مقدمة

قال الجامعة "سليمان الحكيم" الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة لأن ذاك نهاية كل إنسان والحى يضعه فى قلبه. الحزن خير من الضحك لأنه بكأبة الوجه يُصلح القلب. قلب الحكماء فى بيت النوح وقلب الجُهال فى بيت الفرح (جا2:7-4) وهذا الكلام هو عكس ما يؤمن به العالم، فرأى أهل العالم لنأكل ونشرب، لنفرح ونضحك لأننا غداً نموت. ولنقرأ ثانية ما قاله سليمان الحكيم ثم نأتى لقراءة هذا السفر فى حزن مقدس على خطايانا التى هى سبب ألامنا وألام الكنيسة.

1-   يجب ان تكون لنا تراتيل فيها حزن مقدس على خطايانا، فيها نبكى على خطايانا وأثارها فهذا يحرك مشاعرنا وقلوبنا فنصبح مستعدين لتلقى الحقائق الإلهية. فالتوبة تصهر القلب فيكون كالشمع مستعد لأن تطبع عليه الحقائق الإلهية كالختم. أما الإنسان اللاهى الضاحك، الإنسان غير النادم الذى لا يبكى على خطاياه يكون قلبه صلباً غير مستعد لهذا.

2-   فى ملخص سريع لأحداث سفر أرمياء. فقد أخطأت أورشليم خطايا بشعة كثيرة فأسلمها الله لجيش بابل بقيادة نبوخذ نصر الذى حاصرها ثم بعد أحداث أليمة من مجاعات وأوبئة سقطت فى يد ملك بابل فدمرها وأحرقها ونقض أسوارها ودمَر هيكل الرب وبيت الملك وقتل من قتل وسبا من سبا ولم يترك سوى المساكين فى الأرض. فمن يقارن بين حال أورشليم قبل سقوطها أيام مجدها وبين حالها بعد خرابها لابد وسيرثيها كما فعل النبى، ورثاء النبى على ما حدث لأورشليم يثبت صدق نبواته، ويثبت صدق مشاعره نحو بلده وأهله وأنه كان غير راغب فى تحقيق نبواته بل توبة شعبه. وحين رأى بروح النبوة ما سيحدث قال "يا ليت عينى ينبوع ماء لأبكى". والأن بعد أن حدث ما تنبأ به ها هو يبكى بمشاعر صادقة وهذا يثبت كذب الإتهامات التى وجهوها لهُ بالخيانة وأنه فى صف ملك بابل. وهو لم يفرح بأن صدقت نبواته ولا بالإنتقام ممن إضطهدوه. بل أن قلبه المملوء حباً وحناناً بكى لآلام من عذبوه فكان خيراً من يونان النبى الذى غضب حين سامح الله نينوى إذ قدَموا توبة.

3-   إن بنية هذه القصيدة الرثائية جديرة بالملاحظة. فالإصحاحات 4،2،1 فى لغتها الأصلية وهى العبرية مرتبة ترتيباً أبجدياً. وكل إصحاح منها مؤلَفْ من 22 أية شعرية، تبدأ كل منها بأحد أحرف الأبجدية العبرية على التوالى أما الإصحاح الثالث، حيث نجد أوفى إعتراف بخطيتهم وحزنهم، فقوامه 66 أية، ثلاث لكل حرف أبجدى، أى أن كل واحدة من الأيات الثلاث الأولى تبتدىء بحرف الألف- وكلاً من الأيات الثلاث التوانى تبتدىء بحرف الباء.... وهكذا أما الإصحاح الخامس فهو غير ملتزم بالأبجدية ولكنه مكون من 22 آية أيضاً وكل أية نصفين مترادفين وفى الجزء الثانى إجابة أو مرادف للجزء الأول. وذلك حتى يسهل حفظها غيباً وتستعمل فى صلواتهم. وهناك ملحوظتان:

أ‌.        هناك إستثناء فالأبجدية متبعة تماماً فى الإصحاح الأول ولكن فى الإصحاح الثانى والثالث والرابع سبق حرفPE حرفAJIN بينما هو يتبعه فى الأبجدية فلماذا؟ حرف الـPE هو الذى يستخدم للتعبير عن رقم (70) فكأن النبى يريد أن يحفر فى أذهانهم أن عودتهم من السبى ستحدث بعد 70 سنة.

ب‌.    فى المزمور 119 نجد 22 قسماً كل منها مكون من 8 أيات شعرية وهى تستخدم كل حروف الأبجدية العبرية. وهذا المزمور كله يمتدح ناموس الرب الكامل وإذا فهنا أن إستخدام الحروف الأبجدية كلها فى المزمور 119 يشير أننا نستخدم كل اللغة البشرية بإمكاناتها لنمدح ناموس الرب حتى نسلك فيه فيكون لنا كل الخير، فإن المراثى تستخدم كل الحروف أيضاً لتعبر عن الأحزان المترتبة على إهمال ذلك الناموس وكسره.

4-   كاتب سفر المراثى "أرمياء النبى" يرثى أورشليم ويُصور الفظائع التى إرتكبت بواسطة البابليين والآلام التى عانى منها الشعب أثناء الحصار. وبعد أن كانت المدينة كاملة الجمال بهجة كل الأرض أصبحت محروقة ومشوهة. وهى كانت كاملة الجمال لوجود الله فى وسطها أما وقد غادرها الله وفارقها بسبب الخطية فقد فقدت من يحميها فسقطت وأذلها البابليون. وملكها سقط وهكذا كهنتها وتوقفت إحتفالاتها وأعيادها وأفراحها وتسبيحها وعبادتها وأصبحت بلا أنبياء ولا رؤى وأرض يهوذا تحولت للغرباء والناس ماتوا أو أخذوا سبايا وعبيداً بل حتى من بقى فى الأرض كان عبداً لملك بابل. كل هذا بسبب الخطية. خطية الشعب والقادة ولكن هناك معنى روحى لهذا. فأورشليم هذه تشير لأدم الذى كان كامل الجمال فهو قد خُلق على صورة الله ومثاله. وكان بهجة كل الأرض وكان يرى الله ويكلمه ولكن بسقوطه فقد كل شىء ومات وسقط مسبياً للشيطان ولم يَعُد يرى الرب ولم يَعُد يسبح الرب وفقد أفراحه. فصورة أورشليم بعد خرابها هى صورة الإنسان بعد سقوطه، وهذه المراثى ترثى خراب أورشليم وترثى أيضاً خراب الإنسان وحزن الله عليه

5-   يبدأ الإصحاح الثالث بـ "أنا هو الرجل الذى رأى مذلة" وقد تحيَر علماء الكتاب المقدس فى الغرب فى من هو هذا الرجل فمن قائل أنه أرمياء، ومن قال أنه شخصية إعتبارية تتكلم عن أورشليم ومن قال أنه ملك أورشليم صدقيا. ولكن كنيستنا المرتشدة بالروح القدس وجدت ان هذا الرجل هو المسيح ولذلك تقرأ الكنيسة هذا الإصحاح فى نبوات الساعة الثانية عشر من يوم الجمعة العظيمة فى أسبوع الألام. فالكنيسة رأت أن المتألم الحقيقى ليس أورشليم وليس الإنسان بل المسيح الذى حمل أحزاننا وأوجاعنا تحملها (أش4:53) وكأس غضب الله التى كانت فى يد الإنسان أخذها المسيح (أش22:51) وهو قد سبق وقال ليت على الشوك (أش4:27). بل هو الذى كمله الأب بالآلاام (عب10:2) وأرمياء هنا هو لسان الله وهكذا قال لهُ الله "فمثل فمى تكون" (أر19:15) فالنبى هنا فى إحساسه الصادق بالألم، ألام الهوان والإضطهاد ثم ألام الحزن على أورشليم كان لساناً للمسيح الذى كان حزيناً على هلاك البشر وعلى إضطهاد البشر لهُ. وكما أحب المسيح العالم هكذا أحب أرمياء شعبه فإستحق أن يكون لساناً لله. ولنلاحظ أن المسيح لم يضحك أبداً بل كان يبكى.

6-   فى العبرية يسمى كل سفر بأول كلمة فيه ولذلك يسمى هذا السفر كيف. أما فى الترجمة اليونانية فتم تسميته بالمراثى. ولكن تسميته كيف معبرة جداً. والسؤال مازال للأن كيف تتحول صورة الله أى الإنسان لهذا الخراب؟ والإجابة... إنها الخطية.

7-    كيف يكون النبى لساناً لله  "وما معنى فمثل فمى تكون"

حتى يكون النبى لساناً لله يشعر بمشاعره يسمح الله للنبى بأن تمر به ظروف شبيهة ولنأخذ مثال لذلك. حين أراد الله أن يشرح لأبينا إبراهيم فكرة فداء المسيح طلب منهُ أن يُقدم إبنه ذبيحة وهو الإبن الوحيد المحبوب وأحس إبراهيم كأب بمشاعر رهيبة من الألم وهو يصنع هذا ولكن مشاعره هذه كانت مشاعر الآب وإبنه معلق على الصليب ورأى إبراهيم طريقة الفداء لذلك قال السيد المسيح " أبوكم إبراهيم رأى يومى وفرح" ومثال آخر ليشرح الله لهوشع كيف أنه وهو الإله القدوس يقبل أن يرتبط بشعبه وهو خاطىء طلب من هوشع أن يتزوج من إمرأة زانية. فشعر هوشع المتألم المجروح بمشاعر الله.

ولنأتى لأرمياء النبى الباكى المحب لشعبه الذى يصلى ويشفع فى شعبه والذى لم يكف عن إنذار شعبه بالألام القادمة إذا إستمروا فى خطاياهم، حتى يدفعهم للتوبة فلا تأتى هذه الألام. فماذا كان موقف هذا الشعب منهُ؟ لقد ضربوه ووضعوه فى المقطرة مربوط اليدين والرجلين والرقبة وكان هذا أمام المارة الذين يسخرون منهُ وتآمروا على قتله ووضعوه فى جب طين عميق ليموت جوعاً. بل أن أهله تآمروا عليه ليقتلوه وأثاروا ضده إشاعات رديئة وكان هذا بأوامر من رؤساء الكهنة ورؤساء الشعب والملوك والشعب، ومع كل هذا حين خربت أورشليم فمشاعر النبى الرقيقة لم تحتمل وبكى ورثى أورشليم والشعب، لقد صار أرمياء بإحتماله لألامه شريكاً فى صليب المسيح. ألم يكن أرمياء بهذا لساناً لحال المسيح الذى أحبَ شعبه حتى المنتهى وتقدم بصليبه كشفيع لشعبه بدمه فأثاروا ضده شائعات رديئة وحاولوا مرات عديدة أن يقتلوه إلى أن تمت مؤامرة الكهنة ورؤسائهم وصلبوه، وعلى صليبه ووسط ألامه سخروا منهُ. ولكنه ظلَ يشفع فيهم حتى على الصليب وقال " يا أبتاه إغفر لهم " كان المسيح باكياً دائماً ولم يشاهده أحد ضاحكاً أبداً. كان يبكى على قبر لعازر وعلى أورشليم كان رجل أحزان فكان أرمياء بخبراته فى ألامه شاعراً بنفس مشاعر المسيح فكان نطقه ومراثيه هى ما يريد الله أن يقوله. إذاً كانت هذه المراثى هى مشاعر حزن الله على شعبه وفيها نبوة عن ألام المسيح.


 

الإصحاح الأول

أية 1:- كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب كيف صارت كارملة العظيمة في الامم السيدة في البلدان صارت تحت الجزية.

قارن مع (أش21:1) "كيف صارت القرية الأمينة زانية" ولأنها صارت زانية فهى قد صارت وحدها. فالله فارقها فلا شركة للنور مع الظلمة. ولذلك صارت كأرملة (تيطس خلدَ ذكرى إنتصاره على أورشليم بسك عملة عليها صورة إمرأة جالسة تحت نخلة ومكتوب عليها "أسر اليهودية ") بعد أن كانت عظيمة فى الأمم. فعظمتها كانت راجعة لوجود الله فيها. (زك5:2) والمدينة جلست وحدها فشعبها فى السبى أو هلك موتاً. وحتى ملكها ذهب للسبى. ولاحظ أنها فى حالة إزدهارها لم تكن تتصوَر حدوث كل هذا. هكذا كل خاطىء لا يتصوَر أن كل ما حوله سيتحول إلى خراب بل أن هذا العالم سينتهى قارن مع (أش8:47)، (رؤ7:18) ولاشك أنها وهى ملآنة من الشعب كانت فى فرح، ولكن الخطية تحول الفرح إلى حزن. تحت الجزية = مستعبدة.

 

أية 2:- تبكي في الليل بكاء و دموعها على خديها ليس لها معز من كل محبيها كل اصحابها غدروا بها صاروا لها اعداء.

 من كل محبيها = محبيها هم الأمم الذين كانت أورشليم تنتظر منهم الحماية والذين طالما إتكلت عليهم. فملعون من يتكل على ذراع بشر. وهكذا كل من أفراحه وعزاءهُ من العالم سيَغْدر بهِ العالم ولن يكون هناك سوى البكاء فى الليل فلن يكون هناك نهار.

 

أية 3:- قد سبيت يهوذا من المذلة و من كثرة العبودية هي تسكن بين الامم لا تجد راحة قد ادركها كل طارديها بين الضيقات.

 كل من رفض أن يسوده الله سيصير لهُ سادة آخرين غير الله مثل الشياطين أو الشهوات وهذه تُذل الإنسان. أما من يترك الله يسود عليه يحرره الله. ولنلاحظ ان الخطية تجلب العبودية. وهى تسكن بين الأمم الأن = فهى أى شعبها فى السبى وأورشليم نفسها محكومة ومستعبدة للأمم. وقارن هذه مع "واحدة سألت من الرب وإياها التمس أن أسكن فى بيت الرب كل أيام حياتى لكى أنظر إلى جمال الرب" (مزمور4:27) فالذى حرره الرب من عبودية الخطية يستطيع أن يرى جمال الرب ويفرح. أما من إستعبد نفسه للخطية يُذل هذا الإنسان ساكناً بين الأمم مشابهاً لهم فى أهوائهم. ولا يجد راحة. فمن عاش وسط الخطاة يتعلم طرقهم فلا يجد راحة. وبعد أن تعوَدت أورشليم أن تطرد وتهزم أعدائها ها هى قد أدركها كل طارديها بين الضيقات = أصبحت مهزومة مطاردة ممن أحبتهم. وفى ضيقات كثيرة.

 

أية 4:- طرق صهيون نائحة لعدم الاتين الى العيد كل ابوابها خربة كهنتها يتنهدون عذاراها مذللة و هي في مرارة.

طرق صهيون نائحة = الطرق التى إعتادت على الشعب فى الذهاب والإياب للهيكل فى أفراحهم وأعيادهم الدينية، أصبحت الأن بلا شعب وبلا أعياد "ها بيتكم يترك لكم خراباً".

 

أية 5:- صار مضايقوها راسا نجح اعداؤها لان الرب قد اذلها لاجل كثرة ذنوبها ذهب اولادها الى السبي قدام العدو.

صار مضايقوها راساً = أى على رأسها (تث13،44:28) وذلك بسبب خطيتها.

 

أية 6:- و قد خرج من بنت صهيون كل بهائها صارت رؤساؤها كايائل لا تجد مرعى فيسيرون بلا قوة امام الطارد.

هنا العدو كصياد وأورشليم هاربة من أمامه. فهؤلاء الذين أعطاهم الله كرامة بوجوده فى وسطهم فكان لهم بهاء صاروا محتقرين فى إزدراء، فالله لم يعد فى وسطهم فلم يعد لهم بهاء.

 

أية 7:- قد ذكرت اورشليم في ايام مذلتها و تطوحها كل مشتهياتها التي كانت في ايام القدم عند سقوط شعبها بيد العدو و ليس من يساعدها راتها الاعداء ضحكوا على هلاكها.

هذه الأية تشبه تماماً قصة الإبن الضال. فهم عاشوا فى وفرة وتنعم والأن يهلكون جوعاً. وهى فى حزنها تذكر كل ما كان لها سابقاً. والله قادر أن يجعلنا نعرف قيمة الشىء بأن نحتاج لهُ.

 

أية 8:- قد اخطات اورشليم خطية من اجل ذلك صارت رجسة كل مكرميها يحتقرونها لانهم راوا عورتها و هي ايضا تتنهد و ترجع الى الوراء.

هى صارت رجسة بالدم المسفوك (مرا13:4-15) وبوثنيتها (أر23:2) وظلمهم للفقراء هم جعلوا أنفسهم تافهين لذلك إحتقرهم العدو بعد أن كانوا يكرمونهم. لأنهم رأوا عورتها عموماً الخطية تفضح وتُعرى كما حدث مع آدم. وبالنسبة للمدن فهذا التعبير يشير أن العدو تجسس نقاط الضعف فى المدينة (تك11،9:42) هنا النبى يعترف بخطية المدينة وبان العدو عرف نجاساتها التى هى سبب ضعفها. وترجع إلى الوراء = تنهزم أمام أعدائها.

 

أية 9:- نجاستها في اذيالها لم تذكر اخرتها و قد انحطت انحطاطا عجيبا ليس لها معز انظر يا رب الى مذلتي لان العدو قد تعظم.

نجاساتها فى أذيالها:- اى ملتصقة بها من الأرض فهى لم تَعُدْ سماوية بل أرضية تدنس نفسها ولم تذكر آخرتها = هكذا كل من يخطىء يذكر لذة لحظة الخطية ولكن يجعله الشيطان ينسى آخرة الخطية وهى عبودية وذل وحزن على الأرض وهلاك أبدى بعد الموت. وقد انحطت = بسبب العبودية وليس لها مُعَز = فمنهم من لا يقدر ومنهم من لا يريد فهو شامت فيها. ولكن إذا كان الله لا يُعزى فمن يفعل. ثم دعوى لمراحم الله حتى ينظر لمذلتها.

 

أية 10:- بسط العدو يده على كل مشتهياتها فانها رات الامم دخلوا مقدسها الذين امرت ان لا يدخلوا في جماعتك.

أعطى الله للإنسان طاقات ومواهب وقوة ولكن بالخطية وعدم التوبة يستعبد الإنسان للشيطان فيبسط يده على كل عطايا الله التى هى مشتهيات النفس. بل يدخل الشيطان لهذه النفس التى كانت مقدساً... قارن مع حادثة شاول الملك "وذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردىء من قبل الرب" (1صم14:16). وبالنسبة لأورشليم فالله كان قد منع أن الأمم يدخلون للمقادس أى داخل بيت الله. ولكن الأن هم دخلوا بل خربوا البيت وهدموه. والإنسان هو هيكل الروح القدس ولكن المستعبد للخطية تتحكم فيه الشياطين وهذا ثمن الخطية فالله وحده يعطى بسخاء ولا يعير. ولأن المسيح لم يقبل أى خطية من يد إبليس قال "رئيس هذا العالم آتٍ وليس لهُ فى شىء".

 

أية 11:- كل شعبها يتنهدون يطلبون خبزا دفعوا مشتهياتهم للاكل لاجل رد النفس انظر يا رب و تطلع لاني قد صرت محتقرة.

مشتهياتهم = الكلمة المستخدمة تعنى الأطفال الأعزاء. فهم دفعوا أطفالهم ليحصلوا على الخبز. لأجل ردَ النفس = أى لتحيا النفس ولا تموت. ولكن " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان "مرة ثانية هذه قصة الإبن الضال. أما " الجياع والعطاش للبر فطوباهم لأنهم يشبعون".

 

أية 12:- اما اليكم يا جميع عابري الطريق تطلعوا و انظروا ان كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي اذلني به الرب يوم حمو غضبه.

أما إليكم يا جميع عابرى الطريق = المعنى هل هو لا شىء لكم يا جميع من يشاهدون منظرى هذا. تقولها أورشليم لأصدقائها ليواسوها. ولكن خطايا يهوذا هى التى جلبت عليها هذا الحزن الذى أذلها به الرب يوم حمو غضبه. إذاً فيد الله هى السبب فى كل هذا وهو عادل فيما يصنع. وأنه لشىء مخيف أن يكون سبب الألم هو غضب الله. وهو فى غضبه يسكب ناراً. وكان هذا جزاؤهم العادل على تركهم الرب. ولكن المسيح أحنى رأسه تحت غضب الله هذا وهو البار "الذى لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" فهو رجل الأوجاع وأتصور أن المسيح يردد هذه الكلمات على الصليب. يا كل من تشاهدوننى مصلوباً أحتمل هذه النار لأجلكم اما تهتمون وتقدمون توبة فهذا يُسَكِن ألامى. ولكن من إنغمس فى خطايا العالم لا يكاد يشعر بالام المسيح ولا يشعر أنها لأجله بل هى لا تهمه فى شىء وقد قال أحد الملحدين ساخراً من ألام المسيح، لو أن هناك من يوجعه ألم فى أسنانه أثناء مرور موكب الصلب لما شعر بألام هذا المصلوب والمعنى أنه إن كان المسيح قد تألم فهذا لا يعنينى، تكفينى ألامى أنا الشخصية. ولكن هذا منطق الجاهل الذى لا يعلم ان هذه الألام هى لأجل البشرية ولنا فى تعليق شاعر الهند العظيم طاغور وهو وثنى رداً على ذلك ولكنه رد يدين كل مسيحى مستهتر فقد قال "أنا لا أعلم كيف ينام المسيحيين وهم يعلمون أن لهم إلهاً جاز كل هذه الألام لأجلهم" لقد شرب المسيح كأس غضب الله الرهيبة ليقدم لى كأس الخلاص.

 

أية 13:- من العلاء ارسل نارا الى عظامي فسرت فيها بسط شبكة لرجلي ردني الى الوراء جعلني خربة اليوم كله مغمومة.

ناراً إلى عظامى = فالله فى حمو غضبه يُرسِل ناراً. ومعنى نار فى العظام شىء يشبه الحمى الرهيبة، حمى غير طبيعية كما لو كانت تحرق. وفى تصوير آخر أن الله أرسل عليها شبكة كلما حاولت الخروج منها تزداد إشتباكا ًفيها. فالعدو ما كان ينجح ضدهم إن لم يبسط الرب شبكته عليهم. وهذه النار التى نزلت على المسيح كانت لتنجينا نحن من نار الأبدية.

 

أية 14:- شد نير ذنوبي بيده ضفرت صعدت على عنقي نزع قوتي دفعني السيد الى ايد لا استطيع القيام منها.

هذه الأية عن البشر الخطاة وهذا النير من صنع خطايانا فنحن لا نسقط تحت أى نير إن لم يَكُن من صنع خطايانا (أم22:5) وهذا نير ثقيل، أما نير المسيح فخفيف (مت30:11) والنير هو الذى يضعه على الشيطان حين أقبل الخطية من يده. اما لو رفضت وقدمت توبة يرحمنى الله من نير الخطية وأرتبط معهُ هوبنيره فأتحرر من عبودية إبليس.

 

أية 15:- رذل السيد كل مقتدري في وسطي دعا علي جماعة لحطم شباني داس السيد العذراء بنت يهوذا معصرة.

داسها أعدائها المتكبرين كما يدوسون معصرة عنب ولم يعطها الله قوة لتقوم فهو الذى أراد هذا. ولننظر كيف أن الخطية تضعف القوة = شبانى ومقتدرى رذلوا وتحطموا.

 

أية 16:- على هذه انا باكية عيني عيني تسكب مياها لانه قد ابتعد عني المعزي راد نفسي صار بني هالكين لانه قد تجبر العدو.

ما الذى جعل العدو يتجبر عليها إلا أن الله إبتعد عنها = إبتعد عنى المعزى. وهو المعزى الوحيد الذى يرد النفس ويعزيها. وحتى كهنتها وشيوخها لا يستطيعون فهم بلا تعزية أيضاً.

 

أية 17:- بسطت صهيون يديها لا معزي لها امر الرب على يعقوب ان يكون مضايقوه حواليه صارت اورشليم نجسة بينهم.

لطالما خلَص الله يعقوب من مضايقيه، أما الأن فكل هذا بسبب عصيان يعقوب. وهنا صهيون تمديدها لجيرانها، فى يأس تطلب عوناً ولكن إذا إبتعد الله فمن يعزى. بل إن من حواليها إعتبروها كإمرأة نجسة يخجلون من الإقتراب منها. فقد فضح الله خطيتها.

 

أية 18:- بار هو الرب لاني قد عصيت امره اسمعوا يا جميع الشعوب و انظروا الى حزني عذاراي و شباني ذهبوا الى السبي.

شبانها الذين كانوا أملها الوحيد أن ينقذوها. ذهبوا للسبى. ولكن ها هى تعترف بأن الله بار فى أحكامه ضدها. وتعترف بعصيانها.

 

أية 19:- ناديت محبي هم خدعوني كهنتي و شيوخي في المدينة ماتوا اذ طلبوا لذواتهم طعاما ليردوا انفسهم.

محبى = هم مصر وأشور. ولكن ويل لمن وضع ثقته فى إنسان. فهو كمن يضع ثقته فى سراب. أما من يضع ثقته فى الله فالله لن يخونه ولن يغشه. وكهنتها وشيوخها ماتوا فهم أيضاً قد إنفصلوا عن الله فصاروا بلا تعزية = إذ طلبوا لذواتهم طعاماً ليردوا أنفسهم المعنى أنهم هم أنفسهم يبحثون عن طريق التعزية ولكن للأسف أين يبحثون فى المدينة = هم كانوا يبحثون عن تعزيات ولذات جسدية لذلك فقدوا التعزية الحقيقية وفاقد الشىء لا يعطيه.

 

أية 20:- انظر يا رب فاني في ضيق احشائي غلت ارتد قلبي في باطني لاني قد عصيت متمردة في الخارج يثكل السيف و في البيت مثل الموت.

أحشائى غَلَت = أى مشاعرى وأحاسيسى إضطربت. هذا إعتراف بأن ضيقها سببه التمرد.

 

أية 21:- سمعوا اني تنهدت لا معزي لي كل اعدائي سمعوا ببليتي فرحوا لانك فعلت تاتي باليوم الذي ناديت به فيصيرون مثلي.

العمونيين والموأبيين أعدائها سمعوا ببليتها وفرحوا وشمتوا. وهذا موقف الشيطان من الإنسان. وسيأتى اليوم الذى يصيرون مثلى = هم يذهبون للنار الأبدية أما أولاد الله فهو يفديهم.

 

أية 22:- ليات كل شرهم امامك و افعل بهم كما فعلت بي من اجل كل ذنوبي لان تنهداتي كثيرة و قلبي مغشي عليه.

إعتراف بذنوبها. وطلب بعقاب أعدائها وهذه نبوة بما سيحدث لهم.


 

الإصحاح الثانى

فى الأيات الأولى يُظهر ان غضب الله هو المسئول عما حدث (من هنا نفهم أهمية الصليب لنا، إذ نزع غضب الله الرهيب عنا) فالله هو المسئول عن كل ما يحدث (عا6:3) إذاً ما دفع اورشليم للخراب الكلى ليس هو العدو الذى يأتى من خارج متصَرفا بوحى إرادته الذاتية، بل  هو الرب نفسه الذى كان قد أقام طويلاً فى وسطها. وتابوت العهد هو موطىء قدميه.

 

أية 1:- كيف غطى السيد بغضبه ابنة صهيون بالظلام القى من السماء الى الارض فخر اسرائيل و لم يذكر موطئ قدميه في يوم غضبه.

قارن مع ما حدث فى مصر فكان الظلام فى كل مكان ما عدا الأرض التى يسكنها الشعب. اما الأن فالله تركهم لغضبه لذلك هم فى ظلام وهبطوا للأرض بعد أن كانوا فى السماء. ولأن الكنيسة الأن فى وسطها السيد المسيح فهى سماوية تصلى "أبانا الذى فى السموات" وسيرتها هى فى السماويات. وصهيون كانت مشرقة أولاً والأن بعد أن غطاها الظلام بطريقة مخيفة لم تعد قادرة أن ترى وجه الله. وإختفى مجدها وعظمتها. وكان قديماً الله لهم كعمود من نور ينير عليهم وتكون الظلمة على المصريين ولكنه إستدار الأن فصار ضدهم، فصاروا هم فى ظلام. وكانت عبادتهم سابقاً فى هيكلهم ترفعهم للسماء وتجعل لهم مركزاً ممتازاً فى أعين جيرانهم، كل هذا إختفى الأن فالله القاهم للأرض وخَرب هيكلهم فخر إسرائيل وموطىء قدمى الله (1اى2:28) وهذا هو نفس التهديد فى سفر الرؤيا تُبْ... وإلا فإنى آتيك عن قريب وأزحزح منارتك (رؤ5:2) ولاحظ تكرار كلمة غضب فى الأيات 6،3،2،1 لذلك فما أمامنا الأن صورة مخيفة لغضب الله وتأديبه.

 

أية 2:- ابتلع السيد و لم يشفق كل مساكن يعقوب نقض بسخطه حصون بنت يهوذا اوصلها الى الارض نجس المملكة و رؤساءها.

إبتلع السيد = كانوا قديماً محصنين لأن الله كان سوراً لهم أما الأن فإبتلعهم العدو فهم بلا حماية. وحصونهم نقضها. ونجس المملكة = بدخول الأمم الوثنيين فيها ودوسهم إياها.

 

أية 3:- عضب بحمو غضبه كل قرن لاسرائيل رد الى الوراء يمينه امام العدو و اشتعل في يعقوب مثل نار ملتهبة تاكل ما حواليها.

عَضب = قطع وأمات كل قرن = القرن رمز للقوة. فهم فى مجتمع رعاة. والرعاة يعرفون أن قرون الكبش هى قوته. رد إلى الوراء يمينه أمام العدو= اليمين رمز للقوة. فالله هو الذى أعطى للعدو سلطاناً ضد أورشليم. هكذا قال السيد لبيلاطس "لم يكن لك سلطان إن لم تكن قد أعطيت من فوق" (يو11:19). وإشتعل مثل نار ملتهبة = النار تحرق طالما وجدت وقوداً والوقود هنا هو الخطية كما إحترقت سدوم من قبل لخطيتها. ونشكر ربنا يسوع الذى أزال هذه العداوة والغضب بدمه.

 

أية 4:- مد قوسه كعدو نصب يمينه كمبغض و قتل كل مشتهيات العين في خباء بنت صهيون سكب كنار غيظه.

بسبب الخطية تحول الله من صديق إلى عدو يمد قوسه ضد الشعب. ولكن لاحظ قوله كعدو فالله لا يعادى للأبد، بل يؤدب ويظهر فى تأديبه كعدو. كل مشتهيات العين = خيراتها وجمالها.

 

أية 5:- صار السيد كعدو ابتلع اسرائيل ابتلع كل قصوره اهلك حصونه و اكثر في بنت يهوذا النوح و الحزن.

حين تصبح القصور مكانا للخطية يبتلعها الله أى يُدَمرها.

 

أية 6:- و نزع كما من جنة مظلته اهلك مجتمعه انسى الرب في صهيون الموسم و السبت و رذل بسخط غضبه الملك و الكاهن.

نزع كما من جنة مظلته = التشبيه هنا هو كما لو كان هناك حارس حديقة لهُ مظلة اى خيمة ولكن حين تنتهى مدة إقامته أو فى الليل ينزع خيمته من أوتادها. والخيمة هنا هى هيكل الرب وحين دنسوه فهو حرمهم منهُ. أهلك مجتمعه = ليس فقط الهيكل بل المجامع ومدارس الأنبياء والكهنة وكل نظامهم وطقوسهم. بل وكرسى داود الملك مسيح الرب. ولاحظ أن من يدنس السبوت والأعياد وأماكن الله المقدسة يحرمه الله منها.

 

أية 7:- كره السيد مذبحه رذل مقدسه حصر في يد العدو اسوار قصورها اطلقوا الصوت في بيت الرب كما في يوم الموسم.

حين نجسوا مذبح الله بخطاياهم كره الله مذبحة. كما كره رائحة بخورهم (أش13:1) + (عا21:5).

حصر فى يدو العدو أسوار قصورها = أى أسلمها للعدو.

 

أية 8:- قصد الرب ان يهلك سور بنت صهيون مد المطمار لم يردد يده عن الاهلاك و جعل المترسة و السور ينوحان قد حزنا معا.

مد المطمار = المطمار هو أداة تستخدم فى البناء. ولكن ما معنى إستخدامها هنا فى الهدم، معناه أنه وجد البناء مائلا فهدمه، أى وجد أورشليم خاطئة فهدمها وقد تفهم الآية على أن ضربات الله محسوبة بدقة وليست عشوائية. هو لم يردد يده عن الإهلاك لأنه قصد هذا ولكننا نجد يده تحفظ أرمياء وعبد ملك الكوشى ومساكين الأرض الذين لم يكن لهم دور فى الظلم بل كانوا مظلومين. المترسة = التروس وسائل دفاع فى الحروب، وحين لا تستطيع التروس ولا الأسوار أن تدافع عن الشعب تنوح.

 

أية 9:- تاخت في الارض ابوابها اهلك و حطم عوارضها ملكها و رؤساؤها بين الامم لا شريعة انبياؤها ايضا لا يجدون رؤيا من قبل الرب.

تاخت فى الأرض أبوابها = أى سقطت ليس لمستوى الأرض فقط بل غاصت فى الأرض كما تغوص رجلا رجل فى الطين فلا يستطيع السير. هكذا فقدت الأبواب وظيفتها. لا شريعة = فلماذا يبقى لهم الله شريعة وهم يحتقرونها. والأنبياء لا يجدون رؤيا = فهم أعطوا أذانهم لصوت شهواتهم وتنبأوا كذباً ولذلك هم لا يسمعون صوت الله الأن. فمن إحتقر نبوات الأنبياء الحقيقيين مثل أرمياء لا يسمعه الله نبوات بعد ذلك. ومن يحتقر خدام الله يحرمه الله من خدامه.

 

أية 10:- شيوخ بنت صهيون يجلسون على الارض ساكتين يرفعون التراب على رؤوسهم يتنطقون بالمسوح تحني عذارى اورشليم رؤوسهن الى الارض.

قارن هذه الأية بـ (أش16:3). فالشيوخ خلعوا أرديتهم ولبسوا المسوح، خلعوا لباس القضاء وجلسوا فى التراب، لا يقضون لأحد بل هم فى حزن. وياليتهم فعلوا هذا مبكراً.

 

أية 11:- كلت من الدموع عيناي غلت احشائي انسكبت على الارض كبدي على سحق بنت شعبي لاجل غشيان الاطفال و الرضع في ساحات القرية.

الأحشاء تشير لمركز العواطف وكذلك الكبد، كما يقال اليوم " قلبى يئن على كذا...".

ومع أن خراب أورشليم كان فيه تحرير أرمياء ورفع مكانته إلا أنه لمحبته لشعبه لم يكف عن البكاء.

 

أية 12:- يقولون لامهاتهم اين الحنطة و الخمر اذ يغشى عليهم كجريح في ساحات المدينة اذ تسكب نفسهم في احضان امهاتهم.

الأطفال يسألون عن الحنطة والخمر = الحنطة ليأكلوا والخمر يداووا به جراحاتهم ولأنه لا حنطة ولا خمر فهم يموتون = تُسكَب نفسهم فى أحضان أمهاتهم. والحنطة والخمر يشيران لجسد المسيح ودمه اللذان يعطيان نمواً للأطفال روحياً وعزاءً وفرحاً وحياة للكل لذلك يقول السيد "من يأكلنى يحيا بى" (يو57:6) لا يوجد سلام وحياة سوى فى الشركة مع المسيح.

 

أية 13:- بماذا انذرك بماذا احذرك بماذا اشبهك يا ابنة اورشليم بماذا اقايسك فاعزيك ايتها العذراء بنت صهيون لان سحقك عظيم كالبحر من يشفيك.

بماذا أقايسك فأعزيك = كثيراً ما نعزَى إنسان حين نُلم به مصيبة بأن هناك مصائب أكبر من هذه. ولكن النبى هنا لا يجد مصيبة اكبر من مصيبة أورشليم فيعزيها بها. وهى بحسب الفكر البشرى الأن بلا أمل. فسحقها عظيم كأن البحر طغا عليها وغمرها.

 

أية 14:- انبياؤك راوا لك كذبا و باطلا و لم يعلنوا اثمك ليردوا سبيك بل راوا لك وحيا كاذبا و طوائح.

أنبياؤها الكذبة عوضاً عن أن يدعونها للتوبة رأوا لها طوائح = أى بنبواتهم الكاذبة طوحوا بها بعيداً للسبى. ولو كانوا قد تابوا لما ذهبوا للسبى.

 

أية 15:- يصفق عليك بالايادي كل عابري الطريق يصفرون و ينغضون رؤوسهم على بنت اورشليم قائلين اهذه هي المدينة التي يقولون انها كمال الجمال بهجة كل الارض.

بعد أن كان لأورشليم شكل مجيد وإسم كبير كانوا يحسدونها عليه، أصبح الأن جيرانها يشمتون فيها ويضحكون عليها ويفرحون بما غنموه منها. وهذا العار إحتمله المسيح عنا فبعد ان أخذ جسداً مخلياً ذاته فى صورة عبد صُلب وفى صليبه قيل عنه نفس هذا الكلام.

راجع (مت39:27-44). وهى كانت كمال الجمال حين كان الله فيها وهكذا كانت فى أعين الأخرين.

 

أية 16:- يفتح عليك افواههم كل اعدائك يصفرون و يحرقون الاسنان يقولون قد اهلكناها حقا ان هذا اليوم الذي رجوناه قد وجدناه قد رايناه.

هؤلاء الأعداء ظنوا أنهم بقوتهم أهلكوها ولم يعلموا أن السبب هو أن الله أسلمها ليدهم.

بل ظنوا أن هذا هو يومهم الذى ترجوه.

 

أية 17:- فعل الرب ما قصد تمم قوله الذي اوعد به منذ ايام القدم قد هدم و لم يشفق و اشمت بك العدو نصب قرن اعدائك.

قوة أعداء أورشليم كانت من الرب بل هم سيف الرب. والله سبق وحذرهم بهذا (لا16:26) + (تث 15:28).

 

الأيات 19،18:- صرخ قلبهم الى السيد يا سور بنت صهيون اسكبي الدمع كنهر نهارا و ليلا لا تعطي ذاتك راحة لا تكف حدقة عينك. قومي اهتفي في الليل في اول الهزع اسكبي كمياه قلبك قبالة وجه السيد ارفعي اليه يديك لاجل نفس اطفالك المغشي عليهم من الجوع في راس كل شارع.

قلب الشعب صرخ ولكنها صرخة حزن وشكوى وليست توبة. لذلك يطلب منهم النبى أن لا يكفوا عن الصلاة والإتجاه إلى الله بالتوبة فهذا طريق الشفاء. اسكبى كمياه قلبك أى صلواتك بدموع بإستمرار ليلاً ونهاراً. يا سور بنت صهيون: إسكبى الدمع هما جملتان بينهما فاصلة. والمعنى أن هدم سور أورشليم أثار عواطف النبى جداً وكأنه فى حزنه يناجيه ياسور بنت صهيون ما العمل لقد فقدنا الحماية فالسور الحقيقى الذى يحمينا هو الله وهو تركنا. فماذا نعمل؟ والرد إسكبى الدمع ليلاً ونهاراً. والله بالتأكيد سيستجيب لأجل اللجاجة. قومى إهتفى فى الليل فى أول الهزع = ساعات النهار 12 ساعة والليل 12 ساعة والليل يبدأ الساعة 6 مساء وينتهى الساعة 6 صباحاً وهو مقسم إلى 4 هزع، الهزيع الأول يبدأ من الساعة 6 إلى الساعة 9 اى ثلاث ساعات وهكذا الباقى كل هزيع 3 ساعات ويسمى الهزيع محرس لأنَ الحراسة تكون ليلاً فى نوبات المحرس الأول والثانى... ألخ.

والمعنى أنه بينما الناس تستعد للنوم إستعدوا أنتم للصلاة وطلب مراحم الله.

 

أية 20:- انظر يا رب و تطلع بمن فعلت هكذا اتاكل النساء ثمرهن اطفال الحضانة ايقتل في مقدس السيد الكاهن و النبي.

أسوأ ما نسمعه عن المجاعات أن تأكل الأم أطفالها ولكن العقوبة من جنس الخطية ألم يُقدموا أولادهم ضحايا حية للإله مولوك، وكانوا يلقونهم فى النيران أحياء. وكان ما حدث تحقيقاً لنبوة موسى النبى (تث53:28) وهذا ما حدث فى حصار السامرة (2مل29:6).

 

الأيات 22،21:- اضطجعت على الارض في الشوارع الصبيان و الشيوخ عذاراي و شباني سقطوا بالسيف قد قتلت في يوم غضبك ذبحت و لم تشفق. قد دعوت كما في يوم موسم مخاوفي حوالي فلم يكن في يوم غضب الرب ناج و لا باق الذين حضنتهم و ربيتهم افناهم عدوي.

صورة للهلاك الجماعى. الصبيان والشيوخ مقتولين على الأرض، بل فى داخل المقادس حيث التمسوا الحماية. بل حتى العذارى الذين فى كل معركة كانوا يتركوهن. ولكن هذا قتل جماعى بأمر من الله. وكانوا كذبائح فى يوم مَوْسِم من كثرتهم. فالموت نتيجة الخطية الطبيعية.


 

الإصحاح الثالث

أية 1:- انا هو الرجل الذي راى مذلة بقضيب سخطه.

أنا هو الرجل = قد يكون هذا الرجل هو أرمياء الذى أذله شعبه وقد يكون هو رَجل صار نموذج للأمة بأن جاءت عليه كل ألامها. ومن يكون هذا الرجل سوى السيد المسيح الذى تحمَل الألام كبديل لنا فرأى مذلة. وتحمل قضيب سخط الآب بدلاً من ان نتحمله نحن.

 

أية 2:- قادني و سيرني في الظلام و لا نور.

 بالنسبة لأرمياء فقد وضعوه فى جُب مظلم. وبالنسبة للشعب فغضب الله عليهم حرمهم من نوره فتخبطوا فى ظلام. فهم كانوا فى مشاكل وزادت هذه المشاكل بسبب تخبطهم وحرمانهم من نور الله وهذا ما يحدث مع كل خاطىء. اما الأية بالنسبة للمسيح فهى نبوة عن دفنه فى قبر بعد موته.

 

أية 3:- حقا انه يعود و يرد علي يده اليوم كله.

 رأى المسيح طوال مدة حياته ألام كثيرة أما يوم الصليب فهو غالباً المقصود بقوله اليوم كله.

 

أية 4:- ابلى لحمي و جلدي كسر عظامي.

 يشبه ألامه اليهودية هنا رجل عجوز جلده مجَعدْ بلا أمل فى إصلاح، بل أن عظامه قد تكسرت فلا يستطيع القيام لمساعدة نفسه. لم يعُد هناك شىء سليم فى جسد هذه الأمة. وبالنسبة للمسيح فقد جُلد وجُرح فى كل جسمه وتألمت عظامه. حقاً لم يكسر منه عظم لكن الألام التى رآها جعلته غير قادر على أن يتحامل على نفسه فأتوا لهُ بمن يحمل معهُ الصليب (مرا13:1).

 

أية 5:- بنى علي و احاطني بعلقم و مشقة.

 بنى علىَ = بالنسبة لأورشليم فالكلمة تعنى حاصرنى فالمدينة حوصرت حتى سقطت. وقد حاصرها الملك بالمخاوف وبأعدائها. وبالنسبة لأرمياء فقد حاصره الجميع، الملك والكهنة ورؤساء الكهنة والشعب والأنبياء الكذبة واهله فكان رمزاً للمسيح الذى أحاط به الكل يعادونه حتى صلبوه.

 

أية 6:- اسكنني في ظلمات كموتى القدم.

 هذه أية واضحة كنبوة عن قبر المسيح (مى8:7) وبالنسبة لبنى إسرائيل فهم الذين إختاروا الظلام أولاً فحرمهم الله من نوره وهذا ما يحدث مع كل من يختار طريق الخطية.

 

أية 7:- سيج علي فلا استطيع الخروج ثقل سلسلتي.

حُكم الله على أورشليم كان لا رجعة فيه لخطاياها والتصوير هنا أنها مقيدة بسلاسل كمجرم حتى لا يستطيع الهرب من الحكم ضده. وهكذا إقتادهم الكلدانيين مربوطين بسلاسل سبايا إلى بابل. وبالنسبة للمسيح حمل هو عنا هذه السلاسل الأبدية أو الموت ليعطينا الحرية.

 

أية 8:- ايضا حين اصرخ و استغيث يصد صلاتي.

بالنسبة للخاطىء قد يطلب التوبة بدموع ولا يجدها لأنه طلبها متأخراً مثل عيسو وبعد أن يكون قرار الله بالعقوبة قد صدر وبالنسبة للمسيح فقد قال "إن أمكن تعبر عنى هذه الكأس" ولكن كان يجب أن يشربها حتى لا نشربها نحن.

 

أية 9:- سيج طرقي بحجارة منحوتة قلب سبلي.

 بالنسبة للخاطىء الذى رفض السير فى طريق الله يعوق الله طريقه ويمنعه من الهرب من أحكامهُ.

 

أية 10:- هو لي دب كامن اسد في مخابئ.

الدب والأسد هما أخطر وأقوى أعداء الإنسان. والمعنى صار الله كعدو لى، يتربص بى وفى هذه الأيات نجد صدى لها فى صرخة المسيح "إلهى إلهى لماذا تركتنى" فألام المسيح كانت حقيقية.

 

أية 11:- ميل طرقي و مزقني جعلني خرابا.

ميل طرقى = بدد كل مشوراتى وأفسد خططى.

 

أية 13،12:- مد قوسه و نصبني كغرض للسهم. ادخل في كليتي نبال جعبته.

هذه تشير للموت.

 

الأيات 15،14:- صرت ضحكة لكل شعبي و اغنية لهم اليوم كله. اشبعني مرائر و ارواني افسنتينا.

فى الأيات (13،12) المعنى أن الله قصد موت المسيح ولكن هنا تشرح الأيات أنه كان موتاً صعباً فالشعب يهزأ به (مت39:27-44). وفى عطشه سقوه خلاً ممزوجاً بالمر.

 

الأيات 17:16:- و جرش بالحصى اسناني كبسني بالرماد. و قد ابعدت عن السلام نفسي نسيت الخير.

 تصوير للألام الشديدة غير المحتملة وكأن الله سمح بأن يضع لهُ حصى يأكله بأسنانه والرماد يوضع على الرأس علامة الحزن على ميت. والحالة كما تصوَر فى أية (17) يائسة جداً بلا امل.

 

أية 18:- و قلت بادت ثقتي و رجائي من الرب.

المعنى أن لا أمل ان يسمع الرب صوتى فهو لن يستجيب لى وهو لا يشعر باى تعزية أو تشجيع من الله. هذا رأى البشر حين يقعون فى تجربة أليمة، لكن مراحم الله بلا نهاية وقلت = كنت أظن.

 

الأيات 20،19:- ذكر مذلتي و تيهاني افسنتين و علقم. ذكرا تذكر نفسي و تنحني في.

 ذكر ألامه مر كالإفسنتين والعلقم. بل كل ما يذكر ألامه تنحنى نفسه (مز5،1:137) "هذه الأيات واضح أنها نبوءة بألام المسيح وموته لذلك تقرأ الكنيسة هذا الإصحاح فى نبوات الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة وهى ساعة دفن المسيح".

ومن الأية 21 حتى الأية 36 تبدأ السحب تنقشع فبعد أن ساد الجزء الأول من الإصحاح نغمة الحزن، بدأت هنا نغمة الرحمة وبدأ يوجد رجاء فيما هو آتٍ. فموت المسيح ودفنه هو بداية الرجاء وهو أعلى درجات مراحم الله وكنيستنا بطقوسها الرائعة ترتدى السواد والملابس التى تشير للحزن حتى الساعة الثانية عشرة فتبدأ فى خلع ملابس الحزن هذه.

 

الأيات 21-23:- اردد هذا في قلبي من اجل ذلك ارجو. انه من احسانات الرب اننا لم نفن لان مراحمه لا تزول. هي جديدة في كل صباح كثيرة امانتك.

مهما كان قضيب الله شديداً فإن من إحساناته اننا لم نفن. ومهما بدت الأمور سيئة فأكيد كان هناك الأسوأ الذى نشكر الله أننا لم نصل إليه. فعلينا فى ضيقاتنا أن لا نذكر فقط ما هو ضدنا بل ان نذكر ما هو ليس ضدنا لنشكر الله عليه. وإذا إضطهدنا الناس نشكر الله الذى لم يتركنا بمراحمه. ونشكر الله على كل الضيقات فهى للتنقية ولكنها لا تحرق وتفنى. والأيات هنا تشير أنهم مازالوا فى عمق أحزانهم يختبرون رقة ومحبة المراحم الإلهية. وقد سبق وإشتكى أن الله لم يشفق (21،17:2) وها هو يُعلن أن مراحم الله لا تتوقف وهى جديدة كل صباح. هو بدأ بالألام وينتهى بالمراحم فالألام ليست نهاية كل شىء. والصليب هو قمة المراحم.

 

الأيات 25،24:- نصيبي هو الرب قالت نفسي من اجل ذلك ارجوه. طيب هو الرب للذين يترجونه للنفس التي تطلبه.

نصيبى هو الرب = فنصيبى فى العالم سيزول يوماً ما أما نصيبى فى الرب فلن يزول للأبد وحينما يفشل المال والإنسان يبقى الرب دائماً (مز26:73). الله سيبقى للأبد فرح شعبه وكفايتهم لذلك علينا أن نختاره ونعتمد عليه فلو فقدت كل مالى فى العالم من أفراح وثروات بل الحياة ذاتها فلن أفقد شيئاً إذا كان نصيبى هو الرب. فعلينا أن ننتظر الرب بإيمان ونفتش عليه بالصلاة.

 

أية 26:- جيد ان ينتظر الانسان و يتوقع بسكوت خلاص الرب.

من يفعل ذلك يجد هذا جيد. فلنقل بإيمان "لتكن مشيئتك".

 

أية 27:- جيد للرجل ان يحمل النير في صباه.

 النير بالنسبة للشعب هو السبى وبالنسبة لأى إنسان متألم هو ألمه وصليبه وإذا إحتمل الإنسان النير بصبر فهو يحتمل تأديب الله ويكون إبناً لهُ فيستفيد من التأديب. فوراء كل ألم وكل تأديب مراحم من الله. وعلى كل إنسان أن يبدأ فى شبابه فى حمل وصية المسيح وهذا جيد للأنسان ليشب متواضعاً وجاداً ولا يكون كثور غير مروَض على تحمل النير. وإذا سمح الله بألم يكون هذا نير على الإنسان يستفيد من بركاته لو لم يشتكى للناس بل يحتمله فى صبر.

 

أية 28:- يجلس وحده و يسكت لانه قد وضعه عليه.

 فالشكوى للناس تضاعف الألم. فلنشتكى لله وحده فهو القادر أن يعطى عزاء وإحتمال.

 

أية 29:- يجعل في التراب فمه لعله يوجد رجاء.

 يجعل فى التراب فمه = أى يتضع ويعترف بأن خطيته هى السبب فى ألمه ولا يبرر نفسه بل يعترف بأنه يستحق ما هو فيه ولا يستحق شيئاً حسناً من الله. بذلك نستفيد من التجربة.

 

أية 30:- يعطي خده لضاربه يشبع عارا.

 هناك أدوات لتنفيذ مشيئة الله فالباًبليين كانوا أدوات الله لتأديب الشعب وكان على الشعب أن يتضح أمامهم ويطيعهم فهم سيف الله. وبروح متسامحة يدير خدَهُ لهم. بهذا يستفيدون من النير. "والسيد المسيح صنع هذا كله فى ألامه كشاة تساق للذبح".

 

الأيات 32،31 :- لان السيد لا يرفض الى الابد. فانه و لو احزن يرحم حسب كثرة مراحمه.

الله سيعود بالمراحم على شعبه ويعطيه عزاء وهو لن يرفض للأبد بل هو الذى يجرح ويعصب يضرب ويجبر (هو1:6) وهو يعطى بحسب مراحمه وليس لإستحقاقنا. فلنقبل التأديب بصبر.

 

أية 33:- لانه لا يذل من قلبه و لا يحزن بني الانسان.

الله لا يريد أن يحزن الإنسان وإن أحزنه لا يُسر بهذا فهو ليس من قلبه. ولكن هذا لصالح الإنسان. فهو يعاقب ويؤدب من مكانه على كرسى الرحمة وهو فى كل ضيقنا تضايق.

 

الأيات34-36:- ان يدوس احد تحت رجليه كل اسرى الارض. ان يحرف حق الرجل امام وجه العلي. ان يقلب الانسان في دعواه السيد لا يرى.

مع أن الله يستخدم أدوات لتأديباته مثل ملك بابل الطاغية إلا أن قلبه لا يرضى بأساليبهم فملك بابل أبى أن يطلق الأسرى والله لا يسر بهذا ولكن يرى الله أن هذا هو الطريق لخلاص شعبه من وثنيتهم. مثل أب يحمل إبنه للطبيب ليجرى لهُ عملية تنقذ حياته فهو كان لا يود أن يجعله يتعذب ولكن هذا ثمناً لحياته. ومع ان وحشية هؤلاء الأشرار تحقق غرض الله فلا يفهم من هذا أن الله يشجعهم على ذلك. فهو لم يشجع اليهود على صلبه. وهو لا يرضى بأن يدوس طاغية أسراه (34) ولا أن يعتدى أحد على شعبه بإسم القانون وبإسم العدالة وهى مزيفة. وذلك معنى أن يُحرفوا حق الرجل (35) فلا يستطيع أن يعرف أحد حقوقه أو أن يصل لها. ولا يسر الله أن تُحرف قضية إنسان ويحكم عليه زوراً (36) وعلى هؤلاء الذين يظلمون ويتصورون أن  السيد لا يرى أن يعرفوا أن الله فوقهم جميعاً وهو يستفيد من ظلمهم لتصحيح أو ضاع شعبه ولكنه سرعان ما سيتصرف مع الظالم ويحاسبه. والله لا يؤدب لكى يُسر. بل لنكون شركاء فى قداسته. وهو أحن من أن يضع على كاهلنا حملاً لا لزوم لهُ، ولكنه أقدس من أن يُلغى جلدة واحدة فهو لا يطيق الإثم.

 

أية 38،37:- من ذا الذي يقول فيكون و الرب لم يامر. من فم العلي الا تخرج الشرور و الخير.

يجب أن نرى يد الله فى كل الألام التى تقع بنا بسماح منهُ (يو11:19) فهذا يُساعد على تهدئة نفوسنا بل وتتقدس الألام فينا. فنحن لسنا فى يد إنسان بل يد الله. وأى إنسان لهُ سلطة علينا لم تكن لهُ هذه السلطة إن لم تكن من فوق ولخيرنا. فالأمور كلها تعمل للخير لمن يحبون الله.

 

أية 39:- لماذا يشتكي الانسان الحي الرجل من قصاص خطاياه.

علينا أن لا نتشاجر مع الله بسبب ألامنا وأن نعترف أنها بسبب خطايانا. فعلينا أن نحتمل فى صبر فالله بار ويتبرر فى كل ما يعمله. وبدلاً من الشكوى علينا ان نتوب. فعلينا إذن أن نجلس ونتساءل لماذا سمح الله بهذا الألم. فلكى يصطلح الله معنا علينا أن نقبل مشيئته المقدسة.

 

أيات 41،40:- لنفحص طرقنا و نمتحنها و نرجع الى الرب.  لنرفع قلوبنا و ايدينا الى الله في السماوات.

 لنفحص حياتنا فى نور إرشاد الروح القدس ولا نخضع لشهواتنا فى الحكم فنبرر أنفسنا وندين الله. وإذا كانت هناك كارثة عامة فلا يجب أن نلقى الذنب على الآخرين بل لنفحص ذواتنا ونعرف نصيبنا فى هذه الكارثة ولو أصلح كل واحد نفسه لإنصلح حال الجميع. ويكون الطريق الوحيد أمامنا فى الضيقة لا أن نشتكى للناس بل نرفع القلب واليدين لله ونصلى.

 

الأيات 42-54:- نحن اذنبنا و عصينا انت لم تغفر. التحفت بالغضب و طردتنا قتلت و لم تشفق. التحفت بالسحاب حتى لا تنفذ الصلاة. جعلتنا وسخا و كرها في وسط الشعوب. فتح كل اعدائنا افواههم علينا. صار علينا خوف و رعب هلاك و سحق. سكبت عيناي ينابيع ماء على سحق بنت شعبي. عيني تسكب و لا تكف بلا انقطاع. حتى يشرف و ينظر الرب من السماء. عيني تؤثر في نفسي لاجل كل بنات مدينتي. قد اصطادتني اعدائي كعصفور بلا سبب. قرضوا في الجب حياتي و القوا علي حجارة. طفت المياه فوق راسي قلت قد قرضت.

 لنلاحظ أن طول مدة التجربة فيها غواية من الشيطان ان الله لا يسمع صلواتنا. فهو هنا عاد ليشتكى من ألامهم ويعترف ان ذنوبهم هى السبب. ولكن النبى هنا يسلك المسلك الصحيح فهو يشتكى لله وليس للناس ثم إنه ينسب الألم لذنوبهم. غير أن طريقة البشر غير طريقة الله. فالله غير مطالب بأن يستجيب مباشرة بعد الصلاة، فهو وحده الذى يعرف متى يكون الوقت مناسباً حتى تؤتى التجربة ثمارها وإلا أصبحت بلا فائدة. ولا يجب أن يكون طول أناة الله فى حل المشكلة ودعاة لنا أن نتصور أن الله يعبس بوجهه لنا أو أنه لا يسمع لنا أولاً يشفق علينا لأن أعدائنا مازالوا مسيطرين على حياتنا. أنت لم تغفر = الله يغفر بمجرد أن نقدم توبة ولكن لا يرفع التجربة فوراً حتى ينصلح الداخل. والأيات (45-54) فيها تصوير أليم لألامهم الناتجة عن خطاياهم وسخرية أعدائهم منهم (1كو13:4) ولكن هذه صورة واضحة أخرى لألام المسيح الذى سخر منهُ الشعب فى ألامه وهو الذى فى وسط ألامه بكى على بنات أورشليم = عينى تؤثر فى نفس لأجل كل بنات مدينتى. وهو الذى أصطاده أعداؤه كعصفور برىء بلا ذنب ثم صلبوه ودفنوه = قرضوا فى الجب حياتى. ثم فى (54) طفت المياه فوق رأسى، هذه صورة تصويرية للموت. وفى (50،49) آية تعلمنا أن لا نكف عن الصلاة حتى يستجيب الرب. أى نصلى بلا إنقطاع.

 

الأيات 55-66:- دعوت باسمك يا رب من الجب الاسفل. لصوتي سمعت لا تستر اذنك عن زفرتي عن صياحي. دنوت يوم دعوتك قلت لا تخف. خاصمت يا سيد خصومات نفسي فككت حياتي. رايت يا رب ظلمي اقم دعواي. رايت كل نقمتهم كل افكارهم علي. سمعت تعييرهم يا رب كل افكارهم علي. كلام مقاومي و مؤامرتهم علي اليوم كله. انظر الى جلوسهم و وقوفهم انا اغنيتهم. رد لهم جزاء يا رب حسب عمل اياديهم. اعطهم غشاوة قلب لعنتك لهم. اتبع بالغضب و اهلكهم من تحت سماوات الرب.

نلاحظ فى هذا الإصحاح صراع بين مشاعر النبى وإيمانه وهذا الصراع يعتمل فى نفسه بين ألامه ومخاوفه من ناحية ورجاؤه من ناحية أخرى. فهو كان يشتكى فى الأيات السابقة ثم هنا نجد الرجاء ينتصر وهو يعزى نفسه هنا بخبراته السابقة فى مراحم الله وصلاحه فبالرغم من الألام الحالية فهو يصلى حتى وهو فى جب سفلى وهذا حدث مع أرمياء فعلاً وحدث من يونان فى بطن الحوت. وإذا كانت الصلاة هى صلة مع الله، فالمسيح فى قبره لم تنقطع صلته بالله فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وفى (56) لا تستر أذنك عن زفرتى = أى تنفس لأننا فى صلاتنا نتنفس تجاه الله. فالصلاة هى تنفس الإنسان الجديد فينا. الإنسان الروحى الذى فى شهيقة يتنفس مراحم الله وشفقته. وزفيره تسبيح الله وشكره. وفى (57) الله يستجيب لصلاته بأن يسكت مخاوفه وفى (58) خصوماتنا هى مع إبليس. فهذه الأية بداية الوعد بالفداء بأن المسيح إلهنا هو الذى سيخاصم إبليس ويدحره ويفك حياتنا ويحررنا وفى (59) الله العادل الذى يرى ان الشياطين خدعتنا وأسقطتنا هو سيقيم دعواى كمحامى لأنهم ظلمونا. ومن (60-63) تظهر نقمة الشياطين وتعييرهم ورمز لذلك أعمال البابليين ضد شعب الله ومعهم الأدوميين والعمونيين.... الخ. وربما أن هؤلاء ألفوا أغنية هزلية تسخر من الشعب فى ألامه ولكن هذه سخرية الشيطان منا بعد أن يوقعنا فى خطية. وهنا بروح النبوة يطلب الإنتقام من الأعداء ولكن هو فى الحقيقة يشرح فعل الصليب ضد الشياطين (64-66) غشاوة قلب = أى حزن فى قلوبهم وضلال فى قلوبهم وسيحيطهم غضب الله من كل ناحية ولعنته وهلاكه ضدهم (كولوسى 15،14:2).


 

الإصحاح الرابع

الأيات 2،1 :- كيف اكدر الذهب تغير الابريز الجيد انهالت حجارة القدس في راس كل شارع. بنو صهيون الكرماء الموزونون بالذهب النقي كيف حسبوا اباريق خزف عمل يدي فخاري.

الذهب رمز للسماويات. وهكذا خلق الله الإنسان وهكذا أراد الله لأورشليم وشعبها أن يكون أراد الله للإنسان أن يكون صورته وأن يكون حجارة مقدسة يبنى بها هيكله. ولكن الخطية جعلت هذا الإنسان يهبط للأرض وصاروا بدلاً من الذهب، أباريق خزف. وكانوا أنقى أنواع الذهب = الإبريز الجيد فإكدروا أى دخل فيهم شوائب كثيرة من العالم بل الحجارة المقدسة ملقاة فى رأس كل شارع بعد أن خرب الهيكل. فحين يغادر الله هيكله لا عجب أن يحدث هذا كله. ونحن الأن هيكل الله وهذا معنى من يفسد هيكل الله يفسده الله (1كو17:3) إذن لنقرأ هذه الأيات وفى أذهاننا نرثى لكل من إبتعد عن الله وليس أورشليم فقط.

 

الأيات 3-5:- بنات اوى ايضا اخرجت اطباءها ارضعت اجراءها اما بنت شعبي فجافية كالنعام في البرية. لصق لسان الراضع بحنكه من العطش الاطفال يسالون خبزا و ليس من يكسره لهم. الذين كانوا ياكلون الماكل الفاخرة قد هلكوا في الشوارع الذين كانوا يتربون على القرمز احتضنوا المزابل.

الله هو الذى يشبع ومن إبتعد عن الله يصبح فى مجاعة وهنا تصوير للمجاعة أن الأمهات لا يرضعن أطفالهن بينما بنات أوى يرضعن أطفالهن. أطبائها = ثدييها. فصارت الأمهات كالنعام = يترك بيضه بلا رعاية فى الصحراء (أى14:39). ولكن الأمهات لا يرضعن أطفالهن فهى ليس لهم ما يعطينه لأطفالهن. والصورة هنا هى صورة الإبن الضال الذى أصبح فى مجاعة. ولكن المجاعة الروحية أشد وأقسى حين يفتقر الناس لكلمة الله وتعزيته.

(يتربون على القرمز = أى لهم حياة الملوك، فالقرمز هو ليس الملوك).

 

أية 6:- و قد صار عقاب بنت شعبي اعظم من قصاص خطية سدوم التي انقلبت كانه في لحظة و لم تلق عليها اياد.

 عقاب سدوم أسهل فهم هلكوا فى لحظة ولم يعانوا حصاراً ولا جوعاً. والسبب أن أورشليم كان لها ناموس هيكل وكهنة وشريعة وأنبياء والله فى وسطها لذلك عقابها كان أشد.

 

أية 7:- كان نذرها انقى من الثلج و اكثر بياضا من اللبن و اجسامهم اشد حمرة من المرجان جرزهم كالياقوت الازرق.

 نُذرها = أى النذيرين الذين ينذرون أنفسهم لله. هؤلاء كانوا أنقياء كالثلج. وكان لهم حيوية = أجسامهم أشد حمرة = هذه مثل حبيبى أبيض وأحمر (نش10:5) فالله يعطى نقاوة وحياة (تغسلنى فأبيض أكثر من الثلج). والأن هذا عمل دم المسيح (رؤ14:7) الذى يجعل أيضاً حياتنا سماوية = جرزهم كالياقوت الأزرق = اى لمعانهم. فحياة أولاد الله لها لمعان سماوى.

 

أية 8:- صارت صورتهم اشد ظلاما من السواد لم يعرفوا في الشوارع لصق جلدهم بعظمهم صار يابسا كالخشب.

ماذا تفعل الخطية؟ هذه صورة عكسية للآية السابقة = النور يتحول لظلمة والحياة إلى موت.

 

أية 9:- كانت قتلى السيف خيرا من قتلى الجوع لان هؤلاء يذوبون مطعونين لعدم اثمار الحقل.

صورة للمجاعة فالحقل لا يثمر وذلك لأنه مداس من الأمم. وأرض حياتنا أوديست من العالم تموت.

 

الأيات 10-12:- ايادي النساء الحنائن طبخت اولادهن صاروا طعاما لهن في سحق بنت شعبي. اتم الرب غيظه سكب حمو غضبه و اشعل نارا في صهيون فاكل اسسها. لم تصدق ملوك الارض و كل سكان المسكونة ان العدو و المبغض يدخلان ابواب اورشليم.

من قدموا أولادهم ضحايا وبخروا لملكة السماوات يصبحوا قادرين على ذلك بل هذا هو عقابهم (رو26:1) نزع الرحمة من قلوبهم وكل كرامة إنسانية تفارقهم ويكمل خرابهم بخراب أورشليم الذى كان مذهلاً لدرجة أن ملوك الأرض لم يُصدقوا إقتحام أسوار أورشليم مدينة الرب فكان ظن الملوك أن أورشليم لا يقدر أحد على دخولها لمناعة أسوارها ولأن الله القدوس ساكن فيها. ولكن الله غادرها فدمرت وهكذا سيحرق الله العالم كله لخطيته (تث22:32).

 

الأيات 13-20:- من اجل خطايا انبيائها و اثام كهنتها السافكين في وسطها دم الصديقين. تاهوا كعمي في الشوارع و تلطخوا بالدم حتى لم يستطع احد ان يمس ملابسهم. حيدوا نجس ينادون اليهم حيدوا حيدوا لا تمسوا اذ هربوا تاهوا ايضا قالوا بين الامم انهم لا يعودون يسكنون. وجه الرب قسمهم لا يعود ينظر اليهم لم يرفعوا وجوه الكهنة و لم يترافوا على الشيوخ. اما نحن فقد كلت اعيننا من النظر الى عوننا الباطل في برجنا انتظرنا امة لا تخلص. نصبوا فخاخا لخطواتنا حتى لا نمشي في ساحاتنا قربت نهايتنا كملت ايامنا لان نهايتنا قد اتت. صار طاردونا اخف من نسور السماء على الجبال جدوا في اثرنا في البرية كمنوا لنا. نفس انوفنا مسيح الرب اخذ في حفرهم الذي قلنا عنه في ظله نعيش بين الامم.

هذه الأيات تنظر لأحداث قريبة هى خطايا الكهنة والأنبياء الكذبة الذين سفكوا وتسببوا فى سفك دماء بريئة كثيرة وبروح النبوة تنظر لأحداث صلب الكهنة للمسيح وسفك دمه وهو البار (13) فالذى أثار الجماهير ضد المسيح كانوا هم هؤلاء الكهنة أيضاً.  وصرخ الشعب دمهُ علينا وعلى أولادنا " فكان القادة عميان وقاد هؤلاء القادة العميان الشعب فهم عميان قادة عميان (14) فهم نجسوا أنفسهم  بالدم البرىء دم القديسين من هابيل الصديق لدم ذكريا إبن براخيا لدم الأطفال المسفوك كذبيحة للأوثان وإنتهوا بدم المسيح نفسه. لذلك صاروا نجاسة فى العالم كله (14-16) صاروا مشتتين فى العالم كله. ورذلهم العالم كله ما يقرب من 2000 سنة تحقيقاً لهذه النبوة ولم يحترم العالم لا شيوخهم ولا كهنتهم. وكانوا سخرية العالم كله. وسيعرف العالم أن الله طردهم من كنعان كما طرد الكنعانيون قبلهم بسبب نجاساتهم هذه وهى سفك الدم البرىء. وفى (17) هم كانوا فى بليتهم يرجون عون مصر باطلاً وهم فى حصارهم كانوا ينتظرون فى أبراج المراقبة من يأتى ليخلصهم من حصار بابل ولكن بلا أمل حتى كلت أعينهم من إنتظار هذه المعونة. وهم حتى الأن ما زالوا ينتظرون المسيح ليأتى ويعينهم ولكنه إنتظار باطل فالمسيح قد أتى. وهم فى برجهم أى خلال كتبهم أى الكتاب المقدس بنبواته التى تشهد بأن المسيح آتٍ. هم لهم البرج أى الكتاب المقدس (العهد القديم طبعاً) ومن خلالهُ ينظرون وينتظرون ان يأتى المسيح الموعود به ولكن باطلاً فهو قد أتى ولذلك كلت عيونهم. وهم ينظرون أمة لا تخلص = هم الأن يتصورون أن تكوينهم دولة اى أمة سيخلصهم بدون الإيمان بالمسيح ولكنها دولة لا تخلص.

أية (18) لأنهم خدعوا أنفسهم ورفضوا المسيح الحقيقى فسيخدعهم إبليس = نصبوا فخاخاً وسيرسل لهم من يدعى أنه المسيح ولكنه هو الذى يُكمل نهاية من لم يؤمن بالمسيح إبن الله. قربت نهايتنا وكملت أيامنا = فهذه الأحداث مرتبطة بنهاية الأيام. هم خدعوا أنفسهم لذلك فمن السهل أن يخدعهم عدو الخير. ومن ينخدع ويسير وراء هذا المسيح الكاذب يكمل كأس غضب الله عليه ومن يرجع ويؤمن بالمسيح إبن الله ستكون لهُ حياة. وأما تفسير الأية على المدى القريب فالباًبليين نصبوا فخاخاً ومجانيق (قاذفات أحجار) ضد أورشيم لينهوا مقاومتها. وكانت حين تنصب هذه الأحجار يصبحون غير قادرين على السير فى ساحات المدينة. آية (19) عقب ثغر سور المدينة أنقض عليهم البابليون أسرع من النسور فلم يستطيعوا الهرب ومن هرب للجبال لحقوا به. وفى (20) حتى ملكهم الذى قالوا عنه فى ظِله نعيش.  أخذ فى حفرهم = قد يعنى هذا الملك صدقيا الذى أمسك به ملك بابل وكان أملهم أن يعيشوا تحت حمايته وحكمه وسط الأمم ولكن هذا الأمل ذهب عنهم. ولكن هذه الأية تنظر أيضاً لأحداث بعيدة. فمسيح الرب تشير للمسيح إبن الله وهو نفس أنوفهم الذى كانوا ينتظرونه كملك يعطيهم ملكاً وسط العالم ولكنهم صلبوه فأخِذَ فى حفرهم. وتعبير "نفس أنوفنا" هو تعبير كنعانى فيه مبالغة يستخدم لوصف الملوك. وأيضاً هناك تعبير آخر يستخدم عن الملوك وهو الظل وقد وُجد التعبيران فى الإصطلاحات الكنعانية وأيضاً عن رمسيس الثانى فرعون مصر. ولكن المعنى أن الشعب اليهودى ينتظر المسيح المخلص بشوق يصل أن يصبح نفس أنوفهم، فهم يتنفسون هذا الإشتياق صباحاً ومساءً ولكن على المدى القريب قد يكون صدقيا هو نفس أنوفهم ليعيشوا تحت حكم بابل فى سلام.

 

أية 21:- اطربي و افرحي يا بنت ادوم يا ساكنة عوص عليك ايضا تمر الكاس تسكرين و تتعرين.

 إذا كانت أية (20) تحدثنا عن أن مسيح الرب قد دُفن فنهاية إبليس أصبحت حتمية. والأية (21) تستعمل أسلوب رمزى للحديث عن إبليس فتستخدم إسم آدوم وذلك للعداوة التقليدية بين آدوم

 (عيسو) ويعقوب (شعب الله). فآدوم كانت فَرحَة فرحة شامتة فى خراب إسرائيل وأورشليم وهذا يزيد من ألام اليهود. ولكن النبى هنا بأسلوب تهكمى يقول لأدوم إطربى وإفرحى = فكأس آلامك قادم وسيخربك ملك بابل كما خرب أورشليم. وستسكر وتتعرى من هذا الكأس = أى ستتخبط فى كل مشوراتها وتفتضح مؤامراتها ضد شعب الله. وهكذا مع الشياطين فقد فضح الله كل مؤامراتهم وعداوتهم للبشر، وأفشل كل مؤامراتهم وخططهم لهلاك أولاده.

 

أية 22:- قد تم اثمك يا بنت صهيون لا يعود يسبيك سيعاقب اثمك يا بنت ادوم و يعلن خطاياك.

قارن مع (أش2:40) قد تم إثمك يا بنت صهيون = بالفداء سامح الله شعبه ولا يعود إبليس يسبيه فقد دفع الله الثمن من دمه ليحررنا. وسيعاقب إثمك يا بنت آدوم = أما الشيطان فسيفضحه الله ويعاقبه عقاب أبدى فى البحيرة المتقدة بالنار بلا أمل فى نجاة.


 

الإصحاح الخامس

أية 1:- اذكر يا رب ماذا صار لنا اشرف و انظر الى عارنا.

هذا الإصحاح إصحاح صلاة وتضرع، أحزين أحد بينكم فليصلى ويسكب شكواه أمام الله فيكون لهُ عزاء بعد أن يترك الموضوع فى يدى الله وهكذا فعل النبى هنا.

 

أية 2:- قد صار ميراثنا للغرباء بيوتنا للاجانب.

 ميراثنا = هى أرض كنعان التى أعطاها لهم الله كنعمة (يش28:24) + (تث21:4) وعلى كل خاطىء إمتلك الشيطان منهُ جزءاً أن يصلى ويتضرع لله حتى يمحو هذا العار.

 

أية 3:- صرنا ايتاما بلا اب امهاتنا كارامل.

 حالتهم صارت كالأيتام والأرامل = أى عاجزين عن حماية أنفسنا فالله فارقنا وملكنا فى السبى وأولادنا وشباننا قتلوا "أنظر يارب إلى ضعفى وذلى ومسكنتى ونجنى".

 

أية 4:- شربنا ماءنا بالفضة حطبنا بالثمن ياتي.

 نقص الماء يشير لإنعدام التعزية وأفراح الروح. ولكن فلنلاحظ أنهم تركوا الله ينبوع الماء الحى وذهبوا لينقروا لأنفسهم أباراً مشققة لا تضبط ماء" هم تركوا الله الذى عنده التعزية الحقيقية وذهبوا للعالم يبحثون عنده على ملذاتهم والشيطان دائماً يقنع الإنسان بأن العيشة مع الله مكلفة وسيعيش الإنسان مع الله فى حياة جافة ويعرض الشيطان على الإنسان ملذات كثيرة تقنعه فى أول الطريق. ولكن بعد أن يفقد الإنسان كل شىء، يجد أن تكلفة ملذاته هذه كبيرة فهى كلفته كل عمره بل وأبديته. هذا معنى شربنا ماءنا بالفضة (قارن مع أر13:2).

 

أية 5:- على اعناقنا نضطهد نتعب و لا راحة لنا.

 على أعناقنا = هذا هو نير العبودية. فمن وضع عنقه تحت يد الشيطان يشعر بثقل هذا النير. ولا يجد راحة = فلا راحة سوى مع المسيح الذى يحمل عنا أثقالنا ونيره هَين.

 

أية 6:- اعطينا اليد للمصريين و الاشوريين لنشبع خبزا.

عبوديتهم وذلهم للمصريين والأشوريين لأجل الخبز هى عبودية الخاطىء للشيطان.

 

أية 7:- اباؤنا اخطاوا و ليسوا بموجودين و نحن نحمل اثامهم.

هذه ليست مثل (أر29:31) أو مثل (حز2:18) فهؤلاء يتمردون على أحكام الله ضدهم قائلين إننا لم نخطىء بل أباؤنا أخطأوا فلماذا تعاقبنا نحن. أما قول أرمياء هذا فهو مختلف لأنه هنا يعترف بخطاياه فى أية (16) ويل لنا لأننا أخطأنا. ولكن هذه الأية هى شكوى الإنسان عموماً من ان آدم أخطأ ونحن نحمل ذنبه ولكن بعد المسيح لم يَعُد هناك مجال لهذه الشكوى فالمسيح أزال عنا عقوبة وخطية آدم. ولكن أيضاً أرمياء فى هذه الأية يعترف بأنهم هم وأباؤهم قد أذنبوا هذه تشبه صلاة دانيال (دا4:9-12).

 

أية 8:- عبيد حكموا علينا ليس من يخلص من ايديهم.

العبيد الذين يحكمونهم هم البابليين وحين يحكم عبد يصير حكمه أشر أنواع الحكم وبذلك لحقت لعنة كنعان بشعب يهوذا. فكانت لعنة كنعان "عبد العبيد يكون لإخوته" فمن رفض حكم الله عليه ومشورات رجالهُ من الأنبياء سيحكمهم آخرين يذلونهم. ومن رفض الخضوع لله يتسلط عليه إبليس. وهم لا يرون طريقاً للخلاص = ليس من يخلص من أيديهم.

 

أية 9:- بانفسنا ناتي بخبزنا من جرى سيف البرية.

هناك من يخسر حياته ليحصل على الخبز. وكان هذا فى أثناء الحصار. فمن يحاول الخروج يقتله الكلدانيون وهم هنا سيف البرية. ففى أية (6) وجدنا أنهم يمدون أيديهم ليأكلوا وهنا نجدهم يخسرون حياتهم ليأكلوا. وإذا فهمنا أن هذا يرمز لمن يمد يدهُ للشيطان ويقبل الخطايا لملذاتها فيُعرض نفسه للموت.

 

الأيات 10-16:- جلودنا اسودت كتنور من جرى نيران الجوع. اذلوا النساء في صهيون العذارى في مدن يهوذا. الرؤساء بايديهم يعلقون و لم تعتبر وجوه الشيوخ. اخذوا الشبان للطحن و الصبيان عثروا تحت الحطب. كفت الشيوخ عن الباب و الشبان عن غنائهم. مضى فرح قلبنا صار رقصنا نوحا. سقط اكليل راسنا ويل لنا لاننا قد اخطانا.

وصف للمجاعة (10) ولهؤلاء الذين طالما تمتعوا بالأفراح فجلودهم إسودت من الجفاف وكرامة نساؤهم إنحطت (11) ورؤساؤهم عُلقوا بعد قتلهم كما حدث مع شاول الملك (12) وفى (13) عمل الطحن هو إهانة للشباب(فهو عمل النساء فقط) مثل ما حدث مع شمشون. ولاحظ أن هذا حدث مع ظالميهم من البابليين بعد ذلك (أش6:47) وفى عبوديتهم كانوا بلا أفراح ويشير لها الرقص والغناء "كيف نسبح تسبحة الرب فى أرض غريبة" وذهب عنهم مجدهم وبهاءهم (هيكلهم وقصر ملكهم) كل هذا لأن الله فارقهم = سقط إكليل رأسنا وشيوخهم لم يعدلهم مكانة فهم إما قتلوا أو ذهبوا للسبى، وهكذا ملكهم.

 

الأيات 17-19:- من اجل هذا حزن قلبنا من اجل هذه اظلمت عيوننا. من اجل جبل صهيون الخرب الثعالب ماشية فيه. انت يا رب الى الابد تجلس كرسيك الى دور فدور.

هنا شكوى خاصة بخراب الهيكل وهذا ما جعل النبى يتألم بالأكثر ويكتئب قلبه. فجبل صهيون هو جبل الهيكل أى المبنى عليه الهيكل. وقد خرب الأعداء هذا الجبل حتى أن الثعالب كانت تجرى فيه. ولنلاحظ أن الإنسان هو هيكل الله فحين غادر الله هذا المكان حلَتْ فيه الثعالب أى الشياطين الماكرة المخادعة فهذه صفة الثعالب. والنبى هنا يعزى نفسه بأن ملك الله أبدى (19) وهذا يعزينا فى كل ضيقاتنا أن " الله ليس عنده تغيير او ظل دوران " وأن سلطانه أبدى لا يتغير من جيل إلى جيل. وحين تزول كل عروش الملوك الظالمين فعرش الله باقى. وقد تعنى الثعالب فى الهيكل = البابليون الذين دمروه وخربوه وداسوه بأقدامهم قارن مع (أش19:13-22) + (لا33:26).

 

الأيات 20-22:- لماذا تنسانا الى الابد و تتركنا طول الايام. ارددنا يا رب اليك فنرتد جدد ايامنا كالقديم.  هل كل الرفض رفضتنا هل غضبت علينا جدا.

هى صلاة تضرع وإستعطاف. وأرددنا يا رب فنرتد = أى توبنا يا رب فنتوب ولا تحرمنا من أن نفرح بك مثل الأول. "والله بالتأكيد يقبل مثل هذه الصلاة وهذه التوبة

 

الصفحة الرئيسية