عهدك= التي أرتبطت معها في رباط وثيق كامرأة شريكة لك وليست خادمة، امرأة تعهدت يوم تزوجتها أن تكون وفياً لها، وقد صار بينكما عهد الله، إذ كان الله شاهداً على هذا العهد وفي (15) أفلم يفعل واحد= في الترجمات الأخرى "ألم يخلق واحداً" فقد خلق الله آدم واحد ومنه أخذ حواء، إذاً كلاهما واحد، وأولادهم واحداً فيهم فهم أجزاء من كلاهما، وكان الله يشتاق أن يدخلوا في وحدة معه، ولو حدث لكانا كأنهما أكلا من شجرة الحياة وكانوا سيحيوا للأبد. ولكن آدم اختار طريق الانفصال عن الله الذي سبق الله وحذره من أن نهاية هذا الطريق الموت. ولكن المسيح جاء ليعيد هذه الوحدة (يو20:17-23) بين الإنسان وأخيه، فصرنا جسداً واحداً وروحاً واحداً، وصار هناك نوع من الوحدة بيننا وبين المسيح فنحن صرنا جسد المسيح. وكنموذج لهذه الوحدة بيننا وبين المسيح يكون الزواج (أف22:5-33). له بقية الروح= فالله خلق آدم على صورته ونفخ فيه نسمة حياة وأعطاه إمكانية وقدرة لإنشاء نسل حي من جنسه. ولماذا الواحد. طالباً زرع الله= فالله أعطانا هذه الإمكانية وجمح الرجل مع زوجته في جسد واحد لإنشاء نسل مقدس. لكن الإنسان حول هذه الإمكانية لشهواته وملذاته الخاصة عوضاً عن استخدامها الاستخدام المقدس. وهنا الله يلوم الإنسان الذي إنغمس في شهواته، يطلق زوجته ليتزوج بوثنيات أو يهمل امرأته متخذاً سراري. بينما هو واحد مع امرأته، فيقول الله أنه له بقية الروح= فالإنسان ليس جسد فقط بل جسد وروح. والروح هي لله لذلك يكمل فاحذروا لروحكم= فمن انغمس في شهواته يعرض روحه للهلاك الأبدي. وفي (16) الله يكره الطلاق= فما جمعه الله لا يفرقه الإنسان= وأن يغطي أحد الظلم بثوبه= الترجمة الإنجليزية أفضل "إن الطلاق يغطي ثوب الرجل بالظلم" أي يصبح في نظر الله إنسان ظالم. فأحذروا لروحكم= لأن الله سيعاقب أي ظالم حتماً ويهلكه.

 

آية (17): "وقلتم بم أتعبناه. بقولكم كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب وهو يسرّ بهم. أو أين اله العدل. "

كل من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب= هم اتهموا الله أنه يعطي الخيرات لمن يفعل الشر، فهم قصروا نظرتهم على الزمان الحاضر وعلى الجسديات، وحينما وجدوا أن الشرير ينجح ويحقق مكاسب مادية تضايقوا وقالوا أين إله العدل، هو يسر بالأشرار. وبقولهم هذا أتعبوا الرب. وضايقوه ثم لاحظ وقاحتهم في سؤالهم بم أتعبناه.


 

الإصحاح الثالث

بعد أن أظهر فساد الكهنة والشعب، نجد الله هنا يقدم الحل في المسيح الذي سيقيم عهداً جديداً، فيه يحرق الشر ويبيده ويقدم بره وخلاصه.

 

الآيات (1-6): "هانذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رب الجنود. ومن يحتمل يوم مجيئه ومن يثبت عند ظهوره. لأنه مثل نار الممحص ومثل اشنان القصّار. فيجلس ممحصا ومنقيا للفضة فينقي بني لاوي ويصفيهم كالذهب والفضة ليكونوا مقربين للرب تقدمة بالبر. فتكون تقدمة يهوذا وأورشليم مرضية للرب كما في أيام القدم وكما في السنين القديمة. واقترب إليكم للحكم وأكون شاهدا سريعا على السحرة وعلى الفاسقين وعلى الحالفين زورا وعلى السالبين أجرة الأجير والأرملة واليتيم ومن يصدّ الغريب ولا يخشاني قال رب الجنود. لأني أنا الرب لا أتغيّر فانتم يا بني يعقوب لم تفنوا. "

إن الكلمات الأولى لهذا الإصحاح هي إجابة مباشرة عن السؤال السخيف الذي قدموه سابقاً قائلين "أين هو إله العدل؟" والإجابة هنا أنه قريباً سيظهر، وهو على الأبواب وهو سيأتي لتصحيح كل الأوضاع وسيسبق مجيئه سابق هو يوحنا المعمدان= هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي. وقد قال مرقس الرسول (مر1:1،2) هذا صراحة، أن بدء إنجيل يسوع المسيح سوف يكون إتمام هذا الوعد الذي ختم به العهد القديم، وبهذا يتصل العهد القديم بالعهد الجديد. وكلمة ملاكي تعني رسولي. هو ملاك الله أي رسول من الله، ولذلك يجمع الكل أن يوحنا كان نبياً، وأنه هيأ الطريق أمام المسيح بدعوة الناس للتوبة حتى يتقبلوا تعزيات المسيح. وبعد يوحنا يأتي المسيح مباشرة= يأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه= فهو الرب الذي انتظره أتقياء اليهود. وهو ملاك العهد= سمى الابن ملاك أي رسول لأن الآب أرسله ليقيم عهداً جديداً (عب15:9). والمسيح كان يستخدم كلمة الآب أرسلني كثيراً (يو36:5-38). فهو رسول الآب يعلن محبة الآب. الذي تسرون به فهو الذي سيعطي الفرح والتعزية. يأتي بغتة= أي قد اقترب موعد مجيئه وسيأتي مباشرة بعد ظهور يوحنا، وسيكون ظهوره وهيئته بصورة غير التي يتوقعونها. وسوف يأتي إلى الهيكل، فهو أتى وسنه 40 يوماً ثم وعمره 12 عاماً ثم حين دخل لأورشليم وإتجه للهيكل لتطهيره. ولكن قوله إلى هيكله= تشير إلى التجسد، فالهيكل الذي أسسه المسيح هو هيكل جسده (يو21:2) وفي (2) من يحتمل يوم مجيئه= ظهر مجد المسيح كثيراً بالرغم من إخلائه لذاته وظهر هذا في التجلي وفي سقوط من أتي للقبض عليه، عند قوله "أنا هو". وفي معجزاته ولقد فزعت منه الشياطين وقالت "أتيت لتهلكنا". ولكنه كان مخفياً مجد لاهوته، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2). ولم تحتمل الأمة اليهودية نتائج فعلتها أي صلبها له، فلم يثبت الكهنوت اليهودي ولا الأمة اليهودية التي صلبته ورفضته= من يثبت يوم ظهوره. فهو مثل نار الممحص فالأمة اليهودية لم تثبت بسبب صلب رب المجد، والدولة الرومانية إحتمل الله كل أخطائها لأنه يعلم أنها ستتحول يوماً للإيمان، ولكن كان مصير الأباطرة الذين إضطهدوا المسيحية مصيراً مرعباً. والشياطين لم يثبتوا من يوم ظهوره للآن وبعلامة الصليب يحترقون. ولكن الله في طول أناته يحتمل المخطئين كثيراً. ربما يسمح ببعض الآلام ضد الخطاة، ولكنها إما تكون مثل نار الممحص أو إذا لم يستفد الخاطئ من هذه النيران المطهرة، تكون نهايته صعبة، فهو لن يحتمل أن يثبت أمام المسيح. ونار الممحص حينما يتعرض لها الذهب تنفصل عنه رواسبه، وتكون الآلام التي يسمح بها الله مثل أشنان القصار= أي الصابون الذي يستخدمه منظف الأقمشة ومبيضها، فالمسيح بمجيئه يفرز من يقبل الملكوت عن من لا يقبله، فمن يقبل الملكوت فهذا يطهره ويغسله بدمه أولاً (رؤ14:7) وبسماحه ببعض التجارب له، أما من لا يقبل فهذا يكون مرفوضاً ومصيره الهلاك ولن يستطيع أن يثبت أمام الله، مهما كان جباراً قوياً وعنيداً.

وفي (3) ينقي بني لاوي= أي كل من تكرس لخدمته أي الكهنة، فالقضاء سيبتدئ من بيت الرب (1بط17:4) وذلك سيكون في شخص الكهنة فيطهرون ليليقوا بعملهم الرفيع وليقربوا للرب تقدمة بالبر= (مُقَرَّبين)= وهي أتت في الإنجليزية وترجمات أخرى ليُقَرّبوا. فهذا عمل الكهنة أن يقربوا أي يقدموا قرابين لله، ولكي يقوموا بهذا العمل يقوم الله بتطيرهم ليقدموا تقدماتهم بالبر أي وهم في طهارة. وبصورة عامة فكل المؤمنين لهم كهنوت عام، فكلنا ملوك وكهنة (رؤ6:1) والمؤمنون أيضاً يطهرهم المسيح ليقدموا تقدماتهم بطهارة وتقدمات المؤمنين هي صلواتهم وتسابيحهم وعطاياهم (مز2:141 + عب15:13،16). وبنى لاوي كانوا مكرسين لخدمة الله، وهكذا كل مسيحي فهو مكرس للرب وقدس للرب (زك21:14) المسيحيين كلهم مفروزين ومكرسين لخدمة الرب ولإتمام الأعمال المقدسة التي خلقهم لأجلها (أف10:2). والله يطهر شعبه فالذهب والفضة= يقدسهم في الداخل من الأقذار التي لصقت بهم في الداخل وذلك أساساً بدمه، وبعمل روحه القدوس، ولا مانع من استخدام بعض التجارب المتنوعة بحسب حكمة الله. وذلك ليقربوا ذبائح صلواتهم وتسابيحهم وأعمال محبتهم، بطهارة= تقدمة بالبر. وتكون تقدمة يهوذا وأورشليم= هنا يهوذا وأورشليم هما تعبير عن الكنيسة المسيحية. ومتى تكون تقدمة الكنيسة مرضية للرب= حينما تتم تنقية الكهنة والشعب. وهذا كما قلنا يتم [1] بدم المسيح [2] بعمل الروح القدس [3] باستجابة المؤمن لعمل الروح القدس. كما في أيام القدم= كما رضى الرب على نوح وإبراهيم والآباء وتنسم رائحة الرضا (تك21:8). وما هي تقدمات وذبائح الكنيسة [1]ٍ أهم تقدمة هي ذبيحة الافتخارستيا [2] الصلاة والتسبيح من قلب طاهر [3] أعمال المحبة والعطاء وكل من يقدم جسده ذبيحة حية أي يموت عن شهواته يكون مرضياً أمام الله (رو1:12). والله كما كان يقبل ذبائح العهد القديم بنار تنزل من السماء نجده يقبل من يقدم جسده ذبيحة حية ويملأه بنار الروح القدس النازل من السماء، وهذه النار تطهره وتنقيه وتملأه ثماراً "(غل22:5-24)، (5) أقترب إليكم للحكم. وأكون شاهداً= فإذا كان الله هو الذي يطهر وينقي فما عذر من يستمر في خطيته؟ وماذا يكون تبريره لموقفه حين يقترب الله للحكم؟ أي حين يأتي للدينونة. ففي مجيء المسيح مسرة وفرح لمن يقبله ونار دينونة لمن يرفضه أمثال السحرة= أي كل من يتعامل مع الشيطان، والفاسقين= الذين يتمرغون في شهوات الجسد. والحالفين زوراً= هؤلاء يدنسون اسم الله. ومن يصد الغريب= الذي ليس له أحد يدافع عنه، يدافع عنه الله بنفسه. وكلمة شاهداً سريعاً= أي أن دينونة المسيح ستفاجئ مثل هؤلاء. وفي (6) الله لا يتغير. ولن تسقط كلمة واحدة من كلامه ودليل ذلك أن شعب إسرائيل لم يفنى حتى الآن= لم تفنوا بالرغم من خطاياهم، لأن الرب كان أميناً على عهده معهم ومع أبائهم. والله لا يتغير= فبالرغم من حبه المعلن على الصليب إلا أنه كاره للشر والخطية وهو يفي بوعده للأبرار ولكنه سيعاقب الأشرار وعلينا نحن أن نتغير ونرجع للرب ونقدم توبة فنتمتع بوعوده للأبرار.

 

الآيات (7-12): "من أيام آبائكم حدتم عن فرائضي ولم تحفظوها. ارجعوا إليكم أرجع إليكم قال رب الجنود. فقلتم بماذا نرجع. أيسلب الإنسان الله. فأنكم سلبتموني. فقلتم بم سلبناك. في العشور والتقدمة. قد لعنتم لعناً وإياي أنتم سالبون هذه الأمة كلها. هاتوا جميع العشور إلى الخزنة ليكون في بيتي طعام وجربوني بهذا قال رب الجنود أن كنت لا أفتح لكم كوى السموات وأفيض عليكم بركة حتى لا توسع. وأنتهر من أجلكم الآكل فلا يفسد لكم ثمر الأرض ولا يعقر لكم الكرم في الحقل قال رب الجنود. ويطوّبكم كل الأمم لأنكم تكونون أرض مسرّة قال رب الجنود. "

عتاب من الله على أنهم حادوا عن فرائضه. وهربهم من خدمة سيدهم وذلك من أيام أبائكم= أي تكررون نفس خطاياهم ثم دعوة بالتوبة إرجعوا إلىّ أرجع إليكم. ثم نجد منهم إجابة تدل على عماهم بماذا نرجع= كأنهم يقولون ما هي خطايانا حتى نقدم عنها توبة، فنحن لا نخطئ فلماذا يحدثنا عن الرجوع. والله يلاحظ الإجابات التي تجيب بها قلوبنا على كلمته فهم إما مستائين من تحذير الأنبياء لهم على خطاياهم أو هم لا يرون لأنفسهم خطايا يتوبون عليها، أو هم مصممين على خطاياهم. وفي (8) الله يتهمهم بسرقته= إنكم سلبتموني= وسرقة الأشياء المقدسة التي لله هي أشر أنواع السرقة والله يتساءل أيسلب الإنسان الله= أيتجاسر على هذا. أو يسرق الله الذي أحسن إليه. ونحن نسرق الله إذا لم ندفع العشور فهي حقه، أو إمتنعنا عن التقدمات للكنيسة= في العشور والتقدمة= فالعشور ليست أموالي، بل هي أموال الله، فالله له الكل وهو الذي أعطاني الكل، والله لا يطلب سوى العشور. ودفع العشور هو حب عملي تجاه الله وتجاه الفقراء وتجاه خدام الله الذين يعيشون من هذه العشور. وفي (9) لعنتم لعناً= حين يسلب الإنسان الله عليه أن يتوقع توقف البركات، وأن تأتي المجاعات ورادءة الطقس والحشرات التي تلتهم ثمار الأرض. هذه الأمة كلها=إذاً الخطية جماعية لذلك فالعقوبة جماعية. ولاحظ أن العشور الواجبة لله هي من أموالنا ومن وقتنا فهناك أوقات ينبغي أن تكون لله نقضيها في الصلاة ودراسة الكتاب المقدس والذهاب للكنيسة لحضور القداسات والاجتماعات. وفي (10) هاتوا جميع العشور= تترجم "كامل العشور" فكان منهم من يأتي ببعض العشور ويحتفظ بالباقي (كما فعل حنانيا وسفير). ليكون في بيتي طعام= أي حتى يجد من يخدمون المذبح طعامهم. وجربوني=هذا هو المكان الوحيد الذي سمح الله فيه بأن نجربه. وهو موقف إيماني، فيه يدفع المؤمن عشوره وينتظر بركة الرب كما فعلت الأرملة مع إيليا، وصنعت له كعكة بكل ما عندنا من دقيق وزيت فحلت البركة في منزلها= إن كنت لا أفتح لكم كوى السماء= هذه العبارة تشير أن أيام هذا الكلام من النبي، كانت أيام قحط شديد، ولكن الله حين يريد يفيض ببركاته في السماء بغني، وهو يعطي بسخاء ولا يعير (1مل13:17) والله يفتح كوى السماء بالبركة لمن يؤمن، أما من يغضب عليه الله فتنفتح عليه كوى السماء بأشياء أخرى (الطوفان أيام نوح،ونار وكبريت مع سدوم) حتى لا توسع= حتى لا تعود المخازن تتسع للغلال. وهي تترجم أيضاً "حتى لا تعود بعد حاجة" أي من الوفرة. وفي (11) وأنتهر من أجلكم الآكل= أي يوقف الله نمو الحشرات التي تأكل المحصول مثل الجراد. . الخ. فالخليقة كلها خاضعة لأمر الله. ولا يعقر لكم الكرم= لا يعود يتلف. وفي (12) يطوبكم كل الأمم= أي تتكلم عنكم بكل وقار، وتطوب إلهكم الذي أعطاكم كل هذه الخيرات، وتعتبركم شعباً مغبوطاً. والله يريد هذا، أن يرى الآخرون بركته لشعبه، ويروا قداسة شعبه أيضاً، وأن الله باركهم بسبب قداستهم، وهذه طريقة للكرازة. ويبدو أن الشعب قد إلتزم بهذا النداء. راجع (نح 12:13) إن كل يهوذا أتوا بعشر القمح. . "

 

الآيات (13-15): "أقوالكم أشتدّت عليّ قال الرب. وقلتم ماذا قلنا عليك. قلتم عبادة الله باطلة وما المنفعة من إننا حفظنا شعائره وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود. والآن نحن مطوّبون المستكبرين وأيضاً فاعلو الشر يبنون بل جربوا الله ونجوا. "

كما أن هناك من الشعب من قد إلتزم بنداء النبي إلا أن هناك من إزداد استهزاؤه، بل ربما شددوا أيادي بعضهم البعض في التجديف والله يترك الكل ينموا معاً الحنطة والزوان. وفي (13) أقوالكم اشتدت علىَّ أي كنت قاسية لا تلين وملحة لا تكف. وفي ترجمات أخرى "أقوالكم جريئة علىَّ. هم قالوا كلمات بوقاحة على ملك الملوك واعترضوا على أحكامه أو هم عيروه ولم يخجلوا مما قالوه، وتكلموا بجرأة وكبرياء "وعلى القدير تجبروا" (أي25:15). ماذا قلنا عليك= كلمة قلنا في العبرية جاءت بصورة فعل متبادل، بمعنى أنهم كانوا يتبادلون الكلام على الله. وهم بهذا القول إما يخففون مما قالوه بمنطق "وماذا يضير الله لو كنا قد قلنا كذا وكذا" أو هم ينكرون ما قالوه، ويطالبون النبي بإقامة الدليل. وفي (14) قلتم عبادة الله باطلة=أي أنها تُخضِع الناس للآلام والأحزان، وقد عبدنا الله، فأين الثروات والمكاسب التي حققناها. وأننا سلكنا بالحزن قدام رب الجنود= مع أن الله يريد لشعبه أن يفرح، ولكنهم هم بخرافاتهم جعلوا عبادة الله أمراً شاقاً. والمعنى أنهم يطالبون الله بخيرات زمنية في مقابل عبادتهم. وفي (15) يكررون نفس الكلام بصورة أخرى أن فاعلي الشر هم الذين يستفيدون ويبنون أي تكون لهم ثروات وأن الذين جربوا الله نجوا. مع أن نجاح الأشرار وقتي (مز18:73،19). نطوب المستكبرين= هم بنظرتهم القاصرة ظنوا أن نجاح الأشرار أبدي فطوبوهم.

 

الآيات (16-18): "حينئذ كلّم متّقو الرب كل واحد قريبه والرب أصغى وسمع وكتب أمامه سفر تذكرة للذين أتقوا الرب وللمفكرين في أسمه. ويكونون لي قال رب الجنود في اليوم الذي أنا صانع خاصة وأشفق عليهم كما يشفق الإنسان على أبنه الذي يخدمه. فتعودون وتميزون بين الصدّيق والشرير بين من يعبد الله ومن لا يعبده. "

هنا حديث عن قديسي صهيون= متقو الرب. فرأس الحكمة مخافة الله أي أن يتقي الإنسان الله. كلم متقو الرب كل واحد قريبه= تكلموا بالحب عن الله. وقارن مع كلام الأشرار مع بعضهم باستخفاف عن الله = "ماذا قلنا" آية (13). والأتقياء يتكلمون كلام للبنيان ولزيادة الإيمان والقداسة. فكلما إزداد الآخرون شراً، وجب أن نزداد نحن تقوي. وللمفكرين في إسمه= أي أن هؤلاء يتأملون في إسم الرب ومحبته من نحوهم، وهذا يؤدي للتعمق في الشركة مع الله وإثارة عواطف المحبة نحو إسمه. والرب أصغى= فالله يلاحظ كل الأحاديث الطيبة، ولا ينسى محبة شعبه= وكتب أمامه سفر تذكرة. فمن لا ينسى كوب ماء يقدمه أحد، هو بالتأكيد لن ينسى محبة شخص نحوه هو شخصياً. وفي (17) ماذا سوف يعطي الله لهؤلاء المتقين. يكونون لي في اليوم الذي أنا صانع خاصة= أي في يوم الأبدية يكونون لله، خاصة له، شعبه المحبوب المخصوص وفي ترجمات أخرى "في اليوم الذي أنا صانع كنزي الخاص" فالله يعتبر أن من أحبه وأتقاه أنه كنزه الخاص، والله سينجي الأمناء له من الدينونة كما ينجي أحد كنزه الخاص. هؤلاء "يسترهم الله في يوم سخط الرب" (صف3:2) وفي هذا اليوم يجمع الله خاصته من وسط الأقذار التي هم فيها الآن "يرسل ملائكته فيجمعون مختاريه (أي كنزه) من أربع رياح السماء " (مت31:24) وقوله يكونون لي أي أنه سوف يقدسهم بالكلية ليصبحوا له بالكلية بدون أي إهتمامات جسدية وسيفرزهم عن الذين هم ليسوا له. ويشفق عليهم كما يشفق الإنسان على إبنه الذي يخدمه= أجمل ما أخذناه هو البنوة حيث ننال نصيبنا مع أبانا الذي في السموات. ولاحظ أن كلمة أشفق عليهم تعني أن الله سيتعامل معنا ليس حسب ما نستحق بل بحسب مراحمه، ولكن لاحظ أن على الابن أن يخدم أبيه، أي نعبد الله بروح البنين. فتعودون وتميزون= هناك سيظهر الفرق بين الأبرار والأشرار، في الأبدية، فهؤلاء سيكونون في مجد، وهؤلاء يحترقون (1:4). هذا سيحدث على الرغم من أن الفرق الآن غير واضح بين الأبرار والأشرار على الأرض، ولكن في السماء سيميز الله بين الصديق والشرير، وسيرى الأبرار نتيجة برهم فيفرحون ويسبحون. وهذا الكلام موجه لمن قالوا أن الله لا يميز بين الخير والشر، وأن عبادة الله باطلة، والله يقول لهم أنه هناك سوف تدركون خطأكم. فالذين إتقوا الله يرفعهم الله من المزبلة إلى عرشه، والذين أهانوا الله يلقيهم من على كراسيهم، أي كراسي تنعمهم إلى المزبلة. وهذا تم بصورة رمزية عند حصار أورشليم حيث نجا المسيحيين والباقون هلكوا في مجاعة أولاً ثم في حريق أورشليم، بل صلب منهم حوالي مليون يهودي. وهذا ما سيحدث في ذلك اليوم حيث تنجو البقية التقية. الآن يبدو أن العناية الإلهية لا تفرق بين التقي والشرير. ولكن الفرق هناك خطير، فهو يوم التمييز الكامل بينهما.


 

الإصحاح الرابع

في هذا الإصحاح يحدثنا عن يوم الرب العظيم المخيف ومجيئه الثاني.

 

آية (1): "فهوذا يأتي اليوم المتقد كالتنور وكل المستكبرين وكل فاعلي الشر يكونون قشاً ويحرقهم اليوم الآتي قال رب الجنود فلا يبقي لهم أصلاً ولا فرعاً. "

اليوم المتقد كالتنور= هو يوم غضب وغيرة نار والأشرار المستكبرين يكونون وقود هذه النار كالقش. أما الذين إتقوا الرب يكونون كالذهب يزداد لمعاناً. وهؤلاء المستكبرين هم الذين إشتدت أقوالهم على الرب وأبوا الخضوع لنير وصاياه. ولاحظ أنه في خروج الشعب من مصر كان الله نوراً لشعبه، وظلاماً لأعداء شعبه. فلا يبقي لهم أصلاً ولا فرعاً= أي يستأصلهم الله كلية في هذا اليوم. وفي هذا اليوم يتقد التنور ويحترق فيه أبناء هذا الدهر الذين تعلقت قلوبهم بمحبته.

 

الآيات (2،3) "ولكم أيها المتّقون أسمي تشرق شمس البرّ والشفاء في أجنحتها فتخرجون وتنشأون كعجول الصيرة. وتدوسون الأشرار لأنهم يكونون رماداً تحت بطون أقدامكم يوم أفعل هذا قال رب الجنود. "

هنا وعد للمتقين إسمه، هؤلاء يشرق لهم المسيح كالنور (رؤ5:22). ويكون المسيح نوراً مبهجاً لكل من يعبدونه بأمانه فهو شمس البر وكما أن هذا اليوم يكون مرعباً للأشرار هكذا سيكون يوماً جميلاً ومبهجاً لمتقي الله، ومنعشاً كما تنعش الشمس الأرض عند شروقها. وهو شمس البر فهو الرب برنا. وهو صار لنا من الله براً. (1كو30:1) والشفاء في أجنحتها فنحن الآن في مرض الخطية والموت، والمسيح هو طبيبنا الأعظم، فالخطية قد شوهت صورتنا تماماً. ولكننا هناك سنشفى من كل مرض روحي وجسدي ونفسي. فتخرجون= سنخرج من هذا العالم كمن يخرج من سجن مظلم وضيق. كما يخرج الذين شفوا إلى حياتهم مرة أخرى، وستخرج الأجساد من قبورها عند القيامة من الأموات. تخرجون كما يخرج النبات من البذرة المدفونة (1كو35:15-44). وتنشأون كعجول الصيرة= كلمة تنشأون في ترجمات أخرى "تطفرون" إشارة للحياة الفرحة المرحة الخالية من الهم والغم. إذ تعود إليكم الصحة الروحية والجسدية والنفسية، وتعود لكم الحيوية، فالصيرة هي المعلف، وتنمون في المعرفة والنعمة والقوة الروحية. وهذه العجول تسرح في حرية وتطفر في حرية ومرح، هذا دليل فرح القديسين الذين يفرحون بالرب يسوع. وفي (3) يكونون منتصرين على أعدائهم= تدوسون الأشرار. كان الأشرار يدوسونهم في العالم، أما هناك فيصبح الأشرار موطئاً لأقدام أولاد الله الذين غلبوا العالم وداسوه بالإيمان، وتسلطوا على أهوائهم وشهواتهم الفاسدة. ويكونون رماداً تحت بطون أقدامكم= فهم قد احترقوا بنيران التنور في اليوم الأخير (رؤ26:2،27).

 

آية (4): "اذكروا شريعة موسى عبدي التي أمرته بها في حوريب على كل إسرائيل الفرائض والأحكام. "

أذكروا شريعة موسى= لاشك في أن هذه الآية بل هذه الآيات قصد بها أن تكون خاتمة ليس فقط لهذه النبوة،بل لأسفار العهد القديم. وهي دليل واضح على أنهم كان يجب أن لا ينتظروا أية نبوات أخرى إلى أن يجئ المسيح. والفرائض والأحكام=المقصود بها ليس فقط شريعة الوصايا العشرة، بل كل الفرائض والأحكام، وغيرها من الناموس الطقسي، ولاحظ أن نسياننا للشريعة هو أساس كل تعدي على الله. وهذه الآية تشبه (رؤ24:2،25) "إنما الذي عندكم تمسكوا به".

 

آية (5): "هانذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم والمخوف. "

هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب= هنا يتكلم عن يوم الدينونة حينما يأتي المسيح في مجيئه الثاني. ولذلك يفسر أغلب مفسري الكنيسة أن أحد الشاهدين في (رؤ3:11) هو إيليا (والثاني هو أخنوخ) فكلاهما لم يموتا حتى الآن. وهذين الشاهدين سيأتيان قبل مجيء المسيح الثاني وكون إيليا سيكون أحدهما، موضوع لا خلاف عليه، فالأوصاف المذكورة في (رؤ11) عن الشاهدين تنطبق على ما كان إيليا قد صنعه من قبل مثل [1] لابسين مسوحاً [2] تخرج نار من فمهما تأكل أعدائهما [3] يغلقا السماء حتى لا تمطر في أيام نبوتهما وهي 1260يوماً أي ثلاث سنين ونصف.

ولكن لأن ملاخي قد أنهى نبوته بنبوتين، واحدة عن مجيء يوحنا المعمدان كسابق للمسيح في مجيئه الأول ونبوة عن مجيء إيليا كسابق للمسيح في مجيئه الثاني (ملا1:3 + ملالا5:4). وحيث أن اليهود لم يكن لهم علم بأن المسيح سيأتي مرتين، مرة للفداء ومرة للدينونة، فقد إلتبس عليهم الأمر وظنوا أن (ملا1:3، ملا5:4) متطابقان، وأن المسيح سيأتي مرة واحدة يسبقه فيها ملاكه الذي يهيئ الطريق أمامه، وأن هذا الملاك المذكور في (1:3) هو هو نفسه إيليا المذكور في (5:4) وكان التلاميذ لهم نفس هذا الفكر، وهم في بداية علاقتهم بالمسيح تصوروا أنه إيليا وأنه أتى كسابق للمسيح (مت14:16) ولكن مع الوقت، وخصوصاً بعد حادثة التجلي تأكدوا أن المسيح هو المسيا المنتظر فتحيروا وتساءلوا "لماذا يقولون أن إيليا يجب أن يأتي أولاً" (مت10:17). وكانت ردود المسيح مبهمة فهو لم يشأن أن يوضح أنه سيأتي مرة أخرى كديان "لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1كو8:2). ولكن يفهم من ردود المسيح (مت10:11،14 + مت11:17-13) أن يوحنا كان هو السابق للمسيح في مجيئه الأول وأنه أتى بنفس قوة وروح إيليا. ومعنى كلام السيد المسيح لتلاميذه "إن أردتم أن تقبلوا أي إن أردتم أن تفهموا أني أنا المسيح، فإن يوحنا أتي بنفس روح إيليا، أي إذا كان الشرط أن تؤمنوا بي، على أنني المسيا المنتظر، أن إيليا ينبغي أن يأتي قبلي، فهذا قد حدث وأن يوحنا أتى بروح إيليا".

 

آية (6): "فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم لئلا آتي وأضرب الأرض بلعن. "

مجيء إيليا سيكون ليرد قلب الآباء على الأبناء= فلقد فسدت العلاقات الأسرية، علاقات الأباء بأبنائهم بسبب فساد الزواج، وطلاق الأباء للأمهات جرياً وراء شهواتهم، وإيليا سيأتي ليعيد المحبة المفقودة، فبدونها سيحترق الناس عند مجيء المسيح. والمعنى الأشمل أنه سيقف في وجه تيار الخطية الذي تسبب في فساد العلاقات الأسرية. أضرب الأرض بلعن= آخر كلمة في العهد القديم هي لعن، لأن مسيح العهد الجديد سيأتي ليزيل اللعنة. وآخر كلمات العهد الجديد نعمة وبركة. واللعنة ستكون على اليهود رافضي المسيح

 

الصفحة الرئيسية