المزامير
كنيسة السيدة العذراء بالفجالة
المزامير تستخدم في إخراج الشياطين
سمات داود التي جعلته مرنم إسرائيل الحلو
المزمور الحادي والخمسون (الخمسون) حسب الأجبية
المزمور الثاني عشر (الحادي عشر في الأجبية)
المزمور الثالث عشر (الثاني عشر في الأجبية)
المزمور الخامس عشر (الرابع عشر في الأجبية)
المزمور السادس عشر (الخامس عشر في الأجبية)
المزمور التاسع عشر (الثامن عشر في الأجبية)
المزمور الخامس والعشرون (الرابع والعشرون في الأجبية)
المزمور السابع والعشرون (السادس والعشرون في الأجبية)
المزمور الثالث والستون (الثاني والستون في الأجبية)
المزمور السابع والستون (السادس والستون في الأجبية)
المزمور السبعون (التاسع والستون في الأجبية)
المزمور المئة والثالث عشر (المائة والثاني عشر في الأجبية)
المزمور المائة والثالث والأربعون (المائة والثاني والأربعون في الأجبية)
المزمور العشرون (التاسع عشر في الأجبية)
المزمور الثالث والعشرون (الثاني والعشرون في الأجبية)
المزمور الرابع والعشرون (الثالث والعشرون في الأجبية)
المزمور السادس والعشرون (الخامس والعشرون في الأجبية)
المزمور التاسع والعشرون (الثامن والعشرون في الأجبية)
المزمور الثلاثون (التاسع والعشرون في الأجبية)
المزمور الرابع والثلاثون (الثالث والثلاثون في الأجبية)
المزمور الحادي والأربعون (الأربعون في الأجبية)
المزمور الثالث والأربعون (الثاني والأربعون في الأجبية)
المزمور الخامس والأربعون (الرابع والأربعون في الأجبية)
المزمور السادس والأربعون (الخامس والأربعون في الأجبية)
المزمور السابع والأربعون (السادس والأربعون في الأجبية)
المزمور الرابع والخمسون (الثالث والخمسون في الأجبية)
المزمور السابع والخمسون (السادس والخمسون في الأجبية)
المزمور الحادي والستون (الستون في الأجبية)
المزمور الثالث والستون (الثاني والستون في الأجبية)
المزمور السابع والستون (السادس والستون في الأجبية)
المزمور السبعون (التاسع والستون في الأجبية)
المزمور الرابع والثمانون (الثالث والثمانون في الأجبية)
المزمور الخامس والثمانون (الرابع والثمانون في الأجبية)
المزمور السادس والثمانون (الخامس والثمانون في الأجبية)
المزمور السابع والثمانون (السادس والثمانون في الأجبية)
المزمور الحادي والتسعون (التسعون في الأجبية)
المزمور الثالث والتسعون (الثاني والتسعون في الأجبية)
المزمور السادس والتسعون (الخامس والتسعون في الأجبية)
المزمور السابع والتسعون (السادس والتسعون في الأجبية)
المزمور الثامن والتسعون (السابع والتسعون في الأجبية)
المزمور التاسع والتسعون (الثامن والتسعون في الأجبية)
المزمور المئة (التاسع والتسعون في الأجبية)
المزمور المئة والواحد (المئة في الأجبية)
المزمور المئة والعاشر (المئة والتاسع في الأجبية)
المزمور المئة والحادي عشر (المئة والعاشر في الأجبية)
المزمور المئة والثاني عشر (المئة والحادي عشر في الأجبية)
المزمور المئة والثالث عشر (المئة والثاني عشر في الأجبية)
المزمور المئة والسادس عشر (الجزء الأول) (المئة والخامس عشر في الأجبية)
المزمور المئة والسادس عشر (الجزء الثاني) (المئة والخامس عشر في الأجبية)
المزمور المئة والسابع عشر (المئة والسادس عشر في الأجبية)
المزمور المئة والثامن عشر (المئة والسابع عشر في الأجبية)
مزامير المصاعد (ترانيم المصاعد)
المزمور المئة والعشرون (المئة والتاسع عشر في الأجبية)
المزمور المئة والحادي والعشرون (المئة والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والثاني والعشرون (المئة والحادي والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والثالث والعشرون (المئة والثاني والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والرابع والعشرون (المئة والثالث والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والخامس والعشرون (المئة والرابع والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والسادس والعشرون (المئة والخامس والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والسابع والعشرون (المئة والسادس والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والثامن والعشرون (المئة والسابع والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والتاسع والعشرون (المئة والثامن والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والثلاثون (المئة والتسعة والعشرون في الأجبية)
المزمور المئة والحادي والثلاثون (المئة والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والثاني والثلاثون (المئة والحادي والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والثالث والثلاثون (المئة والثاني والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والرابع والثلاثون (المئة والثالث والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والسابع والثلاثون (المئة والسادس والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والثامن والثلاثون (المئة والسابع والثلاثون في الأجبية)
المزمور المئة والحادي والأربعون (المئة والأربعون في الأجبية)
المزمور المئة والثاني والأربعون (المئة والحادي والأربعون في الأجبية)
المزمور المئة والسادس والأربعون (المئة والخامس والأربعون في الأجبية)
المزمور المئة والسابع والأربعون (أ) (المئة والسادس والأربعون في الأجبية)
المزمور المئة والسابع والأربعون (ب) (المئة والسابع والأربعون في الأجبية)
قطعة (أ) الطوباوية في حفظ الوصية
قطعة (ج) الاشتياق لكلمة الله في غربتنا
قطعة (د) الوصية حياة للنفس المتضعة
قطعة (ز) كلام الله هو تعزيتنا في وسط الضيقة
قطعة (ح) النفس تسعى لكي يرضى الرب عليها ويكون هو نصيبها
قطعة (ط) النفس الضالة يؤدبها الله كأب حنون ليعيدها
قطعة (ى) استسلام كامل للنفس بين يدي الله صانعها
قطعة (ك) النفس التي اختبرت الله تشتاق لخلاصه
قطعة (ل) النفس التي اختبرت الله تثق في صدق وعوده
قطعة (م) الوصية لذيذة وتعطي للإنسان حكمة
قطعة (ن) النفس التي تلذذت بالوصية تتعهد بحفظها
قطعة (ع) صلاة للثبات في طريق الله وحفظ الوصية
قطعة (ف) مفاعيل كلمة الله في النفس
قطعة (ص) غيرة حسنة على كلمة الله
قطعة (ر) رثاء على الأشرار فهم لن يخلصوا
قطعة (ش) سلام القلب في حفظ الوصية
بقية المزامير (المزامير التي لم تستعمل في الأجبية)
المزمور المئة والخامس والثلاثون
المزمور المئة والسادس والثلاثون
المزمور المئة والتاسع والثلاثون
المزمور المئة والرابع والأربعون
المزمور المئة والخامس والأربعون
المزمور المئة والثامن والأربعون
المزمور المئة والتاسع والأربعون
المزمور المئة والحادي والخمسون
تأملات لقداسة البابا شنوده
المزامير في الكنيسة القبطية
المزامير لها أهمية كبيرة في الكنيسة المقدسة. وكتاب المزامير هو أشهر كتب الصلاة. هو شعر وموسيقى وعواطف وإنفعالات واشتياقات روحية وصلوات وابتهالات. هو نماذج حية عملية للتخاطب مع الله. ومنذ زمن قديم كانت المزامير تصلى بطريقة الغناء بنغمات موسيقية، كل مزمور له لحن خاص به. ونجد مثل هذا في التسبحة، فالهوس الثاني والثالث والرابع تقال بالألحان، فهي مزامير ملحنة.
وكان هذا هو ما يحدث في العهد القديم أيضاً فنسمع في (1أي5:23) أن هناك 4000 مغني في الهيكل يسبحون الله بآلاتهم جالموسيقية منهم فرقة أساف. فكان بيت الله مملوء غناء وتسابيح. وكثير من الآلات الموسيقية مذكورة في المزامير مثل العود والقيثارة وذوات الأوتار والمزمار... (مز150). وبيت الله نجده مملوء فرحاً.
وهكذا سمعنا بعد الخروج مريم أخت موسى وهرون تمسك الدف وتغني ورائها فرق من الفتيات. وهذا ما كرره بولس الرسول "مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح.. (اف19:5 + 1كو26:14 + كو16:3). فاستعمال المزامير قديم جداً منذ العهد القديم واستعملوها الرسل وواظبت الكنيسة على استخدامها،
ودائماً يسبق قراءة كل إنجيل قراءة مزمور، بل في أسبوع الآلام لا نقرأ من العهد القديم سوى المزامير فقط. وكثير من الألحان مأخوذة من المزامير. وكان المسيحي في ذهابه للكنيسة يرتل مزمور "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" بدلاً من أن يفكر في مشاكله وفي الدنيويات. وإذا دخل الكنيسة يقول مساكنك محبوبة.. وأمام الهيكل يقول "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك.. " هو يهيئ نفسه وذهنه للصلاة بدلاً من دوامة العالم حتى لا يشرد ذهنه في مشاكل العالم فلا يستطيع الصلاة. والكنيسة تصلي في شهر كيهك المزمور الكبير وهو تجميع لغالبية الآيات التي تشير للعذراء ولعيد الميلاد. وفي عيد الغطاس المزمور الكبير كله يكون عن الماء. وفي صلاة الأجبية نستعمل 77 مزمور[1] منهم المزمور الكبير الذي هو على حسب الحروف الأبجدية العبرية (22 حرفاً) وكل مزمور أو قطعة منه عبارة عن 8 آيات. وبعض الطوائف البروتستانتية لا تصلي المزامير وبعضهم يصلون بها. وحتى من لا يصلي بها يستخدمها في التراتيل. فلا يوجد من يستغني عن المزامير.
وكنيستنا في نهاية كل قداس تصلي المزمور ال150 أثناء التوزيع.
ولأهمية المزامير وشهرتها قسم المسيح العهد القديم وقال "موسى والمزامير والأنبياء" (لو44:24). وكثيراً ما استعمل المسيح والرسل آيات من المزامير. بل وهو على الصليب قال إلهي إلهي لماذا تركتني وهي الآية الأولى من مزمور 22.
المزامير تستخدم في إخراج الشياطين
بدأ داود الشاعر بفطرته والروحاني في طبيعته يرتل مزاميره وهو راعي صغير وكان موسيقار يضرب على العود والمزمار. وحين كان الملك شاول تنتابه نوبات الجنون بسبب الروح الشرير كانوا يقولون إبحثوا عن رجل يحسن الضرب على العود فقالوا داود بن يسى، وأتوا به فكان يصلي مزاميره بترتيل فتخرج الشياطين؟ ومازالت المزامير مستخدمة حتى الآن في إخراج الشياطين.
فالشياطين لا تحتمل المزامير. ونجد في بستان الرهبان أن أحد الرهبان يقول أنه لا يفهم المزامير فرد عليه آخر وقال له ولكن الشياطين تفهمها وتخاف منها. وأحد الأساقفة كان يقول للشيطان الذي يصعب عليه إخراجه "إذا لم تخرج سأصلي طوباهم أي المزمور الطويل (119) فكان الشيطان يخرج.
المزامير كلها نبوات
لذلك تقرأها الكنيسة في أسبوع الآلام فقط فهي مملوءة نبوات عن المسيح والكنيسة في أسبوع الآلام لا تصلي بالأجبية، بل تصلي مزامير ساعات البصخة فقط لأن كل مزمور يوافق الإنجيل الذي نقرأه في تلك الساعة، ويكون المزمور كنبوة عما نقرأه في الإنجيل. ولا نقرأ باقي المزامير لأنها نبوات عن أشياء أخرى. ونحن نعيش أسبوع الآلام بحسب حوادثه.
من الذي كتب المزامير؟
تنسب المزامير لداود دائماً أياً كان المزمور. وهناك رأيان في هذا الموضوع:
رأي يقول أن كل المزامير لداود ورأي آخر يقول أن داود وضع 73 مزمور وموسى وضع (90،91) وسليمان (72،127) وقورح وبنوه (11) مزمور وأساف (12) مزمور وهيمان (88) وإيثان (89). وهناك مزامير مجهول اسم واضعها.
ومن يقول أن داود هو واضع كل المزامير يقول أن المزامير المجهولة كلها لداود[2] أما قورح وبنيه وأساف وهيمان وإيثان ما هم سوى مغنين فقط وليس واضعون. ومن يقول العكس يتساءل وكيف يقول داود "على أنهار بابل.. ثم كيف يقول رضيت يا رب عن أرضك.. وهما يتكلمان عن الذهاب للسبي والعودة من السبي. ومن يقول أن داود واضع كل المزامير يرد بأن داود يتنبأ كما في (مز22) عموماً فكل المزامير تنسب لداود فهو واضع معظم المزامير. ويسمى إمام المغنين. قد يكون إمام المغنين هو قائد فرقة الإنشاد في الهيكل ومن ضمن من نسب كل المزامير لداود القديس أغسطينوس. والكتاب المقدس فعل هذا (قارن مز2 مع أع25:4).
ونجد في المزامير مقدمات فيها اسم كاتبها والمناسبة التي قيلت فيها والآلة المستعملة.
كيف كتبت المزامير؟
هل المزامير كانت كلام داود لله؟، أو كان الله يكلم داود؟ "الكتاب كله موحي به من الله". لقد كان داود يكلم الله بكلام وضعه الله على فم داود. فهناك صلوات لا توافق مشيئة الله "تصلون ولا تستجابون لأنكم تصلون ردياً"
إذاً جمال صلوات المزامير أنها صلوات توافق مشيئة الله. كان داود يعزف على العود وكان الروح القدس يعزف على داود وبهذا خرجت هذه المزامير الجميلة. ولذلك قال داود "لساني قلم كاتب ماهر" لأن الروح كان يملي وداود كان يكتب على المزمار والقيثار والعشرة الأوتار. ولذلك سمى داود مرنم إسرائيل الحلو (2صم1:23) والمزامير بدأ كصلوات وتأملات بالنسبة لداود كفرد ثم تطورت وأصبحت صلوات عامة للناس. وكون داود فرقة خورس (كورال) من موسيقيين ومغنين بكل الآلات ليصلوا بها في الهيكل فصارت صلوات عامة. وهذه المزامير هي أعمق صلوات وانتقلت من جيل إلى جيل.
المزامير تشمل كل عناصر الصلاة
1. اللجوء إلى الله في الضيقة
داود في كل ضيقته كانت تعزيته في المزامير. وكلمات اشتدت عليه الضيقة يحتمي في مزمور "كثيراً ما حاربوني منذ صباي ولم يقدروا عليّ" هم لم يقدروا عليه لأنه كان يحتمي بالله ويصلي مزاميره. وهو صلى مزاميره هذه في عمق ألامه. ومن هو في ضيقة ويصلي لله بنفس طريقة داود وبكلمات داود فمن المؤكد سيجد تعزية.
فالمزامير تعلمنا أسلوب الحب والشوق والعتاب مع الله، تعلمنا أسلوب الكلام مع الله. وهي تعلمنا كيف نصلي لله بكلام الله. وكيف ننال فضيلة الرجاء وسط الضيقة. فالمؤمن يشعر بوجود الله وسط الضيقة وغير المؤمن يشعر بتخلي الله عنه.
ومن يصلي بالمزامير يقول مع داود في ضيقته "يا رب لماذا كثر الذين يحزنونني.." (الأعداء قد يكونوا أشخاص يضطهدونني أو خطايا وشهوات تحاربني) ثم يكمل مع داود نفس المزمور أنت يا رب ناصري مجدي ورافع رأسي. فيشعر بوجود الله. ومن لا يشعر بوجود الله في ضيقته يسقط في التذمر والكآبة واليأس بل قد يشعر بأنه لا فائدة من الحياة مع الله، بل يقود للتجديف وأن الله غير متحنن وهو ليس ضابط للكل. أما من يصلي مع داود فيشعر أن الضيقة موجودة لكن ربنا موجود والخلاص موجود ولو تأخر. بل أن داود في ضيقته كان يرى الخلاص قبل أن يأتي فيشكر لأن الله استجاب ولم تكن الاستجابة قد حدثت بعد، ولكنه يراها بعين الإيمان والرجاء وبخبرته التي رأي فيها خلاص الله مراراً. بل في ثقته في خلاص الرب يقول "أنا أضطجعت ونمت" وهو في وسط الضيقة. ولغة الرجاء تملأ المزامير وأن الله لن يترك البائسين ولا المتضايقين. بل نجد نصف المزمور الأول فيه يشكو داود ونجد النصف الآخر ابتهاج وتسبيح على خلاص الله "إلى متى يا رب تنساني.. أسبح الرب المحسن إلىّ " هذه هي لغة الرجاء التي نتعلمها من المزامير فنتعزى في ضيقاتنا، ومن يصلي مع داود لا تسيطر عليه الكآبة في الضيقات. هناك من يضع الضيقة بينه وبين الله فيتزعزع، وهناك من يتعلم من داود أن يضع الله بينه وبين الضيقة فيكون له رجاء وتختفي الضيقة.
مزامير داود لو ترجمت لأي لغة تظل محتفظة بجمالها، فجمالها ليس في الشعر والقافية بل في المعاني والروح. فالمزامير لحن جميل يقرأها الإنسان فينسى ضيقاته.
ضع خط أسود على كلمات الضيقة في الأجبية وضع خط أحمر على كلمات المعونة فتجد أن داود لا يسمح للضيقة بأن تنفرد به بل يمسك دائماً برجائه بالله.
2. المزامير فيها تعليم.
المزامير تعطي تعاليماً كثيرة لمن يصليها فمثلاً:
أ- يا رب بالغداة تسمع صوتي (أي في الصباح الباكر).. يا الله إلهي إليك أبكر هذا التعليم يعطي روح التبكير في الصلاة ويوبخ من يصلي متأخراً.
ب- أن يقول داود أنه يسبح الله سبع مرات يومياً وأن يقول كنت أذكرك على فراشي فهذا التعليم يعلمنا أن نذكر الله دائماً حتى على فراش نومنا. مثال آخر محبوب يا رب هو إسمك فهو طول النهار تلاوتي. فهذا يعطي فكرة عن إلتصاق القلب بالله طول النهار. هذه مثل صلوا بلا إنقطاع.. هذا تعليم العهد الجديد.
ت- عطشت نفسي إليك كما يشتاق الأيل إلى جداول المياه تعطي تعليماً عن وجوب اشتياق القلب للصلاة وتبكيت للقلب إذا كان هناك تراخي.
ث- داود الملك الذي يملك كل شئ وله قصره يتكلم عن بيت الله باشتياق ويقول واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب ويتفرس في هيكله المقدس ويقول مساكنك محبوبة أيها الرب إله القوات تشتاق وتذوب نفسي للدخول إلى ديار الرب. هذا يعطينا تعليماً كيف يجب أن نشتاق ونحب الذهاب لبيت الرب وللأديرة. بل نسمع عن الاحترام والخوف حين يدخل مساكن الرب فيقول "بكثرة رحمتك أدخل بيتك.. أي أنا غير مستحق للدخول لولا رحمتك. ويقول أمام الملائكة أرتل لك وأسجد قدام هيكل قدسك.. ويقصد أنه يرى أن بيت الله مملوءاً بالملائكة وهو يدخل ليسجد في وسطهم. هو شاعر أن البيت مملوء ملائكة. فهناك ملائكة للبيت والملائكة الحالة حول خائفي الله والملاك الحارس لكل واحد وهذا يعطي هيبة وخشوع. فهل نقف بتراخي أمام من تخشع له الملائكة.
ج- حين يقول ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية أمامك يعلمنا أن نرفع أيدينا في الصلاة. ويكون ذلك على شكل الصليب.. في الليالي إرفعوا أيديكم أيها القديسون وباركوا الرب.
ح- أغسل يدي بالنقاوة وأطوف بمذبحك. تعلمنا ضرورة التوبة والنقاوة قبل أن نأتي للعبادة في بيت الرب.
خ- حين يقول هوذا ما أحسن وما أحلى أن يسكن الإخوة معاً يعلمنا أن نجتمع في حب لنقدم عبادة جماعية.
3. المزامير تعلمنا كيف نطلب الله.
حين يقول من الأعماق صرخت إليك يا رب.. نرى أنه يجب أن نطلب الله في عمق الضيقة، عمق الخطية. والمزامير تعلمنا كيف نطلب وماذا نطلب. وكيف نهتم بالطلبات الروحية. وكيف نطلب مجد الله.
4. المزامير تعلم حياة الشكر.
المزامير تعلمنا الاعتراف بجميل الله والتغني بإحسانات الله وجوده وكرمه.
5. المزامير تعلمنا حياة التسبيح.
فهناك مزامير كثيرة كلها تسابيح بلا أي طلب. هو يصلي لا ليطلب بل ليسبح. الله بالنسبة له هنا ليس وسيلة إنما غاية. هو يريد الله نفسه "أيها الرب ربنا ما أعجب اسمك في الأرض كلها. هو لا يطلب بل يتأمل في الله. وكأنه يقول "أنت غايتي وأنت كفايتي وكفي. ونراه يقول مستعد قلبي يا الله مستعد قلبي أسبح وأرتل في تمجيدي استيقظ يا مجدي استيقظ يا مزمار.. هو يطلب من كل شئ أن يستيقظ لكي يقف أمام الله ويعترف له. هو يريد أن يصحو باكراً وتصحو معه كل الخليقة لتسبح ويصحو معه المزمار والعشرة الأوتار ليعترف للرب بجميله عليه بل داود في جمال تسابيحه يرى الطبيعة كلها تسبح الله.. الفلك والسموات والشمس والقمر والنجوم والأيام والجبال والزهور.. الخليقة كلها هي سيمفونية رائعة ونراه يقول أن الرياح صانعة كلمته. بل هو يطلب من الملائكة أن يسبحوا الله. (مز103) فيقول باركوا الرب يا جميع ملائكته يا جميع جنوده. هو في فرحه بالرب يطلب أن يسبح كل أحد وكل شئ الرب. لم يوجد في البشر من أحسن تسبيح الرب مثل داود. بل هو بعد أن يشبع تسبيح يقول سبحوا الرب تسبيحاً جديداً.. أي كل يوم قولوا تسبحة جديدة. بل هو يتغنى بناموس الرب وشريعته وكيف هو كامل. هل بدون المزامير ستكون لنا هذه الإمكانية أن نسبح الرب هكذا مثل داود.
6. المزامير تعلم حياة التسليم.
فهو لا يعتمد على فهمه وحكمته بل يطلب من الله أن يقوده ويرشده "علمني يا رب طرقك" "إهدني في سبيل مستقيم" هو يطلب إرشاد روح الله القدوس أن يقوده ليكن طريقه مستقيماً." فهناك طريق تبدو للإنسان مستقيمة وأخرها طرق الموت" (أم12:14). فالذين بلا مرشد يسقطون كورق الشجر. فالمزامير تعلمنا كيف نصلي.
7. المزامير تعلم حياة الانسحاق
ولأهمية حياة الانسحاق تعلمنا الكنيسة أنه في بداية كل صلاة نصلى صلاة الشكر ثم المزمور الخمسين "إرحمني يا الله كعظيم رحمتك" هنا يقف الإنسان كمذنب أمام الله يطلب الرحمة كمحكوم عليه.. كثرة رأفاتك تمحو إثمي.. لك وحدك أخطأت وأحزنت قلبك وتجاهلت إحساناتك.. فالخطية أي خطية هي موجهة لله لذلك نخاف. ولأن الخطية قذارة يقول إغسلني فأبيض.. فهو يعترف بقذارته وأنه محتاج للغسيل. خطيتي أمامي في كل حين. هذا هو حال النفس المنسحقة أما النفس المتكبرة فتنظر لخطايا الناس. وداود يقول خطيتي أمامي في كل حين بعد أن غفرت خطيته، فالصلاة بدون إنسحاق هي صلاة متكبرة "إن نسينا خطايانا يذكرها الله لنا وإن ذكرنا خطايانا ينساها الله لنا". وهذا التعليم ضد الفرح الزائف الذي يبشر به البعض بأن الله غفر كل خطايانا وأننا خلصنا فهذا يقودنا للكبرياء، بل علينا كل حين أن نذكر خطايانا وننسحق ونبكي ونشعر بإحتياجنا لله. نجني من الدماء يا الله.. هذه تجعلني أحاسب نفسي عن كل واحد أكون قد أعثرته ربما في أيام جهلي وأنسحق بالأكثر حتى لا يطالبني الله بدمه فأنا تبت لكن هم ربما لم يتوبوا بعد. أعوم كل ليلة سريري وبدموعي أبل فراشي هذه صورة داود أمام الله، أما أمام شعبه فهو داود القائد المنتصر الجبار الذي له الحرير والثياب الموشاة بالذهب والقوة والسلطة والسيف والدرع أما أمام الله فيجلس على التراب والرماد وعيناه تقطران دمعاً باستمرار.. دموعي في زق محفوظة عندك.. فالدموع هي سلاح العاجز الذي لا يجد شيئاً يقوله لله، فأمام الله يستد كل فم.. في المساء يحل البكاء.. هذا أمام الله. وحين يقول "يا رب لا تبكتني بغضبك ولا تؤدبني بسخطك تكون عيناه على غضب الله يوم الدينونة، فهنا على الأرض هناك مجال للرحمة لذلك يصرخ إرحمني يا رب. أدبني هنا على الأرض حتى لا أضيع في يوم الدينونة. هل نصدق من يقول لنا إضحكوا وهللوا، هل نصدق هذا الغش، هل نفرح والشيطان مازال ينتصر علينا وعلى إخوتنا. حقاً "أمينة هي جراحات المحب وغاشة هي قبلات العدو" علينا أن نجاهد في حياة الروح بانسحاق حتى نكون من الفرحين في اليوم الأخير. لا مانع من مجاملة الناس في أفراحهم "فرحاً مع الفرحين" ولكن إذا خلونا مع أنفسنا نتذكر خطايانا ونبكي عليها بل نتذكر خطايا أخوتنا وسقوطهم وخطايا الجيل الذي نعيش فيه ونبكي طالبين رحمة الله. بل داود لا يذكر الخطايا الكبيرة فقط بل يقول الهفوات من يشعر بها والخطايا المستترة طهرني يا رب منها. ومعنى قول الكتاب بكآبة الوجه يصلح القلب أن نبكي في خلوتنا ولكن أمام الناس نبتسم ونفرح ولكن لا نكون مهذارين.
إذا جلسنا مثل داود الآن في الرماد نسمع أن الله هو الذي يقيم المسكين من التراب ويرفع البائس من المزبلة. فلننسحق لأن داود يقول قريب هو الرب من المنسحقي القلب.. إليك يا رب رفعت عيني يا ساكن السماء فها هما مثل عيون العبيد.. هذا هو الإنسحاق عند داود الذي يقف أمام الله يطلب المغفرة حتى لا يدخل الله في المحاكمة مع عبده..أن كنت يا رب للأثام راصداً فمن يثبت.
مقدمة
1. سفر المزامير هو سفر الصلاة، من يريد أن يتعلم الصلاة فليتتلمذ على داود أستاذ الصلاة. ومن يصلي بالمزامير يكون داود معلماً له كيف يصلي كأب يمسك يد إبنه ليعلمه كيف يكتب. وفي سفر المزامير نعرف أنفسنا والضعفات والعثرات التي فينا ونجد في هذا السفر السقوط والنهوض وصلوات التوبة والشكر والتسبيح.
2. هو سفر النبوات. فالمزامير مملوءة بالنبوات الكثيرة الخاصة بتجسد الرب وآلامه وقيامته، هي أكبر شاهد لحياة الرب يسوع لذلك قال بطرس أن داود نبي (أع30:2).
3. هو سفر التسبيح. ويقول القديس ذهبي الفم، إن الله لما عرف أن عدو الخير سينشر الأغاني الخليعة أرسل لنا عن طريق داود هذه التسبيحات الجملية في المزامير.
4. المزامير في الصلاة تحتاج إلى التأمل ومن الخطأ الذي نسقط فيه أننا نصليها بسرعة.
5. أرقام المزامير:
عدد المزامير في جميع طبعات الكتاب المقدس 150 مزموراً. والاختلاف نِشأ من الطبعة البيروتية عن جميع الطبعات القبطية واليونانية والكاثوليكية الأخذة عن الطبعة السبعينية. أما الطبعة البيروتية فهي قد أخذت من النص العبري.
في الطبعة القبطية (الأجبية)
في الطبعة البيروتية (العبري)
1. رقم المزمور 9
2. المزمور 113
3. المزمورين 114، 115
4. المزمورين 146، 147
5. يوجد بهذه النسخة مزمور 151
إنقسم إلى مزمورين 9، 10
إنقسم إلى مزمورين 114، 115
جمعوا إلى مزمور واحد رقم 116
جمعوا إلى مزمور واحد رقم 147
لا يوجد هذا المزمور هنا
وسبب هذا الاختلاف أن المزامير عبارة عن أناشيد فبعض النسخ تجمع أنشودتين وتجعلهم نشيداً واحداً والنسخة الأخرى تفصل نشيد لتجعله أنشودتين.
6. هذا السفر يقع في منتصف الكتاب المقدس تماماً. وهو يبدأ بالله يبارك الإنسان (مزمور1) وينتهي بالإنسان يبارك الله (مز150).
7. كلمة مزمور عبرية وتعني صوت الأصابع وهي تضرب على آلة موسيقية وترية وصارت فيما بعد تعني صوت القيثارة. وأخيراً استخدمت لتعنى غناء نشيد على القيثارة. وباليونانية مزمور تعني "إبسالموس".
8. الاسم العبري لكتاب المزامير هو سفر تهليم أي كتاب التهليلات والتسابيح. فسواء كان الإنسان فرحاً أو حزيناً متحيراً أو واثقاً عليه أن يسبح الله دائماً. هذا السفر يعلمنا كيف نعبد الله في عالم شرير، وكيف نقترب إلى الله ونتعرف عليه ونلتصق به.
9. الكلمات التي تتكرر مئات المرات في هذا السفر هي (ثقة- تسبيح- فرح- رحمة) فالمزامير تعلمنا كيف نفرح واثقين في الله وكيف نسبحه بكلمات أوحى بها الروح القدس. وفي تسبيحنا لله نشترك مع السمائيين والملائكة.
10. يقول القديس إمبروسيوس "أي كائن له الخزي إن لم يبدأ نهاره بمزمور، فأنه حتى أصغر الطيور تبدأ يومها وتنهيه بتراتيل عذبة. وكل من اختبر المزامير شعر بالراحة وهو يصليها ويسبح بها.
11. تنسب المزامير كلها لداود حتى لو لم يكن كاتب بعضها فهو نموذج للملك المثالي وهو المسيح الممسوح رمز المسيح الذي أتى للعالم، هو نموذج الملك الذي يحقق رجاء إسرائيل، هو من جمع إسرائيل في مملكة واحدة وجعل أورشليم مركز العبادة.
12. نجد التوازن الروحي المطلوب في المزامير فبينما نجد صلوات التسبيح والتهليل والشكر نجد الدموع، وطلب المراحم. هذا ما طبقته الكنيسة ففي كل صلاة نبدأ بصلاة الشكر ثم المزمور الخمسين فلا ننجرف لا إلى الثقة الخادعة بخلاص قد تم ولا ننجرف إلى اليأس أيضاً. وهذا ما نراه واضحاً خلال سفر المزامير.
13. كان في العهد القديم يستخدمون الآلات الموسيقية (القيثارة والدفوف..) ولكن كنيستنا القبطية اقتصرت على استعمال الدف لضبط النغمات لأنها ترى أن حنجرة الإنسان هي أعظم آلة موسيقية. فالله يطلب الآلات الموسيقية التي للقلب والعقل يعزف عليها بروحه القدس. فالقيثارة تعزف لحناً جميلاً إذا عزف عليها عازف. هكذا علينا أن نترك عقولنا وقلوبنا للروح القدس ليعزف عليها. وبنفس المفهوم نجد أنهم في العهد القديم كان لهم خورس يسبح في الهيكل والشعب يرد بقوله آمين. أما في كنيستنا فالشعب كله يرتل ويسبح. (يقف الشعب قسمين، قسم عن شمال الهيكل ويسمى (بحري أي جهة الشمال) والقسم الآخر يسمى قبلي ويقف عن يمين الهيكل وهذا القسم يقول جزء من التسبحة ويرد عليه القسم الآخر وهكذا.
14. يرد في سفر المزامير بعض الكلمات الغامضة مثلاً سلاه. وهي تشير:
أ- توجيهات للموسيقيين أن يرفعوا صوت الموسيقي أو للشعب ليقف وأصحاب هذا الرأي يقولون أن أصلها العبري SELAH معناه "الذي يرفع".
ب- هي وقفة تأمل فيها فاصل موسيقي صامت. ويقولون إن معناها كمن يقول في العربية "يا سلام" علامة على إعجابه بما قيل. فهي تأمل فيما قيل لأن المزامير لا تعتمد على المقاطع اللغوية والسجع إنما على أفكار معينة.
15. المزامير المسيانية الهامة : التي تتنبأ عن المسيح
(مز2): الملك المرفوض يقيم مملكته ويملك
(مز8): الإنسان سيد الخليقة بالمسيح ابن الإنسان
(مز16): قيامة المسيح من الأموات
(مز22،69): ألام المسيح وصلبه
(مز23): المسيح الراعي الصالح
(مز24): رئيس الرعاة ملك المجد
(مز40): المسيح المطيع
(مز45): المملكة عروس المسيح وعرشه الأبدي
(مز18:68): صعود المسيح
(مز72): ملك المسيح المجيد والأبدي
(مز1:80-3، 46:89،49): الرجاء العظيم واشتهاء مجيء المسيا.
(مز89): تأكيد لا نهائية أسرة داود الملكية
(مز97): الملك يملك
(مز101): المسيح يحكم بالبر
(110): المسيح يملك
(مز118): تمجيد الحجر المرذول
(132): الوارث الأبدي لعرش داود
16. كما أن هناك مزامير شكر وتسبيح وتضرع في الضيق هناك مزامير تاريخية، فيها يستعرض داود قصة الله مع شعبه (من التكوين إلى يشوع) ويضع هذا كأساس لنعرف ويعرف الشعب عمل الله فيسبحه حين يرى عمله ومحبته.
17. من هو الملك الذي تتحدث عنه المزامير؟
أ- يشير لله ملك المسكونة وخالقها. الذي يملك بالحب على شعبه، السماء هي قصره الملوكي ومسكنه في أورشليم كما في قلب المؤمن وملكه يضم كل المسكونة (47+67+100+117+87).
ب- يشير للمسيح، الملك المحارب واهب النصرة الروحية للمؤمنين به، يملك بصليبه محطماً مملكة الظلمة جاذباً البشرية للسماء. وهو كملك الملوك يهب مؤمنيه نعمة الملوكية (رؤ6:1) واهباً إياهم بره وقداسته وسماته (2+18+20+21+45+72+89+101+110+132+144).
ت- داود الملك نفسه وكل نسله الذين جلسوا على العرش. وهم يمثلوا كل الجماعة المقدسة.
ث- المؤمنون كأعضاء في جسد المسح ملك الملوك (رؤ6:1). فالله أعطى للمؤمنين سلطان في حياتهم الداخلية ضد الخطية وقوات الشر، هم ملوك لهم سلطان داخلي.
18. مزامير المصاعد
هي مجموعة من المزامير (120-134). كل مزمور منهم يدعي ترنيمة المصاعد. ويبدو أنها كانت تطبع في كتيب صغير يستخدمه الزائرون القادمون إلى أورشليم في الأعياد العظمي، ليرتلوها وهم صاعدون درجات الهيكل.
19. أسماء الله في المزامير
أ- أل أو إلوهيم: قادر وقوي وسائد فوق الكل وخالق، قوته لا نهائية.
ب- يهوه: الكائن القائم بنفسه، الواجب الوجود. ويقال إلوهيم حين يشير لأن الله إله كل الخليقة. ويقال يهوه حين يشير لعلاقة الله بشعبه الخاص الذي يخلصهم ويقدسهم ولابد أن يكونوا قديسين.
ت- إل شاداي: إل تشير للقدرة والقوة فهو اسم مرتبط بالخلق وشاداي تشير للصدر، أي لله الذي يغذي ويعول ويشبع. هو القادر الذي فيه كل الكفاية.
ث- أدوناي: الملك الذي له السيادة على كل الشعوب أرادوا أو لم يريدوا.
ج- ونلاحظ في المزامير قول داود اللهم بإسمك خلصني.. وتتكرر عبارة اسم الرب 100مرة في 67 مزمور مختلف. فقديماً كان الاعتقاد بأن كيان الإنسان يتمركز في اسمه. فالاسم يعطي معنى ويضفي وجوداً كاملاً على حامله.
20. اللعنات في المزامير
هناك مزامير كثيرة تستنزل اللعنات على الأشرار ونلاحظ:
أ- أن داود لم يطلب أن ينتقم لنفسه بل لشعبه كله، فهو يطلب عقاب الذين يحطمون شعب الله وملكوت الله، فهم إذاً أعداء الله. فداود كان يتسامح في حقوقه لكنه لا يتسامح في حقوق الله. وهو هنا يطلب العدالة الإلهية ضد الظالمين.
ب- لم يكن في الفكر العبراني فصل بين الخطية والخاطئ (فبابل ترمز للكبرياء ومصر ترمز للظلم وأدوم إلى سفك الدماء..) والآن نفهم أن الله يكره الخطية ولكنه يحب الخاطئ ويشفق عليه ويسعى وراءه ليتوب.
ت- داود يتكلم بروح النبوة عن مصير الأشرار.
ث- ونحن نصلي الآن هذه المزامير فلنفكر بأن أعداءنا هي خطايانا وشهواتنا وإبليس وجنوده. لكن لا نفكر في أنهم بشر محيطين بنا قد يكونوا مسيئين إلينا.
21. الإشارات الموسيقية:
تفسيرها ليس سهلاً. فنحن لا نعرف سوى النذر اليسير عن الموسيقي الإسرائيلية القديمة. وتوجد الإشارات الموسيقية في رأس المزمور.
فمثلاً قوله ضرب الأوتار/ مع آلات النفخ/ على الجتية (قيثارة من جت) تشير لنوع الآلة المستخدمة. وقوله على الثمانية ربما تشير لقيثارة ذات ثمانية أوتار. وقوله "على أيلة الصبح" أو "لا تهلك" أو "على الحمامة البكماء" ربما تشير إلى أناشيد مشهورة يرتل على وزنها المزمور.
22. ما ينسب صراحة لداود هو 73 مزموراً. ولكن السفر كله ينسب له فهو مرنم إسرائيل الحلو (2صم1:23). والترتيب الحالي لسفرالمزامير ينسب لعزرا.
23. (مز14) هو تقريباً نفس (مز53) مع فارق طفيف و(مز70) هو جزء من (مز40) وبعض المزامير موجودة في أسفار الكتاب المقدس التاريخية. قابل (2صم22 مع مز18، 1أي23:16-32 مع مز96، 1أي8:16-22 مع مز1:105-15).
24. كلمة مذهبة التي ترد في راس بعض المزامير تشير لأن القصيدة المعنونة بها ثمينة جداً كالذهب وفائقة القيمة. وكلمة شجوية منسوبة للشجو والحزن أي ترنيمة حزينة. (راجع مز 7 ) وقوله على القرار وعلى الجواب هي إصطلاحات موسيقية لمن يعزف. وقوله على الجتية قيل أنها آلة موسيقية من جت وقوله على السوسن، قيل أن السوسن هي آلة موسيقية وقال البعض أنها كلمة تشير لمضمون المزمور. وقوله على موت الابن قيل أنه يشير لموضوع المزمور أو سبب نظمه والأغلب أنه يشير إلى اللحن الذي كان ينشد عليه (مز9). وقلوه للتذكير (مز38:70) قيل أن داود كان يتلوهما أمام الله لكي يذكره بنفسه ويذكر أمامه أحزانه وضيقاته ويذكر الله بمواعيده. وقوله على أيلة الصبح (مز22) هي لقب للمسيح الذي دار المزمور حوله. وقوله على الحمامة البكماء تشير لضعف داود وعدم استطاعته الدفاع عن نفسه هو بين أيدي الغرباء في جت إذ كان بأيدي الفلسطينيين كالحمامة المصادة بأيدي الناس.
25. قيل أن سفر المزامير قادر أن يعلمنا كل أمر روحي معرفته ضرورية لنا. وفيه علاج لكل حزن أو بلوى أو مرض يعرض لنفس الإنسان فهو كنز ثمين وعلاج نافع في كل الأجيال.
26. نرى في المزامير أن داود يرمز للمسيح. وأورشليم وصهيون وشعب اليهود رمز للكنيسة، وأعداء الشعب رمز لأعداء الكنيسة وغلبة الشعب رمز لغلبة أبناء الله دائماً.
27. لفهم المزامير ينبغي دراسة الأسفار التاريخية أولاً لنفهم الظروف التي كتبت فيها ومناسبة كل مزمور. وهناك مزامير وضعت للإنشاد في الهيكل أو للترنيم في المناسبات.
28. أول من ألف نشائد وترانيم كان موسى (خر15) ثم دبورة (قض5) وعلى قياسهما ألف آخرين ومنهم داود.
29. أطلق على سفر المزامير ملخص الكتاب المقدس فنجد فيه ملخص لأحداث العهد القديم. ونلاحظ أن هذا السفر أتى بعد سفر أيوب حيث كان أيوب يجادل الله قائلاً لماذا فعلت بي هذا؟! ويأتي هذا السفر فنجد أنه لا جدال مع الله، بل يأخذنا هذا السفر إلى الأقداس، حيث لا حوار مع إنسان ولا خصام مع الله بل إلتصاق بالله وشركة معه حيث نجد راحة لنفوسنا. يرفعنا هذا السفر إلى جبل عالٍ إلى السماويات فنقول مع بطرس "جيد يا رب أن نكون ههنا" فسفر أيوب يقودنا لتثبيت المبادئ الأساسية في قلوبنا عن كمال قدرة الله وعن عنايته الإلهية وفي هذا السفر نجد أن من يصلي مستخدماً هذه المزامير يختبر ما فهمه في سفر أيوب، تتحول عنده المبادئ الإيمانية إلى خبرات معاشة خلال صلواته وتسابيحه.
30. يقول هوشع في (2:14) "خذوا معكم كلاماً وأرجعوا إلى الرب" وما أحلى أن يكون ما نأخذه هو مزامير داود التي قالها بالروح القدس، وعلمها له الروح القدس ليقولها وإذا كان شعب العهد القديم شعر بأهمية المزامير وأتخذها كلمات مقدسة يصلون بها، فنحن بالأولى في العهد الجديد بعد أن اتضحت معاني نبوات المزامير في شخص المسيح واتضحت محبة الله العجيبة على الصليب، وإنكشف الحجاب عن كل ما كان مخفي في العهد القديم.
31. مزامير داود استخدمت في كل كنائس العالم فهي تدل على روحانية عميقة فقائلها كان ينطق بالروح القدس. وكما أن إبراهيم أبو الإيمان لم يختلف فيه المسيحيين واليهود والمسلمين هكذا مزامير داود أحبتها كل الكنائس.
32. مزاميره متنوعة.
ما قبل السقوط (81/150/27/63) رنموا لله قوتنا اهتفوا لإله يعقوب.
ما بعد السقوط (51/32/38) ارحمني يا الله كعظيم رحمتك
تأملات (19) السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه
تسبيح (150) سبحوا الله
وسط الآلام (13،3) يا رب ما أكثر مضايقي
توبة (6) يا رب لا توبخني بغضبك
ذكر أعمال الله (136)
تأمل في الكتاب المقدس (136)
سمات داود التي جعلته مرنم إسرائيل الحلو (2صم1:23)
1. يتكلم بالروح
أ- يقول لساني قلم كاتب ماهر (مز2:45) والكاتب الماهر هو الروح القدس الذي يقوده ويضع الكلمات في فمه وعلى لسانه "الروح يأخذ مما لي ويخبركم" فالروح رسم صورة للمسيح أمام داود فسبح وقال إنك أبرع جمالاً من بني البشر (مز2:45).
ب- والروح يذكر داود بأعمال الله فيسبح (هناك مزامير كثيرة يذكر فيها داود أعمال الله مع شعبه).
ت- الروح يفتح عينيه على أعمال الله فيقول كنت فتى والآن شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً (مز25:37) + يوم جلياط قال عبدك قتل أسد ودب هذا عمل الروح الذي يذكرنا بأن يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عب8:13).
ث- من ينطق بالروح ينطق بنبوات
والامتلاء من الروح يدفعنا للتسبيح
والتسبيح يجعلنا نمتلئ بالروح
1. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح.. لمدح مجد نعمته لنكون لمدح مجده نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح الذي هو عربون ميراثنا لفداء المقتني لمدح مجده (أف3:1-14)
2. المزامير كلها ثمرة للامتلاء من الروح ألم يقل لساني قلم كاتب ماهر بل هو سبح قائلاً إنك أبرع جمالاً من بني البشر.
امتلئوا بالروح مكلمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية مترنمين مرتلين في قلوبكم للرب (أف18:5،19)
وكيف نسبح نحن؟ البداية التغصب ثم نمتلئ بالروح فنسبح بفرح.
2. الحرية
· قد يكون الإنسان فيه الروح القدس ولكنه مستعبد للخطية وهنا لا يستطيع أن يسبح "على أنهار بابل.. قالوا لنا سبحوا.. كيف نسبح الرب في أرض غريبة". فلم نسمع أن داود نزع منه الروح القدس حين أخطأ واستعبد للخطية، لكننا لم نسمع أنه سبح في هذه الفترة.
· ولكن الروح كان منطفئ وحزين أما لو فرح الروح نفرح فنسبح.
· سر فرح داود ومزاميره هو أن الله مع داود وروحه القدوس يملأه.
· أما الذي يبتعد عن الله تصير حياته رعباً (هذا معنى الظلمة الخارجية) كما لو رفعت الشمس عن المجموعة الشمسية لضلت الكواكب "وخرج يهوذا للوقت وكان ليلاً" (يو30:13)
· وقارن بين داود الفرح المسبح وشاول (1صم5:28) "قد ضاق بي الأمر جداً لأن الرب فارقني ولم يعد يجيبني لا بالأنبياء ولا بالأحلام" فداود كان يرى بقلبه النقي الله فيسبح بل أن مزامير داود كانت تريح شاول.
· والروح القدس حين يملأ إنسان يحرره فهو يبكت ويعطي قوة ومن يتحرر يمتلئ فيسبح تسبحة موسى بعد الخروج من عبودية مصر. والبداية التغصب على طاعة الوصية. ومن يغصب نفسه يملأه الروح فيتحرر فيسبح فيمتلئ ويزداد تحرراً فيسبح أكثر فرحاً.. فالتسبيح هو طريق الإمتلاء بالروح. رقم 50 هو رقم اليوبيل الحرية وهو رقم حلول الروح القدس. ومن ثمار الروح التعفف أي الابتعاد عن الشهوات والفرح والشهوة المقدسة وأن يعود الإنسان على صورة الله وتكون لذته في الله كما أن الله لذاته في بني آدم فالروح يجدد الخليقة "قلباً نقياً إخلق فيّ يا الله". هنا نسأل من قال المزامير هل داود أم الروح القدس؟! من أجمل ما قيل هل كان داود يعزف على قيثارة الروح القدس أم الروح القدس يعزف على قيثارة داود.
3. الشعور بحب الله
· هو نقل تابوت العهد كان له رغبة في بناء الهيكل. نقل تابوت العهد أول شئ عمله بعد أن استقر ملكه وسبح (مز132) أذكر يا رب داود وكل ذله لا أدخل خيمته بيتي.. إلى أن أجد مقاماً للرب وحينما رفض الله أن يبنى داود البيت جهز كل شئ "وأنا بكل قوتي هيأت" (1أي2:29) هي محبة عاملة.
· هو رنم مزمورين (14،53) يسبح فيهما مرة اسم الله ومرة الرب وهما مزمورين متطابقين لكنه يحب اسم الله (تدرب على صلاة يسوع) ولاحظ كمية المزامير التي فيها يسبح اسم الله.
4. هو لم يطلب كثيراً من الدنيا، نفس تحررت من محبة الدنيويات حتى الملك الذي وعده به الله وربما قال هذا المزمور يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي بعد سكب الزيت. ومن تحرر يسبح (تسبحة موسى) والاتضاع كان من سماته فهو تعود أن يكون مرفوضاً في الحقل صغيراً. وفي آخر أيامه في عز ملكه حين رفض الله أن يبني داود له بيتاً قال من أنا يا سيدي الرب (2صم18:7) وما هو بيتي حتى أوصلتني إلى هنا واسمعه يقول لشاول "ملك إسرائيل خرج ليفتش عن برغوت واحد كما يتبع الحجل في الجبال" (1صم20:26) وفي (مز22) يقول أما أنا فدودة لا إنسان (مز6:22) وبسبب الاتضاع يسكن الله عندنا "في الموضع المرتفع المقدس أسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأحيي روح المتواضعين ولأحيي قلب المنسحقين" (أش15:57) ومن يسكن الله عنده يسكن الروح عنده ومن يسكن الروح عنده يرنم.
5. طبيعة التأمل والعزلة والهدوء
بها رأي أعمال الله، أعطته هذه هدوء النفس فسمع الصوت الخفيض كما سمعه إيليا. فنجد في مزاميره تأملات في الطبيعة التي عاش وسطها (الجبال/ الوديان/ الرعاة/ الرب يرعاني) فيقول (الفخ انكسر ونحن نجونا) هذه صورة لصياد أسود يسقط في فخ عمله هو، هكذا ينقذه الله من أعدائه (الرب صخرتي) يحتمي في الله كما يحتمي في صخرة عند اشتداد العواصف وشمس النهار. يتذكر أعمال الله مع شعبه ويتأمل فيها فيثق أن الله لن يتركه "أنا الله إلهك الذي أخرجك من أرض مصر" وهكذا كان السيد المسيح يعمل إذ يتأمل في الصيادين والفلاحين.
6. النقاوة
فبدونها لن نرى الرب "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" وبدونها لن يفيدنا التأمل. فهناك من في كبريائهم تأملوا في الطبيعة وقالوا الطبيعة خلقت نفسها إذاً لا إله. وداود قال "من يقوم في موضع قدسه الطاهر اليدين والنقي القلب" (مز3:24-6)
لذلك نجد داود يسبح قبل خطيته وبعد توبته (وجدت داود بن يسى رجلاً حسب قلبي) (أع22:13) فتوبة داود تفرح قلب الله وبها يستعيد نقاوته فيسبح أما أثناء عبوديته للخطية لم نسمع أنه سبح.
7. التسامح وتحمل الإهانات
أ- في يوم جلياط أهانه أخوه الأكبر قائلاً لمن تركت الغنيمات أنا علمت كبرياءك وشر قلبك (1صم28:17) ولأنه لم يهتاج فسبح وقال لجلياط أنت تأتي إليّ بسيف ورمح وأنا أتيك بقوة رب الجنود (جيش إسرائيل/ الملائكة/ الأفلاك) هي تناظر ضابط الكل كما قال قائد المئة أنا إنسان تحت سلطان أقول لهذا أذهب فيذهب.
ب- الله قال لشمعي بن جيرا اشتم داود + لم يقتل شاول.
ت- ولذلك أنقذه الله حينما حمى غضبه على نابال وأرسل له أبيجايل حتى لا يخطئ أما لو انتقم لنفسه فوخزات ضميره كانت ستحرمه من الترنيم فالنفس التي فقدت سلامها تفقد اتصالها بالله أما النفس المملوءة سلاماً ومغفرة قادرة على التسبيح. أما الخطية فتعطي طبعاً وحشياً فداود الزاني قتل وداس موآب بالنوارج هنا لم يسبح داود أما داود المتسامح فضربه قلبه على قطع جبة شاول.
8. الترانيم:
صوت + كلمات + لحن ولم يذكر أن صوت داود كان حلواً لكن كلماته بالروح جبارة. والمهم أن يتغني كل إنسان باسم الرب وليس مهماً صوته. فالإنسان يطرب لصوت الموسيقي أو الصوت الحلو، أما الله فيطرب للقلب الذي يحبه ويشعر به. هذه هي لغة السماء.
9. سماع صوت الله
إلهي أنت ملجأي / إليك ألتجئ
كلمة التجئ في العبرية تستعمل للراعي الجالس يراقب قطيعه
فهل ننتظر سماع صوت الله أو نرمي كلماتنا ونمشي دون سماع الرد، ومن يسمع يرنم علينا أن نرقب الله (حبقوق) حبقوق مثال جميل لهذا فهو صلي وجلس ينتظر سماع صوت الله إذاً هذا هو الالتجاء لله وانتظاره بأن نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها حتى لو لم تكن في حوزتنا وهذا ما يحفظنا ثابتين هادئين بل نرنم.
كم مرة سمعنا "لا تخف" ولكننا مازلنا نخاف لأننا لم نسمعها من الله. هي مازلت معلومات في العقل وليست مشاعر وضعها الروح القدس في القلب.
عبارة انتظرت الرب
(5:25 +21، 5:130 + 7:39 + 1:40 + 20:69،3،6+ 43:119،74،114،147 + 22:33 + 6:130 + 9:27،14 + 7:37،34 + 3:5 + 9:52 + 49:119 + 3:25 + 24:31)
هو انتظار بثقة أن الله سيستجيب حتى لو تأخرت الاستجابة. وعود الله لابد وستنفذ في ملء الزمان.
سمات صلاة داود
1. لأنها بالروح تبدأ بالشكوى (مز3) يا رب ما أكثر مضايقي/ يا رب لماذا تنساني وتنتهي بالتسبيح فهو في البداية يظن أن الله نسيه في آلامه. لكن من ينصت ويسمع صوت الروح القدس. يسمعه يقول له كيف أنساك يا ابن الله الروح يشفع فينا فنجد داود يسبح على الاستجابة حتى لو لم تتم
شفاعة الروح [1] سماع صوت الاستجابة فنسلم الأمر له. [2] تسبيح الله إذ ندرك محبته وصفاته.
2. اللعنات ضد الخطاة وطلب الانتقام منهم
أ- هو ملك له أن يدين بل هذا واجبه، فهو لا يطلب الانتقام لنفسه بل لشعبه.
ب- الأعداء هم أعداء شعب الله أي أعداء الله. فهو يطلب العدالة الإلهية للظالمين.
ت- في العهد القديم لم يفرقوا بين الخاطئ والخطية.
ث- يتكلم بروح النبوة عن مصير الأشرار.
أعداؤنا هم الشيطان والخطية وشهوة الجسد وليس البشر.
3. حين يتكلم عن براءته وأنه بلا خطية يقصد أنه برئ فيما اتهمه به شاول أو أبشالوم.
4. ينسب نجاته لله لا لذكائه إنتظاراً انتظرت الرب فمال إلىّ وسمع صراخي وأصعدني من جب الهلاك وأقام على صخرة رجليَّ. ثبت خطواتي (مز1:40-3 + مز9:59،17) وهذا عكس ما نفعله نحن إذ ننسب الشر لله والخلاص لذكائنا أو للصدفة. وحتى قوته الشخصية ومميزاته نسبها لله الذي أعطاها له وسبحه عليها فهو يفتخر بالله "الذي يجعل رجلىّ كالأيل.. الذي يعلم يدي القتال فتحني بذراعه قوس من نحاس" (مز34:18) فهل ننسب مواهبنا (وزناتنا) لله ونسبحه عليها أم نفتخر بها. "من يفتخر فليفتخر بالرب" (1كو31:1).
5. ما أروع ما نتعلمه من داود "تسابيح وسط أفراحه وسلامه وتسابيح في ضيقاته أعلى أحد بينكم مشقات فليصل. أمسرور أحد فليرتل" (يع13:5) والعكس أما كآبة وتصادم مع الله أو فجر وإندفاع طائش خاطئ في المرح. كما سقط هو نفسه في أيام راحته فالجيش يحارب وهو يتمشى. أما في ألامه مثل هروبه من شاول نجده دائم التسابيح "ارحمني بك احتمت نفسي" (مز57: مز142) فوجد راحة في ألامه. وحين نسى التسابيح سقط وإندفع وراء شهواته فتزوج من كثيرات ولم يكتفي فزنى وقتل. ما أجمل ما قيل عن الأفراح. وكانت أم يسوع هناك ودعى أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس (يو1:2،2) وهل هكذا هي أفراحنا.
6. ضعفاته
أ- قلة إيمانه وعدم ثقته في حماية الله وذهابه للفلسطينيين وهذا ضد الإيمان!! ألم يعده الله بالملك فكيف يموت.
ب- خداعه للفلسطينيين وخداع الكهنة بأنه في مهمة رسمية وإلتجاؤه للفلسطينيين. وخلال هذه المدة لم نسمع تسابيح ولا مزامير. لكن الله كانت عينه على حياته الماضية وقاده للتوبة والرجوع بسلسلة من الضيقات فرجع ورنم، وكانت الآلام خير فالله يحول كل الأمور للخير يخرج من الجافي حلاوة فبالآلام عاد داود ليلجأ لله ويرنم. فعندما امتنع عن الترنيم والحرب أخطأ وحينما أتاه ناثان رنم بمزامير التوبة، أي أن الله أدخله في طريق الآلام ليكمل وفي آلامه رنم مزامير الآلام.
ت- هو في تأملاته أيام نقاوته تأمل في يد الله وفي خليقته وسبح الله. والآن اكتشف صفة جديدة في الله أنه غفور طوبى لمن غفرت له أثامه وسترت خطيته (مز1:32) بل أن أحلى مزامير داود قيلت وسط الآلام. فبالآلام نعرف الله الذي يسندنا ويعزينا ونعرف الله القدير الذي ينقذنا منها وهذه لا نراها في الأوقات العادية.
7. خلال مدة ترنيمه بكل هذه الترانيم صار مرنم إسرائيل الحلو. (2صم1:23)
الجزء الأول
صلوات الأجبية
لماذا نصلي 7 صلوات؟ ولماذا نصلي المزامير في صلوات الأجبية؟
1. لأن الرسل كانوا يستعملونها (أع1:3 + 1:2،15،46 + 9:10).
2. قال بولس الرسول في (1كو16:14) متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور + (أف19:5).
3. من أقوال الآباء نفهم أن هذا نظام رسولي واتبعته الكنيسة عنهم.
4. أجمعت الكنائس الرسولية شرقاً وغرباً على استعمال المزامير في العبادة.
5. يقول داود النبي سبع مرات في النهار سبحتك.. (مز164:119). ورقم (7) رقم كامل والمقصود أنه كان يلهج النهار كله في تسبيح الله. ولكن الآباء حددوا هذه الأوقات والرسل كانوا يصلون فيها ففيها تجتمع الكنيسة ويكون الله في وسطهم ومعاشرة الله المستمرة هي سبب بركتهم وقوتهم. وكل صلاة منهم تذكرنا بحدث ما في حياة السيد المسيح.
ساعات الأجبية
صلاة باكر:
تصلي في الفجر لتقديم باكورة اليوم للرب، نبدأ بالرب، فهو الألف وهو الياء، والمسيح هو كوكب الصبح المنير وهو شمس البر، فنذكر مع بداية إشراق الشمس المسيح شمس البر. لذلك ففي (مز2) في صلاة باكر نسمع عن ولادة المسيح بالجسد وفي الإنجيل نسمع عن أن الكلمة الأزلى أتخذ له جسداً وفيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس. ونصلي في صلاة باكر تسبحة الملائكة.
ونذكر في هذه الساعة أيضاً ساعة القبض على يسوع بواسطة الجند بعد أن قضى الليل كله ساهراً في الصلاة في بستان جثيماني وفي (مز2) نرى تآمر الجند والرؤساء ضد المسيح. وفي هذه الساعة أيضاً نذكر قيامة المسيح في الفجر ولذلك نسمع في (مز3) "أنا نمت وقمت ثم استيقظت" ونرتل (مز16) مزمور القيامة. ونحن نصلي صلاة باكر عندما نستيقظ من النوم (الموت الصغير) فنذكر أن قيامة الرب يسوع هي عربون لقيامتنا. وفيها نتضرع لله أن يشرق بنوره فينا لنعرفه. وإذا بدأنا يومنا بالصلاة كأننا نقدم الباكورة لله فيتقدس اليوم كله (يتقدس الملء)
صلاة الساعة الثالثة:
الساعة 9 صباحاً فيها صدر الحكم بالصلب وفيها صعد الرب وحل الروح القدس. تشير لوقت صدور الحكم على ربنا بالصلب. وفي هذا الوقت أيضاً حل الروح القدس على التلاميذ. ففي هذه الساعة صدر الحكم على المسيح رغم شهادة بيلاطس ببراءته، فبدأ الجند في جلده ووضع إكليل الشوك. لذلك تبدأ المزامير بالمزمور (20) "يستجيت لك الرب يوم شدتك" ولأن المسيح كان صامتاً لا يتكلم. أمام كل هذا نرتل (مز26) "احكم لي يا رب فإني بدعتي سلكت.. اختبرني يا رب وجربني".
ونذكر في هذه الساعة صعود يسوع المسيح إلى السماء "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية (مز24) ونرتل (مز47) "صعد الله بتهليل" ونذكر في هذه الساعة حلول الروح القدس وهذا موضوع الإنجيل والقطع ويطلب المصلي إنسكاب الروح القدس عليه.
صلاة الساعة السادسة:
الساعة 12 ظهراً فيها صلب الرب يسوع.
تذكرنا هذه الساعة بحادثة صلب الرب يسوع على الصليب لأجل خلاصنا ولذلك نجد في مزاميرها ما يشير لآلامه المبرحة التي احتملها لأجلنا (مز54) "الغرباء قاموا عليّ والأقوياء طلبوا نفسي.." أسنان بني البشر سهام وسلاح ولسانهم سيف مرهف (مز57). وتنتهي مزامير السادسة بمزمور (93) أن كرسي الله ثابت لا يتزعزع أي ملكوته وكنيسته. والإنجيل عن التطويبات التي يشجع بها الرب تلاميذه على احتمال الآلام والاضطهاد من أجله كما تحمل الأنبياء قبلهم. وفي القطع نصلي لمن صلب عنا أن يصلب إنسان الخطية الساكن فينا ويسمر مخافته في قلوبنا.
صلاة الساعة التاسعة:
الساعة 3 ظهراً فيها ذاق المسيح الموت بالجسد.
في هذه الساعة نذكر أن الرب مات عنا وأسلم روحه في يدي الآب فخلصنا من سلطان الخطية والموت وفيها أيضاً قبل توبة اللص الذي آمن به (فهو أتي وصلب لأجل هذا الغرض). وفي هذه الساعة انقشعت الظلمة التي سادت الأرض منذ الساعة السادسة دليل على انتهاء مملكة الشيطان المظلمة بعد انتصار المسيح عليه في المعركة الحاسمة على الصليب وبدأ الله يملك على شعبه، لذلك نكرر في مزاميرها "الرب قد ملك" كما نكرر التسبيح والتمجيد لله "سبحوا الرب تسبيحاً جديداً فقد أكمل عمله الخلاصي لنا وقال قد أكمل، وإنشق حجاب الهيكل وتصالح الله مع البشر، وقام كثير من الراقدين علامة القيامة مع المسيح لكل المؤمنين.
أما الإنجيل فهو عن إشباع الجموع لأن يسوع تحنن علينا وأعطانا جسده ودمه حتى لا نضعف في هذا العالم الشرير ونتمكن من مقاومة محاربات إبليس، كما لم يقبل أن يصرف الـ5000 جائعين بل أشبعهم. ولذلك نصلي في القطع "إجعلني شريكاً لنعمة أسرارك المحيية، لكيما إذا ذقت من أحساناتك أقدم لك تسبحة.
صلاة الحادية عشرة (الغروب)
الساعة 5 مساء فيها أنزل الجسد المقدس من على الصليب.
فيها نذكر أن الجسد المقدس أنزل من على الصليب، فنشكره على خلاصه وعلى رعايته لنا حتى المساء، ونطلب أن يحسبنا مع أصحاب الساعة الحادية عشر، فيها نشكر المسيح الذي بموته شفانا وأراحنا من لعنة الخطية، ونصلي أن يحفظنا في كل أيام غربتنا كما حفظنا حتى هذا المساء. ونذكر في هذه الساعة بأن شمس حياتنا لابد وستغرب كما غربت شمس ذلك اليوم فنستعد بالتوبة وكما قدم يوسف ونيقوديموس حنوطاً وأطياباً نقدم للمسيح صلاتنا ونرجوه أن يتقبلها رائحة طيبة ولأن المسيح أعطانا بموته راحة نبدأ المزامير بتسبيحه "سبحوا الرب يا جميع الأمم.." وفي المزمور التالي يهيب بالجميع أن يعترفوا بخلاص اله. وهذا المزمور هو نبوة عما حدث للرب يسوع فقد اجتمع حوله كثيرين من الأعداء "وباسم الرب انتقمت منهم" ثم يقول إليك يا رب صرخت في حزني.. فاستجبت لي وفي هذا إشارة إلى أن الموت ما كان ممكناً أن يحجز المسيح له المجد.
وإنجيل الغروب هو عن شفاء يسوع لحماة سمعان، فموته أعطانا الراحة والشفاء وفي القطع نتعلم أن نتضع أمام الله كالعشار.
صلاة الثانية عشرة (النوم)
فيها دفن الرب يسوع في القبر.
نذكر هنا دفن الرب يسوع في القبر ونزوله إلى الجحيم ليخلص من رقدوا على الرجاء وفيها نطلب أن يعطينا الله توبة في نهاية اليوم، قبل أن تنتهي حياتنا على الأرض.وأن يمنحنا نوماً طاهراً، ويعدنا ليوم جديد نمجده فيه. ففي هذه الساعة أيضاً نذكر أخر ساعة في عمرنا فنتوب. ومزامير هذه الساعة تشير للقيامة بعد الموت فهي تبدأ من الأعماق صرخت إليك يا رب.. فيسوع ذهب للجحيم ليخلص من كانوا قد ماتوا على هذا الرجاء (1بط18:3،19) + (1بط6:4)
أما الإنجيل فيحدثنا عن سمعان الشيخ.. الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام "هذه تذكرنا بقول بولس الرسول "لي اشتهاء أن أنطلق.." فالنوم هو موت صغير. والقطع تذكرنا بأنه توجد دينونة بعد الموت. هي صلات توبة في نهاية اليوم.
صلاة نصف الليل:
تذكرنا بالمجيء الثاني الذي يأتي كلص في الليل، في ساعة لا يعرفها أحد وتنقسم لثلاث خدمات في الأولى نتذكر الاستعداد لمجيئه وفي الثانية نطلب التوبة وفي الثالثة نذكر أنفسنا بالسهر استعداداً للمجيء الثاني (مت6:25)
لذلك ففي الخدمة الأولى نصلي (مزمور 119) الكبير الذي ينصب على حفظ الوصايا وبركات من يحفظ الوصية ويدرس الكتاب المقدس ومن يفعل يكتشف خطيته فينسحق أمام الله وهنا نأتي للخدمة الثانية فنجد المرأة الخاطئة "اعطني يا رب ينابيع دموع.." ومن عاش حياة التوبة حقاً يبدأ يهتم بالناس وبشبعهم الروحي وهذا ما نسمع عنه في الخدمة الثالثة "من هو الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه.. وهذا ما تفعله الكنيسة مع أبنائها حتى يتصور المسيح فيهم.
وتبدأ صلاة نصف الليل بهذه التسبحة "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات" فنذكر صلوات الرب يسوع في البستان ولا نكون نائمين كما نام التلاميذ، ومن يسهر يسمع تعزية الرب يسوع "لا تخف أيها القطيع الصغير فإن أباكم قد سُرَّ أن يعطيكم الملكوت".
صلاة الأجبية: حينما سأل اليهود المسيح ليصنع لهم معجزة قال.. لا تعطي لهم آية سوى آية يونان النبي، وفي هذا إشارة لموته وقيامته. فالمعجزة قد تسبب إيمان الناس أو لا تسبب هذا. أما ما يملأ القلب حباً لله فهو التأمل في ألامه ومحبته التي ظهرت في الصليب "نحن نحبه لأنه أحبنا أولاً " لذلك فالكنيسة تعطينا فرصة يومية بصلوات الأجبية لنعيش أحداث آلام المسيح وقيامته ونتأمل فيها فيشتعل القلب بحب الله، ويزداد إيماننا ورجاؤنا.
المزمور الحادي والخمسون (الخمسون) حسب الأجبية
هو أشهر مزامير التوبة. وهو ملازم في الكنيسة القبطية لصلاة الشكر فيعطي حياة روحية متوازنة. ففي صلاة الشكر نسبح ونشكر الله على عطاياه ثم نصلي هذا المزمور فنذكر كل خطايانا ونطلب الرحمة. وبذلك لا نندفع في اتجاه دون الآخر.
وقد رتل داود هذا المزمور بعد إن اكتشف على يد ناثان النبي بشاعة خطيته مع بثشبع. وحقاً فالله رحيم لكنه يرحم من هو مستعد لقبول الرحمة بأعماله وتوبته مثلماً فعل داود. إن داود حين اقتنع بأنه أخطأ لم يقدم تبريرات لما صدر منه ولكنه انسحق وتاب. ومن يندم على خطيته ندامة حقيقية لا يخجل من أن يعترف بها. وصلاة هذا المزمور تشبه صلاة العشار الخاطئ التي علمها لنا السيد المسيح "اللهم ارحمني أنا الخاطئ" (لو13:18) هذا المزمور نصليه في بداية كل صلاة بالأجبية.
1. مع صلاة الشكر نصلي هذا المزمور دائماً فيعطي توازناً في المشاعر الروحية. ولا يمكن لمن يصلي أن يبدأ صلاته دون أن يشكر الله على عطاياه ويعترف بحاجته للمراحم الإلهية.
2. بهذا المزمور تقدم لنا الكنيسة منهجاً صادقاً للتوبة.
3. حينما نصلي به مراراً نتحذر لئلا نتهاون مع الخطية. فداود لم يسقط في خطيته وهو يحارب بل وهو متهاون، جالساً فوق سطح قصره متأملاً في العالم ناسياً مزاميره. بينما حين كان هارباً من شاول، أو بينما هو يحارب مدافعاً ضد أعداء وطنه لم نسمع عن أي خطية في حياته.
ونرى في هذا المزمور توبة وانسحاق ثم تسبيح وتمتع بأورشليم العليا حيث يشتم الله حياتنا محرقات مبهجة تكون موضع سروره، هنا يشعر الخاطئ بأن الله قبل توبته ويتعزى. فالله لا يترك الخاطئ حتى ييأس، فاليأس يعني موت أكيد.
الآيات (1،2): "ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك امح معاصيّ. أغسلني كثيراً من إثمي ومن خطيتي طهرني.
ارحمني= لا توجد كلمة نرددها بكثرة في صلواتنا في الكنيسة قدر هذه الكلمة فطلب مراحم الله هو المدخل الوحيد الذي ندخل به في صلواتنا أمام الله. وتعني هذه الكلمة أنني خاطئ ومعترف بخطيتي وليس لي يا رب سوى باب واحد أدخل به إليك وهو مراحمك. وهو قبل أن يذكر خطاياه يطلب المراحم "كرحمتك يا رب وليس كخطايانا" ويذكر الله بعظيم رحمته. التي تقبل أن تغفر كل الخطايا لكل الناس في كل العصور. ويطلب أن يمحو الله إثمه مثل كثرة رأفته وتحننه وعطفه وطيبة قلبه. فإن لم يمح الرب إثم إنسان سيمحي اسمه من سفر الحياة. ولنلاحظ أن هناك عقوبتان فالله سامح داود على خطيته وبذلك لن تكون هناك عقوبة أبدية وهلاك. ولكن هناك عقوبة أرضية "لا يفارق السيف بيتك"
إغسلني= فالخطية قذارة تحتاج إلى غسيل (رؤ14:7) وتطهير. وحتى ابسط خطية نرتكبها باللسان تنجس الإنسان (مت11:15). ونلاحظ أن البار يشعر بثقل خطيته أما الشيطان فيقلل من قدر الخطية. وكانت هناك غسلات وتطهيرات في العهد القديم مبنية على دم الذبائح لكل خطية وكل نجاسة.أما في العهد الجديد فنحن نتطهر بدم المسيح عن طريق غسل المعمودية والتوبة والاعتراف ونلاحظ أنه حين طلب الرحمة لم يشير لأعماله العظمية لأجل الله سابقاً بل إلى رحمة الله العظيمة.
آية (3): "لأني عارف بمعاصيّ وخطيتي أمامي دائما. "
اعتراف بالخطية والضعف، والله يطلب هذا الاعتراف. خطيتي أمامي دائماً= من يتذكر خطاياه دائماً يخجل وبخجله يندم وبندمه يحترس من السقوط ثانية وباحتراسه يأخذ مغفرة. يقول القديس الأنبا أنطونيوس" إن ذكرنا خطايانا ينساها لنا الله، وإن نسينا خطايانا يذكرها لنا الله. وحينما نقول في القداس "ومن تذكار الشر الملبس الموت" أي لا نذكر شهوات الخطايا السابقة فنشتاق إليها ثانية كما اشتهى الشعب الكرات والبصل في سيناء بل نذكر أننا أحزننا قلب الله وننسحق.
آية (4): "إليك وحدك أخطأت والشر قدام عينيك صنعت لكي تتبرر في أقوالك وتزكو في قضائك."
كل خطية هي موجهة ضد الله. فجسدنا هو ملك للرب وهكذا جسد من أخطأنا إليه. بل كل منا على صورة الله فكيف نهين صورة الله. والله وهبنا الكثير فنذكر هنا أننا أخطأنا ضد من أحبنا ووهبنا الكثير. وتغلب إذا حوكمت= لقد وهبنا الله كل وسائط النعمة التي بها نغلب ومع هذا سقطنا وخالفنا شريعة الله. وأخطأنا إليه، ربما لم يعرف أحد خطيتنا ولكن الله رأي فهو فاحص القلوب والكلي. وحين رأي الله حِزن وهذا ما أحزن داود. وقوله متى حوكمت أي متى ناقشتك من جهة أحكامك (أر1:12)، وكيف أتبرر وأنت فاحص القلوب ولقد ضبطتني ورأيت خطيتي.
آية (5): "هأنذا بالإثم صوّرت وبالخطية حبلت بي أمي."
الخطية لها جذورها في طبيعتي البشرية، فأنا ذو طبيعة فاسدة (الخطية الأصلية) هذا تقرير للحالة وليس تبرير للخطية. ولهذا نحتاج كلنا لغسل المعمودية.
آية (6): "ها قد سررت بالحق في الباطن ففي السريرة تعرفني حكمة."
فأنا لم أخطئ عن جهل، لأنك كشفت لي كل شئ في شريعتك وفي الضمير الذي وهبتني إياه، لم يعد شيئاً مخفياً أمامي عما تريده فماذا أقول الآن؟! وحينما تناسيت وصاياك وسقطت جاء ناثان وذكرني، فأنت لا تتركني أبداً.
آية (7): "طهرني بالزوفا فأطهر. إغسلني فأبيض أكثر من الثلج."
الزوفا نبات كانت يغمسونه في دم الذبيحة ويرشون بها للتطهير فبدون سفك دم لا تحدث مغفرة (عب22:9).. ولا غفران سوى بدم المسيح (1يو7:1) وهذا الدم يبيض (رؤ17:7). أي يمحو الخطية تماماً. والزوفا نبات صغير وضعيف جداً فهو يشير للمسيح في اتضاعه. ونحن نغتسل بالمعمودية للخلاص. وحين صارت ثياب المسيح كالثلج في التجلي كان هذا إعلاناً عن الكنيسة المتطهرة بدمه (اف27:5).
آية (8): "أسمعني سروراً وفرحاً. فتبتهج عظام سحقتها."
لأن توبة داود واعترافه كانا صادقين، وخلال إنسحاقه ارتجفت عظامه، دخلت به نعمة الله إلى السرور والبهجة، فبقدر الإنسحاق يكون السرور، هنا شعر داود بأن الله غفر ونقله من الظلمة إلى النور، فالخطية تبلي العظام والتوبة تقيم الإنسان الجديد.فتبتهج عظام سحقتها= أما الترجمة "فتبتهج عظامي المتواضعة فترجمة غير دقيقة. وفي العظام المنسحقة نرى توبة وحزن على الخطية وانسحاق. وقد لا يعطي الله هذا الشعور بسرعة لأن ما نناله سريعاً نفقده سريعاً. وذلك لأننا لم نتعب فيه. ولذلك فقد يترك الله الخاطئ التائب في أحزانه فترة. وقوله عظامي المنسحقة، لا يقصد عظام الجسد بل إنسحاق النفس.
آية (9): "استر وجهك عن خطاياي وأمح كل آثامي."
هنا يذكر الوسيلة التي تبتهج بها عظامه (وتستمر الوسيلة حتى الآية11) وحتى لا يصرف الله وجهه عن الإنسان فليصلي الإنسان أن يصرف الله وجهه عن خطاياه. كل خطاياه، فلو بقيت خطية لما صرت مقبولاً. والتوبة هي الطريق الوحيد الذي به ينسى الله خطايانا.
آية (10): "قلباً نقياً اخلق فىّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي."
قلباً نقياً= هي طلبة لكي يطهره الله من كل فكر نجس. ونحن بدون معونة من الله لن نقدر أن نحيا في نقاوة. وبدون نقاوة ستظل خطايانا أمام الله. وقوله اخلق هذا يعني أنه يطلب قلب جديد لا علاقة له بالماضي ويطلب روح مستقيم= أي إصلاح كل الداخل وليس مجرد التصرفات الخارجية، هو يطلب عمل روح الله فيه.
آية (11): "لا تطرحني من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني."
هو يعترف أنه بخطيته قاوم روح الله الذي يدعو للتوبة ولكنه يصلي حتى لا ينزع الله الروح القدس منه، فنزع الروح معناه قطع الصلة مع الله (ربما يذكر ما حدث لشاول الملك).
آية (12): "رد لي بهجة خلاصك وبروح منتدبة أعضدني."
الخطية أفقدت المرتل التمتع بوجه الله واهب البهجة بالخلاص. ويصلي ليعيدها الله له.روح رئاسي=أي الروح القدس الذي يملك على النفس والجسد بكل طاقاتهما ويسود ويرأس الإنسان ويقوده فلا ينحرف ثانية.
آية (13): "فأُعلّم الأثمة طرقك والخطاة إليك يرجعون."
هنا يربط المرتل بين عودته بالتوبة والشهادة للمخلص (لو32:22). والشهادة هنا هي رجوعه لله وامتناعه عن الخطية وتسبيحه لله دائماً على قبوله ثانية.
آية (14): "نجني من الدماء يا الله إله خلاصي. فيسبح لساني برك."
الدماء= تشير لكل نفس كنا سبباً في عثرتها وسقوطها. وربما بالنسبة لداود فهو يذكر خطيته تجاه أوريا. وداود يعد الله أنه حينما يخلص من هذه الخطية لن يكف عن تسبيحه. والله خلصنا بعدله الذي ظهر في موت المسيح على الصليب. لذلك يقول فيبتهج لساني بعدلك. أي صليبك الذي نجاني من خطاياي. عدل الله رحيم.
آية (15): "يا رب افتح شفتي فيخبر فمي بتسبيحك."
حينما يفتح الله فمنا سيخرج منه كلام طيب، كلام تسبيح. أما لو كان المتكلم الذات سيخرج كلام كبرياء لا يخلو من معصية (أم19:10). ولنلاحظ أن الإنسان المستعبد لخطية لا يستطيع أن يسبح (مز1:137،4). والشعب سبح تسبحة موسى بعد أن حرره موسى وخرجوا من عبودية فرعون. وهكذا نسبح في السماء (رؤ3:14).
الآيات (17،16): "لأنك لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره."
الله لا يسر بالمحرقات إن لم يشترك فيها القلب (أش11:1،12)، والله لا يسر بمظاهر العبادة الخارجية والقلب مبتعد بعيداً، فالله يقول إعطني قلبك (راجع اش13:29). الله يطلب القلب المنسحق والمتواضع والتائب عن خطيته (اش15:57).
الآيات (19،18): "أحسن برضاك إلى صهيون. ابن أسوار أورشليم. حينئذ تسر بذبائح البر محرقة وتقدمة تامة. حينئذ يصعدون على مذبحك عجولاً."
لقد بدأ داود مزموره بالاعتراف بخطاياه وينهيه بالتمتع بحياة شركة كنسية قوية فبنزع خطايانا نعود للشركة مع الكنيسة مقدماً ذبائح عجول شفاه أي تسابيح (هو2:14) وصهيون وأورشليم رمز للكنيسة أو النفس. وما هي أسوار أورشليم= هي العودة لحماية الله والدخول في حمايته فيكون سوراً لنا (زك5:2).
مزامير باكر
المزمور الأول
هذا المزمور يضع أمامنا طريق الموت وطريق الحياة، البركة واللعنة، ويتركنا أحراراً أن نختار. فهو يتحدث عن سعادة الرجل الصالح وشقاوة الشرير وتعاسته.
آية (1): "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس."
طولى للرجل= قالها بالمفرد فليس صالحاُ سوى المسيح وحده. ونلاحظ التدرج لا يسلك في مشورة الأشرار=أي يفكر في طريقهم ويستحسنه ويعطي ظهره لله وهذه مخاطرة. ولا يقف في طريق الخطاة= هنا حدث استحسان للشر ووجد الإنسان لذة، فبدأ يجاري الأشرار ويخطئ. ونلاحظ قوله طريق الخطاة، ونقارن هذا بأن المسيح هو الطريق والحياة فالمسيح طريق الأبرار وأي طريق سواه فهو طريق الشيطان طريق الموت واللعنة. لا يجلس في مجلس المستهزئين= هنا نجد الاستسلام لطريق الشر، وصار الأشرار رفقاء لهذا الإنسان، والمستهزئين هم من يستهزئون بالأمور المقدسة. هنا استمرار إرادي في الشر.
آية (2): "لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً."
قران مع خبأت كلامك في قلبي لكي لا أخطئ إليك، فكلمة الله تحصن المسيحي من السقوط + (يش8:1). وقوله نهاراً وليلاً= يشير لكل فترات الحياة، الليل والنهار أيام الفرح وأيام الحزن، أيام الانتصار على الخطية وأيام السقوط.
آية (3): "فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه. التي تعطي ثمرها في أوانه. وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح."
كشجرة مغروسة على مجاري المياه[3] = مجاري المياه هي الروح القدس (يو37:7-39) هذه المياه تجري كالعصارة وتصل إلى جميع الأغصان والأوراق. وقوله مجاري يشير إلى أنها مياه حية جارية تحمل معها الحياة. والشجرة المثمرة هي سبب بهجة لكل إنسان وحيوان، ثمارها تشبع ويستفاد من ظلها. ونلاحظ أن المسيح هو شجرة الحياة (رؤ7:2) تعطي ثمرها في أوانه= قارن مع ثمار الروح القدس (غل22:5). والمسيح لعن التينة غير المثمرة. وورقها لا ينتثر= لأن غذاءها يأتيها في حينه. والمتعبين يأتون ليستظلوا بهذه الشجرة. كل ما يصنعه ينجح= قارن مع "أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني. فمن يثبت في المسيح يكون له نجاح في كل أموره مادية وروحية (فالله بارك ليوسف في كل ما عمله).
آية (4): "ليس كذلك الأشرار لكنهم كالعصافة التي تذريها الريح."
العصافة= هذا وصف الأشرار، فهم عكس الأبرار، لا يستمتعون بالمياه الجارية فورق الشجرة يذبل ويصير عصافة تحمله الريح الخفيفة أي التجارب البسيطة التي ينساق وراءها الشرير= التي تذريها الريح. تصير حياتهم بلا معني فهم كعصافة حملتها الريح.
آية (5): "لذلك لا تقوم الأشرار في الدين ولا الخطاة في جماعة الأبرار."
لا تقوم الأشرار في الدين= لا يستطيعون أن يقوموا للدفاع عن أنفسهم، ولا يكون لهم قيام الوجود الدائم في حضرة الله، إذ يقولون للجبال غطينا وللأكام أسقطي علينا من وجه الجالس على العرش (رؤ16:6،17). فالدينونة أكيدة بلا شك (يو29:5).
آية (6): "لأن الرب يعلم طريق الأبرار. أما طريق الأشرار فتهلك."
الرب يعلم طريق الأبرار= العلم والمعرفة هنا هما معرفة الفرح والسرور والموافقة طريق الأشرار فتهلك= أي يمهلهم الله ويرذلهم ويطردهم من حضرته.
هذا المزمور نرنمه في صلاة باكر ونحن نذكر قيامة المسيح من الأموات لنسأل الله أن يعطينا الحياة المطوبة كنعمة إلهية قبل أن نبدأ حياتنا اليومية. هذا المزمور يذكرنا بأن الله خلق آدم أولاً في صورة الكمال ولما سقط أتى المسيح آدم الثاني الكامل ليكملنا.
المزمور الثاني
مزمور عجيب يتنبأ فيه داود بدقة عن عمل المسيح. وكما بدأ المزمور الأول بالتطويب ينتهي هذا المزمور الثاني بالتطويب. فالطبيعة المطوبة التي يترجاها المرتل في المزمور الأول لا يمكن تحقيقها إلا خلال المسيح الملك الذي يتكلم عنه في المزمور الثاني. وكان اليهود يفهمون هذا المزمور على أنه يتكلم عن المسيا وبسبب أن المسيحيين فسروه عن المسيح بدأ اليهود من القرن العاشر تفسير المزمور أنه يتكلم عن داود. ولكن المزمور بصورة عامة يظهر أن الأرض وملوكها في حالة تكتل وهياج ضد الله وشعبه وبالتالي مسيحه ووصاياه ونيره. ورمزياً كان هناك هياج ومؤامرات على داود فلقد قام ضده الفلسطينيون والموآبيون وبني عمون والأدوميون والأراميون فهو رمز للمسيح. والله له وقت يتدخل فيه ويوقف مؤامرات هؤلاء الأشرار ويثبت ملكه وتسود مملكة المسيح أخيراً. وهنا كلمات لا يمكن أن تنطبق على داود مثل هل كانت الأمم ميراثاً لداود ؟ هذا لم يتم سوى للمسيح (أع27:4 + 33:13 + عب5:1).
آية (1): "لماذا ارتجّت الأمم وتفكّر الشعوب في الباطل."
الهياج على داود كمسيح للرب أو الهياج على الكنيسة هو هياج على الله نفسه. وهذا ما يستغرب منه داود هنا. وهذا ما حدث فقد تآمر الجميع على المسيح. الأمم والشعوب هو الدولة الرومانية واليهود الذين فكروا في الباطل= فكل تدبيراتهم ضد المسيح هي باطلة فهل ينجح أي تدبير ضد مشورة الله.
آية (2): "قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معا على الرب وعلى مسيحه قائلين."
قام ملوك.. تآمر الرؤساء= الملوك هم بيلاطس وهيرودس، بل هم طاردوه منذ ولادته. والرؤساء هم رؤساء الكهنة، بل حتى الرعاع أيضاً صرخوا أصلبه أصلبه. وسؤال داود يعني أنه يستغرب ما حدث فهو بلا سبب (يو24:15،25) "فهم أبغضوني بلا سبب" على الرب وعلى مسيحه="أبغضوني أنا وأبي" (يو24:15،25). فالأشرار لم يقبلوا نير المسيح وأغلاله أي وصاياه ومبادئه الكاملة بينما هي هينة (مت29:11،30).
آية (3): "لنقطع قيودهما ولنطرح عنا ربطهما."
لنقطع قيودهما= كما قال اليهود "لا نريد أن هذا يملك علينا (لو14:19). فهم هاجوا على الرب وعلى مسيحه (الآب والابن). مسيحه= سمى مسيحاً لأنه مسيح الرب، الذي حل عليه الروح القدس في شكل حمامة عند عماده، ليس لأجل التطهير بل لأجل الإعلان، هو مُسِحَ لينوب عني في المعركة ضد إبليس واهباً إياي نصرته. (مز7:45) مسحه بزيت الابتهاج.
آية (4): "الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم."
الساكن في السموات يضحك=الهياج على الأرض يقابله سلام فائق في السماء، الله يضحك فهل يطوله هؤلاء "صعب عليك أن ترفس مناخس" فمن يرفس المناخس يصيبه هو الضرر وأما المناخس فلا يصيبها شئ. الرب يستهزئ بهم= بينما يظن العالم في ثورته أنه قد انتصر على الرب وعلى مسيحه، إذ بهم يجدوا أنفسهم أنهم قد حققوا غرض الله، فالله لم يتركهم ينفذون ما أرادوا إلا لأنه يريد ذلك فالله ضابط الكل فهم قاموا على المسيح وصلبوه ولكن لم يكن هذا انتصاراً لهم بل انتصاراً للمسيح. فهو قد أتم رسالة الفداء وظهرت هذه القوة بوضوح بعد القيامة فالصيادين الضعفاء نشروا المسيحية في العالم وتشتت اليهود المتكبرين.
آية (5): "حينئذ يتكلم عليهم بغضبه ويرجفهم بغيظه."
بغضبه= الله منزه عن الانفعالات، وهذه تعنى سقوطهم تحت دينونة وعدل الله وهذا ما حدث لليهود فعلاً فقد تشتتوا في العالم كله. وهذا نصيب كل من يبتعد عن الله.
آية (6): "أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي."
مسحت ملكي على صهيون= المسيح في ميلاده قيل "أين ملك اليهود" وفي دخوله إلى أورشليم قالوا "مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل" وبموته ملك على قلوب كل المؤمنين به "وأنا إن ارتفعت أجذب إلىّ الجميع" وأحبه الجميع لأنه أحبنا أولاً وكل من أحبه ملكه على قلبه وأطاع وصاياه، والشهداء ماتوا على اسمه وعصوا أوامر القياصرة والملوك الوثنيين. هو الآن يملك في مجده ويملك على صهيون كنيسته جبل قدسي= هي جبل ثابت سماوي بعد أن قدسها بدمه.
آية (7): "أني اخبر من جهة قضاء الرب. قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك."
أني اخبر من جهة قضاء الرب= وفي السبعينية (الأجبية) لأكرز بأمر الرب. فالمسيح جاء إلينا ليعلن إرادة الرب فينا ويخبرنا بما عند الرب، يعلم محبة الآب لنا. قال لي أنت ابني. أنا اليوم ولدتك= هذه الآية حيرت اليهود في تفسيرها، فقد أعلنت لنا ميلاد الرب الجسدي. فهناك ميلاد أزلي للرب يسوع من الآب بلاهوته وميلاد زمني أي جسدي. فقوله أنت ابني هذه إشارة لبنوته الأزلية من الآب بلاهوته وقوله أنا اليوم ولدتك يتكلم عن الميلاد الزمني. ولذلك استخدم بولس الرسول هذه الآية (عب4:1،5) ليثبت أن للمسيح اسماً أعظم من الملائكة بكونه ابن الله الوحيد لا بالتبني بل له نفس طبيعة الآب. وبتجسده حصلنا نحن على النبوة.
آية (8): "اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك."
أقاصي الأرض والأمم صارت ملكاً للرب يسوع بصليبه (قارن مع في6:2-11).
آية (9): "تحطمهم بقضيب من حديد. مثل إناء خزاف تكسرهم."
تحطمهم بقضيب من حديد= وفي السبعينية ترعاهم بقضيب من حديد. وكلاً المعنيين يشيران لسلطان الرب عندما يملك. وهو يؤدب ويرعى بالتجارب والآلام ومن يقبل ويخضع تكون له بركة، ومن يتمرد سيتحطم وينكسر مثل إناء خزفي.
آية (10): "فالآن يا أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا يا قضاة الأرض."
أيها الملوك تعقلوا. تأدبوا= على كل متكبر أن يخضع لتأديب الله، وليفهم كل متكبر أن الله لا يشمخ عليه. داود ينهي مزموره بنصيحة للفهم والطاعة.
آية (11): "اعبدوا الرب بخوف واهتفوا برعدة."
بخوف= في عبادتنا لله يجب أن تمتلئ قلوبنا بمخافة إلهية مقدسة، والله حين يريد يعطي الفرح في قلوبنا.
آية (12): "قبلوا الابن لئلا بغضب فتبيدوا من الطريق لأنه عن قليل يتقد غضبه. طوبى لجميع المتكلين عليه."
قبلوا الابن= تقبيل قدمي الملوك عادة شرقية علامة الطاعة والولاء.
ونصلي هذا المزمور في باكر، فنذكر أن المسيح يملك علينا، وحتى إن قام علينا العالم كله فالله يضحك بهم. والمسيح ملك بصليبه وقيامته فنذكر قوة قيامته وانتصاره على الموت، بل نذكر أنه بولادته وفدائه صرنا أبناء نتمتع بقوته.
المزمور الثالث
يرتل كل من يصلي صلاة باكر هذا المزمور ويبدأ بقوله "لماذا كثر الذين يحزنونني" فيذكر مضايقيه من أهل العالم ويذكر الخطايا التي تضايقه وربما يسقط فيها، ولكن سرعان ما تتحول الصلاة إلى إنشودة خلاص تملأ النفس سلاماً خلال التمتع بروح النصرة وروح القيامة في صلوات داود، ونرى الرب منتصراً على كل أعدائنا حتى أقوى الأعداء وهو الموت. يبدأ المزمور بصيغة الفرد ثم ينتهي بالبركة على كل شعب الرب. ونلاحظ في عنوان المزمور أن داود وضع المزمور في ضيقته وهو هارب من أمام إبشالوم أبنه. وهناك ملحوظة هامة جداً:- أنه بينما كانت المشكلة موجودة ومازال داود مطروداً من عرشه وابنه يقود ضده ثورة ويريد قتله فهو وضع محزن مبكي بلاشك حتى لمن يسمعه ولكننا نجد داود يسبح الله على خلاصه والخلاص لم يتم بعد، وهذا ما يحدث مع كل من يصلي متعلماً من المزامير، فيصلي في ضيقته فيجد المسيح يحمل آلامه ويشترك معه في صليبه ويعزيه ومازالت المشكلة بلا حل، لكن حدث تغيير واضح في قلب الذي يصلي فهو بدأ صلاته حاملاً همومه وأنهاها وهو في حالة سلام داخلي. بل شعر أنه في أمان طالما هو تحت الحماية الإلهية.
آية (1): "يا رب ما أكثر مضايقي. كثيرون قائمون عليّ."
كثيرون قائمون عليّ= فداود قام عليه ابنه إبشالوم ومشيره أخيتوفل والجيش بل ومعظم الشعب (كان هذا نتيجة لخطية داود). وبالمثل قام على المسيح الرومان وملوكهم واليهود ورؤساء كهنتهم بل والشعب ويهوذا تلميذه (كانت نهاية يهوذا كنهاية أخيتوفل) فكلاهما كانا صاحب مشورة شريرة. لقد كتب داود هذا المزمور لضيقه مما حدث من إبشالوم وبروح النبوة انطبق المزمور بالأكثر على المسيح وكأن المسيح أيضاً يتساءل لماذا كثر مضايقو الكنيسة جسده.
آية (2): "كثيرون يقولون لنفسي ليس له خلاص بإلهه.سلاه."
كثيرون يقولون.. ليس له خلاص بإلهه= صوت التشكيك هذا كثيراً ما نسمعه في ضيقاتنا فنتصور أن الله تخلى عنا. ومن اجتمع حول الصليب قال "قد إتكل على الله فلينقذه" (مت43:27). إن أخطر ضربة يوجهها إبليس لنا هي ضربة اليأس وهي إنكار إمكانية عمل الله الخلاصي. وخلال اليأس تتسلل كل خطية إلى حياتنا.
سلاه= هي أضيفت بعد ذلك لتسكت الموسيقى فترة ويسكت المرنمين وتستمر الموسيقي ليتأمل المرنمين والسامعين في هذا الكلام الخطر الذي قيل "هل ليس خلاص بالله؟!"
آية (3): "أما أنت يا رب فترس لي. مجدي ورافع رأسي."
أنت يا رب فترس لي= بالاختبار عرف داود أن الله كما أنقذه في حادثة الدب وفي حادثة الأسد ثم مع جليات سينقذه الآن، "كما كان وهكذا يكون من جيل إلى جيل" وفي (عب8:13) يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. ورافع رأسي= هكذا رفع الله راس داود وهزم أعدائه ومع المسيح فلقد نزل المسيح بعد موته إلى الجحيم لينجي عبيده منه. ثم قام من الأموات ظافراً وصار موضوع مجدنا وترتفع رؤوسنا به. وحتى إن حملنا الصليب فترة من الزمن سنشعر أننا في هذا نشبه المسيح ولابد من أن نقوم معه ظافرين. لقد كانت الجماهير والجيش هما قوة إبشالوم، ولكننا نسمع هنا أن الله هو ترس وقوة داود.
مجدي= لقد سقط تاجه وهرب أمام أعداؤه وشتمه شمعي بن جيرا ولكنه كان يرى أن مجده الحقيقي هو الله، وهو القادر أن يرفع رأسه ويرد له كرامته. والله سيعطينا مجداً في السماء.
آية (4): "بصوتي إلى الرب أصرخ فيجيبني من جبل قدسه. سلاه."
ليس معنى الصراخ هو ارتفاع الصوت ولكن معناه الصلاة من القلب بعمق. جبل قدسه= هو ملكوت الله السماوي. من هناك نسمع استجابة الله نسمعها في قوة، فداود محروم الآن من أورشليم الأرضية لكنه على اتصال بأورشليم السماوية. والمسيح صرخ على صليبه لحسابنا فاستجاب له الله، هو صرخ كممثل عن البشرية فاستجاب له الله وخلصنا (عب7:5).
الآيات (5،6): "أنا اضطجعت ونمت. استيقظت لأن الرب يعضدني. لا أخاف من ربوات الشعوب المصطفين علىَّ من حولي."
أنا اضطجعت ونمت. استيقظت= هي نبوة عن موت المسيح وقيامته بعد أن أحاط به الأعداء الذين تكلم عنهم في الآيات (1،2). وقوله أنا تشير لموت المسيح بإرادته (يو17:10،18). وهم داود نقول أنه بعد صلاته زالت عنه حالة الاضطراب من كثرة الأعداء ونام "فالرب يعطي لأحبائه نوماً" وعجيب أن نرى داود نائماً في هدوء وأعدائه محيطين به، ولكن هذا هو سلام الله الذي يفوق كل عقل (في7:4). ويقول داود في (مز132) لا أعطى لعيني نوماً.. حتى أجد موضعاً للرب. فهو حين صلي وأعطى لله موضعاً في قلبه نال سلاماً عجيباً فنام. ومع كل منا يمكن أن يحدث هذا. بل في كل مرة نصاب بفتور روحي ونشابه النائمين روحياً علينا أن نستيقظ (اف14:5 + 1تس6:5،7) فالنوم أي الكسل يؤدي للسقوط. فالسقوط موت والتوبة هي قيامة مع المسيح الذي انتصر على الخطية وعلى الموت. ولو أعطانا الله حالة السلام نقول مع داود لا أخاف من ربوات الشعوب.. ولماذا لا يخاف فالله أعطاه ثقة بوجوده وحمايته له = لأن الرب يعضدني. وبسبب هذه الآيات الواضحة عن المسيح نرتل هذا المزمور في ختام صلوات يوم الجمعة العظيمة ولكننا نتوقف عند قوله "أنا اضطجعت ونمت" ولا نكمل فكلمة استيقظت تشير للقيامة التي حدثت فجر الأحد. فهذا المزمور يعتبر.
1. نبوة عن المسيح.
2. ما حدث حقيقة مع داود.
3. صلاة المؤمن الذي في ضيقة ويحيط به الأعداء (سواء جسديين أو روحيين).
4. صلاة المؤمن وهو في حالة فتور ويشتاق أن يقوم من موت الخطية.
الآيات (7،8): "قم يا رب. خلصني يا إلهي. لأنك ضربت كل أعدائي على الفك. هشمت أسنان الأشرار. للرب الخلاص. على شعبك بركتك. سلاه."
هي طلبة داود ومن يصلي مع داود قم يا رب= أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا، كما أيقظ التلاميذ الرب في السفينة. هذه علامة القوة في الصلاة واللجاجة. وتؤكد عمق إيمان المرتل واختباراته في الرب الذي يعطيه الخلاص ويعطي البركة له ولكل شعبه. ونلاحظ قول داود على شعبك= فهو الملك ولكنه لا يقول شعبي فهو يفهم أن الشعب هو شعب الله بينما هو كملك يرعى شعب الله.
ونلاحظ أن المزمور يبدأ بالصراخ وينتهي بالخلاص والبركة وهزيمة الأعداء، هو صورة رائعة لصلاة الإنسان الساقط في ضيقة أو تجربة"، وكيف يخرجه الرب بهذه القوة هذه هي نتيجة الصلاة التوبة، هي تملأ النفس تعزية ولا تنتهي سوى بالبركة والخلاص. أسنان الخطاة= يشبه المتمردون ضد داود بالحيوانات الضارية التي تريد أن تلتهمه ولكن الرب ينزع أسلحتهم، فذراع الله لا تقصر عن أن تخلص. للرب الخلاص= فلا فضل للإنسان نفسه، إنما الفضل للرب الذي وحده يخلصنا من موت الخطية ويتمجد فينا.
ونرتل هذا المزمور في باكر كل يوم لنذكر قيامة الرب وانتصاره على كل من قام ضده. ونذكر بركة الرب لشعبه ونتسلح في بداية يومنا بهذا الإيمان القوي.
المزمور الرابع
لإمام المغنين على ذوات الأوتار= داود كتب المزمور وأعطاه لقائد فريق الإنشاد (الخورس أو الكورال) ليرتلوا به مستخدمين الآلات الوترية.يرى بعض المفسرين أن داود كتب هذا المزمور أيضاً متأثراً بموقف إبشالوم ابنه ضده ويرون أن داود كتبه بعد أن أحبطت مشورة أخيتوفل وفيها كان داود يدعو شعبه أن لا يسيروا وراء الباطل بل يقدموا توبة. فقد كان هناك من يريد إعادة تنظيم صفوف فريق إبشالوم ضد داود. وداود يقول لهم حتى متى تهينوا الكرامة الملكية التي أعطاها الله لي وتسيروا وراء الكذب، فخصومتكم ضدي هي خصومة ضد الله.
آية (1): "عند دعائي استجب لي يا إله بري. في الضيق رحبت لي. تراءف علىّ واسمع صلاتي."
استجب لي. في الضيق رحبت لي= في الشدة فرجت عني (سبعينية). داود يصرخ إلى الله أن ينصره على مضايقيه ويتذكر كل الشدائد التي سانده فيها الله ولم يتخل عنه (جليات.. ) وعلينا أن نصلي دائماً ونذكر كل أعمال الله السابقة معنا "نشكر صانع الخيرات لأنه سترنا وأعاننا وحفظنا.." يا إله بري= علامة اتضاع داود. فكل البر الذي يظهر في حياة داود أو حياتنا ليس هو استحقاق صلاتنا وجهادنا الشخصي لكن بر الله فبئس الإنسان الذي يكون بره من ذاته. هذا هو السر أننا بعد أن نتقدم روحياً نعثر إذ نظن أننا أبرار. لأن غاية الناموس هو المسيح للبر لكل من يؤمن (رو4:10) فربنا هو برنا. ونلاحظ أن داود لم يقل رفعت عني الشدة بل في الشدة فرجت عني أو رحبت لي، فهو مازال في شدته لكنه شعر براحة (هذه هي طريقة الله، وهذا ما حدث مع الثلاثة فتية فالله لم يرفعهم من الأتون بل جاء إليهم وأعطاهم راحة وسط النيران). وبعد أن حصل داود على هذه الراحة لم يكف عن الصلاة كما يفعل الكثيرون فيدخلوا إلى الفتور بل استمر في صلواته قائلاً=تراءف علىّ واسمع صلاتي (مثال: بعد التناول علينا أن نستمر في جهادنا).
آية (2): "يا بني البشر حتى متي يكون مجدي عاراً. حتى متى تحبون الباطل وتبتغون الكذب. سلاه."
يا بني البشر حتى متى يكون مجدي عاراً= لماذا تثقل قلوبكم (سبعينية) لماذا تحبون الباطل. الإنسان بطبعه ترابي يميل للأرضيات (ثقل القلب). وهذا يحدث لنا بالخطية والهموم العالمية ومحبة الدنيويات والإنشغال بها عوضاً عن الاهتمام بالسماويات التي ترفع القلب إلى فوق. ونفهم الآية عن داود، بأنه يعاتب مقاوميه بأنهم يسيرون وراء الأكاذيب التي أطلقها إبشالوم وأخيتوفل وحولوا مجد داود إلى عار. وهم بوقوفهم ضد داود الممسوح من الله يخطئون إلى الله الذي اختاره وهذا راجع لثقل قلوبهم بسبب خطاياهم. وبسبب خطاياهم صدقوا الأكاذيب (فالشيطان كذاب). ولكن هذه الآية توجه لكل خاطئ أحب العالم والخطية فثقل قلبه وسار وراء الباطل (العالم وأكاذيبه وخداعاته) حقاً قال سليمان عنه باطل الأباطيل. من إلهه المال يسعى وراء باطل. وهؤلاء يحولون مجد الله في حياتهم إلى عار في حياتهم.
آية (3): "فاعلموا أن الرب قد ميز تقيه. الرب يسمع عندما أدعوه."
الرب قد ميز تقيه= قد جعل قدوسه عجباً (سبعينية) إن من يحبه الله يحيطه بعنايته ورعايته بطريقة عجيبة، حدث هذا مع المسيح ومع داود ومع كل من يطلب الله بأمانه هي دعوة لكل متألم أن يحول أفكاره عن أحزانه الداخلية إلى الرب السماوي غير المنظور. ونحن نتمجد في السيد المسيح إن قبلنا الحياة المقدسة بعمل روحه القدوس فينا.
آية (4): "ارتعدوا ولا تخطئوا تكلموا في قلوبكم على مضاجعكم واستكنوا. سلاه."
اغضبوا ولا تخطئوا= استشهد بولس الرسول بهذه الترجمة في (اف26:4) وهي تعني أنه إن كان هناك مبرر للغضب فلا يوجد مبرر للخطأ. وعلى الإنسان أن يتخلص من حالة الغضب هذه بأسرع ما يمكن، ويا حبذا لو كان الغضب على أنفسنا بسبب خطايانا فنقدم توبة، هذا أفضل من أن نغضب على أحد. الذي تقولونه في قلوبكم إندموا عليه في مضاجعكم= بحسب السبعينية ومعناه الذي أخطاتم فيه وفكرتم فيه بسبب أي إثارة مفاجئة، قدموا عنه توبة وأنتم على فراشكم. داود هنا يحول الفراش إلى مذبح للصلاة فيبتعد عن الفكر أي أفكار شريرة وتشتيت للفكر، لأن الفكر مشغول بحساب النفس وإدانة النفس. وفي الترجمة العربية طبعة بيروت نجدها ارتعدوا ولا تخطئوا= فهي دعوة أن نخاف من الله فلا نخطئ، وهي دعوة داود لشعبه أن يرتعد من التمرد عليه الذي هو تمرد على الله وبهذا يخطئ.
آية (5): "اذبحوا ذبائح البر وتوكلوا على الرب."
إذبحوا ذبيحة البر= بعد تبكيت النفس، والتوبة، إذا اتخذت النفس قرار بالامتناع عن الخطية المحببة فكأنها قدمت ذبيحة بر "قدموا أنفسكم ذبائح حية". هذه النفس تقدم نفسها ذبيحة على مذبح الإيمان، فهي تتوقف عن ممارسة خطية محببة.
آية (6): "كثيرون يقولون من يرينا خيراً. ارفع علينا نور وجهك يا رب."
كثيرون يقولون من يرينا خيراً= هناك مسيحيون شكليون، إذا طلبت منهم أن يمتنعوا عن الخطية المحببة إليهم يقولون.. من يرينا الخيرات. أي ماذا يضمن لنا أننا لو توقفنا عن الخطية المحببة لنا الآن أن الله سيجازينا خيراً في الأبدية. فهم محبون لخطاياهم متذمرون على الرب، ناكرون أعماله الحسنة، بدون إيمان، ناقدين للرب والإجابة التي يجيب بها داود، إن عربون عطايا الله في الأبدية لعبيده الأتقياء يظهر هنا على وجوه عبيده "قد أضاء علينا نور وجهك يا رب" فالله وهو نور يضئ علينا ونحن في ظلمة هذا العالم ويملأهم سلاماً يظهر أمام الآخرين كدليل على عمله الداخلي فيهم. وحسب الترجمة ليرى هؤلاء المتشككين أي سلام نحن فيه، وبنورك هذا نضئ لهم ولكل متشكك.
الآيات (7،8): "جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم إذ كثرت حنطتهم وخمرهم. بسلامة أضطجع بل أيضاً أنام لأنك أنت يا رب منفرداً في طمأنينة تسكنني."
هي شهادة داود عن عمل الله معه، فهو يشبعه ويقوده إلى ينابيع ماء حية وهكذا كل مسيحي ملأه الله بروحه القدوس، ويشبع من ذبيحة القداس، ويتغذى على كلمة الله في كتابه المقدس وصار الرب يسوع موضوع شبعه، يشبع أكثر ممن يشبعون من خيرات هذا العالم، الحنطة والخمر.. الخ. بل هو يحيا في سلام وينام في سلام.
ونصلي هذا المزمور في صلاة باكر لنطلب نور الله وسلامه بالرغم من المضايقين.
المزمور الخامس
هذا المزمور رتله داود وهو ممتلئ مرارة من أخيتوفل ومن شابهه، الذين كانوا أصدقاء ومخلصين له ثم شعر بخيانتهم له. وهذا ما حدث للمسيح إذ خانه تلميذه يهوذا وقام عليه من شفاهم وكان يجول وسطهم يصنع خيراً، طالبين صلبه، وكانوا يستهزئون به. وهناك من يرون أن الشخص الخائن هنا القائم ضد المسيح هو رمز لضد المسيح الذي سيأتي في نهاية الأيام.
ونجد في هذا المزمور تضاد بين الخيرات التي ينالها ابن الله الذي يحتمي بهيكل قدس الله وبين الأخطار التي تحيق بالأشرار. والمزمور يبدأ أيضاً بصورة المفرد وينتهي بصورة الجمع، ففي عبادتنا لا يمكن الفصل بين العبادة الفردية والعبادة الجماعية.
آية (1): "لكلماتي أصغ يا رب. تأمل صراخي."
لكلماتي إصغ يا رب= هي صرخة داود في ألمه، وصرخة كل إنسان لله الذي يثق في أن الله يسمع ويخلص، هي صرخة الكنيسة عموماً التي تثق في عريسها أنه يستجيب. إسمع صراخي= هو صراخ القلب. فالله قال لموسى مالك تصرخ إلىّ هكذا" وهم لم يصرخ على الإطلاق (خر15:14). ولذلك جاءت كلمة صراخي بمعنى فكري (الكتاب بشواهد).
آية (2): "استمع لصوت دعائي يا ملكي وإلهي لأني إليك أصلي."
في آية (1) قال يا رب وهنا يقول يا ملكي وإلهي. وهذا التكرار المثلث يشير للثالوث. فنحن نصلي للآب وصلاتنا مشفوعة بشفاعة المسيح الكفارية وبأنات الروح القدس (الروح لا يئن بل بعمله فينا نحن نئن شاكرين ومسبحين). ولذلك يقول داود يا رب (وذلك لأن اليهود يعرفونه). داود هنا يمثل الكنيسة التي تعرف الابن والروح القدس فتقول ملكي وإلهي. ولم تقل يا ربي فهي الوحيدة التي تعرفت على الابن وعلى الروح. والتكرار يشير أيضاً إلى لجاجة داود في صلاته.
آية (3): "يا رب بالغداة تسمع صوتي. بالغداة أوجه صلاتي نحوك وانتظر."
بالغداة تسمع صوتي= أي في الصباح فأول عمل يعمله هو الصلاة (لذلك نصلي هذا المزمور في صلاة باكر). والغد يشير لعهد النعمة المشرق المملوء فرحاً بخلاص الرب يسوع وأحضانه المفتوحة لنا. أما البارحة فتشير للعهد القديم. والغد يشير للحياة الأبدية حياة التسبيح الدائم. ونصلي دائماً كل صباح متوقعين مراحم الرب الجديدة كل صباح. والصباح يشير للقيامة سبب كل بركة لنا. ويشير للتبكير في الصلاة لتكريس اليوم كله لله وهذا يعطي سلام لنا وبركة لليوم كله.
آية (4-6): "لأنك أنت لست إلهاً يسر بالشر. لا يساكنك الشرير. لا يقف المفتخرون قدام عينيك. أبغضت كل فاعلي الإثم. تهلك المتكلمين بالكذب. رجل الدماء والغش يكرهه الرب."
لنحرص قبل أن نقف أمام الله أن نكون في حالة استعداد وندم على خطايانا، وفي حالة توبة من كل إثم وشر ومخالفة للناموس وكذب وسفك دم وغش. هكذا قال المسيح "إذا قدمت قربانك.... (مت23:5،24). ورجل الدماء والغش هنا قد يشير للشعب اليهودي الذي صلب المسيح. وقد يشير لضد المسيح وأتباعه الأشرار. هنا نرى ليل وسواد الخطية ولذلك أتى المسيح نور العالم بعدما إسودَّ العالم. وكأن داود في هذا الوصف يصور نفسه يقف كل صباح ينتظر أن يشرق نور المسيح.
آية (7): "أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك. أسجد في هيكل قدسك بخوفك."
هذه الآية نقولها دائماً عند دخولنا للكنيسة. وداود هنا يقول أنه يدخل بيت الله عكس الأشرار الذين ذكرهم سابقاً فهم لا يدخلونه وأن دخلوه فهم لا يكونون في شركة مع الله فلا شركة للنور مع الظلمة. فبكثرة رحمتك أدخل بيتك= ليس من حقي الدخول إلى بيتك إلا برحمتك. وإذا قدسنا الهيكل هكذا ينبغي أيضاً أن نحافظ على أجسادنا فهي هيكل الله. وربما داود بهذه الكلمات وهو منفي بعيداً عن أورشليم يعبر عن ثقته في أن الله سيعيده لأورشليم ويدخل الهيكل ثانية.
آية (8): "يا رب اهدني إلى برك بسبب أعدائي. سهل قدامي طريقك."
هي صلاة لداود ليقوده الرب، وإن قاده الرب سيكون في مأمن من أعدائه. ونحن نفهم أن أعدائنا هم الأعداء الروحيين الذين يحمينا الله منهم،ويسهل لنا طريقنا في العالم. حقاً فالعالم خاضع للظلم، ولكن الله يعتني بأولاده ويظهر لهم رحمته ويدافع عنهم ويحفظهم وهو الطريق، وطريق المسيح هو الصليب، وفي رحلة حياتنا سيكون لنا آلام لنقبلها كصليب والمسيح يعطينا أن يشترك معنا معطياً لنا راحة وسلام.
الآيات (9،10): "لأنه ليس في أفواههم صدق. جوفهم هوة. حلقهم قبر مفتوح. ألسنتهم صقلوها. دنهم يا الله ليسقطوا من مؤامراتهم بكثرة ذنوبهم طوح بهم لأنهم تمردوا عليك."
الله يدين الخطاة لأجل أولاده، ويسقطهم في مؤامراتهم (هامان ومردخاي) ثم يستأصلهم. ولاحظ مواصفاتهم حلقهم قبر مفتوح= لسانهم مميت كالسيف، وضد المسيح هذا سيضل كثيرين بأكاذيبه. ولأنه قبر مفتوح فهو لا يشبع من القتلي، يضم كل يوم قتلى إنكار الإيمان. ألسنتهم صقلوها= أما لنشر عدم الإيمان، أو الأكاذيب أو النميمة والإشاعات الكاذبة أو التجديف والشتائم والكلام البطال والمعثر. وقابل هذا بقول داود عن نفسه أن لسانه قلم كاتب ماهر أي يكتب ويرتل ما يعلمه إياه الروح القدس. لهذا حسب كلام الأشرار سيف فهو قاتل وحسب كلام داود قلم فهو معلم. وحلقهم قبر فكلامهم ميت بلا روح وبلا حياة. ليسقطوا من مؤامراتهم= هذه نبوة وليست لعنة.
الآيات (11،12): "ويفرح جميع المتكلين عليك. إلى الأبد يهتفون وتظللهم ويبتهج بك محبو إسمك. لأنك أنت تبارك الصديق يا رب كأنه بترس تحيطه بالرضا."
هي صورة عكسية للآيات (9،10) فهنا نجد نصيب أولاد الله وفرحهم وبركتهم ونتيجة جهادهم وسهوهم يأخذون بركتهم ونصيبهم السماوي ميراثهم. لذلك ففي الترجمة السبعينية نجد اسم المزمور للتمام من أجل الوراثة. كأنه بترس تحيطه بالرضا= رضا الله على المؤمن البار هو ترس له، فكأن ترسنا هو مسرة الله ورضاه علينا.
نصلي هذا المزمور في صلاة باكر لنذكر مقاومي الرب ونمتلئ رجاء في أن الله يسندنا وسط ضيقات وخيانات الأشرار في وسط هذا العالم.
المزمور السادس
هذا المزمور من أروع مزامير التوبة ويجب على المؤمن أن يردده باستمرار. وداود كان نبياً باكياً مثل أرمياء. وعلى كل متألم أن يفعل مثله. والمزامير الثلاثة السابقة كانت تتحدث عن ألام الأبرار بسبب مضايقين خارجيين، وفي هذا المزمور وباقي مزامير التوبة نجد أن داود البار يعاني بسبب خطيته هو (مزامير التوبة 6، 32، 38، 51، 102، 130، 143). وغالباً قالها داود بسبب خطاياه وأشهرها خطيته مع امرأة أوريا.
ولهجة المزمور تناسب الإنسان التائب فهي تعبر عن شدة الحزن على إرتكاب الخطية، وفيها بكاء وفيها كراهية للخطية وفيها أيضاً رجاء في مراحم الله. ونرى هنا داود يرى أثار الخطية وكيف أنها أثرت على نفسه (حزن شديد) وعلى جسده (عظامي قد رجفت).
الآيات (1-3): "يا رب لا توبخني بغضبك ولا تؤدبني بغيظلك. ارحمني يا رب لأني ضعيف اشفني يا رب لأن عظامي قد رجفت. ونفسي قد ارتاعت جداً. وأنت يا رب فحتى متى."
اعتراف بالخطايا بالرغم من كل إنذارات الله وسماع صوته، وإذا وقفنا أمام الله فلا نطلب إلا الرحمة، فنحن دنسنا أجسادنا وأسأنا لربنا الذي قدم لنا دمه وأسأنا لروحه القدوس الساكن فينا، ليس لنا وجه أن نطلب سوى الرحمة.
إشفني= من أمراضي الجسدية= عظامي قد رجفت وأمراضي النفسية= نفسي قد ارتاعت والمسيح هو الطبيب الماهر الذي يقدم الشفاء للأمراض المستعصية. وداود لم يطلب أن لا يبكته الله أو يوبخه "فالروح القدس هذا هو عمله أن يبكت" (يو8:16) ولكن داود يطلب أن لا يكون هذا التبكيت مصاحبه سخط وغضب الله= لا توبخني يا رب بغضبك بل بكتني كأب يبكت إبنه، لا أريد أن أشعر أنني إنسان منبوذ، وغضب الله يفنى أما حبه الأبوي فيصلح ويجبر ويخلص. وهنا نجد اعتراف داود بأنه ضعيف= وهكذا ينبغي أن نقف أمام الله شاعرين بأننا لا نقدر أن نخلص أنفسنا طالبين مراحم الله. وأنت يا رب فحتى متي= هنا شعر المرتل بعجزه، وأن خطيته تستحق الغضب الإلهي وأن كيانه كله (جسده ونفسه) أخذ في الأنهيار، فصرخ لا تتركني إلى النهاية، إلى متى تتركني أعاني، إلى متى يا رب تنسانا نتيجة لأعمالنا الشريرة.
الآيات (4،5): "عد يا رب نج نفسي. خلصني من أجل رحمتك. لأنه ليس في الموت ذكرك. في الهاوية من يحمدك."
لا تتركني ولا تهملني ولا تنساني بسبب خطاياي بل قم يا رب أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا، لأجل مراحمك نجني، لأن العمر الحاضر فقط هو زمان التوبة= ليس في الموت ذكرك. وقوله عُد يا رب= الله موجود في كل زمان وفي كل مكان. ولكن قوله عد إشارة لحضور النعمة حيث يسكن وسط شعبه، في داخل قلوبهم، معلناً إتحادهم به. وإذ يشعرون بوجوده تكون لهم راحة، فأمَّر الضيقات على الإنسان هي التي فيها يشعر بغياب الله. لذلك يقول إرجعوا إلىّ أرجع إليكم (زك3:1). فقوله عد تفهم بأن إجعلني أعود يا رب إليك لتعود بحضورك إلىَّ. خلصني من أجل مراحمك= أنا لا أستحق الخلاص ولكن خلصني من أجل رحمتك.
الآيات (6،7): "تعبت في تنهدي. أعوم في كل ليلة سريري بدموعي أذوب فراشي. ساخت من الغم عيني. شاخت من كل مضايقي."
هي آيات تظهر أن المزمور مزمور توبة. هنا يحقق ما قاله في (مز4:4). ساخت من الغم عيني= تعكرت من الغضب عيناي (سبعينية). وغضبه هنا موجه إلى أعدائه الروحيين الذين أسقطوه في الخطية وهم محبة العالم وإغراءاته وشهوات الجسد والشيطان وحيله (فحربنا ليست مع لحم ودم بل مع قوات شر روحية). ولاحظ أنه يبكي في الليل، حيث لا يراه إنسان فعلاقتنا مع الله علاقة خاصة في المخدع وهو في الليل يبكي يشير للخطية فالليل يشير لظلمة الخطية (في المساء يحل البكاء وفي الصباح السرور). أعوم كل ليلة سريري= التوبة هي معمودية ثانية. كل هذا الإنسحاق وهو الملك العظيم، لكن مركزه لم يمنعه من الإنسحاق أمام الله. ومن لا يخاف ويبكي إذا تذكر دينونة الله الرهيبة.
الآيات (8-10): "ابعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم. لأن الرب قد سمع صوت بكائي. سمع الرب تضرعي. الرب يقبل صلاتي. جميع أعدائي يخزون ويرتاعون جداً. يعودون ويخزون بغتة."
علامة التوبة الحقيقية هي ترك كل أصدقاء السوء وكل علامات الخطية فمتى ترك مكان الجباية، وزكا ترك أمواله وداود هنا يقول إبعدوا عني يا جميع فاعلي الإثم وتأمل إضطراب داود في أول المزمور وثقته في استجابة الله وقبوله لتوبته. ولنعلم أن من ضمن فاعلي الإثم هم الشياطين الذين يشككون في قبول التوبة. ولذلك يرد داود عليهم بثقة الرب سمع صوت تضرعي. وسلاح داود في محاربة هؤلاء الأعداء هو الصلاة، وهو أحس وشعر بأن الله استجاب لدموعه، إذ ملأه قوة جديدة فتغيرت نغمة صلاته واستعاد هدوءه بل صار يتكلم بفرح، فالذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج (مز5:126). ونصلي المزمور في باكر لنذكر هذه القوة والفرح وقبول التوبة.
المزمور الثامن
هو مزمور تسبيح لله على كل أعماله التي تنطق بمجده. ويلخص داود أعمال الله في:-
1. مجد الله ظاهر في السموات فهي عمل يديه.. القمر والنجوم وكل ما فوقنا.
2. التسبيح الذي يخرج من فم الأطفال. فالطفل بصعوبة يتعلم ولكنه بسهولة يسبح الله ويحبه.
3. الله الديان بعدل يظهر في دينونته قداسته وفي دينونته يسكت العدو والمنتقم.
4. خلقة الله للإنسان، وكون الإنسان ينقص قليلاً عن الملائكة، وأن الله يعطي سلطاناً للإنسان.
5. قد ينشأ في داخل الإنسان شعور بتفاهته وأنه لا يساوي شئ (هذا شعور هام من الناحية الروحية لاكتساب فضيلة التواضع).. ولكننا نرى الجانب الآخر ليكون مفهوم التواضع صحيحاً أن الله يحب الإنسان وأعطاه سلطاناً ومن أجله تجسد وافتدى الإنسان. إذاً فالإنسان مهم جداً عند الله. وأن الله أعد مجداً للإنسان.
وهذا المزمور إتخذ رمزاً ونبوة صريحة عن المسيح في العهد الجديد ولنراجع:-
1. (مت16:21) فتسبيح الأطفال فعلاً في دخول المسيح إلى أورشليم. وكلما عدنا لمرحلة الطفولة وبساطتها يسهل أن نسبح الله "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل هؤلاء الأطفال.. " (مت3:18).
2. (عب6:2-8) ونقارنه مع الآيات (4-6) من المزمور. فبولس الرسول رأى في هذا نبوة عن المسيح الذي أنقص عن الملائكة بكونه صار إنساناً ومات. ولكنه تكلل بالمجد والكرامة في قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب.
3. (1كو27:15) ونقارنها مع آية (6) تسلطه على أعمال يديك جعلت كل شئ تحت قدميه ونرى هنا خضوع الخليقة كلها للمسيح. فالله خلق آدم وأعطاه سلطاناً على جميع المخلوقات وفقده بالخطية، وخسر كل المجد الذي كان فيه. ولكن المسيح جاء ليعيد للإنسان المجد الذي خسره "بمجد وبهاء تكلله"، فأي مجد صار لنا بالخلاص الذي قدمه المسيح. لقد صار لنا مجد أولاد الله لأننا سنصير مثله تماماً. (1يو1:3،2 + في21:3)
فهذا المزمور الذي يتحدث عن مجد الله عن خلقته للطبيعة وللإنسان يتحدث أيضاً عن عمل المسيح ليعيد المجد للإنسان بعد أن فقده بخطيته. فنرى في هذا المزمور محبة الله للإنسان وعنايته به، والمجد الذي أعد لنا وشركة الحياة الأبدية مع الرب يسوع.
على الجتية= ربما هي آلة موسيقية، أو لحن موسيقي مشهور في جت (مدينة فلسطينية وكان لداود علاقة وثيقة بها، وكان حرسه الخاص من جت. وفي العبرية كلمة جت تعني معصرة لذلك ترجمتها السبعينية على المعاصر. ولنقارن مع عنوان المزمور التاسع "على موت الابن" لنرى الارتباط، فالابن يسوع حين مات داس المعصرة وحده بصليبه (أش3:63)
آية (1): "أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض حيث جعلت جلالك فوق السموات."
ما أمجد اسمك= فاسمه يدعي عجيباً (اش6:9)، باسم يسوع الناصري قم وإمش (أع6:3 + أع12:4). (تدريب= الالتزام بصلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" جعلت جلالك فوق السموات= فالملائكة في السموات عملها تسبيح الله. والنفس التي تسبح الله تكون في السموات وتشترك مع الملائكة في تسابيحها.
آية (2): "من أفواه الأطفال والرضع أسست حمداً بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم."
من أفواه الأطفال والرضع أسست حمداً= الأطفال هم المولودين جديداً في المعمودية وبالتوبة، هم من عادوا من خطيتهم بتوبتهم ليشبهوا الأطفال في بساطتهم وطهارتهم والرضع هم من يرضعون تعاليم الكتاب المقدس (1كو1:3،2). بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم= إختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء، وإختار ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء.. (1كو27:1،29). فهؤلاء الأطفال الروحيين يهزمون جبابرة العالم (2كو4:10،5).
آية (3): "إذا أرى سمواتك عمل أصابعك القمر والنجوم التي كونتها."
القمر يشير للكنيسة والنجوم يشيرون للقديسين. ما جعلهم نوراً هكذا هو عمل الروح القدس = أصابعك.
آية (4): "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده."
من هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده= الإنسان عزيز جداً في عيني الله وهنا المرتل يتعجب لهذه المحبة التي بسببها افتقدنا الله بفدائه.
آية (5): "وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله."
هي عن المسيح الذي بتجسده صار أنقص قليلاً عن الملائكة لأنه أخذ جسدنا ومات ثم تمجد في قيامته. والإنسان بوضع عام أقل قليلاً من الملائكة بسبب جسده الذي إتخذه المسيح فشابه الإنسان تماماً، وذلك ليعيد للإنسان مجده= بمجد وبهاء تكلله هذه تقال عن المسيح بعد صعوده، وتقال للإنسان الذي آمن وثبت في المسيح فصار وارثاً.
الآيات (6-8): "تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شئ تحت قدميه. الغنم والبقر جميعاً وبهائم البر أيضاً وطيور السماء وسمك البحر السالك في سبل المياه."
هذا السلطان كان للإنسان قبل سقوطه (تك28:1). ونرى صورة للسلطان الذي عاد للإنسان على الخليقة بعد الفداء في قصة مثل الأنبا برسوم العريان والثعبان.
الآية (9): "أيها الرب سيدنا ما أمجد اسمك في كل الأرض."
لا يختم المرتل تأملاته في المزمور بسلطان الإنسان بل بمجد الله وهو نفس ما قاله في آية (1) فالمجد في البداية والنهاية هو لله، ومجد الإنسان عطية منه.
نصلي هذا المزمور في باكر، فبعد ما صلينا (مز6) مزمور التوبة نرى هنا أمجاد التوبة. ونرى المسيح الذي توج بالمجد والكرامة بعد أن قام وصعد للسموات.
المزمور الثاني عشر (الحادي عشر في الأجبية)
يقول البعض أن داود كتب هذا المزمور في أثناء فترة حكم شاول وانتشار الأكاذيب ضده في القصر الملكي، فالكل يُداهِنْ الملك شاول وينشر إشاعات مغرضة ضد داود لإرضاء شاول، وداود يصرخ لله واثقاً في كلام الله ووعوده. ونحن هنا أمام ثلاث أنواع من الكلام.
1. كلام الأشرار: كذب ورياء وكبرياء ينطقون بفم أبيهم إبليس الكذاب وأبو الكذاب.
2. كلام الأبرار: تنهدات المساكين بسبب ما يعانوه من ضيق ومتاعب، والله يسمع لهم.
3. كلام الله: كلام نقي، محل ثقة، مصدر الخلاص. كفضة مصفاة بلا شوائب.
وإن قيل هذا المزمور في أيام شاول أو غيره، فهذه حقيقة واقعة أن كلام الأشرار المتكبرين وأكاذيبهم تنتشر لفترة، وربما يتعالون وينتصرون لفترة ما بسماح من الله وخلال هذه الفترة يكون الأبرار المساكين يتنهدون ويصرخون لله واضعين وعوده بأنه يخلص نصب عيونهم، وتكون فترة انتظار الرب هي فترة طول أناة على الأشرار لعل طول أناته تقتادهم للتوبة، وتكون فترة الانتظار هذه للأبرار فرصة تنقية فهي فترة صراخ لله وصلاة والتصاق بالله، وفي هذا يتنقون كما تتنقى الفضة من الشوائب في البوطة (فرن الصهر). ثم يتدخل الله وينصف الأبرار ويقطع شفاه الأشرار.
آية (1): "خلص يا رب لأنه قد انقرض التقي لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر."
البار قد فني= داود رأي أن الكذب قد انتشر، والخيانة انتشرت، لم يرى واحد بار، فشاول يخونه ومعه رجاله وكذلك أهل زيف وقعيلة، ورأى مذبحة الكهنة بسببه فصرخ خلص يا رب، فلم يبق ولا بار. فمن كثرة الاضطهاد فنى الأبرار. ولأن الشر ساد العالم كله احتاج العالم لمخلص، وكأن صرخة داود خلص يا رب هي بروح النبوة صرخة نداء لله ليتجسد المسيح إذ زاغ الجميع وفسدوا. داود هنا شابه إيليا حين تصوَّر أن الأبرار انتهوا من الأرض ولم يبق سواه (1مل10:19).
الآيات (2-4): "يتكلمون بالكذب كل واحد على صاحبه بشفاه ملقة بقلب فقلب يتكلمون. يقطع الرب جميع الشفاه الملقة واللسان المتكلم بالعظائم. الذين قالوا بألسنتنا نتجبر. شفاهنا معنا. من هو سيد علينا."
رأى داود قلة الأمانة والكذب ينتشران بين الناس. (ونرى في يع3 كيف أن اللسان عطية الله لو استخدم في الباطل يكون كدفة سفينة تقودها للهلاك) ومن علامات الرياء إزدواج القلب= بقلب فقلب يتكلمون= هم غير أمناء ولا يقولون الحق والله سيقطع هذه الشفاه، كما قطع لسان فرعون الذي قال في تجبر "إني لست أعرف الرب" وقطع شعب اليهود ورؤسائهم الذين تجبروا على المسيح، وقطع لسان كل من تجبر على الكنيسة الذين قالوا من هو سيد علينا.
آية (5): "من اغتصاب المساكين من صرخة البائسين الآن أقوم يقول الرب. أجعل في وسع الذي يُنْفَث فيه."
هنا نسمع صراخ الأبرار في ظلمهم وألمهم. تدخل الله في الوقت الذي يراه صالحاً (ملء الزمان) ليصنع لهم الخلاص علانية.
آية (6): "كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاة في بوطة في الأرض ممحوصة سبع مرات."
هنا نسمع عن كلمة الله التي هي كفضة مصفاة نقية، والكتاب المقدس كلمة الله منزه عن كل خطأ وشبه خطأ أو تضاد أو كلمة بشرية ساقطة، فالكتاب كله موحى به من الله. والأبرار يثقون في وعود الله التي لا تسقط أبداً، فليس في وعوده غش. هنا نرى التناقض بين عش ورياء البشر وصدق كلمة الله النقية ووعوده التي لا تسقط. بل كلام الله ينقي النفس "أنتم أنقياء من أجل الكلام الذي كلمتكم به" فالرب حين يعطينا من مواهب الروح القدس تنقي حياتنا 7 أضعاف ورقم (7) رقم كامل. وهناك من رأى أن رقم 7 يشير لقول أشعياء روح الرب. وروح الحكمة والفهم.. (أش2:11)
الآيات (7،8): "أنت يا رب تحفظهم تحرسهم من هذا الجيل إلى الدهر. الأشرار يتمشون من كل ناحية عند ارتفاع الأرذال بين الناس."
نرى هنا خلاص الرب لعبيده وأنه سينجيهم في هذا الجيل وكل جيل وإلى نهاية الدهر رغم أن الأشرار ينجحون= إن الأشرار يتمشون من كل ناحية ويرتفعون.
نصلي هذا المزمور في باكر فنبدأ يومنا بالثقة في حماية الله رغماً عن كل المؤامرات حولنا. ونرى فيه أنه بالرغم من مؤامرات اليهود على المسيح وصلبه إلا أنه سيقوم ويصنع الخلاص علانية فنذكر القيامة في بدء يومنا= الآن أقوم يقول الرب.
المزمور الثالث عشر (الثاني عشر في الأجبية)
يرى البعض أن هذا المزمور قاله داود وهو هارب من وجه إبشالوم، وهذا سبب إحساسه بغضب الله وأن الله نساه، هذا الحزن الواضح في بداية المزمور تعبير عن الحزن الداخلي إذ تذكر خطيته وها هو يعاني من نتائجها. ولكننا نرى في هذا المزمور الطريق الصحيح الذي يجب أن يتبعه كل من يشعر بخطيته فيقدم عنها توبة ويصرخ إلى الله ولا يكف عن الصراخ إلى أن يشعر بالاستجابة، وهنا نرى داود يصرخ 4 مرات إلى متى طالباً العون ثم وكأنه يعاتب الله، هل تقبل يا رب أن يفرح أعدائي بحالتي هذه. ولا يتوقف في صلاته عند هذا الحد، بل نجد إيمانه يتشدد ويقول أما أنا فعلي رحمتك توكلت بل يتقدم أكثر ويسبح بفرح. "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز5:126) وهذا الأسلوب نجده دائماً في مزامير داود، فهو يبدأ بالصراخ والدموع وينتهي مسبحاً الله بفرح ونرى في هذا المزمور صورتين.
1. تعبير عن حالة نفس في فتورها الروحي وشعورها بألام نسيان الله.
2. ربما يعبر هذا المزمور عن قول المسيح على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني" ولكنه ينتهي بتسبيح الله على خلاصه أي قيامة المسيح وانتصاره لذلك نصلي هذا المزمور في باكر.
الآيات (1-2): "إلى متى يا رب تنساني كل النسيان. إلى متى تحجب وجهك عني.إلى متى أجعل هموماً في نفسي وحزناً في قلبي كل يوم إلى متى يرتفع عدوي عليّ"
هي صراخ الخاطئ في حالة فتوره محاولاً الرجوع لله، ولكنه يحس أن الأمر ليس سهلاً وربما ظن أن الله سيتركه إلى الإنقضاء، وربما أخذ يردد هذه المشاعر الحزينة في قلبه كل يوم، وحزنه راجع إلى انتصار عدوه (الشيطان والجسد) عليه = عدوي قد ارتفع عليّ. (نش6:5) نرى هنا أن الحبيب تحوَّل وعبر، هذه هي الفترة التي تشعر فيها النفس بنسيان الله لها. ولماذا يتركها الله فترة في هذا الشعور؟ حتى حينما تجده لا تعود للتراخي بل تمسك به ولا ترخِهِ (نش4:3). ونلاحظ هنا أن داود لم يشتكي من مؤامرة ابنه وخيانة الناس، بل ما يزعجه هنا هو نسيان الله له، فإن تمتعنا بحب الله وعدم رضا العالم فنحن لم نَخْسَرْ شيئاً. أما لو كسبنا العالم كله وخسرنا الله فقد خسرنا كل شئ. وليس من شئ يجعلنا نشعر بأن الله يحجب وجهه عنا سوى الخطية ويعزينا قول أشعياء لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك (أش7:54).
آية (3): "أنظر واستجب لي يا رب إلهي. أنر عيني لئلا أنام نوم الموت."
صراخ داود حتى لا يموت في خطيته، يموت دون أن يشعر أن الله قد غفر. أو أن يستمر الإنسان في حالة موت الخطية، فالخاطئ يصرخ إلى الله هل تتركني هكذا كميت بسبب خطيتي. ويصلي أنر عيني= فننال فهماً جديداً لمحبة الله ونعاين أمجاده السماوية فلا نعود نفرح بتفاهة العالم وخطاياه. بهذه الاستنارة لا يبقي للظلام موضعاً في الإنسان.
آية (4): "لئلا يقول عدوي قد قويت عليه. لئلا يهتف مضايقي بأني تزعزعت."
العدو هو إبليس (أو الخطية) وهو يفرح بسقوط الإنسان قطعاً.
آية (5): "أما أنا فعلي رحمتك توكلت. يبتهج قلبي بخلاصك."
هنا نرى الإيمان المتزايد، فهو يلقي بثقته على الله أن ينجيه، وما يبني عليه ثقته هو مراحم الله، ليس لبر في نفسي يا رب ولكن من أجل مراحمك لنا دالة أن نطلب ونثق فيك أنك تستجيب بسبب مراحمك. ولاحظ أنه ظل يصلي ربما عدة أيام حتى شعر بهذا.
آية (6): "أغني للرب لأنه أحسن إلىَّ."
حصل داود هنا على حالة السلام الداخلي نتيجة صلواته وإيمانه فبدأ التسبيح ولم يتوقف.
المزمور الخامس عشر (الرابع عشر في الأجبية)
هذا المزمور يرسم لنا ويظهر لنا طريق السماء. ولكي نحيا في فرح يجب أن نكون في قداسة وأمانة (مت17:19). فهنا نرى شروط السكنى مع الله (يو23:14). فالقداسة وحفظ الوصايا شرط أن نعاين الله (عب14:12). وبيت الرب يليق به القداسة. وهنا نرى خصائص الإنسان التقي الذي يسكن في مسكن الرب. وعلى كل من يدخل بيت الرب ليصلي أن يسأل نفسه ويفحص ضميره بالمقارنة مع هذا المزمور. وربما كان داود وهو يكتب هذا المزمور متأثراً بموت عزة عندما لمس التابوت وهم ينقلونه ثم بركة الله لبيت عوبيد أدوم. وكان هذا المزمور من مزامير الاحتفال عند باب الهيكل لتذكير كل من يدخل بضرورة نقاوته. هذه مثل صراخ الكاهن الآن "القدسات للقديسين" قبل التناول إذ يشعر الشعب كله بالحاجة إلى عمل الله القدوس لتقديسهم يجيبون "واحد هو الآب القدوس.. "
آية (1): "يا رب من ينزل في مسكنك. من يسكن في جبل قدسك."
مسكنك= جاءت في أصلها خيمتك، فالهيكل لم يكن قد تم بناؤه أيام داود. وجبل صهيون= يشير للكنيسة ويشير للسماء حيث نسكن أبدياً مع الله. ومن لا يوجد مستحقاً أن يسكن في الكنيسة الآن على الأرض (الخيمة)، لن يكون مستحقاً أن يكون في السماء للأبد فالخيمة تشير لحياة غربتنا على الأرض. ومن يعيش في العالم بحسب المواصفات الآتية. في الآيات 2-5 يكون له مسكن الله (الكنيسة) مكان راحة وحماية من تجارب العالم. ثم يكون له نصيب في الحياة الأبدية. ومسكننا المؤقت هو جسدنا هيكل الله ومن يحيا في قداسة هنا فحينما تنتهي حياة غربته هنا على الأرض يكون له مسكن أبدي في السماء (2كو1:5)
الآيات (2-5): "السالك بالكمال والعامل الحق والمتكلم بالصدق في قلبه. الذي لا يشي بلسانه ولا يصنع شراً بصاحبه ولا يحمل تعييراً على قريبه. والرذيل محتقر في عينيه ويكرم خائفي الرب. يحلف للضرر ولا يغير. فضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البرئ. الذي يصنع هذا لا يتزعزع إلى الدهر."
نصلي هذا المزمور في باكر لنقارن تصرفاتنا مع هذه المثاليات. ولكن من يستطيع أن يحيا في هذه المثاليات دون عمل الرب يسوع فيه، فكأن من يصلي هذا المزمور في صلاة باكر يقول لله "هبني يا رب أن أحيا هكذا كما يرضيك فيكون لي نصيباً معك"
السلوك بلا عيب= أعماله أمام الناس كاملة. المتكلم بالحق في قلبه= هنا يدخل للعمق ويطلب ان يكون القلب مملوء حقاً، تسكن فيه كلمة الله. يغش بلسانه= لا كذب ولا رياء ولا وشاية لا يحمل تعييراً على قريبه= لا يقبل عاراً على جيرانه (سبعينية). الرذيل محتقر في عينيه= فاعل الشر مرذول أمامه أي لا يشتهي الشر الذي يصنعه الشرير بل يرفض ويكرهه يحلف للضرر ولا يغير= الذي يحلف لقريبه ولا يغدر به (سبعينية). هو ذو قلب مملوء بالمحبة لكل إنسان كالسامري الصالح. مثل هذا لا يتزعزع إلى الدهر= يصمد كالجبل هنا على الأرض وله حياة في السماء.
يحلف للضرر ولا يغير who swears to his own heart and not change
المزمور السادس عشر (الخامس عشر في الأجبية)
هذا المزمور هو نبوة رائعة عن السيد المسيح الذي داس الموت بموته وقام دون أن يرى جسده فساداً. ففي المزمور (2) رأينا ولادة المسيح الأزلية وولادته بالجسد وفي مزمور (8) رأينا المسيح بتأنسه يعيد المجد للإنسان، وهنا نرى كيف أعاد المسيح المجد للإنسان. وقد يحتوي المزمور شيئاً عن داود ولكنه مكتوب بروح النبوة عن المسيح فداود مات وفسد جسده، أما المسيح فهو وحده الذي قام ولم يرى جسده فساداً. وهكذا شرح معلمنا بطرس المزمور في (أع24:2-27). وهكذا شرح بولس الرسول المزمور (أع36:13،37) ولذلك أكمل داود تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، فنحن بقيامة المسيح صار لنا فرح أبدي. وكأن داود حين يقول "احفظني يا رب فإني عليك توكلت يتحدث بلسان الكنيسة التي تطلب أن يحفظها الله من هذا الموت الذي أصابها. فكان أن المسيح تجسد وأخلى ذاته وشاركنا في طبعنا ليرفعنا معه لمجده. ومازالت الكنيسة جسد المسيح تصلي احفظني يا رب فإني عليك توكلت حتى تحصل على الحياة الأبدية. هذا المزمور هو مزمور القيامة لذلك تصليه الكنيسة في صلاة باكر. مزمور يعطينا رجاء في ميراثنا الأبدي، لذلك نجده معنوناً بالقول مذهبة فهو كلام من ذهب، هو جوهرة من جواهر الكتاب المقدس.
آية (1): "احفظني يا الله لأني عليك توكلت."
الكنيسة تلقي إتكالها الكامل على الرب لذلك يحفظها. ويرى أباء الكنيسة أن المسيح هو المتكلم هنا بلسان الكنيسة جسده، يسأل الآب قيامة جسده لتقوم الكنيسة كلها معه وفيه. (عب7:5) + (أش8:49). وهذه الآية يجب أن يصلي بها كل واحد لله.
آية (2): "قلت للرب أنت سيدي خيري لا شئ غيرك."
خيري لا شئ غيرك= لا تحتاج إلى صلاحي (سبعينية). الصلاح هو عطية الله، والله لا يحتاج لصلاحنا، بل باتحادنا بالمسيح يهبنا الله الصلاح. وإذ تلتقي النفس بالله مصدر حمايتها وصلاحها تجد فيه كل الكفاية فتقول له أنت ربي وتسلم الحياة كلها له. ليكون هو الرب وهو القائد. ولو كان المسيح هو المتكلم في هذه الآية فهو حين يقول "ربي" يعلن عن كامل إنسانيته واتحاده ببشريتنا، وكممثل عن الكنيسة جسده يقول للآب خيري لا شئ غيرك فالكنيسة مصدر خيراتها الوحيد هو الله صانع الخيرات.
آية (3): "القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم."
من هم قديسيه إلا أعضاء جسده الذين تقدسوا بالاتحاد به، هؤلاء هم الكنيسة وهؤلاء قد صنع الله فيهم كل مشيئاته الصالحة وكل أعاجيبه، لذلك نصلي سبحوا الله في جميع قديسيه فالله ممجد في قديسيه، وصنع فيهم كل مشيئته لأنهم سلموا له المشيئة بالكامل "لتكن مشيئتك". ولاحظ أنهم صاروا قديسين بالرغم من أنهم مازالوا على الأرض. فالله يفعل المستحيلات وحّول شعبه إلى قديسين في وسط عالم شرير. وهذه هي مسرة الله أن يحول شعبه إلى قديسين= كل مسرتي بهم= صنع فيهم كل مشيئاته ونلاحظ أن القيامة لم يشاهدها سوى المؤمنين (لا يتعدوا 500شخص الذين رأوا المسيح بعد قيامته). وحياة القداسة التي ننعم فيها بالمسيح المقام الذي يخلصنا هي لمن يؤمن ويأخذها كهبة إلهية.
آية (4): "تكثر أوجاعهم الذين أسرعوا وراء آخر. لا أسكب سكائبهم من دم. ولا أذكر أسماءهم بشفتي."
من ساروا وراء آلهة أخرى (شهوة/ مال/ كرامة زمنية..) تكثر أمراضهم وأوجاعهم فالمسيح وحده هو الشافي لأرواحنا وأجسادنا ونفوسنا. لا أسكب سكائبهم من دم= فقد كان من عادة الوثنيين أن يشربوا كأساً من الدم كتقدمة وكنوع من العبادة ولا أذكر أسماءهم= أي أسماء الآلهة الوثنية (خر13:23). فالقديسين الذين عرفوا الرب يقطعون كل علاقة لهم بالخطية والخطاة.
آية (5،6): "الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي. حبال وقعت لي في النعماء. فالميراث حسن عندي."
هذا هو صوت الكنيسة، الله هو نصيبنا وميراثنا وكأسنا الذي نشربه من الألم والمجد، والمسيح أعاد لنا ميراثنا. وكان تقسيم الأرض في الميراث يقاس بالحبال وبالقرعة (يش6:13). وداود يشعر أن الله قابض قرعته= هي ليست في يد إنسان أو بالحظ أو بالصدفة، الله هو الذي يحددها له، وطالما أن الله يحددها له فقرعته وحبال التقسيم وقعت في النعماء. وكان اللاويين لا نصيب لهم في الأرض وكان الله نصيبهم ليشرح الله أن من يكون الله نصيبه فقد فاز بالنعماء. وقد فهم داود هذا ولم يفرح بملكه ولكنه فرح بأن الرب نصيبه (مز26:73). هذه هي فرحة التمتع بالشركة مع الله. ومن يرفض أن يقبل كأس لذات العالم من يد الشيطان يصير الرب كأسه وقسمته ويكون ميراثه ثابت (1بط4:1).
آية (7): "أبارك الرب الذي نصحني. وأيضاً بالليل تنذرني كليتاي."
أبارك الرب الذي نصحني (افهمني في السبعينية). وأيضاً في الليل تنذرني كليتاي= هذا هو عمل الروح القدس فهو يعلمكم كل شئ ويبكت على خطية.. ليضمن لنا ميراثنا إن لم نقاومه وفي النهار (طريق التوبة) يعلم ويكشف عن أسرار الله. وفي الليل (وقت الخطية) يبكت وينذر. والكلية ترمز للأعماق، لداخل النفس، مجال عمل الروح القدس. والروح القدس يريد أن يعلن لنا أسرار الميراث، وهذا ما جعل المسيح يفرح (لو21:10). ونلاحظ أن الكليتان تنقيان الدم، وهكذا عمل التوبة ينقي الحياة والنفس لتؤهل للميراث الأبدي.
آية (8): "جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع."
الإيمان الحي، هو من يجد الرب أمامه في كل حين، يشعر أنه في حضرته فلا يخطئ (يوسف) وقوله عن يميني إشارة لمن له هذا الإيمان الحي يكون الله قوته. فاليمين لا تعني مكاناً ما وإنما هي تشير للقوة. ونلاحظ أنه حينما نقول المسيح جلس عن يمين الآب أنه يحمل قوة الآب. ولأن الآب والابن واحد، والآب في الابن والابن في الآب، نجد الآية هنا وهي بلسان المسيح تقول جعلت الرب.. عن يميني، فالآب هنا عن يمين الابن.
آية (9): "لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكن مطمئناً."
الذي وجد الله عن يمينه أي مصدر قوته يتهلل ويفرح، فالله حي وبالتالي لن يترك عبيده يموتون للأبد، لذلك يقول جسدي أيضاً يسكن مطمئناً= يسكن على الرجاء (سبعينية) أي رجاء القيامة. وبلسان المسيح فتكون هذه الآية تشير لفرح المسيح بأن عمله الكفاري وفداءه أعطيا حياة وقيامة لجسده أي كنيسته. وقيامته أعطتنا الرجاء.
آية (10): "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فساداً."
هي نبوة واضحة عن قيامة المسيح، إذ لم يكن الموت قادراً أن يمسكه للأبد.
آية (11): "تعرفني سبل الحيوة. أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد."
سبيل الحياة= طرق الحياة. هي الحياة المعاشة في شركة مع الله وهذه تستمر هنا على الأرض وفيما بعد الموت. والطريق هو المسيح فمن يثبت فيه يقوم معه ويصعد معه.
المزمور التاسع عشر (الثامن عشر في الأجبية)
بدأ داود هذا المزمور بالتأمل في عظمة الله التي ظهرت في خليقته، الشمس والنجوم والفلك وخليقة الله تظهر عظمة الله كخالق، فيها نرى يد الله (رو20:1). ثم رأي داود الشمس تنير العالم كله وحرارتها تصل لكل شئ، فامتد بصره إلى ناموس الرب فوجد الخصائص متشابهة، فناموس الرب عجيب وهو كامل وينير لنا الطريق ويشهد لله وقادر أن ينشر المعرفة والدفء في قلوب البشر من أقصى السموات إلى أقصائها، وبعد أن وصل داود إلى هذا الحد نظر إلى نفسه ليقارن ما قاله مع حياته. فوجد أن ناموس الرب بالنسبة له كنور شديد يكشف في ثنايا قلبه عن الخطايا المستترة التي ربما لا يراها الإنسان العادي الذي لم يتمتع بإشراق نور الشمس داخل نفسه، فصلى ليبرأ منها. إلا أن هذا المزمور أيضاً يفهم بطريقة نبوية عن المسيح شمس البر ورسله الذين نشروا الإيمان في كل العالم، = في كل الأرض خرج منطقهم (وهكذا فهمها بولس الرسول (رو18:10)).
الآيات (1-6): "السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. يوم إلى يوم يذيع كلاماً وليل إلى ليل يبدي علماً. لا قول ولا كلام. لا يسمع صوتهم. في كل الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة كلماتهم. جعل للشمس مسكناً فيها. وهي مثل العروس الخارج من حجلته. يبتهج مثل الجبار للسباق في الطريق. من أقصى السموات خروجها ومدارها إلى أقاصيها ولا شئ يختفي من حرها."
خليقة الله هي إعلان عن قدرة الله ومجده، وداود يسبح الله هنا على قدرته والخليقة كتاب نقرأ فيه عن قدرة الخالق ولاهوته، كما أن الناموس كتاب يعرفنا إرادة الله. هناك كلمة للبابا أثناسيوس الرسولي "أن الفنان نعرفه من خلال لوحاته حتى وأن لم نراه" لا قول ولا كلام لا تسمع صوتهم= فالنجوم لا تتكلم لتشهد أو تكرز باسم الله، ولكن التطلع إليها يصدر صوتاً أعلى من صوت البوق (فم الذهب). وقديسي الله لهم نفس الخاصية فالتطلع فيهم يكفي لأن نرى يد الله التي عملت فيهم، أجاب أحد تلاميذ الأنبا أنطونيوس عليه حين سأله لماذا لا تسألني فأجيبك وقال له "يكفيني أن أتطلع إلى وجهك يا أبي". والطبيعة فيها شهادة لكل إنسان لذلك هذه الآيات استخدمت اسم الله= السموات تحدث بمجد الله، فهو الخالق القدير. أما الناموس حيث يعلن الله ذاته لشعبه الخاص ومن خلال الخبرات اليومية (الآيات 7-14) هذه الآيات تستخدم اسم الرب يهوه (الخاص بشعب الله فقط). وجمال السموات وخلقتها تدفعنا للتأمل أن جمال خالقها هو أروع بما لا يقاس. يوم إلى يوم يبدي (يذيع) كلاماً وليل إلى ليل يظهر (يبدي) علماً= توالي الليل والنهار أيضاً يكشفان التناسق والنظام الدقيق الذي يتبعانه، بل لا يعبر يوم إلا ونرى إعلان جديد عن عظمة الله في خلقته. جعل للشمس مسكناً فيها= أي في السموات. والشمس في العبرية والآرامية مذكر لذلك تشبه بالعريس (والمسيح دعي شمس البر ملا2:4). وتبدو أنها تشير مثل ملك جبار للسباق في الطريق الذي يسرع في طريقه (سبعينية) أي هي تشق السماء في حركتها من الشروق للغروب بسرعة لتؤدي عملها الذي حدده لها الرب فتنير للبشر وتوزع حرارتها عليها وتعطي حياة. الخارج من خدره= (حجلته). جعل في الشمس مظلته (سبعينية) التصوير هنا أن الشمس كملك يضرب خيمته (السماء هي خيمة الشمس لفترة ظهورها) وسرعان ما يخلع هذه الخيمة ويرسل إلى موضع آخر بعد أن بعث الدفء وحددت النهار والليل والصيف والشتاء.. الخ. أي عملت عملها بدقة شديدة. وكل هذا يتم بلا قول ولا كلام.
ومن الناحية النبوية= فالشمس هي المسيح العريس الذي أتى وحل في جسد (خيمة) أشرق فيها وأشرق على العالم لفترة وجوده بالجسد على الأرض، ليتخذ له عروساً بعمله الفدائي ويعطي حياة ودفء ونور للعالم، المسيح الذي جعل من جسده مظلته (مقدسه) وخيم بيننا (حل بيننا) (يو14:1). وصارت الكنيسة هي السموات الحقيقية يسكنها المخلص السماوي، فهي تشترك في التسابيح مع السمائيين ولها حياة سمائية. وكل من سكن المسيح فيه صار سماءً تحدث بمجد الله ويوم إلى يوم.. وليل إلى ليل أي دائماً يظهر الله ينابيع محبته تجاه كنيسته ويعطيها علماً ومعرفة فينطقون شهادة لله سواء بكلماتهم أو بحياتهم التي قدسها الله وحولهم أنواراً للعالم.
واليوم يشير للنهار حيث العمل والخدمة، والليل يشير للمساء حيث التأمل والله يظهر لنا ذاته خلالهما، نراه يعمل معنا ونراه يظهر نفسه لنا في تأملاتنا. ليس أقوال ولا كلام= فالكنيسة تشهد لله بحياتها أكثر من كلماتها. والرسل بلغ منطقهم وكرازتهم إلى كل العالم وآمن العالم بالمسيح. وظهر نور المسيح للعالم كله وتمتع العالم بحب الله من أقصى الأرض لأقصاها. ولأن المسيح خطبنا عروساً له قيل في المزمور عن الشمس كعريس خارج من خدره. ومسيحنا هو الشمس التي ترسل حرارتها فتذيب الثلوج التي صنعتها خطايانا ويرسل نوره يبدد الظلمة. ولاحظ قوله يبتهج= فالمسيح ابتهج بعروسه، وباتحادنا بعريسنا نحمل روح البهجة ولاحظ قوله أيضاً أن هذا العريس جبار= فهو قوي وكنيسته كجيش مرهب بألوية (نش4:6).
الآيات (7-11): "ناموس الرب كامل يرد النفس. شهادات الرب صادقة تصير الجاهل حكيماً. وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب. أمر الرب طاهر ينير العينين. خوف الرب نقي ثابت إلى الأبد. أحكام الرب حق عادلة كلها. أشهى من الذهب والإبريز الكثير وأحلى من العسل وقطر الشهاد. أيضاً عبدك يحذر بها وفي حفظها ثواب عظيم."
طالما رأى داود بعيني النبوة كرازة الرسل في العالم، وقوله المؤمنين لناموس الرب يتأمل هنا في ناموس الرب وكماله وهو يرد النفس= فناموس الرب يكشف للنفس خطاياها وتهب للمؤمنين حكمة. ومن ينفذ الوصايا يلتقي بالسيد المسيح نفسه كلمة الله الذي يغير طبيعته. وكلمة الرب صادقة= شهادات الرب صادقة = لأنها تشهد عن مرارة الخطية وعن صدق وعود الله بالخلاص. وأوامر الرب تنفيذها لا يسبب كبت وضيق بل هي تفرح القلب وجاء في الترجمة السبعينية أن وصية الرب مضيئة تنير العينين عن بعد= أي تهبهما أبعاداً جديدة في النظر، ترفع النظر إلى السماء فنعاين الأشياء غير المنظورة. ناموس الرب كامل لا يضاف إليه شئ ولا ينقص منه شئ. وهو يعلم الجاهل الحكمة= تعلم الأطفال (السبعينية) ويكشف لنا طريق العثرات فنحذر منها "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي". خشية الرب= أو مخافته، وخوف الرب هنا ليس خوف العبيد بل روح التقوى، الخوف على جرح مشاعر من أحبنا والذي يترفق بأولاده. وحتى لا يفهم أحد أن وصايا الله تأتي بالخوف وتضيع البهجة قال داود أنها أشهى من الذهب وأنه يحذر بها وحينما اختبر هذا نال ثواب عظيم= فصارت له الوصية شهوة قلبه وأنها أثمن من الذهب وأحلى من العسل. لأنه اختبر لذة تنفيذ الوصية. وقال عن كلمة الرب أنها زكية= فهي تهب لمن يتبعها رائحة المسيح الزكية.
الآيات (12-14): "السهوات من يشعر بها. من الخطايا المستترة أبرئني. أيضاً من المتكبرين أحفظ عبدك فلا يتسلطوا على. حينئذ أكون كاملاً وأتبرأ من ذنب عظيم. لتكن أقوال فمي وفكر قلبي مرضية أمامك يا رب صخرتي ووليي."
المرتل هنا وصل للآتي، أن المسيح هو شمس البر، وكلمة الله منيرة تضئ العينين عن بعد، فهو يرى ما لا يراه غيره، وحينما أشرقت الشمس أي نور ناموس الرب داخله رأي خطايا لم يكن رآها من قبل، إزدادت حدة بصره الداخلية فصار يرى حتى خطايا السهو، لقد اكتشفت ظلمات نفسه، وحينما رأي هذا قال ابرئني. وقال ومن المتكبرين أي الشياطين احفظ عبدك. فهو ليس له سوى الله فقال له صخرتي ووليي. فلنسرع إلى الله بالتوبة قبل أن يأتي للدينونة فهو كشمس تكشف خطايانا ولا يختفي من حرارتها أحد ولا من ضوئها أحد، وإن لم نستفد من الأيام الآن التي فيها نحيا، ستأتي أيام يكون فيها المسيح هو الشمس الذي ستشرق في اليوم الأخير ولا يختفي من دينونته أحد.
نصلي هذا المزمور في صلاة باكر لنذكر المسيح شمس برنا ونرجوه أن يشرق فينا فنكون له رسلاً ننشر منطقه في كل مكان نذهب إليه. ونكون كواكب منيرة كما كان الرسل.
المزمور الخامس والعشرون (الرابع والعشرون في الأجبية)
هذا المزمور هو صلاة جميلة، نموذج نتعلم منه الصلاة، فيه عناصر الصلاة المطلوبة.
آية (1): إليك يا رب أرفع نفسي."
إليك يا رب أرفع نفسي= الصلاة ليست مجرد وقوف أمام الله، ولكنها رفع للنفس أي عدم الانشغال بالأرضيات وشهوات العالم، فمثل هذه الشهوات تربط النفس بالأرض وتمنعها عن الإرتفاع إلى فوق (كو1:3-10). وبعد أن يرتفع القلب عن الأرضيات، يجب أن ينشغل الذهن بالتفكير في السماويات، بالمسيح الذي فدانا (لذلك نضع دائماً صورة المسيح المصلوب في كل كنيسة) (1كو1:2،2 + غل1:3). وحين نرفع أيدينا في الصلاة فلنفكر في أننا يجب أن نرفع عيوننا وأفكارنا وقلوبنا للسماء وبذلك لا نسمع ما قيل في (أش13:29) وهذا ما نسمعه في القداس "إرفعوا قلوبكم" ونجيب "هي عند الرب" ولأن رفع القلب هو هبة إلهية نسمع الكاهن يقول "فلنشكر الرب".
الآيات (2،3): "يا إلهي عليك توكلت. فلا تدعني أخزى. لا تشمت بي أعدائي. أيضاً كل منتظريك لا يخزوا. ليخز الغادرون بلا سبب."
نجد هنا داود يشتكي من الأعداء، ربما إبشالوم أو شاول أو أي عدو آخر.. وربما أعداء روحيين، ونحن لنا أعداء كثيرين مثل الشيطان، الموت، الذات وشهواتها للعالم. والنفس التي ارتفعت عن الأرض إلى محبة الله تدرك قوته فتتكل عليه لينجيها من أعدائها وهي لن تخزى أبداً أمام أعدائها الأشداء. ولنلاحظ قوله الغادرون بلا سبب= فلا سبب لعداوة الشيطان ضدنا، ولكن الله معنا. ما أحلى أن نصلي لله بثقة فيه وإتكال عليه.
الآيات (4،5): "طرقك يا رب عرفني. سبلك علمني. دربني في حقك وعلمني لأنك أنت إله خلاصي. إياك انتظرت اليوم كله."
هنا يطلب داود الإرشاد الإلهي، هو يقف كتلميذ أمام معلمه ليتعلم، يتعلم كيف يصلي وكيف يتضع، وكيف يحمل الصليب وكيف يخدم، علمني يا رب كيف أسلك في طريقك هنا نتعلم من داود أن الصلاة ليست كلاماً فقط بل نسمع صوت الروح القدس يعلمنا. وداود لا يتعجل أي شئ، بل هو ينتظر الرب النهار كله= فالله يعطي التعليم في الوقت المناسب. ونلاحظ أن أهم مصادر التعليم هو التأمل في الكتاب المقدس بروح الصلاة. دربني في حقك= فالله المعلم يدربنا ويروض أجسادنا لنخضع له ويصير لنا طريقه ونتقدس. وكون داود ينتظر الرب النهار كله فهذا يعني أنه يظل عمره كله يتعلم ويقبل التدريب ولا يظن أنه صار كاملاً لا يحتاج لتعليم (في12:3-18).
آية (6): "أذكر مراحمك يا رب وإحساناتك لأنها منذ الأزل هي."
أذكر يا رب مراحمك= الله يُسَّر بأن يطالبه الابن بحقه في المراحم والرأفات"، بكونه منبع الحب الأزلي، هذه الطلبة تؤكد إيمان من يصلي بها وثقته في وعود الله بمراحمه لأولاده.
آية (7): "لا تذكر خطايا صباي ولا معاصي. كرحمتك أذكرني أنت من أجل جودك يا رب."
من شروط الصلاة المستجابة، الاعتراف بالخطية (أش5:6)، وهكذا قال بطرس للسيد المسيح أخرج يا رب من سفينتي لأنني رجل خاطئ (لو8:5). وداود هنا يذكر خطايا صباه ولا يتناساها ولذلك علينا أن نقف أمام الله ونذكر خطايانا شاكرين الله الذي غفرها، لكن لا نقف كمبررين ونظن في أنفسنا أننا أبرار. وهو يعتمد فقط على رحمة الله= كرحمتك اذكرني.
آية (8): "الرب صالح ومستقيم لذلك يعلم الخطاة الطريق."
هذه أيضاً من شروط الصلاة الصحيحة، أن ننسب كل الصلاح لله، ورعايته لأولاده.
آية (9): "يدرب الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه."
نرى هنا من الذي يقبل التعليم والتدريب الإلهي هم الودعاء المتضعين غير المتكبرين.
آية (10): "كل سبل الرب رحمة وحق لحافظي عهده وشهاداته."
طرق الرب كلها رحمة وحق ويكتشف هذا من يبتغي حقاً أن يعرف.
آية (11): "من أجل اسمك يا رب اغفر إثمي لأنه عظيم."
اعتراف آخر بالخطية. وهو يطلب الغفران ليس لأنه يستحق ولكن لأجل كرامة ومجد اسم الرب الذي دعي عليه، "لكي يرى الناس أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذي في السموات".
الآيات (12،13): "من هو الإنسان الخائف الرب يعلمه طريقاً يختاره. نفسه في الخير تبيت ونسله يرث الأرض."
الإنسان الخائف الرب، يرشده الرب للطريق التي ارتضاها له وتثبت نفسه في خيرات الرب الروحية في هذه الحياة وفي الحياة الأخرى. نسله يرث الأرض= بمفهوم العهد القديم تستمر الأرض التي أعطاها لهم الله لهم ولنسلهم ولا يأخذها منهم الأعداء. وروحياً الآن ميراث الأرض هو ميراث نصيبنا السماوي والنسل هم كل من عرف المسيح عن طريق شهادتنا وخدمتنا وحياتنا، فكل المؤمنين هم نسل الرسل والتلاميذ.
آية (14): "سر الرب لخائفيه. وعهده لتعليمهم."
خائف الرب يتمتع بمجد الرب، الروح القدس يكشف له أسرار السماء (1كو9:2-13).
آية (15): "عيناي دائماً إلى الرب لأنه هو يخرج رجلي من الشبكة."
الذين يثبتون عيونهم على الرب دائماً ينجوا من الشباك المنصوبة لهم. فلنثبت عيوننا على الله ولا ننشغل بالأرضيات فننجذب لخداعاتها وملذاتها فتكون لنا شركاً.
الآيات (16،17): "التفت إليَّ وارحمني لأني وحد ومسكين أنا. أفرج ضيقات قلبي من شدائدي أخرجني."
هنا شرط آخر للصلاة المقبولة وهو الانسحاق "القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله". فداود يقول ها أنا ابن وحد وفقير= أي منفرد ومعزول أي ليس لي من ألجأ إليه سواك لتخرجني من ضيقتي، فأنا ضعيف جداً (يقول هذا وهو ملك له جيوش). وكل من لم يشعر بأن الله يملأ حياته يشعر بعزلة مهما كان عدد الناس المحيطين به.
ملحوظة: من يأس لأنه سقط في خطية ليس له فكر مسيحي. فنحن نعلم أننا قابلين للخطية بسبب ضعف طبيعتنا والخطية الساكنة فينا. ولكن فلنسرع كما فعل داود ونعترف بخطيتنا واثقين في قوة دم السيد المسيح الذي يبررنا. وأما اليأس فيترجم أنه كبرياء.
آية (22): "يا الله افد إسرائيل من كل ضيقاته."
هنا نصل لشرط آخر للصلاة المقبولة وهو الصلاة من أجل الآخرين وكل الكنيسة.
ونصلي هذا المزمور في باكر فنذكر المضايقين الذين اجتمعوا حول المسيح والخلاص الذي صنعه المسيح. الابن الوحيد الفقير، الذي افتقر ليغنينا.
المزمور السابع والعشرون (السادس والعشرون في الأجبية)
ما أحلى أن نبدأ يومنا في صلاة باكر بهذا المزمور، فنشعر بثقة واطمئنان في حماية الله لنا وفيه أيضاً نرى شهود الزور محيطين بالمسيح (آية12) والرجاء في القيامة (آية13) وقيل عن مناسبة كتابة داود بهذا المزمور عدة أسباب، فقيل أنه كتبه في أثناء فترة اضطهاد شاول له، وقيل أنه كتب في آخر معركة دخلها داود وهو شيخ وكاد أن يقتل لولا أن أنقذه أبيشاي (2صم16:21،17) (هذا الرأى يقوله اليهود). ولكن كلمات هذا المزمور الرائع هي تسبحة حب وثقة وإيمان في الله ربما قالها داود وهو في قمة مجده شاعراً بحماية الله له الدائمة (1-6). أما في باقي المزمور فنراه لا يكف عن الصلاة والتضرع فأن نكتشف معونة الله فهذا ليس مبرراً لنا أن نكف عن الصلاة والتضرع.
وعنوان المزمور أنه لداود قبل مسحِه. وداود مُسِحَ ثلاث مرات (في بيته على يد صموئيل ثم عندما ملك على يهوذا ثم عندما ملك على كل إسرائيل). (قبل مسحِه وردت في السبعينية).
آية (1): "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف. الرب حصن حياتي ممن أرتعب."
الله نور (لو79:1 + يو5:1،5:9 + 1يو9:2). ويقول المزمور سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي. فالخاطئ أعمى يتردد ويتخبط في الظلمة وهكذا المهموم بهموم العالم. أما من كان الرب نوراً له يدرك قوة الله وأن الله قادر أن يخلصه من أحزان العالم وهمومه وخطيته. والقديسين هزموا إبليس بعلامة الصليب. وعلمنا الآباء ترديد صلاة يسوع اليوم كله "فاسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق وتمنع". ولا يستطيع أن يردد هذه الآية من كان لا يزال ملقياً إتكاله على إنسان أو مادة أو ذاته. فيجد في الله حمايته من الأعداء الروحيين وخلاصاً وعاضداً له في تجارب العالم التي تعصف بحياته. والكتاب المقدس يقدم لنا الرب بألقاب كثيرة (نور/ خلاص/ حصن) ليجد كل واحد حاجته فيه.
الآيات (2،3): "عندما اقترب إلىّ الأشرار ليأكلوا لحمي مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا. إن نزل علىّ جيش لا يخاف قلبي. إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن."
الأشرار لو أكلوا لحمي فلن يقدروا أن يهلكوا روحي، فلا نخاف ممن يقتلون الجسد ولكن ليس لهم سلطان على الروح. ونحن في حروبنا الروحية تواجهنا قوات شر روحية (اف12:6) ولكن إن كان المسيح في سفينتنا فلا خوف من أن تغرق. (دانيال في جب الأسود) (ال3 فتية في النار).
الآيات (4،5): "واحدة سألت من الرب وإياها ألتمس أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب وأتفرس في هيكله. لأنه يختبئ في مظلته في يوم الشر يسترني بستر خيمته على صخرة يرفعني."
داود لم ينشغل في ضيقته بالجيوش المحيطة به، بل ارتفع فكره ونظره إلى بيت الرب، إلى صلوات الكنيسة والشركة في التناول، وشركة الأمجاد الأبدية علينا أن ننظر ومهما أحاطنا العدو بتجارب فعلينا أن نرفع أفكارنا إلى بيت الله مشتاقين للسكنى معه كل أيام حياتنا، فهو مصدر حمايتنا، هو يرفعنا على صخرة، هو يعطينا غلبة على أعدائنا. وهناك نفرح بتسبيح الله ونقدم ذبائح الحمد. هنا نرى العبادة الجماعية بجانب العلاقة الفردية. وهنا يطلق المرتل على الكنيسة أسماء متعددة فهي بيت الله إ شارة لسكنى الله وسط شعبه وسكنى المؤمن مع الله. وهي هيكله المقدس إشارة للقداسة التي تكون للهيكل حين يحل الله فيه وهي خيمته إشارة أن الله يشترك معنا في غربتنا في هذا العالم وهم مظلته حيث يستر علينا من حر التجارب وهي صخرة ترفعنا فوق الضيقات. طلبة داود هنا ويجب أن تكون طلبة كل منا أن نكون دائماً في هيكل الله، دائماً مع الرب. وجسدنا هو هيكل الله والروح القدس ساكن فينا وطلبة المؤمن أن لا يفارقه الله بل يسكن فيه دائماً. أتفرس في هيكله= هذا يعني الصلاة والتأمل في كل ما أعطاه الله لنا وشكره. وخيمة الرب هي جسد المسيح الذي اختبأنا فيه، كما اختبأ موسى في نقرة الصخرة (خر33) وبذلك استطاع أن يرى مجد الله فيلمع وجهه. فنحن أن كنا ثابتين في المسيح نستطيع أن نتفرس ونتطلع إلى الأمجاد السماوية. والذي يعيش شاعراً بستر الله يكون ثابتاً على صخرة والصخرة هي المسيح (1كو4:10) وبهذا يرفع رأسه على أعدائه الشياطين.
آية (6): "والآن يرتفع رأسي على أعدائي حولي فأذبح في خيمته ذبائح الهتاف. أغني وأرنم للرب."
من اكتشف المسيح صخرة له وتأمل في أمجاده ومحبته يرتفع رأسه على أعدائه ويقدم ذبائح التسبيح والشكر إذ تيقن من النصرة الأكيدة تحت قيادة الرب.
الآيات (7-12): "استمع يا رب. بصوتي أدعو فارحمني واستجب لي. لك قال قلبي قلت اطلبوا وجهي. وجهك يا رب أطلب. لا تحجب وجهك عني لا تخيب بسخط عبدك. قد كنت عوني فلا ترفضني ولا تتركني يا إله خلاصي. إن أبي وأمي قد تركاني والرب يضمني. علمني يا رب طريقك وأهدني في سبيل مستقيم بسبب أعدائي. لا تسلمني إلى مرام مضايقي لأنه قد قام علي شهود زور ونافث ظلم."
لك قال قلبي قلت أطلبوا وجهي= لك قال قلبي طلبت وجهك (سبعينية). هنا داود لا يكف عن الصلاة ومن قلبه، ليس من شفتيه فقط، وهو لا يطلب ولا يلتمس سوى الله. لو فقدت كل شئ في الدنيا فلن أخسر شيئاً، ولكني إذا حجبت وجهك عني، هذه لا أحتملها حتى إن تركني أبي وأمي فأنت يا رب لا تتركني، وعلمني الطريق المستقيم. بسبب أعدائي= حتى لا يشمتوا بسقوطي. مهما أحاط بي أعدائي وشهدوا زوراً فلا تتركني يا رب. وقوله لك قال قلبي أي أصلي لك بقلبي ولكن بماذا يصلي؟ بما قاله الله سابقاً في وعوده أطلبوا وجهي. هو يتذكر وعود الله ويتمسك بها في ضيقته حين أحاط به الأعداء، فهو يطلب من الله أن لا يحجب وجهه عنه حين طلبه. فهو عوض الانشغال بالأعداء وتهديداتهم، ها هو ينشغل بوعود الله. ونلاحظ أن الله لا يحجب وجهه إلا بسبب الخطية ولكن مع ذلك فالله لا يهملنا بل يدبر أمورنا حتى لو أخطأنا. ربما الناس يرفضوننا بسبب خطايانا لكن الله لا يتركه ولا يتركنا، حتى "أن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم". ولم نسمع أن أبو داود أو أمه قد تركاه ولكن المعنى أنه في ضيقته لن يستطيع أحد أن يدركه بالخلاص حتى أباه وأمه، ليس سوى الله لقد جعل الله أبوه وأمه وكل شئ له.
الآيات (13،14): "لولا أنني آمنت بأن أرى جود الرب في أرض الأحياء. انتظر الرب ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب."
أرض الأحياء= هي ملكوت السموات فهناك حياة لا يعقبها موت فالموت ناتج عن خطية هذا العالم، أما السماء فليس فيها خطية، لذلك فهي أرض الأحياء الذي ليس للموت سلطان فيها "ليس للموت الثاني سلطان عليهم". خيرات الرب= هي الوجود الدائم في حضرة الرب ومعاينة وجه الرب، وهذا لا يتم إلا في الحياة الأخرى. وهذا الإيمان بأن لنا نصيباً في أرض الأحياء وبأننا سنعاين خيرات الرب، هو الذي يعطينا أن نصمد أمام تجارب وضيقات هذا العالم، والحروب الروحية التي تواجهنا. ولذلك يعلمنا المرتل في نهاية مزموره أن نصبر وننتظر الرب ونثق فيه وفي وعوده ونراقب عمله وتدبيره ونسبحه متأكدين من أبوته الحانية. ولأن التجارب قد تطول مدتها وبسبب هذا تخور قوة الكثيرين على الاحتمال يكرر المرتل عبارة انتظر الرب (14).
المزمور الثالث والستون (الثاني والستون في الأجبية)
رتل داود هذا المزمور وهو هارب من شاول الملك في برية يهوذا بجانب نهر الأردن. ويعبر فيه عن اشتياقه لله الذي هو الآن محروم من هيكله وعبادته أثناء هروبه.
آية (1): "يا الله إلهي أنت إليك أبكر عطشت إليك نفسي يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء."
يا الله إلهي= التكرار يعبر عن الاشتياق وقوله إلهي تعبر عن الحب (نش3:6). إليك أبكر= اشتياقه لله يجعله يبكر ليصلي. عطشت إليك نفسي. يشتاق إليك جسدي داود هنا أمامه برية قاحلة لا ماء فيها، فتأمل في هذا المنظر ورآها برية بدون ثمار ولا حياة. فقال وأنا هكذا بدونك يا رب بلا حياة وبلا ثمار. وهكذا كل إنسان بدون الروح القدس الماء المحيي يكون بلا ثمار (يو14:4 + غل22:5 + يو37:7-39) وهنا داود يشعر بهذا العطش فيصلي ليرويه الله. هو شعر أنه بدون الله مثل هذه البرية.وراجع (لو24:11-26). فالروح النجس يسكن في أماكن ليس فيها ماء. وهذا ما حدث مع شاول الملك فحينما فارقه روح الرب دخل فيه روح رديء (1صم14:16). ونصلي هذا المزمور في باكر، لأننا في باكر نبكر للصلاة طالبين الله مشتاقين وعطشانين.
آية (2): "لكي أبصر قوتك ومجدك كما قد رأيتك في قدسك."
هو اشتياق داود أن يعاين مجد الله في البرية كما عاينه سابقاً في الهيكل. أو هو اشتياقه أن يعود لهيكل الله (الخيمة). لقد كان اشتياق داود دائماً أن يسكن في هيكل الله ويتفرس في هيكله المقدس (مز4:27).
لكي أبصر قوتك= المسيح هو قوة الله (1كو24:1) فتكن هذه نبوة واشتياق لأن يرى المسيح. وكان المسيح في ضعفه أثناء أحداث الصلب كبرية قاحلة ولكن ظهرت فيه قوة الله (أش1:53-3).
آية (3): "لأن رحمتك أفضل من الحيوة. شفتاي تسبحانك."
رحمة الله أفضل من الحياة بكل ملذاتها وغناها.
آية (4): "هكذا أباركك في حياتي. باسمك أرفع يدي."
حينما تأمل في مراحم الله سبح الله وباركه ورفع يديه (كما رفع موسى يديه فغلبوا).
آية (5): "كما من شحم ودسم تشبع نفسي وبشفتي الابتهاج يسبحك فمي."
الشحم والدسم يشبعان الجسد والتسبيح يشبع النفس ويلذذها (أش6:25).
آية (6): "إذا ذكرتك على فراشي. في السهد ألهج بك."
نجد داود يسبح الله في السهد= الأسحار (السبعينية). إذاً هو لا يسبح الله باكر فقط بل كل اليوم (صلوا بلا انقطاع 1تي17:5). وهو لا يستطيع أن يضع رأسه على سريره أن لم يجد موضعاً للرب (مز3:132-5).
آية (7): "لأنك كنت عوناً لي وبظل جناحيك أبتهج."
لاحظ أنه يشكر الله على معونته، وبأنه يستظل بستر جناحي الرب أي رحمته وعنايته بينما هو هارب في البرية من وجه شاول. من الواضح أن الله لم يتركه بل أظهر له قوته وعزاه في ضيقته، كما ظهر مع الثلاث فتية في أتون النار وكما ظهرت الرؤيا ليوحنا وهو منفي في بطمس (مت37:23).
آية (8): "التصقت نفسي بك. يمينك تعضدني."
هو لا يصلي بلا انقطاع فقط بل يلتصق بالله، فهو لا يجد سلاماً إلا في ذلك.
الآيات (9،10): "أما الذين هم للتهلكة يطلبون نفسي فيدخلون في أسافل الأرض. يدفعون إلى يدي السيف. يكونون نصيباً لبنات آوى."
أما الذين هم للتهلكة= أعداء داود وأعداء الله والكنيسة وكل مقاوم لله عوضاً عن أن يتمتع بجناحي الله يحتمي تحتهما، يكون بيته خراباً (مت38:23). ولاحظ أن هؤلاء الأعداء يريدون قتل داود = يطلبون نفسي. من المؤكد إن كان داود تحت ظل جناحي الله فلن تنجح مؤامراتهم، بل هم الذين سوف يهلكون = يدفعون إلى يد السيف هنا على الأرض وسيهلكون في أبديتهم= يدخلون في أسافل الأرض (هامان ومردخاي)
ويكونون نصيباً لبنات آوى= هم تركوا أنفسهم للأسد الزائر يفترسهم (1بط8:5) والأسد بعد أن يصطاد فريسته ويأكل منها ما يريده يترك بقية الفريسة للثعالب تأكل الفضلات. لقد صاروا خراباً تاماً. ومن يسقط في أيدي الشياطين يسهل إصطياده عن طريق الثعالب العديدة الخبيثة (شياطين / بشر أشرار).
آية (11): "أما الملك فيفرح بالله. يفتخر كطل من يحلف به. لأن أفواه المتكلمين بالكذب تسد."
الملك هو داود. نصيبه الفرح بسبب إتكاله على الله. وسينصره الله فيفتخر به.
المزمور السابع والستون (السادس والستون في الأجبية)
قال بعض المفسرين أن هذا المزمور كانوا يستخدمونه في وقت الحصاد بسبب آية (6) "الأرض أعطت غلتها" وكأنهم يرتلون هذا المزمور ليسبحون الله الذي أعطاهم هذا الحصاد. ولكننا نرى أن المزمور يستخدم كلمات البركة التي أمر الله هارون وبنيه أن يستخدموها في بركتهم للشعب (عد24:6،25). نجد الكاهن القبطي يستخدم نفسي بداية المزمور في البركة الختامية لكل قداس وكل عشية. لذلك ننظر للمزمور نظرة عامة فالله هو سبب ومعطي كل بركة لكنيسته في العهد القديم والعهد الجديد ولذلك تسبحه الكنيسة دائماً على كل عطاياه. ونرى أن الأرض أعطت غلتها أنها نبوة عن دخول الأمم للإيمان (يو24:12+ يو35:4). وهذه الآية الأخيرة قالها السيد في أعقاب إيمان أهل السامرة.
آية (1): "ليتحنن الله علينا وليباركنا لينر بوجهه علينا. سلاه."
ليباركنا= تتكرر الكلمة ثلاث مرات في المزمور. وقد يشير هذا لبركة الإله المثلث الأقانيم لشعبه، كما يصرف الكاهن القبطي الشعب بكلمات بركة مأخوذة من (2كو14:13) محبة الله الآب. نعمة الابن الوحيد.. شركة وموهبة وعطية الروح.. تكون معكم. لينر بوجهه= وجه الله هو ابنه الوحيد فهو صورته ورسم جوهره (عب3:1) والسيد المسيح قال لفيلبس من رآني فقد رأى الآب (يو9:14،10). وقد ظهر لنا الابن كنور للعالم. ونصلي هذا المزمور في باكر ليباركنا الله ويشرق بنوره علينا كل اليوم. ولقد نطق داود بهذه الكلمات بروح النبوة يشتهي ميعاد مجيء المسيح نور العالم ليؤمن العالم كله.
آية (2): "لكي يعرف في الأرض طريقك وفي كل الأمم خلاصك."
حين يظهر المسيح تؤمن به الأمم كلها، ويعرفوه هو الطريق ويعرفوا وصاياه.
آية (3): "يحمدك الشعوب يا الله يحمدك الشعوب كلهم."
يكرر المرتل كلمة يحمدك ليذكرنا بأن نشكر الله على إحساناته دائماً (صلاة الشكر)وقوله الشعوب هو نبوة بإيمان كل الأمم.
آية (4): "تفرح وتبتهج الأمم لأنك تدين الشعوب بالاستقامة وأمم الأرض تهديهم. سلاه."
هنا نرى عدة صور للمسيح الآتي فهو سيأتي في المجيء الأول ليهدي الأمم فيفرحوا ويبتهجوا بخلاصه ويأتي في مجيئه الثاني ليدين غير المؤمنين الأشرار. وعدله وقداسته سيكونان أيضاً سبب فرح وابتهاج للمؤمنين.
آية (5): "يحمدك الشعوب يا الله يحمدك الشعوب كلهم."
هي تكرار لآية (3). وربما تكون آية(3) تشير لتهليل الأمم بعد المجيء الأول. وهذه الآية هي عن التسبيح الأبدي بعد المجيء الثاني في الأرض الجديدة والسماء الجديدة.
آية (6): "الأرض أعطت غلتها. يباركنا الله إلهنا."
الأرض أعطت غلتها= إيمان الشعوب. والأرض تشير للإنسان فهو مأخوذ من الأرض وحينما يحل الروح القدس عليه (ماء) يعطى ثماراً نتيجة لإيمانه الحي العامل بالمحبة. وحين رأى المرتل إيمان الأمم، غار على شعب إسرائيل وطلب لهم الإيمان فقال يباركنا الله إلهنا وهذه نبوة عن إيمان إسرائيل في نهاية الأيام.
آية (7): "يباركنا الله وتخشاه كل أقاصي الأرض."
يباركنا الله = حين يبارك الرب شعب إسرائيل بسبب إيمانهم في نهاية الأيام. تخشاه كل أقاصي الأرض=حين يأتي للدينونة.
المزمور السبعون (التاسع والستون في الأجبية)
هذه الأعداد الخمسة في هذا المزمور هي الآيات الختامية لمزمور (13:40-17). وأخذت هنا لاستعمالها للتسبيح في خدمات الهيكل تذكاراً لخلاص الرب لداود. ونجد فيه إلحاح على دينونة أعداء الله. والالتجاء لله والاحتماء به في الضيقات. وربما قوله للتذكير في بداية المزمور أنه يذكر ما صلي به قبلاً. ونحن نصلي بهذا المزمور في صلاة باكر طالبين معونة الله ومساندته لنا في كل ضيقة تواجهنا. ويا حبذا لو نردده دائماً فهناك أعداء غير منظورين بالإضافة إلى المنظورين منهم (ونفهم بقولنا الأعداء الشياطين والخطايا).
آية (1): "اللهم إلى تنجيتي يا رب إلى معونتي أسرع."
وهل لنا أن نلجأ لسواه في كل ضيقة فيعطينا عزاء وثبات على احتمالها عوضاً عن أن نرتعب. بل يتحول الإتكال على الله إلى رجاء يحيي النفس.
الآيات (2،3): "ليخز ويخجل طالبو نفسي. ليرتد إلى خلف ويخجل المشتهون لي شراً. ليرجع من أجل خزيهم القائلون هه هه."
الشياطين يثيروا ضدنا حروب كثيرة عندما نريد أن نسير في طريق الله. وهم يسخرون منا في ضيقتنا قائلين هه هه = نعماً نعماً (سبعينية). هم يقفوا في سخرية منتظرين سقوطنا ليشمتوا فينا. وهناك كثيرين حينما تواجههم بعض الضيقات يخاصمون الله قائلين لماذا سمحت بهذا وهنا يسخر الشياطين منهم. وداود هنا يصلي حتى لا يسقط هذه السقطة بل تكون مؤامرة أعدائه لخزيهم إذ ينصره عليهم الله المتكل عليه.
آية (4): "وليبتهج ويفرح بك كل طالبيك وليقل دائماً محبو خلاصك ليتعظم الرب."
الذين يطلبون الله عوضاً عن مخاصمته لا يخزيهم بل يعطيهم رجاء ويعطيهم نصرة في الوقت الذي يحدده هو. وهؤلاء يعظمون الرب على خلاصه. وهكذا على كل منا حين يتأمل في الخلاص الذي صنعه المسيح بصليبه أن يعظمه ويسبحه.
آية (5): "أما أنا فمسكين وفقير اللهم أسرع إلىّ. معيني ومنقذي أنت يا رب لا تبطؤ."
من يقول هذا؟ داود الملك العظيم!! ولكنه يتضع أمام الله. فماذا يجب أن نفعل نحن؟
المزمور المئة والثالث عشر (المائة والثاني عشر في الأجبية)
المزامير (113-118) تسمى مزامير التهليل وكانوا يرنمون بها في الأعياد الثلاثة الكبرى (الفصح/ الخمسين/ المظال). ثم ارتبطت بعد ذلك بعيد التجديد (نشأ سنة 165 ق.م. قارن مع (يو22:10) وهذا العيد مذكور في الأسفار القانونية الثانية).
الآيات (1،2): "هللويا. سبحوا يا عبيد الرب. سبحوا اسم الرب. ليكن اسم الرب مباركاً من الآن وإلى الأبد."
على كل عبيد الرب أن يتقدموا لله ذبيحة التسبيح (عب15:13 + مز30:69،31). يا عبيد الرب= كان الرسل حتى من هو قريب بالجسد للسيد المسيح يلذ لهم أن يسموا أنفسهم عبيد له (يه1 + يع1:1) فهم يعرفون أن العبودية لله تحرر أما العبودية لأي شئ آخر تستعبد الإنسان وتذله. ومن صار عبداً لله فهو قد تحرر، ومن تحرر فهذا يمكنه أن يسبح (مز4:137). ليكن اسم الرب مباركاً= اسم الرب مبارك بدوننا ولكن بأفواهنا وبنعمته علينا يباركه معنا من يسمع. هذا يعني أنه لو رأى الناس أعمالنا الصالحة يمجدوا إلهنا الذي في السموات إذا شهدنا لله. وفي السبعينية يقول سبحو الرب أيها الفتيان= الفتيان إشارة للأقوياء (1يو14:2) وليس الذين شاخوا روحياً.
آية (3): "من مشرق الشمس إلى مغربها اسم الرب مسبح."
قال سابقاً في آية (2) من الآن وإلى الأبد (في كل زمان) وهنا يقول من مشرق الشمس إلى مغربها= أي في كل مكان ليكن اسم الرب مباركاً مسبحاً. ولكن قوله من مشرق الشمس إلى مغربها قد أدخل الأمم في التسبيح وهذا لم يحدث قبل تجسد المسيح.
آية (4): "الرب عال فوق كل الأمم. فوق السموات مجده."
فوق السموات مجده= أي مجده فوق إدراك البشر.
الآيات (5-9): "من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي. الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض. المقيم المسكين من التراب. الرافع البائس من المزبلة. ليجلسه مع أشراف مع أشراف شعبه. المسكن العاقر في بيت أم أولاد فرحانة. هللويا."
الرب عالٍ فوق كل الأمم. وهو ليس مثله= من مثل الرب إلهنا. ليس مثله في محبته وتواضعه. فهو الناظر الأسافل= فهو رأي البشر في ذلهم بعد سقوطهم وحالهم الذليل في الأرض. فجاء وتجسد ليفدي البشر. فهو بذلك صار المقيم المسكين من التراب والرافع البائس من المزبلة. بل صار لمن يغلب أن يجلس في عرشه (رؤ21:3) وجعل الأمم، كنيسة الأمم التي كانت عاقراً أم أولاد فرحانة. لقد انتشل المسيح آدم وبنيه من ذلهم ولذلك سبحت العذراء مريم بهذه الكلمات (لو46:1-55) إشارة لبركات التجسد، وعمل المتجسد الذي كان في بطنها، عمله الفدائي والخلاصي. ومازال إلهنا بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب ينظر للمتواضعين والصديقين وكل شعبه لينجيهم حتى تكمل كنيسته وتنتهي صورة هذا العالم الحاضر، فهذا هو موضوع تسبيحنا أن الله عالٍ لا يُدرك وأنه دبَّر لنا الخلاص ومازال يعتني بنا ناظراً إلى آلامنا. وفي الترجمة السبعينية يترجم الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض= الناظر إلى المتواضعين في السماء وعلى الأرض. ولاحظ الصفة التي تبهج قلب الله فينظر لصاحبها وهي صفة التواضع التي نسبها المرتل هنا للسمائيين، بل المسيح نسبها لنفسه إذ قال عن نفسه "وديع ومتواضع القلب". ولقد رفع المسيح العالم الوثني من دنس خطاياه ووثنيته وجعل له مكاناً في السماء. (أف6:2) أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات. (راجع مت28:19). والأمم الذين كانوا بسبب وثنيتهم عاقراً بدون أعمال صالحة ولا ثمر. صار لهم ثمار وأولاد روحيين وكل نفس كانت بلا ثمر عاقراً يقبلها المسيح بالتوبة فتسكن في كنيسته فرحانة.
ونصلي به في باكر لنذكر بركات القيامة، فبعد أن كنا بائسين رفعنا المسيح وصرنا في فرح.
المزمور المائة والثالث والأربعون (المائة والثاني والأربعون في الأجبية)
هنا صلاة استغاثة بالرب. فهيا يُصَوِّر المرتل نفسه وقد جلس في الظلمات وكاد يفنى ويموت من كثرة الضيقات حوله، والأعداء المحيطين به، لا قدرة له على المقاومة أو حتى العمل، ولقد أوشك أن يدخل إلى القبر، ولقد صار كأرضٍ ناشفة. وهو يلجأ لله لكي ينقذه. ونلاحظ أننا نصلي هذا المزمور في صلاة باكر فهو يُعبِّر عن الأحداث التي حدثت ليلة القبض على المسيح والمحيطين به من الأعداء وأنه قريب جداً من الموت[4] وأنه يصرخ ويصلي لنجاته أي خلاص كنيسته وشعبه. أما داود فغالباً صلى هذا المزمور وهو هارب من شاول ولكنه بروح النبوة أشار للمسيح. ونحن نصلي بكلمات هذا المزمور الرائعة ننظر في طلباتنا إلى عطايا الله الروحية لخلاصنا حتى لا نهلك في خطايانا.
الآيات (1،2): "يا رب اسمع صلاتي وأصغ إلى تضرعاتي. بأمانتك استجب لي بعدلك. ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك فإنه لن يتبرر قدامك حي."
المرتل هنا يعترف بأنه لا يمكن أن يتبرر أمام الله، لذلك يطلب أن لا يدخل الله معه في المحاكمة. والعجيب بعد هذا أننا نجده يقول بأمانتك استجب لي بعدلك فإذا استجاب الله بعدله فسوف يهلك داود لأنه يعترف بأنه لن يتبرر. ولكن حل هذا السؤال كامن في الصليب الذي ظهر فيه عدل الله ورحمته. عدل الله الذي ظهر في عقوبة الخطية التي تحملها المسيح، ورحمته التي ظهرت في غفران خطايانا بموته عنا. وكأن المرتل هنا بروح النبوة يطلب رحمة الصليب.
آية (3): "لأن العدو قد اضطهد نفسي سحق إلى الأرض حياتي. أجلسني في الظلمات مثل الموتى منذ الدهر."
قد يكون العدو هذا هو شاول أو إبشالوم، ولكن العدو الحقيقي لكل البشر هو إبليس الذي استعبدنا كلنا وأجلسنا في الظلمات محرومين من نور الله بعد سقوطنا. بل كان نصيبنا الموت جزاءً عن الخطية.
آية (4): "أعيت فيَّ روحي تحير في داخلي قلبي."
أعيت فيَّ روحي = كنا بلا أمل، وكنا في حيرة قلب لا ندري طريق الخلاص.
آية (5): "تذكرت أيام القدم لهجت بكل أعمالك بصنائع يديك أتأمل."
هنا يتذكر كيف أخرج الله شعبه من أرض مصر وكانوا في حالة مماثلة. إذاً هو قادر أن يجد حل. وفي كل ضيقة تعصف بحياتنا علينا أن نذكر خلاص الله السابق فيكون لنا رجاء.
آية (6،7): "بسطت إليك يدي. نفسي نحوك كأرض يابسة. سلاه. أسرع أجبني يا رب فنيت روحي لا تحجب وجهك عني فأشبه الهابطين في الجب."
المرتل يصرخ ويعلمنا أن نصرخ لله وحده في كل ضيقة. فنحن بدون الله كأرض يابسة تحتاج للماء. وبسط اليدين إعلان عن التسليم الكامل للمشيئة الإلهية والعجز الكامل عن أن نجد الحل بأنفسنا. ومن يفقد صلته بالله يموت ويشبه الهابطين إلى الجب= له اسم أنه حي وهو ميت. (رؤ1:3). فمن يفقد نور وجه الله فهو في الظلمة.
الآيات (8-12): "أسمعني رحمتك في الغداة لأني عليك توكلت. عرفني الطريق التي أسلك فيها لأني إليك رفعت نفسي. أنقذني من أعدائي يا رب إليك التجأت. علمني أن أعمل رضاك لأنك أنت إلهي. روحك الصالح يهديني في أرض مستوية. من أجل اسمك يا رب تحييني بعدلك تخرج من الضيق نفسي. وبرحمتك تستأصل أعدائي وتبيد كل مضايقي نفسي لأني أنا عبدك."
بالغداة= هو ينتظر مراحم جديدة لله في كل صباح ولينقذه الله من أعدائه عرفني الطريق= هو المسيح (يو6:14). والمسيح أرسل الروح القدس= روحك الصالح. ليرشدنا فلا نهلك= يهديني في أرض مستوية= يبكت على خطية فنتوب ولا نفقد نصيبنا الأبدي. وهنا المرتل لا ينظر إلى بره الذاتي بل لمراحم الله= من اجل اسمك يا رب تحييني. برحمتك تستأصل أعدائي= أي بمجيء المسيح الثاني سيلقي إبليس في بحيرة النار (رؤ10:20).
مزامير الساعة الثالثة
المزمور العشرون (التاسع عشر في الأجبية)
نظم داود هذا المزمور عند حربه مع بني عمون وأرام الذين جاءوا بعدد عظيم من الخيل والمركبات لمحاربته (2صم6:10،8 + 1أي7:19). ولقد نصر الله داود، ودائماً ينصر الله عبيده الأمناء فهذا حدث مع حزقيا عند حصار أشور لأورشليم. فمن يتكل على الله لا يكون لفرسان الأعداء وقوتهم أي قدرة على إلحاق الأذى به.
· ويرى عدد من آباء اليهود أن هذا المزمور خاص بالمسيا. وهكذا رأى عدد من أباء الكنيسة (أثناسيوس وأغسطينوس) أنه نبوة عن آلام المسيح وانتصاره وانتصار الكنيسة فيه.
· بل كل مؤمن يرتل هذا المزمور على أنه الملك الذي سينصره الله "جعلنا ملوكاً وكهنة" (رؤ6:1) فمن يختار المسيح يختار الطريق الضيق، طريق الشدة ولكن الله ينصره ويستجيب له.
آية (1): "ليستجيب لك الرب في يوم الضيق. ليرفعك اسم إله يعقوب."
الله استجاب لداود في يوم شدته، وهكذا يستجيب لكل من يصرخ إليه. ولنفهم أن حياتنا على الأرض هي حرب متصلة، أعدائنا محيطين بنا (الشياطين) ولكن الله معنا. ويوم الضيق بالنسبة لنا هو حياتنا في هذا العالم، في كل تجربة وكل شدة. ويوم الضيق بالنسبة للمسيح كان يوم الصليب. ونحن في حياتنا الآن نشترك مع المسيح في صليبه. وذكره ليعقوب[**] فهو أبو الشعب كله والذي صارع مع الله. وبذلك نذكر أهمية الجهاد مع الله.
آية (2): "ليرسل لك عوناً من قدسه ومن صهيون ليعضدك."
من قُدسهِ= تابوت العهد أو الخيمة في العهد القديم. والآن فالمسيح جالس عن يمين الآب ليعين كنيسته، بل هو ساكن فينا ونحن هيكله يستجيب كل من يدعوه. وهو ساكن في كنيسته صهيون= وهنا نرى أهمية صلاة الكنيسة عن الفرد، الكنيسة صلاتها فعالة (أع5:12).
آية (3): "ليذكر كل تقدماتك ويستسمن محرقاتك. سلاه."
يذكر جميع ذبائحك= المرتل يقصد بالمعني المباشر، الذبائح التي كانت تقدم قبل المعركة لينصرهم الله. فالمصالحة مع الله غير ممكنة بدون دم. وذبيحتنا المقبولة التي يذكرها الله دائماً فنصير مقبولين هي ذبيحة المسيح. ويستسمن محرقاتك= فالله قبل ذبيحة المسيح. وعلى كل منا أن يقدم ذبائح ليقبلها الله (العبادة والتسبيح والنفس المنسحقة،..)
آية (4): "ليعطِك حسب قلبك ويتمم كل رأيك."
ليعطِك حسب قلبك= شهوة قلب المسيح كانت خلاص البشر. وكانت إرادة قلب داود أن ينتصر وأعطاه الله سؤل قلبه، فإن كان طلب كل منا بقلبه الخلاص لنلناه. وكل من يسلك حسب إرادة الله يعطيه الله طلبة قلبه. ويستسمن محرقاته= كل ما يقدمه يبارك الله فيه ويقبله. فإن صلَّى يبارك الله في صلاته ويعلمه كيف تكون صلاته مقبولة ثم يقبل ما سيقدمه وتكون صلاته محرقة ذات رائحة لذيذة. ويعطيه الله قلباً نقياً يطلب طلبات نقية ثم يستجيب الله ويعطيه حسب قلبه النقي.
أما ذوو القلب الشرير سيعطيهم الله أيضاً حسب قلوبهم، ولما اشتهى بنو إسرائيل أن يكون لهم ملكاً يفتخرون به أمام الأمم أعطاهم الله شاول أطول وأعرض من في الشعب. وفي نهاية الأيام سيسمح الله بظهور ضد المسيح فهذا سيكون بحسب قلب البشر.
آية (5): "نترنم بخلاصك وباسم إلهنا نرفع رايتنا ليكمل الرب كل سؤلك."
هنا اعتراف بخلاص الله لأنه خلَّص مسيحه داود وأقام المسيح ليقيمنا ويستجيب دائماً لطلباتنا. فمن يسير وراء المسيح دائماً يسبحه إذ يرى أعمال خلاصه، حقاً الطريق ضيق لكنه مفرح لذلك فعبيد الله يسبحونه على كل الفرح الذي يعطيه لهم. ومن يثبت نظره على الله لن ينشغل بعطاياه بل ينشغل به هو فيسبحه ويعترف بعمله العجيب. باسم إلهنا نرفع رأيتنا (ننمو سبعينية). الرايات هي رايات النصرة بالمسيح الغالب. ولأن القيامة يتبعها نمو مستمر، فالمسيحي في طريق خلاصه يمارس التوبة وينمو كل يوم إلى قامة ملء المسيح: نمو في محبة الله ومحبة الآخرين والقداسة والصلاة.. كل هذا باسم الله.
آية (6): "الآن عرفت أن الرب مخلص مسيحه يستجيبه من سماء قدسه بجبروت خلاص يمينه."
خلاص المسيح كان بقيامته وخلاصنا هو بقيامته وتوبتنا المستمرة لنثبت فيه.
الآيات (7-9): "هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل. أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر. هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وانتصبنا."
سلاح الأعداء قوي ولكن الله هو سلاحنا به نغلب ولا نسقط أبداً. وهنا نرى خلاص الكنيسة كلها ونصرتها في مسيحها المنتصر.
وهذا المزمور نصيه في الساعة الثالثة فالمسيح كان في ضيقته قد تخلى عنه الجميع ولكنه انتصر.
المزمور الثالث والعشرون (الثاني والعشرون في الأجبية)
كثير من مزامير داود مملوءة بالشكوى، أما هذا المزمور الرائع فمملوء بالتعزيات وبكلمات الفرح عن الله الراعي الذي يقوده فلا يخاف. وهذا المزمور من أروع تأملات داود عن رعاية الله. والمسيح هو الراعي الصالح (يو10) هو يبذل نفسه عن الخراف وفي المزمور السابق مباشرة (مز22) رأينا كيف يبذل المسيح نفسه عن كنيسته، وهنا نرى الراعي يُدخل قطيعه إلى مراعٍ خضراء باستحقاقات صليبه، هو تسبحة ثقة في الله وداود كان راعي غنم وغالباً قال هذا المزمور وهو يتأمل في علاقته بقطيعه وفي نفس الموقت يتأمل في عناية الله به في كل مراحل حياته، فوجد أن الله هو الراعي الحقيقي له.
الآيات (1،2): "الرب راعي فلا يعوزني شئ. في مراعٍ خضر يربضني. إلى مياه الراحة يوردني."
هنا نرى الرب الراعي. ونلاحظ أن الراعي يلتصق اليوم كله برعيته ويعيش معها، يقوتها ويغذيها ويقودها ويحميها. فحينما نسمع أن الله ربنا وملكنا نشعر بقوته ومجده. لكن حينما نسمع أنه راعينا نشعر بحلاوته ورقته وعنايته. وإذا كان الرب راعىّ فلن أعتاز شئ، بل هو يرعى حتى شعور رؤوسنا، يسد احتياجاتنا الروحية والمادية ويحمي القطيع من الذئاب (الأعداء الروحيين والجسديين). والله دبر لكنيسته رعاة يخدمون شعبه ويتشبهون بالراعي الأعظم ولكنه هو وحده الراعي الكامل الصلاح. الذي يعرف خرافه بأسمائها. ومهما كانت شدة الضيقة التي أجتازها لن يعوزني شئ. في مراعٍ خضر يربضني= هذه المراعي هي كلمة الله (الكتاب المقدس). وهي الكنيسة نتعلم فيها ونسكن فيها ونأخذ من خيراتها. ونلاحظ أن أرميا وحزقيال ويوحنا الرائي أكلوا كلمة الله فهي مشبعة، والأكل معناه أن نهضم الكلمة ونختبرها. والتعاليم التي نحصل عليها في الكنيسة هي طعام نقي، أما ما هو خارج الكنيسة فطعام غير نقي والكنيسة نجد فيها أشهى مائدة (جسد الرب ودمه). إلى مياه الراحة يوردني= الراعي هو الذي يقود القطيع ليشرب ويرتوي من ينابيع الروح القدس. وهذا ما كنا نحصل عليه إلا بعد أن قدَّم الراعي نفسه عنا على الصليب (مز22) (يو37:7،38). هذا الماء يروي الشجرة المغروسة على مجاري المياه. والروح القدس هو معطي النعمة لكل مؤمن خلال الأسرار بدءاً بماء المعمودية.
الآيات (3،4): "يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي. عصاك وعكازك هما يعزيانني."
هنا نجد المسيح هو الطريق والقائد في هذا الطريق. ليرد النفوس التائهة إلى الكنيسة (بيت الآب)، كما عاد الابن الضال لبيت أبيه، وحينما نبتعد يدفعنا الروح القدس لنعود. وهذه العطايا ليست من أجل استحقاقنا لكن من أجل اسمه والرب رسم لنا طريقاً ضيقاً، لكنه هو الذي يقودنا. بل يستخدم الله بعض التجارب والآلام ليردنا للطريق أن لم نسمع لصوت التعزيات. وما هي سبل البر إلا بر المسيح فهو يقودني إلى ذاته بكونه الطريق الأمِنْ الذي يحملنا بروحه القدوس إلى حضن الآب. بل من يثبت في المسيح الطريق لا يخاف الموت فهو ذاقه لأجلنا من قبل ويعرف طريق الخروج منه بالقيامة. ولن نخاف مادام معنا لأنه سيأخذنا معه إلى طريق القيامة، بل لن نخاف من أي ألم فهو قد إجتاز أصعب آلام وهي آلام الصليب وخرج منها منتصراً. إذا سرت في وادي ظل الموت= وادي ظل الموت هو هذه الحياة بحروبها وضيقاتها، وآخر عدو لنا وأصعب ضيقة هي الموت، ولكنه يسميه هنا ظل الموت، فلم يَعُدْ للموت سلطان علينا لم يَعُدْ الموت موت أبدى، بل هو انتقال "من آمن بي ولو مات فسيحيا". عصاك وعكازك هما يعزيانني= الراعي يستخدم العصا في طرد الحيوانات المفترسة بعيداً عن قطيعه، والعكاز ليستند عليه وبه يضرب الخروف الجامح الذي يحاول الهروب وهذا يشير لتأديب الأبوة الحانية الحازمة. وهذا ما يعزينا أنه لا يتركنا نبتعد فنتوه. فعصاته هذه تحمينا من الذئاب الخارجية والذئاب الداخلية (ميولنا المنحرفة وراء شهوات الجسد).
الآيات (5،6): "ترتب قدامي مائدة تجاه مضايقي. مسحت بالدهن رأسي. كأسي ريا. إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام."
هنا نجد المسيح الصديق المضيف، الذي أعد وليمة بذبيحة نفسه ليشبعني ويهبني فرحاً. لقد وجد راعينا أن عدونا قائم ضدنا فأعد هو بنفسه المائدة لنجلس ونأكل دون أن نخاف العدو الذي يطرق أبوابنا. وكما أعد الله المن لشعبه طعاماً في رحلة غربتهم أعد لنا مائدة التناول في رحلة غربتنا. فالأعداء حاولوا إعاقة رحلتنا إلى السماء مسكننا الإلهي، فأعطانا راعينا جسده نثبت فيه حتى نصل إلى مسكننا. ونلاحظ أن الله أعطى المن لشعبه بعد الخروج، والمسيح أعطانا جسده بعد أن حررنا بصليبه من عبودية إبليس مسحت بالدهن رأسي= إشارة لسر الميرون وبه نصير مسكنا للروح؟ ومن ثماره الفرح الذي ملأ كأسي فإرتويت من محبة الرب (الخمر رمز للفرح). فقديماً كانوا في الحزن يلبسون المسوح ويجلسون في الرماد. وفي الفرح يدهنون بالزيت. وكان مسح الضيف بالزيت علامة تكريم وكأن المسيح يستضيفنا على مائدة ويدهنا بزيت ليفرحنا ويخزي أعدائنا لمحبته لنا. ونلاحظ أن الراعي يحمل معه زيتاً لترطيب جراحات قطيعه. وأما الكأس للرعية فهي كتلة حجرية منحوتة ومجوفة يملأها الراعي بالمياه العذبة كل اليوم ليشرب القطيع والراعي يملأها دائماً حتى تفيض، فيبرد الماء المنسكب جدرانها= كأس ريا= أي مروية وفي هذا إشارة للبركات والتعزيات الدائمة. وهذه التعزيات والبركات نأخذها من داخل الكنيسة= مسكني في بيت الرب مدى الأيام. ونجد في مثل ناثان النبي لداود أن الحمل هنا سكن في بيت الراعي (2صم1:13-3). وقوله مدى الأيام يشير لسكنانا هنا وفي الأبدية في بيت الرب.
ونصلي هذا المزمور في الساعة الثالثة، التي نذكر فيها صدور الحكم على مخلصنا الراعي الصالح في وادي الموت، ويعطينا الروح القدس بمسحته في مثل هذه الساعة.
المزمور الرابع والعشرون (الثالث والعشرون في الأجبية)
يرى بعض المفسرين أن داود رتل هذا المزمور عند إصعاد تابوت العهد من بيت عوبيد أدوم إلى جبل صهيون (2صم12:6-17). والتابوت يمثل الحضرة الإلهية في موكب يرتفع إلى مدينة الله المقدسة على قمم الجبال العالية. ويقول يوسيفوس أن 7فرق مرتلين وموسيقيين كانوا يتقدمون التابوت مرتلين هذا المزمور في هذه المناسبة.
وبروح النبوة رأي داود السيد المسيح صاعداً إلى مقدسه السماوي.
والمسيح في صعوده أعطى للإنسان أن يصعد معه إلى السماء التي فتحها هو، ولكن المرتل هنا يذكر أن من سيصعد مع المسيح له مواصفات معينة، أي من له أعمال صالحة.
(مز22) حدثنا عن المسيح المصلوب و(مز23) حدثنا عن الراعي الصالح الذي بصليبه يقودنا إلى مراعي خضراء و(مز24) نرى فيه موكب مقدس غالب خلال أبواب السماء المفتوحة، والملك الممجد وسط شعبه يصعد بهم إلى أمجاده السماوية. ولذلك تنشد الكنيسة هذا المزمور في عيدي القيامة[††] والصعود. فالسيد المسيح نزل إلى عالمنا ليملك علينا بصليبه، وهو يقدس حياتنا ليهبنا الاستحقاق لندخل لموضع قدسه. ونسمع هنا عن ألقاب المسيح "ملك المجد- الرب الجبار في الحروب- رب الجنود" لأن دخولنا إلى السماء احتاج أن يهزم هو الشيطان أولاً ومازال يحاربه ويغلب فينا حتى الآن، فالمعركة لم تنتهي.
ونرتل هذا المزمور في الساعة الثالثة فهو مزمور الصعود والصعود أعقبه حلول الروح القدس.
الآيات (1،2): "للرب الأرض وملؤها. المسكونة وكل الساكنين فيها. لأنه على البحار أسسها وعلى الأنهار ثبتها."
الرب خلق الأرض كلها. ونرى في خلقة الأرض قدرة الله. ولكن قبل المسيح لم يعرف الرب سوى اليهود. وبعد المسيح عرفته المسكونة كلها وآمنت به، إذ ملك بالحب على كل المسكونة. في فرح داود بصعود التابوت والشعب يسبح، رأى بروح النبوة المسكونة كلها ممثلة في كنيسة العهد الجديد مسبحة لملكها المسيح وهو في وسطها، بل رأى هذه الكنيسة صاعدة للسموات مع عريسها.
على البحار أسسها= في بداية الخليقة كان روح الله يرف على وجه المياه ليخلق ويُبدع من أجل الإنسان محبوبه، فيتمتع الإنسان بالأرض وكل إمكانياتها وخيراتها= الأنهار. وروحياً فالبحار تشير للعالم المتقلب ولكن المسيح ثبت كنيسته وسط هذا العالم على الأنهار والأنهار تشير للروح القدس الذي يقود المؤمنين وسط آلام هذا العالم المتقلب ويعزيهم.
الآيات (3-6): "من يصعد إلى جبل الرب ومن يقوم في موضع قدسه. الطاهر اليدين والنقي القلب الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل ولا حلف كذباً. يحمل بركة من عند الرب وبراً من إله خلاصه. هذا هو الجيل الطالبه الملتمسون وجهك يا يعقوب. سلاه."
من يصعد مع المسيح؟ ونلاحظ أن جبل الرب هو كنيسته وهو أورشليم السمائية. وهنا نرى أهمية الأعمال مثل نقاوة القلب وطهارة اليد والجهاد عموماً. وهذا هو منهج الكنيسة الأرثوذكسية. ومن يجاهد ينقي قلبه فيعاين الله (مت8:5). ومن يسهر على نقاوة قلبه يصير قلبه سماء مقدسة يسكن فيها الله. ونلاحظ أن حياة المؤمن هي صعود مستمر ونمو مستمر، فمن يتغذى ويرتوي بمياه الأنهار (الروح القدس) ينمو ويكون له ثمار. الذي لم يحمل نفسه إلى الباطل= أي لم ينشغل بتفاهة هذا العالم وملذاته. ومن يصنع هذا ينال بركة من الرب. هؤلاء الذين يبتغون وجه إله يعقوب وليس العالم.
الآيات (7-10): "ارفعن أيتها الارتاج رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. ارفعن أيتها الارتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الدهريات فيدخل ملك المجد. من هو هذا ملك المجد. رب الجنود هو ملك المجد. سلاه."
في الآيات (1،2) رأينا الله الملك الخالق وفي الآيات (3-6) نرى الله الملك الذي يقدس شعبه وهنا نرى صورة الملك الغالب، المسيح الذي صار إنساناً ثم صعد بجسد بشريتنا إلى السماء. وكما أصعد شعبه من مصر ها هو يصعد شعبه من العالم للسماء. (رؤ2:6) نرى فيه صورة الغلبة. فهو جاء ليدخل عالمنا كمحارب، يحارب باسمنا ولحسابنا. وهنا نرى الملائكة في موكب المسيح الصاعد ينادون على الملائكة حراس أبواب السماء ليفتحوا الأبواب لملك المجد. ليفتحوا أبواب السماء= الأبواب الدهرية. وكلمة دهرية لا تشير لأبواب الخيمة أو حتى أبواب الهيكل. لقد عبر داود بفكره من الرموز إلى الحقائق، ومن صعود تابوت العهد إلى جبل صهيون إلى صعود المسيح بجسد بشريتنا للسماء ما كان ممكناً أن تغلق أبواب السماء أمام رب السماء. ولكن الغريب بالنسبة للملائكة أن تجد رب السماء له جسد بشري، وكأن الملائكة تتساءل من هذا الإنسان الذي يفتح له أبواب السماء. فالإنسان بسبب خطيته أغلقت أمامه أبواب السماء، أبواب العدالة الدهرية. وها هو رب الجنود يفتحها له وهذا ما سبب ذهول الملائكة فتساءلت. بل نزل الرب أولاً إلى الجحيم وفتح أبوابه الدهرية التي كانت قد أغلقت على الإنسان لمدى الدهر وهنا تأمل: فقلوبنا مغلقة بسبب شهوات هذا العالم، والمسيح واقف على أبواب قلوبنا يقرع ليدخل (رؤ20:3) فهل نفتح ونتخلى عن الخطايا المحبوبة.
المزمور السادس والعشرون (الخامس والعشرون في الأجبية)
ربما قال داود هذا المزمور في فترة هروبه من شاول أو من ثورة إبشالوم ضده حين أثار أعداءه عدة أكاذيب ضده وصوروه كإنسان شرير جداً، وكانت التهم تتلخص في أنه خائن لوطنه إذ أنه إضطر أن يلجأ للفلسطينيين وأنه اشترك مع الوثنيين في عبادتهم تاركاً عبادة بيت الرب. وداود هنا شاعراً بهذا الظلم يدافع عن نفسه ضد هذه التهم تاركاً الحكم على قلبه لله العادل ليصدر حكماً بالبراءة عليه.
يرمز داود هنا في هذا المزمور للمسيح الذي صار عاراً عند البشر. وكأن المسيح هو الذي يقول أحكم لي يا رب فأني بكمالي سلكت= وبحسب السبعينية "بدعتى سلكت" والمسيح هو الوحيد الذي يقال عنه أنه كامل فهو بلا خطية وكان وديعاً كشاة تساق إلى الذبح دون أن تفتح فاها. أما داود فحين يقول بكمالي سلكت لا يقصد الكمال المطلق ولكن أنه برئ من التهم الموجهة إليه ظلماً. احكم لي=تعني دافع عني.
والكنيسة المضطهدة بلا سبب يمكنها أن ترتل هذا المزمور مع مسيحها ليدافع عنها ضد مضطهديها ويحكم ببراءتها ويظهرها عروساً له.
نرتل هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة فنذكر الساعة التي صدر الحكم فيها على المسيح وشهود الزور ضده وكيف أنه سلك بدعة وكان كاملاً وكيف أنتصر.
آية (1): "اقض لي يا رب لأني بكمالي سلكت وعلى الرب توكلت بلا تقلقل."
لم يكن أمام داود، وقد وجه له أعداءه اتهامات ظالمة إلا أن يلجأ لله ليشهد له أنه لم يفعل كل ما قيل عنه. واضعاً كل إتكاله على الرب وليس على إنسان.
آية (2): "جربني يا رب وامتحني صف كليتي وقلبي."
جربني يا رب.. صف كليتي= جربني هنا جاءت بمعنى فحص المعادن بالنار لتنقيتها وداود هنا غير أيوب. فأيوب حين فاجأته التجارب صرخ إلى الله متسائلاً لماذا سمحت بكل هذا يا رب فأنا بار.. أما داود فصرخ لتكن هذه الآلام والتجارب لتنقيتي، فمن يحبه الرب يؤدبه.. هو هنا يريد أن تكشف التجارب له حقيقة ضعفاته ليكمل، فقوله جربني لا يعني أن يعرف الله بعد التجربة حقيقة قلبه فالله عالم بكل شئ، إنما لكي ينكشف أمام داود نفسه أخطاءه الدفينة. والكلية تشير للداخل، هي تنقي الدم وداود يريد تنقية داخله تماماً. (يع2:1،3 + 1بط8:1 + 2كو10:12).
آية (3): "لأن رحمتك أمام عيني. وقد سلكت بحقك."
الأساس الذي نقبل به أي تجربة هو أن كل ما يمر بحياتنا مبنى على أساس رحمة الله، وأن كل شئ للخير للذين يحبون الله= وقد سلكت بحقك. فهو برئ من التهم التي وجهت إليه، وهو يحب الله لذلك يثق في استمرار مراحم الله كما أختبرها من قبل.
الآيات (4،5): "لم أجلس مع أناس السوء. ومع الماكرين لا أدخل. أبغضت جماعة الأثمة ومع الأشرار لا أجلس."
نرى نموذج لكمال داود وتدقيقه في اختيار أصدقائه. فالناس يعرفون من أصدقائهم. وهنا يدافع عن نفسه فهو مع أن إلتجأ للوثنيين إلا أنه لا يشترك في أعمالهم. هو كان محروماً بالجسد من مشاركة شعبه عبادتهم ولكن قلبه كان هناك في أورشليم.
الآيات (6-8): "أغسل يدي في النقاوة فأطوف بمذبحك يا رب. لأُسَمِّع بصوت الحمد وأحدث بجميع عجائبك. يا رب أحببت محل بيتك وموضع مسكن مجدك."
يعلن أنه ولو أنه هارب من أورشليم إلا أنه هو معهم، وكأنه يغسل يديه بالنقاوة، لا بماء المرحضة مع الكهنة ولكن بنقاوة القلب الداخلي، ويطوف حول المذبح لا بجسده وإنما بشوقه الداخلي، يسمع التسبيح السماوي بأذنيه الروحيتين. وغسل يديه يشير لأنه لم يشترك في عبادة الأوثان كما اتهموه ظلماً. ونحن نغسل أيادينا ونتطهر من الماء والدم اللذين فاضا من جنب المسيح (معمودية + توبة). والطواف حول المذبح= كان الكهنة يفعلون ذلك بعد تقديم الذبيحة. وكان الشعب يتابعهم مسبحاً. وهنا داود يشعر أنه بقلبه يتابع تقديم الذبائح ويسبح الله مخبراً بجميع عجائبه ومراحمه.
الآيات (9-12): "لا تجمع مع الخطاة نفسي ولا مع رجال الدماء حياتي. الذين في أيديهم رذيلة ويمينهم ملآنة رشوة. أما أنا فبكمالي أسلك. أفدني وارحمني. رجلي واقفة على سهل في الجماعات أبارك الرب."
صلاة يشتهي فيها داود أن يكون الله نصيبه وأن لا يُحرم من الله فيكون نصيبه مع الأشرار، هو لا يتصور أن يكون محروماً من الله هنا أو هناك فهو يحبه. أما أنا فبدعتي سلكت= هو تأكيد الولاء لله، وليس فيها نوع من الكبرياء. والدليل قوله. إفدني وارحمني. مهما كانت أعمالي مستقيمة فلا خلاص لي سوى بفدائك العظيم ورحمتك. رجلي واقفة على سهل= في السبعينية (تقف في الاستقامة). فلا تجعل نصيبي مع الشرير لأنني لا أسلك في طريقهم. هنا نرى أعماله ولكنها بدون الفداء لن تجدي نفعاً. في الجماعات أبارك الرب= نرى هنا أهمية العبادة الجماعية في الكنيسة والقداسات والاجتماعات.
المزمور التاسع والعشرون (الثامن والعشرون في الأجبية)
· العواصف الرعدية شئ مرعب يراها كل إنسان فيخاف، ولكن داود المرتل الذي اعتاد التسبيح حَوَّل منظر عاصفة مرعبة إلى مصدر تسبيح لله، إذ رأى فيها علامة مجد وعظمة الله، فإن كان الرعد والعاصفة مرهبين هكذا فكم أنت رهيب وعظيم يا الله.
· داود كن رقيق المشاعر مملوء حباً لله، ويعزف أنشودة حب لله تحت أي ظرف، إذا رأى السموات صافية قال "السموات تحدث بمجد الله" وإن رآها عاصفة قال هذا علامة مجد وعظمة وقوة الله. في الضيق يسبح وفي انفراج الضيق يسبح.
· هنا نراه يصف عاصفة رعدية وأثارها، وهذه العاصفة بدأت من البحر الغربي قاطعة تلال فلسطين المكسوة بالغابات حتى براري قادش في أقصى حدود آدوم وهنا داود يدعو أبناء الله (الملائكة في السماء والمؤمنين في الأرض) أن يسبحوا الله على قوته، فهذه الطبيعة الثائرة التي يقف أمامها الإنسان عاجزاً هي تحت سيطرة الله. بل هذا الرعد هو صدى لصوت الله الذي كل الأمور بيده وفي نهاية المزمور يعلن عدم خوفه من هذه الظواهر الطبيعية إذ هي في يد الله والله يعطي عزة لشعبه وقوة، وهو يسبحه الآن ليس فقط لقدرته وقوته بل محبته وأنه قادر أن يحول كل شئ لعز شعبه.
· ولقد بدأت العاصفة تتكون على البحر= صوت الرب على المياه. وكانت هناك سيول كثيرة على التلال الساحلية. والعواصف كسرت أغصان الأشجار العظيمة وتترك الجذوع عارية وذروة العاصفة موصوفة في صورة واضحة، أن جذوع الأشجار التي أقتلعت فتقاومها الرياح فتقفز كما يفعل العجل أو الثور البري حين يتمرغ بشدة حمقاء. ومظهر آخر ربما نتيجة البروق تخرج نيران في وسط هذه الغابات. وبسبب الخوف تلد الوعول قبل أوانها. ونتيجة كل هذا تعرت الغابات من أشجارها. هنا نجد على الأرض هذه القوة الصاخبة، وداود امتد بصره للسماء فوجد هناك الملائكة تسبح. وعلى الأرض رأى الله يريد البركة لشعبه.
· جاء في الترجمة السبعينية أن هذا المزمور كان يرتل في عيد المظال، وفي عيد المظال كانوا يبتهجون فيه بنهاية الحصاد.
· تكرر في هذا المزمور كلمة صوت الرب 7 مرات وكلمة الرب 18 مرة.
· صوت الرب هو الروح القدس الذي يتكلم في قلوبنا، ويذكرنا ويعلمنا، يأخذ مما للمسيح ويعطينا، يرشدنا ويقودنا ويبكتنا لو أخطأنا. وعلى كل منا أن يدرب نفسه أن يجلس في خلوة هادئة وبروح الصلاة يتسمع لصوت الله الهادئ داخل النفس، فالصلاة حوار مع الله، ونسمع صوت الله في جلسات الاعتراف. وما يعطلنا عن سماع صوت الله هو إنشغال الإنسان بأهداف أخرى غير خلاص نفسه، أما من كان قلبه نقياً غير منقسم الاتجاه يكون جهاز استقباله الداخلي مستعداً لسماع صوت الروح القدس. ونلاحظ أن حلول الروح القدس يوم الخمسين على التلاميذ صاحبته أصوات كأنها هبوب ريح عاصفة، ثم ظهرت ألسنة نار. ثم تعمد بالمياه 3000 نفس. هنا نرى الروح القدس صوت الرب الذي نخس قلوبهم فآمنوا، ونرى صوت الرب الروح القدس على المياه التي ولدوا منها ثانية بالمعمودية، وصوت الرب كنار يحل على التلاميذ، وصوت الرب كعاصفة تزلزل قلوب غير المؤمنين فيؤمنوا. لذلك نصلي هذا المزمور في الثالثة.
الآيات (1،2): "قدموا للرب يا أبناء الله قدموا للرب مجداً وعزاً. قدموا للرب مجد اسمه اسجدوا للرب في زينة مقدسة."
هنا يطلب المرتل من كل أبناء الله أن يسجدوا لله ويمجدوا اسمه. وفي السجود إنسحاق وشعور بالاحتياج. وكيف نمجد اسم الله؟ بأعمالنا الصالحة ليراها الناس ويمجدوه (مت16:5). وفي الترجمة السبعينية نجد قدموا للرب مجداً وعزاً= قدموا أبناء الكباش. بمعنى أن نقدم أنفسنا ذبائح حية. والكبش وظيفته أن يتقدم القطيع وهذا عمل الرؤساء كقدوة لكل مؤمن. أسجدوا للرب في زينة مقدسة= اسجدوا للرب في دار قدسه= أي الكنيسة الواحدة الوحيدة على الأرض ليكون لنا نصيب في ديار قدسه في السماء.. إذا ما وقفنا في هيكلك المقدس نحسب كالقيام في السماء "قطع الثالثة".
آية (3): "صوت الرب على المياه. إله المجد أرعد. الرب فوق المياه الكثيرة."
هذا ما حدث يوم الخمسين. والمياه إشارة للمعمودية. وصوت العاصفة. ونرى في أول أيام الخليقة روح الرب يرف فوق المياه لتخرج حياة. وهنا خرج مؤمنين وخرجت الكنيسة. وكون أن كلمة صوت الرب تكررت 7 مرات ففي هذا إشارة لعمل الروح القدس الكامل في الكنيسة وفي السبع أسرار. وفي (رؤ1:3) نسمع عن سبع أرواح الله. كذلك نسمع عن أن اسم الرب تكرر 18 مرة 18 – 3 × 6 و(3) هي إشارة للثالوث أو الأقنوم الثالث، (6) إشارة للإنسان الذي صار هيكلاً للروح القدس. وفي معمودية المسيح حل عليه الروح القدس وسمع صوت الآب "هذا هو ابني الحبيب.. " والمياه تشير للروح القدس (يو37:7،38) لذلك صوت الرب على المياه.
آية (4): "صوت الرب بالقوة. صوت الرب بالجلال."
صوت الرب ليس ضعيفاً، فكلمة بطرس في هذا اليوم آمن بسببها 3000 نفس وفي العهد القديم حينما تكلم الله أرعد الجبل وخرجت نار فخاف الجميع، وحينما تكلم بولس إرتعب فيلكس الوالي، وحينما كلم المسيح السامرية تغيرت، وشاول آمن. وصوت الرب بالجلال= شعر موسى بجلال الرب وهو أمامه في العليقة، وكان المسيح بالرغم من اتضاعه في جلال عجيب فهو مولود في مزود ولكن ملائكة السماء تزفه في جلال. يهرب إلى مصر فتتحطم أصنامها، يتجلي أمام تلاميذه، يصلبونه فتظلم الشمس ويقوم الأموات، ومن يقبل صوت الله يكون له جلال، فتلاميذ المسيح أحاطهم هذا الجلال وصنعوا المعجزات، وهكذا كل القديسين.
آية (5): "صوت الرب مكسر الأرز ويكسر الرب أرز لبنان."
الأرز المتشامخ رمزاً للكبرياء وتشامخ الفكر، مثل من يريد أن تكون له أفكاره الخاصة بالانفصال عن الله، أو شاعراً ببره الذاتي. والأرز شجر معمّر إشارة إلى أن خطية الكبرياء مزمنة. وصوت الرب أول شئ يعمله يكسر هذا الكبرياء فتسقط معه باقي الخطايا ويبدأ الإنسان في الاستعداد لقبول مشيئة الله. الله لا يبدأ بأن يحارب الخطايا السهلة، بل يحارب الجبابرة ويخضعهم فهو ملك قوي.
آية(6): "ويمرحها مثل عجل لبنان وسريون مثل فريز البقر الوحشي."
يمرحها مثل عجل لبنان= أشجار الأرز الضخمة تتطاير أمامه كما يجري عجل لبنان. وسريون مثل فريز البقر الوحشي= سريون جبل في لبنان.. لا شئ يثبت أمام صوت الله مهما كانت قوته. أين كانت قوة موسى الأسود وكبريائه في مشهد استشهاده النهائي.
آية(7): "صوت الرب يقدح لهب نار."
هذه هي ألسنة النار التي حلَّت على التلاميذ فإلتهبوا حباً في الله، وغيرة على مجده، فتركوا كل شئ وجالوا مبشرين غير خائفين. وفي بعض الترجمات جاءت عوضاً عن يقدح يقطع لهيب نار= هنا نرى الروح القدس يطفئ لهيب الشهوة.
آية(8): "صوت الرب يزلزل البرية يزلزل الرب برية قادش."
البرية عادة تكون قاحلة، لا حياة فيها، وهكذا الإنسان بدون الروح القدس يكون بلا ثمار، قلبه كبرية قاحلة، وصوت الروح القدس يحوله لجنة مثمرة، حوَّل اليهود وغير المؤمنين إلى مسيحيين، فتحولت القلوب الحجرية لقلوب لحمية حية، إذ تغير الجحود والقساوة فيها إلى حب وتوبة وإشتياق لله.
آية(9): "صوت الرب يولد الأيل ويكشف الوعور وفي هيكله الكل قائل مجد."
يولد الأيل= الأيل نوع من الغزلان لها غريزة طبيعية عجيبة هي أنها تضع أنفها عند جحور الثعابين فتسرع هذه للخروج فتبطش بها الأيائل بحوافر أرجلها وتميتها، وهي تبدو في فرح بعد الانتصار فتسير كأنها ترقص وتتجمع بعد جهاد الحرب حول ينابيع المياه لتشرب، وصوت الرب ولَّدَ مؤمنين لهم سلطان أن يدوسوا على الحيات والعقارب، ويولد في نفس المؤمن الفرح والسلام والاشتياق إلى ينابيع المياه أي الامتلاء من الروح القدس. وهكذا فرح وتهلل الوزير الحبشي بعد معموديته وسجان فيلبي. يكشف الوعور أي الغابات الكثيفة. وهذه الغابات بسبب كثافة أشجارها يحجز عنها نور الشمس فتكون مظلمة، وأرضها موحلة تحيا فيها الثعابين والزواحف السامة، وداود رأى أن صوت الله يكشف هذه الغابات فيشرق فيها نور الشمس والمسيح هو شمس برنا. فهربت الحيات والعقارب وجفت المياه المتعفنة، وتحولت الطرق إلى طرق مستقيمة. خلال جلسات فحص النفس والاعتراف يستطيع صوت الرب أن يكشف الوعور ليصبح الداخل نقياً. وفي هيكله الكل قائل مجداً= هذه هي ثمار عمل النعمة في الشعوب وفي الأفراد حين يشرق نور المسيح فيهم. فنرى الآن الأرز قد تكسَّر= الكبرياء. وفي القديم نرى نتيجة الكبرياء بلبلة الألسن وفي يوم الخمسين حدث العكس إذ فهم الكل ما قاله بطرس، لقد اجتمعت الكنيسة كلها في لسان واحد يسبح الله وكل من قدَّم توبة ينطلق لسانه مسبحاً.
آية(10): "الرب بالطوفان جلس ويجلس الرب ملكاً إلى الأبد."
الرب بالطوفان جلس= نرى في الطوفان هلاك العالم القديم بسبب خطاياهم وقيامة عالم جديد ممثلاً في نوح عن طريق الفلك. والفلك رمز للكنيسة، وحادثة الطوفان رمز للمعمودية (1بط20:3،21)، وهذا ما رأيناه في كلمات هذا المزمور أن صوت الرب حطّم الإنسان العتيق بكبريائه وشهواته ليقيم إنساناً جديداً (رو3:6،4) وهذا الإنسان الجديد يملك الله علي قلبه، ويعطي مجداً لله مسبحاً الله على عمله.
آية(11): "الرب يعطي عزاً لشعبه. الرب يبارك شعبه بالسلام."
صوت الرب جاء ليعلن فاعليته في حياة البشر ويحول قفر العالم إلى فردوس ويعطي شعبه قوة ويمنحهم سلام "سلامي أنا أعطيكم سلامي أترك لكم"
المزمور الثلاثون (التاسع والعشرون في الأجبية)
· وهو مزمور شكر لداود، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي أنه قاله لما عرف أن الرب قد غفر إثمه، وتجددت بالتوبة نفسه الكائنة في بيت الرب والتي هي ذاتها بيت الله وبعد أن كان نتيجة الخطية (امرأة أوريا) مستوجباً الموت والجب، شفاه الله بتوبته وقبله ثانية. وقد يكون عنوان المزمور "تدشين البيت" قد أضيف لاحقاً بعد أن انتهى سليمان من بناء الهيكل.
· هذا المزمور مناسب جداً وضعه هنا بعد المزمور السابق، الذي يحدثنا عن عمل الروح القدس في تجديد الإنسان وبناء إنساناً جديداً كهيكل لله، يملك الله عليه فالإنسان عموماً كان بسبب خطيته هالكاً، وبعمل المسيح وتجديد الروح القدس صار له خلاص. فداود بسقوطه يرمز لسقوط الإنسان وفي توبته وقبول الله له ثانية يرمز لعدم هلاك الإنسان نهائياً بل هناك رجاء في شفاء الإنسان من مرض الموت.
· وترنم الكنيسة هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة لتذكر الأعداء الذين كانوا محيطين بالمسيح وحكموا عليه بالموت والله لم يجعلهم يشمتوا فيه بل أقامه وأصعد نفسه من الهاوية، وأصعد معه نفوس البشر الذين فداهم وأقام منهم الروح القدس كنيسة مسبحة مرتلة تحيا في سلام، لقد شفاها الله. لقد فقدنا صورتنا الأولى، صورة الله، ولكن كان عمل المخلص أن يقيم منا مسكناً له دشنه الروح القدس.
الآيات (1،2): "أعظمك يا رب لأنك نشلتني ولم تشمت بي أعدائي. يا رب إلهي استغثت بك فشفيتني."
هذه صلاة شكر من داود لله الذي قبل توبته. وصلاة شكر ترفعها الكنيسة والطبيعة البشرية التي خلصت من الموت ولم تعد الشياطين تشمت فيها. والشفاء هنا هو شفاء من وباء يصعب وقفه (2صم16:24).. إني أنا الرب شافيك (خر26:15) وكم من أمراض جسدية ونفسية بل الموت نفسه قد لحقت البشرية بسبب الخطية.
آية (3): "يا رب أصعدت من الهاوية نفسي أحييتني من بين الهابطين في الجب."
نزل المسيح إلى الجحيم لينقذ من كان فيه ساكناً على الرجاء (أف6:2).
الآيات (4،5): "رنموا للرب يا أتقياءه واحمدوا ذكر قدسه. لأن للحظة غضبه حيوة في رضاه. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم."
هنا يسأل المرتل كل من آمن بخلاص الله أن يسبح الله معه، ودعاهم داود قديسين أو أتقياء، فالله قدسهم، ومن تقدس يسبح الله فلا انفصال بين حياة القداسة وحياة التسبيح. ونرى هنا مراحم الله، فغضبه لا يمتد طويلاً= لأن للحظة غضبه= فالله يغضب ليؤدب لا لينتقم. أما السبعينية فترجمتها لأن سخطاً في غضبه وهما متكاملان. فالله في غضبه سخط على الإنسان فمات ولكن في رحمته لم يتركه طويلاً بل دبر فداءه سريعاً. وحياة في رضاه= أعطانا قيامة مع المسيح. فبموت المسيح عنا جلب علينا رضا الله ووهبنا حياة أبدية برضاه وليس باستحقاقنا.
وهذا المزمور هو تسبحة كل خاطئ تائب حتى الآن فبخطيتنا نستحق الهلاك في الجب وبتوبتنا يرضى الله علينا فننجو من الجب، ونسبح الله على قبوله لنا. والتسبيح هو عمل الروح القدس فينا الذي يدفعنا لنسبح كما عَلَّم داود المرتل لغة التسبيح. عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح الترنم= ففي المساء دفن المسيح وبكي أحباءه وفي باكر الأحد قام فرنموا. وفي مساء هذا العالم يكون لنا ضيق وحزن وفي فجر الحياة الأبدية يحل السرور والترنم. فالعالم مساء والأبدية صباح لأن شمس البر ضياؤها. وفي مساء المسيحي (سقوطه في الخطية) بكاء وحزن وفي صباح توبته سرور وفرح.
الآيات (6،7): "وأنا قلت في طمأنينتي لا أتزعزع إلى الأبد. يا رب برضاك ثبت لجبلي عزاً حجبت وجهك فصرت مرتاعاً."
هنا يحدثنا المرتل عن حالته قبل الخطية إذ ظن نفسه لن يتزعزع وكان مطمئناً لذلك، وإذ إتكل على ذاته أخطأ فحجب الله وجهه عنه، فصار محروماً من نعمة الله ورحمته. ولقد حدث مع داود هذا فعلاً إذ في كبرياء قلبه أراد إحصاء الشعب فسقط سقطة عظيمة. وهنا يعترف أن كل ما كان جميلاً وعظيماً فيه إنما هو برضاء الله وليس لبر فيه= يا رب برضاك ثبت لبهائي (لجبلي) عزاً والعكس حين صرف الله وجهه عنه تحوَّل الجمال والقوة إلى قلق واضطراب. وهذا ما حدث للبشرية إذ بسقوطها فقدت سلامها وقوتها وسلطانها.
آية (8): "إليك يا رب أصرخ وإلى السيد أتضرع."
إذ شعر داود بحالة فقدان السلام والقلق لم يكن أمامه سوى أن يصرخ إلى الله.
آية (9): "ما الفائدة من دمي إذا نزلت إلى الحفرة. هل يحمدك التراب. هل يخبر بحقك."
في صراحة الحب يصرخ لله، ما المنفعة في هلاكي وفي أن تفقد يا رب أحد محبيك. هنا نجد عتاب الحب، فهو يستجدي بدالة مراحم الله ويطلب تحقيق مواعيده الإلهية.
آية (10): "استمع يا رب وارحمني يا رب كن معيناً لي."
جاءت في السبعينية بلغة (صيغة) الماضي. أي الله استجاب لتضرعاته.
آية (11): "حولت نوحي إلى رقص لي حللت مسحي ومنطقتني فرحاً."
حول الله حزنه إلى فرح [1] حينما قبل توبته شخصياً [2] بفداء المسيح للبشرية كلها. لقد أبدل داود ثوب التوبة الذي يحيط بجسده مثل مسوح بثوب عرس يتمنطق به. صارت له ثياب عيد ليشترك في احتفال بهيج ورقص روحي. فتغيير الملابس يكشف عن تغيير داخلي في نفس المرتل حيث استجيبت صلاته (لذلك في كنيستنا القبطية نرتل هذا المزمور أثناء ارتداء ملابس الخدمة البيضاء قبل صلاة القداس) والمسيح ارتدى جسدنا الخاطئ ليكون قابلاً للموت عنا ليعطينا أن نرتدي بهائه، ألبسنا المسيح، فهو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له (تسبحة يوم الجمعة).
آية (12): "لكي تترنم لك روحي ولا تسكت. يا رب إلهي إلى الأبد أحمدك."
التسبيح هو النتيجة الطبيعية لنعمة الله التي شملتنا.
المزمور الرابع والثلاثون (الثالث والثلاثون في الأجبية)
كتب داود هذا المزمور عندما تظاهر بالجنون أمام أبيمالك فطرده فإنطلق ونجا. ويقال هنا أبيمالك، وفي أصل القصة يقال أخيش ملك جت (1صم10:21-15) لأن أبيمالك هو اسم عام لملوك الفلسطينيين مثلما نقول فرعون في مصر.
وكان هروب داود إلى جت من أمام وجه شاول هو خطأ غير مبرر، خطأ إيماني، فإن كان الله يحميه في يهوذا، وقد رأي عنايته وحمايته مراراً فلماذا الهرب وهذا أدى به أن يتظاهر بالجنون وهذا ضد الصراحة والحق وهذا كله لا يليق برجل الله. وليس معنى أن داود أخطأ أن الله يتخلى عنه، أبداً فالله يعرف ضعف البشر وينجيهم من المؤامرات التي تحاك ضدهم من أشرار هذا العالم، وينجيهم أيضاً من نتائج أخطائهم الشخصية. وداود حين نجا لم ينسب نجاته لمقدرته في التظاهر بالجنون أو لذكائه، إنما نسب نجاته ليد الله التي أنقذته حين أخطأ بذهابه إلى هناك. وهذا المزمور تسبحة لله الذي أنقذه.
آية (1): "أبارك الرب في كل حين. دائماً تسبيحه في فمي."
علينا أن نسبح الله في كل حين، سواء فيما نراه خيراً أو فيما نراه شراً، فالكل يعمل معاً للخير، أي فيما يساعدنا على خلاص نفوسنا. أما الخيرات المادية فهي تأتي في يوم ولا تأتي في آخر، أما بالتسبيح فنحن نشترك مع الملائكة في عملهم.
آية (2): "بالرب تفتخر نفسي. يسمع الودعاء فيفرحون."
من الذي يقدر أن يسبح الرب كل حين إلا الوديع المتواضع القلب، ومن هو المتواضع إلا الذي لا يفتخر ولا يمدح نفسه بل يفتخر بالرب (هذا هو لسان حال داود الآن).
آية (3): "عظموا الرب معي ولنُعَلّ اسمه معاً."
الله غير محتاج لتسبيح البشر، بل نحن المحتاجين أن نعظمه ونسبحه بألسنتنا وقلوبنا فالله أعطانا كل ما لنا، فلنسبحه بما أعطاه لنا، وبكل ما له عندنا. وقوله معاً إشارة إلى وحدانية الكنيسة، وحدانية الروح في الكنيسة.
الآيات (4-10): "طلبت إلى الرب فاستجاب لي ومن كل مخاوفي أنقذني. نظروا إليه واستناروا ووجوههم لم تخجل. هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلصه. ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم. ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. طوبى للرجل المتكل عليه. أتقوا الرب يا قديسيه لأنه ليس عوز لمتقيه. الأشبال احتاجت وجاعت وأما طالبوا الرب فلا يعوزهم شئ من الخير."
يبدأ المرتل هنا في سرد أسباب تسبيحه لله. [1] فالله منقذ من الضيقات= من كل مخاوفي أنقذني. ونلاحظ أنه ربما نصلي والضيقة لا تنتهي، لكن المهم أن الله سيرفع مخاوفنا ويعطينا الثقة بأنه عن يميننا فلا نتزعزع. [2] الله يهب الاستنارة= تقدموا إليه واستنيروا= الله نور وبالمعمودية نستنير وبالتناول نستنير بل نصير نور للعالم نعكس نور المسيح الذي في داخلنا. [3] من يتكل على الله لا يخجل. [4] الله يحوطنا بملائكته، وربما الملاك تعني ملاك مرسل من الله فعلاً إلينا لحمايتنا، أو هو الرب نفسه الذي أتى فادياً ومخلصاً. والله يرسل ملائكة كثيراً لحماية أولاده، كما أنقذ بطرس من السجن (عب14:1). [5] عذوبة الله، وعذوبة الله لمن اختبرها تنعش النفس وتثير شهية قوية نحو الله. [6] الله ملجأ سائله= الأشبال احتاجت= الأشبال احتاجت لأن الله أنقذ فريستها من بين يديها. وهي بالرغم من قوتها الطبيعية تحتاج، ولكن المسكين الضعيف إذا إتكل على الله لن يحتاج إلى شئ. وإذا عدنا إلى (مز13:22) نجد أن أعداء المسيح أحاطوا به كأسود والله نجاه. ونلاحظ أن المزمور يصلي في الساعة الثالثة ساعة محاكمة السيد المسيح وإصدار الحكم عليه. ولكن هناك شروط في هذه الآيات لنفرح بعطايا الرب. [1] أن نطلب طلبت إلى الرب فاستجاب لي= اسألوا تعطوا [2] ننظر له وحده كمعين= انظروا إليه [3] التواضع والشعور بالمسكنة= هذا المسكين صرخ [4] ذوقوا= لم يقل انظروا فقط فما الفائدة أن نصف للإنسان حلاوة العسل بدون أن يتذوقه، لذلك لا يكفي أن نسمع عن الرب يسوع بل أن ندخل في شركة صلاة معه لنتذوق حلاوته [5] الاتكال على الرب وحده= طوبى للرجل المتوكل عليه الذي لا يشعر بأن قوته أو قوة أي إنسان قادرة أن تعينه فيلجأ إلى الله وحده. [6] السلوك بتقوى= اتقوا الله يا جميع قديسيه= فخوف الله ينقي الإنسان من دنس الخطية. ومن يسلك في مخافة الله لن يعتاز إلى شئ وبداية مخافة الله دائماً هي مخافة من الهلاك ومن العقوبة، وكلما تقدم الإنسان يتحول خوفه لخوف كامل، خوف المحبة، الخوف من أن يحزن قلب الله الذي يحبه، ومثل هذا الإنسان هو من يتذوق حلاوة الله.
الآيات (11-14): "هلم أيها البنون استمعوا إلىّ فأعلمكم مخافة الرب. من هو الإنسان الذي يهوى الحيوة ويحب كثرة الأيام ليرى خيراً. صن لسانك عن الشر وشفتيك عن التكلم بالغش. حد عن الشر واصنع الخير أطلب السلامة واسع وراءها."
المرتل هنا يرسم طريق السعادة في خطوات سلبية (الامتناع عن الشر) وإيجابية (صنع الخير). وهو يركز على خطايا اللسان (يع26:1 + يع3). وفي فعل الخير يركز على أن نطلب السلامة، والمسيح هو سلامنا فلنطلبه. نجد هنا داود المعلم، يعلم شعبه كيف يستفيدون من خيرات الرب. (يع17:4 من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له).
الآيات (15-22): "عينا الرب نحو الصديقين وأذناه إلى صراخهم. وجه الرب ضد عاملي الشر ليقطع من الأرض ذكرهم. أولئك صرخوا والرب سمع ومن كل شدائدهم أنقذهم. قريب هو الرب من المنكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح. كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب. يحفظ جميع عظامه واحد منها لا ينكسر. الشر يميت الشرير ومبغضو الصديق يعاقبون. الرب فادي نفوس عبيده وكل من اتكل عليه لا يعاقب."
هنا نرى الأمان الإلهي= عينا الرب على الصديقين= فكيف نخاف والله يسمع لتضرعاتنا. وإن لم ينقذنا من الضيقة المادية التي في العالم، فهو سينقذنا روحياً ويخلص نفوسنا، وسماحه بالضيقة المادية سيكون كسماح الصائغ الذي يسمح بنار الفرن ليخرج الذهب نقياً. فلنتضع فالرب قريب من منكسري القلوب ومنكسر القلب لا يخاصم الله قائلاً لماذا سمحت بهذه الضيقة، بل يقول أنا لا استحق سوى هذا بسبب خطاياي. كثيرة هي بلايا الصديق= فمن يحبه الرب يؤدبه بعصاه، ولكنه كأب لا يضرب حتى تنكسر عظامه= يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر. المقصود أن الله لن يطيل التأديب حتى تنكسر عظام الإنسان الروحية ويفشل (مز3:125). ولكن ليس المقصود العظام الجسدية، فاللص اليمين كسروا عظامه وكان في الفردوس مع المسيح في نفس اليوم. والشهداء كسروا عظامهم وهم الآن في الفردوس. ولكن هذه الآية نبوة عن عدم كسر عظام المسيح (يو33:19) فالمسيح هو البار الحقيقي والكامل وحده الذي يعنيه هذا المزمور. وما هي نهاية الأشرار الشر يميت الشرير= وهذه كانت عقوبة من صلب الرب.
ونصلي هذا المزمور في الساعة الثالثة فنذكر وقت محاكمة المسيح، ونهاية الأشرار الذين أحاطوا به بل أصدروا حكم الصلب عليه ونهايته هو فلم ينكسر منه عظم، بل قام وصعد.
المزمور الحادي والأربعون (الأربعون في الأجبية)
هو مزمور نبوي يتحدث فيه داود عن مقاومة الأشرار للسيد المسيح وألامه ونصرته ولقد أشار له السيد المسيح بكونه نبوة عن خيانة يهوذا له (يو18:13 + أع16:1) ولذلك تصلي الكنيسة هذا المزمور في صلوات الساعة الثالثة.
نفهم المزمور بطريقتين
1. تعليمية فنرى فيه مكافأة من يهتم بأخوة الرب.
2. نبوية.
الآيات (1-3): "طوبى للذي ينظر إلى المسكين في يوم الشر ينجيه الرب. الرب يحفظه ويحييه. يغتبط في الأرض ولا يسلمه إلى مرام أعدائه. الرب يعضده وهو على فراش الضعف. مهدت مضجعه كله في مرضه."
المسكين هو المحتاج مادياً، المريض، الخاطئ الذي لا يعرف طريق الله.. الخ. والله يعطينا أن نهتم بكل من لا معين له بشرط أن تكون لنا هذه الرغبة أن نخدمهم، فنخدم ربنا يسوع فيهم، فهم إخوته الأصاغر (مت40:25). والمسيح في تواضع عجيب يقول أنا محتاج لخدماتكم كما قال للسامرية إعطيني لأشرب، ويقول "أنا عطشان" فهو عطشان لكل نفس لتخلص. ومن ينظر لكل محتاج ويقدم له خدمة ينقذه الله في يوم الشر. ولكن المسكين هنا إشارة ونبوة عن المسيح، الذي إفتقر ليغنينا وصُلِب في ضعف لتكون لنا نحن الضعفاء قوة، ومن ينظر إليه يستمد منه المعونة ينجيه (2كو9:8) (مت19:6،20 + لو32:12،33). ومن يقدم خدمة روحية (2كو10:6) فالله هو الذي يعطيه ليعطي لمن ليس له، ويوم الشر هو اليوم الذي يهاجمنا فيه إبليس[‡‡] (1بط8:5). وهنا يرحم الله من رحم إخوته (يع13:2 + مت7:5). ويوم الشر أيضاً يشير إلى يوم الدينونة، فيه يرحم الله من رحم إخوته، ولا يسلمه ليد أعدائه الشياطين. والرب يعضد الرحيم في هذه الحياة وفي الدهر الآتي (1تي8:4). وفي هذه الأرض يحول له الرب الأرض سماء = يجعله في الأرض مغبوطاً. ويقيم داخله ملكوته كملكوت تسبيح وتهليل وشكر على غنى نعمة الله المجانية. بل يهب الله له الصحة = يعينه على سرير وجعه وقد لا يتم الشفاء النهائي ولكن يشعر المريض بأن الله معه يقويه ويسنده وأنه ليس وحيداً كما كان المسيح مع الفتية الثلاثة في الأتون. وربما يشير السرير لفراش المرض الروحي والفتور، وهنا نجد المسيح المعين الذي ينتشلنا من هذا الفتور. ومن سرير الشهوة الزمنية ويعطينا حرية من العدو الشرير.
آية (4): "أنا قلت يا رب ارحمني اشف نفسي لأني قد أخطأت إليك."
ما أعذب أن يعترف الخاطئ بخطيته ويرجع إلى الله فيرجع الله إليه، فكثير من أمراضنا الروحية بل والجسدية سببها الخطية. والله قد يؤدب بالأمراض (عب6:12). والمرتل ذكر سابقاً أن الله يعين من على سرير وجعه إن كان رحيماً، لذلك يعترف بتقصيره ويطلب الرحمة.
آية (5): "أعدائي يتقاولون علىّ بشر متى يموت ويبيد أسمه."
في آية (4) سبق واعترف بخطيته وهنا يشتكي المقاومين الذي يطلبون إبادته. والشيطان يود لو أباد كل أولاد الله وكنيسته. ولكن هذه الآية هي صوت المسيح الذي إتهمه أعداؤه زوراً ورتبوا في هذه الساعة حكم الموت ضده حتى يباد إسمه (أع18:4). ولكن المسيح مات ولم يباد إسمه ولا باد اسم كنيسته.
الآيات (6-9): "وإن دخل ليراني يتكلم بالكذب. قلبه يجمع لنفسه إثماً. يخرج. في الخارج يتكلم. كل مبغضي يتناجون معاً علىّ. علىّ تفكروا بأذيتي. يقولون أمر رديء قد انسكب عليه. حيث اضطجع لا يعود يقوم. أيضاً رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليّ عقبه."
هذا ما حدث من أخيتوفل ضد داود الذي صار رمزاً ليهوذا. وهنا نرى مؤامرات تحاك ضد المسيح من الأشرار. ومن الشيطان ضد الكنيسة. هذه الآيات تنطق بما حدث للمسيح حين إجتمع اليهود برؤساء كهنتهم وكهنتهم والفريسيين والناموسيين بل وبيلاطس وهيرودس بل الشعب كله ضده وتشاوروا عليه ليصلبوه ظناً منهم أنه إن مات لا يعود يقوم = حيث اضطجع لا يعود يقوم. إنسان سلامتي= يهوذا الذي كان تلميذا للرب من رجاله الذين وثق بهم، وأكل معه (يو6:13)
الآيات (10-12): "أما أنت يا رب فارحمني وأقمني فأجازيهم. بهذا علمت أنك سررت بي أنه لم يهتف علىّ عدوي. أما أنا فبكمالي دعمتني وأقمتني قدامك إلى الأبد. مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل وإلى الأبد آمين فآمين."
المسيح مات ودفن وهنا كأنه يصرخ أقمني= وهو قام وصار له سلطاناً ليدين كل الأشرار. وفيه صرنا محل رضا الآب. سررت بي، لقد سُرَّ الآب بطاعته وفيه سُرَّ بنا إذ بدمه تبررنا. فهنا نرى نبوة عن القيامة، قيامته، وقيامة الكنيسة وتبريرها. وأن المسيح سيدين العالم (يو22:5). والكنيسة موضع سرور الآب لأن المسيح يشفع فيها للأبد أمام الآب= سررت بي... أقمتني قدامك إلى الأبد.... فهل قام داود أمام الله للأبد؟
المزمور الثالث والأربعون (الثاني والأربعون في الأجبية)
يعتقد البعض أن (مز42، مز43) يمثلان وحدة واحدة. فيهما يصرخ المرتل وغالباً هو داود في حزنه لله مشتاقاً للرجوع للعبادة في هيكل الله لينعم بالحضرة الإلهية. ولذلك اقترح البعض أن يكون داود قد كتب هذا المزمور (42،43) في فترات هروبه من أمام شاول أو أبشالوم يعبر عن إشتياقه للعودة إلى الهيكل. وفي (مز42) نراه بعنوان قصيدة لبني قروح، ويغلب أن داود كتبه وأعطاه لبني قورح لترنيمه.
· جاء المزمور نبوة عن كل من أرغمته الظروف أن يبتعد عن أورشليم وعن الهيكل لذلك قيل أنه نبوة عن السبي. (المقصود 42،43 كلاهما كوحدة واحدة). ولذلك وبنفس المفهوم فكل من استعبد للخطية تحت يد العدو القاسي يمكنه أن يرنم بهذه الكلمات تعبيراً عن إشتياقه للعودة من السبي، والسبي هنا يشير إلى الخطية الداخلية وإلى الأعداء الخارجيين (إبليس ومن يتبعه).
· يتخذ المزمور كنبوة عن المسيح المتألم من الأمة اليهودية غير الراحمة ومن يهوذا رجل الغش (آية1) لذلك نصلي هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة.
· الترجمة السبعينية تشير صراحة أن كاتب المزمور هو داود.
آية (1): "اقض لي يا الله وخاصم مخاصمتي مع أمة غير راحمة ومن إنسان غش وظلم نجني."
قد يكون القائل هو المسيح، أو داود، أو الشعب في بابل يشتكون من البابليين أو أي مسيحي يشعر بألام الاستعباد لخطية ما. ولمن نلجأ سوى لله ليخلصنا ويقضي لنا.
آية (2): "لأنك أنت إله حصني. لماذا رفضتني. لماذا أتمشى حزيناً من مضايقة العدو."
المرتل يصرخ لله فهو وحده قوته. وقد يشعر الخاطئ أن الله رفضه إذ يفقد التعزيات وقد يشعر المريض أو المتألم أو المضطهد أن الله تركه = لماذا رفضتني. وكان هذا هو ما قاله المسيح إلهي إلهي لماذا تركتني. فهي صرخة المتألم في ألمه. ولكن يحسب للمرتل قوله أتمشى. فالضيقة لم تصبه بالشلل ولم يتوقف ولم يتراخ عن جهاده بالرغم من حزنه. والمسيح استمر في طريق الصليب ولم يتراجع بالرغم من أنه قال "نفسي حزينة جداً حتى الموت". ومضايقة العدو هنا هي الخطية الساكنة فيّ أو هو إبليس بمؤامراته فالخطية تسبب الحزن بينما البر سبب فرح.
آية (3): "أرسل نورك وحقك هما يهديانني ويأتيان بي إلى جبل قدسك وإلى مساكنك."
المرتل يطلب عون الله لكي يرجع من سبيه "(الخطية أو من بابل) إلى جبل قدس الله أي لأورشليم أو لعودة الخاطئ لحياة الشركة المفرحة في الكنيسة بيت الخلاص. الكنيسة هي الجبل الذي رآه دانيال حجراً صغيراً ثم نما وكبر وصار جبلاً كبيراً ملأ وجه الأرض وطلبة هذه الكنيسة لرأسها الرب يسوع هي إرسل نورك وحقك هما يهديانني= هي طلبة كل نفس حتى لا تخسر الشركة في جبل قدس الله. فالرب يسوع هو نور الآب وحقه فهو الذي قال أنا هو نور العالم. والطريق الوحيد للخلاص هو الطلب واللجاجة.
آية (4): "فآتي إلى مذبح الله إلى الله بهجة فرحي وأحمدك بالعود يا الله إلهي."
يقول هذا المسبيين ليرجعوا إلى مذبح الله في أورشليم. وتقولها كل نفس إنفصلت عن شركة التناول بسبب خطاياها، تعود للشركة فتعود لها أفراحها وتسابيحها فهي في فترة سبيها تركت التسبيح والقيثارة (مز137). وذبيحة التناول تعطي لمغفرة الخطايا، وفيها حياة أبدية لمن يتناول منها. إن الفرح هو سمة ملازمة للمسيحي الذي يتذوق دائماً بركات المذبح والغفران.
آية (5): "لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ. ترجي الله لأني بعد أحمده خلاص وجهي وإلهي."
هنا نصيحة المرتل لكل منحني النفس أن يترجوا الله، يطلبوه ويثقوا في استجابته وبعد أن يستجيب يتحول هذا لتسبيح وحمد وشكر = لأني بعد أحمده.
والقيثارة والعود يرمزان لحواس المؤمن وقواه العقلية التي يحركها الروح القدس فتعطي أنغام التسبيح من قلب محب لله طاهر وهذا يتم بطاعة الوصية.
والآن لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين؟ بعد أن عرفت طريق فرحك وسلامك فقدمي توبة وارجعي إلى الله فيرجع إليك فتتحرك أوتار قيثاراتك بالتسبيح.
المزمور الخامس والأربعون (الرابع والأربعون في الأجبية)
هو مزمور تسبحة العرس للمسيح الملك المحارب، والعُرس بين المسيح العريسِ وكنيسته.
المزامير السابقة كلمتنا عن الألم سواء للفرد أو للجماعة أو للمسيح، وهنا نرى أفراح العرس فالألم هو طريق العرس والمجد الأبدي.
هنا نرى الشعب وقد اتحد بالمسيح الملك يدخل إلى مجد داخلي كعروس سماوية مزينة، يشتهي الملك جمالها الروحي، تدخل إلى قصره وتنعم به كملكة في بيت عريسها الملك، بل ونبوة عن دخول الأمم نسمع عن عذارى يأتين في إثرها.
والعريس لم يقتنيها مجاناً بل حارب جبابرة ليقتنيها. وبعد أن إقتناها يسمعها صوته إنس شعبك وبيت أبيك (العالم الذي وُلدتِ فيه) فيشتهي الملك حسنك.
المزمور أنشودة حب بين الكنيسة والمسيح، فالكنيسة تقول له "أنت أبرع جمالاً من بني البشر".
نرى هنا المسيح يُمسح بالروح القدس لحساب كنيسته وشعبه (هو بكر بين إخوة كثيرين) "مسحك الله بزيت البهجة أفضل من رفقائك" لذلك نصلي هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة فنذكر أن آلام المسيح إنتهت بقيامته وحلول الروح القدس في هذه الساعة على الكنيسة. هذا الروح القدس الذي يقدس النفس لتصير على صورة عريسها يأخذ مما له ويعطيها.
تستعمل الكنيسة صلوات وآيات من هذا المزمور في طقس الزواج بكون سر الزواج هو ظلاً للعرس الأبدي بين الله الكلمة والكنيسة، والعروسان يستمدان حبهما ووحدتهما من حب المسيح لكنيسته وحب الكنيسة لعريسها المسيح. ولذلك نجد عنوان المزمور ترنيمة محبة. ولذلك شبه السيد المسيح علاقته بالكنيسة بعرس (مت2:22 + 1:25).
يقول بعض الكتاب والمفسرين أن هذا المزمور يشير لعرس سليمان وهذا خطأ كبير لأن هذا المزمور يتكلم عن رجل قتال وسليمان لم يكن رجل قتال أبداً. وربما كتبه داود النبي كنبوة عن المسيح ولذلك أخذ منه بولس الرسول (عب8:1،9).
وفي أعياد القديسة العذراء مريم نرنم بآيات هذا المزمور التي تتكلم عن العروس، فالعذراء هي أم الكنيسة وشفيعتها وطهارة العذراء جعلت المسيح يشتهي حسنها، وهي مشتملة بثوب ذهب رمز طهارتها، وكل مجدها من داخل فهي يتيمة بسيطة فقيرة لكن قلبها كان سماء.
آية (1): "فاض قلبي بكلام صالح. متكلم أنا بإنشائي للملك. لساني قلم كاتب ماهر."
المرتل وقد رأى خلاص المسيح وحبه كعريس لعروسه، فاض قلبه بالحب له، بل فاض لسانه بكلمات حب، أعطاها له الروح القدس وكان هو مجرد كاتب لما أملاه عليه الروح القدس= لساني قلم كاتب ماهر. وهو وجد أن كلماته كفيض، يريد أن يعبر به عن محبته وحينما لم يسعفه لسانه أعطاه الروح القدس أن يفيض (يو37:7،38). وهو كاتب ماهر لا يحتاج للتفكير ولا يتوقف فالروح يملي ما يقوله. وفي السبعينية= إني أخبر الملك بأفعالي= فالحب لم يجعل لسانه فقط يتكلم بل كل أفعاله صارت تنطق بهذا الحب، لقد صارت أعضاؤه آلات بر. ويرى بعض الآباء أن عبارة فاض قلبي بكلام صالح = هي تعبير عن ولادة المسيح (كلمة الله) من الآب. فهو الكلمة الذي يفيض من قلب الآب.
آية (2): "أنت أبرع جمالاً من بني البشر. انسكبت النعمة على شفتيك لذلك باركك الله إلى الأبد."
هذا المولود من الآب أزلياً صار بشراً ولكنه أبرع جمالاً من بني البشر. ليس المقصود هو جمال الجسد بل لأنه كان بلا خطية لذلك أضاف إنسكبت النعمة على شفتيك لم يقل أنه أبرع جمالاً من الملائكة فهو أخذ طبيعتنا وليس طبيعة الملائكة. ولنلاحظ أن الخطية في القلب تترك بصماتها على شكل الوجه، فالغضوب والحاسد والشهواني والخبيث.. هؤلاء يظهر على وجوههم ما في قلوبهم فتصير وجوههم بلا جمال. لذلك باركك الله إلى الدهر= المسيح بحسب الناسوت كان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة (لو52:2) فهو كان يمارس هذا بكونه إنساناً حقيقياً وكان هذا يظهر فيه تدريجياً. ويقال أن الله باركه بمعنى أن ما تناله الكنيسة من بركات إلهية يكون هذا خلال الرأس وباسمه. والنعمة التي انسكبت على شفتيه هي تعاليمه، وكلمات الغفران للخطاة، والحب والشفقة لمن يحتاج. والبركة التي سمعها يوم العماد "هذا هو ابني الحبيب.. " كانت لحساب كنيسته.
آية (3): "تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار جلالك وبهاءك."
الفخذ إشارة إلى جسد الرب يسوع (تك2:24، 10:49). والسيف هو صليبه الذي حمله ليحارب به أعداء عروسته (الشياطين). ومعركة الصليب أثبتت أنه جبار فقد سحق الشيطان وكسر شوكة الموت وفتح الجحيم (1كو18:1)، بل الكرازة بالصليب صارت كسيف (مت34:10). وكلمة الله صارت سيف ذو حدين (عب12:4 + أف17:6) فهي سيف يقطع حركات الشهوة وأهواء النفس التي يثيرها فينا عدو الخير حتى الآن. والمسيح في معركته كان يبدو أمام الناس كضعيف ولكنه كان جباراً وفي جلال، فلقد إظلمت الشمس والقبور تفتحت فآمن الجندي الوثني من جلال المصلوب.
آية (4): "وبجلالك أقتحم اركب من أجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف."
بعد معركته أقام الرب مملكته المؤسسة على الحق والدعة والعدل= البر. وهذا عكس مملكة إبليس القائمة على الباطل وشهوة هذا العالم الزائفة. وحينما نقبله فينا بكونه الحق لا يجد الباطل مكاناً فينا. وحينما نقتنيه وهو الوديع يهرب منا الكبرياء. وحين نتقلد هذه الأسلحة الحق والدعة والعدل نصير أقوياء كما تقلدها فصنع أعمالاً عجيبة بيمينه= قوته. أعمالاً عجيبة أخافت الشياطين، وسقطت ممالك.
آية (5): "نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك شعوب تحتك يسقطون."
نبل السيد المسيح هي كلمات الكرازة بواسطة الرسل. والشعوب هي الشياطين التي انهزمت أو الأمم التي آمنت بالسيد المسيح كالدولة الرومانية التي تحولت للمسيحية.
آية (6): "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك."
ترتل هذه الآية كنيستنا القبطية في الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة في لحن طويل "بيك إثرونوس" لتقول للمسيح ولو أنك صلبت ومت ودفنت إلا أنك على عرشك إلى دهر الدهور. وواضح أن هذه الكلمات لا توجه إلى ملك أرضي سواء داود أو سليمان، بل هي للمسيح ملكنا السماوي، فهو قبل أن يتأنس كان ملكاً ورباً منذ الأزل وبصليبه صار ملكاً ورباً على الكل وبعد صعوده جلس عن يمين الآب إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك= القضيب هو صولجان الملك، وهو يملك بالعدل، تارة يترفق وتارة يؤدب، هو محب للبر ومبغض للإثم، فلا شركة للنور مع الظلمة.
آية (7): "أحببت البر وأبغضت الإثم من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك."
دهن الابتهاج= إشارة لحلول الروح القدس على المسيح لحساب الكنيسة. ويسمى دهن الابتهاج فهو قبل أن يمسح بابتهاج، يمسح ليكون الملك والكاهن والذبيحة (عب2:12) ونحن رفقائه وبسبب أنه هو مُسِحَ صرنا مسيحيين لأننا به نُمسح لله وتُفرز قلوبنا لحساب ملكوته، ويسكن فينا الروح القدس (راجع أع37:10،38) ومن ثماره الفرح فنبتهج حين يسكن في أعماقنا. وتنزع عنا روح الغم، ولكن هذا لمن يحب البر ويبغض الإثم.
آية (8): "كل ثيابك مر وعود وسليخة من قصور العاج سَرَّتك الأوتار."
المر[§§] = مر الطعم جداً (إشارة لآلام الصليب) ولكن رائحته زكية (إشارة للطاعة) وكانوا يكفنون الموتي بالمر والصبر وهكذا عَمِلَ يوسف الرامي مع جسد المسيح.
الميعة والسليخة= أنواع من الأطياب تشير لآلام المسيح فهي مرة (الميعة) أوهي تسلخ من شجرتها فتموت الشجرة (السليخة). ولقد فاحت رائحة ألام المسيح وطاعته فهو أطاع حتى الموت موت الصليب، وفاحت الرائحة في جميع القصور= والقصور هي بيوت الله وهياكله، وقلوب قديسيه التي هي هياكل للروح القدس. وثوب المسيح هو كنيسته وحين يسكنها الروح القدس تصير لها رائحة حلوة، رائحة قبولها الألم مع مسيحها. وذكر عدة أنواع من العطور فلكل منا فضيلة معينة تختلف عن الآخر. وكنيسته هي قصر العاج والعاج لونه أبيض فالكنيسة تبررت بموت عريسها. ونلاحظ أن العاج يأخذونه من الأفيال بعد موتها، فالكنيسة قبلت الموت مع عريسها لذلك فاحت رائحتها العطرة لقبولها الصليب، وهكذا كل نفس تقبل الصليب. سَرَّتْكَ الأوتار= تسبحتها تفرحك.
الآيات (9-16): "بنات ملوك بين حظياتك. جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير. اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له. وبنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية. كلها مجد ابنة الملك في خدرها. منسوجة بذهب ملابسها. بملابس مطرزة تحضر إلى الملك. في إثرها عذارى صاحباتها. مقدمات إليك. يحضرن بفرح وابتهاج. يدخلن إلى قصر الملك. عوضاً عن آبائك يكون بنوك تقيمهم رؤساء في كل الأرض."
يحدثنا المرتل هنا عن العروس. هي ملكة. عن يمينك. فهي عروس الملك. واليمين هو مكان الكرامة المعد للخراف لا للجداء. وهي في مكان الشفاعة فالكنيسة تصلي عن شعبها. وهي لها ثوب من ذهب أوفير= والذهب رمز للسماويات سمة العروس. بنات ملوك في تكريمك= بين حظياتك (نسائك المكرمين)= هم المؤمنين الذين صاروا أبناء الملك والملكة يكرمونه يومياً بتسابيحهم وأعمالهم. مزينة بأنواع كثيرة (بحسب السبعينية) والمقصود حياتها المقدسة وفضائلها وقديسيها وشهدائها وألامها وأسرارها. وبعد أن تمتعت العروس بهذا الشرف عليها أن تنسى ماضيها (وثنيتها وخطاياها) ولاحظ أنها عروس وملكة وابنة= اسمعي يا ابنتي= الله يشتاق لها لتلتصق به وتترك أهلها (العالم) وعاداتها السابقة كما ترك إبراهيم أور، وتنس خطاياها، وكل ما كانت متعلقة به سابقاً كما ترك الرسل شباكهم وتركت السامرية جرتها. وعليها كعروس أن تقدم العبادة لله= فاسجدي له. ونرى هنا أن الأمم الوثنيين= صور هي نموذج للوثنيين وكانت أغنى أمم العالم وأكثرها خطية. سيقدمون هدية للعريس، وما هي الهدية المقبولة عنده سوى إيمانهم به. ولاحظ نصيحة المرتل أو العريس لعروسه الجديدة= أميلي أذنك= أي تنفذي الوصايا. وتسمعي كل كلامه وتؤمني بقدرته. (مت21:15-28) لقد خرجت المرأة الكنعانية إلى المسيح وقدمت له هدية هي إيمانها ولاحظ أنها من نواحي صور وصيدا). والعروس كل مجدها من داخل= هذا يذكرنا بخيمة الاجتماع من داخل ذهب وشقق موشاة ومن خارج كباش محمرة وتخس. والكنيسة مجدها في مسيحها داخلها ومن خارج يوجد ألام واضطهاد. وكل نفس مسيحي مجده من داخل في قلبه الذي تقدس وفرح بعريسه. فعلاقة العروس بعريسها هي في صلاة سرية في المخدع (نش12:4).
منسوجة بذهب ملابسها= مشتملة بأطراف موشاة بالذهب (سبعينية) الأطراف كانت رمانات وأجراس تعلق بأهداب رئيس الكهنة إشارة لتعليم العروس السماوي وكرازتها. في إثرها عذارى= تجذب النفس المؤمنة غيرها للمسيح. والكل في فرح بسبب وجودهم في قصر العريس السماوي. وهي كنيسة ولود، فعوض الآباء يكون دائماً هناك أبناء. المؤمن الحقيقي لا يهتم بالخارج ولكنه يهتم بالداخل، فالعروس لا تكشف جمالها إلا لعريسها الذي أحبته، أما كشف فضائلنا لمن هم في الخارج فيوقعنا في الكبرياء. ولقد قدمت كنيستنا رؤساء كثيرين ولدتهم في معمودية (اثناسيوس/ كيرلس/ أوريجانوس..) وأنطونيوس مؤسس الرهبنة.
المزمور السادس والأربعون (الخامس والأربعون في الأجبية)
وُضِعَ هذا المزمور بسبب الخلاص الذي أعطاه الله لشعبه إثر أزمة عسكرية مع عدو. ربما خلاص أورشليم من حصار أشور أو خلاصها من أي عدو آخر، وربما كتبه داود إثر انتصاره في معركة من المعارك إذ شاهد عمل الله العجيب معه.
المزمور يعلن عن سكنى الله وسط شعبه، سر قوتهم وإحساسهم بالأمان وملجأهم.
والروح القدس حلّ على الكنيسة، وهو الآن ساكن فيها وفي أفرادها، يقودها ويعطيها روح القوة. ولذلك تصلي الكنيسة هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة إذ يحدثنا عن الروح القدس." نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي".
آية (1): "الله لنا ملجأ وقوة. عوناً في الضيقات وجد شديداً."
حين تشتد الآلام، نجد في الله ملجأ لنا وقوة ومعيناً، إن كنا مقدسين له، ننعم بالشركة معه: أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني". والأعداء محيطين دائماً بالكنيسة ولكن وجود الله فيها يعطيها قوة وهو حصن لها. وعلينا أن لا نلجأ لسواه.
الآيات (2،3): "لذلك لا نخشى ولو تزحزحت الأرض ولو انقلبت الجبال إلى قلب البحار. تعج وتجيش مياهها. تتزعزع الجبال بطموها. سلاه.
مهما اشتدت الضيقة، حتى لو تصوَّر الإنسان كأن الأرض تتزلزل تحت قدميه وحتى ما هو راسخ كالجبال لو سقط في المحيطات، علينا أن لا نخاف. البحار هنا إشارة للعالم، والجبال هنا هم الجبابرة العالميين، حتى لو نزل هؤلاء إلى العالم ليحاربوا الكنيسة فلا نخاف لأن الله وسطها. فهؤلاء الجبال غير ثابتين أما المسيح فثابت (إش2:2) وكل ما هو خارج المسيح يعج ويجيش ويضطرب ويتزعزع بسبب كبريائه= بطموها. وفي السبعينية تتزعزع الجبال بعزته= أي من تراهم جبال، إذا أظهر الله عزته وقوته تجدهم يتزعزعون. ولا ننسى أنه طالما إلهنا يسوع نائماً في سفينتا (الكنيسة) لا نخاف مهما اضطرب البحر (العالم) الهيجان ضد الكنيسة بدأ من بداية الكنيسة ولكننا مازلنا نرى الكنيسة قائمة والمسيح في وسطها.
آية (4): "نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي."
هذه نبوة عن عمل الروح القدس المعزي (يو37:7-39) الذي يعطي سلاماً لكنيسته = مدينة الله. تروى هذه المياه مدينة الله فتعطيها ثمار محبة فرح سلام.. + (يؤ18:3) هذا الروح القدس يعمله بالإضافة لهدم إنساننا العتيق وإقامة الجديد. ولنلاحظ أن العالم مشبه ببحار صاخبة متقلبة مياهها مالحة لا تروي، أما الروح القدس فمشبه بالنهر الذي مياهه مروية وهادئ (يعطي سلاماً لا قلق واضطراب). لقد قدس الروح القدس الكنيسة فصارت مقدس مساكن العلي. والروح القدس عامل في أسرار الكنيسة.
آية (5): "الله في وسطها فلن تتزعزع يعينها الله عند إقبال الصبح."
الله يعين كنيسته وينتشلها عند إقبال الصبح (شمس البر) بعد نهاية هذا العالم الذي هو كليل يمر بنا. ولكن الآن هو يسندنا ويعزينا إلى أن ينتشلنا نهائياً إلى السماء.
آية (6): "عجت الأمم. تزعزعت الممالك. أعطى صوته ذابت الأرض."
مهما اشتد صوت المقاومين، الله قادر أن يسكتهم، ولقد هاجت الدولة الرومانية ضد المسيحية، ولكن صوت الله (الكرازة) أسكتها حتى ذابت في المسيحية.
آية (7): "رب الجنود معنا. ملجأنا إله يعقوب. سلاه."
الله بنفسه في وسطنا ولم يرسل إلينا لا ملاك ولا رئيس ملائكة.
الآيات (8،9): "هلموا انظروا أعمال الله كيف جعل خرباً في الأرض. مسكن الحروب إلى أقصى الأرض. يكسر القوس ويقطع الروح. المركبات يحرقها بالنار."
الحروب التي قامت ضد الكنيسة انتهت غالباً بإيمان الأعداء (شاول الطرسوسي بل الدولة الرومانية) والله كسر قوسهم= أي قوتهم وترتيباتهم ضد الكنيسة. ومن لم يؤمن أباده الرب. ولا ننسى هلاك 185.000من رجال أشور عند أسوار أورشليم. فالله بطريقة أو بأخرى يهب كنيسته نصرة.
ونفسر الآيات السابقة أيضاً بأن ثورة الجسد علينا وهياجه في شهوة لهذا العالم، يكسر الله هذه الشهوات وهذه الأسلحة الروحية سواء خارجية أم داخلية، من إبليس المحارب ضدنا أو شهواتنا المحاربة فينا، ويجعل كل هذا خرباً ليقيم الإنسان الجديد.
آية (10): "كفوا واعلموا أني أنا الله. أتعالى بين الأمم أتعالى في الأرض."
كفوا وإعلموا أني أنا الله = من يريد أن يختبر سلام الله، عليه أن يكف على أن يتكل على ذراع بشر. فهو يتعالي بين الأمم يحملنا إلى السمويات، ويتعالى بنا على الأرضيات. وعلى المؤمنين أن يكفوا عن محبة العالم.
المزمور السابع والأربعون (السادس والأربعون في الأجبية)
يقول بعض الدارسين أن المزمور كُتِبَ بمناسبة صعود التابوت من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، والبعض يقول أنه كُتِبَ بمناسبة عمل إلهي فائق مع الشعب.
هذا المزمور دعوة لكل إنسان أن يسبح الله كملك يملك عليه شخصياً وعلى الكل.
هذا المزمور فيه نبوة عن أن المسيح هو الملك على الأرض كلها (7) بعد أن صعد إلى السموات (أية5) وقد ملك على كل الأمم (8،9). وكان اليهود هم الوسطاء لذلك العمل العجيب (4) فالمسيح أتى من اليهود بحسب الجسد وصالح الشعوب كلها مع الله.
نرتل هذا المزمور في صلاة الساعة الثالثة فهو مزمور الصعود.
انتهى المزمور السابق بقوله "أنا الله أتعالى بين الأمم" وهنا نرى كيف تم هذا؟ بالصعود فالمسيح بعدما نزل من السماء بقوة وقدرة عظيمة ليخلص شعبه، عاد إلى عرشه.
آية (1): "يا جميع الأمم صفقوا بالأدياي. اهتفوا لله بصوت الابتهاج."
هي دعوة لكل الشعوب أن يسبحوا الله لعمله العجيب الفدائي. والتصوير هنا أن المسيح ملك عظيم أتى وهزم الملوك الآخرين (الشيطان/ الخطية/ الموت..) ليقيم مملكته هو. والابتهاج والتسبيح يكون بالهتاف والتسبيح. وتصفيق الأيادي= الأيادي رمز للأعمال الصالحة. الله لا يفرح بالأيادي المسترخية، ولا بالأيادي التي تشترك في الآثام.
آية (2): "لأن الرب علىٌ مخوف ملك كبير على كل الأرض."
من الذي ملك على كافة الأرض سوى المسيح وبصليب محبته.
آية (3): "يخضع الشعوب تحتنا والأمم تحت أقدامنا."
أخضع الله الشعوب الوثنية للإيمان بالمسيح، فتركوا خطاياهم وكبريائهم وإنحنوا للصليب.
آية (4): "يختار لنا نصيبنا فخر يعقوب الذي أحبه. سلاه."
في النص العبري= يختار لنا نصيبنا= الله يختار عبيده وميراثهم. بل هو أعطانا نفسه ميراثاً. وفي السبعينية يقول اختارنا ميراثاً له= أي لا فضل لنا في شئ، بل هو اختارنا. يعقوب الذي أحبه= لأن يعقوب أحب البكورية (السمويات) وعيسو أحب العدس (الأرضيات).
آية (5): "صعد الله بهتاف الرب بصوت الصور."
الصور= بوق القرن. ونجد أن التلاميذ بعد صعود المخلص عادوا لأورشليم بفرح عظيم. وكانوا كل حين يسبحون (لو51:24-53). فهم رأوا في صعود المخلص صعوداً لهم. ألم يقل لهم "حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاَ". لذلك فعلينا أن لا نكف عن التسبيح.
آية (9): "شرفاء الشعوب اجتمعوا شعب إله إبرايم لأن لله مجن الأرض هو متعال جداً."
يملك الله على جميع الأمم حيث تتحقق وعود الله لإبراهيم "بنسلك تتبارك جميع الأمم" وذكر إبراهيم هنا لأن كل من ترك ألهته وآمن بالمسيح اجتمع مع إبراهيم. كل من عمل أعمال إبراهيم سيكون مع إبراهيم (يو39:8).
مزامير الساعة السادسة
المزمور الرابع والخمسون (الثالث والخمسون في الأجبية)
من عنوان المزمور نفهم أن داود كتبه عندما هرب من شاول، فتآمر عليه الزيفيون ووشوا به إلى شاول (1صم19:23). فكانوا مثالاً ليهوذا الخائن. بل كان الزيفيون من سبط يهوذا.
نصلى هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر السيد المسيح محاطاً بأعدائه وهو على الصليب، وما لحقه من الخزي والعار، ولكن كان انتصاره محققاً "يرد الشرور على أعدائي".
آية (1): "اللهم باسمك خلصني وبقوتك احكم لي."
اسم الله (تعبير عن قدرات الله وقوته وشخصيته) يكون للمؤمنين نصرة وللمضادين إبادة. (أهمية صلاة يسوع، وتسبيح اسم يسوع دائماً). وباسمه أقام بطرس المقعد.
آية (2): "اسمع يا الله صلاتي أصغ إلى كلام فمي."
نرى هنا الإلحاح واللجاجة في الصلاة، وهنا هو يلتجئ لله في ضيقته الشديدة.
آية (3): "لأن غرباء قد قاموا عليّ وعتاة طلبوا نفسي. لم يجعلوا الله أمامهم. سلاه."
الغرباء= هم الزيفيون والأقويات= شاول وجنوده. والغرباء هم كل من كان على شاكلة الزيفيون في الخيانة والغش مهما كان اعتقادهم.
الآيات (4،5): "هوذا الله معين لي. الرب بين عاضدي نفسي. يرجع الشر على أعدائي. بحقك أفنهم."
هنا يصل المرتل في صلاته لدرجة الثقة في معونة الله، وهذه ظاهرة في مزامير داود أنه يبدأ بالسؤال والشكوى وينتهي بالثقة والتسبيح والشكر لله. الرب بين عاضدي نفسي= داود هنا لا يضع الله في نفس مستوى مؤيديه ولكنه يفتخر بأن الرب معه وإذا كان الرب في جانبه فهو لن يهتم بمن هم ضده مهما كانت قوتهم. وهؤلاء الذين هو بجانبي، هم لا شئ إذا لم يكن الله معهم، بل هو الذي جعلهم يعضدونني. ثم يتنبأ على أعدائه بأنهم سيتعرضون لعقوبة الله وسوف يرجع الشر عليهم. ولنلاحظ أنه في العهد القديم لم يكن هناك تمييز بين الخاطئ والخطية، فالله القدوس البار العادل لابد أن يجازي الخاطئ ليعلن قداسته وحقه = بحقك إفنهم= إظهر عدلك وأنك تحكم بالحق في فنائهم.
آية (6): "أذبح لك منتدباً. أحمد اسمك يا رب لأنه صالح."
منتدباً= طائعاً (سبعينية) أي بإرادتي ومن قلبي وبسرور وليس كفرض.
آية (7): "لأنه من كل ضيق نجاني وبأعدائي رأت عيني."
وبأعدائي رأت عيني= هو يقدم ذبائحه بسرور حين رأى عمل الله ضد أعدائه. ونحن حين نصلي هذا الكلام نضع في قلوبنا أن أعدائنا هم الشياطين والخطية والذات.
المزمور السابع والخمسون (السادس والخمسون في الأجبية)
في أشد أوقات داود لم يترك قيثارته ولا صلواته، وها هو هارب من شاول ولكنه لا يكف عن التسبيح والتضرع إلى الله بثقة (قارن هذا المزمور مع 2كو7:4-11).
على لا تهلك= نشيد معروف يشير إليه، ربما ليرتلونه بنفس النغمة. ومعنى لا تهلك أن لا تقابل الشر بالشر. كما عفا داود عن شاول في المغارة ولم يقتله.
نصلي هذا المزمور في الساعة السادسة، فداود كان في اضطهاد الأقوياء له رمزاً للمسيح. حفروا قدامي حفرة= هذه مؤامرة اليهود. سقطوا في وسطها= هذه نهايتهم استيقظ يا مجدي= استيقظي يا نفسي (سبعينية) هذه نصرة المسيح بالقيامة.
آية (1): "ارحمني يا الله ارحمني لأنه بك احتمت نفسي وبظل جناحيك أحتمي إلى أن تعبر المصائب."
تكرار ارحمني= يدل على أننا محتاجون إلى رحمة الله في الدهر الحاضر وفي الدهر الآتي. وإلى اللجاجة في الطلب. المصائب= الإثم في السبعينية إشارة للتجارب التي يثيرها الشيطان. جناحيك= إشارة لعناية الله بنا (مت37:23) والدجاجة إذا هاجمها صقر ترفرف بجناحيها وتضم فراخها تحتها.
آية (2): "أصرخ إلى الله العلي إلى الله المحامي عني."
الصراخ لا يعني الصوت العالي بل حرارة القلب والإرادة الأكيدة في الطلب.
آية (3): "يرسل من السماء ويخلصني عير الذي يتهممني. سلاه. يرسل الله رحمته وحقه."
يرسل من السماء ويخلصني= ألم يرسل الآب ابنه الوحيد من السماء ليخلصنا (يو13:3) يتهممني= يطأونني أو يضطهدونني (سبعينية). وهم الشياطين. رحمته وحقه= فعلي الصليب ظهرت رحمة الله وحقه (عدله)، هذه هي طريقة الخلاص، فالذي استوفى مطاليب الحق الإلهي هو المسيح المصلوب برحمته. فداس لنا أعدائنا.
آية (4): "نفسي بين الأشبال. اضطجع بين المتقدين بنى آدم أسنانهم أسنة وسهام ولسانهم سيف ماض."
الأشبال= هو الأقوياء الأعداء الذين أحاطوا بداود (شاول ورجاله) أو هم كل من اجتمع حول المسيح (الرومان واليهود) (مز13:22). إضطجع= إشارة إلى موت المسيح بالجسد. يبن المتقدين= يشبه نفسه بالتبن وأعدائه بنيران حارقة.
آية (5): "ارتفع اللهم على السموات ليرتفع على كل الأرض مجدك."
في هذه الإشارة نرى الله يقيم المظلوم ويرفعه، وهي نبوة عن قيام وصعود المسيح بالجسد. وفي نصرة المظلوم يرتفع مجد الله أمام أنظار الشعوب.
آية (6): "هيأوا شبكة لخطواتي. انحنت نفسي. حفروا قدامي حفرة. سقطوا في وسطها. سلاه."
حين رأى المرتل مؤامرات الأعداء لإصطياده (شبكة / حفرة) إنحنت نفسه من أحزانه (حفرة مخفية كشرك ليوقعوه فيها). ولكنهم سقطوا هم فيها (هامان).
وهذا ما حدث مع المسيح في هذه الساعة، إذ نجحت وقتياً خطة الأشرار وصلبوه وكان في حزن عظيم "نفسي حزينة إلى الموت". سقطوا في وسطها= وهذا ما حدث مع المسيح حين أتى إبليس وجنوده ليقبضوا علي روح المسيح فإذ به يقبض هو عليهم. ويقيدهم ألف سنة. وهذا ما حدث مع داود وشاول، فسقط شاول في يد داود.
آية (7): "ثابت قلبي يا الله ثابت قلبي أغنى وأرنم."
ثابت قلبي= قلبي لم يتزعزع أثناء مقاومة الأعداء لي، بل كنت أغني وأرنم. والقديس أثناسيوس الرسولي يفسر ثابت قلبي (مستعد حسب السبعينية) أنه قلبه مستعد لحلول الروح القدس الذي يعلمه الترنيم والتسبيح. والروح القدس حلّ علينا بعد أن تم عمل المسيح الفدائي.
آية (8): "استيقظ يا مجدي. استيقظي يا رباب ويا عود أنا أستيقظ سحراً."
استيقظ يا مجدي= استيقظي يا نفسي (سبعينية) إشارة لمجد الله الذي ظهر في إقامة المسيح، وفي معونة من ألتجأ إليه. وفي حلول الروح الذي أعطانا حياة التسبيح. أنا أستيقظ سحراً (مبكراً) سبعينية. فالمسيح قام فجر الأحد. وكل من حل عليه روح الله وإمتلأ به يستيقظ مبكراً ولا يتغافل ويقوم ليرنم.
الآيات (9-11): "أحمدك بين الشعوب يا رب أرنم لك بين الأمم. لأن رحمتك قد عظمت إلى السموات وإلى الغمام حقك. ارتفع اللهم على السموات. ليرتفع على كل الأرض مجدك."
أرنم لك بين الأمم= هذه بروح النبوة، فمزامير داود ترتل بها كل الأمم الآن. رحمتك عظمت إلى السموات= رحمة الله رفعت الإنسان الترابي إلى السماء فسبحت الملائكة السمائيين الله على عمله العجيب. وإلى الغمام حقك= الغمام أو السحاب يشير للقديسين (أش1:19 إشارة للعذراء + عب1:12) فكل من عاش حياة مقدسة يشبه بالسحاب لأنه أرتفع عن الأرضيات. ومراحم الله تشبه بالمطر المتساقط على البشر يعطيهم الخير. ليرتفع على كل الأرض مجدك= إيمان كل الأرض.
المزمور الحادي والستون (الستون في الأجبية)
نجد هنا مثل كثير من مزامير داود، نجده يبدأ بقلب حزين يشتكي باكياً أعدائه المتربصين به، ولكنه ينتهي بأغاني التسبيح، لأن الله رفع نفسه وأعطاه الثقة في حمايته بالرغم من قوة الأعداء حوله، وحين شعر باستجابة الله له فرح وشكر إذ رأى نصرته قادمة.
ربما كان داود حين رنم هذا المزمور هارباً من شاول أو إبشالوم والأغلب إبشالوم فهو يسمى نفسه ملكاً. ولكن هذا المزمور بشكل نبوي يحدثنا عن المسيح.
يرى القديس أثناسيوس الرسولي أن في هذا المزمور شكر لله على عودة المسبيين.
نصلى هذا المزمور في الساعة السادسة فنذكر صراخ المسيح وهو على الصليب وأن الآب استجاب له وأقامه تزيد الملك أياماً. والله استجاب له بأن أعطى ميراثاً لخائفي إسمه= كل من آمن بالمسيح صار له نصيباً في ميراثه.
الآيات (1،2): "اسمع يا الله صراخي وأصغ إلى صلاتي. من أقصى الأرض أدعوك إذا غشى علىّ قلبي. إلى صخرة أرفع مني تهديني."
من أقصى الأرض أدعوك= قد تشير هذه للمسبيين في بابل (قالها بروح النبوة) وقد تشير أنه الآن بعيداً عن المقادس، ولكنه حتى لو ابتعد إلى أقصى الأرض فسيظل يصرخ إلى الله، ولن تكون المسافات عائقاً، فهم طردوه وحرموه من المقادس لكنهم لن يستطيعوا أن يحرموه من الملجأ الوحيد الذي له وهو الله. وقد تعني أقصى الأرض، أنه في أهوال شديدة وشاعراً بالوحدة والعزلة، ولا يجد سوى الله بجانبه وكل من هو شاعر بأنه عبد لخطية ما أبعدته عن الله يصرخ هكذا وهو بعيداً غشى علىّ قلبي= المعنى الحرفي "طفح من الهم" أو هو يتلوى من الألم. إلى صخرة أرفع مني تهديني= الصخرة هو ربنا يسوع المسيح (1كو4:10). وقوله أرفع منى يعني أنه يتوق إلى حماية أكبر من طاقاته هو، هو شاعر أنه أضعف من الأعداء المحيطين به عاجز أن ينقذ نفسه، ويطلب أن يتحقق له الأمان والحماية، غير القادر هو أن يتوصل إليهما. أما السبعينية فترجمتها "على الصخرة رفعتني أرشدتني" بصيغة الماضي وصيغة الماضي تفيد الثقة في الأمر كأنه قد تحقق.
آية (3): "لأنك كنت ملجأ لي برج قوة من وجه العدو."
هنا نسمع أن الله ملجأ وبرج حصين= برج قوة لمن يلجأ إليه.
آية (4): "لأسْكُنَنَّ في مسكنك إلى الدهور. أحتمي بستر جناحيك. سلاه."
اشتياقه للعودة إلى أورشليم وإلى الأقداس. الجناحين هما عنايته وحمايته.
آية (5): "لأنك أنت يا الله استمعت نذوري. أعطيت ميراث خائفي أسمك."
استمعت نذوري= استمعت صلواتي (سبعينية). أعطيت ميراث خائفي إسمك الله أعطى اليهود ميراث، أرض كنعان. وأعطى للمؤمنين بالمسيح ميراثاً سماوياً. بالنسبة لداود، تفهم هذه الآية أنه نذر أن يكون كله لله إذا أعاده الله لميراثه (أورشليم) وبالنسبة للمسيح فلقد قدس نفسه (خصص نفسه لعمل الفداء) (يو19:17). ليعطي لمن يؤمن به ميراث الحياة الأبدية.
آية (6): "إلى أيام الملك تضيف أياماً. سنينه كدور فدور."
بالنسبة إلى داود تفهم هذه الآية أن إبشالوم ورجاله لن ينالوا منه ويقتلوه بل سيحيا. هذه تمت حرفياً مع حزقيا الملك من نسل داود إذ أطال الله عمره 15 سنة. وكان هذا يرمز لقيامة المسيح وأن الموت لن يسود عليه. سنينه كدور فدور= أي يزيد الله سنيه من جيل إلى جيل (سبعينية) ولأجيال عديدة (إنجليزية).
آية (7): "يجلس قدام الله إلى الدهر. أجعل رحمة وحقاً يحفظانه."
يجلس قدام الله إلى الدهر= عن داود تفهم هذه أن يعود إلى كرسيه كملك. ولكن كيف نفسر أن داود سيجلس إلى الأبد على كرسيه؟ قال البعض دوام مزاميره كصلوات للكنيسة حتى نهاية الأيام. ولكن هذه تفهم أيضاً عن جلوس المسيح بعد قيامته عن يمين الآب.
إجعل رحمة وحقاً يحفظانه= من أجل طاعة المسيح حتى الموت (وفيها رحمة + عدل) رفعه الله وجعل له اسماً فوق كل اسم (في8:2-11).
آية (8): "هكذا أرنم لاسمك إلى الأبد لوفاء نذوري يوماً فيوماً."
إذ رأي المرتل خلاص الله سبح ورتل. ونفهم أن التسبيح القلبي هو من ثمار عمل الروح القدس في النفس. والروح القدس حل على الكنيسة بعد صعود المسيح، فصارت الكنيسة كنيسة مسبحة إلى دهر الدهور. ونذر الكنيسة هي أن تعبد الله دائماً.
المزمور الثالث والستون (الثاني والستون في الأجبية)
راجع تفسيره في صلاة باكر
ونصليه في الساعة السادسة لنذكر آلام المسيح ونصرته بالرغم من أنه على الصليب.
المزمور السابع والستون (السادس والستون في الأجبية)
راجع تفسيره في صلاة باكر
ونصليه في الساعة السادسة، لنهتف ونرنم فرحاً بما حصلنا عليه من استحقاقات دم المسيح. والأرض أعطت ثمرتها لأن حبة الحنطة وقعت في الأرض (صلب المسيح") (يو24:12)
المزمور السبعون (التاسع والستون في الأجبية)
راجع تفسيره في صلاة باكر
نصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر مدة ما لحق بسيدنا له المجد من الآلام والعار.
المزمور الرابع والثمانون (الثالث والثمانون في الأجبية)
تقول بعض الآراء أن هذا المزمور كُتِبَ أثناء فترة السبي أو بعدها تعبيراً عن اشتياق المسبيين للعودة، أو فرحتهم بالعودة إلى بيت الرب. ولكن رأى آخرين أن هذا المزمور هو بلسان داود إذ يحمل أنفاسه واشتياقاته لبيت الرب وقيل في هذا أنه كتبه وهو هارب من إبشالوم وقيل أيضاً أنه كتبه حين رفض الرب أن يبني هو الهيكل تاركاً هذا العمل لإبنه سليمان.
روحياً نرتل هذا المزمور ونتعلم منه الاشتياق لبيت الرب والسعادة بالسكنى فيه. وأن في العبادة شبع للروح كما يشبع الجسد بالغذاء.
ونصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر ألام الرب يسوع وأنه انتصر بألامه على أعدائه "طوبى للرجل الذي نصرته من عندك يا رب". ونرتل نحن هذا المزمور لأننا صرنا كالعصفور الذي وجد له بيتاً، مساكين بالروح ولكننا وجدنا في الكنيسة جسد المسيح حماية وسلام دبرهم لنا بصليبه. ولكن على شعبه أن يعلم أنه خلال فترة غربته على الأرض فهو يعبر في وادي البكاء. ولكن من قوة إلى قوة.
الآيات (1،2): "ما أحلى مساكنك يا رب الجنود. تشتاق بل تتوق نفسي إلى ديار الرب. قلبي ولحمي يهتفان بالإله الحي."
مساكنك= هذه نبوة عن الكنيسة التي تسجد لله في كل مكان (يو20:4-24) لكن بالروح والحق، أما اليهود فلم يكن لهم سوى مسكن واحد أيام داود (الخيمة) ومسكن واحد أيام سليمان ومن بعده حتى المسيح (وهو الهيكل). أما وجود كنيسة في كل مكان فلم يحدث سوى مع المسيحية. قلبي ولحمي= قلبي وجسدي (سبعينية) فأنا أشتاق بكل كياني للوجود في مسكن الله، وهذا اشتياق كل مؤمن الآن أن ينطلق ليسكن مع الله في الحياة الأبدية "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح.. " فمعرفة الله هي الحياة الأبدية (يو3:17).
آية (3): "العصفور أيضاً وجد بيتاً والسنونة عشاً لنفسها حيث تضع أفراخها مذابحك يا رب الجنود ملكي وإلهي."
الأممي (الوثني) كان ضالاً مثل عصفور بلا عش، وبإيمانه صار بيت الله مسكناً له. بل صار للمؤمنين أولاداً روحيين= حيث تضع أفراخها (غل19:4). مذابحك يا رب الجنود= هي لي مثل عش العصفور والسنونة (اليمامة في السبعينية) والمؤمنين وأولادهم الروحيين يجدون غذاءهم من على مذابح رب الجنود (التناول). وفي الإشارة للطيور، ربما وجد داود أن في طيرانها فوق وحول مسكن الله ميزة لها عنه، وهو الآن بعيداً عن مسكن الله. وربما رأى فيها ضعفاً متناهياً مثل ضعفه وهو عاجز عن الدفاع عن نفسه، وبالرغم من ضعفها فالله أعطاها مسكناً، ورأى في هذا رجاءً له أن يكون له هو أيضاً مسكن الله ملجأ وحصناً له. وربما رأى المرتل أن العصفورة واليمامة وهي طيور طاهرة إشارة إلى أن من يسكن بيت الله الطاهرين.
آية (4): "طوبى للساكنين في بيتك أبداً يسبحونك. سلاه."
طوبى لمن ولد في الكنيسة (المعمودية) ويعيش فيها (يتغذى من مذبحها)، يحيا في طهارة فيمتلئ من الروح ويعيش مسبحاً الله كل عمره، مبتعداً عن الأرضيات.
آية (5): "طوبى لأناس عزهم بك. طرق بيتك في قلوبهم."
مثل من ذُكِرَ في (آية4) طوباه مثل هؤلاء عزهم بك= الله هو مصدر قوتهم طرق بيتك في قلوبهم= ما هي الطرق التي نعرفها من الكتاب المقدس التي توصلنا إلى السكني في بيت الله؟ (من يحب الله يحفظ وصاياه، ومن يحب الله يحب قريبه) وفي السبعينية ترجمت رتب في قلبه أن يصعد = فطرق الله تصعد بنا دائماً من الأرضيات إلى السمائيات.
آية (6): "عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً. أيضاً ببركات يغطون مورة."
عابرين في وادي البكاء. وادي البكاء هو طريق مؤدي لأورشليم. ولم يكن فيه آبار أولاً. فكان المسافر إلى أورشليم أثناء عبوره في هذا الوادي معرضاً للهلاك، إلا إذا حفر بئراً ليشرب، أو يحفرون حفراً لتستقبل مياه الأمطار، ويبدو أنهم حفروا هذه الحفر وتركوها تمتلئ بمياه الأمطار لمساعدة المسافرين. والكلمة الأصلية وادي البكا= تشير كلمة البكا إلى البكاء فعلاً وقد تعني شجرة البلسان وهذا البلسان يستعمل كدواء للأمراض والجروح (أر22:8). وهذا البلسان يحصلون عليه بجرح الشجرة بفأس فيخرج العصير من قشرتها فيتلقونه في أوانٍ خزفية. وكلا المعنيين له تأمل رائع. فنحن في رحلتنا لأورشليم السماوية نعبر في هذا العالم، وادي البكاء الجاف معرضين للهلاك، ولكننا بجهادنا (حفر الآبار) نمتلئ من الروح القدس، الماء المنسكب من أعلى فلا نهلك، بل هو يشفي (البلسان). ويشير البكاء للتوبة والجهاد. والذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج(مز5:126). فعلينا أن نقضي أيام غربتنا في بكاء على خطايانا، والله يملأنا هو بفرح حقيقي من عنده. ومن يبكي هكذا على خطاياه يحول الوادي إلى ينبوع تعزيات. ببركات يغطون مورة= راجع الكتاب المقدس بشواهد فهذه الآية مترجمة ترجمة أخرى "أيضاً ببركات يكسبه المطر المبكر" وفي الإنجليزية" الأمطار تملأ البرك (الحُفَرْ). وغالباً مورة كان وادي جاف والمعنى أنه حين يبارك الله يتحول الجفاف إلى بركة ونعمة من الروح القدس.
آية (7): "يذهبون من قوة إلى قوة يرون قدام الله في صهيون."
هؤلاء الذين ينمون سائرين في طريق أورشليم يذهبون من قوة إلى قوة. أي من فضيلة إلى فضيلة، ومن خطية إلى بر. ومن هذا العالم إلى الحياة الأبدية.
آية (8): "يا رب إله الجنود اسمع صلاتي وأصغ يا إله يعقوب. سلاه."
يا إله يعقوب= المسيحية هي عبادة إله يعقوب وليس إلهاً آخر.
آية (9): "يا مجننا انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك."
مجننا= الله لنا كمجن أي ترس حماية. التفت إلى وجه مسيحك= نحن بدون شفاعة المسيح عنا نكون غير مقبولين أمام الآب، ولا يستجاب لنا إلا إن طلبنا باسمه ويصير معنى الآية استجب لنا من أجل مسيحك.
آية (10): "لأن يوماً واحداً في ديارك خير من ألف. أخترت الوقوف على العتبة في بيت إلهي على السكن في خيام الأشرار."
يوم واحد في مسكنك يا رب خير من ألف في مساكن الأشرار بعيداً عنك.
المزمور الخامس والثمانون (الرابع والثمانون في الأجبية)
هذا المزمور يكلمنا عن عودة الشعب من السبي. ولأن عودة الشعب من سبي بابل هي رمز لعودة الإنسان من سبي إبليس بعد أن حرره المسيح بصليبه نصلي هذا المزمور في صلاة الساعة السادسة وفي الساعة السادسة صُلِب المسيح على الصليب. وعلى الصليب تحققت هذه الآية "الرحمة والحق إلتقيا" وبالصليب رضى الله عن شعبه وغفر إثمهم، وتكلم عنهم بالسلام.
آية (1): "رضيت يا رب على أرضك. أرجعت سبي يعقوب."
الله بسبب أثام اليهود غضب عليهم وعلى أرض مسكنهم (هو1:4-3). ولقد خربت أرضهم وحُرِق الهيكل ودُمِّرَ تماماً، وذهب الشعب للسبي. ولما رجعوا سبحوا الله. وكل خاطئ يعرض نفسه للخراب وحينما يتوب يرضى الله عنه فتثمر أرضه (جسده).
آية (2): "غفرت إثم شعبك. سترت كل خطيتهم. سلاه."
هذه الآية لم تتحقق إلا بشفاعة المسيح الكفارية (1يو8:1). وغفران الخطية. لم يحدث للشعب حين خرجوا من مصر فلقد ماتوا في البرية. ولا حدث في رجوعهم من بابل.
آية (3): "حجزت كل رجزك. رجعت عن حمو غضبك."
حين غفرت خطايانا بدم المسيح سكن غضب الله.
الآيات (4-7): "أرجعنا يا إله خلاصنا وأنف غضبك عنا. هل إلى الدهر تسخط علينا. هل تطيل غضبك إلى دور فدور. ألا تعود أنت فتحيينا فيفرح بك شعبك. أرنا يا رب رحمتك وأعطنا خلاصك."
قد تكون هذه الآيات طب مزيد من الرحمة، لأننا نجد في هذه الآيات أنها تتغير من صيغة الماضي (رضيت/ أرجعت..) إلى صيغة الرجاء ليعطي الله في المستقبل (ارجعنا/ أنفِ غضبك..) ويكون المرتل بهذا كأنه يطلب من شعبه ألا يكفوا عن التضرعات. فأورشليم مازالت مهدومة والهيكل مهدوم والأعداء مازالوا محيطين بأورشليم (راجع نحميا). وكل من عاد بالتوبة إلى الله عليه حتى وإن شعر بأن الله قد رضى عنه، ألا يكف عن التضرع أن تستمر مراحم الله، فالأعداء (إبليس والجسد والذات والموت..) مازالوا موجودين. والمسيح بصليبه سكَّن غضب الآب ولكننا مازال علينا أن لا نكف عن التضرع فهؤلاء الأعداء مازالوا محيطين بنا. إلا أن الآباء رأوا أن المرتل كتب هذا بروح النبوة إذ رأى أن هذا الصلح وهذا الرضا من الله على كل العالم تم بواسطة شر اليهود الذي اكتمل في الصليب فصرخ إلى الله أن يقبل اليهود ولا يرذلهم للأبد فهم شعبه. أي يطلب إيمانهم بالمسيح.
آية (8): "إني أسمع ما يتكلم به الله الرب. لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولأتقيائه فلا يرجعن إلى الحماقة."
هكذا قال المسيح "سلامي أترك لكم.. " فهو ملك السلام. أتي بالسلام بين الله والإنسان وبين الإنسان والإنسان وبين الإنسان ونفسه. وهذا السلام مشروط بأن لا يرجع الإنسان إلى الحماقة (الخطية). إني أسمع= الله أخبره بخطته للخلاص.
آية (9): "لأن خلاصه قريب من خائفيه ليسكن المجد في أرضنا."
خلاصه قريب= لقد عرفه الله بأن المسيح سيأتي قريباً للعالم. ليسكن المجد في أرضنا المسيح أتي وسكن في إسرائيل. وهو يسكن الآن فينا وفي كنيستنا.
آية (10): "الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما."
الله عادل ويحكم بالحق. والحكم الحق هو الموت على الخاطئ. والله رحيم لذلك جاء المسيح ليصلب بدلاً منَّا. لذلك الرحمة والحق إلتقيا على الصليب. البر والسلام تلاثما= البر يعني العدل. وكيف يتلاقي العدل أو البر (وهذا يطلب الموت للخاطئ) مع السلام (وهل من هو محكوم عليه بالموت يكون له سلام؟! هذا لم يحدث إلا بالصليب. وكل من يريد أن يحيا في سلام فليحيا في بر وحق.
آية (11): "الحق من الأرض ينبت والبر من السماء يطلع."
الحق من الأرض ينبت= هذا هو جسد المسيح الذي أخذ جسدنا من العذراء مريم. ويسميه هنا الحق، فكل نسل المرأة كان باطلاً فنحن بالخطية نولد، إلا المسيح فهو لم يكن من زرع بشر بل هو البر من السماء يطلع= فهو البر والعدل الذي طأطأ السموات ونزل ليأخذ جسداً بشرياً. "أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو17:1).
آية (12): "أيضاً الرب يعطي الخير وأرضنا تعطي غلتها."
المسيح هو حبة الحنطة التي دفنت في الأرض (يو24:12) فأعطت الأرض غلتها أي خرجت الكنيسة كلها من ذلك الجنب المطعون الذي أخرج دم وماء.
آية (13): "البر قدامه يسلك ويطأ في طريق خطواته."
المسيح شمس يرنا سيقودنا وهو يقودنا للآب، ويضعنا على الطريق إلى الآب ويطأ في طريق خطواته= هو يقودنا في الطريق. ونسير في طريق خطواته، نحتمل ألام العالم، يثبتنا فيه فنكون أبرار أمام الآب ويكون لنا ميراثاً معه.
المزمور السادس والثمانون (الخامس والثمانون في الأجبية)
هو صلاة لداود، وهي صلاة نموذجية نتعلم منها الاتضاع، فهو يقول أنه مسكين وبائس بينما هو الملك العظيم. نشعر في صلاته بأنه في ضيقة، وعلى كل من في ضيقة أن يلجأ لله هكذا وبتواضع. وداود هنا في ضيقته هو رمز للمسيح الذي في أيام جسده صرخ (عب7:5) فاستجابه الرب. وهنا نرى استجابة الرب "وقد نجيت نفسي من الجحيم السفلي. فالمسيح نزل إلى الجحيم من قبل الصليب. وبعد هذا قام ظافراً على الشيطان والموت. ولذلك نصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر آلام المسيح ونصرته.
آية (1): "أمل يا رب أذنك. استجب لي. لأتي مسكين وبائس أنا."
أمل يا رب أذنك= تواضع يا رب وأنظر لي أنا الخاطئ، وإقبل صلاتي. أنت يا رب عظيم وجبار، وأنا مسكين وبائس (بسبب خطيتي) فتواضع وإقبل أن تسمعني.
آية (2): "احفظ نفسي أني تقي يا إلهي خلص أنت عبدك المتكل عليك."
لأني تقي= المقصود أنني عبدك المتكل عليك (هذا هو سبب أنني بار) ولست مثل الأشرار الذين يضطهدونني بلا سبب.
الآيات (3،4): "ارحمني يا رب لأنني أصرخ اليوم كله. فرح نفس عبدك لأنني إليك يا رب أرفع نفسي."
إليك أصرخ اليوم كله= هذه مثل صلوا بلا انقطاع (1تس17:5). فالأعداء لن يكفوا عن الحرب ليلاً أو نهاراً. فرح نفس عبدك لأني إليك يا رب أرفع نفسي= كل من يرفع نفسه عن ملذات الدنيا يحصل على فرح روحي.
آية (8): "لا مثل لك بين الآلهة يا رب ولا مثل أعمالك."
جدف ربشاقي على الله قائلاً "آلهة الأمم لم تقدر أن تخلص شعوبها فكيف يقدر إلهكم أن يخلصكم من ملك أشور" وفي هذه الليلة أهلك ملاك الرب 185.000 من جيش أشور وظهر أن الرب ليس له مثيل في العالم وآلهته. داود هنا لا يعترف بأن هناك آلهة أخرى ولكنه يستعمل اسم آلهة كما تسميها شعوبها.
الآيات (9،10): "كل الأمم الذين صنعتم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويمجدون اسمك. لأنك عظيم أنت وصانع عجائب. أنت الله وحدك."
نبوة عن دخول الأمم إلى الإيمان. يأتون= باقتراب قلبهم للإيمان. صانع عجائب= العجائب هي تجسد المسيح ومعجزاته وقيامته وصعوده ومحبته العجيبة.
آية (11): "علمني يا رب طريقك أسلك في حقك. وحد قلبي لخوف اسمك."
علمني يا رب طريقك= طريق الله هو ترك وتجنب كل المعاصي وملازمة الفضائل ولن نستطيع السلوك في هذا الطريق بدون معونة الله "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (راجع أيضاً يو6:14). وحد قلبي= ليصير قلبي بسيطاً غير منقسم بين محبة الله ومحبة العالم. ورأس الحكمة مخافة الله. فبداية أي طريق يكون بخوف الله.
آية (12): "أحمدك يا رب إلهي من كل قلبي وأمجد اسمك إلى الدهر."
حين يتوحد القلب في مخافة الله يصير كله لله فيقدم له الحمد والتمجيد إلى الدهر.
آية (13): "لأن رحمتك عظيمة نحوي وقد نجيت نفسي من الهاوية السفلي."
قارن مع (1بط19:3،20). فالمسيح نزل إلى الجحيم ليخلص من كان فيه موجوداً على الرجاء.
الآيات (14-17): "اللهم المتكبرين قد قاموا عليّ وجماعة العتاة طلبوا نفسي ولم يجعلوك أمامهم. أما أنت يا رب فإله رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة والحق. التفت إلىّ وارحمني. أعط عبدك قوتك وخلص بن أمتك. أصنع معي آية للخير فيرى ذلك مبغضي فيخزوا لأنك أنت يا رب أعنتني وعزيتني."
قد تكون تصويراً للأعداء المحيطين بداود، أو الأشرار المحيطين بالمسيح يوم الصليب. أو هو إبليس وجنوده حين حاولوا أن يقبضوا على روح المسيح، هؤلاء هم المتكبرون وجماعة العتاة طلبوا نفسي. ولم يقدروا بل قبض هو عليهم خلص ابن أمتك= تقال عن المسيح ابن العذراء مريم بالجسد، إذ لم يكن له أب بالجسد. إصنع معي آية للخير= لقد ظهرت آيات كثيرة مع المسيح منذ ولادته من عذراء ثم معجزات وحتى يوم الصليب، إظلمت الشمس وقام الأموات. ثم بعد الموت ظهرت قوته حقيقة وأمسك بإبليس، إذ كان قد دفع الدين وإفتدانا من يده.
المزمور السابع والثمانون (السادس والثمانون في الأجبية)
هذا المزمور هو مديح لصهيون كرمز للكنيسة. بل ما ذُكِرَ في هذا المزمور لا ينطبق بالكامل إلا على كنيسة المسيح. ونجد في المزمور أن صهيون مفضلة عن باقي أرض إسرائيل. لأن الهيكل مؤسس هناك، وهناك العبادة لله.
يرى البعض أن المزمور كُتِبَ في فترة إزدهار أورشليم، أيام داود أو سليمان ويقول أصحاب هذا الرأي أنه كُتِبَ أثناء نقل التابوت من بيت عوبيد أدوم إلى صهيون، أو أثناء تدشين هيكل سليمان. وهناك من قال أنه كُتِبَ بعد السبي أثناء خراب أورشليم لتشجيع المسبيين على العودة إلى أورشليم لتعميرها، بناءً على الوعود التي قيلت عنها ومحبة الله لها. فبالرغم من أن أورشليم خربة ولا أحد يهتم بها، لكن الله قال عنها أشياء مجيدة. وهذا ينطبق على كنيسة المسيح التي صار لها الأمجاد تحت راية المسيح. (سواء الكنيسة على الأرض أو في السماء).
آية (1): "أساسه في الجبال المقدسة."
أساسه= يتكلم المرتل هنا عن هيكل تأسس على الجبال المقدسة. وهو مؤسس بقوة وهذا ما تشير إليه كلمة الجبال المقدسة. ولأن الهيكل مؤسس على الجبال فهو ثابت، عكس المسكونة المؤسسة على البحار، إذاً هي متقلبة (مز2:24) والهيكل قد يكون هيكل سليمان، أو الكنيسة هيكل المسيح (يو21:2). والكنيسة مؤسسة على الرسل والأنبياء والمسيح هو حجر الزاوية (اف20:2). والهيكل كان مبنياً على جبل المريا في صهيون. وطالما الكنيسة مؤسسة على المسيح (جبل بيت الرب) الثابت في رأس الجبال (الرسل والأنبياء) (أش2:2) فهي لن تسقط أبداً، وهي عالية شامخة. وهي جبال مقدسة، فالقداسة هي التي أعطت قوة للبناء.
آية (2): "الرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب."
صهيون= هي أورشليم عاصمة إسرائيل، وهناك كان الهيكل لذلك تعظمت على باقي مدن إسرائيل= مساكن يعقوب. خصوصاً بعد إنفصال العشرة أسباط عن يهوذا وعبادتهم للبعل. وصهيون كلمة عبرية معناها حصن. وكان هذا الحصن قائماً على جبل إسمه صهيون. وأورشليم ضمت هذا الجبل مع الجبال المحيطة وهم ثلاثة آخر (المريا واكرا والبيزيتا). وكان أورشليم عاصمة أعظم ملوك إسرائيل وهم داود وسليمان. وكان الهيكل فيها وفي الهيكل تابوت العهد. بل كان ملكي صادق رمز المسيح الكاهن والملك حاكماً على أورشليم. وعلى جبل المريا قدم إبراهيم ابنه اسحق ذبيحة وعاد حياً رمزاً لما حدث مع المسيح. الرب أحب أبواب صهيون= الله أحَّب صهيون ففيها الهيكل والعبادة وفيها كرسي داود الذي أحبه الله. والله أحب أبواب صهيون لأن من هذه الأبواب يدخل المؤمنين ليعبدوا في الهيكل. وبالنسبة للكنيسة فأبوابها الآن هي الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3) والمعمودية والتوبة.
آية (3): "قد قيل بك أمجاد يا مدينة الله. سلاه."
هناك أمجاد كثيرة ونبوات مجيدة عن أورشليم لأن الله ساكن فيها (مر11:9) وكما سكن الله في أورشليم سكن في بطن العذراء مريم. لذلك ترتل الكنيسة هذه الآية عشية عيد ميلاد السيدة العذراء ومع هذه الآية أجزاء أخرى "أعمال مجيدة قد قيلت لأجلك يا مدينة الله وهو العلي الذي أسسها إلى الأبد لأن سكنى الفرحين جميعهم فيك" فالمزمور يشيد بصهيون الأم والذي ولد فيها هو الإنسان وهو نفسه العلي الذي أسسها. وأورشليم أيضاً هي الكنيسة جسد المسيح (سواء على الأرض أو في السماء) (عب22:12 + رؤ2:21-4) وما هي الأشياء المجيدة التي قيلت عن كنيسة المسيح؟ أنها عروس المسيح وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها وأنه اشتراها بدمه وأنها كنيسة ملوك وكهنة.
آية (4): "أذكر رهب وبابل عارفتي. هوذا فلسطين وصور مع كوش. هذا ولد هناك."
رَهَب= هي مصر ومعنى الكلمة كبرياء. بابل= مركز عبادة الأصنام. صور= حيث الغني والمال والخطايا البشعة كوش= اللون الأسود رمز الخطية (أر23:13). واللون الأسود يشير لظلام النفس والقلب. هؤلاء كانوا عابدي أوثان مع فلسطين. وبعد مجيء المسيح دخل الأمم للإيمان لذلك قيل عن مصر وبابل عارفتيَّ وبعد أن كانت مصر رمز للكبرياء صارت بعد المسيح من المؤمنين وقيل عنها مبارك شعبي مصر (أش25:19). هذا ولد هناك= هؤلاء ولدوا هناك (سبعينية) فهذه الشعوب بالمعمودية ولدت هناك، أي في صهيون أي الكنيسة.
آية (5): "ولصهيون يقال هذا الإنسان وهذا الإنسان ولد فيها وهي العلي يثبتها."
الإنسان الذي ولد في صهيون هو المسيح الذي بصليبه صار لنا ولادة ثانية بالمعمودية فتصير صهيون الكنيسة أمنا حينما نولد من الماء والروح. وهي العلي يثبتها= المسيح المولود في صهيون هو العليُّ الذي يثبت كنيسته.
آية (6): "الرب يعد في كتابة الشعوب أن هذا ولد هناك. سلاه."
كل من ولد بالمعمودية يعده الله من المكتوبين في السماوات (لو20:10).
آية (7): "ومغنون كعازفين كل السكان فيك."
هذا حال المؤمنين في الكنيسة، التسبيح والفرح بسبب ما هم فيه من سلام.
· والكنيسة تصلي هذا المزمور طوال الصوم الأربعيني المقدس بعد أن يفرغ الكاهن من انتقاء الحمل ووضعه في الصينية وبعد أن يصب الخمر في الكأس، إشارة للكنيسة التي تأسست بذبيحة المسيح (التي يقدمها على المذبح)، والكنيسة التي صار يسوع المسيح ساكناً فيها، وهو معنا على المذبح، فبعد أن سكن في بطن العذراء، هو الآن ساكن وسط كنيسته يثبتها. كنيسته المولودة في المعمودية. ونصلي بالمزمور في أثناء فترة الأربعين المقدسة لأنها تنتهي بأسبوع الآلام الذي فيه صُلِب رب المجد ومات وقام، هذه الأمور التي قامت عليها الكنيسة الجديدة.
· ونصلي بهذا المزمور في الساعة السادسة، ففي هذه الساعة صُلِب رب المجد ليجمع كل الشعوب المتفرقة إلى واحد. ولن يكتب في سفر الحياة إلا الذين وُلِدوا في الكنيسة المقدسة، هؤلاء هم الفرحون الذين يسكنون فيها إلى الأبد.
المزمور الحادي والتسعون (التسعون في الأجبية)
المزمور السابق لهذا المزمور مكتوب عنه أنه لموسى النبي، لذلك قال كثير من الدارسين أن هذا المزمور أيضاً لموسى النبي. وقال الآخرين بل هو لداود.
هذا المزمور نرى فيه عناية الله وحمايته لأولاده المؤمنين به. وقيل أن كلمات هذا المزمور موجهة للسيد المسيح نفسه في آلامه، خصوصاً أن إبليس في تجربته للسيد استخدم آية من هذا المزمور "لأنه يوصي ملائكته بك.." وإبليس لم يكمل المزمور لأن فيه نبوة ضده وهذا ما صنعه السيد المسيح إذ داسه فعلاً بقدميه "تطأ الأفعى وملك الحيات، وتسحق الأسد والتنين". ونصلي هذا المزمور في الساعة السادسة لنذكر أنه مع أن السيد معلقاً على الصليب إلا أنه سينتصر ويدوس إبليس الحية القديمة.
عموماً نرى في هذا المزمور انتصار المسيح على إبليس ومؤامراته، وإبليس كُنِّيَ عنه هنا بعدة أسماء، فهو الصياد الذي يضع فخاً في طريق المؤمنين، ويأتي بالوبأ الخطر بل هو نفسه الوبأ الخطر[***]، وهو سهم يطير في النهار وهو خوف الليل وهلاك يفسد في الظهيرة وهو الأسد والصل والشبل والثعبان ولكنه مع كل هذا قد داسه السيد لحساب شعبه فقيل هنا يسقط عن جانبك ألوف وربوات (لو19:10). هو مزمور يعطي لكل منا إطمئنان وينزع كل خوف من أي مؤامرة شيطانية، أن الله سيعطي نصرة لنا ولكنيسته.. كثيرين يصلون هذا المزمور دائماً وليس في الساعة السادسة فقط.
آية (1): "الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت."
من يسلم نفسه لله يحفظه من كل ضرر، ومن كل مؤامرة شيطانية، أو هجوم لأي عدو.
آية (2): "أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه."
الله لنا سور من نار (زك5:2). هو لنا مدينة ملجأ. فلا نثق في قوتنا بل فيه.
آية (3): "لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوبأ الخطر."
الوبأ الخطر= مترجمة كلام باطل. فإبليس أوقع أبائنا آدم وحواء بكلامه المميت فألاعيب إبليس وكلامه المضل يسقطنا في الانفصال عن الله وهذا هو الموت. وهكذا كل تعاليم الهراطقة، هي فخ صياد ونوع من الموت المبيد. الفخ عادة يوضع بحيث يكون مخفياً عن عين الفريسة ولكن لنثق فالله لا يخفي عليه شئ. ولكن لنثبت في الله والله فينا فيكشف لنا عن الفخاخ المنصوبة (هرطقات، تشويه لتعليم الله/ خطايا وشهوات/ شكوك).
آية (4): "بخوافيه يظللك وتحت أجنحته تحتمي. ترس ومجن حقه."
هذا ما قاله موسى النبي في (تث11:32). خوافيه= ريش الأجنحة. ترس ومجن حقه= عدله يحيط بك كالسلاح (سبعينية). هذا هو الصليب الذي يحمينا.
الآيات (5-8): "لا تخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار. ولا من وباءٍ يسلك في الدجى ولا من هلاك يفسد في الظهيرة. يسقط عن جانبك ألف وربوات عن يمينك. إليك لا يقرب. إنما بعينيك تنظر وترى مجازاة الأشرار."
هنا نرى المناعة ضد الأخطار المذكورة. وهنا يذكر المرتل عناية الله بشعبه في مصر ونجاتهم من كل مؤامرات واضطهادات فرعون (رمز لإبليس) ونجاتهم من الضربات التي لحقت بالمصريين. خوف الليل= الخيانة المجهولة. سهم يطير في النهار= المقاومة الظاهرة. وباء يسلك في الدجي= القوات الشريرة المضادة. هلاك يفسد في الظهيرة= تراخي الإنسان واستلامه للشبع واللذات وشهوة الجسد. ومن يحتمي بالله يسقط كل مقاوميه عن يساره وعن يمينه، فهناك ضربات يسارية (شهوات وخطايا) وهناك ضربات يمينية (بر ذاتي).
الآيات (9،10): "لأنك قلت أنت يا رب ملجأي. جعلت العلي مسكنك. لا يلاقيك شر ولا تدنو ضربة من خيمتك."
جعلت العلي مسكنك= إن من يسكن حصناً يكون مطمئناً فكم وكم من يجعل العلي مسكنه. لا يلاقيك شر= قد تصادفنا تجارب (أيوب مثلاً) ولكنها للخير وليس الشر.
الآيات (11،12): "لأنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك في كل طرقك. على الأيدي يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك."
نرى هنا حراسة الملائكة لنا (عب14:1). وحاول إبليس بهذه الآية أن يستدرج مخلصنا لفخ الكبرياء فيطرح ذاته من جناح الهيكل إلى أسفل. ورد عليه المخلص "لا تجرب الرب إلهك". وعموماً فالمسيح لا يحتاج لمعونة الملائكة فهو ربهم، ولكن هذه الآية مفيدة للقديسين، هؤلاء يحتاجون لحماية الملائكة.
آية (13): "على الأسد والصل تطأ. الشبل والثعبان تدوس."
هي (لو19:10). فالأسد هو الشيطان في قوته والثعبان هو الشيطان في مكره وخبثه. وراجع (أف12:6). وكيف ندوسه [1] بالتواضع [2] ضبط النفس [3] التعفف.. هذا هو جهادنا. ولكننا ندوسه بقوة المسيح ونعمته حينما يكون لنا جهاد (عب4:12).
المزمور الثالث والتسعون (الثاني والتسعون في الأجبية)
الترجمة السبعينية تشير أن داود هو كاتب هذا المزمور.
هذا المزمور يضع أمامنا كرامة وعظمة مملكة الله، ورعب أعدائه وتعزية المؤمنين به. والله هو ملك العالم كله، سواء المؤمنين أو غير المؤمنين، من يعرفوه أو من ينكروا وجوده أو حتى الوثنين، هو يشرق شمسه على الأبرار والأشرار، الله هو الذي خلق المسكونة وثبتها. ولكننا نسمع هنا الرب قد ملك= وحرفياً قد صار ملكاً وفي هذا إشارة لأن المسيح ملك على كنيسته وعلى قلوب شعبه بصليبه. لذلك فهذا المزمور يحدثنا عن ملك الله على العالم كله، ثم ملكه على كنيسته، يقدسها ويحفظها وملك المملكتين دُفِعَ إلى المسيح.
ونصلي هذا المزمور في الساعة السادسة التي صُلِبَ فيها المسيح فبصليبه ملك علينا. ولبس الجلال وسحق الشيطان وكل جنوده. هذا المزمور لا يتكلم عن الآلام التي لحقت برب المجد ولكنه يتكلم عن الأمجاد خصوصاً بعد القيامة.
آية (1): "الرب قد ملك. لس الجلال. لبس الرب القدرة. ائتزر بها. أيضاً تثبتت المسكونة لا تتزعزع."
الرب قد ملك= قبل الصليب كان الشيطان قد استعبد البشر، وبعد الصليب استرد المسيح شعبه واشتراه بدمه ليحررهم من إبليس ويملك هو عليهم. وهذا غير ملكه الأزلى على كل العالم. ليس الجلال. لبس القدرة= حين أظهر قوته في خلاص أتباعه، تحقق الكل أنه ملك. والجلال الذل لبسه هو جسده الممجد الذي قام به من الأموات ثم صعد به إلى السموات ليجلس به عن يمين الآب. لقد ظهر الآن قوة لاهوته في جسده بعد أن كان قد أخلى ذاته أخذاً صورة عبد. وثبت كنيسته حتى لا تتزعزع= تثبتت المسكونة= بعد أن انتشرت الكنيسة في كل المسكونة. وكان المسكونة أي كل بنى آدم مضطربين كالعميان يتخبطون في الضلال الذي زرعه إبليس فثبت المسيح كنيسته على صخرة الإيمان به، ولن تقدر أبواب الجحيم أن تزعزعها. الله أعطى آدم جسداً له جلال وبهاء، ولكنه بالخطية تعرى وفقد جلاله، فجاء المسيح وأخذ جسده من آدم ليتعرى هو ثم يلبس الجلال ليلبسنا نحن إياه بعد أن فقدناه. ولم يلبس فقط جسداً ممجداً بل قدير قادراً على أن يرعب أعدائه.
آية (2): "كرسيك مثبتة منذ القدم. منذ الأزل أنت."
كرسيك مثبتة منذ القدم. منذ الأزل أنت= هذا الكلام موجه لمن قيل له في آية (1) أنه صار ملكاً، فمع أنه تنازل وأخلى ذاته أخذاً صورة عبد، لكنه هو يهوه، الله الذي كرسيه= عرشه ثابت من قبل تجسده وهو أزلي لا بداية له، وأيضاً أبدي. وهذه الآية نفسها تقريباً في (مز6:45 + عب8:1 وبنفس المفهوم 1يو1:1،2) ونصلي بهذه الآية في الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة، ساعة دفن المسيح لنذكر أنه هو الله الأزلي الأبدي الجالس على عرشه.
آية (3): "رفعت الأنهار يا رب رفعت الأنهار صوتها ترفع الأنهار عجيجها."
الأنهار= تشير للروح القدس (يو37:7-39). الذي عَمِلَ في الرسل فارتفعت أصواتهم في كل المسكونة= ترفع الأنهار عجيجها. لتنتشر مملكة المسيح لقد انتشر تلاميذ المسيح في كل المسكونة، وكل منهم يفيض من بطنه نهر ماء ليحيي المائتين من غير المؤمنين الوثنيين.
آية (4): "من أصوات مياه كثيرة من غمار أمواج البحر الرب في العلى أقدر."
لم يسكت إبليس أمام انتشار ملكوت الله، بل هاج وأهاج العالم ضد الكنيسة، وثار الاضطهاد ضد الكنيسة= غمار أمواج البحر. ولكن هنا آية تعطي إطمئنان= في العُلى أقدر. أي الله في العلى هو أقدر وأعظم من مؤامرات إبليس وحروبه. والدليل استمرار الكنيسة بعد كل هذه المؤامرات الشيطانية. البحر هو إشارة للعالم باضطرابه وشدائده ومحنه وشهواته (الماء المالح).
آية (5): "شهاداتك ثابتة جداً ببيتك تليق القداسة يا رب إلى طول الأيام."
شهاداتك ثابتة جداً= كل النبوات التي قيلت عن المسيح تحققت تماماً. ببيتك تليق القداسة= لقد حررنا المسيح واشترانا وملك علينا وصرنا شعبه فما هو واجبنا؟ أن نسلك بقداسة وطهارة كل أيامنا. حتى يستمر علينا ذلك الثوب الذي أخذناه في المعمودية ولا نوجد عراة فنطرد إلى خارج (راجع مثل عرس ابن الملك) فمن لم يوجد عليه ثوب العرس طردوه (مت1:22-14).
ونصلي بهذا المزمور أثناء ارتداء الملابس البيضاء (ملابس الخدمة في الهيكل) لنذكر أن المسيح بفدائه سترنا وألبسنا ثوب بره.
مزامير الساعة التاسعة
في هذه الساعة أكمل يسوع عمله الخلاصي على الصليب واسلم الروح بعد أن قال "قد أكمل" وما بين الساعة السادسة والساعة التاسعة سادت الظلمة على الأرض، فيها تصوَّر الشيطان أن مكيدته قد نجحت وأنه تخلص من يسوع وهذا ما قاله السيد المسيح للجموع التي أتت للقبض عليه "هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" ولما أكمل يسوع كل شئ وأسلم الروح وقبض على الشيطان أشرقت الشمس لتعلن للجالسين في ظلال الموت بدء حياة جديدة في أحضان شمس البر يسوع، وزوال العداوة بين الله والبشر وعلامة ذلك إنشقاق حجاب الهيكل وقيام الأموات كان ليعلن أن بموت المسيح صار للبشر إمكانية القيامة، فيسوع هو القيامة والحياة وهو سيقيمنا معه متى جاء في مجده.
لذلكم تصلي الكنيسة في هذه الساعة مزامير التسبيح (96،97،98،99) وموضوعها التسبيح فالرب قد ملك. فالمرنم يهيب بالشعوب أن ترنم على الخلاص الذي حصلت عليه بموت المسيح وترنم لأن الرب قد ملك عليها.
والمزامير (95-100) عموماً هي مزامير تسبيح. وهناك مجموعة أخرى وهي المزامير (113-118)، أخذت الكنيسة منها بعضها هنا لأنها مزامير تسبيح أيضاً، وهذه المزامير هي (113،116). هذه المزامير تسمى لحن التسبيح العظيم لإلهنا وملكنا.
المزمور السادس والتسعون (الخامس والتسعون في الأجبية)
كلمات هذا المزمور تتشابه جداً مع تسبحة داود بمناسبة صعود التابوت إلى أورشليم (1أي7:16-36). وربما كانت تسبحة داود هذه هي الأساس وبعد ذلك تم بعض التعديلات فيها. فنجد أن (أش10:42) هو نفس الآية الأولى من هذا المزمور. والآيات في (1أي23:16-33) هي نفسها تقريباً كلمات هذا المزمور، لذلك نقول أن كاتب هذا المزمور هو داود، ثم أحدثوا بعض تعديلات طفيفة عليه مأخوذة أيضاً من أقوال أنبياء مثل إشعياء ليرنموا به.
الآيات (1-3): "رنموا للرب ترنيمة جديدة رنمي للرب يا كل الأرض. رنموا للرب باركوا اسمه بشروا من يوم إلى يوم خلاصه. حدثوا بين الأمم بمجده بين جميع الشعوب بعجائبه."
أمام عمل المسيح الخلاصي علينا أن نشكر ونسبح. فالمسيح حين شفى العشرة البرص وعاد واحد منهم ليشكره سأل عن التسعة الباقين. واليهود سبحوا الله بسبب كل العجائب التي صنعها معهم. ونحن نسبحه بسبب الخلاص الذي أكمله لنا على الصليب. ويود كل مرنم أن يصل تسبيحه لكل الأرض وكل الشعوب ليعرف الكل عمل الله معه. وهذا ما صنعه الرسل والكنيسة بعدهم أنهم بشروا من يوم إلى يوم بخلاصه، وحدثوا بين الأمم بمجده. ونلاحظ تكرار اسم الرب ثلاث مرات، نبوة وإشارة عن الثالوث الذي لم يعرف عنه إلا في العهد الجديد. وهي تسبحة جديدة = ترنيمة جديدة أيضاً لأنها تخص العهد الجديد، الذي فيه آمنت الأرض كلها بالله ولم يعد الإيمان قاصراً على الشعب اليهودي فقط.
الآيات (4،5): "لأن الرب عظيم وحميد جداً مهوب هو على كل الآلهة. لأن كل آلهة الشعوب أصنام أما الرب فقد صنع السموات."
هذا التسبيح موجه للرب المصلوب، إذ تؤمن أنه ولو أنه مصلوب إلا أنه مهوب على كل الآلهة (من تسميهم شعوبهم آلهة).
آية (6): "مجد وجلال قدامه. العز والجمال في مقدسه."
لذلك لا يقف الخطاة أمام الله ولكن يقف أمامه من تبرر بدم المسيح وامتلك فضيلة.
الآيات (7،8): "قدموا للرب يا قبائل الشعوب قدموا للرب مجداً وقوة. قدموا للرب مجد اسمه هاتوا تقدمة وادخلوا دياره."
هذه الكلمات لا تقال إلا عن كنيسة العهد الجديد، ففي أيام اليهود، كانوا ملزمين بتقديم الذبائح في هيكل أورشليم فقط، ويقول هنا= هاتوا تقدمة وأدخلوا دياره. وتقدمة مترجمة في السبعينية ذبائح. وقوله دياره دل على الكنائس العديدة في كل العالم، وليس هيكل أورشليم. وفي كل قداس تقدم ذبيحة. وإذا فهمناها تقدمة، يكون المقصود أعمالنا الحسنة نمجد بها أبونا السماوي.
آية (9): "اسجدوا للرب في زينة مقدسة. ارتعدي قدامه يا كل الأرض."
الزينة المقدسة= هي الفضائل، هي أن نلبس الرب يسوع. ونسجد بخشوع.
آية (10): "قولوا بين الأمم الرب قد ملك. أيضاً تثبتت المسكونة فلا تتزعزع. يدين الشعوب بالاستقامة."
ما هي البشرى التي نبشر بها الشعوب (الأمم)؟ أن الرب قد ملك= وفي الترجمة السبعينية الرب قد ملك على خشبة. فالرب ملك بصليبه. وثبت كنيسته= تثبتت المسكونة. فبعد أن كان الناس في اضطراب أعطاهم سلام وثبتهم على صخرة. يدين الشعوب بالاستقامة= هذا عمل المسيح في المجيء الثاني، سيكون المسيح هو الديان.
آية (11): "لتفرح السموات ولتبتهج الأرض ليعج البحر وملؤه."
خلاص البشر صار موضوع تسبيح الملائكة (سفر الرؤيا). وبه صارت السماء والأرض مملكة واحدة. وجاءت الملائكة على الأرض (يو51:1). والبحر يشير للعالم وبعد أن آمن العالم سبحوا لله = ليعج البحر وملؤه.
آية (12): "ليجذل الحقل وكل ما فيه لتترنم حينئذ كل أشجار الوعر."
ليجذل الحقل= صرنا أرضاً بذر فيها المسيح كلمته لنعطي ثماراً. كل أشجار الوعر أشجار الوعر بلا ثمر، وهذه تحولت لأشجار مثمرة (الأمم الوثنيين صاروا مؤمنين).
آية (13): "أمام الرب لأنه جاء. جاء ليدين الأرض. يدين المسكونة بالعدل والشعوب بأمانته."
ليدين الأرض= المسيح في مجيئه الأول جاء ليعطينا معرفة الحق. وسيأتي ثانية في المجيء الثاني ليدين العالم. وتكرار كلمة جاء مرتين لتشير للمجيء الأول والثاني.
المزمور السابع والتسعون (السادس والتسعون في الأجبية)
بحسب السبعينية، عنوان المزمرو "لداود لما ارتدت له الأرض" أي بعد أن ارتاح من الحروب ومقاومة الأعداء، وصارت له المملكة.
والمسيح بصليبه إمتلك أرضنا أي جسدنا، فبعد أن كنا متمردين على الله، خضعنا له، وصارت أرضنا ملكه، وأرسل روح قدسه على أرضنا فأثمرت (ثمار الروح) ولذلك نجد هذا المزمور ينقسم إلى قسمين:-
o الأول: الآيات (1-6) يصور هياج العالم الطبيعي ولكنه تحت سيطرة الله.
o الثاني: الآيات (7-12) يصور النتائج الروحية لمجيء المسيح وعمله الخلاصي وخضوع الكل له.
آية (1): "الرب قد ملك فلتبتهج الأرض ولتفرح الجزائر الكثيرة."
الله هو خالق وملك الأرض كلها. فقوله الرب قد ملك= يشير لملكه الجديد بصليبه. وكل خاطئ يتوب ويرجع إلى الله يملك عليه. لتبتهج الأرض= أي الإنسان الذي حرره الرب وتفرح الجزائر= إشارة للأمم (تك5:10) الساكنين في الجزائر البعيدة. وروحياً فالجزيرة تشير للمؤمن الثابت الذي تحيط به الأمواج من كل ناحية.
آية (2): "السحاب والضباب حوله. العدل والحق قاعدة كرسيه."
السحاب= إشارة لأن الله يحجب نفسه فنحن لا نستطيع أن نعاين مجده (أع9:1). والضباب= إشارة لأن معلوماتنا عن الله ضئيلة جداً. ولكن نعلم أن العدل قاعدة كرسيه.
آية (3): "قدامه تذهب نار وتحرق أعداءه حوله."
الله في عدله هو نار آكلة تحرق أعدائه المتمردون عليه (لا1:10،2 +عد35:16 + تك24:19). وقدامه تذهب نار= فإلهنا نار آكلة. والروح القدس حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار. وإلهنا سور من نار حولنا يحفظنا (زك5:2). والروح القدس يشعل نار المحبة في قلوبنا لله (رو12:11 + رو5:5 + مت14:24 + لو32:24 + تث24:4 + عب29:12). وهي نار إحراق وروح إحراق (أش4:4) يحرق خطايانا.
آية (4): "أضاءت بروقه المسكونة. رأت الأرض وارتعدت."
أضاءت بروقه المسكونة= تفهم بمعنيين مثل النار: فتفهم أولاً بأن الله يخيف أعداؤه بالبروق التي تحرق وتدمر. وتفهم أن نور الكرازة شمل العالم كله وأناره.
آية (5): "ذابت الجبال مثل الشمع قدام الرب قدام سيد الأرض كلها."
أمام الله تذوب الجبال. فالشعوب الوثنية (الرومان) ذابت في الكنيسة.
آية (6): "أخبرت السموات بعدله ورأي جميع الشعوب مجده."
يوم عماد المسيح انفتحت السموات وشهد الآب له. ويوم ميلاده سبحت الملائكة ولقد ذاع خبره بالكرازة، ورأي جميع الشعوب مجده. بالإيمان.
الآيات (7،8): "يخزي كل عابدي تمثال منحوت المفتخرين بالأصنام. اسجدوا له يا جميع الآلهة. سمعت صهيون ففرحت وابتهجت بنات يهوذا من أجل أحكامك يا رب."
هنا نرى إيمان الأمم = يخزي كل عابدي تمثال.. وإيمان اليهود= سمعت صهيون ففرحت. لقد جمع المسيح كرأس للزاوية الأمم واليهود في جسده الواحد.
آية (9): "لأنك أنت يا رب علىّ على كل الأرض. علوت جداً على كل الآلهة."
علوت جداً= الله عالي دائماً. ولكنه حينما ارتفع على الصليب مجدته كل الأرض.
آية (11): "نور قد زرع للصديق وفرح للمستقيمي القلب."
نور قد زُرِعَ= نور قد أشرق.. هو المسيح نور العالم
المزمور الثامن والتسعون (السابع والتسعون في الأجبية)
هذا المزمور يفتتح ويختم بنفس العبارات التي يفتتح بها (مز96) ويختم. ويشابهه مشابهة كبرى على طول الخط. وله نفس هدف المزمورين السابقين، فهو نبوة عن مملكة المسيح وأنها أقيمت في العالم ودخول الأمم فيها. ودعوة الجميع لتسبيح الرب على عمله وإقامة مملكته. فإن كان من لم يعرف المسيح وعاشوا في العهد القديم مدعوين للتسبيح فنحن بالأولى علينا أن نسبح بعد أن خلصنا المسيح بصليبه فعلاً.
آية (1): "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع عجائب. خلصته يمينه وذراع قدسه."
ذراع قدسه= إشارة للمسيح قوة الله التي عملت الخلاص (أش10:40،11+ 9:51 + أش1:53 + يو38:12). والرب صنع عجائب كثيرة لشعب إسرائيل خصوصاً في خروجهم من مصر. ولكن قوله ترنيمة جديدة= فهذا يعبر عن عمله الجديد الذي لم يكن قد قام به بعد وهو فداء الصليب. خلصته يمينه= اليمين هي القوة. والمسيح صار ضعيفاً، جسداً بشرياً، ومات، لكنه يمينه أي قوة لاهوته أقامته ولم يستطع الموت أن يمسكه. صانعه عجائب= إذ بقيامته أقام معه كنيسته في كل العالم.
آية (2): "أعلن الرب خلاصه. لعيون الأمم كشف بره."
أعلن الرب خلاصه= خلاص لكل البشرية من يد إبليس. لعيون الأمم كشف بره= لقد ظهر على الصليب أن المسيح لم يصلب لخطية فعلها، بل كان باراً. لكنه صُلِب بسبب عدل الله الذي استوجب أن يموت هو عوضاً عن الإنسان الخاطئ.
آية (3): "ذكر رحمته وأمانته لبيت إسرائيل. رأت كل أقاصي الأرض خلاص إلهنا."
هذا الخلاص المقدم كان لبيت إسرائيل وللأمم حتى كل أقاصي الأرض.
الآيات (4-9): "اهتفي للرب يا كل الأرض اهتفوا ورنموا وغنوا. رنموا للرب بعود. بعود وصوت نشيد، بالأبواق وصوت الصور اهتفوا قدام الملك الرب. ليعج البحر وملؤه المسكونة والساكنون فيها. الأنهار لتصفق بالأيادي الجبال لترنم معاً. أما الرب لأنه جاء ليدين الأرض. يدين المسكونة بالعدل والشعوب بالاستقامة."
بعد الخلاص الذي رأيناه، ماذا نقدم لله سوى الشكر والتسبيح. وكانوا في العهد القديم يستخدمون آلات كثيرة موسيقية، ولكن كنيستنا تفضل الحنجرة البشرية على كل الآلات الموسيقية. ومع التأمل في هذه الآلات نفهم كيف نرتل. الأبواق= إشارة للكرازة بالكتاب المقدس ونحن نرتل مستخدمين كلمات الكتاب المقدس. (أش1:58). والعود= له أوتار مشدودة. إشارة لأن من يسبح عليه أن يكون مستعداً، فالوتر المرتخي لا يعطي صوتاً. الصور= هو نوع من الأبواق أشبه ما يمكن بالمزمار. ثم ينتقل للخليقة المادية، فهو يطلب من البحر والأنهار والجبال أن تسبح= فهذه بعظمتها وروعة خلقتها تشهد لمن خلقها، ولو استطاعت لتكلمت وسبحت. وروحياً البحر= يشير لشعوب العالم الذين كانوا متقلقلين بسبب شرورهم فكانوا يعجون ويصدرون أصوات الخلاعة، والآن بعد إيمانهم ليعجوا بأصوات التسبيح لمن خلصهم. المسكونة والساكنون فيها= كل الشعوب المؤمنة. الأنهار= هم المملوئين بالروح القدس ويفيضوا بتعاليمهم على كل المسكونة كالرسل والمبشرين وتصفيق الأيادي= هو علامة فرح هؤلاء بإيمان تلاميذهم. الجبال= المؤمنين ذوي الإيمان العالي، القديسين. وقد تشير للملائكة.
المزمور التاسع والتسعون (الثامن والتسعون في الأجبية)
هذا المزمور مثل ما سبقه، تسبيح لله الذي أقام مملكته بصليبه على الأرض. وهذا المزمور يشير لأن عمل الله الذي كمل على الصليب بدأ منذ زمان طويل في العهد القديم. وأن الله الذي أظهر مراحمه على الصليب أظهرها بصور أخرى مع شعب العهد القديم، فالله لم يترك شعبه بل تعهدهم بأنبيائه وأخيراً أرسل ابنه "يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد" (عب8:13) مراحم الله ثابتة لا تتغير ولكنها تجلت بصورة عجيبة على الصليب.
هذا المزمور هو واحد من 3 مزامير تبدأ بأن الرب قد ملك، وتهلل بالمسيح الذي سيملك بصليبه. ولكنه منذ الأزل هو ملك بدليل أنه جالس على الكروبيم وأنه يثبت الاستقامة والحق ومنه ترتعد الشعوب.
آية (1): "الرب قد ملك. ترتعد الشعوب. هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض."
ترتعد الشعوب= فالمسيح هو الديان الذي دان إبليس على الصليب وبعدله سيدين كل من يتبعه. بل بعمل روحه القدوس في الكرازة، كان من يسمع يرتعد (أع25:24 + أع11:5). فعمل الله بقوة، والكلام الذي من الروح القدس له قوة ترهب من يسمع. والله جالس على الكروبيم= ملكه أزلى، هو أعلى من الملائكة وكاروب تعني معرفة، فهم مملوئين أعيناً، أي مملوئين حكمة ومعرفة لله وأموره. وقوله جالس تفيد سموه عنهم، وتشير لراحة الله فيهم، إذ هم يعرفونه كملك السماء والأرض. ومن يعرف الله يحبه ومن يرفض الله سيرتعد من أحكامه. تتزلزل الأرض = الأرض الجماد، لا تحتمل مجد الله فتتزلزل (خر18:19 + 1مل11:19). وهكذا كل نفس حين تسمع صوت الروح القدس تتزلزل، ومن يستجيب تتغير حياته بالتوبة، ومن لا يستجيب سيجد رعباً.
آية (2): "الرب عظيم في صهيون وعالٍ هو على كل الشعوب."
هذا لأن معرفة الله وناموسه وشرائعه بدأت مع شعب اليهود. وبالمسيح اجتمع اليهود مع الأمم وصار الله عالٍ على كل الشعوب= الكل آمنوا بالله.
آية (4): "وعز الملك أن يحب الحق. أنت ثبت الاستقامة أنت أجريت حقاً وعدلاً في يعقوب."
عز الملك أن يحب الحق= كرامة الملك أن يحب العدل (سبعينية). والعدل يقول أن الخاطئ يموت، وهذا صنعه المسيح بدلاً عنا وسط يعقوب أي في أورشليم.
آية (5): "علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو."
علوا الرب إلهنا= علوه ومجده بالرغم من أنكم ترونه الآن متواضعاً على الصليب. لذلك فتسبحة البصخة "لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد.." اسجدوا عند موطئ قدميه= يفهم اليهود أن موطئ قدمي الله هو هيكل سليمان (مرا 1:2) وفي العهد الجديد نفهم أن هيكل سليمان يشير لجسد المسيح (يو21:2). فموطئ قدمي الله هو جسد المسيح، فرأس المسيح هو لاهوته لارتفاع علوه وسيادته، وأما قدميه فهو الجسد الذي لبسه ليسير به على الأرض. وصار مكان صليبه هو موطئ قدميه. ومهما حاولنا أن نرفع عقولنا لندرك علو إرتفاعه سنفشل، وعلنا أن نتواضع ونسجد أمامه، أمام سر تجسده ومحبته التي بهما كان يسير على الأرض حباً لنا.
الآيات (6،7): "موسى وهرون بين كهنته وصموئيل بين الذين يدعون باسمه. دعوا الرب وهو استجاب لهم. بعمود السحاب كلمهم. حفظوا شهاداته والفريضة التي أعطاهم."
يسوع هذا الذي نراه مصلوباً، هو من تنبأ عنه الأنبياء، بل هو الذي أرسلهم حباً لشعبه، ليعلموا شعبه الوصايا، فلا يهلك الشعب، بل هم كانوا رجال صلاة يتشفعون عن الشعب، وكان يصلون له، وهو يستجيب. هم كانوا كهنة يقدمون ذبائح رمزاً للذبيح الأعظم الذي استجاب أخيراً لصلواتهم وقدم نفسه.
آية (8): "أيها الرب إلهنا أنت استجبت لهم. إلهاً غفوراً كنت لهم ومنتقماً على أفعالهم."
كان الله يستجيب لهم في شفاعاتهم عن الشعب، وينتقم من أعداء الشعب وكل من قاومهم (قورح/داثان.. العماليق..). وقد استجاب أخيراً بصليبه الذي به غفر فعلاً كل خطايا المؤمنين، وبه انتقم من إبليس وأتباعه.
المزمور المئة (التاسع والتسعون في الأجبية)
هو مزمور حمد وشكر على مراحم الله المستمرة منذ البدء وحتى الآن وإلى الأبد. فهو صنعنا، وجعلنا قطيعه، واهتم بنا كراعٍ صالح. لذلك نجد نغمة الفرح في هذا المزمور فنحن عبيد الله الواحد القدير وحده، وهو يعتبرنا خاصته لذلك نفرح ونشكر.
الآيات (1-5): "اهتفي للرب يا كل الأرض. اعبدوا الرب بفرح. ادخلوا إلى حضرته بترنم. اعلموا أن الرب هو الله. هو صنعنا وله نحن شعبه وغنم مرعاه. ادخلوا أبوابه بحمد دياره بالتسبيح احمدوه باركوا اسمه. لأن الرب صالح. إلى الأبد رحمته وإلى دور فدور أمانته."
عمل القديسين هو التسبيح. وعلى كل الأرض أن تسبح لأن الله غلب لنا عدو كل البشر، إي إبليس. وصيرنا أبناء لله، فلهذا نفرح ونسبح. ادخلوا أبوابه= الأبواب التي تدخلنا لله هي الإيمان ثم المعمودية ثم التوبة ثم الدخول للكنيسة للصلاة والتناول لنثبت فيه، ثم بأعمالنا الصالحة التي تمجده وتشهد له أمام العالم. ورحمة الله ثابتة إلى الأبد لكل قديسيه المؤمنين به الذين دخلوا من أبوابه.
المزمور المئة والواحد (المئة في الأجبية)
نسمع هنا من داود عن المبادئ التي كان مزمعاً أن يتممها في مملكته، لتكون مملكة طاهرة.
وداود الملك كرمز للمسيح الملك، والمسيح بعد أن أسس مملكته وكنيسته يريدها طاهرة بلا عيب ولا غضن ولا دنس، هو طهرها (اف25:5-27) ويريدها أن تجاهد لتستمر طاهرة. وهذه الفكرة شرحِت في العهد القديم، إذ كانوا بعد الفصح يأكلون الفطير أسبوعاً كاملاً، والمسيح فصحنا قد ذبح لنقضي عمرنا في غربتنا بلا خطية (الأسبوع يرمز لكل حياتنا على الأرض) (والخمير رمز للشر) (1كو7:5،8)
نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة لنرى مفاعيل الصليب في تنقية الكنيسة ولنعرف واجبنا.
الآيات (1،2): "رحمة وحكماً أغنى. لك يا رب أرنم. أتعقل في طريق كامل. متى تأتي إلىَّ."
رحمة وحكماً أغنى= لاحظ أن الرحمة تسبق الحكم، وهذا ما يجعلني اسبح أن رحمتك شملتني. وأما الحكم فكان على أعدائي (إبليس وأتباعه) لرحمتك وحكمك اسبحك يا رب (سبعينية). وقد يسمح الله لأولاده ببعض الأحكام والتجارب في هذا العالم ليرحمهم في اليوم الأخير، فهو يؤدب أولاده الذين يحبهم في هذا العالم. ونحن نسبح الله أن رحمنا إذ نفذ حكمه في ابنه ليخلصنا نحن. والرحمة تعطينا رجاء وفرح والحكم يعطينا خوف مقدس فلا نتهور في طريق الخطية وهذا التوازن يساعدنا في طريقنا. أتعقل في طريق كامل= أسلك في وصايا الله. متى تأتي إلىَّ= حين قال داود أنه يسلك في طريق كامل ذكر خطاياه وضعفه فقال متى تعينني يا رب، وبروح النبوة رأي المسيح الكامل الذي سيعطي الكمال لكنيسته فقال متى تأتي إلىّ. ونحن في العهد الجديد، لنا نفس المنطق، متى نخلع هذا الجسد الذي تسكن فيه الخطية (رو23:7،24). في وسط بيتي= المرائي يسلك بكمال أمام الناس، أما داود فيسلك بكمال حتى وهو في بيته، لأنه يشعر دائماً حتى وهو وحده أنه أمام الله فيخشى أن يغضبه.
الآيات (3-8): "لا أضع قدام عيني أمراً رديئاً عمل الزيغان أبغضت. لا يلصق بي. قلب معوج يبعد عني. الشرير لا أعرفه. الذي يغتاب صاحبه سراً هذا أقطعه. مستكبر العين ومنتفخ القلب لا احتمله. عيناي على أمناء الأرض لكي أجلسهم معي. السالك طريقاً كاملاً هو يخدمني. لا يسكن وسط بيتي عامل غش. المتكلم بالكذب لا يثبت أمام عيني. باكراً أبيد جميع أشرار الأرض لا قطع من مدينة الرب كل فاعلي الإثم."
لا أضع قدام عيني أمراً رديئاً= أي قد أخطئ سهواً أو ضعفاً ولكنني لا أخطط للشر، ولا أصنعه بتعمد. وكان لا يريد أن يعرف ويلتصق بالأشرار (مز 1) فلا شركة للنور مع الظلمة. وتاريخ داود في الكتاب المقدس يشهد بهذا فهو كان يرفض الأشرار، بل كان يحب أن يحيط نفسه بالأمناء مع الله= أمناء الأرض. ونجد أن صديق داود كان يوناثان القديس الحلو. باكراً أبيد جميع أشرار الأرض= أي سريعاً وعاجلاً. وعلى كل منا أن يفعل هذا في أرضه أي جسده فنبيد كل أفكار الشر وكل خطايانا وشهواتنا وأعمالنا الشريرة.
المزمور المئة والعاشر (المئة والتاسع في الأجبية)
هذا المزمور إنجيلي بحت، قد يكون داود كتبه بعد انتصاره على بعض الأعداء ومن ثم استتباب الأمن والسلام في مملكته، ولكن بروح النبوة، نطق الروح القدس على لسان داود فأخرج نبوة رائعة عن عمل المسيح العجيب، بل هذا المزمور كله عن المسيح الذي انتظره الآباء ووعدهم الله به. واليهود دائماً اعتبروا هذا المزمور أنه عن المسيح المنتظر. ولذلك حيَّر المسيح الفريسيين في (مت41:22-46)، فهم يعرفون أن المسيح سيكون ابن داود، والمسيح سألهم وكيف يكون ابن داود ويدعوه داود رباً فتحيروا فهم يعلمون أن هذا المزمور يتكلم عن المسيح (مر35:12-37 + لو41:20-44).
والمزمور يتكلم عن انتصار المسيح النهائي على أعدائه حينما يجلس عن يمين العظمة في الأعالي (أع34:2 + 1كو25:5 + عب13:1 + عب13:10). وقد يقول اليهود أن اليمين إشارة للقوة، وأن الله أقام من داود ملكاً وأعطاه قوة، ولكن كيف يُسَّمي داود رباً. لذلك فهذا المزمور يتكلم عن المسيح وليس سواه. الذي صار الشيطان تحت قدميه (1كو24:15-26).
هنا المزمور يتنبأ عن أن المسيح سيكون ملكاً وكاهناً (على رتبة ملكي صادق). (عب6:5 + 17:7،21). ونفهم من هذا انتهاء الكهنوت اليهودي ليبدأ الكهنوت المسيحي وتبطل الذبائح الدموية ليبدأ الكهنوت المسيحي وتقديم ذبيحة الافخارستيا من خبز وخمر. وانتهاء الكهنوت اليهودي أعلن عنه في شق حجاب الهيكل. ولكل هذه المفاهيم النبوية.
نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة، ففيه انتصر المسيح على الشيطان نهائياً.
نرى في هذا المزمور المسيح متجسداً وفي هيئة متواضعة بالجسد، ونرى ملكه ونرى امتداد كنيسته وهو يحكم فيها كملك وهو رئيس كهنتها. ونراه وقد صعد ليجلس عن يمين الآب.
آية (1): "قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك."
الفكر البشري لا يمكنه أن يعرف مساواة الآب للابن إن لم يعلن الروح القدس لنا هذه الحقيقة. والسيد المسيح كشف هذا أن الروح القدس هو الذي أعلن ذلك لداود (مت43:22). قال= تشير لمسرة الآب بعمل الابن. الرب لربي= تشير لمساواة الآب للابن، فالابن سيجلس على نفس المستوى مع الآب. والابن بلاهوته مُلكه أزلى أبدي. ولكننا هنا نفهم أن الكلام عن الناسوت، فبعد أن أكمل تدبير تجسده الخلاصي وقام وصعد للسموات جلس عن يمين العظمة (عب3:1). وكلمة اليمين= تشير للقوة والكرامة والمجد الذي حصل عليهما المسيح بجسده. فالناسوت المتحد باللاهوت صار في كرامة فنسجد له بلاهوته غير المنفصل عن ناسوته.
آية (2): "يرسل الرب قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك."
قضيب عزك من صهيون. تسلط في وسط أعدائك= لقد ملك المسيح ابتداء من صهيون ثم تسلط على العالم، الذين كانوا أعداء فآمنوا وجعلوا المسيح ملكاً عليهم. والقضيب يشير للملك، يعني صولجان الملك. والملك المسيح ملك بعز بصليبه (قضيبه) وكان انتشار ملكوت المسيح بالكرازة وسط الشعوب وليس بالقوة والسيف.
آية (3): "شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من رحم الفجر لك طل حداثتك."
شعبك منتدب= شعب المسيح الملك سيكونون له شعباً، فهو اشتراهم بدمه وهو سيخدموه ويسبحوه بإرادتهم الحرة واختيارهم (= منتدب) فهم أحبوه لأنه أحبهم أولاً. وهم صاروا له جنوداً يحاربون مملكة الشيطان بقوة، وستظهر فيهم قوة المسيح= في يوم قوتك. وسيكون شعبه مقدساً في فضائل= زينة مقدسة فالمسيح هو رأس لكنيسته المقدسة = "معك الرياسة في يوم قوتك في بهاء القديسين" بحسب الترجمة السبعينية. هو رب الجنود، هو الذي غلب ويغلب فينا. من رحم الفجر لك طل حداثتك= الفجر علامة إشراق نور الشمس، والمسيح هو شمس برنا. حين أشرق بنوره كان المؤمنين في بداية الكنيسة من الكثرة كأنهم الطل من السماء. هذه الكنيسة التي آمنت هي كنيسة قوية (حداثتك) كأنها في عنفوان الشباب، وهي سماوية (طل)، محاربة بقوة، تحمل صليبها كما حمل رأسها صليبه في يوم قوته (يوم الصليب) يوم فتح أبواب الجحيم وأبواب الفردوس. وقوته ستظهر تماماً يوم الدينونة. والجزء الأخير من الآية تترجمه السبعينية "من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك= هنا يتكلم عن ميلاد المسيح الأزلي من الآب "نور من نور" وحينما ننسب لله أعضاء بشرية فيكون ذلك لشرح معنى ما. فاليد تشير لقوته وهكذا. والابن يولد من بطن الآب فهذا يعني مساواته له في الجوهر، وتمييزاً للابن الوحيد عن الكنيسة التي تبناها الله. وقال أحد الآباء أن قوله من البطن يشير لولادته من العذراء بالجسد. وقوله قبل كوكب الصبح يشير لولادته أزلياً من الآب.
آية (4): "أقسم الرب ولن يندم. أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق."
لم يجتمع الملك والكهنوت عند اليهود أبداً"، فالملك من يهوذا والكهنوت من لاوي أما طقس ملكي صادق فيشير لملكي صادق الملك والكاهن، والمسيح هو الذي جمع كلا الوظيفتين. وأعطى لكنيسته الكهنوت على طقس ملكي صادق (ذبيحة الخبز والخمر) فملكي صادق كان رمزاً للمسيح. والله أقسم، أي ليظهر للبشر اهتمامه وجديته في أمر الخلاص (عب16:6) فالقسم هو الطريقة التي يفهمها البشر لإظهار الجدية.
الآيات (5،6): "الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكاً. يدين بين الأمم. ملأ جثثاً أرضاً واسعة سحق رؤوسها."
قال في آية (1) أن الرب قال لربي إجلس عن يميني. وهنا يقول الرب عن يمينك= لنفهم أن اليمين ليس مكان بل يشير للقوة والكرامة. وفي يوم الدينونة سيحطم كل القوات المقاومة (تمثال نبوخذ نصر). والمسيح بصليبه دان إبليس وجنوده في هذه المعركة، وانتصاره كان كإنتصار ملك حول جيش أعدائه لجثث. وهو قد تلوثت ثيابه من دم أعدائه (أش3:63). وهذا ما سيتكرر في اليوم الأخير.
آية (7): "من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس."
هنا نرى المسيح في أيام جسده وألامه، واحتياجه لأن يشرب من النهر كما حدث لداود حين عطش في معركته (1صم9:30،10 + 1أي17:11). والمسيح عطش على الصليب وقال أنا عطشان. وشمشون عطش وأرسل له الله ماءً ليشرب (قض18:15،19) والمسيح حين صلي في بستان جثسيماني ليلة صلبه أرسل له الله ملاكاً ليقويه (لو43:22) فنفسه كانت حزينة جداً حتى الموت (مر34:14)، بل في ضعفه الجسدي جاع وعطش واضطربت نفسه وطلب أن يجيز الآب عنه هذه الكأس، واحتاج لأن يأتي له ملاك ليقويه ويعزيه. وكل منا في ألامه يحتاج أن يشرب من نهر تعزيات الروح القدس لكي يرفع رأسه ولا تنحني نفسه فيه. لقد اختبر المسيح ألامنا وإذ تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين (عب18:2). ولكن بعد انتهاء تجربته رفع رأسه ووطأ أعدائه إذ قام وداس الموت والشيطان.
المزمور المئة والحادي عشر (المئة والعاشر في الأجبية)
هذا المزمور والذي يليه زوجان يتألف كل منهما من 10 أعداد ويحتوي كل منهما على 22 عبارة رتبت كقصيدة إذا جمعت أوائل حروف أبياتها كونت حروف الأبجدية العبرية. وتبدأ كل عبارة بحرف من الأحرف العبرية الأبجدية. فضلاً عن ذلك، فكل عبارة تتألف في صورتها الاصلية على الأغلب من ثلاث كلمات عبرية وفي كلتا القصيدتين يحتوي العددان الأخيران على ثلاث عبارات وليس على عبارتين، كما في سائر الأعداد. والمزموران يعالجان موضوعين توأمين (مز111) فرح وتسبيح للرب و(مز112) مدح وثناء الرجل التقي (الثابت في المسيح الذي يأكل جسده ويشرب دمه).
تصلي الكنيسة هذين المزمورين المتتاليين في صلاة الساعة التاسعة. ففي (مز111) تسبح الرب على عمله الخلاصي العجيب، وأن جلال عمله قائم إلى الأبد. وأنه أعطى خائفيه طعاماً. وأنه أرسل فداءً لشعبه. وما هو الطعام الذي أرسله لشعبه؟ "خذوا كلوا هذا هو جسدي،.. هذا هو دمي" لذلك نصلى إنجيل إشباع الجموع في هذه الساعة، فالمسيح جاع وعطش ليشبعنا. وينهي المرتل مزموره بدعوة لكل إنسان أن يخاف الرب. فالمسيح صنع فداءً أبدياً لشعبه ولكن علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، هو أعطانا سلطاناً أن ندوس على الخطية فعلينا أن نستخدم هذا السلطان ونعيش في بر. ولذلك يأتي المزمور (112) ليثني على الرجل التقي. مرة أخرى نرى صورة لضرورة أن يأتي عيد الفطير وراء عيد الفصح.
ينسب بعض الدارسين هذا المزمور والمزمور (112) لداود، على أنه كتبهم للتسبيح في الصلوات، ولم يكن لهما مناسبة معينة.
الآيات (1-3): "هللويا. أحمد الرب بكل قلبي في مجلس المستقيمين وجماعتهم."
أحمد الرب= اعترف للرب (سبعينية). في مجلس المستقيمين= يسهل في مجلس المستقيمين أن نسبح الله ونذكر عجائبه ونفرح به، لذلك يوصينا المرتل في المزمور الأول أن نتجنب مجلس المستهزئين. عظيمة هي أعمال الله= في خلقة العالم جلال وبهاء عمله وعدله قائم إلى الأبد= طالما قال إلى الأبد فالمقصود عمله الفدائي لأن السماء والأرض تزولان. وعدله الآن ربما يبطئ لأنه طويل الأناة لكن عدله سيظهر في دينونة الأشرار وإلى الأبد.
الآيات (4،5): "صنع ذكراً لعجائبه. حنَّان ورحيم هو الرب. أعطى خائفيه طعاماً. يذكر إلى الأبد عهده."
صنع ذكراً لعجائبه= رتب الله عيد الفصح ليذكر شعبه خروجهم من مصر بيد رفيعة. وكل أعيادنا نذكر فيها أعماله العجيبة معنا (ولادته، صليبه، قيامته....) ففي كل مناسبة نذكر عمله ونسبحه. بل مع اشراقة كل صباح نذكر قيامته فجراً. ومع كل توبة نطلب أن تكون قلوبنا مذوداً يولد فيه. أعطى خائفيه طعاماً= والسيد المسيح أعطى لشعبه طعاماً في البرية هو المن وحفظوا قسط ذهب فيه بعض المن في قدس الأقداس ليذكروا به عجائب الرب في البرية (عب4:9). والمسيح قدم لنا جسده ودمه طالباً أن نصنع هذا لذكره، فذبيحة الصليب في كل قداس تكون أمامنا، ونذكر بها صليبه وفدائه ونأكل جسده ونشرب دمه لنثبت فيه. والله لا يهتم فقط بغذائنا الروحي بل بالغذاء الجسدي، فالمسيح أشبع الجموع بخمس خبرات وسمكتين (إنجيل التاسعة) وإن كان الله يهتم بالغذاء المادي فبالأولى يهتم بالغذاء الروحي لنثبت فيه ويمكننا أن نقاوم محاربات إبليس وننتصر عليه بنعمة ربنا يسوع له المجد.
آية (6): "أخبر شعبه بقوة أعماله ليعطيهم ميراث الأمم."
لقد رأى الشعب في خروجهم من مصر قوة يد الله. ليرثوا كنعان. ونحن رأينا في الصليب قوة ذراع الله (المسيح) الذي أعطانا السماء ميراثاً.
الآيات (7،8): "أعمال يديه أمانة وحق. كل وصاياه أمينة. ثابتة مدى الدهر والأبد مصنوعة بالحق والاستقامة."
أعمال يديه أمانة= الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع18:1). فالله لا يعمل عملاً إلا ويكون للخير. وكل من يتبع وصايا الله، لا يجد سوى الخير فوصاياه أمينة. ثابتة= هذه الوصايا لم تكن لجيل معين بل للأبد. وما لا نفهمه الآن من أعمال وأحكام وقضاء الله سنفهمه بعدئذ. ولكن علينا أن نسلم بحكمته وبأنه صانع خيرات.
آية (9): "أرسل فداء لشعبه. أقام إلى الأبد عهده. قدوس ومهوب اسمه."
الفداء هو الذي تم بالصليب، أما فداء الشعب وخروجهم من مصر فكان رمزاً له.
آية (10): "رأس الحكمة مخافة الرب. فطنة جيدة لكل عامليها. تسبيحه قائم إلى الأبد."
هذه نصيحة المرتل لكل من يسمع، وهي مدخل للمزمور التالي.
المزمور المئة والثاني عشر (المئة والحادي عشر في الأجبية)
آية (1): "هللويا. طوبى للرجل المتقي الرب المسرور جداً بوصاياه."
الرجل المتقي الرب يباركه الرب على الأرض وسيكون له نصيباً في السماء. المسرور جداً بوصاياه= لا يمكن أن نسر بوصايا الرب إن لم نحب الرب أولاً الذي أوصى بها.
آية (2): "نسله يكون قوياً في الأرض. جيل المستقيمين يبارك."
نرى هنا بعض صور البركة للرجل المتقي الرب. نسله يكون قوياً في الأرض= الرهبان ليس لهم نسل وكثير من قديسي الكتاب هم بلا نسل (إيليا/ أرمياء..). ولكن كم من النسل الروحي (تابوا على أيديهم ورجعوا إلى الله) كان لهؤلاء. بره قائم إلى الأبد.
آية (3): "رغد وغنى في بيته وبره قائم إلى الأبد."
رغد وغنى في بيته (هذه عن البركات في هذه الحياة) بره قائم إلى الأبد (نصيبه السماوي).
آية (4): "نور أشرق في الظلمة للمستقيمين هو حنَّان ورحيم وصديق."
العالم قبل المسيح كان في ظلمة، واشرق المسيح فيه ليدعوهم للملكوت. وكل من هو في الخطية هو في ظلمة، والتوبة تنير له الطريق، وينتقل من الظلمة إلى النور.
الآيات (5-10): "سعيد هو الرجل الذي يترأف ويقرض. يدبر أموره بالحق. لأنه لا يتزعزع إلى الدهر. الصديق يكون لذكر أبدي. لا يخشى من خبر سوء. قلبه ثابت متكلاً على الرب. قلبه ممكن فلا يخاف حتى يرى بمضايقيه. فرق أعطى المساكين بره قائم إلى الأبد. قرنه ينتصب بالمجد. الشرير يرى فيغضب. يحرق أسنانه ويذوب. شهوة الشرير تبيد."
من صفات الرجل الصالح الذي أخذ صورة المسيح أن يكون رحيماً بأخوته يقرض من يحتاج. أموره بالحق= فلا خبث ولا رياء في تصرفاته. بل هناك سخاء في عطائه للمحتاج= فرق أعطى المساكين "(مت34:25). والشرير حين يرى البركة في حياة الصديقين يغضب، كما رأى اليهود ما للمسيحيين فإهتاجوا.
المزمور المئة والثالث عشر (المئة والثاني عشر في الأجبية)
راجع تفسيره في صلاة باكر
ونصليه في الساعة التاسعة لنسبح رب المجد على عمله الخلاصي، وبه جعل المؤمنون أقوياء= سبحوا الرب أيها الفتيان. وجعل الكنيسة التي كانت عاقراً أم أولاد فرحانة، لها أولاد مؤمنين كثيرين. (غل26:4،27)
المزمور المئة والسادس عشر (الجزء الأول) (المئة والخامس عشر في الأجبية)
قسمت الترجمة السبعينية هذا المزمور إلى قسمين. الأول (الآيات 1-9) الثاني (الآيات 10-19). وهذا المزمور يشير للضيقات التي ألمت بداود، من شاول غالباً. وكيف أن الله لم يتركه بل خلصه؟، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من الموت. وفي هذا يصير داود رمزاً للمسيح الذي مات فعلاً ثم أقامه الله. وهو مزمور شكر لأجل الخلاص بعد ضيقة الموت لذلك نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة.
آية (1): أحببت لأن الرب يسمع صوتي تضرعاتي."
أحببت= I love the LORD في الإنجليزية. فهو أحب الله لأنه إله محب حنون يسمع تضرعاته، يشعر بألامه، ويستجيب له حين يطلب.
آية (2): لأنه أمال أذنه إلىَّ. فأدعوه مدة حياتي."
لأنه أمال أذنه إلىَّ= هذه كناية عن سماحة الله واستجابته. وكانت أعظم استجابة هي تجسد المسيح لخلاصنا. أمال أذنه قد تشير للتجسد، فالأذن قد ترمز للجسد (راجع عب6:10 + مز6:40).
الآيات (3-5): "اكتنفتني حبال الموت أصابتني شدائد الهاوية. كابدت ضيقاً وحزناً. وباسم الرب دعوت آه يا رب نج نفسي. الرب حنَّان وصديق وإلهنا رحيم."
كانت الضيقات حول داود شديدة وخطيرة، بل اقترب من الموت. والحبال تشير لتقسيم الميراث، أي أن ميراثه ونصيبه وما كان مقرراً عليه هو الموت. وبالنسبة لكل منا فالخطية تقودنا للموت. وماذا فعل داود؟ باسم الرب دعوت= هذا تعليم لكل منا أن نصرخ لله إذا اجتذبتنا حبال الشهوة لتقودنا في طريق الخطية، طريق الموت. الرب حنان وصديق وإلهنا رحيم= صديق بمعنى عادل، ولكن نلاحظ أنه يسبق قوله صديق أن الرب حنان ويتبعه أنه رحيم. فعدل الله مغلف بالرحمة. وهذا ما ظهر على الصليب.
آية (6): "الرب حافظ البسطاء. تذللت فخلصني."
الرب حافظ البسطاء= الأطفال في السبعينية. الطفل حين يصيبه أذى يصرخ ولكنه لا يفكر في الانتقام. ولذلك إذا تركنا الأمر لله دون تفكير في الانتقام يحفظنا. تذللت= اتضعت (السبعينية). فالاتضاع أمام الله هو مقدمة للخلاص.
الآيات (7-9): "ارجعي يا نفسي إلى راحتك لأن الرب قد أحسن إليك. لأنك أنقذت نفسي من الموت وعيني من الدمعة ورجلي من الزلق. أسلك قدام الرب في أرض الأحياء."
هنا نجد داود وقد أنقذه الله من ضيقته وعاد لوطنه= ارجعي يا نفسي إلى راحتك. لقد خلصه الله من آلامه وأنقذ نفسه من الموت. وعيني من الدمعة لقد بدَّل الله حزنه إلى فرح ومسح دموعه. ورجلي من الزلق= داود في هروبه من شاول أضطر مرتين أن يلجأ إلى الفلسطينيين وكان هذا انزلاقاً له، فقد يضطر أن يشترك معهم في عبادتهم الوثنية، بل اضطر مرة أن يذهب هو ورجاله ليحارب شعبه إسرائيل لولا تدخل الله. وحين عاد لراحته شكر الله أن هذه الغلطة لن تتكرر بل وَعَدَ الله أن يسلك أمامه في أرض الأحياء (أورشليم)
والكنيسة تقرأ هذه الآيات في صلوات الجنازات، فالكنيسة ترى أن كل منتقل قد انتقل من أرض الأموات إلى أرض الأحياء، مكان الراحة، حيث لا سقوط ثانية ولا زلق ولا تجارب، حيث يمسح الله كل دمعة من العيون (رؤ4:21).
وكل خاطئ هو ميت، أما التائب فيقال عنه ابني هذا كان ميتاً فعاش. وبالتوبة يعود الخاطئ للحياة، ويعطيه الله فرحاً عوضاً عن أحزانه ويحفظه من الزلق في طريق الأشرار ثانية. والتوبة هي وعد من الخاطئ أن لا يعود لطريق الشر ويقول مع داود "أسلك قدامك يا رب في أرض الأحياء القديسين التائبين"
المزمور المئة والسادس عشر (الجزء الثاني) (المئة والخامس عشر في الأجبية)
آية (10): "آمنت لذلك تكلمت. أنا تذللت جداً."
لقد وعد صموئيل داود بأنه سيصير ملكاً، وداود آمن، وطالما وَعْدْ الله صادق فكل مؤامرات ضده لن تنجح. ولأنه آمن تكلم، وتضرع، وسبح. لأنه وثق أن الموت لن ينال منه. وبولس الرسول إقتبس هذه الآية آمنت لذلك تكلمت، ليشير أنه مؤمن بأن الله يعطيه قيامة، فلماذا الخوف من الموت، فليقتلوا الجسد.. لكن الله سيقيمه (2كو13:4). فبولس بالرغم من ضيقاته لم يكن يهتم فله وعد بالحياة الأبدية بل هو استمر في كرازته، فالإيمان القوي لابد أن يصاحبه اعتراف بالإيمان الذي نؤمن به. وكل من يؤمن بالله، ويرى عظمة الله وضعفه هو البشري يقول وأنا تذللت (إتضعت).
آية (11): "أنا قلت في حيرتي كل إنسان كاذب."
أنا قلت في حيرتي= في ضيقتي ويأسي من الخلاص= كل إنسان كاذب= أي باطل، أي لا يوجد إنسان قادر أن يعطيني الخلاص، لا يوجد سوى الله.
آية (12): "ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي."
ماذا أرد للرب من أجل كل حسناته لي= الرب وحده مصدر خلاصي ورب نعمتي. وماذا يطلب الرب منا "يا ابني إعطني قلبك" (أم26:23). أي تعطيني نفسك بإرادتك.
آية (13،14): "كأس الخلاص أتناول وباسم الرب أدعو. أوفي نذوري للرب مقابل كل شعبه."
كأس الخلاص أتناول= قال السيد المسيح عن آلام الصليب التي كان بها الخلاص الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها (يو11:18) (مت29:26 + مر36:14 + لو42:22 + مت22:20 + مر38:10 + مت42:26) من كل هذا نفهم أن الكأس هي كأس الآلام التي يسمح بها الله. وكل ما يسمح به الله فهو للخلاص وعلينا أن نقبله بشكر. لقد كان تعيير وإهانات شمعي لداود كأساً مريراً، ولكن داود قبلها إذ وجدها كأساً للخلاص. من يد الرب قبلها "الله قال لشمعي إشتم داود". ولهذا فرح بولس الرسول بآلامه إذ ستكون سبب خلاص أولاده (في19:1)
والكأس تشير للتناول من دم المسيح. وكل من يتناول باسم الرب يدعو ويعترف بما قدمه له المسيح. ونوع آخر من الاعتراف هو أنه يوفي نذوره للرب= صلواته بل تقديم حياته كلها لله. فهو نذر أن يقدم حياته كلها لله، وسيفعل هذا أمام[†††] كل الناس. هو مستعد حتى للموت ليفي نذره لله، وعلينا أن كل من يتناول يفي نذره لله بأن يموت عن شهواته الجسدية. وفي اعترافه بالرب يكون مستعداً للموت تماماً.
آية (15): "عزيز في عيني الرب موت أتقيائه."
من يموت ويسكب نفسه في اعترافه بالرب يكرمه الله "أنا أكرم الذين يكرمونني" فالله يفرح بموتهم ويضمهم مع قديسيه وشهدائه= عزيز في عيني الرب. موت أتقيائه ولنرى المعجزات التي تتم يومياً باسم الشهداء لنرى كيف كرمهم الله.
وألا نرى في هذه الآية تطبيقاً لها عن موت المسيح وطاعته لذلك رفعه الله وأعطاه اسماً فوق كل اسم (في7:2-11) لذلك نصلي هذا المزمور في الساعة التاسعة. "(إلا أن هذه الآية تفهم أيضاً أن الله يحفظ نفس قديسيه من أيدي أعدائهم، فنفس الإنسان ليست ملك إنسان آخر، وحين يريد الله ينقذ نفس عبيده، فالله أرسل ملاك لينقذ بطرس، وأرسل زلزلة فتحت أبواب السجن لبولس، والسيد المسيح أجاب بيلاطس لم يكن لك على سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق)".
آية (16): "آه يا رب لأني عبدك أنا عبدك ابن أمتك. حللت قيودي."
لأني عبدك= أن نتعبد لله أي نصير له عبيداً فهذا يحررنا حرية حقيقية لذلك فالرسل كانوا يفضلون أن يقول.. فلان عبد يسوع المسيح حتى من كان منهم قريباً له بالجسد (يع1:1 + يه1). نحن نتعبد له بحريتنا وليس إجباراً منه، وبينما هو الخالق والسيد الرب وهذا حقه إلا أنه لا يجبر أحداً على أن يعبده، لأن الله يفضل أن نعبده باختيارنا وليس إجباراً. وهنا داود شعر بحب شديد لله، دفعه أن يقول هذا. وإذا فهمنا أن داود يشير للمسيح ويرمز له نفهم قوله ابن أمتك= أن في هذا إشارة للمسيح أنه ابن العذراء مريم وليس منسوباً لرجل. ونلاحظ أن داود إطمأن لحماية الله له وأنه لن يموت فهو قال أنه عزيز في عيني الرب موت أتقيائه. ولكنه لم يقل أنا قديسك يا رب بل قال أنا عبدك. بالرغم من أنه ملك، ونبي وقديس ولكننا أمام الله نكتشف أننا لا شئ وبحب نعبده.
حللت قيودي= المسيح حل قيودنا بصليبه. وحل قيود الموت والاضطهاد عن داود. ومن حل قيودنا علينا أن نرتبط معه بقيود الحب والعبودية، فهذا يحررنا حقيقة.
آية (17): "فلك أذبح ذبيحة حمد وباسم الرب أدعو."
نقدم للرب ذبائح التسبيح والشكر والاعتراف.. الخ.
آية (19): "في ديار بيت الرب في وسطك يا أورشليم. هللويا."
كل علاقة لنا بالله يجب أن تكون في الكنيسة= في ديار بيت الرب. ولا علاقة صحيحة مع الله خارجاً عن الكنيسة.
مزامير الغروب
المزمور المئة والسابع عشر (المئة والسادس عشر في الأجبية)
في المزمور السابق (116)، كان المرنم يرنم لله على عمله معه، وهنا يدعو كل الشعوب أن تؤمن بالله وتسبحه على أعماله العجيبة. وهو أقصر المزامير كلها. ونصلي به في مزامير الساعة الحادية عشر بعد أن أنزلوا جسد المخلص من على الصليب. ونطلب فيه أن يصلي الجميع للرب الذي مات عنا مسبحين شاكرين عمله، فهو ذاق الموت لكي يبيد إبليس الذي له سلطان الموت (عب14:2). ونصلي المزمور أيضاً في القداس بعد تقديم الحمل.
الآيات (1،2): "سبحوا الرب يا كل الأمم حمدوه يا كل الشعوب. لأن رحمته قد قويت علينا وأمان الرب إلى الدهر. هللويا."
لقد تنبأ داود هنا بدخول الأمم للإيمان، وقد تم هذا على يد الرسل (زك10:2،11). ولكنه سيتم بصورة أوضح في السماء، إذ الآن ليس الكل مخضعاً له بعد (1كو23:15-28). فهناك في السماء سنصير واحداً فعلاً وتبطل الخطية.
المزمور المئة والثامن عشر (المئة والسابع عشر في الأجبية)
ينسب بعض الدارسين هذا المزمور لداود وأنه في فرحة إمتلاكه كل المملكة دعا الشعب ليفرح معه ولكن ليس للاحتفال بداود نفسه كملك ولكن بالمسيح المنتظر.
وبعض الدارسين ينسبون المزمور لداود في فرحته بصعود التابوت لأورشليم.
وبعض الدارسين ينسبون المزمور لوقت لاحق، للاحتفال به في تدشين الهيكل. وقيل أنه يستخدم في الاحتفال بعيد المظال.
وكانوا يستخدمون هذا المزمور بطريقة التسبحة في الكنيسة الآن. ففريق منهم ينشد آية ويرد عليهم الفريق الآخر بأية كقرار. وصار اليهود يصلون به وهم أتون للهيكل ليذكروا أن من يدخل الهيكل يجب أن يكون باراً " افتحوا لي أبواب البر" ويذكروا في تسبيحهم الضيقات التي صادفتهم وعمل الله الإعجازي في كل ضيقاتهم وكيف خلصهم، وينظرون للمستقبل بثقة، فإذا كان الله قد خلصهم فهو سوف يخلصهم من كل ضيقة في المستقبل. وأن أي ضيقة يسمح بها هي للتأديب.
والمزمور يرى أن الصديق الذي يسلك بكمال مضطهداً ومرذولاً من الجميع، قد صار رأساً للزاوية، أي رفعه الله وعظمه بالرغم من احتقار الناس له. وهي تنطبق على الشعب الذي احتقره واضطهده المصريين ولكن الله اختاره شعباً له يقيم في وسطهم. والتلمود يقول أن الشعب كان يرتل المزمور في عيد المظال وهم يهزون الأغصان في أيديهم أثناء العيد.
ونرى في هذا المزمور نبوات متعددة عن عمل المسيح الخلاصي، بل أن المسيح طبقه على نفسه صراحة (مت42:21). واعتبر نفسه أنه الحجر الذي رذله البنائين فصار رأساً للزاوية. والحجر يرمز للمسيح، وقصة هذا الحجر أنه أثناء بناء هيكل سليمان كانوا يأتون بالحجارة منحوتة جاهزة من الجبل إلى مكان البناء في الهيكل. ووجد البناؤون حجراً كبيراً لا ينطبق على المقاسات المطلوبة فرذلوه. وإذ أتوا لمكان ربط الحائطين الأساسيين وجدوا أن هذا الحجر المرذول ينطبق تماماً على المكان المطلوب، فوضعوه ليربط الحائطين. وصار هذا مثلاً، ولكنه صار نبوة عن المسيح الذي جعل الاثنين واحداً (أف13:2-16) فهو وحد السمائيين مع الأرضيين واليهود مع الأمم. وقيل أن المسيح سبح هذا المزمور مع تلاميذه ليلة العشاء السري، فكان المسيح يقول مقطع والتلاميذ يردون عليه بالمقطع الآخر.
والكنيسة تصلي الآيات (24-26) في مزمور قداس عيد القيامة، بل تصلي هذه الآيات بلحنها المعروف كل يوم أحد لنذكر الخلاص الذي صنعه المسيح بقيامته وانتصاره على الموت. بل فيه تبررنا وصار لنا الدخول من أبواب البر.
وتصلي الكنيسة هذا المزمور في صلاة الحادية عشرة، أثناء إنزال جسد المسيح من على الصليب، لتذكر أحداث ذلك اليوم الرهيب الذي اجتمع الكل فيه ضد المسيح وصلبوه (الآيات 10-14). ولكن الرب عضد المسيح (13،14) إذا استمع إلى صراخه أية(5). وأقامه منتصراً على الموت (16-18). بعد أن كانوا قد صلبوه إذ أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح. والمذبح هو الصليب والذبيحة هي المسيح. ونرى في هذا صورة للكبش الذي وجده إبراهيم موثقاً بقرنيه إلى الغابة. والقرون رمز للقوة، فالمسيح استسلم تماماً دون إبداء أية مقاومة كمن هو بلا قوة وإذ ترى الكنيسة عمل المسيح الخلاصي تطلب من الجميع أن يسبحوا الله على عمله.
الآيات (1-4): "احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته. ليقل إسرائيل إن إلى الأبد رحمته. ليقل بيت هرون إن إلى الأبد رحمته. ليقل متقو الرب إن إلى الأبد رحمته."
تتكرر عبارة إن إلى الأبد رحمته أربع مرات، ورقم 4 يشير للعالم وذلك لأن رحمة الرب شملت العالم كله، فهو صالح= صانع الخيرات. ورحمته شملت الجميع يهوداً (فهو خلصهم من كل ضيقاتهم) وكهنة= بيت هرون= إذ أعطاهم أن يكونوا كهنة له فنالوا كرامة أكثر من باقي الشعب خصوصاً إذ أزهرت عصا هرون وحينما اقتربوا للمذبح يشفعون في الشعب. ورحمة الله تشمل كل متقو الرب= الذين يستجيبون له ولعمله، وأما المعاندون فهم يرفضون رحمته.
آية (5): "من الضيق دعوت الرب فأجابني من الرحب."
هذا يقولها الشعب في ضيقته، وداود في اضطهاد شاول له وغيره، ويقولها ربنا على الصليب، ويقولها الآن كل متألم واثقاً في استجابة الرب له.
الآيات (6،7): "الرب لي فلا أخاف. ماذا يصنع بي الإنسان. الرب لي بين معيني وأنا سأرى بأعدائي."
خافوا ليس من الذي يقتل الجسد ولكن ليس له سلطان على النفس. قد نضطهد الآن ولكن لنا نصيباً سماوياً. ووقتها سيكون نصيب إبليس وتابعيه بحيرة النار وكل ما يصيبنا فهو بسماح من الله ضابط الكل فلماذا نخاف (يو11:19).
الآيات (8،9): "الاحتماء بالرب خير من التوكل على إنسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء."
والله لا يحب من يحتمي بغيره (أر5:17 + أش1:31).
الآيات (10-13): "كل الأمم أحاطوا بي. باسم الرب أبيدهم. أحاطوا بي واكتنفوني. باسم الرب أبيدهم. أحاطوا بي مثل النحل. انطفأوا كنار الشوك. باسم الرب أبيدهم. دحرتني دحوراً لأسقط. أما الرب فعضدني."
لقد أحاط الأعداء بالمسيح ثم بكنيسته، وعلى كل صديق ليسقطوه في خطية. وباسم الرب دائماً يندحر إبليس وجنوده وأتباعه، وكما انتصر داود على جليات باسم الرب، انتصر المسيح على الشيطان بالصليب، وانتصر وينتصر كل مؤمن باسم الرب. ولاحظ تكرار أنه باسم الرب يبيد أعدائه 3 مرات، وهذا إشارة للثالوث لذلك نعمد باسم الآب والابن والروح القدس (مت19:28). نار الشوك= تنطفئ سريعاً مصدرة أصواتاً عالية ولكن بلا استمرارية، وهكذا حرب إبليس. دحرتني دحوراً لأسقط= دفعت لأسقط (سبعينية). ويشير المدفوع ليسقط إلى آدم ويشير لكل من يجربه إبليس ليسقطه ولكن الرب يعينه.
الآيات (14-17): "قوتي وترنمي الرب وقد صار لي خلاصاً. صوت ترنم وخلاص في خيام الصديقين. يمين الرب صانعة ببأس. يمين الرب مرتفعة. يمين الرب صانعة ببأس. لا أموت بل أحيا وأحدث بأعمال الرب."
يمين الرب هو ابن الله الذي تجسد لخلاصنا وتكرار القول 3 مرات إشارة إلى أن عمل الخلاص هو عمل الثالوث. وهذا موضوع تسبيح المفديين.
آية (18): "تأديباً أدبني الرب وإلى الموت لم يسلمني."
الله يؤدب أولاده لكي يكملهم (عب5:12-11).
الآيات (19-21): "افتحوا لي أبواب البر. أدخل فيها وأحمد الرب. هذا الباب للرب. الصديقون يدخلون فيه. أحمدك لأنك استجبت لي وصرت لي خلاصاً."
الآيات (22-28) نرى فيها عمل المسيح الخلاصي فنرى فيها تجسده وصلبه وكمدخل لهذه الآيات نسمع هنا طلبة المرتل افتحوا لي أبواب البر لتعبر عن اشتياقه لهذا العمل الفدائي الذي سيبرره وسيبرر كل مؤمن. وبالمعمودية ندخل الكنيسة جسد المسيح الذي إن ثبتنا فيه نثبت في البر، ويأتي الرد على المرتل كاستجابة له هذا الباب للرب= والباب هو المسيح فليس بسواه نتبرر. فيسبح أحمدك لأنك استجبت لي.
الآيات (22،23): "الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية. من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا."
الحجر الذي رذله الباؤون= هو المسيح الذي رفضه اليهود وأهانوه. هو الحجر الذي قطع بغير يدين فصار جبلاً كبيراً (دا 24:2 + أع11:4).
آية (24): "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب. نبتهج ونفرح فيه."
يوم خلاصنا، هو اليوم الذي صنعه الرب، وهو بدأ بميلاد المسيح ثم صلبه ثم قيامته ثم صعوده. لذلك نرتل هذه الآية في أيام الأحاد وليلة عيد القيامة.
آية (25): "آه يا رب خلص. آه يا رب أنقذ."
بعد أن قدَّم الله عمله الخلاصي، علينا أن نستمر في الصراخ يا رب خلص، يا رب إنقذ، حتى تنتهي أيام غربتنا، وحتى لا نصير مرفوضين بعد أن دخلنا من باب البر.
آية (26): "مبارك الآتي باسم الرب. باركناكم من بيت الرب."
مبارك الآتي باسم الرب= لقد قابل الشعب، السيد المسيح وهو داخلاً أورشليم قائلين أوصنا يا ابن داود. مبارك الآتي باسم الرب. وكلمة أوصنا= هوشعنا بمعنى خَلِّصْ. وبذلك يكونون قد كرروا هذه الآيات. وتكون هذه الآيات (25،26). هي نبوة عن دخول السيد المسيح لأورشليم ليبدأ عمل الخلاص.
مبارك الآتي باسم الرب= هي عن المسيح الذي سيأتي ليخلص (هذه قيلت في العهد القديم) وسيأتي في اليوم الأخير. هو أتي باسم الرب ليعمل عمل الخلاص وليمجد اسم الله. وعلينا أن نطلب منه دائماً أن يأتي ليسكن في قلوبنا ويملك عليها. باركناكم من بيت الرب من الكنيسة بيت الرب تعلن بركة الرب لشعبه، لذلك تبارك الكنيسة شعبها باسم الرب. والكنيسة تعطي لشعبها بركة الأسرار. فالكنيسة هي الأم الشرعية لكل مؤمن.
آية (27): "الرب هو الله وقد أنار لنا. أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح."
الرب هو الله وقد أنار لنا= حين تجسد وقال أنا نور العالم. أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح= رتبوا عيداً بموكب حتى قرون المذبح (سبعينية) أي لنفرح ونسبح لربنا الذي أتى كذبيحة ليخلصنا.
مزامير المصاعد (ترانيم المصاعد)
المزامير الخمسة عشرة من مزمور (120)- مزمور (134) عنوانها ترنيمة المصاعد وفي ترجمة أخرى الدرجات. ولا يعرف مغزى هذا التعبير على وجه التأكيد. لكن هناك اقتراحات لتفسير كلمة مصاعد:-
1. هذه المزامير تكون نظام خدمة دينية يرتبط بالدرجات الخمسة عشر الموجودة بين داري الهيكل، وهي الدرجات التي كانت تقف عليها فرقة الترانيم المكونة من اللاويين.
2. هي مرتبة لإحياء ذكرى الخمسة عشرة سنة التي أضيفت إلى حياة الملك حزقيا. وقد صحب الوعد رجوع ظل الشمس عشر درجات إلى الوراء بدرجات آحاز (أش7:38) والعنوان في السبعينية هو ترنيمة الدرجات.
3. هذه الترانيم أنشدها المسبيون عند عودتهم من بابل إلى أورشليم، وأورشليم كائنة على جبل، فهي أعلى من بابل (من ناحية الارتفاع جغرافياً، وأعلى روحياً) ولما بنوا الهيكل، كان الكهنة يصعدون إلى صدره أي قدس الأقداس عبر 15 درجة وعلى كل درجة يرتلون مزموراً، وتكمل المزامير على أقصى الدرجة العليا. وكان هذا يحدث بالذات في الأعياد الثلاثة الكبيرة (الفصح، الأسابيع، المظال) وفيها يذكرون ضيقهم السابق وخلاص الله لهم. وكان الشعب يرتلها وهم صاعدون إلى أورشليم خلال هذه الأعياد (أش3:2).
4. من أجمل ما قيل أن هذه المزامير تكون منهجاً روحياً للصعود الروحي:-
فالسيد المسيح حدثنا عن رجل ترك أورشليم فإنحدر إلى أريحا (لو30:10-37) والمثل انتهي بأن السامري الصالح حمل الرجل الجريح وذهب به إلى فندق ودفع دينارين لصاحب الفندق ووعده بأن يعطيه كل ما ينفقه أكثر حينما يرجع من سفره. وكما نعلم فإن السامري الصالح يشير للمسيح. والرجل الذي نزل من أورشليم هو إشارة لآدم الذي نزل من الجنة أو كل من كان إبناً لله وإجتذبه العالم ونزل عن مستواه الروحي وتعرض لضربات إبليس. والمسيح أتي ليشفي جراحاتنا. وقوله عند رجوعي يشير إلى مجيئه الثاني. وكل من إنحدر (لأريحا) أتى المسيح ليصعده ثانية إلى (أورشليم). والشعب في مصر وكانوا قد إنحدروا إليها، أعادهم الله لها، ولكن كان عليهم أن يحاربوا ويجاهدوا لكي يدخلوا إلى أورشليم. ونحن علينا أن نجاهد لنصعد جبل الرب. وهذه المزامير الخمسة عشر تقدم منهجاً روحياً تصاعدياً يمكن للمصلي أن يتأمل فيه بأفكاره وعواطفه ليرتفع إلى عشرة الرب، يرتفع من أرض الخطية متجهاً إلى أورشليم السماوية. ولنتتبع باختصار خطوات هذه الرحلة:
(مز120): إلى الرب في ضيقي صرخت: هي صرخة إنسان أحس بشقائه في أرض الخطية وهي صرخة فيها رجاء (كما صرخ يونان من بطن الحوت)
(مز121): أرفع عيني إلى الجبال: هنا بدأ هذا الخاطئ العائد يرفع عينيه ليس بالصراخ فقط، بل بالتأمل في السماويات والسمائيين. فالمسافر إلى أورشليم لا يراها أولاً بسبب الجبال المحيطة بها، وعلى المسافر أن يتسلقها ليرى أورشليم فوق جبل صهيون. وهذا هو الجهاد. وفي تأمله في الجبال أعلن خروجه رسمياً من أرض الخطية. والخاطئ عليه أن يتأمل في جبل التجلي وجبل الجلجثة وجبل العظة (مت5-7) ليتعلم ويتأمل. وعلينا أن نتأمل في جبال الأنبياء والرسل والقديسين والشهداء لنقتدي بهم.
(مز122): فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب: في طريق رحلة المسافر الصاعد لأورشليم السمائية وضع له الله صورة لها على الأرض كعربون لأورشليم العتيدة. وفرح هذا المسافر إذ وجد نفسه عضواً في هذه الجماعة التي تشترك في جسد الرب ودمه.
(مز123): إليك رفعت عينيّ.. كعيون العبيد: شعر هذا التائب هنا بخطيته فإنسحق، هنا وجد نفسه غير مستحقاً لكل هذا الحب من الله "لست مستحقاً أن أدعى لك أبناً"
(مز124): لولا أن الرب كان معنا: حين تخطر أفكار صغر النفس في الطريق، وهل من الممكن أن نكمل ونغلب بالرغم من ضعفنا، علينا أن نثق في أن الله هو الذي معنا يقودنا.
(مز125): المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون: المسافر هنا لأورشليم السماوية يرى في نفسه أنه تحول إلى جبل لإتكاله على الرب.
(126): إذا ما رد الرب سبي صهيون صرنا مثل المتعزين: هناك تعزيات وسط الآلام ولكنها ليست تعزيات كاملة في هذه المرحلة.. ورويداً رويداً تزداد التعزيات.
(127): إن لم يبن الرب البيت: الرب يبني بيتنا بأن يهدم البيت القديم (الإنسان العتيق) ويقيم الإنسان الجديد، (هذا يتم بالمعمودية أولاً) وبعمل النعمة التي تساند جهادنا.
(128): طوبى لكل من يتقي الرب: كل من مات عن خطية العالم وقام مع المسيح في جدة الحياة، له بركة كما بارك المسيح تلاميذه بعد قيامته وقبل صعوده، لمس هذا التائب العائد هذه البركة، وجميل أن نلمسها ونشكر الرب على عطاياه.
(مز129): كثيراً ما ضايقوني منذ شبابي: مع أن المسيح يبارك شعبه إلا أنهم يسيرون في طريق الصليب، طريق الألم، ولكنه طريق اختبار نصرة الرب لهم.
(مز130): من الأعماق صرخت إليك يا رب: في طريق الآلام ليس لنا سواه نصرخ إليه. هنا هذا الصاعد لجبل صهيون، بدأ يشعر بأثامه وثقلها، ويضع رجاؤه في الله وحده.
(مز131): يا رب لم يرتفع قلبي: الإنسحاق والتواضع هو ارتفاع في الدرجات.
(مز132): اذكر يا رب داود وكل ذله: هنا نرى الانسحاق والتواضع بمفهومه الصحيح فإن يكون التواضع مجرد شعور بصغر النفس فهذا شعور غير سليم، بل التواضع المسيحي الصحيح هو شعور بالخطية والضعف وعدم الاستحقاق ولكن لا لصغر النفس، فهنا نجد المرتل في اتصال دائم بالله فهو لا ينام إلى أن يجد موضعاً للرب في قلبه، هو يريد أن الرب يسكن عنده فيكون هو قوته وعزته.
(مز133): هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الأخوة معاً: الكنيسة شركة وحب بين أفرادها، وحتى الرهبان في عزلتهم يصلون لكل الناس.
(مز134): هوذا باركوا الرب: رأينا في المزمور السابق الروح القدس ينسكب على أعضاء الكنيسة التي يحيا أعضاؤها في محبة، وهنا نراهم يحيون مسبحون يباركون الرب. هنا أقصى درجات الارتفاع...... الامتلاء بالروح القدس وعلامة هذا الامتلاء الحب والتسبيح.
ونصلي المزامير (120-129) في صلاة الغروب لنذكر:
1. أن كل منا هو هذا المسافر الصاعد لأورشليم السماوية. نحن أصحاب الساعة الحادية عشرة، الذين نريد أن نقدم توبة ونترك الخطية لنصعد جبل صهيون.
2. في غروب هذا اليوم الذي نصلي فيه صلاة الغروب نذكر أن حياتنا ستغرب فلماذا نستمر في أرض الخطية، فنقول في هذه المزامير هلم نصعد جبل الرب. وتكون توبتنا هي الأطياب والحنوط التي يفرح بها الرب ففي هذه الساعة أنزلوا جسد المخلص من على الصليب وحنطه نيقوديموس ويوسف.
3. في هذه المزامير نبوات عن ألام السيد المسيح نذكرها في ساعة إنزال جسده من على الصليب. مثل إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي.. يا رب نج نفسي من شفاه الكذب (مز120)
المزمور المئة والعشرون (المئة والتاسع عشر في الأجبية)
آية (1): "إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي."
هذه الآية نبوة عن آلام المسيح (عب7:5). هذه الآية هي بلسان المسيح في محنته وأن الآب استجاب له فأقامه، إذ لم يكن من الممكن أن يحجزه الموت. وهذه الآية هي صرخة إنسان شعر بأنه في خطيته هو في ألم وفي لعنة، فيصرخ لله برجاء.
الآيات (2،3): "يا رب نج نفسي من شفاه الكذب من لسان غش. ماذا يعطيك وماذا يزيد لك لسان الغش."
شفاه الكذب.. لسان الغش= صاحب لسان الغش هو إبليس الذي خدع آدم وحواء فأسقطهما، ومازال يخدعنا إذ يصور لنا أن خطايانا هي بلا عقوبة ولسان الغش هو من يمدحنا بما ليس فينا وبرياء، وقد نكون سالكين في طريق الموت ونسمع من صاحب لسان غش ما يشجع على الاستمرار. ولسان الغش هو لسان الهراطقة. ولسان الغش هو لسان النمام وشاهد الزور والمفتري ظلماً (كما حدث مع المسيح) وقد يكون لساني أنا حين أنافق ولا أقول الحق. وهنا يتساءل المرنم ما الذي يستفيده صاحب هذا اللسان الغاش، بل كل غش سيكون مصيره نار تحرق قلب الغشاش.
آية (4): "سهام جبار مسنونة مع جمر الرتم."
سهام جبار مسنونة= هي سهام إبليس ضدنا. الرتم= نوع من شجر الشيح ينمو في الصحاري وقد تؤكل جذوره، ويصنع منه أحياناً الفحم. فحروب إبليس ضدنا هي كسهام جبار مسنونة محماة. ولكن الله لم يتركنا بلا أسلحة (أف11:6-18 + 2كو4:10،5 + مز5:45).
آية (5): "ويلي لغربتي في ماشك لسكني في خيام قيدار."
ماشك= قبيلة من نسل يافث (تك2:10) يقطنون بجانب البحر الأسود ويمثلون روحياً من هم في غربة وفي بعد عن أورشليم، أو بعداء عن عشرة الرب ويذكر في (حز13:27) أنهم يتاجرون في نفوس الناس. وهكذا كل من يبتعد عن الرب يستعبد. قيدار= أحد أحفاد إسماعيل، وكانت خيامهم سوداء من شعر الماعز (نش5:1). واللون الأسود يشير للخطية (أر23:13). فهنا نجد الخاطئ يتأوَّه من حاله وهو مستعبد في خطيته، متغرباً عن الرب. بل هو حالنا جميعاً طالما نحن في هذا الجسد (رو23:7،24).
أية (6): "طال على نفسي سكنها مع مبغض السلام."
هنا يشعر بالغربة في العالم (عب14:13 + في23:1).
آية (7): "أنا سلام وحينما أتكلم فهم للحرب."
هذه الآية نبوة عن المسيح ملك السلام، واهب السلام، أما أهل العالم فيبغضون السلام لا سلام قال إلهي للأشرار (أش22:48)
المزمور المئة والحادي والعشرون (المئة والعشرون في الأجبية)
في المزمور السابق شعر المرنم أنه بعيد عن الله، فما هي الخطوة الأولى التي سيتبعها؟
آية (1): "ارفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني."
ارفع عيني إلى الجبال= المسافر إلى أورشليم لا يرى جبل صهيون مباشرة، بل يرى عدة جبال حولها. ومن هناك يأتي عوني. ما هي هذه الجبال التي تعطي معونة؟ هناك جبال جرزيم (حيث تتلي البركة)، وجبل الزيتون (جبل الصلاة والتأمل) جبل الجلجثة (التأمل في حب الله العجيب)، جبل التجلي (حيث نرى المسيح في بهائه) جبل الصعود (حيث نرى المسيح ذاهباً ليعد لنا مكاناً)، جبل حوريب (حيث رأي موسى الله فلمع وجهه)، جبل التجربة (حيث انتصر المسيح على إبليس). جبل أراراط (حيث استقر فلك نوح رمزاً للسلام والاستقرار). والعكس فهناك من لازال ينظر لطين أودية هذا العالم، لاهياً عن هذه الجبال المقدسة. ومن يتسلق هذه الجبال (أي يجاهد في حياته الروحية) يصل إلى جبل صهيون، رمز للمسيح الذي هو جبل بيت الرب الثابت في رأس الجبال (أش2:2). والجبال أيضاً يشيروا للصديقين والقديسين والأنبياء والآباء (مز1:125). ونحن ننظر لحياتهم لنتمثل بهم (عب7:13) ونتشفع بهم.
آية (2): "معونتي من عند الرب صانع السموات والأرض."
العالم بكل قوته لا يستطيع أن يعيين إنسان، الله وحده يستطيع. فلماذا نخاف؟
آية (3): "لا يدع رجلك تزل. لا ينعس حافظك."
لا يدع رجلك تزل= ولكن علينا أن نطلب، وأن لا نيأس حينئذ لا نسقط.
لا ينعس حافظك= لقد نام المسيح في السفينة ليناديه التلاميذ فيسكت البحر ويزداد إيمانهم.
آية (4): "إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل."
النعاس كناية عن الترك والإهمال. إسرائيل= هي الكنيسة أو النفس البشرية.
آية (5): "الرب حافظك. الرب ظل لك عن يدك اليمني."
الرب ظل لك= الظل يعني الرعاية، والحماية من ضربات الشمس والحر، والله شبه نفسه بالدجاجة التي تظلل أفراخها بجناحيها. الله هنا مثال للشفقة والرعاية يدك اليمني= هي رمز القوة والبر. فالله أعطانا قوة لننتصر ونحيا في بر وهو قادر أن يحفظنا في هذه القوة، الله أعطانا قوة أن ندوس الحيات والعقارب ولكننا نحتاج ظله ليحفظ هذه القوة.
آية (6): "لا تضربك الشمس في النهار ولا القمر في الليل."
ضربة الشمس تشير لحرارة التجارب والآلام. وضربات الشمس تأتي بالنهار وتصيب الجسد. وضربات القمر قال عنها العلماء أن لها تأثير على الحالات النفسية وهي تأتي بالليل. والله قادر أن يحمينا عموماً من كل ما يصيب الجسد أو النفس وأن يحمينا من ضربات النهار وضربات الليل، حروب النهار وحروب الليل.
آية (7): "الرب يحفظك من كل شر يحفظ نفسك."
يحفظك من كل شر= الشهوات الجسدية والتجارب الخارجية.
آية (8): "الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر."
خروجك ودخولك= دخولنا إلى العالم وخروجنا منه، فهو الطريق، بالمعمودية ندخل للكنيسة جسده، وإن ثبتنا فيه يحفظ خروجنا من هذا العالم وإلى الدهر كما حفظ المسيح نفسه في دخوله وفي خروجه (فهذه الآية نبوة عن المسيح)
المزمور المئة والثاني والعشرون (المئة والحادي والعشرون في الأجبية)
آية (1): "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب."
كل تائب حقيقي يفرح بالذهاب إلى الكنيسة بيت الرب. ورجوعنا للكنيسة هو عربون وبداية لوصولنا لأورشليم السماوية. هو صوت المسبيين في بابل فرحاً بعودتهم إلى أورشليم والعتق من العبودية، وهو صوت كل خاطئ تحرر من عبودية الخطية.
آية (2): "تقف أرجلنا في أبوابك يا أورشليم."
هنا يتأمل أورشليم بعد أن وصل إلى أبوابها، هي وقفة توبة وشعور بعدم الاستحقاق للدخول، ولكنها أيضاً فرحة الوصول. الوقوف في الكنيسة على الأرض الآن هي للتوبة والتعزية والتزود بالقوة والحماية في طريقنا إلى أورشليم السماوية.
آية (3): "أورشليم المبنية كمدينة متصلة كلها."
ماذا رأي في الكنيسة؟ المؤمنين يحيون في محبة مبنيين كحجارة حية (1بط5:2) ومما يؤكد أن داود لم يكن يقصد أورشليم فعلاً، أن أورشليم كانت مازالت تبنى وما سر اتصال أعضاء الكنيسة ليكونوا في وحدة واحدة هكذا؟.. التناول.
آية (4): "حيث صعدت الأسباط أسباط الرب شهادة لإسرائيل ليحمدوا اسم الرب."
كان اليهود يصعدون لأورشليم 3 مرات في السنة في أعيادهم الكبيرة الثلاث (المظال والفطير والأسابيع) وكان هذا ليشهدوا لإلههم في هيكله ولا يذبحون لإله غريب بعيداً عن أورشليم. وهكذا نذهب ونصلي في الكنيسة ونشهد للرب وفدائه في كل قداس نصنع لنذكر عمله ونحمده بتقديم ذبيحة الشكر (الافخارستيا).
آية (5): "لأنه هناك استوت الكراسي للقضاء كراسي بيت داود."
أورشليم كانت مقر الملك والقضاء، وكان الشعب يأتي ليقضي الملك في مظالمهم ففي أورشليم يحكم الملك بالعدل. ولكن هناك معنى آخر للكراسي، فالكتاب يقول أستوت الكراسي= فهل تجلس الكراسي؟ هنا الكراسي تشير للمكان الذي يجلس فيه الله ويرتاح فيه، فكما يجلس على الشاروبيم يجلس في قلوب القديسين ويرتاح. فالعذراء والرسل والقديسين وكل متواضع القلب يسكن فيهم الله (أش15:57 + يو23:14).
آية (6): "أسألوا سلامة أورشليم ليسترح محبوك."
نصلي دائماً أوشية السلامة وفيها نطلب السلام للكنيسة وشعبها من ملك السلام.
آية (7): "ليكن سلام في أبراجك راحة في قصورك."
الأبراج هم الرسل وخلفائهم ومعلمو المعتقدات المستقيمة. والقصور هم المؤمنين القديسين، فحيثما يسكن الملك، يكون هذا المكان قصراً.
آية (9): "من أجل بيت الرب إلهنا ألتمس لك خيراً."
من أجل بيت الرب= بيت الرب إشارة للمسيح، الذي به يستجيب الآب طلباتنا.
المزمور المئة والثالث والعشرون (المئة والثاني والعشرون في الأجبية)
آية (1): "إليك رفعت عيني يا ساكناً في السموات."
كل من اقترب من الله وعرفه يتواضع أمام عظمته ومحبته وقداسته، ويشعر أنه لا شئ، وهنا نرى المرتل يرفع عينيه ولكن في انسحاق فهو على الأرض حيث الخطية والله في السماوات ساكناً في النور والقداسة والمجد.
آية (2): "هوذا كما أن عيون العبيد نحو أيدي سادتهم كما أن عيني الجارية نحو يد سيدتها هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يترأف علينا."
العبد ينظر لسيده وهكذا الآمة لسيدتها، ويشعر أنه مِلْكْ لسيده، وسيده له الحق أن يمنحه أو يعاقبه، فهو لا ينتظر سوى رحمة سيده. وأن نكون عبيداً لله فهي عبودية تحرر. بل أن الابن الضال كان مستعداً أن يقول لأبيه إجعلني كأحد أجرائك ولكن أمام محبة أبيه الفياضة لم يقل هذا الجزء الذي كان قد أعده. علينا وأن فعلنا كل البر أن نقول أننا عبيد بطالون، وننظر لله كغير مستحقين والله حينما يريد أن يعطي فليعطي، وحينما يريد أن يؤدب، فنحن عبيده.
الآيات (3،4): "ارحمنا يا رب ارحمننا لأننا كثيراً ما امتلأنا هوانا. كثيراً ما شبعت أنفسنا من هزء المستريحين وإهانة المستكبرين."
هذه يقولها المسبيين العائدين الذين شبعوا هواناً من البابليين ويقولها كل خاطئ تائب شبع سخرية من إبليس أثناء فترة خطيته.
وهذه الآية نبوة عما حدث للمسيح وهو على الصليب من هزء وسخرية.
المزمور المئة والرابع والعشرون (المئة والثالث والعشرون في الأجبية)
نحن أمام نفس تتقدم في الروحيات ووصلت لدرجة الإنسحاق والتواضع والتذلل أمام الله فهل تتركها الشياطين؟ قطعاً لا فنحن في حرب روحية مستمرة، ولولا معونة الله لهلكنا.
الآيات (1،2): "لولا الرب الذي كان لنا ليقل إسرائيل. لولا الرب الذي كان لنا عندما قام الناس علينا."
عند عودة المسبيين من بابل كانوا ضعفاء جداً، وكان الأعداء حولهم يضايقونهم بشدة. وهكذا كل تائب في بداية طريقه يكون ضعيفاً جداً ومعرض للإرتداد سريعاً. ولولا معونة الله لإرتد وهلك. إبليس عدونا كأسد زائر (1بط8:5).
آية (3): "إذاً لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا."
إذاً لإبتلعونا أحياء= التائب كان ميتاً فعاش، وإبليس لا يحارب سوى الأحياء.
الآيات (4،5): "إذا لجرفتنا المياه لعبر السيل على أنفسنا. إذاً لعبرت على أنفسنا المياه الطامية."
هنا تصوير للأعداء بأنهم كالسيل الطامي، الذي يجرف أمامه كل شئ. ولقد أنقذ الله شعبه عند الخروج من مصر من جيش فرعون الذي كان كالسيل ومن مياه البحر الأحمر. وأنقذ نوح وبنيه من مياه الطوفان، ويونان من بطن الحوت.
آية (6): "مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم."
مبارك الرب= نحن نبارك الرب بأن نظهر بركته لنا وذلك بالشكر والتسبيح.
الآيات (7): "أنفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين الفخ أنكسر ونحن أنفلتنا."
هنا نجد الشيطان في حربه ضدنا مثل الصياد الذي يضع فخاً ويضع فيه حبوب ليجذب العصفور فيمسك الفخ برجله. والعصفور هنا هو كل منا، فإن قبلنا الخطايا والملذات التي يضعها الشيطان في طريقنا يمسك بنا. وعلينا أن نرفض والرب يكسر الفخ المنصوب لنا وجناحي العصفور هما الإيمان في مساندة الله والآخر هو إرادة رفض الخطية والجهاد.
الآيات (8): "عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض."
كم من فخاخ حولنا لا ندري عنا شئ، ولكن عوننا باسم الرب فهو الذي يقودنا.
المزمور المئة والخامس والعشرون (المئة والرابع والعشرون في الأجبية)
آية (1): "المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون الذي لا يتزعزع بل يسكن إلى الدهر."
قارن مع الذين إتكلوا على مصر (حز6:29،7 + أش1:31-3 + أش1:20-6) وقوله إلى الدهر يشير لميراثنا السماوي الذي لن يتزعزع. وأما أي شئ مادي نتكل عليه (مال، أشخاص.... ) فالكل زائل متزعزع. الصديقين هنا مشبهين بجبل صهيون لأن الجبل لا يتزعزع ويشير للسمائيات في علوه.
آية (2): "أورشليم الجبال حولها والرب حول شعبه من الآن وإلى الدهر."
ما أروع هذا المشهد فالكنيسة حولها جبال تحيطها (ملائكة وقديسين....) والرب يحيط شعبه كله. (عب1:12). وكانت أورشليم فعلاً محاطة بالجبال من كل ناحية.
آية (3): "لأنه لا تستقر عصا الأشرار على نصيب الصديقين لكيلا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم."
الله يسمح بالتجارب لشعبه لتأديبهم، ولكن في حدود إمكانياتهم حتى لا يفشلوا، وعصا الخطاة أي قوتهم وسيادتهم (كما استعبد البابليون الشعب حتى تخصلوا من وثنيتهم) فنبوخذ نصر كان العصا التي استخدمها الله للتأديب (1كو13:10).
الآيات (4،5): "أحسن يا رب إلى الصالحين وإلى المستقيمي القلوب.أما العادلون إلى طرق معوجة فيذهبهم الرب مع فعلة الإثم. سلام على إسرائيل."
الله سيحسن للصديقين في الأبدية أما العادلون إلى طرق معوجة= يميلون إلى العثرات (بحسب السبعينية) فهؤلاء نصيبهم البحيرة المتقدة بالنار (رؤ8:21). سلام على إسرائيل= شعب الله سيبقي في سلام إلى الأبد.
المزمور المئة والسادس والعشرون (المئة والخامس والعشرون في الأجبية)
هي ترنيمة المسبيين العائدين إلى أورشليم في فرح بعودتهم، أو عودة الخاطئ المستعبد للمسيح.
آية (1): "عندما رد الرب سبي صهيون صرنا مثل الحالمين."
مثل الحالمين= صرنا في ذهول غير مصدقين أنفسنا من الفرح، وكأننا في حلم. وقولهم هذا يعني بالضرورة أنهم كانوا في حزن وهم في خطيتهم فالتعزية لا تكون إلا للحزاني.
الآيات (2،3): "حينئذ امتلأت أفواهنا ضحكاً وألسنتنا ترنماً. حينئذ قالوا بين الأمم إن الرب قد عظم العمل مع هؤلاء. عظم الرب العمل معنا وصرنا فرحين."
فرحهم وتسبيحهم ظهرا أمام الأمم، فهم شهدوا وسطهم بعمل الله.
آية (4): "أردد يا رب سبينا مثل السواقي في الجنوب."
السواقي: هي مجاري المياه التي تمتلئ بمياه السيول، حين تذوب الثلوج على الجبال. والجنوب يشير لأورشليم فهي جنوب بابل، والجنوب مشهور بالحرارة والشمس الساطعة. وكنيسة القديسين يسطع فيها شمس البر، ويذيب ثلوج فتورها الروحي ويملأها مياه أنهار تفيض منها هي الروح القدس (يو37:7-39). ومن الذي يصلي هذه الآية؟ تصليها الكنيسة كلها من أجل من لا يزالوا في بابل الخطية، ويصليها العائدين إلى أورشليم حتى يعود باقي الشعب الذي لم يقبل العودة لأورشليم واستمروا في بابل.
الآيات (5،6): "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج. الذاهب ذهاباً بالبكاء حاملاً مبذر الزرع مجيئاً يجيء بالترنم حاملاً حزمه."
من يزرع بالدموع= هو من يقدم توبة. وهذا يمتلئ بالروح القدس فيكون له ثمار. هكذا كان داود في توبته يبلل فراشه بدموعه (مز6:6). ولابد من الجهاد في الزرع لكي يكون هناك ثمار، نزرع أعمالاً صالحة وجهاد.
المزمور المئة والسابع والعشرون (المئة والسادس والعشرون في الأجبية)
كاتب المزمور هو سليمان باني الهيكل. والهيكل يرمز لجسد المسيح (كنيسته) (يو21:2). والله هو الذي كون جسد المسيح في بطن العذراء، وهو الذي يعطينا ميلاداً ثانياً من المعمودية الآن لنكون حجارة حية في بيت الرب. ونلاحظ أنه في بناء الهيكل الثاني بعد السبي كانت هناك مقاومة شديدة من الأعداء المحيطين، وهكذا في بناء الكنيسة جسد المسيح حالياً يقاوم عدو الخير كل عمل.
آية (1): "إن لم يبن الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون. إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحارس."
لا نخاف من أي مقاومة ولا نخاف الفشل، فالله هو الذي يبني البيت ويحرس المدينة. وكما فعل نحميا، علينا أن نجاهد ونبني والله يقود العمل ويحرسه. وعلينا أن نعرف أن جهادنا كله هو كلا شئ بدون المعونة الإلهية. ومن يعتمد على ذاته لإكتساب أي فضيلة تفشل.
آية (2): "باطل هو لكم أن تبكروا إلى القيام مؤخرين الجلوس آكلين خبز الأعتاب. لكنه يعطي حبيبه نوماً."
هذه موجهة لكل من يظن أنه قادر أن يفعل شيئاً بذراعه، "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا[‡‡‡]ً" هكذا قال السيد المسيح. فلماذا الهم والله هو الذي يفعل كل شئ، علينا أن نعمل دون حمل أي هم، بل نحيا في سلام= يعطي حبيبه نوماً= فحبيب الرب وسط هموم العالم ينام لأنه واثق أن الله هو ضابط الكل. ومن هو حبيب الرب؟ الإجابة في (يو14:15) ونلاحظ أن المرتل لم يمنع العمل، بل الهم والضيق.
آية (3): "هوذا البنون ميراث من عند الرب ثمرة البطن أجرة."
كان العبرانيون يعتبرون أن كثرة البنون بركة من عند الرب= البنون ميراث من عند الرب (تث4:28،11). وتفهم الآية على كل أبناء الكنيسة التي تلدهم في المعمودية. هو ولدوا لله بالمعمودية وليس من زرع بشر. وهم أجرة المسيح وميراثه لأجل تعبه في الخلاص (أش11:53).
آية (4): "كسهام بيد جبار هكذا أبناء الشبيبة."
المؤمنون هم سهام في يد جبار هو الله. فالله أرسل تلاميذه وبشروا بكلمته فكانوا كسهام وصلت إلى أقاصي الأرض (رو18:10). أبناء الشبيبة= هم الذين ينجبون في فترة الصبا، أيام القوة. والمسيح ولدنا حينما عمل عمله الخلاصي بقوة.
آية (5): "طوبى للذي ملأ جعبته منهم. لا يخزون بل يكلمون الأعداء في الباب."
طوبى لمن حصل من الله على السلام الداخلي فينام هادئاً ويكون له الأمان، وله كثرة البنين ويكون بنوه مرهبين لأعدائهم مثل السهام في يد الجبار. مثل هذا لا يخزى. يكلمون الأعداء في الباب= كان للقدماء عادة أنه إذا جاء لهم سفير من الأعداء لا يسمحون له بالدخول للمدينة، بل يوقفونه على الباب ويردون له جواب كلامه. وحين يكون للإنسان أولاد أقوياء، لا يخزون إذا أتي الأعداء بل يكلمونهم في قوة ولا يستطيع الأعداء أن يعيرونهم بأن الله غير قادر على خلاصهم كما فعل ربشاقي أيام حزقيا. وكل نفس تخزن كلمات الله كسهام ضد أفكار إبليس التي تقف على أبواب قلوبنا (حب9:3). وهكذا حارب السيد المسيح إبليس بآيات الكتاب المقدس.
المزمور المئة والثامن والعشرون (المئة والسابع والعشرون في الأجبية)
هنا نرى البركة تشمل حياة كل من يتقي الرب. ويُصَّوِرْ البركة التي تشمل الإنسان، بأن هذا الإنسان التقي يعيش في بيته[§§§] سعيداً وسط امرأته وأولاده. وسبب البركة مخافة الرب.
آية (1): "طوبى لكل من يتقي الرب ويسلك في طرقه."
العالم قد يعطي غني أو جاه، أما الله فيسكن وسط بيت الصديق، بل يسكن فيه فيكون هذا سبب بركة مادية له وأيضاً سبب سلام وفرح في حياته. ومن هو الرجل التقي الذي لم يصنع خطية فعلاً إلا المسيح. لذلك فهذا المزمور نبوة عن المسيح.
آية (2): "لأنك تأكل تعب يديك طوباك وخير لك."
المسيح حين يجوع ويريد أن يأكل، فهو يطلب إيمان المؤمنين، وهو يشبع إذا رأى المؤمنين يدخلون للإيمان (يو31:4،32). وحين لعن التينة إذ كان جائعاً ولم يجد ثمراً لعنها لأنه كان يريد أن يشير للأمة اليهودية التي لا يجد فيها ثمر، بل سوف تصلبه وترفضه. (راجع أش11:53). ولكل مؤمن يتعب ويزرع بالدموع يحصد بالابتهاج ويأكل ويشبع.
آية (3): "امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك."
إذا فهمنا أن الرجل هو المسيح، فالمرأة هي كنيسته، والبنون هم المؤمنون. والمسيح شبه نفسه بالكرمة حين قال "أنا الكرمة وأنتم الأغصان، فالكنيسة هي الكرمة أي جسد المسيح ولماذا الكرمة بالذات، فكل عضو في الكنيسة يتغذى على جسد المسيح ودمه. وهنا نفهم المائدة أنها مائدة التناول. جوانب بيتك= البيت هو الكنيسة. غروس الزيتون= زيت الزيتون رمز للروح القدس الذي حل على الكنيسة، وأبناء الكنيسة يولدون من الماء والروح. وشجر الزيتون ينمو في البرية. ونحن كأولاد الله نحيا الآن في برية هذا العالم. إلا أن هذا المعنى الرمزي لا يلغي أن البيت الذي يتقي الله يسكن فيه الله ويباركه فعلاً.
الآيات (4-6): "هكذا يبارك الرجل المتقي الرب. يباركك الرب من صهيون وتبصر خير أورشليم كل أيام حياتك. وترى بني بنيك. سلام على إسرائيل."
الله يبارك الرجل المتقي الرب. ويريه خيراته وبركاته كل أيام حياته على الأرض، بل وفي السماء، وفي السماء سيرى بني بنيه وأبناء أبنائهم، فلا موت لمن يذهب للسماء. بل سنرى السابقين واللاحقين. ونعيش في سلام للأبد.
المزمور المئة والتاسع والعشرون (المئة والثامن والعشرون في الأجبية)
في المزمور السابق سمعنا أن الرب يبارك المتقي الله، هل معنى هذا أنه يحيا بلا ألم؟ هنا يكمل المرتل الصورة، فطالما نحن على الأرض سنضطهد من إبليس ومن الأشرار.
الآيات (1،2): "كثيراً ما ضايقوني منذ شبابي ليقل إسرائيل. كثيراً ما ضايقوني منذ شبابي. لكن لم يقدروا عليَّ."
هنا صورة للكنيسة التي اضطهدها الأشرار منذ بدايتها= منذ شبابي. بل يقال هذا أيضاً عن شعب إسرائيل الذي اضطهده المصريون في مصر وعماليق في سيناء. فعموماً شعب الله يثير ضده الشيطان زوابع الاضطهاد دائماً ولأن الله وسطها= لكن لم يقدروا علىّ فالكنيسة صعب أن يهزمها أحد فهي عروس المسيح (2تي12:3 + أع5:9).
آية (3): "على ظهري حرث الحراث. طولوا أتلامهم."
على ظهري حرث الحراث. طولوا أتلامهم= على ظهري جلدني الخطاة وأطالوا إثمهم (سبعينية) فهذه نبوة عما حدث للمسيح. أتلامهم= هي الأخاديد الباقية بعد مرور المحراث في الأرض إشارة لأثار الجروح الناشئة من ضرب السياط على جسد المخلص. والله يسمح بان الأشرار يحرثون على ظهر البار (أي يضطهدونه) لينقي البار ويكون أرضاً صالحة لنمو كلمته.
آية (4): "الرب صديق. قطع ربط الأشرار."
قطع ربط الأشرار= يقطع أعناق الخطاة (سبعينية). وربط الأشرار إشارة إلى حيلهم ومكائدهم واضطهاداتهم التي يشدونها على أعناق المؤمنين لكن الرب يقطعها وقطع أعناق الخطاة يشير لكسر كبريائهم وعقوبتهم بسيف العدل الإلهي.
آية (5): "فليخز وليرتد إلى الوراء كل مبغضي صهيون."
هي صلاة تشبه (رؤ10:6). ونحن نصلي ليبعد عنا الله تجارب إبليس الشريرة.
الآيات (6،7): "ليكونوا كعشب السطوح الذي ييبس قبل أن يقلع. الذي لا يملأ الحاصد كفه منه ولا المحزم حضنه."
شبه الأشرار بعشب السطوح، إذ ليس له جذور فييبس سريعاً، فلا شركة لهم مع الرب، بل خطاياهم وشهواتهم تحرقهم، إذ لا تعزية من الله لهم. بل عدله أيضاً يحرقهم. الذي لا يملأ الحاصد كفه منه= إذ ليس لهم ثمر. ولا المحزم حضنه= هؤلاء لا يحتضنهم الرب أبداً.
آية (8): "ولا يقول العابرون بركة الرب عليكم. باركناكم باسم الرب."
كل من يراهم يدرك أن لا بركة لهم من الرب. باركناكم باسم الرب= البركة هي لأولاد الله وشعبه فقط، ولذلك عليهم أن لا يخافوا من الأعداء الأشرار.
مزامير النوم
المزمور المئة والثلاثون (المئة والتسعة والعشرون في الأجبية)
في هذه الساعة نذكر دفن الرب يسوع ونزوله إلى الجحيم ليخلص قديسيه من هناك. والنوم يسميه البعض الموت الصغير، فالمسيح قال عن لعازر حين مات "حبيبنا لعازر قد نام" ونحن في صلاة النوم نذكر أننا سننام أي سنموت يوماً ما، فنقدم توبة قبل أن تأتي تلك الساعة، وكما نرجو أن نقوم في الصباح التالي بعد نومنا، نرجو أن تكون لنا أبدية سعيدة مع الله في القيامة حين نقوم في اليوم الأخير.
وهذا المزمور هو من ضمن ترانيم المصاعد. وكنا قد توقفنا في المزمور السابق مباشرة عند الاضطهادات والآلام التي تعاني منها الكنيسة في هذا العالم، أو الآلام ومكائد إبليس ضد النفس طالما كنا متغربين عن السماء، وماذا تفعل النفس المتألمة؟
آية (1): "من الأعماق صرخت إليك يا رب."
من الأعماق[****] صرخت إليك يا رب= من عمق الأحزان أو عمق الآلام أو عمق الخطية (إذ تقدم النفس توبة ترجو معونة الله). ومن أعماق القلب وليس من الشفتين فقط. ولمن نصرخ ونلجأ إلا لله وحده. صرخت= ليس المعنى تعلية الصوت، إنما رفع القلب لله، والصلاة بإرادة عقلية وبكل الحواس.
آية (2): "يا رب اسمع صوتي لتكن أذناك مصغيتين إلى صوت تضرعاتي."
يجب أن يكون لنا إيمان بأن الله يستجيب إن طلبنا بإيمان. (عب16:4).
آية (3): "إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف."
لو عاملنا الله بعدله كما نستحق لهلكنا، ولا أمل لنا سوى مراحمه لذلك لا تكف الكنيسة عن ترديد صلاة "يا رب إرحم"
آية (4): "لأن عندك المغفرة لكي يخاف منك."
لأن عندك المغفرة= المسيح الذي صار به غفران خطايانا جاء من عند الآب. لكي يخاف منك= ليس معنى مراحم الله وغفرانه أن نقول، قد ضمنا الخلاص فلنفعل كما نريد، بل لنتمم خلاصنا بخوف ورعدة، فالله في عدله سمح أن إبنه يصلب، فإن أهملنا خلاصاً هذا مقداره، ولم نقدم توبة ونمتنع عن خطايانا فكم تكون عقوبتنا (عب3:2).
آية (5): "انتظرتك يا رب انتظرت نفسي وبكلامه رجوت."
علينا أن ننتظر الرب بثقة في وعوده فهو يحققها في الوقت الذي يراه مناسباً. فهو في ألامه، ونحن في ألام هذا العالم علينا أن نثق في الخلاص وفي وعود الرب لنا.
آية (6): "نفسي تنتظر الرب أكثر من المراقبين الصبح أكثر من المراقبين الصبح."
الحارس على الأسوار ينتظر الصبح بفارغ صبر ليذهب ليستريح، هكذا علينا أن ننتظر مجيء الرب شمس البر، فنستريح من ألام هذا العالم "هنا رجاء في القيامة" وفي السبعينية ترجمت الآية أكثر من المراقبين الصبح= من محرس الصبح إلى الليل. بمعنى أن الحراسات في الليل تنقسم إلى 4 نوبات من الساعة 6 إلى الساعة 9 والثانية من الساعة 9 إلى الساعة 12 والثالثة من الساعة 12 إلى الساعة الثالثة والرابعة وتسمى محرس الصبح تبدأ من الساعة 3 صباحاً حتى الساعة 6 صباحاً. ويكون المعنى أننا ننتظر الرب منذ الصباح وحتى المساء أي دائماً نحن متكلين عليه.
آية (7): "ليرج إسرائيل الرب لأن عند الرب الرحمة وعنده فدى كثير."
المرتل ينصح كل إنسان أن يترجي الرب فعنده فدى كثير= عنده خلاص لكل ألامنا.
آية (8): "وهو يفدي إسرائيل من كل آثامه."
نبوة واضحة عن عمل المسيح الكفاري الفدائي.
المزمور المئة والحادي والثلاثون (المئة والثلاثون في الأجبية)
مزمور يشير لتواضع داود النبي والملك، رمزاً لتواضع المسيح الذي أخذ صورة عبد ثم مات. ويقول معظم المفسرين أن داود قال هذا المزمور رداً على إفتراءات شاول وعبيده إذ أتهموه بأنه في كبرياء يفكر في اغتصاب الملك. ومن ناحية أخرى فهذا المزمور يأتي بعد المزمور السابق فهو يشير لدرجة أعلى في المصاعد. فكلما نرتفع روحياً نتضع وكلما نتضع نرتفع.
آية (1): "يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي ولم أسلك في العظائم ولا في عجائب فوقي."
من يتفاخر بفضائله مستجلباً لمديح الناس فهو مذموم، ويضيع أجر فضائله. والعظمة هي رأس كل الخطايا، فيها سقط الملاك من السماء. وداود هنا يقول أنه لا ينظر إلى عرش شاول. وروحياً علينا أن نفعل نفس الشيء (رو3:12-6) وداود له الحق في أن يفكر في عرش شاول فالله سبق واختاره وصموئيل مسحه.
آية (2): "بل هدأت وسكت نفسي كفطيم نحو أمه نفسي نحوي كفطيم."
رائع من داود أن يعترف بالحقيقة التي في داخل قلبه، فالقلب يشتهي فعلاً الملك كما يشتهي كل منا الدنيويات، هذه حقيقة. ولكنه قاوم هذه الشهوات= هدأت وسكت نفسي. والنفس هنا يقصد بها رغائبه العاطفية وشهوته للارتفاع والملك، فالنفس دائماً صاخبة تشتهي. ولكنه جاهد ضد نفسه ليهدئ شهوته. كفطيم نحو أمه= الفطيم هو من حُرِمَ من ثدي أمه، فيظل يصرخ ولكنه مع امتناع أمه عن إرضاعه يهدئ نفسه ويقبل الأمر الواقع مكتفياً بصدر أمه ينام عليه في راحة. هنا يمثل داود من كان يشتهي العالم (لبن أمه) وحرمه الله من بعض شهوات العالم (فطام) فثارت نفسه فيه، وظل يجاهد ليستريح وصبر لله فأعطاه ثقة مطمئنة في الله (الراحة على صدر أمه) عوضاً عن الطمع القلق (اشتهاء الرضاعة من صدر أمه). بل أن الله في بعض الأحيان يفعل كما تفعل الأم حينما تريد أن تفطم أبنها. فبعض الأمهات يضعن سائل له طعم مر على ثديهن ليكره الأطفال الرضاعة، والله يسمح ببعض الآلام وسط شهوات العالم وببعض الضيقات تمتزج بملذاته فنكرهه طالبين أن نفطم منها.
آية (3): "ليرج إسرائيل الرب من الآن وإلى الدهر."
إذا كان الله يعاملنا كما تعامل الأم أبنها فمن نرجو سواه في كل ضيقاتنا.
المزمور المئة والثاني والثلاثون (المئة والحادي والثلاثون في الأجبية)
هذا المزمور يتكلم عن إقامة المسيح ملكاً، فبعد أن رأيناه في المزمور السابق متضعاً نراه يجلس ملكاً على كرسي داود (آية 11) وأعداؤه يلبسون الخزي (آية 18).
من ناحية المصاعد، فهذا المزمور يرتفع درجة عن المزمور السابق، الذي إتضعت فيه النفس تماماً فسكن الرب فيها وعندها (أش15:57) الرب اختار صهيون، اشتهاها مسكناً له.
ونصلي هذا المزمور في النوم لنذكر أننا يجب أن نجد مكاناً للرب في قلوبنا قبل أن ننام.
يقال أن داود هو الذي كتب المزمور معبراً عن اشتهائه أن يبني بيتا للرب. أو حين نقل تابوت العهد في حفل ورقص. ويقال أيضاً أن الذي أنشده سليمان حين نقل التابوت إلى الهيكل، وربما هذا هو الأدق، إذ نجد بعض آيات هذا المزمور في صلاة سليمان (2أي41:6،42).
الآيات (1-5): "أذكر يا رب داود كل ذله. كيف حلف للرب نذر لعزيز يعقوب. لا أدخل خيمة بيتي لا أصعد على سرير فراشي. لا أعطى وسناً لعيني ولا نوماً لأجفاني. أو أجد مقاماً للرب مسكناً لعزيز يعقوب."
لم يجد المرتل فضيلة في داود أثمن من ذله ووداعته وتواضعه. فحيثما يوجد التواضع نجد الله ساكناً. وكل نفس مؤمنة لا تستريح ولا تهدأ، إلا إذا صارت هيكلاً لله، والله يرتاح فيها كمسكن له. والمرتل يذكر أن داود حينما بنى بيته لم يهدأ لأنه لم يكن قد بنى بيتاً للرب يستريح فيه الرب. أو أجد مقاماً للرب= أي أنه لن يستطيع أن ينام في قصره إن لم يجد مسكناً يقيم فيه إله يعقوب، هكذا نذر داود للرب ولكن الرب طلب من داود أن يبني سليمان البيت، فابن داود أي سليمان الملك يرمز للمسيح ابن داود الذي سيبني الهيكل أي جسده (يو21:2). وسليمان هنا لو كان هو مرتل هذا المزمور، نجده بعد أن أتم بناء الهيكل يرتل بهذه الكلمات بمعنى أنه وفى نذر أبيه.
آية (6): "هوذا قد سمعنا به في أفراته. وجدناه في حقول الوعر."
هوذا قد سمعنا به في أفراثه= عندما عزم داود أن ينقل تابوت الرب إلى أورشليم أخذ يسأل عن مكان فقيل له أنه في أفراته وهي بيت لحم (تك19:35) وجدناه في حقول الوعر= وهم وجدوا تابوت العهد في قرية يعاريم (1أي5:13) وهي تبعد عن أورشليم 11 ميل من جهة جنوب الغرب. وسميت موضع الغابة لأن المنطقة مقاطعة مملوءة بالأشجار. وكلمة يعاريم تعني لغوياً غابات أو وعر (قاموس الكتاب) والكنيسة تفسر هذه الآية عن اجتهاد داود في البحث عن التابوت في بيت لحم وتعبه في إعداد مكان مناسب له يضعه فيه على تجسد ربنا يسوع المسيح من القديسة العذراء حيث ولدته في بيت لحم. ونلاحظ معاني الكلمات. بيت لحم= بيت الخبز، إفراتة= مثمر. فالمسيح قدم جسده لنا خبزاً نأكله، وبعد أن كنا غير مثمرين كشجر الوعر صرنا مثمرين.
آية (7): "لندخل إلى مساكنه لنسجد عند موطئ قدميه."
المعنى المباشر، لندخل إلى الهيكل مسكن الله وموطئ قدميه لندخل. وهذه كانت نبوة فالرعاة ذهبوا وسبحوا لمولود بيت لحم. والمجوس سمعوا عنه وأتوا ليسجدوا له.
آية (8): "قم يا رب إلى راحتك أنت وتابوت عزك."
هذه قيلت غالباً عند نقل التابوت إلى الهيكل، عوضاً عن التنقل مع الخيمة، فصار الهيكل مكان راحة واستقرار. ولقد وجد السيد المسيح راحته في بطن العذراء مريم لذلك شبهت الكنيسة في تسابيحها العذراء مريم بالتابوت. وتعتبر الآية نبوة عن قيامة الرب يسوع بجسده الممجد (كان التابوت من خشب مغشى بذهب رمز لاتحاد اللاهوت بالناسوت) ثم صعوده بهذا الجسد إلى السموات وجلوسه وراحته عن يمين أبيه. والكنيسة المقدسة هي مكان راحته. وبهذا نصلي قم وإظهر أن الكنيسة هي مكان راحتك وإظهر مجدك فيها.
آية (9): "كهنتك يلبسون البر وأتقياؤك يهتفون."
هنا المرنم يتطلع إلى واجب الكهنة إذ حل الله بمجده وسط هيكله بدخول تابوت عهد الله، ويوصي الكهنة بأن يلبسوا البر. والشعب الأتقياء يهتفون ويسبحون لوجود الله وسطهم. وهذه الصورة يجب أن تكون في الكنيسة، كهنة قديسين وشعب مسبح ولكن يلبسون البر= البر الذي بالمسيح، وليس البر الشخصي. فنحن تبررنا بدمه. والكنيسة كلها تبررت بدم المسيح، وعليها أن تحيا حياة الشكر والتسبيح.
آية (10): "من أجل داود عبدك لا ترد وجه مسيحك."
سليمان هنا يتشفع بأبيه داود المحبوب جداً عند الله (عقيدة الشفاعة) أن يرضى عليه ويسمع له ويبارك الهيكل الذي بناه ويسكن فيه ويتقبل صلواتهم فيه، ولقد استجاب الله بنزول نار من السماء وأكلت المحرقة (2أي1:7) ويصلي سليمان أيضاً أن يستجيب الله له بشفاعة داود أبيه أن يجلس على كرسي داود أبناء سليمان دائماً، كما وعد الله داود بذلك.
الآيات (11،12): "أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك. إن حفظ بنوك عهدي وشهاداتي التي أعلمهم إياها فبنوهم أيضاً إلى الأبد يجلسون على كرسيك."
راجع وعد الله لداود في (2صم12:7-16). وتحقق وعد الله جزئياً في ملك سليمان وابن سليمان ونسله لفترة طويلة حتى سبي بابل. وتحققت هذه النبوة في المسيح فعلاً الذي سيملك على كنيسته إلى الأبد.
الآيات (13،14): "لأن الرب قد اختار صهيون اشتهاها مسكناً له. هذه هي راحتي إلى الأبد ههنا أسكن لأني اشتهيتها."
الله أحب صهيون أي أورشليم لأن عبادته في الهيكل كانت فيها، وهناك يذكر إسمه بالتسبيح وبالحب. ولكن قوله إلى الأبد= يجعلنا نفهم أن المقصود ليس أورشليم نفسها فأورشليم خربت أثناء سبي بابل، ثم عادوا وبنوها. وخربت نهائياً بعد سنة 70م على يد تيطس. أما صهيون الذي أحبها الله ويرتاح فيها للأبد هي الكنيسة.
الآيات (15،16): "طعامها أبارك بركة مساكينها أشبع خبزاً. كهنتها ألبس خلاصاً وأتقياؤها يهتفون هتافاً."
حين يسكن الله وسط جماعة أو كنيسة يباركها (تث2:28-6)= طعامها أبارك بركة. ومساكينها أشبع خبزاً= هنا يتكلم عن الخبز الروحي أي التناول من جسد المسيح ودمه، فنجد في هذه الآية أن الله يبارك بركة مادية وبركة روحية لمن يسكن عنده. كهنتها ألبس خلاصاً= هذا رد على آية (9) للتأكيد. فالله سينفذ وعده ويخلص ويبرر.
الآيات (17،18): "هناك أنبت قرناً لداود. رتبت سراجاً لمسيحي. أعداءه ألبس خزياً وعليه يزهر إكليله."
هذه نبوة صريحة عن المسيح (لو68:1-72) فالمسيح هو القرن إشارة لقوة عمله. وهو السراج فهو نور العالم. والله هيأ جسداً لمسيحه من بطن العذراء= رتبت سراجاً لمسيحي= وهذا الجسد كان سراجاً، ينير للعالم بل يضئ لكل من يقترب منه فيصير أيضاً نوراً للعالم. وألبس المسيح أعداءه الخزي. فإبليس إندحر واليهود قد تشتتوا في العالم كله. وملك هو على كنيسته= عليه يزهر إكليله.
المزمور المئة والثالث والثلاثون (المئة والثاني والثلاثون في الأجبية)
في المزمور السابق رأينا عمل المسيح الخلاصي لكنيسته، وهنا نرى الكنيسة كشعب يحيا في حب فينسكب الروح القدس على هذه الكنيسة. رأينا في المزمور السابق المسيح يرتاح في كنيسته لذلك فالروح القدس الذي إنسكب عليه وهو رأس الكنيسة، ينسكب على كل الكنيسة. ولكن الروح القدس ينسكب إذا توافر شرط المحبة، فهذا المزمور دعوة للمحبة بيننا جميعاً.
· هناك رأيان في المناسبة التي كتب فيها هذا المزمور:
الأول: أنه كُتب ليصلوا به في الأعياد السنوية التي يجتمع فيها كل الشعب (3 مرات سنوياً) في الأعياد الكبيرة في أورشليم.
الثاني: أنه كتب لتشجيع العائدين من السبي. ليسكنوا في أورشليم.
· كان رئيس الكهنة يمسح بسكب زيت المسحة على رأسه وكان هذا الزيت من زيت الزيتون (رمز للروح القدس) مخلوطاً ببعض العطور. وكل هذه العطور تشير لشخص السيد المسيح. وحين ينسكب الزيت على رأس هرون رئيس الكهنة (رمز للمسيح رئيس كهنتنا) ينسكب على لحيته (اللحية ترمز بشعرها الكثيف حول الرأس للكنيسة الملتفة حول المسيح رأسها) فيفيح من اللحية (الكنيسة) رائحة المسيح الزكية. فالكنيسة رائحة المسيح الزكية (2كو15:2). والروح القدس حين يملأ شخص مؤمن يحوله إلى صورة المسيح (غل19:4). وبشرط أن نسكن في محبة.
آية (1): "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يسكن الإخوة معاً."
الإخوة حين يسكنون في محبة يشبهون بثمرة التين. ففيها بذور كثيرة تسكن متآلفة بجانب بعضها داخل غلاف واحد. وطعمها حلو. فالله يحب أن نسكن في محبة في الكنيسة.
آية (2): "مثل الدهن الطيب على الرأس النازل على اللحية لحية هرون النازل إلى طرف ثيابه."
إنسكاب الدهن رمز للروح القدس (1صم13:16). وقد حل الروح القدس على المسيح يوم عماده، وكان ذلك لحساب الكنيسة (اللحية= الشعر الكثير يشير للمؤمنين) الدهن الطيب= الزيت + العطور. وهذه اللحية نازلة على طرف ثيابه. وثياب المسيح هي كنيسته. فلا انفصال بين جماعة المؤمنين والكنيسة. ولا معنى لوجود جماعة منشقة على الكنيسة.
آية (3): "مثل ندى حرمون النازل على جبل صهيون لأنه هناك أمر الرب بالبركة حيوة إلى الأبد."
هذه الجماعة التي إنسكب عليها الروح القدس تغمرها البركات. ندى حرمون النازل على جبل صهيون= والندى ينعش النبات ويحافظ عليه من حرارة الشمس (التجارب). وهذا عمل الروح القدس المعزي للنفس المتألمة. ونلاحظ أن الندى يأتي من على جبل حرمون الشاهق العلو وينزل على التلال المجاورة مثل جبل صهيون (أو سيئون وهو جبل منخفض بجانب جبل حرمون حسب الترجمة الدقيقة) وهكذا تنهمر البركات من السماء على الكنيسة التي تسكن في محبة. فحيثما كانت المحبة تنزل بركات الله ويكون هناك حياة.
المزمور المئة والرابع والثلاثون (المئة والثالث والثلاثون في الأجبية)
هذا المزمور هو آخر مزامير المصاعد. وما هي آخر درجة لإنسان إمتلأ في محبة مع إخوته من الروح القدس؟ لا يوجد سوى أن هذا الإنسان يحيا مسبحاً مباركاً الرب كل أيام حياته. ونصلي هذا المزمور في صلاة النوم ونقول باركوا الرب.. بالليالي. فنذكر أن هذا هو عملنا الروحي. فبالنهار نعمل لحاجة الجسد والليالي هي لله لنسبحه ونخلوا معه في هدوء الليل.
آية (1): "هوذا باركوا الرب يا جميع عبيد الرب الواقفين في بيت الرب بالليالي."
عبيد الرب= أي خدامه الحقيقيين، الذين يعبدونه بأمانه، وملكوا الرب عليهم.
آية (2): "ارفعوا أيديكم نحو القدس وباركوا الرب."
ارفعوا أيديكم= كما فعل موسى في أثناء حرب يشوع مع عماليق، ورفع أيدينا يجعلنا في هيئة الصليب فترتاع الشياطين من علامة الصليب التي كسرت شوكتهم.
آية (3): "يباركك الرب من صهيون الصانع السموات والأرض."
صهيون= هي السماء حيث صعد المسيح، وهي الكنيسة بيت المسيح على الأرض.
المزمور المئة والسابع والثلاثون (المئة والسادس والثلاثون في الأجبية)
هذا المزمور كتب في بابل أثناء فترة السبي، والشعب في ذل، والبابليين يهزأون بهم في صلف وكبرياء السادة الذين يذلون عبيدهم. وربما قيل هذا المزمور بعد سقوط بابل بيد كورش، لأن المرنم هنا يقول يا بنت بابل المخربة (آية 8)، أو ربما دعاها كذلك بسبب خطاياها ونجاساتها، فتوقع خرابها كما خربت أورشليم بسبب خطاياها والسبعينية تنسب هذا المزمور لأرمياء.
وهذا المزمور يعبر عن حال كل خاطئ مستعبد لخطيته، فهو غير قادر على التسبيح طالما هو مستعبد. ومن تحرر من خطيته يسبح، فالشعب حين خرجوا من عبودية فرعون، كان أول ما عملوه هو أنهم سبحوا (خروج 15). ويعبر هذا أيضاً عن أننا في السماء سيكون فرحنا فرحاً حقيقياً كاملاً، حين نخرج من هذا العالم ونخلع هذا الجسد. لذلك نجد في السماء الـ144000 (الذين خلصوا من العهد القديم والعهد الجديد) يرنمون (رؤ1:14-5). ولذلك في ترنيمنا لهذا المزمور نذكر كل إخوتنا الذين مازالوا مستعبدين للخطية ونطلب لأجلهم أن يتحرروا. ونذكر أنفسنا وأننا مازلنا في ألام هذا العالم معرضين لتجارب وخداعات إبليس ومعرضين لإضطهاد أتباعه ونشتاق لمجيء المسيح الثاني لنسبح للأبد.
لذلك نرنم هذا المزمور في صلاة النوم للتعبير عن أننا نشتاق للسماء بعد نهاية عمرنا.
آية (1): "على أنهار بابل هناك جلسنا."
ناح اليهود المسبيين عند أنهار دجلة والفرات في بابل. وأنهار بابل ترمز لأمور هذا العالم إذا شغلتنا عن الله، فننجرف للفتور ثم للخطية وبالتالي العبودية. وكل مؤمن حقيقي حين يذكر إخوته الذين مازالوا في هذه العبودية يبكي مصلياً ليعودوا للكنيسة (أورشليم).
آية (2): "على الصفصاف في وسطها علقنا أعوادنا."
الصفصاف= شجرة تنبت على مجاري المياه وهي شجرة عديمة الثمر، شأن كل من ينغمس في ملذات العالم (أنهار بابل). وهناك علقوا قيثاراتهم (أعواد بحسب النص العبري) والعود أو القيثارة هي لعزف أنغام الفرح، وكيف يفرحون وهم مستعبدين. ويذكر أنهم لم يكسروا أعوادهم كرمز لليأس، بل علقوها على رجاء استخدامها في المستقبل حين يعودون إلى أورشليم، حيث الثمار والأرض التي تفيض لبناً وعسلاً.
ملحوظة: بابل في الكتاب المقدس ترمز لمملكة الشر من بداية الكتاب المقدس حتى نهايته ففيها تمرد الناس على الله فبلبل ألسنتهم (تك9:11). ومنها خرج نمرود الذي تجبر أمام الله (تك9:10،10). وهي الزانية العظمية في (رؤ1:17-6).
آية (3): "لأنه هناك سألنا الذين سبونا كلام ترنيمة ومعذبونا سألونا فرحاً قائلين رنموا لنا من ترنيمات صهيون."
حين رأوهم البابليين على الأنهار سألوهم في سخرية أن يغنوا لهم أغنية على أعوادهم، وهل يمكن أن يشهد أحد لله أو يسبحه وهو في أرض عبوديته؟! هل نتصوَّر أن خاطئ في وسط مجلس مستهزئين يفتح فمه بالشهادة لله أو تسبيح الله؟!
آية (4): "كيف نرنم ترنيمة الرب في أرض غريبة."
هم رفضوا إذ تذكروا أن هذه الترانيم كانوا ينشدونها وهم في الهيكل في قداسة فهل تستخدم الآن لتسلية البابليين، في هذا إهانة لتلك التسابيح "لا تعطوا القدس للكلاب".
الآيات (5،6): "إن نسيتك يا أورشليم تنسي يميني. ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي."
تنسى يميني= أي يُشَّل ذراعي وتنتهي قوتي. لو أنساني العالم بأنهار ولذته أورشليم. ويلتصق لساني بحنكي= ليخرس لساني إن مدحت غيرك يا أورشليم. وهكذا ينبغي أن يكون ولاؤنا لكنيستنا واشتياقنا لوطننا السمائي، فلا نفضل أي شئ عليهما. وهكذا ينبغي أن ننظر لخلاص نفوسنا أن له الأولوية على أي شئ.
الآيات (7-9): "أذكر يا رب لبني أدوم يوم أورشليم القائلين هدوا هدوا حتى إلى أساسها. يا بنت بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا. طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة."
بابل استعبدت يهوذا، شعب الرب وسبتهم إلى هناك، أما أدوم فقد كان لها موقفاً شامتاً لكل الآلام التي وقعت للشعب، حقاً كان الله يؤدب شعبه بعصا تأديب هي بابل، لكن الله لا يحب شماتة أحد في الشرور التي تصيب أولاده. بل إن أدوم كان لها موقفاً معادياً بالأكثر فقد كانوا ينتظرون الهاربين من يهوذا أثناء ضرب البابليين لهم ويمسكونهم ويقتلونهم هم أو يبيعونهم عبيداً (نبوة عوبديا) وأدوم له عداوة تقليدية بينه وبين يعقوب من البطن. فأدوم هو عيسو.
ومن هنا نفهم أن بابل تمثل إبليس الذي يسقطنا في الخطية فنسقط، وإذا سقطنا يؤدبنا الله، ونفهم أن أدوم هي الشياطين التي تشمت في بليتنا. وكلمة أدوم تعني أحمر، والشيطان كان قتالاً للناس منذ البدء (يو44:8).
وفي (7) يذكر المرنم أن أدوم يوم كانت بابل تمزق أورشليم أن أدوم كانت تشجع في شماتة البابليين على أفعالهم، بل كانوا يطلبون هدم أورشليم حتى الأساس. وهنا المرتل يطلب الإنتقام من أدوم على ما فعلته، فشريعة العهد القديم عين بعين وسن بسن وأما في العهد الجديد فنفهم هذا عن إبليس عدونا الذي يريد هلاكنا. والمرتل يسمى أدوم هنا بنت بابل لأنها شابهت بابل في تخريبها وشرها. وفي (9) يشير لحادثتين سابقتين، قتل فيهما الملوك المنتصرون شبان أدوم وأبطالها بأن يلقيهم الملوك من فوق الصخور العالية فينزلون مهشمين (1أي12:18) ويقول المفسرون أن أبيشاي قائد الجيش كان يسوق بني أدوم إلى صخرة عالية في وادي الملح، ومن هناك يطرحهم إلى أسفل. وهناك حادثة أخرى أيام أمصيا الملك، إذ ذهب إلى وادي الملح وضرب من أدوم 10.000، وسبا 10.000 وأتى بهم إلى رأس سالع وطرحهم من عليها فتكسروا (2أي11:25،12) والمعنى الروحي لطوبى من يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة= ممكن أن نفهمه إذ فهمنا أن الصخرة هي المسيح (1كو4:10). فطوبى لمن يضرب بنات بابل (الزانية العظيمة) وهن الخطايا والشهوات(*) في هذه الصخرة الأبدية (رؤ5:17). طوبى لمن يدفن شهواته أي أطفال بابل تحت الصخرة الثابتة أي يسوع المسيح، وذلك بالتوبة الدائمة والاعتراف والتناول. وحين تدفن النفس هذه البنات سيكون لها بنون صالحين هم الفضائل المكتسبة. ومن له هؤلاء الأولاد (الفضائل) لا يخزى إذا كلّم أعداءه في الأبواب).
المزمور المئة والثامن والثلاثون (المئة والسابع والثلاثون في الأجبية)
داود شعر بعمل الله معه خلال حياته إذ اختاره ولداً صغيراً وراعياً فقيراً للأغنام وأجلسه على كرسي مملكة إسرائيل ونصره على كل أعدائه، وربما رتل داود هذا المزمور في أواخر حياته إذ كان يتأمل في عطايا الله معه خلال رحلة عمره، فلم يجد ما يقوله سوى كلمات الحمد والشكر. وعبر هنا عن اشتياقه الدائم للسجود والاعتراف لله في هيكل قدسه.
وما أجمل أن نصلي هذا المزمور في صلاة النوم، إذ نتأمل في عطايا الله وأحساناته علينا طول اليوم بل فيما مضى من عمرنا ونحمده ونشكره، مشتاقين أن يخرج علينا الصبح بنوره لنذهب إلى بيت الله ونسجد أمام الملائكة، عربوناً لذلك اليوم الذي سيأتي فيه المسيح على السحاب ليأخذنا إلى السماء مع الملائكة، وهناك نعترف له ونسبحه للأبد في صحبة الملائكة.
آية (1): "أحمدك من كل قلبي. قدام الآلهة أرنم لك."
أحمدك من كل قلبي= نرى هنا أهمية حياة الشكر. قدام الآلهة أرتل لك= هذه يمكن فهمها أنني أعترف لك يا رب قدام كل الشعوب الوثنية بآلهتها، ولن أخشى أن أعترف لك أمامهم، بل سأفتخر بك أمامهم. وقد تفهم الآلهة أنها تشير للقضاة والملوك والرؤساء ولكن الترجمة السبعينية ترجمتها الملائكة. بمعنى الاشتراك مع الملائكة في تسبيح الله وعبادته. ونحن نعترف له ونسجد له وهم يروننا فيفرحون بعبادتنا وشركتنا معهم في عبادة الله وتسبيحه فهم يعرفون الله ويحبونه ويفرحون بمن يحب الله مثلهم. والكنيسة تسمى بيت الملائكة، فنحن نصلي في الكنيسة والملائكة حولنا، هي شركة السمائيين مع الأرضيين.
آية (2): "أسجد في هيكل قدسك وأحمد اسمك على رحمتك وحقك لأنك قد عظمت كلمتك على كل اسمك."
أحمد اسمك على رحمتك= أنا مستحق كل عقوبة، ولكنك رحمتني ولذلك أشكرك. أسجد في هيكل قدسك= أنا مستحق أن لا تقبلني في بيتك، ولكنك بمراحمك سمحت لي أن أدخل وأسجد أنا الغير المستحق لذلك أحمدك. على رحمتك وحقك= قد يقصد بالحق أن الله نصره على أعدائه فأظهر الحق. ولكننا نرى الرحمة والحق قد ظهرا على الصليب. عظمت كلمتك على كل اسمك= الاسم يشير للشخص بصفاته وإمكانياته، والله أعلن لنا عن نفسه بأشياء متعددة، مثلاً بالخليقة، وبتدبيراته، ثم بكلمته وناموسه. وداود يرى أن كلمة الله وناموسه وشريعته أعظم من كل ما استخدمه الله سابقاً في الإعلان عن نفسه. وإذا فهمنا أن كلمة الله هو المسيح، فهذه نبوة عن المسيح الذي عظمه الآب، وأعطاه اسماً فوق كل اسم (في9:2). فلقد صار المسيح بعمله الفدائي هو أعظم ما عرفناه من الله في كل أعمال عنايته السابقة ومراحمه السابقة. فليس حب أعظم من هذا الذي صنعه المسيح على الصليب. والسبعينية ترجمت هذه الآية عظمت اسمك على الكل.
آية (3): "في يوم دعوتك أجبتني. شجعتني قوة في نفسي."
داود يذكر لله أن استجاب له في كل مرة دعاه، بل أعطاه قوة خاصة تشجعه داخل نفسه.
الآيات (4،5): "يحمدك يا رب كل ملوك الأرض إذا سمعوا كلمات فمك. ويرنمون في طرق الرب لأن مجد الرب عظيم."
نبوة عن إيمان ملوك الأمم الوثنية.
آية (6): "لأن الرب عالٍ ويرى المتواضع أما المتكبر فيعرفه من بعيد."
(مز18:34 + أش15:57). أما المتكبر فيعرفه من بعيد= أي لا يسانده ولا يعضده.
المزمور المئة والحادي والأربعون (المئة والأربعون في الأجبية)
كتب داود هذا المزمور في أثناء فترة ضيقه وألامه، ربما حين كان شاول يريد قتله فنجده هنا يصلي ويتوسل إلى الله ليعطيه عزاء ويرفع عنه ضيقته.
نصلي هذا المزمور في صلاة النوم، ليقبل الله صلواتنا كذبيحة مسائية مقبولة وتكون صلواتنا كرفع بخور أمام الله، لها رائحة مقبولة. بالإضافة إلى أننا نذكر المسيح الذي قُدِّمَ ذبيحة مسائية عنا ورفع يديه على الصليب لنصير نحن مقبولين لدى الآب.
آية (1): "يا رب إليك صرخت. أسرع إلىَّ. أصغ إلى صوتي عندما أصرخ إليك."
الصراخ في الصلاة هو الصلاة من القلب بحماس، ولكن ليس بصوت عالٍ.
آية (2): "لتستقم صلاتي كالبخور قدامك ليكن رفع يدي كذبيحة مسائية."
المؤمنين كلهم كهنة بمفهوم الكهنوت العام، فالمؤمن يقدم ذبائح التسبيح وذبائح العطاء والتوزيع (عب15:13،16) ويقدم نفسه ذبيحة حية (رو1:12) والروح المنكسرة (مز17:51) أما الكهنوت الخاص في الكنيسة فهو سر من الأسرار السبعة، والكاهن يُسام ليخدم خدمة الأسرار، (عب4:5). فخدمة الأسرار يقوم بها كاهن شرعي وليست لكل مؤمن. وفي هذه الآية نرى صورة لهذا الكهنوت العام. ونرى داود هنا يرفع يديه، وهكذا نرى أن رفع اليدين مهم في الصلاة لنشبه وضع الصليب. والله يشتم صلواتنا كرائحة بخور لو كانت من قلب نقي وبإيمان قوي (هذا معنى الصراخ). ذبيحة مسائية= فكانت الشريعة تحتم تقديم ذبيحة صباحية وذبيحة مسائية. والمسيح قٌدِّم على الصليب كذبيحة مسائية (فهو مات على الصليب وقت تقديم الذبيحة المسائية). والعجيب في هذه النبوة الإشارة لرفع اليد فهكذا صلب المسيح فالنبوة إذاً قدمت لنا الطريقة التي سيقدم بها المسيح ذبيحة ووقت تقديمها في المساء.
وفي رفع يدينا عند الصلاة نذكر هذه النبوة وكأننا نذكر أنه حتى تكون صلواتنا مقبولة كما قبلت ذبيحة المسيح علينا أن نقدم أنفسنا ذبائح حية فنصلب أهوائنا مع شهواتنا حينئذ تكون صلواتنا كرائحة بخور صاعدة إلى فوق، أما صلوات الخطاة فهي لا تصعد إلى فوق.
الآيات (3،4): "أجعل يا رب حارساً لفمي. أحفظ باب شفتي. لا تمل قلبي إلى أمر رديء لأتعلل بعلل الشر مع أناس فاعلي إثم ولا آكل من نفائسهم."
هنا داود يصلي ليحفظ الله شفتيه، وفي هذا يتفق مع (يع3) أن اللسان يقود الجسم كله، فلو تقدس اللسان يقود الحياة كلها للقداسة، ويصلي حتى لا يميل إلى الأشرار ويشترك في ولائمهم المملوءة فساداً، وحينما يتنقى يقبل الله صلواته كرائحة بخور. لا تمل قلبي إلى أمر رديء= فالقلب أخدع من كل شئ (أر9:17). وهو منبع الشر. فيا رب لا تجعل قلبي يميل وراء نداء الأشرار. لأتعلل بعلل الشر= الشرير دائماً يعطي لنفسه أعذاراً في شروره. وهكذا فعل آدم وحواء ولم يعترفا مباشرة بخطيتهما.
آية (5): "ليضربني الصديق فرحمة وليوبخني فزيت للرأس. لا يأبى رأسي. لأن صلاتي بعد في مصائبهم."
القلب دائماً معرض للخداع. ومن خداعات إبليس أنه يجعلنا نرفض نصائح الأصدقاء المخلصين، ونفرح برياء الأشرار. وداود هنا يصلي حتى يحفظه الله من هذا الخداع فيستمع لمشورات الأصدقاء المخلصين، إن أخطأ يرجع وأن أصاب يتشجع. أما المنافقين الأشرار الذين ريائهم مثل الزيت فعليه أن لا يقبل ريائهم (وكان القدماء يدهنون بزيت معطَّر في أفراحهم). ليضربني الصديق فرحمة= المرتل لا يقبل التأديب من يد الله فقط، بل هو يقبل التأديب من يد كل صديق مخلص تقي، ويعتبر توبيخه له رحمة. وسفر الأمثال مملوء من الآيات التي تشرح هذه الفكرة وما ينطبق علي هذه الآية تماماً (أم6:27). ولقد طبق داود هذه الفكرة تماماً حين قال "الله قال لشمعي بن جيرا اشتم داود" فهو قبل التأديب على أنه من الله، واعتبر أن الله يؤدبه بواسطة شمعي الشرير، فإن كان قد قبل توبيخ الشرير، أفلا يقبل توبيخ الصديق. فزيت للرأس لا يأبى رأسي= أي أنه اعتبر أن توبيخات الصديق هي كزيت يشفي جروحه الناشئة عن خطاياه، وأنه سيقبل هذه التوبيخات ولن يرفضها رأسه، بل ستصير له كزيت للرأس. أما السبعينية فترجمت الآية أما زيت الخاطئ فلا يدهن رأسي. وهذا تم شرحه بأن داود يرفض الكلمات اللينة من الأشرار المخادعين الذين يشجعونه على ممارسة الخطأ. والترجمة السبعينية أقرب للصحة فهي متمشية مع باقي الآية لأن صلاتي بعد في مصائبهم= لأن صلاتي أيضاً ضد رغباتهم الشريرة= أي هو يصلي حتى يعينه الله في مكائد وخداعات المرائين الأشرار ورغبتهم أن يسقطوه في الشر ويسمى هذا مصائبهم. وبصلاته يحفظه الله من هذه المصائب.
آية (6): "قد انطرح قضاتهم من على الصخرة. وسمعوا كلماتي لأنها لذيذة."
هذه قد تنطبق على شاول الذي اضطهد داود جداً. وحين أتت الفرصة لداود أن ينتقم لم يمد يده إلى مسيح الرب بل عفا عنه وعاتبه عتاباً رقيقاً (كلماتي لذيذة) جعلته يبكي. وقد انتهت حياة شاول بمأساة هو وكل قادته= إنطرح قضاتهم من على الصخرة وهذه نهاية كل من يقف موقف عداء مع الله صخرتنا، أو مع شعب الله.
وقد تشير الآية لعدو الكنيسة، إبليس، الذي إنطرح أمام المسيح صخرتنا (لو18:10،19) وكل اليهود والوثنيين الذين أقاموا من أنفسهم قضاة للكنيسة إنطرحوا من على الصخرة بينما استمرت الكنيسة تردد كلماتها اللذيذة (كرازة وتسابيح وإيمان).
آية (7): "كمن يفلح ويشق الأرض تبددت عظامنا عند فم الهاوية."
قد تشير الآية إلى التجارب الأليمة التي وقعت لداود ورجاله أثناء هروبهم وأن بعضاً منهم مات وتناثرت عظامهم، وكانت الضربة شديدة. كمثل الفلاح حين يحرث الأرض هكذا إنشقوا، فمنهم من مات فعلاً ومنهم من كان قاب قوسين أو أدنى من فم الهاوية أو القبر. وقد تشير إلى أن النهاية المؤكدة لكل منا أن سيدفن وتتناثر عظامه كنتيجة لنجاح مؤامرة إبليس ضد آدم أبينا والحكم الصادر ضده بالموت (ونجد الرجاء في آية8) على أن الترجمة السبعينية ترجمت هذه الآية تبددت عظامهم عند الجحيم= أي عظام الأشرار والترجمة السبعينية هي الأكثر إتساقاً مع بقية كلمات المزمور.
الآيات (8-10): "لأنه إليك يا سيد يا رب عيناي. بك احتميت لا تفرغ نفسي. احفظني من الفخ الذي قد نصبوه لي ومن أشراك فاعلي الإثم. ليسقط الأشرار في شباكهم حتى أنجوا أنا بالكلية."
من يرفع عينيه إلى الله يحفظه من الأشراك المنصوبة له، بل يقع الأشرار فيها.
المزمور المئة والثاني والأربعون (المئة والحادي والأربعون في الأجبية)
صلى داود هذا المزمور وهو مختبئ في مغارة هارباً من وجه شاول. هو مزمور صلاة لنفس متألمة، لم تجد معونة من البشر وكان ملجأها الوحيد هو الله فصرخت إليه لينقذها.
في الساعة الثانية عشرة (وقت صلاة النوم) كان المسيح قد دفِنَ. ونزل إلى الجحيم ليخرج كل أسرى الرجاء. وكأنه وهو رأس الذين خرجوا من الجحيم إلى الفردوس يقول "إخرج من الحبس نفسي". ولذلك نصلى هذا المزمور في صلاة النوم، لنذكر أننا بعد موتنا تخرج أرواحنا من حبس الجسد وحبس العالم إلى الراحة إذ فتح لنا المسيح الباب (رو24:7).
الآيات (1،2): "بصوتي إلى الرب أصرخ بصوتي إلى الرب أتضرع. أسكب أمامه شكواي. بضيقي قدامه أخبر."
علينا أن نتعلم أن لا نشتكي سوى لله فهو القادر وحده على خلاصنا وليس غيره.
الآيات (3،4): "عندما أعيت روحي فيّ وأنت عرفت مسلكي. في الطريق التي أسلك أخفوا لي فخاً. أنظر إلى اليمين وأبصر. فليس لي عارف. باد عني المناص. ليس من يسأل عن نفسي."
في بعض الأحيان من شدة الضيق وكثرة المؤامرات الشريرة ضد الإنسان يشعر أنه غير قادر على الاحتمال= أعيت روحي فيّ= أصبح الحمل أعظم من أن يبقى على كتفي. ولذلك قال المسيح تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم". أنظر إلى اليمين وأبصر= إشارة للقوة البشرية، فالإنسان يمسك سلاحه بيده اليمين، وقد تعني أي قوة بشرية مثل الأصدقاء الأقوياء. وهذا حدث مع المسيح في هذا الموقف إذ تخلى عنه الجميع.
الآيات (5-7): "صرخت إليك يا رب قلت أنت ملجأي نصيبي في أرض الأحياء. أصغ إلى صراخي لأني قد تذللت جداً. نجني من مضطهدي لأنهم أشد مني. أخرج من الحبس نفسي لتحميد أسمك. الصديقون يكتنفونني لأنك تحسن إلىَّ."
الحبس= قد يشير لكثرة الأحزان، إذ حاصره الأعداء فصار كأنه في حبس الصديقون يكتنفونني لأنك تحسن إلىّ= أي يحيطون بي، يفرحون لخلاصي، يسبحونك معي على كل أعمالك العجيبة معي. قد يعني الخروج من الحبس، الخروج من الجسد حينما ننام نوماً نهائياً بالموت حينئذ يحيط بنا كل الصديقين والملائكة في فرح أبدي لذلك اشتهى الرسول أن ينطلق ليحاط بكل هؤلاء الصديقين (في23:1). هناك يكون نصيبي في أرض الأحياء.
المزمور المئة والسادس والأربعون (المئة والخامس والأربعون في الأجبية)
المزامير الثلاثة الأخيرة في صلاة النوم هي مزامير تسبيح، نسبح فيها الله على خلاصه العجيب.
الآيات (1،2): "هللويا. سبحي يا نفسي الرب. أسبح الرب في حياتي. وأرنم لإلهي ما دمت موجوداً."
كل مؤمن ممتلئ بالروح القدس المحيي يكون حياً، وعلامة حياته هو أن يسبح الله. لذلك لن نكف عن التسبيح بعد الموت، فالنفس تظل حية، والإنسان المملوء بالروح عند موته بالجسد ينتقل من حياة إلى حياة. أما من يرتد للخطية يموت، ومن يتوب يحيا "إبني هذا كان ميتاً فعاش".
الآيات (3،4): "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده. تخرج روحه فيعود إلى ترابه. في ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره."
قارن مع (أر5:17 + أش1:31-3 + أش1:20-6).
الآيات (5،6): "طوبى لمن إله يعقوب معينه ورجاءه على الرب إلهه. الصانع السموات والأرض البحر وكل ما فيها. الحافظ الأمانة إلى الأبد."
إله يعقوب هو الذي خلق السماء والأرض والبحر فطوبى لمن يجعل إتكاله على إله قوي.
الآيات (7،8): "المجري حكماً للمظلومين المعطي خبزاً للجياع. الرب يطلق الأسرى. الرب يفتح أعين العمي. الرب يُقَوّمُ المنحنين. الرب يحب الصديقين."
المسيح في حياته فتح أعين العميان وصنع كثير من المعجزات. وبفدائه أطلق الأسرى من الجحيم، وأسرى الخطية. وأعطانا جسده خبزاً وفتح أعيننا على طريق السماء بالمعمودية (الإستنارة).
الآيات (9،10): "الرب يحفظ الغرباء. يعضد اليتيم والأرملة. أما طريق الأشرار فيعوجه. يملك الرب إلى الأبد إلهك يا صهيون إلى دور فدور. هللويا."
بل هو احتضن كل غريب أممي وثني عاد بالإيمان لله، وبعد أن كنا يتامى صار الله أباً لنا. وصار عريساً لنا نحن كنيسته، فهو يسند المؤمنين، أما الأشرار فيبيدهم= يعوج طريق الأشرار. يعوج ترجمت يبيد في السبعينية.
المزمور المئة والسابع والأربعون (أ) (المئة والسادس والأربعون في الأجبية)
هذا المزمور في النسخة العبرية ينقسم إلى مزمورين في النسخة السبعينية (الأجبية).
والمزمور بشقيه أي الآيات (1-20) يدور حول تسبيح الله على عودة الشعب من السبي وإعادة بناء أورشليم. ونحن نفهم أورشليم على أنها رمز للكنيسة، والمسيح بعمله الخلاصي أعادنا من سبي إبليس وأعاد بناء كنيسته أي هيكله. وكل نفس تجددت بالتوبة عليها أن تسبح الرب الذي حوَّل الخراب الذي فيها مسكناً له. (1كو10:3).
الآيات (1-3): "سبحوا الرب لأن الترنم لإلهنا صالح لأنه ملذ. التسبيح لائق. الرب يبني أورشليم يجمع منفيي إسرائيل. يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم."
الله جمع المنقيين والمسبيين في بابل وأعادهم إلى أورشليم. والمسيح بعمله الخلاصي شفى المنكسري القلوب وجبر كسرهم، فقد كنا مذلولين لإبليس في حزن دائم.
الآيات (4،5): "يحصى عدد الكواكب يدعو كلها بأسماء. عظيم هو ربنا وعظيم القوة. لفهمه لا إحصاء."
قد يتساءل البعض وهم في عمق عبوديتهم للخطية، هل الله قادر أن يشفيني من خطيتي ويردني؟ وقد يتساءل المسبيين في بابل تحت سلطة ملك بابل أعظم ملوك الأرض وأقواهم في هذا الوقت، هل يستطيع الله أن يخلصنا؟ ونفس السؤال يسأله العالم قبل مجيء المسيح. والإجابة لن يستطيع أحد سوى الله أن يخلص، ومهما بدت المشكلة معقدة فالله لا إحصاء لفهمه.
الآيات (6-9): "الرب يرفع الودعاء ويضع الأشرار إلى الأرض. أجيبوا الرب بحمد. رنموا لإلهنا بعود. الكاسي السموات سحاباً المهيئ للأرض مطراً المنبت الجبال عشباً. المعطي للبهائم طعاماً لفراخ الغربان التي تصرخ."
الله القوي يعطي رزقاً لكل الخليقة فهو الذي يهيئ المطر للأرض، بل المنبت الجبال (القفر) عشباً. يحب الودعاء البسطاء غير المتكبرين، غير المعتمدين على ذواتهم. وليس ما يشير لأن الله هو الذي يتحكم في رزق البشر قدر الأمطار فهي بيده. لفراخ الغربان التي تدعوه= لماذا اختار فراخ الغربان بالذات؟! يقولون إن الغراب حينما يخرج فرخه الصغير من البيضة يخاف منها لأن لونها يكون أبيضاً، ويهجر أفراخه فترة بدون أن يعولها، ولكن الفراخ تفتح مناقيرها وتنعب من شدة الجوع كأنها تطلب طعاماً من الرب الذي خلقها، وفعلاً يهيئ الله بحكمته العجيبة أسراباً من الحشرات الصغيرة تأتي على رائحة فمها المفتوح فتبتلعها تلك الأفراخ وتتغذى بها. وتظل هكذا إلى أن تكبر ويتغير لون ريشها إلى السواد فيأنس بها أبوها ويرعاها. ولكن نلاحظ أيضاً أن الغراب كان طائراً نجساً في العهد القديم. والسحاب الذي يكسي السماء إشارة للقديسين. والله قادر أن يحول النجس إلى قديس (عب1:12 + أش1:19).
الآيات (10،11): "لا يسر بقوة الخيل. لا يرضي بساقي الرجل. يرضى الرب بأتقيائه بالراجين رحمته."
الخيل= كانت أقوى سلاح في العهد القديم. وساقي الرجل رمز لقوته الجسدية. والله طلب أن لا يمتلك شعبه خيلاً كثيراً فيشعرون بقوتهم ولا يعودوا يعتمدون عليه، بل يعتمدون على قوتهم (تث16:17،17). والاعتماد على الذات دون النظر إلى الله يجعل النفس تتكبر وتسقط في خطية إبليس وهي الكبرياء وبالتالي الإنفصال عن الله. ولقد خالف سليمان الملك هذه الوصية وإمتلك الخيل بكثرة والمال بكثرة وماذا كانت النتيجة؟ لقد انشقت المملكة القوية بعده. والعكس فجدعون ومعه 300 رجل هزم مئات الألوف لأن الله معه. والله يكون مع أتقيائه الراجين= نفس ما قيل عن الخيل وقوة الجسد نقوله عن الفضائل، فعلينا إن امتلكنا فضيلة أن لا نظن أنها تخلصنا، بل نظل نطلب رحمة الله كأننا لا نملك شئ.
المزمور المئة والسابع والأربعون (ب) (المئة والسابع والأربعون في الأجبية)
الآيات (12،13): "سبحي يا أورشليم الرب سبحي إلهك يا صهيون. لأنه قد شدد عوارض أبوابك بارك أبناءك داخلك."
صهيون وأورشليم ترمزان للكنيسة ككل وللنفس أيضاً. والله سور لكنيسته، هو يشدد عوارض أبوابها. (أع4:9،5). وتشير عوارض الأبواب إلى عقيدة الكنيسة الثابتة التي يحميها الرب لتظل نقية. وقد تشير عوارض الأبواب إلى حواس الإنسان التي يحفظها الله فلا يتسلل إلى قلبه ما يفسد نقاءه. وحينئذ تستمر فضائل الإنسان فيه نقية= بارك أبناءك داخلك. هنا تشير الأبناء لفضائل النفس وقد تشير لأبناء الكنيسة الذين يحفظهم الله.
الآيات (14،15): "الذي يجعل تخومك سلاماً ويشبعك من شحم الحنطة. يرسل كلمته في الأرض سريعاً جداً يجري قوله."
أعاد الله شعبه إلى أورشليم من السبي ولم يتركهم عرضة لهجمات الأعداء بل كان لهم سوراً من نار (زك5:2) ليحميهم من هجمات العدو، فيعيشوا في سلام. وهم زرعوا أرضهم فبارك الرب غلتهم وأشبعهم. يرسل كلمته= كل ما يحدث على الأرض هو تنفيذ لمشيئة الله. وأعمال عنايته الإلهية. وما يتكلم به يحدث سريعاً.
وبالنسبة للكنيسة فالمسيح ملك السلام أتى ليهب كنيسته سلاماً فهو قال "سلامي أترك لكم.. والله أرسل كلمته (الأقنوم الثاني) وعن طريق رسله انتشر الإيمان سريعاً جداً في كل الأرض. وأشبع كنيسته من سر التناول= يشبعك من شحم الحنطة.
الآيات (16-18): "الذي يعطي الثلج كالصوف ويذري الصقيع كالرماد. يلقي جمده كفتات. قدام برده من يقف. يرسل كلمته فيذيبها. يهب بريحه فتسيل المياه."
نرى هنا سلطان الله على الطبيعة، والله قادر أن يغير طبيعة الأشياء من طبيعة إلى طبيعة أخرى. وهكذا كان المسيح له سلطن على الطبيعة (تهدئة البحر) وتغيير طبيعة الأشياء (الماء إلى خمر). فالثلج بارد والصوف يشير للحرارة. والضباب أو الصقيع بارد والرماد ناشئ عن نار مشتعلة. والجمد الجليد صعب تكسيره ولكن الله قادر أن يفتته. بل إذا أراد الله أن يؤدب فهو يستخدم هذه الطبيعة في تأديب البشر. فالله يرسل برده ليؤدب (خر18:9 + يش11:10 + رؤ21:16). قدام برده من يقف= قدام ضرباته من يستطيع أن يقف. وحين يريد يرفع الله هذه الضربات= يهب ريحه وقبل المسيح كان العالم في برودة روحية، كان في الشتاء. وبعد المسيح "الشتاء قد مضى" (نش11:2). وتحولت برودة العالم الروحية إلى حرارة روحية. فالثلج يشير لشدة البرودة الروحية (مت12:24). وبعد عمل المسيح تحول هذا إلى صوف إشارة للحرارة الروحية. والضباب (الصقيع) علامة على إنعدام الرؤية (لو79:1 + 1بط9:2) ومن كانوا في ظلمة بعد المسيح قدموا توبة، فالرماد يرمز للتوبة، بل حينما حل الروح على المؤمنين أحرق فيهم كل شهوة وخطية وحولها إلى رماد. والجليد يشير للقسوة، وكان شاول الطرسوسي هكذا، وكان الرومان في اضطهادهم للمسيحيين هكذا، بل في حياتهم اليومية أيضاً، فهم كانوا يفرحون ويتسلون بهلاك وموت البشر من العبيد. وهؤلاء فتت المسيح قلوبهم الحجرية بل صاروا فتاتاً أي خبزاً (1كو17:10). أي أعضاء في جسد المسيح. وتحول غضب الله (البرد) النازل من السماء، إلى مياه نازلة من السماء (الروح القدس). فقد أذاب كلمة الله العداوة بين الآب والبشر= يرسل كلمته فيذيبها.
الآيات (19،20): "يخبر يعقوب بكلمته وإسرائيل بفرائضه وأحكامه. لم يصنع هكذا بإحدى الأمم وأحكامه لم يعرفوها. هللويا."
هذه الآيات تشير لأن الله أرسل الأنبياء ولشعبه إسرائيل حاملين كلمته وشرائعه بينما كان العالم غارقاً في وثنيته. والآن أسرار الله لدى الكنيسة عوضاً عن الشعب اليهودي. وكل من أنعم عليه بأن يفهم أسرار ملكوت الله فليسبح الله بهذه الآية.
مزامير نصف الليل
يقول المرنم "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز62:119) لذلك رتبت الكنيسة صلاة نصف الليل للتأمل في الأقوال الإلهية والأحكام السمائية.
وعندما كان السيد المسيح يصلي في البستان كان التلاميذ قد غلبهم النوم، فكان المسيح يأتي ليحثهم على السهر والصلاة لئلا يدخلوا في تجربة. وكما صلي المسيح في البستان 3 مرات كذلك رتبت الكنيسة تسبحة نصف الليل على ثلاث خدمات.
الخدمة الأولى:
نصلي فيها بعض مزامير مأخوذة من باكر والسادسة والغروب، وهي تتفق مع جهاد المسيح في البستان، ونبوات عن آلام المسيح وموته بالجسد، والمزامير كلها صراخ لله في وقت الضيقة وتسبيح لله على استجابته والخلاص الذي قدمه (عب7:5). وهذا لأن في وقت نصف الليل كان المسيح في القبر إذ قام باكراً والظلام باقٍ. ونحن إذ نصلي بهذه المزامير نذكر ضيقة حياتنا الأرضية فنصرخ لله ليعيننا في شدائدنا وفي حروبنا الروحية. مشتاقين للمجيء الثاني لنجد فيه الراحة والمجد، فكما أننا في الليل نرقب طلوع الشمس ومجيء النور، هكذا في حياتنا نرقب مجيء المسيح شمس برنا. ولذلك نصلي في هذه الخدمة إنجيل العذارى الحكيمات اللواتي كن مستعدات لاستقبال العريس.
كيف نستعد لاستقبال العريس؟ هذا ما يجيب عنه (مز9:119) "بم يزكي الشاب طريقه. بحفظه إياه[††††] حسب كلامك" أي بحفظ وصايا الله. والمزمور (119) يكرر الكلمات (وصايا/ ناموس/ شهادات/ حقوق/ طرق/ فرائض/ عجائب/ أقوال/ كلمات/ أحكام) ويشرح ويؤكد أهمية الوصايا الإلهية، وأنها كنور يرشد من يسير في طريق الملكوت، وأنها تحرر الإنسان من سلطان الخطية. وتنميه في النعمة والقامة. ومن يستمع للوصايا يكافئه الله (بعدم الخزي/ وعدم السقوط في الخطية/ والنجاة من الهلاك/ وإقتناء الحكمة والاستنارة/ رضى الرب) وبالتالي يضمن أن يكون له مع العذارى الحكيمات نصيباً في الحياة الأبدية.
والمزمور (119) يحتوي على (22) قطعة بحسب حروف الأبجدية العبرانية، وكل قطعة آياتها تبدأ بحرف.
الخدمة الثانية:
نصلي فيها مزامير الغروب (120-129) من ترانيم المصاعد. وكما ذكرنا من قبل أنها تتدرج روحياً. فمن يسلك بحسب وصايا الله ينمو روحياً. أما الإنجيل فيحدثنا عن دموع المرأة الخاطئة التي أحبت كثيراً وجاهدت بدموع كثيرة وإنسحاق تام حتى نالت غفران خطاياها. وهذا هو المطلوب من كل منا أن ننسحق مثلها ونشعر بخطايانا فنحن لا نستطيع أن نقترب من الله إلا بأسلوب المرأة الخاطئة.
المزمور (119) يكلمنا عن وصايا الرب والوصايا تقود للتوبة. وموضوع التوبة هو محور خدمة نصف الليل الثانية.
الخدمة الثالثة:
نصلي فيها مزامير النوم. وهي تشمل بقية ترانيم المصاعد ومزامير صراخ لله ثم مزامير تسابيح لله على استجابته. وإنجيل الخدمة الثالثة يحدثنا أن لنا نصيباً في الملكوت قد أعده لنا الله فلنوجه إهتمامنا وأنظارنا إليه حتى لا نفقده ولنصرخ في جهادنا ونسهر حتى لا يضيع منا هذا النصيب. ولنسبح الله على عمله الخلاصي ومحبته وأنه أعطانا أن ننتمي إلى السماء وأصبحت السماء وطننا، وأننا غرباء في هذا العالم فلا نتعلق به.
ونلاحظ:
الخدمة الأولي: تكلمنا عن الوصايا. والذي يتبع الوصايا يبدأ طريق التوبة.
والخدمة الثانية: تكلمنا عن التوبة. والتوبة تعطي استعداد للمجيء الثاني.
والخدمة الثالثة: تكلمنا عن الملكوت. والمستعد ينال ميراث الملكوت.
المرادفات العشرة لكلمة الوصية:
والمرادفات العشرة وردت في المزمور الكبير أو المزمور (119) (118 في الأجبية).
1. وصايا: لأن الله أوصى بها، وأوصى بالعمل بموجبها. وحين يوصي الله بهذا فمما لا شك فيه أن هذا لصالح الإنسان.
2. ناموس: كلمة ناموس تعني قانون، فهي شريعة الله وقانون الله. وطالما هي قانون فمن يخالف قانون الملك يعاقب.
3. شهادات: هي تشهد لبر الله، وهي تشهد علينا (نح34:9).
4. حقوق: من يلتزم بها له مكافأة ومن يخالفها له عقوبته. وذلك بعدل الله.
5. طرق: هي طريق نصل به إلى النهاية الصالحة. (لاحظ المسيح هو الطريق).
6. فرائض: فهي مفروضة ومحتمة ولأنها إلتزام أبدي.
7. عجائب: هي عجيبة في قوتها وفاعليتها وصحتها. ولكن لا يشعر بقوتها إلا من اختبرها.
8. أقوال: فهي مقولة من الله (هي نطق إلهي).
9. كلمات: تكلم بها أنبياء الله ورسله بوحي من الروح القدس (المسيح كلمة الله).
10. أحكام: الله ضابط الكل وحاكم الكل حكم بها وأمر بفعلها وسيحاكمنا بمقتضاها وهي بحكمته قد أوصى بها (المسيح حكمة الله)
إذا عملنا بنصائح هذا المزمور وإلتزمنا بالوصية الإلهية، ستحفظنا بالقوة الإلهية الكامنة فيها، فكلمات الكتاب المقدس ليست وصايا خلقية أو مبادئ ونصائح اجتماعية إنما هي نطق إلهي يقف الله وراء كل كلمة قالها. يقال أن أحد القديسين وكان مشهوراً عنه موهبة إخراج الشياطين، استدعوهن إلى منزل أحد الولاة ليشفي أبنته التي كانت مجنونة جداً بسبب وجود شيطان بها. وفتحت الباب لهذا القديس هذه الإبنة فحالما رأته هاج الشيطان داخلها فصفعته على وجهه، فما كان منه إلا أنه أدار وجهه، فخرج الشيطان في الحال صارخاً "غلبتني بتنفيذك للوصية"
عناوين القطع:
· لكل قطعة هدف، وآية محورية تشير لغرض خاص ورسالة معينة.
· الأوقات التي كان داود يصلي فيها: الليل/ منتصف الليل/ الفجر/ الصبح/ سبع مرات / طول النهار/ كل حين/ (الآيات 20+ 55+ 62+ 97+ 147+ 148+ 164)
· المزمور عبارة عن (22) قطعة كل قطعة مكونة من (8) أعداد كلها تبدأ بحرف واحد فالقطعة الأولى تبدأ آياتها الثمانية بحرف الألف، والقطعة الثانية تبدأ آياتها الثمانية بحرف الباء. وهكذا. وهذه الطريقة تسهل حفظ المزمور ليسهل ترديده.(المقصود بالألف والباء طبعاً ما يناظرهم في اللغة العبرية).
· غالباً كتب هذا المزمور داود بعد أن دهنه صموئيل بالدهن. (في رأي كثير من المفسرين)
قطعة (أ) الطوباوية في حفظ الوصية
آية (1): "طوبى للكاملين السالكين في شريعة الرب."
طوبى= كما بدأ الرب يسوع موعظته المشهورة على الجبل بالتطوبيات بدأ المرتل مزموره هذا بالتطويبات أيضاً. والتطويب هنا للكاملين= الذين بلا عيب (سبعينية) ومن هم الذين بلا عيب= السالكين في شريعة الرب= فالطوبى أي البركة والسعادة في الأرض والحياة الأبدية لمن يجاهد أن يسلك بحسب شريعة الرب. ولأنه الرب فهو له الحق أن يعاقب أيضاً من لا يسلك في شريعته. وهذه البداية نجدها أيضاً في المزمور الأول.
آية (2): "طوبى لحافظي شهاداته. من كل قلوبهم يطلبونه."
من كل قلوبهم= أي يحفظ الوصية لا بالقول فقط بل بتنفيذها. (يو17:13). وهنا يطلب المرنم القلب الذي يطلب الله تماماً، القلب غير المنقسم بين محبة الله ومحبة العالم (مت37:22).
آية (3): "أيضاً لا يرتكبون إثماً في طرقه يسلكون."
السبعينية تترجم الآية "لأن صانعي الإثم لم يهووا أن يسلكوا في سبله". والمعني واحد فطرق الرب كلها نور. والشرير لا يهوي أن يسلك فيها فنور الطريق يبكت طرقه الشريرة. وهنا يقول طرق بينما في (آية1) نسمع عن طريق واحد. فالطريق الواحد هو المسيح "أنا هو الطريق". والطرق أي أعمال الإنسان وإيمانه، محبته وإلتزامه بالأسرار....
آية (4): "أنت أوصيت بوصاياك أن تحفظ تماماً."
تحفظ تماماً= طلب الله أن نحفظ الوصايا تماماً، أي إهمال لوصية مهما كانت صغيرة يسبب للإنسان ألم، وفقدان السلام. (تث6:6-9). والإنسان إما يستجيب لوصايا الله أو لصوت قلبه. والقلب أخدع من كل شئ وهو نجيس (أر9:17). والوصية تحمينا من أنفسنا.
آية (5): "ليت طرقي تثبت في حفظ فرائضك."
ليتك تعينني يا رب حتى أحقق هذا، وأحفظ وصاياك جداً.
آية (6): "حينئذ لا أخزى إذا نظرت إلى كل وصاياك."
كان الله يعد من يحفظ الوصية ببركات كثيرة (تث1:28-14). والمرنم هنا يتأمل فيما يعطيه الله من بركات. فيصرخ ليعينه الله على حفظ الوصايا فلا يحرم من البركات ولاحظ قوله كل وصاياك= هذه مثل تحفظ تماماً (آية4). (مت20:28). ونلاحظ أن الخزي مصاحب للخطية (كما حدث مع آدم وحواء) (دا8:9). ومن يتوب إذا خجل فهذا يفرح به الله، أما من يتمادى يتقسى قلبه لدرجة أن يخطئ ولا يخجل.
آية (7): "أحمدك باستقامة قلب عند تعلمي أحكام عدلك."
إذ عرف المرنم قيمة الوصية وبركات من يطيعها يشكر الله الذي أعطانا شريعته وكتابه.
آية (8): "وصاياك أحفظ لا تتركني إلى الغاية."
أكثر ما يخافه المؤمن تخلي الله عنه، حينئذ تهزمه الشياطين ويقوى عليه أضعف إنسان والله يتخلى عنا إذا تقست قلوبنا ولم نحفظ الوصايا. والمرتل هنا يقول أنا أحفظ حقوقك ولأنه لا يوجد إنسان كامل يا رب، فارحمني أن أخطأت، وحتى لو وجدتني أستحق العقاب وتخليت عني فلا تتركني إلى الغاية= UTTERLY "تماماً، بكل ما في الكلمة من معني" والله إذا تخلى عن أبنائه ليؤدبهم، يكون كالأم التي تعلم أولادها الصغار أن يمشوا، فهي تتركهم وقد يسقطون ولكن عينها عليهم.
قطعة (ب) نصيحة للشباب
في القطعة الأولى وضع المرنم القاعدة وهي الطوبى لمن يحفظ الوصية. وهنا كمجرب يعطي المرنم نصيحة للشباب أن يحفظوا الوصية فتكون لهم بركة في حياتهم.
آية (9): "بم يزكي الشاب طريقه. بحفظه إياه حسب كلامك."
بم يزكي الشاب طريقه= بم يقوم الشاب طريقه (سبعينية). أي كيف يسيرون في طريق مضمون يؤدي للحياة الأبدية بالإضافة هنا على الأرض. ما الذي يزكيه ليحصل على هذا، هو أمامه طرق كثيرة، فالعالم يجذبه بمغرياته، والمرنم يشفق على الشاب فيعطيه نصيحة ثمينة. بحفظه إياه (أي نفسه) حسب كلامك= أي إذا حفظ الوصية يحفظ نفسه والمرنم يوجه النصيحة للشباب، فالشاب بطبيعته مندفع. أما الشيخ فهو إما نضج أو ضعف. ولذلك فالجامعة يقول نفس النصيحة "أذكر خالقك أيام شبابك" (جا1:12).
آية (10): "بكل قلبي طلبتك. لا تضلني عن وصاياك."
من كل قلبي= الله يعلن ذاته لمن يطلبه بكل صدق، ولا يطلب سواه. وهنا المرنم يطلب من الله أن يعينه أن يستمر طوال حياته يدرس كلمة الله ويحاول أن ينفذها ولا يضل عن هذا.
آية (11): "خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك."
نجد المرنم هنا قد حفظ كلام الله ووصاياه، فيستطيع أن يرددها في كل مكان وزمان ويستطيع أن يقارن كل تصرف له على ما يحفظه من كلام الله. والإنسان لا يخبئ إلا كل ما هو ثمين، فهم اكتشف أن كلمة الله كنز، وسلاح خطير ضد حروب إبليس (هكذا فعل المسيح) ولذلك قيل "من يحفظ المزامير تحفظه المزامير" فهو يرددها وسط أعماله أو سيره فلا تهاجمه الأفكار الخاطئة.
آية (12): "مبارك أنت يا رب. علمني فرائضك."
إذ تأمل المرنم في كيف تحفظ الوصية قلبه، طلب من الله أن يعلمه هذه الوصايا ولاحظ الأسلوب الرائع فهو قبل أن يطلب يعطي المجد لله الذي يعطي وقد أعطى.
آية (13): "بشفتيّ حسبت كل أحكام فمك."
من اختبر عمل الله لا يطيق السكوت، بل يشهد لله على عطاياه وأعماله العجيبة.وهكذا فعلت السامرية "هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت" (يو29:4).
آية (14): "بطريق شهاداتك فرحت كما على كل الغنى."
هذه قامة روحية عالية أن يفرح الإنسان بكلام الله أكثر من كل غني. هنا أصبحت الوصية ليست ثقلاً بل مصدر فرح. من قال هذا قال "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (في7:3،8 + مت44:13-47).
الآيات (15،16): "بوصاياك الهج وألاحظ سبلك. بفرائضك أتلذذ. لا أنسى كلامك."
المرنم الذي إكتشف الفرح في كلام الله، نجده هنا دائم التأمل فيه وفي طرقه.
قطعة (ج) الاشتياق لكلمة الله في غربتنا
الآيات (17،18): "احسن إلىّ عبدك فأحيا واحفظ أمرك. اكشف عن عينيّ فأرى عجائب من شريعتك."
أحسن إلى عبدك= طالما أحسن الله إلى داود وأنقذه من أعدائه، بل أعطاه أن يملك. ولكنه يطلب هنا أن يعطيه الله مكافأة هي أن يحفظ وصايا الله. وأن يكشف عن عينيه فيبصر عجائب من شريعتك. والكاهن القبطي في أثناء قراءة البولس والإبركسيس والكاثوليكون يصلي صلوات سرية في الهيكل ليفتح الله أذهان الشعب ويفهموا الكنوز المختبأة في أقوال الله. وعلينا قبل أن نقرأ في الكتاب المقدس أن نصلي حتى يعطينا الله فهماً. ولذلك تصلي أيضاً الكنيسة أوشية الإنجيل قبل قراءة الإنجيل. المرنم هنا يطلب حياة تقضيها في السهر لدراسة الكتاب وفهمه وتنفيذ ما فيه والفرح بوصاياه. ومن اكتشف لذة الكتاب المقدس يعرف أنه في دراسته للكتاب المقدس يتقابل مع الله وجهاً لوجه، ونسمع صوته، وهكذا نقضي أيام غربتنا في هذه الحياة إلى أن نلتقي يوماً بالله ونراه بعيوننا وإلى الأبد. وحينما نقرأ الكتاب بروح الصلاة يزيل الله الغشاوة التي على عيوننا فنرى ونشبع ونتقوى، كما زالت الغشاوة من على عيني شاول الطرسوسي.
آية (19): "غريب أنا في الأرض. لا تخف عني وصاياك."
نحن غرباء هنا، وطننا في السماء، ومهمتنا أن نعبر أرض غربتنا بأسرع ما يمكن ونحرص أن لا نضل الطريق إلى وطننا. وما يسندنا في رحلة غربتنا كلمة الله، ووصيته تكشف لنا أسرار وطننا الذي نحن متغربين عنه ونشتهيه ولا نراه.
آية (20): "انسحقت نفسي شوقا إلى أحكامك في كل حين."
هنا نرى الاشتياق الملتهب للتعرف أكثر فأكثر على الوصية وعلى فكر الله من خلال كلمته. هو اشتياق لمعرفة المسيح الذي نراه في مطالعتنا للكتاب المقدس. الإنسان جسد وروح. والجسد يتغذى بالطعام، أما الروح فتتغذى بمعرفة الله، ومعرفة الله تعطينا حياة "هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي ويسوع المسيح الذي أرسلته (يو3:17). ودراسة كلمة الله هنا تعطينا هذه المعرفة. لذلك قال الكتاب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (مت4:4). والاشتياق لكلمة الله هو علامة حياة. المبتدئ في الحياة الروحية ينفر من كلمة الله لأنها تكشف خبايا قلبه، وكلما نما الإنسان في معرفة الله ومحبته يزول هذا النفور بل يفرح بها. وهنا نرى المرنم ينسحق شوقاً= أي يطلب هذا بتذلل.
آية (21): "انتهرت المتكبرين الملاعين الضالين عن وصاياك."
اللعنة هي نصيب من يترك وصايا الله ويتبع وصايا الناس أو فلسفاتهم، فهناك من في كبرياء ينكر وجود الله (الوجودية وغيرها). (تث15:28).. للآخر. وهؤلاء المتكبرون هم تلاميذ إبليس المتكبر (أش13:14،14). انتهرت المتكبرين= أي الله انتهرهم.
آية (22): "دحرج عني العار والإهانة لأني حفظت شهاداتك."
هنا نرى كيف ينظر العالم لأولاد الله. فالعالم يكرههم ويضطهدهم ويثير الحروب ضدهم بل والشائعات المغرضة التي تسبب لهم العار. والمرتل يصرخ هنا لله حتى يزيح عنه هذا العار ويظهر الحق، وإن لم يكن هنا على الأرض فليكن في السماء.
الآيات (23،24): "جلس أيضاً رؤساء تقاولوا عليّ. أما عبدك فيناجي بفرائضك. أيضاً شهاداتك هي لذّتي أهل مشورتي."
أقوياء الأرض والرؤساء اضطهدوا المرتل وتقاولوا عليه وكان هذا سبب ألم له. فكيف يتعزى؟ هو يلجأ لكلمة الله يلهج فيها ويتلذذ بها.
قطعة (د) الوصية حياة للنفس المتضعة
آية (25): "لصقت بالتراب نفسي فأحيني حسب كلمتك."
في تنفيذ الوصية حياة (تث46:32،47) + تث12:10-20 + يو25:11). فمن يلتصق بالرب يحيا. ومن يخالف الوصية ينفصل عن الله فيموت "لك اسم أنك حي وأنت ميت" (رؤ1:3). ومن يقدم توبة يقال عنه "ابني هذا كان ميتاً فعاش". ومن أحب الخطية تلتصق نفسه بتراب هذا العالم وشهواته الشريرة، وحتى يقترب من الله ثانية عليه أن ينسحق ويتواضع وتلتصق نفسه بالتراب كما فعل أهل نينوى فيقبله الله ويعود للحياة ثانية. (يساعد على هذا المطانيات في خشوع). وكل من يشعر بالخطية في داخله، يشعر أنها تقوده للموت فيصرخ إلى الله "أحيني حسب كلمتك" (رو24:7). وإذ يرى الرب إنسحاق هذا الإنسان يرفعه من المزبلة ويأخذ الرب هذا التراب وينفخ فيه نسمة حياة وتكون له هذه الحياة قيامة أولى. وكلام الله حي ويحيي النفس (عب12:4). ووعوده محيية لمن يستجيب لعمل الكلمة فيه فتكون له أيضاً قيامة ثانية.(رؤ6:20). ولذلك نصلي هذه الآية في تجنيز الموتي، فالميت سيوضع في القبر ويلتصق بالتراب بل ويصير تراباً فينطبق عليه "لصقت بالتراب نفسي". والكنيسة تصلي برجاء أن يعطيه الله حياة. والمسيح أعطانا جسده لتكون لنا حياة. فلنتب وننسحق ونتناول فيكون لنا حياة.
آية (26): "قد صرّحت بطرقي فاستجبت لي. علمني فرائضك."
قد صرّحت بطرقي فاستجبت لي= قد أخبرتك بطرقي (في ترجمات أخرى). هنا المرتل يعترف أمام الله بطرقه غير المستقيمة ويطلب الغفران. ويطلب أن الله يعرفه وصاياه فيسلك فيها.
آية (27): "طريق وصاياك فهمني فأناجي بعجائبك."
من المهم جداً بل وحيوي أن نردد كلام الله المقدس كل اليوم فيولد فينا حرارة روحية.
آية (28): "قطرت نفسي من الحزن. أقمني حسب كلامك."
أحزان المرنم ناتجة عن تقصيره في تنفيذ الوصية. قطرت نفسي من الحزن= صار مثل شمعة مشتعلة تقطر قطرة تلو قطرة إلى أن تذوب. وهناك فرق كبير بين الحزن اليائس والحزن المملوء رجاءً. فالحزن اليائس هو عمل شيطاني، أما الحزن الذي يصاحبه رجاء في قبول الله للتائب يدفع النفس أن تبتهج بقبول الله لها كنفس تائبة فتسبح الله لذلك نجد المرنم يضيف أقمني حسب كلامك= إعطني قيامة من موت الخطية، فأسلك في كلامك ووصاياك. هنا المرنم يشعر أن الله لن يقبله فقط كتائب بل سيعينه في طريقه.
آية (29): "طريق الكذب ابعد عني وبشريعتك ارحمني."
المرنم يشعر بأن الخطية ساكنة فيه، وأنه غير قادر أن يسلك في طريق وصايا الله من نفسه، وأنه يحتاج لمعونة إلهية. طريق الكذب= عادة الكذب هي عادة رديئة، هي ضد الله، فالله هو حق مطلق ولا يقبل أي كذب أو غش أو إعوجاج. طريق الظلم (سبعينية).
آية (30): "اخترت طريق الحق. جعلت أحكامك قدامي."
الطريق المضاد لطريق الكذب هو طريق الحق= طريق الله. ولاحظ قوله اخترت فالله لا يعين إلا من يختار طريقه بإرادته الحرة.
آية (31): "لصقت بشهاداتك. يا رب لا تخزني."
بدأ المرنم بقوله لصقت بالتراب نفسي. وهنا يقول لصقت بشهاداتك= فهو حينما اتضع وأنسحق وعاد لله، هاد الله إليه واختبر لذة العشرة مع الله فاختار طريق الحق ولمس معونة الله وشركته فقرر أن يلتصق بشهاداته فيخلص من حياة الحزن.
آية (32): "في طريق وصاياك اجري لأنك ترحب قلبي."
من يحفظ الوصية يسكن عنده لله (يو23:14). ومن صار مسكناً لله يصبح قلبه متسعاً يتحمل أخطاء الناس وضعفاتهم في شفقة ومحبة (2كو11:6-13). والله يعمل فينا بروحه القدوس عندما تنسكب محبة الله في قلوبنا فيصبح قلب الإنسان متسع بالمحبة للجميع. والعكس فمن يسلك في طريق الخطية يتحول قلبه لقلب أناني شهواني فنغلق على ذاته، متذمراً مهموماً.
قطعة (ه) ترتيب الحياة طبقاً للوصية.
آية (33): "علّمني يا رب طريق فرائضك فاحفظها إلى النهاية."
الطريق الروحي يحتاج أن نتعلم فيه من الله، ونكون كتلاميذ أمام معلمهم حتى لا يحدث إنحراف. "ولكن من المهم أيضاً أن يكون لنا مرشد وأب اعتراف".
آية (34): "فهمني فألاحظ شريعتك واحفظها بكل قلبي."
المرنم يحب أن يفهم الناموس، ويصلي ليعطيه الله فهماً. وحينما نفهم فائدة الوصية وأنها أعطيت ليكون في تنفيذها حياة. نحفظها من كل القلب، أي برغبة وحب وإصرار.
آية (35): "دربني في سبيل وصاياك لأني به سررت."
دربني= إهدني في السبعينية. فالإنسان متمرد بطبيعته ويحتاج إلى ترويض وهذا يعمله الله مع كل نفس تريده. لأني به سررت= هنا نرى الاختيار بحرية لطريق الله ونرى أنه غير قادر وحده أن يسلك فيه ويحتاج لتدريب وفهم من الله حتى لا ينحرف.
آية (36): "أمل قلبي إلى شهاداتك لا إلى المكسب."
نرى هنا طريق الانحراف الذي يغوى كل نفس تسير في طريق الله وهو أنها تميل إلى المكسب= الظلم (سبعينية) أي يظلم المساكين ويغش ليزداد مكسبه. المكسب في حد ذاته ليس خطية. والخطية هي في ظلم الآخرين أو أن يصير المكسب في حد ذاته هدفاً للنفس وليس وسيلة يعيش بها الإنسان. والإنسان يجب أن يكون له هدف واحد وهنا يطلب المرنم أن يكون هدفه، أن يميل قلبه إلى شهادات الله= أي ينفذها بحب ومن يميل قلبه لشهادات الله يكره الظلم والطمع ومحبة العالم التي هي عداوة لله (يع4:4). والعكس فمن يحب الطمع ويملأ قلبه شهوة العالم يختفي من قلبه محبة الله (مت24:6).
آية (37): "حول عينيّ عن النظر إلي الباطل. في طريقك أحيني."
متفقة مع آية (36). فأباطيل العالم كثيرة وقد تغرى الإنسان أن ينساق وراءها تاركاً وصايا الله (غني/ جمال/ قوة/ سلطة/ شهوة/ رئاسة/ صيت/ مديح.. ) فالسعي وراء هذا هو باطل الأباطيل (جا2:1) والسبب أن كل هذا طريقه إلى زوال. ولذلك علينا أن نركز أنظارنا إلى السماء حيث المسيح جالس ينتظرنا أن نغلب.
آية (38): "أقم لعبدك قولك الذي لمتقيك."
أي تمم يا رب وعودك الصادقة معي لأنني اتقيتك. هذه جسارة البنين مع أبيهم السماوي، أن يجعلهم آنية كرامة إذ اختاروه بحريتهم.
آية (39): "أزل عاري الذي حذرت منه لان أحكامك طيبة."
العار الذي نرفضه هو أن نسقط في خطية فيعيرنا إبليس بها ويذلنا بسببها. ومن يريد أن يخلص من عار كهذا فليسلك بوصايا الله فإنها حلوة= أحكامك طيبة= ولا يلحقه عار.
آية (40): "هأنذا قد اشتهيت وصاياك. بعدلك أحيني."
حينما تذوق المرنم حلاوة الوصية اشتهاها. وعدل الله المحيي ظهر على الصليب.
قطعة (و) الشهادة لكلمة الله
الآيات (41،42): "لتأتني رحمتك يا رب خلاصك حسب قولك. فأجاوب معيّري كلمة. لأني اتكلت على كلامك."
هنا المرنم يطلب الرحمة والخلاص الأبدي وهذان كانا بالمسيح. فهو هنا يتمسك بوعود الله بهذا المخلص الذي وعد به الله، وهذا الوعد لا يخلو منه سفر في العهد القديم، ابتداء من (تك15:3 + تث15:18 + تك18:22، 10:49). والمعيرين هنا هم من يشككون المرنم في فائدة انتظاره للخلاص ويدفعونه لليأس، وكان هذا صوت إبليس دائماً ولا يزال. فالمرنم يريد أن يعطيه الله براهين واضحة لخلاصه العجيب ليجيب الذين يعيرونه بأنه هالك ورمرفوض. والرب يسوع نفسه لم يسلم من تعييرات الخطاة.
الآيات (43،44): "ولا تنزع من فمي كلام الحق كل النزع لأني انتظرت أحكامك. فاحفظ شريعتك دائما إلى الدهر والأبد."
يطلب المرنم أن لا ينزع الله من فمه كلمة الحق. ونطلب أن لا ينزع الله من فمنا قول الإيمان حتى النفس الأخير، نقولها بشجاعة (الشهداء أمثلة) كل حين. في الضيق والرحب، في المرض وفي الصحة. في الغنى وفي الرحب وأيضاً في الفقر والعوز.
آية (45): "وأتمشى في رحب لأني طلبت وصاياك."
من يسلك في وصايا الله يخرج من الأنانية والإنغلاقية إلى الرحب والسعة ومن التعصب إلى سعة القلب فيحوي الجميع حباً وبذلاً. بل إذا اضطهد يفرح (أع41:5).
آية (46): "وأتكلم بشهاداتك قدام ملوك ولا أخزى."
الملك يستطيع وله السلطة أن يقتل، والمرنم بغير خوف يقول "شهدت لك يا رب أمام ملوك وكنت غير مهتم بمن يقتل الجسد وليس له سلطان على الروح" (مت28:10 + أع29:5 + دا 17:3،18 + أع19:4،20). لكن هذا يجب أن يسبقه إيمان قوي.
آية (47): "وأتلذذ بوصاياك التي أحببت."
من يحب شئ يلهج فيه دائماً، لقد صارت الوصية لذته.
آية (48): "وارفع يديّ إلى وصاياك التي وددت وأناجي بفرائضك."
يكرر آية (47) للتثبيت. رفعت يدي إلى وصاياك= رفع اليدين يشير إلى تمسكه الشديد بها وإشتهائه أن ينفذها، واليدين أداة التنفيذ، فكأنه يرفع يديه إلى الله ليعطيه القوة أني ينفذ كل الوصايا تماماً.
قطعة (ز) كلام الله هو تعزيتنا في وسط الضيقة
آية (49): "اذكر لعبدك القول الذي جعلتني انتظره."
أذكر= هذه لا تعني أن الله قد نسى وعوده ونحن نذكره بها. ولكن تعني أننا نؤمن بصدق وعوده، ونطالبه بأن ينفذها. ودائماً تستخدم الكنيسة هذه الكلمة في صلواتها. ووعود الله لداود مثل أنه يثبت مملكته (1أي7:17-13) وغيرها. ووعوده لكل مؤمن كثيرة (مت3:5-12 + مت7:7،8 + لو10:11-13 + يو13:14،14 + يو21:14،23 + أش18:1 + مز15:50 + يو35:6 + أش15:49،16 + زك6:2) وغيرها كثير. نحن نعتمد في صلواتنا على الوعود الإلهية ونطلب بإيمان، وننتظر الله بصبر.
آية (50): "هذه هي تعزيتي في مذلتي. لأن قولك أحياني."
وعود الله أعطته حياة وتعزية وبدونها كان قد هلك (مز92:119) وسط ضيقاته. لأن قولك أحياني= كلام الله يحيي النفوس المائتة باليأس أو بالخطية أو بالحزن. فكلام الله روح وحياة (يو63:6 + 3:15). فالطعام يشبع الجسد وكلام الله يشبع الروح. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله (مت4:4).
آية (51): "المتكبرون استهزأوا بي إلى الغاية. عن شريعتك لم أمل."
المتكبرون استهزأوا بي= تجاوزوا الناموس. فهم استهزأوا به لأنه ينفذ ناموس الله، وهذا أسلوب إبليس. فمن يجده متمسكاً بالوصية يسمى هذا وسوسة وضيق أفق ومن يتمسك بعقيدته يسمى هذا تعصب، ومن يحزن على خطيته يسمى هذا اكتئاب، ولو صلي وصام يسمى هذا رياء وحب ظهور ولو سلم حياته لله قال هذا استسلام. ولكنه لم يَمِلْ عن شريعة الله وتمسك بها مثل كل الشهداء (2تي12:3-14).
آية (52): "تذكرت أحكامك منذ الدهر يا رب فتعزيت."
الشهيد كان يذكر "كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤ10:2) فيتشدد ويتعزى.
آية (53): "الحمية أخذتني بسبب الأشرار تاركي شريعتك."
الكآبة ملكتني= الحمية أخذتني= البار يحزن حين يرى إنساناً يسلك في الشر فهو يعرف مصيره وأنه سوف يهلك (أع16:17-30 + 1كو25:12،26 + 2كو29:11).
آية (54): "ترنيمات صارت لي فرائضك في بيت غربتي."
كأن المرنم هنا يعتذر لله عن هؤلاء الأشرار الذين استهانوا بناموسه ويقول ولكن أنا أعلم حلاوة ناموسك وألهج فيه وصار ترنيمتي (الكتاب المقدس كله).
الآيات (55،56): "ذكرت في الليل اسمك يا رب وحفظت شريعتك. هذا صار لي لأني حفظت وصاياك."
كان المرنم يستغل هدوء الليل في التأمل، ويفرح بهذه الخلوة مع الله. والليل يشير لهذا العالم، فنحن الآن ننتظر مجيء المسيح الثاني وهو شمس البر. أي أننا في فترة غربتنا ننتظر المسيح، علينا أن نذكر إسمه فنتعزى في ضيقتنا ونتشدد في ضعفنا. لقد صارت له هذه التعزية وسط الليل لأنه حفظ الوصايا= هذا صار لي.
قطعة (ح) النفس تسعى لكي يرضى الرب عليها ويكون هو نصيبها
آية (57): "نصيبي الرب قلت لحفظ كلامك."
يشوع وزع الأرض كأنصبة على كل الأسباط ما عدا اللاويين فقد كان الرب هو نصيبهم (عد20:18). وكل من ترك العالميات يكون الرب نصيبه، ويكون الرب هو كل شئ له. يعطيه بركة على الأرض ونصيباً في الميراث السماوي. لحفظ كلامك= من هو الذي يكون نصيبه هو الرب؟ هو من يحفظ وصاياه، لذلك حفظها المرنم.
آية (58): "ترضيت وجهك بكل قلبي. ارحمني حسب قولك."
هنا نرى الجهاد= ترضيت وجهك= فهو يحاول حفظ الوصايا ويسهر الليل ليتأمل شريعة الله وكلامه المقدس. ولكنه لا يعتمد على جهاده بل يقول ارحمني. فنخن لا نعتمد على جهادنا، بل علينا أن نجاهد ولكن خلاصنا هو بنعمة الله ورحمته. لذلك لا تكف كنيستنا عن ترديد صلاة "يا رب إرحم". وكل من يشعر بخطيته فليصلي هكذا.
الآيات (59،60): "تفكرت في طرقي ورددت قدمي إلى شهاداتك. أسرعت ولم أتوان لحفظ وصاياك."
هناك طرق كثيرة أمام الإنسان، وعلينا أن نختبر كل طريق في ضوء وصايا الله. وعندما نكتشف أن طريقنا غير متفق مع وصاياه علينا أن نعود سريعاً للطريق الصحيح، فتكون خطواتنا بحسب وصايا الله= رددت قدمي إلى شهاداتك ويكون هذا بسرعة وبدون توانٍ.
آية (61): "حبال الأشرار التفت عليّ. أما شريعتك فلم انسها."
حبال الأشرار= قد تكون اضطهاداتهم والضيقات التي يثيرها الأشرار ضد الأبرار، وقد تكون حيل إبليس وغوايته للبار ليسقط في ملذات العالم تاركاً طريق الله. والمرنم هنا يقول أنه وسط هذه المضايقات لم ينس شريعة الله فكانت تعزيه وتشدده.
آية (62): "في منتصف الليل أقوم لأحمدك على أحكام برك."
الليل يشير لضيقات وآلام وتجارب هذا العالم. وعلينا في هذا الليل أن نصلي.
آية (63): "رفيق أنا لكل الذين يتقونك ولحافظي وصاياك."
البار يحب صحبة الأبرار. فهو لا يجلس وسط المستهزئين حتى لا يعثرونه.
آية (64): "رحمتك يا رب قد ملأت الأرض. علّمني فرائضك."
رحمة الله وإحساناته تغمر العالم كله، الأبرار والأشرار يستمتعون بخيراته.
قطعة (ط) النفس الضالة يؤدبها الله كأب حنون ليعيدها
آية (65): "خيراً صنعت مع عبدك يا رب حسب كلامك."
كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله (رو28:8). ونجد هنا المرنم يتأمل في معاملات الله معه طول حياته، فوجد أن الله أحسن إليه كثيراً وغمره بمحبته ولكن حين تعوَّج أدبه ببعض الضيقات وأذَّله حتى لا ينتفخ ويتكبر فيهلك.
آية (66): "ذوقاً صالحاً ومعرفة علمني لأني بوصاياك آمنت."
ذوقاً صالحاً= صلاحاً وأدباً ومعرفة علمني (سبعينية). هنا المرنم يستسلم تماماً بين يدي الله، واثقاً أن كل ما يسمح به من ألم، إنما هو ليدربه ويعلمه ويرده إذا تعوج. ذوقاً صالحاً= هذه عن الأعمال الصالحة. معرفة= هذه عن الأقتناع الداخلي.
آية (67): "قبل أن أذلل أنا ضللت. أما الآن فحفظت قولك."
الله يذلنا بسبب خطية ضللنا فيها، ليؤدبنا فنرجع إليه. ونرى أن وسائل الله في تأديبنا وسائل ناجحة فنرى المرنم يقول "أما الآن فحفظت قولك. والله سمح بأن يذهب شعبه إلى سبي بابل بسبب وثنيتهم، فلما عادوا وجدناهم تابوا عنها تماماً.
الآيات (68،69): "صالح أنت ومحسن علمني فرائضك. المتكبرون قد لفقوا عليّ كذبا. أما أنا فبكل قلبي احفظ وصاياك."
لنفهم هذه الآية نذكر قصة أيوب، فإبليس المتكبر لفُّق كذباً ضد أيوب ولكن الله الصالح سمح لإبليس أن يجربه، لكي يؤدب أيوب على خطية لم يكن شاعراً بها وكان يمكن أن تهلكه، وبهذا علمه فرائضه. وأيوب كان باراً باعتراف الكتاب المقدس وكان يحفظ وصايا الله. ولكن الله أراد لعبده البار أن يَكْمل وبهذا أحسن إليه.
آية (70): "سمن مثل الشحم قلبهم. أما أنا فبشريعتك أتلذذ."
النفس البارة وهي تتألَّم من مؤامرات الأشرار تنظر لهم وإذا هم في تنعم سمن مثل الشحم قلبهم وبسبب هذا التنعم وشعورهم بقوتهم تقست قلوبهم وتصوروا أنهم في إمكانهم أن يذلوا أولاد الله، ولم يفهموا أن الله يستخدمهم كأداة ليصلح بها أولاده ويردهم إليه. ومن يفهم طرق الله يتلذذ بها= أما أنا فبشريعتك أتلذذ.
آية (71): "خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك."
هنا توصَّل المرنم إلى أن آلامه كانت للخير. هل لو سألنا أيوب الآن في مجده ماذا كنت تفضل؟ هل يجيب أنه كان يود لو رفع الله عنه كأس آلامه!! قطعاً لا فآلامه كانت سبباً في مجده وفرحه أبدياً أما آلامه فكانت للحظة (رو17:8،18).
آية (72): "شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة."
ناموس الله ووصايا المسيح تقود لحياة أبدية أما الذهب والفضة فزائلان.
قطعة (ى) استسلام كامل للنفس بين يدي الله صانعها
آية (73): "يداك صنعتاني وأنشأتاني. فهمني فأتعلّم وصاياك."
المرنم يطلب من الله أن يعلمه وصاياه فهو صنعة يديه. والله خلقنا على صورته وعندما خالفنا وصيته خسرنا صورة المجد التي كان عليها الإنسان. والمرنم يطلب أن يعطيه الله فهماً للوصية لينفذها ويقترب من الصورة التي ترضى الله صانعه. والآن بعد حلول الروح القدس على المؤمنين، يعمل روح الله فينا ليتصور المسيح فينا (غل19:4) وهذا لكل من لا يقاوم عمل الروح القدس. وكل من يخضع بين يدي الله ولا يقاوم عمل الروح وينفذ الوصايا يأخذ صورة المسيح "يلبس المسيح" ويكون له صورة محبته ووداعته وتواضعه. وبعد في السماء نكون مثله أيضاً (1يو2:3). يداك= اليد تشمل الذراع والأصابع. والذراع تشير للقوة أي يد الله تشير للمسيح قوة الله، الذي كان فداؤه وعمله الخلاصي بقوة (أش12:45 منها تفهم أن يد الله هي التي صنعت كل الخليقة. + يو3:1 منها نفهم أنه بدون الكلمة (المسيح) لم يكن شئ مما كان، فهو الذي خلق كل شئ + أش 10:40،11 نرى فيها صورة ذراع الرب (المسيح) تجمع الحملان فهو الراعي الصالح. وعن التجسد يقول أشعياء 9:51) والأصابع تشير للروح القدس ونفهم هذا بمقارنة الآيتين (مت28:12 + لو20:11) فالمسيح صنع الخلاص بقوة. ولكن من يعيد تشكيل الإنسان وخلقته خلقة جديدة هو الروح، أصابع الله التي تشكل الإنسان، كأصابع الخزاف التي تشكل الإناء ونلاحظ أن اليد والأصابع تخرجان من جسد الإنسان. وهكذا الابن يولد من الآب والروح القدس ينبثق منه أيضاً.
صنعتاني
جبلتاني
- تشير لخلقة النفس بنفخة من الله.
- تشير لخلقة آدم أولاً
- تشير لخلقة الإنسان كأي خليقة أخرى
- تشير لخلقة الجسد إذ جبل الله تراباً من الأرض.
- تشير إلى إعادة ولادته بالمعمودية.
- تشير لخصوصية وضع الإنسان لدى الله فهو جبله بيديه من تراب الأرض كخليقة عاقلة.
ولأن الإنسان العاقل له وضع خاص لدى الله، فعليه أن يلتزم بوصاياه. والمرنم هنا يصلي لكي يكمل الله ما نقص من فهمه، فيعقل ويفهم كيف يسلك في وصايا الله.
آية (74): "متقوك يرونني فيفرحون لأني انتظرت كلامك."
قارن مع "السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب" وكل من يحب الله يفرح بعودة التائب.
الآيات (75-77): "قد علمت يا رب أن أحكامك عدل وبالحق أذللتني. فلتصر رحمتك لتعزيتي حسب قولك لعبدك. لتأتني مراحمك فأحيا لان شريعتك هي لذّتي"
إعادة تشكيل الإنسان ليتجدد بحسب صورة خالقه، يستلزم في بعض الأحيان أن يؤدب الله النفس ببعض التجارب، ليذلها وينزع منها كبريائها، والمرنم المستسلم لعمل الله فيه، لا يقاوم هذا بل يطلب تعزيته وسط التجربة.
الآيات (78-80): "ليخز المتكبرون لأنهم زورا افتروا عليّ. أما أنا فأناجي بوصاياك. ليرجع إليّ متقوك وعارفو شهاداتك. ليكن قلبي كاملا في فرائضك لكيلا أخزى."
المتكبرون= إبليس ومن يتبعه، هؤلاء يشتكون على البار إن أخطأ والمرنم يصلي حتى يكن قلبه كاملاً فلا تكون هناك فرصة للمتكبرين أن يخزوه ويشتكوا عليه. وقد يزوروا التهم وفي هذا يلجأ المرنم لله ويتمسك به= أناجي بوصاياك ويفهم التزوير أيضاً بأنه يشير لخداعات إبليس للأبرار مثلما فعل مع آدم وحواء ليسقط الأبرار. ولكن من يتمسك بالوصية ينجو. ومن يتمسك بالوصية يخزى إبليس.
قطعة (ك) النفس التي اختبرت الله تشتاق لخلاصه
الآيات (81،82): "تاقت نفسي إلى خلاصك. كلامك انتظرت. كلّت عيناي من النظر إلى قولك فأقول متى تعزيني."
هذه صرخة شعب العهد القديم الذي انتظر مجيء المسيح المخلص. وهي صرخة المسيحي الذي ينتظر مجيء المسيح الثاني قائلاً مع يوحنا "آمين تعال أيها الرب يسوع" (رؤ20:22). ومع بولس الذي يشتهي أن ينطلق ليكون مع المسيح ويُنْقَّذْ من جسد هذا الموت (في23:1 + رو24:7). وإلى مجيء المسيح تنظر عيني كل مؤمن وتنتظر بثقة وإيمان، فطالما وعد الله بأنه سيأتي ليخلص، فهو سيأتي أكيداً. كلت عيناي تفيد استمرار النظر، وعدم تحول النظر لأي شئ آخر. (1تس10:1). وهذه أيضاً صرخة كل مظلوم أو متألم ينتظر خلاص الرب بثقة.
آية (83): "لأني قد صرت كزقٍ في الدخان. أما فرائضك فلم انسها."
صرت كزقٍ في الدخان= زق في الجليد (سبعينية). داود هنا يستدر عطف الله ومراحمه، ويصوَّر نفسه كزق= (قربة من الجلد تستعمل لحفظ الخمر أو الماء) ولكنها أهملت فترة (سواء بوضعها في مكان بجانب حريق أو في جليد) فكلاهما سيتسبب في أن الجلد سيتشقق ويتغضن ولا يعود يصلح بعد لأن يضع فيه أحد خمر أو ماء. والماء يشير للروح القدس والخمر يشير للفرح. والإنسان بخطيته خسر الفرح والإمتلاء من الروح، بل حتى جسده (جلده) تغضن إذ شاخ. هذه صورة للإنسان الذي ينتظر خلاص الرب فيعيد تجديد خليقته. والصورة هنا أن بعض الناس ليتعجلوا اختمار عصير العنب يضعوا الزق قرب النار، فيختمر بسرعة لكن الزق يفسد. ومع هذا فهو في انتظاره لخلاص الرب يتمسك بفرائضه وذلك لثقته في الخلاص الآتي.
آية (84): "كم هي أيام عبدك. متى تجري حكما على مضطهديّ."
إن أيامي قليلة، فخلصني يا رب من مضطهدي= الشياطين ومن يتبعونهم حتى لا أقضي بقية عمري في مرار وآلام. متى سيأتي اليوم الذي تمسح فيه كل دمعة من عيني.
آية (85): "المتكبرون قد كروا لي حفائر. ذلك ليس حسب شريعتك."
كروا لي حفائر= حفروا لي حفرة. وإبليس يخدعنا بشراكه المخادعة لنسقط.
آية (86): "كل وصاياك أمانة. زورا يضطهدونني. أعنّي."
زوراً يضطهدونني= كراهية الشيطان، ومحاولاته لإسقاطنا بمخالفة الوصية لا تهدأ.
آية (87): "لولا قليل لأفنوني من الأرض. أما أنا فلم اترك وصاياك."
لولا معونة الله لسقطت في شراكهم وانشغلت بالعالميات الزائلة فأهلك.
قطعة (ل) النفس التي اختبرت الله تثق في صدق وعوده
آية (89): "إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السموات."
المرنم يضع هنا اختباره، إن كلمة الله ثابتة غير متغيرة (يع17:1) وهكذا كل مشوراته وتدبيراته. وهذا ظاهر في خلقة السموات التي نراها ثابتة لا تتغير فأنت تحفظها بكلمتك. ومن هم في السماء أي الملائكة يحفظون كلمتك وهي ثابتة فيهم بالمقارنة معنا نحن يا من في الأرض، فنحن لا نستطيع أن نحفظ ونثبت وصاياك. وأحكامك بحكمة عالية لا نفهمها نحن وهي تعلو عنا وعن إدراكنا، كما تعلو السموات عن الأرض. ومهما كانت وعود الله بعيدة كبعد السماء، فهي ستتحقق في ملء الزمان. وكل من تثبت كلمة الله فيه يصير سماوياً. وتفهم الآية عن الابن كلمة الله الأزلي الذي خلق كل شئ.
الآيات (90،91): "إلى دور فدور أمانتك. أسست الأرض فثبتت.على أحكامك ثبتت اليوم لان الكل عبيدك."
دليل آخر على ثبات كلمة الله هو ثبات الأرض التي نحيا عليها. والأرض ببحارها وتوالي فصولها هي هي كما تركتها كل الأجيال السابقة= إلى دور فدور أمانتك الله بأمانته حفظ الأرض لكل الأجيال. على أحكامك ثبتت اليوم= بأحكام الله ورعايته ثبتت السموات والأرض إلى هذا اليوم. العجيب أن كل الخليقة تأتمر بأمر الله وتثبت بكلمته، ولا يوجد من يتمرد على كلمة الله سوى الإنسان.
وهذه الآية تفهم أن الله بأمانته، كان أميناً مع جيل اليهود، ولما رفضه اليهود كان أميناً مع الكنيسة وفي نهاية الأيام سيرجع اليهود وسيكون أميناً معهم لأجل وعوده الثابتة مع أبائهم (رو9،10،11). وفي السبعينية يقول "أسست الأرض فهي ثابتة بأمرك والنهار أيضاً ثابت" ومن هذا نفهم أن الأرض هي الكنيسة التي على الأرض التي آمنت بالمسيح السماوي، شمس البر، فصار لها أن تعيش في نور نهاره.
الآيات (92،93): "لو لم تكن شريعتك لذّتي لهلكت حينئذ في مذلتي. إلى الدهر لا أنسى وصاياك لأنك بها أحييتني."
أولاد الله يضطهدون من العالم، وما يعزيهم هو اللهج في كلام الله المحيي ولننظر الشهداء مساقين للموت وهم يسبحون بكلمة الله، لذلك لم ينكروا إيمانهم إذ عزاهم الله وثبتهم فكانت لهم حياة.
آية (94): "لك أنا فخلّصني لأني طلبت وصاياك."
لك أنا= رائع أن يصل الإنسان أن يعطي نفسه بالكامل لله ويشعر أيضاً أن الله له "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش16:2). لأني طلبت وصاياك= حتى نكون لله نحفظ الوصية.
آية (95): "إياي انتظر الأشرار ليهلكوني. بشهاداتك افطن."
الأشرار بقيادة إبليس يضعون لي شراكاً ليهلكوني، ووصيتك تنير لي الطريق.
آية (96): "لكل كمال رأيت حداً. أما وصيتك فواسعة جداً."
وصيتك فواسعة جداً= في الآية السابقة نجد المرنم قد اكتشف أن الوصية تكشف له خداعات الشياطين فينجو، لقد اكتشف في كلام الله كنزاً ثميناً، فهو يعزيه ويشدده ويكشف له خداعات إبليس. وهذه طبيعة كلمة الله، فكل يوم نجد فيها غذاء جديد وشفاء جديد. ربما نفس الآية نقرأها على فترات وفي كل مرة نجد فيها معنى جديد مشبع ومعزي، ونجد أنها تكشف لنا معنى جديد لحب الله بلا تكشف لنا عن المسيح نفسه ويكون هذا سر تعزيتنا أننا نعرفه. أما أي كمال آخر في العالم فمهما كان فهو محدود.
قطعة (م) الوصية لذيذة وتعطي للإنسان حكمة
آية (97): "كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي."
كم أحببت شريعتك= محبوب هو اسمك يا رب (سبعينية). بولس الرسول يعلمنا "صلوا بلا إنقطاع" (1تي17:5) ويعلمنا الآباء أن نردد صلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" طول النهار أو نلهج في آيات من الكتاب المقدس نتأمل فيها ونرددها كل اليوم. وهذا يلهب القلب بحب الله. على أن اكتشاف لذة شريعة الله لا يأتي فقط من ترديدها، بل حينما ينفذها الإنسان فيكتشف قوتها وحلاوتها.
آية (98): "وصيتك جعلتني احكم من أعدائي لأنها إلى الدهر هي لي."
كل من يحفظ الوصية يصير حكيماً. يعطيه الله حكمة في كل تصرفاته. وقوله أعدائي= أي أعداء الله الذين يرفضونه ويرفضون وصاياه ويعادون أولاده.
آية (99): "اكثر من كل معلّميّ تعقلت لأن شهاداتك هي لهجي."
هنا يقارن المرنم بين من تعلَّم على يد معلم، ومن يتعلم على يد الله. فشاول الطرسوسي تعلَّم على يد غمالائيل وكان أصغر منه، ولكن حين ظهر الله له وتعلم من الله، صار بولس معلماً لكل العالم.
آية (100): "اكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك."
من يتعلم من الله ووصاياه تصير له حكمة الشيوخ بل أكثر. فوصايا الله تحوي في داخلها حكمة، يحتاج الشيخ عشرات السنين ليكتشفها، بل هو اكتشفها بعد عدة آلام مررت حياته. فمن اختبر أن النار تحرق سبق وتألمَّ من عذابات هذه النار ولكن من ينفذ الوصية سيسمع قول الله لا تقرب من النار (الخطية) حتى لا تحترق فلو نفذ لحصل على الحكمة التي وصل لها الشيوخ بعد آلام عديدة.
الآيات (101،102): "من كل طريق شر منعت رجلي لكي احفظ كلامك.عن أحكامك لم أمل لأنك أنت علّمتني."
هنا نرى المرنم يختبر حلاوة الوصية بأنه ينفذها عملياً، "الإنجيل المعاش".
الآيات (103،104): "ما أحلى قولك لحنكي أحلى من العسل لفمي. من وصاياك أتفطن. لذلك أبغضت كل طريق كذب."
من تتحول الوصية عنده لحياة معاشة يختبر حلاوتها وهكذا قال كثيرين (رؤ9:10،10 + حز3:3 + أر16:15). ومعنى الأكل، أن الوصية لا تكون للكلام والمناقشات والتعليم، بل للحياة بها كما يتحول الطعام لطاقة نحيا بها ونسير بها. من وصاياك أتفطن= بها ندرك مقاصد الله من نحونا ومحبته لنا، وأنه حين يمنع خطية ما عنا قائلاً لا تفعل هذا أو ذاك، فإن هذا يكون لفائدتنا، وحينما انفتحت عينا المرنم وعرف مقاصد الله قال= لذلك أبغضت كل طريق كذب.
قطعة (ن) النفس التي تلذذت بالوصية تتعهد بحفظها
آية (105): "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي."
المسيح هو نور العالم، وهو كلمة الله الأزلي. والمسيح نكتشفه ونراه ونعرفه من خلال كلمة الله المكتوبة في الكتاب المقدس، الذي صارت كلماته لنا نور لسبيلنا. وكلمة الله تكشف لنا كل ما هو خطأ في حياتنا، بل كل حفرة وشرك يضعه العدو لنا. فالعالم ظلمة ورئيس هذا العالم يسمى سلطان الظلمة، وبدون المسيح سنتعثر في هذا الظلام (يو9:1). والكتاب كله موحى به من الروح القدس، وهو الزيت الذي يملأ السراج. فالوصية هي السراج الذي يظل مشتعلاً بزيت الروح القدس.
آية (106): "حلفت فأبره أن احفظ أحكام برك."
حلفت فأبره= حلفت فأقمت أو حلفت وعقدت عزمي على حفظ أحكام برك (فأقمت بحسب السبعينية). وكان الله قد طلب من الشعب أن يحلفوا باسمه في العهد القديم علامة التصاقهم به لا بالأوثان (تث20:10). وحتى لا يتشبهوا بالأمم الوثنية ويحلفوا بألهتهم. والمعنى أنني قد عقدت عزمي يا رب أن أظل ملتصقاً بك وأحفظ وصاياك لأنني أكتشفت حلاوة تنفيذها.
آية (107): "تذللت إلى الغاية. يا رب أحيني حسب كلامك."
تذللت= تشير للآلام المحيطة بالأبرار في هذا العالم، وربما تشير لأنه لم يستطع أن يحفظ الوصية بالكامل إذ هو بعد في الجسد، وربما تشير لأنه يتواضع وينسحق أمام الله في توبة حقيقية. وعموماً فالله يسمح لنا ببعض الآلام حتى نتضع ونطلبه بانسحاق ونقدم توبة عن خطايانا. ومن يفعل هذا، أي من يتوب يحييه الله.
آية (108): "ارتض بمندوبات فمي يا رب وأحكامك علمني."
ارتض بمندوبات فمي= تعهدات فمي باركها يا رب (سبعينية). والمعنى أن المرنم تعهد أمام الله أن يسلك بحسب الوصية ويصلي ليبارك الله هذا الوعد ويعينه.
آية (109): "نفسي دائما في كفي. أما شريعتك فلم انسها."
كانت المخاطر التي تعرض لها داود كافية لأن يموت عدة مرات، وبالرغم من هذا فهو لم يترك وصية الله، إذ فهم أن الله هو الذي كان يحميه. نفسي دائماً في كفي= أي أنني لأجل محبتك يا رب وضعت حياتي في كفي، أي أنا مستعد أن أموت في كل وقت، وهذا نفس ما قاله بولس الرسول (أع24:20 + أع13:21 + رو35:8،36). لذلك حسناً ترجمتها السبعينية "نفسي في يديك كل حين".
آية (110): "الأشرار وضعوا لي فخا. أما وصاياك فلم أضل عنها."
من كل كلام الله سراجاً له يهدي خطوات رجله لن يعثر في شراك إبليس.
الآيات (111،112): "ورثت شهاداتك إلى الدهر لأنها هي بهجة قلبي. عطفت قلبي لأصنع فرائضك إلى الدهر إلى النهاية."
الإسرائيلي الحقيقي يرث أرض آبائه كثروة تنتقل من الأب لابنه وبحسب الشريعة لا يفرط فيها ولا يبيعها. وهنا داود يعتبر أن الشريعة هي ميراثه العظيم والكنز الحقيقي الذي تركه آبائه. وكما كانت الأرض لا يحق بيعها إذ هي الأرض التي أعطاهم إياها الله، هكذا الوصية هي من الله لذلك لا ينبغي أن نفرط فيها. وهكذا الإيمان والعقيدة التي تسلمناها من الآباء واستشهد الملايين في سبيلها (يه3). عطفت قلبي= أي أملت قلبي، بنعمتك يا رب مال قلبي وتضيف السبعينية "من أجل المكافأة" أي كنت أقنع نفسي أنني لو أطعت سيكون لي مكافأة وكانت نعمتك تقنعني لأميل قلبي لحفظ وصاياك.
قطعة (س) طلب السند الإلهي
آية (113): "المتقلبين أبغضت وشريعتك أحببت."
المتقلبين أبغضت= لمتجاوزي الناموس أبغضت (سبعينية) فهو لم يبغض أعداؤه كشاول وغيره، ولكن أبغض من هو ضد الله، ويسبب عثرات للأبرياء. ويمكن فهم كلمة أبغضت بمعنى رفضت طرقهم. والسيد المسيح طلب أن نبغض أقرباؤنا بالجسد لكي نحب الله، ومفهوم ذلك أن لا يعطلوننا عن محبتنا لله، وأن نحب الله أكثر منهم لذلك يقول المرنم وشريعتك أحببت. أما الترجمة الإنجليزية فأوردت الآية أبغضت الأفكار الباطلة "أي كل فكر وكل شهوة تعطلني عن حب الله فأنا أبغضها. ونلاحظ أن الأفكار الباطلة هي أول خطوة في طرق الخطية والانفصال عن الله لذلك هو يبغضها فالخطية ستسبب فقدانه لحالة الفرح وتفصله عن الله.
آية (114): "ستري ومجني أنت. كلامك انتظرت."
كما احتمى بالله من شاول وإبشالوم، هو يحتمي به من أفكاره وشهواته.
الآيات (115-117): "انصرفوا عني أيها الأشرار فاحفظ وصايا الهي. أعضدني حسب قولك فأحيا ولا تخزني من رجائي. اسندني فاخلص وأراعي فرائضك دائما."
طلب السند الإلهي في جهاده الروحي ضد خطاياه وشهواته فرجاؤه هو الله.
الآيات (118،119): "احتقرت كل الضالين عن فرائضك لان مكرهم باطل. كزغل عزلت كل أشرار الأرض. لذلك أحببت شهاداتك."
المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الحسنة، فالمرنم يرفض صحبة الأشرار حتى لا يتأثر بأفكارهم الباطلة، وعوضاً عن الصحبة الرديئة إلتصق بشهادات الله. وحسب الأشرار كزغل= هو الناشئ عن صهر المعادن، والزغل هو الصدأ والخبث والشوائب التي ترمى كشئ لا قيمة له، بعد أن يتم تصفية المعدن نفسه.
آية (120): "قد اقشعر لحمي من رعبك ومن أحكامك جزعت."
في السبعينية " سمر خوفك في لحمي" فما يساعد على حفظ الوصايا أن نذكر يوم الدينونة وعقاب الأشرار.
قطعة (ع) صلاة للثبات في طريق الله وحفظ الوصية
آية (121): "أجريت حكماً وعدلاً. لا تسلمني إلى ظالميّ."
أجريت حكماً وعدلاً= داود هنا كملك يقول أن قد حكم بالعدل ولم يظلم أحد ويصلي أن ينظر الله لجهاده فلا يسلمه لظالميه. وبينما نصلي بهذا فلنذكر تعدياتنا وأخطائنا فنطلب مراحم الله إذ لم نكن أمناء.
آية (122): "كن ضامن عبدك للخير لكيلا يظلمني المستكبرون."
كن ضامن (كفيل). والمسيح هو الذي يضمننا عند الآب، وهو الذي دفع الفدية ليحررنا، وهو الذي يحمينا حتى لا نسقط ثانية في أيدي الظالمين (الشياطين وأتباعهم) المرنم هنا يعلن أنه لا يستطيع أن يحمي نفسه فيلجأ لله ليحميه من العالم ويضمنه عند الآب. والمرنم إذ لم يعلم ماذا يطلب، لم يصف لله كيف يضمنه فقال للخير فالله صانع خيرات.
الآيات (123،125): "كلت عيناي اشتياقاً إلى خلاصك والى كلمة برك. اصنع مع عبدك حسب رحمتك وفرائضك علمني. عبدك أنا. فهمني فاعرف شهاداتك."
هو ينتظر خلاص الله بثقة ولهفة.
آية (126): "انه وقت عمل للرب. قد نقضوا شريعتك."
لقد انتشر الشر في العالم وأهمل الناس شريعتك واحتقروها. وهذا هو الوقت الذي ينبغي أن نشهد لك يا رب بحفظنا وصاياك أمام الناس. لقد انتشرت الخطية، وهذا هو الوقت الذي نبحث فيه عن أولادك الذين ضلوا. في الأوقات الشريرة يجب أن نشهد أننا للرب، نعبده ونلتزم بما أوصى به.
الآيات (127،128): "لأجل ذلك أحببت وصاياك اكثر من الذهب والإبريز. لأجل ذلك حسبت كل وصاياك في كل شيء مستقيمة. كل طريق كذب أبغضت."
المرنم يعبر عن حبه لوصايا الله فهي مستقيمة وأغلى من الذهب والإبريز.
قطعة (ف) مفاعيل كلمة الله في النفس
آية (129): "عجيبة هي شهاداتك لذلك حفظتها نفسي."
كلمة الله الواسعة جداً تكشف لنا كل يوم عن محبة الله وأعماله العجيبة. ففي كل مرة نتأمل فيها نكتشف شيئاً جديداً عن المسيح كلمة الله. ونكتشف أن كلمة الله تتوافق وتتكامل عبر الكتاب المقدس بعهديه في تناغم عجيب.
آية (130): "فتح كلامك ينير يعقل الجهال."
فتح كلامك= إعلان أقوالك (سبعينية).. يعقل الجهال= الأطفال الصغار في السبعينية. وفي الإنجليزية المدخل لكلماتك يعطي نوراً ويعطي فهماً للبسطاء. وهذه تعني أننا حين نبدأ في دراسة الكتاب فمجرد البداية تعطينا استنارة وعقلاً راجحاً. فكم وكم إذا تعمقنا. ولكن من يفهم ويستنير هو البسيط أي من له هدف واحد فقط ألا وهو أن يبحث عن إرادة الله. وهناك من فسَّر الآية بأن فتح كلام الله هو العهد الجديد الذي فيه إنكشفت أسرار العهد القديم واستنارت عيوننا به.
آية (131): " فغرت فمي ولهثت لأني إلى وصاياك اشتقت."
فغرت فمي ولهثت= كطفل يفتح فمه مشتاقاً إلى اللبن. واللهث هو وسيلة الحصول على الأكسجين للتنفس والحياة. فالمرنم هنا يُصوِّر اشتياقه لكلمة الله كاشتياق الطفل لطعامه واشتياق الإنسان للتنفس، وليس تنفساً طبيعياً بل لهث كمن يجري ويلهث، فهو يجاهد ليحصل على هذه المعرفة. وفي السبعينية "فتحت فمي واجتذبت لي روحاً" بمعنى أن الهواء الذي استنشقه أعطاه حياة. وهكذا المعرفة التي يعطينا إياها الله لنعرفه تعطينا وتكون لنا حياة (يو3:17). ولكن في هذا إشارة لأن الفهم والمعرفة يكونان بعمل الروح القدس فينا الذي يعلمنا كل شئ.
الآيات (132،133): "التفت إليّ وارحمني كحق محبي اسمك. ثبت خطواتي في كلمتك ولا يتسلط عليّ إثم."
صلاة ليرحمه الله ويثبته في طريقه ولا يتسلط عليه إثم فتضيع معرفته.
آية (134): " افدني من ظلم الإنسان فاحفظ وصاياك."
إنقذني من ظلم أعدائي، والأعداء الحقيقيين هم إبليس والبشر الذين يحركهم إبليس. ومن يسقط في خطية يستعبده إبليس، أما المسيح فاشترانا بدمه. وكأن المرنم يشتاق لفداء المسيح فيتحرر، وحينئذ لا يكون لإبليس سلطان عليه فأحفظ وصاياك.
آية (135): " أضئ بوجهك على عبدك وعلمني فرائضك."
قال القديس أثناسيوس أن المسيح هو وجه الآب الذي ظهر في العالم ليعلمنا العدل والحق. وتفهم الآية أنه في وسط الضيقات وضباب هذا العالم إظهر يا رب نورك، أي رضاك علىّ، وإعطني أن أشعر بوجودك وحنانك ورحمتك. وإذا حجب الله وجهه عنا فلم نعد نشعر بسلام أو فرح أو تعزية فهذا راجع لأننا أهملنا وصاياه.
آية (136): " جداول مياه جرت من عيني لأنهم لم يحفظوا شريعتك."
ليس معنى الفرح والتعزية أننا نفرح كما يقول البعض بطريقة مفتعلة لأننا قد خلصنا. ولكن نضع أمام عيوننا هذه الآية، إننا لابد أن نبكي على إخوتنا الذين مازالوا يتخبطون في خطاياهم، بل الأولى أيضاً أن نبكي على خطايانا، ومن يفعل يعطيه الله تعزية حقيقية وفرح حقيقي.
قطعة (ص) غيرة حسنة على كلمة الله
الآيات (137،138): "بار أنت يا رب وأحكامك مستقيمة. عدلاً أمرت بشهاداتك وحقا إلى الغاية."
بار أنت= عادل أنت (سبعينية). الأشرار دائماً يعترضون على أحكام الله قائلين لماذا سمح بهذا أو ذاك. ولكن المرنم الذي أحب الله اكتشف أن كل أحكامه هي بعدل وأنه بار. عدلاً أمرت بشهاداتك وحقاً إلى الغاية= (في السبعينية) تترجم أوصيت كثيراً بالعدل والحق اللذين هما شهاداتك. فهناك من يرفض الوصية بحجة أنها صعبة وغير عملية. والمرنم الغيور يشهد هنا أنها عدل وحق.
آية (139): " أهلكتني غيرتي لأن أعدائي نسوا كلامك."
أهلكتني غيرتي= غيرة بيتك أكلتني (سبعينية) وهكذا اقتبس العهد الجديد النص من السبعينية (يو17:2). هذه غيرة مقدسة لكلام الله الذي يحتقره الأشرار.
آية (140): " كلمتك ممحصة جداً وعبدك أحبها."
في مقابل احتقار الأشرار لكلمة الله ووصيته نجد المرنم هنا يشهد لكمالها وأنها نقية من كل شائبة ممحص= نقي من كل خداع أو تملق، فالله لا يتملق الإنسان فيعطيه ما يتلذذ به فيموت (هذا ما يفعله إبليس). أما وصايا الله فحتى وإن كانت ضد رغبة الجسد إلا أننا لو إلتزمنا بها يكون لنا حياة.
آية (141): " صغير أنا وحقير. أما وصاياك فلم انسها."
كان داود هو الأصغر في إخوته، ولكن الله نظر لقلبه الحافظ للوصية. وهكذا كل من ينسحق ويتذلل أمام الله يفرح به الله ويسكن عنده (أش15:57).
الآيات (142-144): "عدلك عدل إلى الدهر وشريعتك حق. ضيق وشدة أصاباني أما وصاياك فهي لذّاتي. عادلة شهاداتك إلى الدهر فهمني فأحيا."
شهادات الله صادقة، ومحبته مؤكدة، بالرغم من الشدة والآلام التي يجتاز فيها الأبرار. والبار بالرغم من شدته يحفظ الوصية ولا يترك شريعة الله.
قطعة (ق) صراخ إلى الله
الآيات (145،146): "صرخت من كل قلبي. استجب لي يا رب. فرائضك احفظ. دعوتك. خلّصني فاحفظ شهاداتك."
النفس التي عرفت الله لا تكف عن أن تصرخ إليه من أجل الخلاص والصراخ لا يعني الصوت المرتفع ولكن من عمق القلب يلجأ الإنسان لله وربما دون أن يتكلم (خر15:14 موسى لم يتكلم والله يقول له لماذا تصرخ) ودم هابيل صرخ.
الآيات (147-149): "تقدمت في الصبح وصرخت. كلامك انتظرت. تقدمت عيناي الهزع لكي الهج بأقوالك. صوتي استمع حسب رحمتك. يا رب حسب أحكامك أحيني."
في السبعينية "تقدمت قبل الصبح وصرخت.. سبقت عيناي وقت السحر.. فهو لا يكف عن الصراخ إلى الله في كل وقت حتى في منتصف الليالي.
الهزع= جمع هزيع وهي أقسام الليل. ورمزياً فالليل يشير لوقت الآلام أما الصبح فيشير لوقت الفرج. وعلى كل الأحوال هو يصرخ لله ولا يسكت.
الآيات (150،151): "اقترب التابعون الرذيلة. عن شريعتك بعدوا. قريب أنت يا رب وكل وصاياك حق."
لاحظ أن الأشرار يقتربون إلى الرذيلة، ولكن بقدر ما يقتربوا منها بقدر ما يبتعدوا عن ناموس الله وبالتالي فهم يبتعدون عن الله. أما الأبرار فهم قريبون من الله وهو قريب منهم يعرفهم ويحميهم من مضايقات الأشرار.
آية (152): " منذ زمان عرفت من شهاداتك انك إلى الدهر أسستها."
"السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" هذا بنفس المعنى تماماً. فكلام الله لا يتغير ومقاصده لا تتغير، أما الناس فمن طبيعتهم أنهم يتغيرون دائماً.
قطعة (ر) رثاء على الأشرار فهم لن يخلصوا
آية (153): " انظر إلى ذلي وأنقذني لأني لم أنسى شريعتك."
الطريق الوحيد لنحصل على مراحم الله هو الإنسحاق والتذلل والمسكنة.
آية (154): " احسن دعواي وفكني. حسب كلمتك أحيني."
احسن دعواي وفكني= أحكم لي في دعواي ونجني (سبعينية). هي صلاة للخلاص.
آية (155): " الخلاص بعيد عن الأشرار لأنهم لم يلتمسوا فرائضك."
الأشرار سوف يسمعون القول المرعب لست أعرفكم، امضوا عني يا.... (مت23:7).
الآيات (156،157): "كثيرة هي مراحمك يا رب. حسب أحكامك أحيني. كثيرون مضطهديّ ومضايقيّ. أما شهاداتك فلم أمل عنها."
المرنم قد اختبر مراحم الرب بالرغم من اضطهاد الأشرار له. وكان في شدة ضيقته لا يترك وصايا الله فهو يجد فيها تعزيته وسلامه ويجد فيها قوة تعينه.
الآيات (158-160): "رأيت الغادرين ومقت لأنهم لم يحفظوا كلمتك. انظر أني أحببت وصاياك. يا رب حسب رحمتك أحيني. راس كلامك حق والى الدهر كل أحكام عدلك."
لقد رأي الأشرار يخطئون فلم يشتهي أن يصنع مثلهم بل هو كره طرقهم فهو يعرف أن الحياة الأبدية وبركة الحياة الزمنية هي في حفظ وصايا الرب. والمرنم يثق في وعود الله لمن يحفظ وصاياه. رأس كلامك حق= بدء كلامك حق (سبعينية) أو أن كلامك منذ الأزل هو حق، فأنت يا رب هو أنت لا تتغير أو أن من البدء تعني، منذ أعلنت ذاتك وشرائعك للآباء فهي لم تتغير.
قطعة (ش) سلام القلب في حفظ الوصية
آية (161): " رؤساء اضطهدوني بلا سبب. ومن كلامك جزع قلبي."
رؤساء= هناك رؤساء اضطهدوا داود مثل شاول مثلاً. ونحن نواجه باضطهاد إبليس ومن يتبعه. ولكن المرنم لم يجزع من اضطهاد هؤلاء بل من كلام الله. وهكذا نجد الشهداء لم يرهبوا اضطهاد الملوك لأن قلبهم جزع من أن يخالفوا كلام الله.
آية (162): " ابتهج أنا بكلامك كمن وجد غنيمة وافرة."
هنا نفهم أن المرنم لم يجزع من كلام الله بمعنى الخوف من ضربات الله بل نجده يفرح ويبتهج بكلام الله وأنه يعتبره مثل كنز. وكونه يترك وصايا الله خوفاً من اضطهاد الرؤساء سيجد نفسه وقد خسر هذا الكنز وفقد سلامه وابتهاجه.
آية (163): " أبغضت الكذب وكرهته. أما شريعتك فأحببتها."
نرى هنا أنه يحب الشريعة الله ويبغض أكاذيب إبليس وخداعاته.
آية (164): " سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك."
سبع مرات= 7 رقم كامل بمعنى أن كلام الله وتسبحته لا تفارق فمه كل النهار وتصير هذه الآية مثل صلوا بلا انقطاع (1تي17:5). ولكن الكنيسة رتبت على أساس هذه الآية 7 صلوات فعلاً كل يوم هي صلوات الأجبية.
آية (165): " سلامة جزيلة لمحبي شريعتك وليس لهم معثرة."
المرنم اختبر أن في حفظه وصايا الله وفي تأمله في كلام الله يكون له سلام يملأ قلبه. وليس لهم معثرة= ليس لهم شك (سبعينية). فكلما قلت العثرات زاد السلام.
الآيات (166-168): "رجوت خلاصك يا رب ووصاياك عملت. حفظت نفسي شهاداتك واحبها جدا. حفظت وصاياك وشهاداتك لان كل طرقي أمامك."
حينما اختبر المرنم أن حفظ الوصية يعطيه سلاماً لذيذاً في قلبه وأن طريق العثرات والخطايا يبعد عنه سلامه، قرر أن لا يحيد عن وصايا الله. بل هو ينتظر خلاصه النهائي، أي أن يترك كل عثرة فيكون سلامه وفرحه بلا حدود، وهذا لن يحدث إلا في السماء بعد أن نحصل على الجسد الممجد.
قطعة (ت) التوسل لنوال الخلاص
الآيات (169،170): "ليبلغ صراخي إليك يا رب. حسب كلامك فهمني. لتدخل طلبتي إلى حضرتك. ككلمتك نجني."
هناك قصة تشرح المقصود، وهي لامرأة أصيبت بمرض خطير جداً فإلتجأت إلى الله في صلوات طويلة. وذات يوم قالت لأب اعترافها "يا أبي سوف أموت يوم كذا.. فقال لها كيف علمت بهذا فأجابت السماء أخبرتني أنني سوف أرتاح في هذا اليوم. فقال لها ربما يعني هذا شفاءكِ.. أجابت أنا لست خائفة من الموت، فإن كنت هنا أفرح بهذا المقدار فكم وكم سيكون الفرح في الأبدية، معنى الراحة يا أبي أنني سأذهب للسماء، لذلك لست في خوف من الموت، بل أنا أشتهيه. وهذا لسان حال بولس الرسول (رو24:7 + في23:1). وهذا ما يعبر عنه المرنم هنا، أنه يشتاق لهذا الخلاص النهائي في السماء حيث لا يعود الجسد يتعبه بشهواته وعثراته، فيكون سلامه بلا حدود. وهو يصرخ لينال هذا.
الآيات (171،172): "تنبع شفتاي تسبيحا إذا علمتني فرائضك. يغني لساني بأقوالك لان كل وصاياك عدل."
تنبع= تفيض. هنا نرى أن كلما إلتزم الإنسان بوصايا الله كلما امتلأ القلب سلام، وعلامة هذا أن تفيض الشفاه بالتسبحة علامة الفرح والشكر. لذلك يصلي المرنم لله حتى يعلمه الوصايا فيفرح ويسبح، وهكذا ينبغي أن نقضي حياتنا بالجسد الآن، نصرخ لله ليعيننا على حفظ الوصية وعلى أن نسبحه كل اليوم وكل العمر في انتظار يوم الخلاص الأبدي.
الآيات (173،174): "لتكن يدك لمعونتي لأنني اخترت وصاياك. اشتقت إلى خلاصك يا رب وشريعتك هي لذّتي."
طلب المعونة الإلهية، وهكذا ينبغي أن لا نكف عن الطلب حتى يعيننا الله على أن نحفظ الوصايا. ونرى شهوة المرنم للخلاص الأبدي.
الآيات (175،176): "لتحي نفسي وتسبحك وأحكامك لتعنّي. ضللت كشاة ضالة. اطلب عبدك لأني لم انس وصاياك."
كل منا هو الخروف الضال، والمسيح هو الراعي الصالح الذي أتى ليفتش على الخروف الضال ويعينه حتى يعود للحظيرة ثانية.
بقية المزامير (المزامير التي لم تستعمل في الأجبية)
المزمور السابع
العنوان: شجوية= لا يمكن تحديد المعنى تماماً، وربما تعني مرثاة أو صراخ عالي حينما كان المرنم في حالة ارتباك من الاضطهاد الواقع عليه. وقيل أنها مشتقة من كلمة عبرية معناها يتجول تائهاً بسبب هروبه من شاول وارتباكه بسبب هذا.
كوش البنياميني= لم يذكر الكتاب أن هناك شخصاً بهذا الاسم قد تكلم على داود، لذلك وجدت عدة أراء لتفسير هذا الاسم. فالبابا أثناسيوس الرسول والقديس باسيليوس الكبير قالا أنه حوشاي الأركي الذي أبطل بحكمته مشورة أخيتوفل وأسماه البنياميني أي ابن اليمين لأنه كان أميناً مع داود. وقال آخرون أن كوش هو شمعي الذي شتم داود. وربما هو صديق لشاول كان يوقع بينه وبين داود كلما هدأ شاول من جهة داود. أو هو شاول نفسه واسماه كوش أي أسود بسبب أعماله. وسواء كُتِبَ هذا المزمور أثناء اضطهاد شاول لداود، أو أثناء خيانة إبشالوم له فالله أنقذه من مؤامرات أعدائه. وفي هذا هو يرمز للمسيح المتألم الذي استجاب له الآب.
الآيات (1،2): "يا رب الهي عليك توكلت. خلصني من كل الذين يطردونني ونجني. لئلا يفترس كأسد نفسي هاشماً إياها ولا منقذ."
كل الذين يطردونني= بصيغة الجمع.. يفترس كأسد= بصيغة المفرد. فكان كثيرون يضطهدون داود. ولكن كان واحداً وهو كأسد زائر وراء كل هذا الاضطهاد وهو إبليس. ونرى هنا إتكال داود الكامل على الله، وطلبه الخلاص من يده. ولاحظ قوله أيها الرب إلهي= فأنت رب الخليقة كلها وضابط الكل، وأنت إلهي أنا بوجه خاص. ولقد أضطهد إبليس آدم فطرد من الجنة، واضطهد المسيح. وهو استبعد آدم وخطف نفسه ولكنه لم يستطع هذا مع المسيح فالمسيح كان بلا خطية.
الآيات (3-5): "يا رب الهي إن كنت قد فعلت هذا إن وجد ظلم في يديّ. إن كافأت مسالمي شراً وسلبت مضايقي بلا سبب. فليطارد عدو نفسي وليدركها وليدس إلى الأرض حياتي وليحط إلى التراب مجدي. سلاه."
ربما ينطبق هذا على داود، وأنه كان كملك عادل، وكان بقدر استطاعته باراً أمام الله. ولكنه هنا يتنبأ عن المسيح الكامل الذي بلا خطية. وبينما استعبد إبليس آدم وبنيه بسبب سقوطهم، لم يستطيع هذا مع المسيح لكماله وبره. ونلاحظ أن الله قال للحية تأكلين تراباً، فكل من يعيش في تراب هذا العالم وتستهويه شهواته يصبح تراباً ومأكلاً لإبليس. لذلك علينا أن نقارن حالنا مع ما قاله داود هنا فهو لم يوجد في يده ظلم ولما يكافئ أحد شراً حتى الذين ضايقوه، وفي هذا طبق داود تعليم العهد الجديد. فإن كنا هكذا فعلاً لا يقوى علينا إبليس ولا يدوسنا والمسيح قَبِلَ أن يموت بعد أن أخلى ذاته حتى لا نموت نحن ونداس من إبليس.
وهناك من يعترض على داود أنه يذكر بره وقداسته. ولكن الأغلب أن هذا لم يكن في فكر داود فكل مزاميره تنطق بالانسحاق. ولكنه يذكر أنه برئ من التهم المزورة التي الصقها بها أعداؤه. وبالنسبة لنا حين نقرأ هذا ونصلي به فعلينا أن نبكت أنفسنا. وإن كانت نبوة عن المسيح فهو البار وحده.
الآيات (6-10): "قم يا رب بغضبك ارتفع على سخط مضايقيّ وانتبه لي. بالحق أوصيت. ومجمع القبائل يحيط بك فعد فوقها إلى العلى. الرب يدين الشعوب. اقض لي يا رب كحقي ومثل كمالي الذي فيّ. لينته شر الأشرار وثبت الصدّيق. فان فاحص القلوب والكلى الله البار. ترسي عند الله مخلّص مستقيمي القلوب."
داود يلجأ لله ليكون ترس له أي يحميه من مؤامرات الأعداء. وبالمعنى النبوي نجده يتنبأ عن عمل المسيح في صلبه= ارتفع. في قيامته= قم. ثم بصعوده عد فوقها إلى العلي. فالمسيح بعد أن ارتفع على الصليب قام من الأموات. ولكنه في كل حين هو في وسط كنيسته= ومجمع القبائل يحيط بك. وكان نداء داود عد إلى العلي هو لكي تصعد باكورتنا إلى السماء. والرب يدين الشعوب= فالدينونة أعطيت للابن (يو22:5). فالله أدان إبليس وأتباعه، وفي اليوم الأخير سيلقي في البحيرة المتقدة بالنار. ولقد بدأت الدينونة بالصليب. أما داود فهو يسلم قضيته بين يدي الله لكي يدين الله أعداؤه ويحكم له وينصفه، فالله وحده هو الذي يعرف براءته فهو فاحص القلوب والكلي. هو الله البار= الله العادل. ونلاحظ أن داود هنا لا يطلب فناء الشرير بل قال لينته شر الأشرار= هو يطلب لهم التوبة. وهكذا ينبغي أن نصلي.
وثبت الصديق= حتى لا يسقط في غوايات إبليس، وحتى يحتمل آلام الأشرار كما ثبت الله الشهداء في إيمانهم إلى النفس الأخير (مت13:24). وقوله قم هو صرخة كل متألم حتى يرفع الله الظلم عنه، ففي وسط الضيق يظن الإنسان أن الشر قد انتصر، فيصرخ إلى الله ليقوم ويحقق العدل. وقوله عد فوقها إلى العلى وارتفع على سخط مضايقيّ= أي إظهر أنك فوق هؤلاء الأشرار وتمجد أمامهم. مجمع القبائل= مجمع الشعوب أي كنيسة المسيح.
الآيات (11-13): "الله قاض عادل واله يسخط في كل يوم. إن لم يرجع يحدد سيفه. مدّ قوسه وهيّأها. وسدد نحوه آلة الموت. يجعل سهامه ملتهبة."
المرتل ينبه الأشرار حتى يرجعوا بالتوبة، فإن لم يرجعوا سيضربهم الله. إن لم يرجع الشرير عن شره يحدد الله سيفه. فعدل الله حاد كالسيف وماضٍ كالسهم. والله قبل أن يقتل الجسد بسهامه، يوجه سهاماً معنوية للضمير لعله يتحرك ويتوب. وهذه السهام المعنوية هي كلمته وكرازته. وضربات الله للشرير تتدرج لتصل إلى الموت فعلاً.
الآيات (14-17): "هوذا يمخض بالإثم. حمل تعبا وولد كذبا. كرا جبّا. حفره فسقط في الهوة التي صنع. يرجع تعبه على رأسه وعلى هامته يهبط ظلمه. احمد الرب حسب بره. وأرنم لاسم الرب العلي."
آية (14) هي ما ردده يعقوب في (يع14:1،15). فمن يتحد بالمسيح يكون له ثمار الروح. ومن يتحد بإبليس ينجب كذب وخداع وعنف وقلق وتعب. فالخطية يصحبها فقدان السلام. وتنتهي بأن ما يزرعه الإنسان فإياه يحصد. كرا جباً= أي حفر حفرة فسقط فيها (أم27:26 + جا8:10). يرجع تعبه على رأسه= (حز31:22) وهذا يقوله داود عن كل من دبَّر له شراً، فكل ما يدبره الأعداء سيرتد على رؤوسهم وهذا ما حدث مع هامان. رمزاً لما حدث مع المسيح، فقد تآمر يهوذا عليه وكان في نهايته درساً لكل من يقف في وجه الله. وكان أخيتوفل يرمز ليهوذا. ثم ينهي المرنم مزموره بتسبيح الله العلي، الذي يتعالى على كل أعدائه ويتمجد فيهم.
المزمور التاسع
في النسخة السبعينية نجد المزموران (9،10) كلاهما عبارة عن مزمور واحد هو رقم (9) وهناك أسباب كثيرة تؤكد وحدة المزمورين:
1. ثمة نسق هجائي عبراني، أو تركيب لغوي (ألفا بيتا) ممتد في المزمورين.
2. لا يوجد عنوان للمزمور العاشر، وهذا يؤكد أنه امتداد للمزمور التاسع.
3. استمرارية الأفكار فمزمور (9) يتكلم عن الأعداء الخارجين ومزمور (10) يتكلم عن الأعداء الداخليين الذين يظلمون المساكين. ولكن كلاهما يتكلم عن أزمنة الضيق.
غالباً فداود رنم هذا المزمور بعد انتصاره في إحدى معاركه ضد أعداء شعبه.
على موت الابن= قد تعني أن نغمة المزمور على لحن مشهور بهذا الاسم. وهناك من قال أنه قالها بعد انتصاره على قوات إبشالوم وموت إبشالوم ابنه. إلا أنه من الناحية النبوية يشير لموت المسيح الابن الوحيد بالجسد ليعطينا الخلاص وهذا هو سبب الفرح والتهليل والتسبيح في المزمور.
الآيات (1،2): "احمد الرب بكل قلبي. احدث بجميع عجائبك. افرح وابتهج بك أرنم لاسمك أيها العلي."
صلاة شكر لأجل الانتصار على عدو، وأولاد الله لا يكفون عن شكره عن كل أعمال محبته، فهم أدركوا محبته وعنايته وحكمته حتى في الآلام التي تحل بهم لذلك تصلي الكنيسة شاكرة الله على كل حال.. بكل قلبي= فمن يحب الله من كل قلبه سيشكره من كل قلبه أي بكل همة ونشاط. ومن يتأمل في أعمال الله معه سيجد أعماله كلها عجيبة وكل اليوم وكلها بحكمة تصنع. وإذا فهمنا أن المزمور يتحدث عن الخلاص الذي تم بالصليب. أفرح وابتهج بك= من يفرح بالعالم يفرح بشيء فانٍ سينتهي وربما يفرح اليوم وينتهي الفرح في الغد، أما من يفرح بالله ففرحه دائم كامل أبدي.
آية (3): "عند رجوع أعدائي إلى خلف يسقطون ويهلكون من قدام وجهك."
رجوع الأعداء لخلف حدث مع داود حينما سقط عدوه جليات. وحدثت حينما أتى اليهود للقبض على المسيح وقال لهم أنا هو فسقطوا، وحدثت في اندحار إبليس حينما حاول أن يجرب المسيح على الجبل وحدثت في معركة الصليب وتحدث في حياة كل منا حين يغلب المسيح إبليس فينا (رؤ2:6). فالمسيح هو قائد مسيرتنا (راجع3:18-6).
الآيات (4-9): "لأنك أقمت حقي ودعواي. جلست على الكرسي قاضيا عادلا. انتهرت الأمم. أهلكت الشرير. محوت اسمهم إلى الدهر والأبد. العدو تم خرابه إلى الأبد. وهدمت مدنا. باد ذكره نفسه أما الرب فإلى الدهر يجلس. ثبّت للقضاء كرسيه. وهو يقضي للمسكونة بالعدل. يدين الشعوب بالاستقامة. ويكون الرب ملجأ للمنسحق. ملجأ في أزمنة الضيق."
جلست على الكرسي قاضياً عادلاً= بعد صعود المسيح جلس عن يمين الآب والابن أعطِىَ له الدينونة (يو22:5). وحين يأتي على السحاب سيدين الأحياء والأموات. بل هو يجلس أيضاً كملك في قلوب محبيه ويدين الخطية فيهم أي ينزعها من داخلهم إذ ملكوه عليهم فينزع الكرسي الذي امتلكه إبليس في قلوبهم ويجلس هو عليه. انتهرت الأمم= بالنسبة لداود فالأمم هي الأمم الوثنية التي حاربته. ونفهم الأمم بالنسبة لنا أنها الخطايا والشرور، فحينما يملك المسيح ينتهر خطايانا ويبكتنا عليها فلا شركة للنور مع الظلمة. أهلكت الشرير= طالما بصيغة المفرد فهذا يشير لإبليس محوت اسمهم إلى الأبد= بعد الصليب لم يعد للشيطان قوة ولا سلطان لمن يتبع المسيح. هدمت مدنهم= المدن عادة محصنة، وهكذا كان إبليس ولكن المسيح هدم كل قوته ومَنَعَتَهَ. فصار يسهل على كل المؤمنين هزيمته باسم المسيح وإشارة الصليب. وصار الله ملجأ لنا. ملجأ للمنسحق= كل متواضع يعرف ضعفه ويلجأ للمسيح يحتمي فيه، يغلب إبليس.
آية (10): "ويتكل عليك العارفون اسمك. لأنك لم تترك طالبيك يا رب."
العارفون اسمك= اسم الله يعني شخصيته وقوته، ومن يختبرها يلجأ إليه وحده.
آية (11): "رنموا للرب الساكن في صهيون. اخبروا بين الشعوب بأفعاله."
من يعرف أعمال الرب عليه أن يسبحه على محبته، وبتسبحته يخبر الآخرين ويكرز بها.
الآيات (12-20): "لأنه مطالب بالدماء. ذكرهم. لم ينس صراخ المساكين. ارحمني يا رب. انظر مذلتي من مبغضيّ يا رافعي من أبواب الموت. لكي احدث بكل تسابيحك في أبواب ابنة صهيون مبتهجا بخلاصك. تورطت الأمم في الحفرة التي عملوها. في الشبكة التي أخفوها انتشبت أرجلهم. معروف هو الرب. قضاء أمضى. الشرير يعلق بعمل يديه. ضرب الأوتار. سلاه. الأشرار يرجعون إلى الهاوية. كل الأمم الناسين الله. لأنه لا ينسى المسكين إلى الأبد. رجاء البائسين لا يخيب إلى الدهر. قم يا رب. لا يعتزّ الإنسان. لتحاكم الأمم قدامك. يا رب اجعل عليهم رعبا. ليعلم الأمم انهم بشر. سلاه."
نرى فيها انتقام الله من الأشرار، ورحمته وخلاصه للمساكين. مطالب بالدماء ربما تشير لأعداء داود القتلة ولكنها تشير لإبليس الذي أهلك الإنسان (يو44:8). والله سيطالب الأشرار بكل دم سفكوه للشهداء (تك10:4). أنظر مذلتي من مبغضي= فإبليس يثيرنا بالشهوة وإذ سقطنا يذلنا. يا رافعي من أبواب الموت= المسيح خلصنا من موت الخطية. ومن تحرر يسبح= لكي أحدث بكل تسابيحك في أبواب ابنة صهيون= الكنيسة. معروف هو الرب= عدالته معروفة وستظهر حين يدين الأشرار ويكافئ الأبرار. وعندما يصل المرتل في آية (16) لعقاب الله للشرير يقول ملحوظة.. ضرب الأوتار. وأصل الكلمة هيجايَّون وقد تترجم بوقفة موسيقية أو وقفة خشوعية للتأمل فيما قيل.
وفي (20) أنهم بشر= أي يعلم المؤمنين أنهم ضعفاء وأنك أنت الإله القوي وحدك.
المزمور العاشر
آية (1): "يا رب لماذا تقف بعيداً. لماذا تختفي في أزمنة الضيق."
سؤال يتساءله الأبرار دائماً. لماذا يترك الله الشرير دون عقاب. (مز73 + أر1:12) بل هذا السؤال هو محور سفر أيوب. بل الشرير ينمو ويزداد شره. لكن الله طويل الأناة.
آية (2): "في كبرياء الشرير يحترق المسكين. يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها."
هنا نرى البار ينسحق من ظلم الشرير. وهذا التساؤل يدل على نفاذ صبر الإنسان. وكلن السيد المسيح يقول "من يصبر إلى المنتهى فذاك يخلص" فكل تجربة للبار هي لمنفعته فبها يزداد إيمانه وصبره ورجاؤه. والحقيقة أن الله لا يبتعد عنا وقت الضيقة لكن ما يحدث أنه نتيجة لقلة إيماننا نشعر بهذا فنشكو. والعكس هو الصحيح فالله يحيط بنا وقت ضيقتنا ونكتشف هذا في خلوة الصلاة ودراسة الكتاب (الثلاثة فتية في الأتون) وحينما تكتشف النفس وجود الله تنتهي حالة القلق والاضطراب والشك.
ويرى كثيرون أن مواصفات الشرير هنا تنطبق على ضد المسيح في آخر الأزمنة. ونرى المبدأ أن من حفر حفرة لأخيه يسقط فيها= يؤخذون بالمؤامرة التي فكروا بها.
الآيات (3-11): "لأن الشرير يفتخر بشهوات نفسه. والخاطف يجدف يهين الرب. الشرير حسب تشامخ انفه يقول لا يطالب. كل أفكاره انه لا إله. تثبت سبله في كل حين. عالية أحكامك فوقه. كل أعدائه ينفث فيهم. قال في قلبه لا أتزعزع. من دور إلى دور بلا سوء. فمه مملوء لعنة وغشاً وظلماً. تحت لسانه مشقة وإثم. يجلس في مكمن الديار في المختفيات يقتل البري. عيناه تراقبان المسكين. يكمن في المختفى كأسد في عرّيسه. يكمن ليخطف المسكين. يخطف المسكين بجذبه في شبكته. فتنسحق وتنحني وتسقط المساكين ببراثنه. قال في قلبه أن الله قد نسي. حجب وجهه. لا يرى إلى الأبد."
نرى فيها تصورات قلب الأشرار أو إبليس أو ضد المسيح، فهو متكبر، يفتخر بصنع الشر والتجديف على الله والإلحاد فهو يقول لا إله، وإن وجد فهو لا يطلب أي لا يعاقب، أو أنه ينسى شروره. وهو واثق في نفسه. وعموماً فالكبرياء يؤدي لكل هذا. وتثبت سبله في كل حين. عالية أحكامك فوقه= في نظر المظلوم أن الشرير تثبت طرقه أي لا يجد مقاومة. ولكن المرنم يضيف أن هذا بسماح من الله. والله لأنه فوق هذا الشرير بقوته وحكمته يسمح بذلك إلى حين وليس في كل حين. تحت لسانه مشقة[‡‡‡‡] = فإبليس كان يختفي وراء لسان الهراطقة. وهو يكمن في الهراطقة= المختفى ليخدع بهم البسطاء. وهو يحارب بقوة كأسد في عريسه= عرينه. لقد قيل عن ضد المسيح أنه مرتفع على كل ما يدعي إلهاً (2تس4:2). فإبليس أعطاه كل قوته وشره (رؤ2:13).
الآيات (12-18): "قم يا رب. يا الله ارفع يدك. لا تنس المساكين. لماذا أهان الشرير الله. لماذا قال في قلبه لا تطالب. قد رأيت لأنك تبصر المشقة والغم لتجازي بيدك. إليك يسلم المسكين أمره. أنت صرت معين اليتيم. أحطم ذراع الفاجر. والشرير تطلب شرّه ولا تجده. الرب ملك إلى الدهر والأبد بادت الأمم من أرضه. تأوه الودعاء قد سمعت يا رب. تثبت قلوبهم. تميل أذنك. لحق اليتيم والمنسحق لكي لا يعود أيضاً يرعبهم إنسان من الأرض."
هي صرخة من المرنم ومن كل مظلوم ومن الكنيسة ليتدخل الله الذي يبدو كما لو كان نائماً في السفينة (مت25:8). فالكنيسة وهي تتألم تشبه هذه السفينة التي تلاطمها الأمواج. قم= هنا الكنيسة تطلب سرعة مجيء الرب الديان. ونلاحظ تكرار كلمات "المسكين واليتيم والمتواضع" وهي تشير للكنيسة ككل أو للنفس. فالنفس التي تشعر بأنها يتيمة تسمع الله يقول لها صلوا هكذا "يا أبانا الذي في السموات" والنفس التي تشعر بأنها مسكينة تسمع "طوبى للمساكين" "لن أترككم يتامي لكن أرسل لكم الروح المعزي"
المزمور الحادي عشر
كتب داود المزمور غالباً عندما بدأ شاول يطارده ورماه بحربته، فنصحه من حوله بالهروب لحياته من وطنه فرفض. ونحن نعلم أنه هرب بعد ذلك. والهروب من الشر في حد ذاته ليس خطية بل هو حكمة فالمسيح نفسه هرب من اليهودية وأتى إلى مصر. ولكن المشكلة هي في الأفكار التي تدور في القلب. هل نهرب لأننا غير واثقين في قدرة الله على حمايتنا أو هل نهرب لعدم تبديد الوقت في مقاومة الشر. ويبدو أن هذا الصراع دار داخل قلب داود، وتعرض للغواية بأن يهرب لأن الله لن يحميه ونجده بروح الصلاة وقد تغلب على هذا الفكر فوأده داخل قلبه، ولما هرب بعد ذلك كان في ذلك لا يخطئ إذ كانت أفكاره مقدسة وكان يهرب شاعراً أن الله يحميه في هربه.
يمكن تفسير المزمور بطريقتين [1] ما حدث لداود فعلاً. [2] بطريقة نبوية عن الكنيسة المضطهدة.
الآيات (1-7): "على الرب توكلت. كيف تقولون لنفسي اهربوا إلى جبالكم كعصفور. لأنه هوذا الأشرار يمدون القوس. فوّقوا السهم في الوتر ليرموا في الدجى مستقيمي القلوب. إذا انقلبت الأعمدة فالصديق ماذا يفعل. الرب في هيكل قدسه. الرب في السماء كرسيه. عيناه تنظران أجفانه تمتحن بني آدم. الرب يمتحن الصدّيق. أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. يمطر على الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتاً وريح السموم نصيب كأسهم. لأن الرب عادل ويحب العدل. المستقيم يبصر وجهه."
في (1) نجد داود يستنكر، فهربه كعصفور أي مذعوراً فيه تشكيك في قدرة الله وهو إتخذ قراره بأنه يتوكل على الله. والله صخرته وحمايته وليست الجبال المحيطة. وفي (2) ربما محاولات أصدقائه بإقناعه بفكرة الهرب أو أفكاره الداخلية التي تنازعه بأن شاول مستعد لقتله وهو فوَّق السهم= أي وضعه على وتر القوس وجذب الوتر. ويعدون أنفسهم ليرموا السهم ليلاً أي بينما داود غير منتبه أو نائم أو لا يرى كيف يدافع عن نفسه وفي (3) إذا انقلبت الأعمدة في السبعينية لأن الذي أصلحت أنت هم هدموه. وفي الإنجليزية إذا إنقلبت الأساسات فالصديق ماذا يفعل. فشاول استهان بناموس الرب وقتل كهنة نوب (أعمدة) أو الأعمدة هم الأشراف والنبلاء الذين اضطهدهم شاول في شره. والأساسات تفهم بأنها أسس العدل المؤسسة على ناموس الله والتي استهان بها شاول. فإذا فعل شاول هذا فكيف يثبت أمامه صديق مسكين مثل داود. وبعد صلاته رفع داود رأسه ووجد الله في السماء كرسيه (4) أي هو فوق كل الظالمين وهو هناك ليدين شرهم ويحفظ أولاده فلماذا الخوف، إذا كانت عيناه تنظران المسكين= فهو يرى ظلمه وسيتدخل لإنقاذه في الوقت المناسب. وفي (5) نرى لماذا يتأخر في إنقاذ الصديق فهو يمتحنه= بمعنى ينقيه، ويكشفه لنفسه ثم حين ترى يد الرب التي تنقذه يزداد إيمانه. فالتجارب هي لفائدة وخير المؤمنين والله يعطي فرصة وراء فرصة للأشرار فهو يطيل باله عليهم لعلهم يتوبون، فإن لم يتوبوا يمطر عليهم ناراً وكبريتاً. ويكون نصيبهم عذابات لا ينطق بها= نصيب كأسهم.
ومن الناحية النبوية: فإبليس وجنوده من أعداء الكنيسة والهراطقة يحاولون خداع أولاد الله بكلماتهم التي هي كالسهام، أو كما حدث أيام الاضطهاد فعلاً فقد قتلوا أجساد أولاد الله. في دجي الليل= الليل تصوير لفترة الاضطهادات في الكنيسة أو فترة سيادة هرطقات معينة كهرطقة آريوس. وهل نترك جبل الرب أي كنيسته ونلجأ لأي جبل آخر. والكنيسة تشبه بالقمر فهي تعكس نور شمس البر عريسها. ولكن إذا سادت الهرطقات كان المؤمنين وكأنهم في دجى الليل معرضين لسهام الأعداء وفي فترة الهرطقات إنقلبت بعض الأعمدة، فكثير من الهراطقة كانوا بطاركة وأساقفة، فإذا انقلب هؤلاء وانفصلوا عن الكنيسة فالصديق أي المؤمن البسيط ماذا يفعل. ولكن علينا أن لا نترك كنيستنا لأن الرب فيها= الرب في هيكله المقدس. والله يسكن في هيكله أي النفس البشرية (1كو17:3) وفي الكنيسة التي هي جسده (أف22:1 + 30:5) وإذا ثبتنا في جسده وكنيسته كيف نخاف، هو سيعطينا هذا الإيمان أن عيناه تنظران إلى المساكين. وأجفانه تمتحن بنى آدم= أي يعطيهم المعرفة الحقيقية الإلهية فلا يضلوا بسب الهرطقات، أو يتشتتوا بسبب الاضطهادات. وسيرى الصديق أن الله عادل. وأنقياء القلب سيعاينون الله= المستقيم يبصر وجهه.
المزمور الرابع عشر[§§§§]
قال البعض أن داود كتب هذا المزمور في فترة اضطهاد شاول له وقال البعض في فترة ثورة إبشالوم. ولكن الكتاب لم يوضح. ولكن غالباً فهذا المزمور كُتِبَ بصورة عامة ليظهر فكرة معينة. فالقديس بولس الرسول اقتبس من هذا المزمور في (رو3) ليثبت أن اليهود والأمم كلاهما سقطا تحت الخطية، وأن كل العالم مذنب أمام الله. وبهذا نفهم أن العالم كله ناقص وغير كامل وكل بني آدم مولودين في الخطية "بالخطايا ولدتني أمي" فنحن نرث خطية أبينا آدم "الخطية الجدية أو الأصلية". هنا نرى صورة لفساد الجنس البشري (1يو19:5). ولم يكن هناك علاج سوى بالمسيح. فالخطية جرحت البشر وقتلتهم وجاء المسيح ليجرحه الخطاة ويقتلوه فيداوي جروحنا ويحيينا. وداود إذا صوَّر نفسه على أنه البار الذي تعرض لهجمات وظلم الأشرار فهو رمز للمسيح البار في آلامه. وكل الآلام التى تعرض لها داود سواء في الكلمات الظالمة والإشاعات الرديئة أو كل الآلام التي وقعت عليه من الأشرار. أو الآلام التي وقعت على المسيح وتقع على كنيسته راجعة إلى فساد الجنس البشري كله. لذلك يقسم المرنم البشر لقسمين [1] الجهلاء وهم عديمي القيم، الذين يرفضون الله ويرفضون شريعته [2] الأبرار أو شعب الله المتألم.
الآيات (1-3): "قال الجاهل في قلبه ليس اله. فسدوا ورجسوا بأفعالهم. ليس من يعمل صلاحاً. الرب من السماء اشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. الكل قد زاغوا معا فسدوا. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد.
في آية (1) نرى سببين للإلحاد [1] الجهل= أي أن تصوّر الإنسان أن لا إله [2] الفساد: وجود شهوة في القلب. وفي معظم الأحيان تكون الشهوة الفاسدة في القلب سبباً في إنكار وجود الله حتى لا يزعجوا ضمائرهم ويتمادون في شهواتهم، وهذا ما قاله أغسطينوس. قال الجاهل في قلبه= فمن القلب تخرج الدوافع الشريرة (أر9:17). ونرى أن هذا الفساد قد عمَّ وسط كل بني آدم. واحتاج البشر إلى تجديد. الرب من السماء أشرف= تشير لأن الله مطلع على كل شئ ويعرف خفايا القلوب. فاهم= حكيماً ومتعقل وقد وردت بعد هذا في الترجمة السبعينية بعض آيات لم ترد في الترجمة العبرية وهي: "حنجرتهم قبر مفتوح، مكروا بلسانهم. سم الأفاعي تحت شفاههم، أفواههم مملوءة لعنة ومرارة، أرجلهم سريعة إلى سفك الدماء. والإنكسار والشقاء في سبلهم، وطريق السلامة لم يعرفوها. ليس خوف الله أمام أعيني، أليس يعلم جميع عاملي الإثم" وهذا ما اقتبسه بولس الرسول في (رو3). فالعهد الجديد كان يقتبس من النسخة السبعينية.
آية (4): "ألم يعلم كل فاعلي الإثم الذين يأكلون شعبي كما يأكلون الخبز والرب لم يدعوا."
نرى هنا نتيجة من نتائج ترك الله بالإضافة لفساد طبعه وهي ظلم المساكين. فلقد امتلأت قلوبهم فساداً وظلماً وقسوة. فكانوا يأكلون المساكين كما يأكلون الخبز. ونتيجة أخرى كانت الاعتزاز بالنفس وعدم الالتجاء لله= والرب لم يدعو. وهذا ناتج عن الكبرياء.
آية (5): "هناك خافوا خوفاً لأن الله في الجيل البار."
نرى هنا صورة فيها تناقض فالأشرار رغم قسوتهم وجبروتهم نجدهم خائفون إذ لا سلام للأشرار= هناك خافوا خوفاً. أما الأبرار فالله في وسطهم مصدر سلامهم. وقد ظهر المسيح وسط شعب اليهود فخافوا منه أن يأخذ نصيبهم حينما يلتف الشعب حوله فقاموا وقتلوه. الأشرار في خوف حتى لا تضيع منهم مملكتهم الأرضية، أي كرامتهم وسلطانهم وغناهم. ومع الكنيسة يحدث نفس الشئ فالأشرار يضطهدونها فهم يخافون أن تسلبهم مجدهم الزمني. ولكن الله يتجلي وسط أولاده ووسط كنيسته ويعلن عن حلوله وسكناه في وسطهم= لأن الله في جيل الأبرار.
آية (6): "رأي المسكين ناقضتم لأن الرب ملجأه."
المسكين هم أولاد الله الذين يقوم ضدهم الأشرار ثائرين على أقوالهم، فإبليس يحرك هؤلاء الأشرار. وإبليس لا يحتمل أولاد الله الذين لهم الرب ملجأ يحتمون به. ولكن قد يضحك الأشرار على الأبرار إلى حين. فالله ملجأهم لن يتخلى عنهم.
آية (7): "ليت من صهيون خلاص إسرائيل. عند رد الرب سبي شعبه يهتف يعقوب ويفرح إسرائيل."
تسبحة رجاء من العهد القديم أن المخلص سيأتي من صهيون ليخلص إسرائيل. ولقد تجسد المسيح من وسط اليهود ليخلص كنيسته. ويحررها من سبي إبليس والخطية. فالنفس البعيدة عن الله تعتبر في سبي إبليس.
المزمور السابع عشر
رنم داود بهذه الصلاة الرائعة في فترة من حياته كان فيها مضطهداً وهو برئ فكان رمزاً للمسيح البرئ وقد أحاط به أعداؤه من كل جانب. وحينما يتكلم داود عن براءته فالموضوع نسبي فهو برئ من التهم التي لفقها له أعداؤه، أما في خطايا أخرى فهو بالتأكيد قد سقط. أما المسيح فهو برئ براءة مطلقة من كل خطية.
من هذا المزمور يتعلم كل منا كيف يصلي وهو في ضيقة أو وهو شاعر بظلم الآخرين له فنخرج من الصلاة شاعرين بأننا في حماية الله فنطمئن، بل نتحول إلى صورة الله، نتشبه بالمسيح، ونتحول إلى صورته، فنحتمل في تسليم والقلب مملوء سلاماً.
آية (1): "اسمع يا رب للحق. أنصت إلى صراخي أصغ إلى صلاتي من شفتين بلا غش."
نرى فيها اللجاجة، داود يصلي ويصرخ لله بثقة فهو لا يجد سواه ملجأ يثق فيه من شفتين بلا غش= هذا شرط للصلاة المقبولة، فكيف يقبل الله صلواتنا ونحن نصلي برياء، أو بقلب حاقد، أو قلب شهواني. وداود كان بريئاً مما يتهمونه به. ولكن الوحيد الذي بلا خطية هو المسيح ولذلك فشفاعته الكفارية هي المقبولة ونحن إذا صلينا بهذه الكلمات فلنفهم أن برنا الذاتي لا يبررنا بل نحن مبررين في دم المسيح.
آية (2): "من قدامك يخرج قضائي. عيناك تنظران المستقيمات."
هو لا يريد أن الحكم عليه يأتي من ظالمين، ويترك الحكم النهائي لله العادل. من وجهك وجه الآب هو الابن الذي خبرنا عن الآب. وبه ندخل للأحضان الأبوية.
آية (3): "جربت قلبي تعهدته ليلاً. محصتني. لا تجد فيّ ذموماً. لا يتعدى فمي."
جربت قلبي تعهدته ليلاً.. لا تجد فيّ ذموماً= ربما قصد المرتل أن يقدم قلبه أمام الله ليكتشف الله نقاوته وأنه لا يحمل حقداً ولا غشاً. والليل وقت الهدوء، بعيداً عن الانشغال بكلام الناس وعن الانشغال بالعالم، هناك يرى الله اشتياقاته المقدسة له. ولكن جربت تشير لامتحان الذهب بالنار فيتنقى. وهذا ما يسمح به الله لأولاده فهو يجربهم ببعض التجارب لتنكشف أمام أعينهم حقيقة ما يدور في قلوبهم فيندمون ويبدأوا طريق التوبة. والليل هنا يشير لوقت التجارب وحينما يتنقى الإنسان لا يجد الله فيه ذموماً. وهذه فائدة التجارب. ونرى نتيجة التمحيص أي التنقية= لا يتعدى فمي. هو يقتل كلمات الشر فيتنقى قلبه بالتالي.
آية (4): "من جهة أعمال الناس فبكلام شفتيك أنا تحفظت من طرق المعتنف."
كما تحفظ المرنم على أقواله، نجده هنا يتحفظ في أعماله، ولا يعمل عملاً إلا لو كان بحسب وصايا الله= كلام شفتيك. فهو يريد أن يسلك في حياته حسب مشيئة الله.
آية (5): "تمسكت خطواتي بآثارك فما زلت قدماي."
لقد سلك المرنم الطريق الضيق، طريق الوصية، التي من يسلك فيها لا تزل قدماه.
آية (6): "أنا دعوتك لأنك تستجيب لي يا الله. أمل أذنك إليّ. اسمع كلامي."
نرى هنا ثقة المرنم في استجابة الله. وهذا شرط للصلاة المستجابة.. الثقة في الله.
آية (7): "ميّز مراحمك يا مخلّص المتكلين عليك بيمينك من المقاومين."
مراحم الله مميزة وخاصة للإنسان المتكل عليه. ويسهل تمييز أعمال رحمة الله.
آية (8): "احفظني مثل حدقة العين. بظل جناحيك استرني."
الله يحفظنا كحدقة العين (زك8:2). فالجفون تحمي العين عند أي خطر. بل أن الله يحفظنا لأن من يمس أولاده كمن يمس عينه. وبظل جناحيه يسترنا (مت37:23).
آية (9): "من وجه الأشرار الذين يخربونني أعدائي بالنفس الذين يكتنفونني."
أعدائي بالنفس= أي الذين يدفعونني للخطية ولأن أبتعد عن الله.
آية (10): "قلبهم السمين قد أغلقوا. بأفواههم قد تكلموا بالكبرياء."
لقد أغلقوا قلوبهم لقساوتها فما عادوا يسمعون أي كلمة أو فعل رحمة ومحبة. وهم مملوءون كبرياء وغطرسة. وهكذا أحاط الأعداء بالمسيح ليفترسوه كالأسود.
الآيات (11،12): "في خطواتنا الآن قد أحاطوا بنا. نصبوا أعينهم ليزلقونا إلى الأرض. مثله مثل الأسد القرم إلى الافتراس وكالشبل الكامن في عرّيسه."
راجع (1بط8:5).
آية (13): "قم يا رب تقدمه. اصرعه. نج نفسي من الشرير بسيفك."
الله له سيوف كثيرة يستخدمها ضد أعدائه وأعداء كنيسته، تبدأ بسيف كلمته لعلهم يتوبون وتنتهي بالسيف الحقيقي أي نهاية حياتهم بالجسد على الأرض لمن لا يتوب. وهنا المرنم يلجأ إلى الله ليعينه إذ أدرك بطلان كل معونة بشرية.
آية (14): "من الناس بيدك يا رب من أهل الدنيا. نصيبهم في حياتهم. بذخائرك تملأ بطونهم. يشبعون أولاداً ويتركون فضالتهم لأطفالهم."
عداوة الأشرار وعنفهم ليس عن احتياج، فالله لم يحرمهم من عطاياه الأرضية "فهو يشرق بشمسه على الأبرار والأشرار". وهم يعيشون في ترف وبطونهم مملوءة من خيرات الله ويتركون فضلاتهم لأطفالهم. وقد تعني يتركون فضلاتهم لأطفالهم أن شرورهم تبقى ميراثاً لأطفالهم "دمه علينا وعلى أولادنا".
آية (15): "أما أنا فبالبر انظر وجهك. اشبع إذا استيقظت بشبهك."
الإنسان المتكل على الله ينجو من بطش الشرير، فالأشرار ينتهون، ولكن البار يستيقظ أي يقوم بعد موته ويعاين وجه الرب (في21:3 + 1يو2:3). بل كل من يصلي بإيمان لن يحرم من التمتع برؤية الله، إن كان قلبه نقياً كما جاء في أول المزمور.
المزمور الثامن عشر
هذا المزمور هو مطابق تقريباً مع (2صم22). هي قصيدة انتصار، فيها يسبح داود الرب على كل أعمال مراحمه معه كل حياته بعد أن استراح من كل أعدائه. والفروق بين هذا المزمور وبين (2صم22) هي في بعض كلمات ليصير المزمور نشيداً يستخدم في تسبيح الشعب لله ويكون من ضمن تسابيح الهيكل.
يمكن رؤية المزمور على أنه نبوة عن خلاص المسيح وهلاك إبليس (ورمزه شاول وجنوده) فالمسيح أتي وحارب وغلب، وهو يقيم ملكوته خلال عالم متمرد بأسلحة الحب والإيمان ويحول مؤمنيه إلى ملوك روحيين (رؤ6:1). ونرى في المزمور مقاومة وهيجان الأعداء ثم الاستعانة بالله ونزول المسيح ليخلصنا ثم صعوده. ونرى الله ينقذ الإنسان ويقبل الأمم.
حين نسبح بكلمات هذا المزمور نسبح الله الذي خلصنا بصليبه ويعيننا في حروبنا الروحية في رحلة حياتنا ويخلصنا من كل ضيقة في هذا العالم، هو مزمور القوة والرجاء الذي لا يخزى ونسمع في عنوان المزمور أن داود كلم الرب بكلام هذا النشيد. ففي يوم خلاصنا وفرحنا لا نذهب سوى لله نقدم له الشكر والتسبيح.
الآيات (1-6): "احبك يا رب يا قوتي. الرب صخرتي وحصني ومنقذي. الهي صخرتي به احتمي. ترسي وقرن خلاصي وملجأي. ادعو الرب الحميد فأتخلّص من أعدائي. اكتنفتني حبال الموت. وسيول الهلاك أفزعتني. حبال الهاوية حاقت بي. أشراك الموت أنتشبت بي. في ضيقي دعوت الرب والى الهي صرخت. فسمع من هيكله صوتي وصراخي قدامه دخل أذنيه."
المرنم يبدأ بأن يذكر بأنه يحب الله لأنه قوته وأن الله هو الذي يسنده. لذلك هو في ضيقته لا يلجأ سوى لله. ولذلك نلاحظ تغير صفة الأفعال المستخدمة بين الماضي والحاضر، فالله الذي خلَّص هو الذي يخلص وسوف يخلص "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد". اكتنفتني حبال الموت= جميع من ماتوا قبل مجيء المسيح ذهبوا للجحيم، فالموت كان نصيب كل بني آدم= حبال الهاوية حاقت بي. وبهذا نجد أن أعدائنا هم إبليس والموت والجحيم. ولكن إلهنا قوي وقد خلصنا= قرن خلاصي= فالقرن علامة القوة. ولاحظ أنه يقول الله خلاصي ولم يقل خلصني، فالله خلاصه دائم وفي كل وقت. وكان نزول المسيح وصلبه وقيامته وصعوده هو خلاصنا من الموت والشيطان والخطية فنحن أعضاء جسده. فسمع من هيكله= الهيكل قد يكون خيمة الاجتماع أو السماء نفسها فالهيكل الأرضي رمز للهيكل السماوي. وقد يشير الهيكل لتجسد المسيح (يو21:2). وقي تأتي الاستجابة من هيكل الله أي من مسكنه داخل قلبي. فنحن هياكل لله والروح القدس يسكن فينا.
آية (7): "فارتجت الأرض وارتعشت أسس الجبال ارتعدت وارتجت لأنه غضب."
يوم الصليب كانت استجابة الرب لصراخ داود، وكل الأبرار الذين صرخوا مثله فكان الموت يحجز كل من يموت قبل المسيح، وبعد الصلب تزلزلت الأرض وتفتحت القبور وخرجت أجساد بعض الموتي علامة على الانتصار النهائي وقيامة الموتى في نهاية الأيام. وكل من دخل في شركة مع الله تتزلزل أرضه (جسده) ويقوم من موت الخطية.
آية (8): "صعد دخان من انفه ونار من فمه أكلت. جمر اشتعلت منه."
هذه الآية إشارة لدينونة إبليس والخطية على الصليب، وكلمة الله نار تأكل الخطية داخل قلوبنا وتلهب قلوبنا بنار الحب الإلهي. ولذلك حل الروح القدس على هيئة ألسنة نارية. جمر اشتعل منه= من امتلأ بالروح صار كجمر مشتعل.
آية (9): "طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه."
هذه عن التجسد، فالمسيح تواضع. وطأطأ السموات ليلصقها بالأرض (أف16:2) وكان نزوله مخفياً في تجسده كالضباب. طأطأ= أحنى. فالمسيح قارب السماء والأرض وكيف قارب بينهما؟ كان ذلك بأن نزل المسيح السماوي إلى الأرض. والضباب يشير لأنه أخفى بهاء لاهوته. وقد حدث شئ من هذا في ظهوره لموسى على الجبل ليخلص شعبه.
آية (10): "ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح."
كروب= (تك24:3 + خر18:25-20 + حز1،10 + مز4:68،33 + 3:104) الكاروب رمز للمعرفة. فحين نقول أن الله يجلس على الكاروبيم أي أنه يجد راحته فيهم لأنهم يعرفونه، وبالتالي يحبونه. وطار= هذه تشير لصعوده للسماء. وهف على أجنحة الرياح= أي لا عائق يمنعه من أن يأتي لنجدة وخلاص المؤمنين، يأتي سريعاً.
آية (11): "جعل الظلمة ستره حوله مظلته ضباب المياه وظلام الغمام."
لا نراه الآن بالعيان، فلقد حجبته سحابة عن أعين تلاميذه بعد صعوده للسماء. حوله مظلته= أي كنيسته تحيط به، يسكن فيها ولكنه غير مرئي بالنسبة للعالم. وكل من يقترب من المسيح يرتفع بأفكاره واشتياقاته للسماء ويكون هذا غير مرئياً لمن هم في العالم.
آية (12): "من الشعاع قدامه عبرت سحبه. برد وجمر نار."
أرسل الله روحه القدوس على شكل ألسنة نار. والسحب تشير للأنبياء والقديسين (عب1:12). وخرج من الأنبياء نبوات عن المسيح أضاءت المسكونة كالبرق الخارج من السحب. ولمن يقبل تكون هذه نوراً له ومن يرفض الله فالله له وسائله ليؤدبه، بل تكون كلماته هذه سبب تأديب، والتأديب يكون كما ببرد ونار (خر24:9،25) + يش11:10). أما للقديسين فالبرد لتأديب وعقوبة أعدائهم والنار لتحرقهم (وهذا معنى آية 14 أيضاً).
آية (13): "ارعد الرب من السموات والعلي أعطى صوته برداً وجمر نار."
كلمات الله كرعد يهز النفوس فتتوب. وهذه الآية تشير للصعود "صعد الله بتهليل" (مز5:47). وخلال هذا الصعود تحقق الوعد الإلهي بحلول الروح القدس.
آية (15): "فظهرت أعماق المياه وانكشفت أسس المسكونة من زجرك يا رب من نسمة ريح انفك."
ظهرت أعماق المياه= ظهرت قوة الولادة الثانية من الماء والروح في المعمودية بعد حلول الروح على الكنيسة يوم الخمسين. وتشير الآية لما حدث مع موسى عند شق البحر فلقد ظهرت الأرض اليابسة بعد أن أنشق البحر. وهكذا في كل ضيقة الله قادر أن يشقها كما فعل مع موسى فعلاً بشق البحر أو مع داود حين شق تجاربه وأنهاها. فالله لكي ينقذ أولاده مستعد أن يشق المياه والأرض لتنكشف أساسات المسكونة وإذا فهمنا أن الكنيسة مبنية على أساس الكرازة بواسطة الرسل، فنفهم أن خلاصنا كان بكرازة الرسل وكانت كلماتهم هي الأساسات التي بنيت عليها الكينسة. فهم أعلنوا لنا أسس وأسرار المسيح (اف20:2).
الآيات (16،17): "أرسل من العلي فأخذني. نشلني من مياه كثيرة. أنقذني من عدوي القوي ومن مبغضيّ لأنهم أقوى مني."
المياه كادت أن تبتلعه (أعداؤه ومؤامراتهم). ولكن الله جاء وانتشله هذا ما قاله يونان وهو في بطن الحوت. (يون3:2-6). ومياه العالم التي ينتشلها منها الله هي ضلالاته وأثامه وأفكاره. والعدو القوى هو إبليس الذي أصابنا في يوم بليتنا (18).
الآيات (19-24): "أخرجني إلى الرحب. خلصني لأنه سرّ بي. يكافئني الرب حسب بري. حسب طهارة يديّ يرد لي. لأني حفظت طرق الرب ولم اعص الهي. لأن جميع أحكامه أمامي وفرائضه لم أبعدها عن نفسي. وأكون كاملاً معه وأتحفظ من إثمي. فيرد الرب لي كبرّي وكطهارة يديّ أمام عينيه."
خلصني لأنه سر بي= قالوا هذا عن المسيح، ولم ينزله الله عن الصليب ليخلصنا فهو سُرَّ بنا وأحبنا. يكافئني الرب حسب بري= برنا الحقيقي هو المسيح. ولكن علينا نحن أن نسلك بحسب وصاياه فيكافئنا. ومن ناحية داود خلصه الله فعلاً ونجاه، ذلك لأن داود سلك بحسب وصايا الله. وبالنسبة لداود كان كما له وبره نسبياً، أما الكامل حقاً فهو المسيح وحده وفيه نوجد نحن كاملين إن ثبتنا فيه.
الآيات (25،26): "مع الرحيم تكون رحيماً. مع الرجل الكامل تكون كاملاً. مع الطاهر تكون طاهراً ومع الأعوج تكون ملتوياً."
المرحوم ينعم برحمة الله، أما القاسي فيترك لتصرفاته ويحرم نفسه من لطف الله.
الآيات (27،28): "لأنك أنت تخلص الشعب البائس والأعين المرتفعة تضعها. لأنك أنت تضيء سراجي. الرب إلهي ينير ظلمتي."
من يتضع يختبر الله كمعين له، والمتكبر يجعله الله ينخفض. تضئ سراجي= أي أن الله يهبه الحياة الحقة (2صم17:22). نحن كسراج (مصباح) لا نضئ من ذواتنا. بل نحتاج لزيت النعمة الإلهية، بل نحن ظلمة بسبب خطيتنا ولكن الله يضئ ظلمتنا.
الآيات (29-40): "لأني بك اقتحمت جيشا وبإلهي تسورت أسواراً. الله طريقه كامل. قول الرب نقي. ترس هو لجميع المحتمين به. لأنه من هو إله غير الرب. ومن هو صخرة سوى إلهنا. الإله الذي ينطّقني بالقوة ويصيّر طريقي كاملاً. الذي يجعل رجليّ كالإيل وعلى مرتفعاتي يقيمني. الذي يعلم يديّ القتال فتحنى بذراعيّ قوس من نحاس. وتجعل لي ترس خلاصك ويمينك تعضدني ولطفك يعظمني. توسع خطواتي تحتي فلم تتقلقل عقباي. اتبع أعدائي فأدركهم ولا ارجع حتى أفنيهم. اسحقهم فلا يستطيعون القيام. يسقطون تحت رجليّ. تنطّقني بقوة للقتال. تصرع تحتي القائمين عليّ. وتعطيني أقفية أعدائي ومبغضيّ أفنيهم."
المؤمن ضعيف بذاته، ولكن بقوة الله ومعونته يقدر أن يثب على أي أسوار يضعها إبليس في طريقه إلى أورشليم السماوية، هو يرفعنا فنتخطى هذه الأسوار. (2كو3:10-5). وحينما يذكر المرنم القوة التي يعطيها الله لأولاده يسبحه" من هو إله غير الرب. فالله يحوِّل العاجز غير القادر على الحرب إلى أيِّل= سريع الحركة يهرب من أعدائه في الوقت المناسب ومقاتل مدهش في أوقات أخرى، فالأيل يستخدم قدميه في دوس الحيات المعادية. واليدان المرتعشتان يعلمها الله القتال. هذه هي الأيادي التي ترتفع في الصلاة. وفي حرب المؤمن ضد إبليس يعطيه الله شجاعة= توسع خطواتي وهو لا يحارب وينتصر ضد خطية واحدة، بل يريد أن يهزم كل الخطايا= لا أرجع حتى أفنيهم وهذا لم يتحقق بداود بل في المسيح. ونلاحظ قوة الأسلحة = تحنى بذراعي قوس من[*****] نحاس= والمعنى المباشر أنه يستطيع أن يحني ذراعه ليحمل قوس نحاس في الحرب. والله أعطانا أسلحة روحية في أيدينا قوية جداً (أف11:6-18).
آية (41): "يصرخون ولا مخلّص. إلى الرب فلا يستجيب لهم."
وهل يستجيب الله لصراخ أعداء شعبه؟! وهذه الآية اتخذت نبوة عن رفض اليهود بعد صلبهم للمسيح واضطهاد كنيسته ورفضهم للمسيح حتى الآن.
آية (42): "فاسحقهم كالغبار قدام الريح. مثل طين الأسواق اطرحهم."
كل من يقف في وجه المسيح وكنيسته يتحول لهباء تذريه الريح (دا 35:2 + 2تس8:2).
الآيات (43-45): "تنقذني من مخاصمات الشعب. تجعلني رأساً للأمم. شعب لم اعرفه يتعبد لي. من سماع الأذن يسمعون لي. بنو الغرباء يتذللون لي. بنو الغرباء يبلون ويزحفون من حصونهم."
هذه الآيات لا يمكن أن تتحقق سوى في المسيح ملك الملوك الذي نزل من السماء وأتى إلى الأرض لتتعبد له كل الأمم. وهؤلاء بدون أن يروا المسيح آمنوا به لسماعهم كلمات الكرازة= من سماع الأذن يسمعون لي. بنو الغرباء يبلون= أي يذبلون ويتلاشون. ويزحفون من حصونهم= يخرجون من حصونهم في خوف. وهذه تشير لليهود الذين طردوا من بلادهم التي ظنوها حصناً منيعاً لهم. وسماهم المرنم هنا الغرباء إذ أصبحوا برفضهم المسيح غرباء عن رعوية الله. وجاءت الآية في الترجمة السبعينية "توجوا في سبلهم" والأعرج يسير على قدم واحدة، وهم قبلوا العهد القديم فقط.
الآيات (46-50): "حيّ هو الرب ومبارك صخرتي ومرتفع اله خلاصي. الإله المنتقم لي والذي يخضع الشعوب تحتي. منجيّ من أعدائي. رافعي أيضاً فوق القائمين عليّ. من الرجل الظالم تنقذني. لذلك أحمدك يا رب في الأمم وأرنم لاسمك. برج خلاص لملكه والصانع رحمة لمسيحه لداود ونسله إلى الأبد."
تسبحة شكر لله الذي أمسك بيدنا لينصرنا في حروبنا، وأعطانا أسلحة روحية بها نحارب. وبعد الانتصار تتحول الحياة إلى فرح وتهليل كثمرة للانتصار الروحي.
المزمور الحادي والعشرون
هذا المزمور تسبحة لداود على الخلاص الذي أعطاه له الله، وأنه جعله ملكاً على أعدائه.
هو نبوة عن المسيح ملك الملوك. وبعض الآيات في هذا المزمور لا تنطبق سوى عليه مثل آية (4) فداود لم يحيا إلى الدهر وإلى الأبد. بل المسيح ملك بعد صعوده للأبد.
كل من يملك الرب على قلبه فيملك على أهوائه ويضبط جسده بمعونة الله يرنم بهذا المزمور. فقد صار المؤمنين ملوكاً محاربين منتصرين يتلقون المعونة من ملك الملوك.
آية (1): "يا رب بقوتك يفرح الملك وبخلاصك كيف لا يبتهج جداً."
داود لم يفرح بعرشه بل بقوة الله. والمسيح الملك يفرح بخلاص شعبه وأن الآب استجاب لشفاعته الكفارية بعد قيامته. ونحن نفرح بقوة الله التي تجعلنا غالبين (2كو14:2).
آية (2): "شهوة قلبه أعطيته وملتمس شفتيه لم تمنعه. سلاه."
لو كانت شهوة قلب إنسان هي خلاص نفسه وانتصاره على شهواته، وطلب هذا أيضاً بشفتيه لاستجاب الله قطعاً طلباته. وهذا عكس (يع3:4) (مز4:27 + في23:1 + 1مل9:3،10 + 1تي1:3 + لو34:12) والقديسون اشتهوا الاستشهاد. هذه الشهوات يستجيب لها الله.
آية (3): "لأنك تتقدمه ببركات خير. وضعت على رأسه تاجاً من ابريز."
الله يعطي أكثر مما نطلب. والله أعطى داود الراعي الصغير ملكاً على كل إسرائيل. وعلينا أن نطلب ملكوت الله وبره والباقي يعطي لنا ويزاد (مت33:6). والله وضع على رأس داود إكليل الملك. ولكن المسيح وُضِعَ على رأسه إكليل شوك مرئي للناس ليفوز بإكليل إبريز أي إكليل سماوي (الذهب يرمز للسماويات) بعد صعوده وجلوسه عن يمين الآب. وكل مؤمن مجاهد يحصل على إكليل بر (2تي7:4). وهناك إكليل الاستشهاد وإكليل الرسولية والبركات التي حصل عليها داود كثيرة. والتي يحصل عليها المؤمن لا تعد خلال حياته.
آية (4): "حياة سألك فأعطيته. طول الأيام إلى الدهر والأبد."
من أهم الأسباب التي تجعلنا نشكر الله أننا تمتعنا بالحياة الجديدة. وداود يشكر الله الذي أعطاه حياة بعد كل محاولة من الأعداء لقتله. وهذه تشير لقيامة المسيح بعد موته، وهي حياة أبدية له ولكنيسته، أعطاها لكنيسته إذ غلب الموت بحياته. لذلك قال المسيح أنا هو القيامة والحياة (يو25:11،26) وهو يقدم لنا جسده ودمه لنحيا.
آية (5): "عظيم مجده بخلاصك جلالاً وبهاء تضع عليه."
لأجلنا أخلى المسيح ذاته ولأجلنا تمجد ونال من الآب كرامة ومجداً ليضع التيجان الملوكية على رؤوس مؤمنيه الأتقياء بيده. وفي استحقاقات الدم الثمين وهبنا المسيح روحه القدوس، ليجدد صورتنا لنتغير إلى صورة المسيح (غل19:4).
آية (6): "لأنك جعلته بركات إلى الأبد. تفرّحه ابتهاجاً أمامك."
المسيح المبارك مصدر كل بركة، وصار مصدر كل بهجة وفرح لحياتنا. (ثمار الروح).
آية (7): "لأن الملك يتوكل على الرب. وبنعمة العلي لا يتزعزع."
الإنسان الذي يتوكل على الله يضبط شهواته ويملك عليها، وهذا سيعظم مجده جداً بخلاص الرب، وبعد جهاده سيضع عليه الرب إكليل مجد وجلال (مت43:13). بل يصير جهاد الإنسان بركة لمن حوله (كما كان يوسف العفيف). المهم أن ننسب نصرتنا لله لا لأنفسنا.
الآيات (8-13): "تصيب يدك جميع أعدائك. يمينك تصيب كل مبغضيك. تجعلهم مثل تنور نار في زمان حضورك. الرب بسخطه يبتلعهم وتأكلهم النار. تبيد ثمرهم من الأرض وذريتهم من بين بني آدم. لأنهم نصبوا عليك شراً. تفكروا بمكيدة. لم يستطيعوها. لأنك تجعلهم يتولون. تفوّق السهام على أوتارك تلقاء وجوههم. ارتفع يا رب بقوتك. نرنم وننغم بجبروتك."
هنا نرى عقوبة الله للأشرار عند مجيئه الثاني. فبالصليب مزق الرب صك خطايانا وشهَّر بعدو الخير. وعند مجيئه الثاني سيلقيه ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ20:19). في زمان حضورك= يوم الدينونة. تبيد ثمرهم من الأرض= الثمر هو أولادهم وأعمالهم الشريرة المظلمة. والمسيح هو الذي سيدين. ويد الرب رمز للابن قوة الله، الذي سيدين وبقوة= يمينك تشير لقوة الله. وسيكون هلاكهم تاماً وخرابهم تاماً، وهذا معنى كلمة تبيد، فلا يعود لهم سلطان أو غواية أو قدرة على ظلم أولاد الله. وفي (11) هذه هي أعمال إبليس وأتباعه ضد المسيح وكنيسته لذلك يعاقبهم. تفوق السهام أي يضع السهم على القوس ويشد وتره ضد أعدائه ليعاقبهم. وينهي المزمور بصلاة ليخلص بقوة حينئذ سيكون تسبيحنا أبدياً على أعماله.
المزمور الثاني والعشرون
هذا المزمور من أشهر المزامير التي تكلمت بوضوح عن آلام وصلب السيد المسيح. والسيد استخدم افتتاحية المزمور وهو على الصليب ليشير أنه هو المقصود بكلمات المزمور. وكان اليهود يستعملون أول عبارة في المزمور كاسم للمزمور، وهذا ما نفعله الآن. لذلك فحين قال السيد على الصليب "إلهي إلهي لماذا تركتني" تذكر الواقفون حول الصليب كل كلمات المزمور فرأوا أمامهم صورة ناطقة حية وتحقيقاً لنبوات المزمور. والعهد الجديد اقتبس من هذا المزمور 13 مرة منها 9 مرات في قصة الآلام وحدها. وقد اتخذ منه تلاميذ المسيح مادة للكرازة بصلب المسيح وموته وقيامته.
المزمور يحدثنا عن آلام المسيح ثم قيامته ثم الكرازة بالإنجيل وإيمان الأمم. فالروح القدس الذي عمل في الأنبياء هو الذي شهد على لسان داود بكل عمل المسيح (1بط10:1،11) فواضح أن داود هنا لا يتكلم عن نفسه. وإن إنطبقت بعض الصور على داود فهو كان أبو المسيح بالجسد، وكان رمزاً للمسيح. ولكن في كثير من الآيات نجد أنها لا تنطبق سوى على المسيح فقط. وداود نطق بهذا لأن الروح حمله بعيداً عن آلامه هو فنطق بآلام المسيح. هو بدأ يشكو من ألامه ولكننا نجد الروح ينطق على لسانه بآلام المسيح.
عنوان المزمور على أيلة الصبح= في تفسير هذا وضعت عدة احتمالات:
1. أن نغمة المزمور على نفس نغمة لحن مشهور بهذا الاسم.
2. المسيح كان في آلامه يتألم كأيل جريح برئ حتى يأتي عليه وقت الصبح بالفرج، ونلاحظ أن قيامة المسيح كانت في الصبح. (نش14:8).
3. التقليد اليهودي يقول أن هذا اللفظ يعني الشكينة أي السحابة المجيدة التي كانت تظهر وسط شعب الله.
آية (1): "الهي الهي لماذا تركتني. بعيدا عن خلاصي عن كلام زفيري."
هنا نرى تكلفة فدائنا، فلقد حُسِبَ ربنا كممثل للبشرية، كأنه متروك من الآب إلى حين، فهو صار لعنة لأجلنا (غل13:3 + 2كو21:5). فهو في خضوع ترك نفسه تحت غضب الآب. حين نسمع "إلهي إلهي لماذا تركتني" نفهم أن المسيح يسأل هذا السؤال لماذا تركتني أيها الآب لهذه الآلام.. لنجيب نحن " لأجل خطايانا.. ولمحبته لنا كان هذا" وإذا فهمنا أن المسيح هو رأس جسد الكنيسة نفهم أن الله ترك العالم لآلامه بسبب الخطية. فهو القدوس (آية3) وكأن سبب ترك الإنسان في الألم وسبب ألام المسيح هو قداسة الله التي لا تقبل الخطية، ويجب أن يسدد بالكامل ثمن الخطية. لذلك حمل هو خطايانا. وقوله إلهي إلهي يشير أنه يتكلم نيابة عن البشرية التي يعاقب بسببها. وهذا القول يمكن أن يصرخ به داود أو أي إنسان متألم حين يشعر بأن الله قد تخلى عنه. وقد وقف الله بعيداً لا يخلصه من ضيقته= بعيداً عن خلاصي. عن كلام زفيري= فهو لا يكف عن الصراخ لله في كل مرة يتنفس فيها ولكنه لا يرى أن الله يتدخل ليخلصه.
آية (2): "الهي في النهار أدعو فلا تستجيب في الليل أدعو فلا هدوء لي."
والمسيح صلى ليلاً في البستان حتى تعبر عنه هذه الكأس. وصلي نهاراً وهو على الصليب. ولكن كانت إرادة الآب أن يشرب الكأس حتى النهاية. وهناك من فهم أن قول المرنم في الليل= إشارة للظلمة التي حدثت على العالم وقت الصليب. وكل من في ضيقة يقول هذا، أنا أصرخ الليل والنهار والله لا يستجيب، فهو يتمهل لحكمته التي لا نفهمها.
آية (3): " وأنت القدوس الجالس بين تسبيحات إسرائيل."
الله مسبح في قديسيه وملائكته، والله يفرح حين يسبحه القديسين بأفواه نقية بلا غش.
الآيات (4،5): "عليك اتكل آباؤنا. اتكلوا فنجّيتهم. إليك صرخوا فنجوا. عليك اتكلوا فلم يخزوا."
هكذا ينبغي أن نصلي، فالمرنم هنا يذكر إستجابة الله للآباء، ويتكل عليه كمخلص له.
آية (6): "أما أنا فدودة لا إنسان. عار عند البشر ومحتقر الشعب."
قارن مع (أش14:41). فالدودة هي أحقر المخلوقات ويشعر أمامها الإنسان أنه قوي جداً وقادر على سحقها. وفي الآيات (4،5) نرى المرنم يقول في ثقة أن الآباء حين إتكلوا على الله خلصهم، أما هو فدودة حقيرة، وحالته ميئوس منها، وأن الله قد تركه. وهنا فالمرنم يتكلم بلسان المسيح الذي صار مهاناً ومحتقر الشعب، بل صار في عيون أعدائه مرذولاً من الله كدودة مداسة بالأقدام. ونلاحظ أن الصليب كان موت العار. (تث22:21،23 + أش1:53-3) والكلمة العبرية المقابلة ل"دودة" تستخدم للحشرة الصغيرة التي يستخرج منها الصبغة القرمزية، وهذه تنتج عن موت الحشرة، وفي هذا إشارة لدم المسيح وموته، فدمه القرمزي اللون جعلني أنا أبيض اللون (أش18:1 + رؤ14:7). هذا الاتضاع الإلهي يخزي كل إنسان متكبر.
الآيات (7،8): "كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين. اتكل على الرب فلينجه. لينقذه لأنه سرّ به."
هذا ما حدث فعلاً مع المسيح على الصليب (مت39:27-43 + مر29:15-32).
آية (9): "لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئنا على ثديي أمي."
إشارة لأنه وُلِدَ بغير زرع بشر. فالروح القدس هو الذي جذبه من بطن العذراء أما بقية البشر فيجذبهم البشر من بطون أمهاتهم. وكذلك فالمسيح اجتذب من بطن أمة اليهود هذه البطن المظلمة التي عاشت في شرها وكبريائها. جعلتني مطمئناً على ثديي أمي= المسيح صار مثلنا تماماً، إنساناً يرضع لبن أمه العذراء. والآية تشير للمعمودية فالروح القدس يجتذبنا من الماء (رحم الكنيسة) ونستريح على ثدي أمنا (تعاليم الكنيسة).
الآيات (10،11): "عليك ألقيت من الرحم. من بطن أمي أنت الهي. لا تتباعد عني لان الضيق قريب. لأنه لا معين."
منذ ولادتي ألقيت كل إتكالي عليك يا رب فلا تتباعد عني وتتخلي عني. لقد تخلى عن المسيح كل تلاميذه وكل من شفاهم، فهو داس المعصرة وحده.
الآيات (12-18): "أحاطت بي ثيران كثيرة. أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا عليّ أفواههم كأسد مفترس مزمجر. كالماء انسكبت. انفصلت كل عظامي. صار قلبي كالشمع. قد ذاب في وسط أمعائي. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي والى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديّ ورجليّ. أحصى كل عظامي. وهم ينظرون ويتفرسون فيّ. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون."
نجد هنا وصفاً للأعداء المحيطين بالمسيح، وتصوير دقيق لآلامه. ولقد استخدم المرنم حديثاً مجازياً لوصف أعداء المسيح. الثيران= هم قادة اليهود وكهنتهم الذين كانوا يقدمون الثيران والذبائح. أقوياء باشان= هم الثيران العنيفة التي من باشان حيث المراعي الخصبة المعروفة بسلالتها القوية من الأغنام. والله بارك في خيرات شعبه إسرائيل فسمن جداً ورفس (تث12:32-15). أسد مزمجر مفترس= هم في قوتهم كانوا كأسد يريدون أن يفترسوا المسيح. ولكنهم كانوا في شرهم يتبعون الأسد الزائر وهو إبليس (1بط8:5). كلاب= إشارة لمن هم أقل درجة من الكهنة والرؤساء، إشارة للشعب الذي صرخ "اصلبه أصلبه"، وإشارة للأمم أي الرومان. فالكلاب بحسب الشريعة دنسة. وهم كانوا كالكلاب الشرسة في قسوتهم وجلدهم وشتمهم للرب يسوع. كالماء إنسكبت= نجد هنا صورة لموت المسيح، فقد إنحلَّ كل جسمه، وصار في الضعف شديد، كماء منسكب[†††††] لا يمكن جمعه ثانية، مستسلماً للموت بلا أي تدعيم ولا معونة. لكن نجد في هذا نبوة عن الماء الذي انسكب منجنبه المطعون. إنفصلت كل عظامي= هذه نبوة عن طريقة موت المسيح، وأنه سيعلق على الصليب، فعندما علق على الصليب ارهقت العضلات وانفصلت المفاصل عن مكانها. إلا أن هناك تأمل في هذه الآية، أن التلاميذ عند صلب المسيح هربوا وتشتتوا. ولأن هناك نبوة أن عظماً[‡‡‡‡‡] منهم لا ينكسر فهو حفظهم وشددهم حتى لا يضيعون. صار قلبي كالشمع= ذاب من الألم والحزن، وانطبع فيه كل حزن بسبب خيانة وغدر من أحبهم، وبسبب حمله الخطايا. وبسبب إشتعال نار العدل الإلهي فيه. لقد انطبعت في قلبه صورة غضب الله ضد الخطية. وكلما نتأمل هذه الصورة يجب أن تختفي قساوة قلوبنا. قد ذاب في وسط أمعائي= أي قلبه صار كالشمع المذاب في داخله من شدة الحزن. يبست مثل شقفة قوتي= لم يكن له أي قوة للمقاومة كالدودة الضعيفة. لصق لساني بحنكي= من ناحية لصمته فهو لم يدافع عن نفسه حتى بالكلام. ومن ناحية أخرى بعطشه. إلى تراب الموت تضعني= إشارة لنزوله القبر. وباقي الآيات 16،17 هي نبوة واضحة عما حدث على الصليب. أحصوا كل عظامي= نبوة عن الصليب فالمصلوب تصير عظامه بارزة من الشد الذي يتعرض له جسده نتيجة تعليقه على الصليب.
الآيات (19-21): "أما أنت يا رب فلا تبعد. يا قوتي أسرع إلى نصرتي. أنقذ من السيف نفسي. من يد الكلب وحيدتي. خلصني من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لي."
نرى هنا الصورة التي رسمها معلمنا بولس الرسول في (عب7:5) فالمسيح يصرخ ليخلصه الآب. والآب يستجيب بأن يخلص كنيسته أي جسده. وكانت الاستجابة بقيامة المسيح من بين الأموات لتقوم كنيسته معه. لذلك قيل إنقذ.. من يد الكلب وحيدتي= فوحيدته هي كنيسته الواحدة الوحيدة، ولكن كما اقتسم العساكر ثيابه اقتسم الهراطقة كنيسته وشقوها بينهم. ولاحظ هياج أعداء الكنيسة من حولها. فهو اسماهم هنا الأسد= الشيطان. الكلب= الذي يريد أن يمزق ما يطوله منها. وهم أعداء أقوياء لهم قرون قوية= قرون بقر الوحش. والمسيح يصرخ لتخلص كنيسته من الآلام التي تجوز فيها= انقذ من السيف نفسي= كما قيل للعذراء وأنت يجوز سيف في نفسك "ونلاحظ أنه قيل عن الله "في كل ضيقتهم تضايق" فالله يشعر بآلامنا النفسية الناشئة عن ظلم أعدائنا لنا. ولقد تعرض المسيح للسيف بمعنى تعرضه للصلب والموت وبمعنى ألامه النفسية الرهيبة حينما حمل إثم جميعنا. ويشير قوله إنقذ.. نفسي.. وحيدتي إلى أن المسيح صرخ للآب "أن تعبر عنه هذه الكأس إن أمكن" وأن ينجي الآب نفسه من الموت. وأسماها وحيدة لأنها وحيدة في طبيعتها فهو ابن الآب بالطبيعة وبالنسبة لداود يفهم هذا على أن وحيد القرن هو ابنه إبشالوم أو أي من أعدائه والكلب هو أخيتوفل، ووحيدته هي نفسه الطاهرة المسكينة المتواضعة.
الآيات (22-31): "اخبر باسمك اخوتي. في وسط الجماعة أسبحك. يا خائفي الرب سبحوه. مجدوه يا معشر ذرية يعقوب. واخشوه يا زرع إسرائيل جميعا. لأنه لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه استمع. من قبلك تسبيحي في الجماعة العظيمة. أوفى بنذوري قدام خائفيه. يأكل الودعاء ويشبعون. يسبح الرب طالبوه. تحيا قلوبكم إلى الأبد. تذكر وترجع إلى الرب كل أقاصي الأرض. وتسجد قدامك كل قبائل الأمم. لان للرب الملك وهو المتسلط على الأمم. أكل وسجد كل سميني الأرض. قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب ومن لم يحي نفسه. الذرية تتعبد له. يخبر عن الرب الجيل الآتي. يأتون ويخبرون ببره شعباً سيولد بأنه قد فعل."
في الجزء الأول من المزمور يتحدث المرنم عن آلام المسيح. وفي هذه الآيات يتحدث عن ميلاد الكنيسة= الجماعة، أخوتي فلقد صار بكراً بين إخوة كثيرين (عب11:2،12 + رو29:8). وهذه الجماعة وُلِدَتْ بقيامة المسيح من الأموات وحلول الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين ثم بالمعمودية= شعباً سيولد (أية31). وهذه الكنيسة ستكون كنيسة كارزة ببر المسيح= يأتون ويخبرون ببره= ستخبر كل من يولد بأنه قد فعل= أي قدَّم الخلاص والتبرير لأولاده. وعمل الكنيسة أن تسبحه وتشكره على ما فعل= سبحوه والكنيسة تتكون من اليهود معشر ذرية يعقوب. ومن الأمم= تسجد قدامك كل قبائل الأمم والله يسمع لشعبه ولكن بشروط أن من يصرخ يكون متواضعاً= يسمع صراخ المسكين= أي المنسحق الذي يشعر بخطاياه ويتواضع بين يدي الله. وفي كنيسته يعطى الشبع لأولاده فهو أولاً يعطيهم جسده ودمه. ويشبعهم بتعاليمه وطوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون. ويزيد إيمانهم. ويملك الله على قلوبهم= لأن للرب الملك. ونرى مثالاً آخر لشرط الانسحاق أمام الله= قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب= كلهم قابلين الصليب ومن لم يحيي نفسه= أي من لم يطلب ملذات العالم= من أراد أن يخلص نفسه يهلكها. ونلاحظ ن المسيح استخدم الآية (1) من المزمور على الصليب. وبولس الرسول نسب الآية(22) للمسيح في (عب12:2). لقد رأينا المسيح وحيداً على الصليب ولكن بعد القيامة نراه يظهر وسط إخوته ليؤمنوا بقيامته (يو18:20). ومن آمن وعرف المسيح تكون له حياة= تحيا قلوبكم إلى الأبد (يو3:17). ونرى هنا أنه حتى الأغنياء والأقوياء لهم نصيب في هذا الشبع الروحي والخلاص= أكل وسجد كل سميني الأرض= ولكن الشرط لهذا القبول نجده في بقية الآية.. قدامه يجثو كل من ينحدر إلى التراب= أي المتواضعين المنسحقين وهناك شرط آخر أن يتمم هذا الشخص العظيم غنياً كان أو قوياً، خلاصه بخوف ورعدة= يا خائفي الرب سبحوه. والله لا يرفض أبداً من يأتي إليه بهذه الشروط= لم يحتقر ولم يرذل مسكنة المسكين (مت3:5)
المزمور الثامن والعشرون
هذا المزمور هو صرخة صادرة من عمق الضغطة، تعكس خطرا هائلاً محيقاً بداود جعله يقترب من الموت، وكثرة الأحزان في حياة داود جعلته يصرخ إلى الله كثيراً ويتحول إلى مرتل عذب، مرنم إسرائيل الحلو، يصرخ في ضيقته ثم يشعر بثقة أن الله سيستجيب فيسبح الله على استجابته. والصلاة والتسبيح لم تجعل الأحزان تدفع داود للكآبة، بل صارت سبباً في تعزيته وفي اتساع قلبه، بل في انفتاح عينيه، إذ رأي بروح النبوة ما سيحدث للمسيح من آلام، لقد حولت الصلاة داود إلى رمز للسيد المسيح ونبي يتنبأ عن ما حدث للمسيح.
آية (1): "إليك يا رب اصرخ يا صخرتي لا تتصامم من جهتي لئلا تسكت عني فأشبه الهابطين في الجب."
أحباء الرب يصرخون لله في ضيقاتهم بحرارة من قلوبهم. أما البعيدين عن الرب فلمن يصرخون؟ لذلك فهم يكتئبون ويكونون بلا تعزية في ضيقاتهم. يا صخرتي لا تتصامم من جهتي= هو يصرخ ليحقق الله طلبته ويخلصه من أعدائه، وإن لم يخلصه فليسمعه صوته المعزي، ويشعره بوجوده وقبوله فيفرح كما فرح الثلاثة فتية في أتون النار ومعهم المسيح. إن أقصى ما يؤلم الإنسان في ضيقته عدم سماعه لصوت تعزية الرب له، بل أن الإنسان إذا شعر بأن الله لا يستجيب له يحسب نفسه ميتاً= فأشبه الهابطين في الجب. والجب هو إشارة للجحيم الذي كان ينزل إليه كل من يموت، ثم نزل إليه المسيح ليخلص من ماتوا على الرجاء من قديسي العهد ا لقديم. وكل من داخله هذا الشعور أن الله تركه ولم يعد يستمع إليه وأنه صار كمن في جب، عليه أن لا يكف عن الصلاة حتى يشعر باستجابة الله له وأن الله أعاد له تعزيته، كمن يعيد له حياته ويصعده من الجب. فصمت الله هو موت لنا، وحديثه معنا هو متعة بالحياة الجديدة المقامة في كلمة الله القائم من الأموات. وتؤخذ هذه الآية كنبوة عن أن المسيح، آلامه قد وصلت به إلى الجب أي الجحيم.
آية (2): "استمع صوت تضرعي إذ استغيث بك وارفع يديّ إلى محراب قدسك."
نموذج للصلاة [1] توجيه القلب للسماء= محراب قدسك [2] رفع اليدين مثل موسى. وهذه الآية تعبر عن حال المسيح في القبر، فاليهود بعد أن صلبوه ظنوا أنه انتهي إلى الجحيم.
آية (3): "لا تجذبني مع الأشرار ومع فعلة الإثم المخاطبين أصحابهم بالسلام والشر في قلوبهم."
المرنم يصرخ إلى الله حتى يعينه فلا ينجذب إلى طريق الأشرار فيكون نصيبه كنصيبهم والمسيح بعد نزوله للجحيم لم يستمر فيه مع الأشرار بل أخذ الأبرار معه وصعد إلى الفردوس.
الآيات (4،5): "أعطهم حسب فعلهم وحسب شر أعمالهم. حسب صنع أيديهم أعطهم. رد عليهم معاملتهم. لأنهم لم ينتبهوا إلى أفعال الرب ولا إلى أعمال يديه يهدمهم ولا يبنيهم."
هذه نبوة عن نهاية الأشرار وعقوبتهم وليست أمنية النبي أو دعاؤه عليهم فالنبي يعرف أن كل إنسان سيحصد ما قد زرع، والأشرار سيحصدون نتيجة خبثهم.
الآيات (6،7): "مبارك الرب لأنه سمع صوت تضرعي. الرب عزّي وترسي عليه اتكل قلبي فانتصرت. ويبتهج قلبي وبأغنيتي احمده."
هذه هي نتيجة الصلاة والصراخ لله، هنا نجد المرنم قد شعر باستجابة الله له. وهو لسان حال المسيح وكنيسته التي تفرح وتغني بقيامته وقيامتها فتشكر الرب على خلاصها.
الآيات (8،9): "الرب عزّ لهم وحصن خلاص مسيحه هو. خلّص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلى الأبد."
النبي او كل منا يجب أن يصلي من أجل الكنيسة كلها= خلص شعبك. ينسى المؤمن ضيقته وينشغل بكل الكنيسة. ونرى هنا صورة لشفاعة المسيح الكفارية بعد قيامته عن كنيسته.
المزمور الواحد والثلاثون
رنم داود هذا المزمور وهو في ضيقة، ربما أثناء هروبه من شاول. ويصلي كل مؤمن في ضيقته بكلمات ليطلب الحماية من الله من أعدائه المتشامخين.
الآيات (1-8): "عليك يا رب توكلت. لا تدعني أخزى مدى الدهر. بعدلك نجني. أمل إليّ أذنك. سريعا أنقذني. كن لي صخرة حصن بيت ملجأ لتخليصي. لان صخرتي ومعقلي أنت. من اجل اسمك تهديني وتقودني. أخرجني من الشبكة التي خبأوها لي. لأنك أنت حصني. في يدك استودع روحي. فديتني يا رب اله الحق. أبغضت الذين يراعون أباطيل كاذبة. أما أنا فعلى الرب توكلت. ابتهج وافرح برحمتك لأنك نظرت إلى مذلتي وعرفت في الشدائد نفسي. ولم تحبسني في يد العدو بل أقمت في الرحب رجلي."
نجد المرنم وقد حاقت به المخاطر حتى الموت يلقي كل إتكاله على الله، فالله عادل يرى ظلم أعداؤه وسينجيه طالما وضع ثقته فيه. أمل أذنك= ميل الأذن يشير للاستعداد لسماع حتى الهمسة، والله يسمع حتى تنهدات القلب الداخلية. وهنا المرنم يشعر بان عدوه نصب له فخاً، ويطلب من الله الحماية. ويصل المرنم إلى أقصى درجات الاتكال = في يديك استودع روحي= فهو لا يسلم اموره فقط في يدي الله لينجيه من ضيقة آَلَّمَتْ به، بل هو يستودع روحه في يدي الله. ولقد كانت هذه آخر كلمات الرب يسوع على الصليب وآخر كلمات اسطفانوس (أع59:7). وحين تصل النفس إلى هذه الدرجة من التسليم تشعر بأقصى درجات الأمان لذلك رأى اسطفانوس السماء مفتوحة، بل صلي طالباً لمن يرجمونه غفران خطيتهم. وما السبب الذي به نشعر بكل هذه الثقة في محبة الله؟ الفداء لقد فديتني يا رب= فإن كان قد بذل ابنه لأجلنا فهو لن يبخل علينا بأي شئ (رو32:8) ونلاحظ الاستجابة الإلهية لهذه النفس التي ألقت إتكالها على الله، فنرى نغمة الفرح في كلامه بعد ذلك ابتهج وأفرح.. بل ثقته في أن الله سيخلصه= ولم تحبسني في يد العدو ونجد بغضه للشر= أبغضت الذين يراعون أباطيل كاذبة. ونلاحظ أيضاً شعوره بالحرية الحقيقية= أقمت في السعة رجلي. فالله حررنا من قيود إبليس لندخل إلى سعة الفردوس. لقد اختبر المرنم سعة طريق الرب وسعة قلب المؤمن، ولم تعد الآلام تحطمه، ولم يعد قلبه يحمل سوى الحب لله وللجميع حتى أعداؤه.
الآيات (9-18): "ارحمني يا رب لأني في ضيق. خسفت من الغم عيني. نفسي وبطني. لان حياتي قد فنيت بالحزن وسنيني بالتنهد. ضعفت بشقاوتي قوّتي وبليت عظامي. عند كل أعدائي صرت عارا وعند جيراني بالكلية ورعبا لمعارفي. الذين رأوني خارجا هربوا عني. نسيت من القلب مثل الميت. صرت مثل إناء متلف. لأني سمعت مذمة من كثيرين. الخوف مستدير بي بمؤامرتهم معا عليّ. تفكروا في اخذ نفسي. أما أنا فعليك توكلت يا رب. قلت الهي أنت. في يدك آجالي. نجني من يد أعدائي ومن الذين يطردونني. أضئ بوجهك على عبدك. خلصني برحمتك. يا رب لا تدعني أخزى لأني دعوتك. ليخز الأشرار. ليسكتوا في الهاوية. لتبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصدّيق بوقاحة بكبرياء واستهانة."
الآيات (1-8) رأينا فيها مراحم الرب السابقة. وفي هذه الآيات نجده يصرخ إلى الله لينعم عليه بالرحمة، فهو في ضيق، وطالما نحن في العالم سيكون لنا ضيق من حروب داخلية وحروب خارجية، ومن يستسلم للحزن والضيق يصيبه الضرر في بصيرته= خسفت من الغم عيني، وفي نفسه وجسده. ولا أمل في الاصلاح بدون تدخل الخالق نفسه. ولاحظ في آية (10) ميل الإنسان المتألم أن يتصور أن عمره كله كان أحزان، لم يكن هناك يوم حلو وهذا الاندفاع في الغم يزيد المرارة داخل النفس، ولكن ميزة داود والتي يجب أن نتعلمها منه أنه يحول هذه المشاعر إلى صلاة فيتعزى، وعندما يتعزى يسبح، فنجد تضرعاته ممزوجة بتسابيحه. وفي (11) نراه مرفوضاً بل عاراً (هو رمز للمسيح أش3:53) إذ حسبه معارفه مرفوضاً من الله بسبب خطاياه. ولقد تخلى عنه أصدقاؤه رعباً من شاول، وحتى لا ينتقم منهم شاول لأنهم أعانوه حاسباً إياهم خونة (ألم يترك المسيح كل من كانوا حوله حتى تلاميذه) نسيت من القلب مثل الميت= هو في عزلته صار كميت. صرت مثل إناءٍ متلف= (أش14:52 كان منظره كذا مفسداً..) + (أش2:53 لا صورة له ولا جمال..) وفي (13) نجد صراحة مؤامرة الأعداء ليقتلوه وإثارة الإشاعات الرديئة ضده (الم يحدث هذا مع المسيح تماماً) ثم نجد صراخه لله. مهما اشتدت العزلة ومؤامرات الأعداء المحيقة فنحن نجد في الله المعونة والعزاء، مهما اشتد ظلام الآلام وينعكس هذا على النفس بأحزان مرة، فالله يضئ بوجهه علينا فنتعزى= أضي بوجهك على عبدك. وهي صرخة العهد القديم ليأتي المسيح.
الآيات (19-22): " ما اعظم جودك الذي ذخرته لخائفيك. وفعلته للمتكلين عليك تجاه بني البشر. تسترهم بستر وجهك من مكايد الناس. تخفيهم في مظلّة من مخاصمة الألسن. مبارك الرب لأنه قد جعل عجبا رحمته لي في مدينة محصنة. وأنا قلت في حيرتي أني قد انقطعت من قدام عينيك. ولكنك سمعت صوت تضرعي إذ صرخت إليك."
نسمع هنا نغمة التسبيح والشكر. وما جعل داود ينتقل من الألم والصراخ إلى التعزية، هو الثقة في مراحم الله وهذا ما يقودنا للتمتع بالمراحم الإلهية فنرتفع فوق الألم وينفجر القلب شكراً وتسبيحاً إذ شعر بالاستجابة الإلهية. ويساعدنا في هذا أن نتذكر مراحم الرب في الماضي معنا. وحينما نشعر بأننا نرى المسيح وندخل إلى عذوبة الحوار معه لن نلتفت إلى الآلام بل نلتفت له ونرى جوده وعذوبته= ما أعظم جودك. تخفيهم بستر وجهك= الله بنفسه يخفي عبيده ويحميهم. تخفيهم في مظلة= المظلة هي خيمة إشارة للكنيسة فهي موجودة الآن على الأرض وسترحل للسماء.
الآيات (23،24): " احبوا الرب يا جميع أتقيائه. الرب حافظ الأمانة ومجاز بكثرة العامل بالكبرياء. لتتشدد ولتتشجع قلوبكم يا جميع المنتظرين الرب."
هنا دعوة لكل إنسان مؤمن أن يتمتع بالخبرات التي تمتع بها هو.
المزمور الثاني والثلاثون
هذا المزمور يحدثنا عن غفران الخطية. وقال بعضهم أنه وضع ليصلوا به يوم الكفارة والمزمور يحدثنا عن أن كتم الخطية لا يفيد صاحبها وأن الاعتراف بها يعطي راحة. وفي هذا يتفق مع (أم13:28) "من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم" ". هنا نرى شرطين لغفران الخطية [1] التوبة (يتركها) [2] الاعتراف (يُقِّرْ بها). ولكن نلاحظ في الآية الأولى طوبى للذي غُفِر اثمه وسترت (تغطت) خطيته. وهذه الآية استخدمها بولس الرسول في (رو6:4-8) ليشرح كيف أن الله يبرر الفاجر الذي يؤمن وبإيمانه يحسب له الله براً بدون أعمال. وبولس هنا يحدثنا في هذا الإصحاح عن عمل المسيح بنعمته أي بعمله الخلاصي. فالتوبة والاعتراف ما كان لهما أن يغفرا أي خطية بدون دم المسيح الذي يكفِّر أي يستر ويغطي الخاطئ. (رؤ14:7). ونلاحظ أهمية الإقرار بالخطية في قصة سقوط أبوينا آدم وحواء، فبعد سقوطهم نجد الله يسألهم وكان الله ينتظر منهم أن يعترفوا بالخطية ولكنهم لم يفعلوا بل برروا أنفسهم فلم ينجحوا ولهذا أصّر يشوع أن يعترف له عاخان (19:7) ويخبره علناً بخطيته ويعترف أمام الله. وكنيستنا تلتزم بهذا فتعلم أولادها أن [1] يؤمنوا بأن دم المسيح هو الذي يكفر عن خطايانا [2] نعترف بخطيتنا للكاهن (سر الاعتراف) [3] نقدم توبة (لا نعود للخطية).
بالنسبة لداود فقد سقط في خطية أوريا ولم يشعر بأنه أخطأ. ولكن هو لاحظ أنه بعد الخطية فقد سلامه، بل فقد ترانيمه ولم يعد يصلي، بل تألمت عظامه وتألم ألماً شديداً وكل ذلك حتى جاءَهْ ناثان، واعترف أمامه بخطيته وبدأ التحول والرجوع للحالة القديمة.
الآيات (1،2): "طوبى للذي غفر أثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش."
التطويب هنا للإنسان الذي ينال غفران خطاياه (دم المسيح + توبة + اعتراف) استخدمت هنا عدة ألفاظ.
الإثم= تعنى تجاوز حد معين أو فعل أمر ممنوع وتشير للتمرد ضد رئيس شرعي أو ضد الضمير.
الخطية= تعنى الخطأ في إصابة الهدف أو الابتعاد عن سبل الله.
المعصية= الانحراف عن مسار محدد، أو إعوجاج يحدث لشجرة بسبب ريح عاصف. هي كلمة تشير لحدوث شئ ضد النمو الطبيعي.
الغش= تدل الكلمة على الزيف والخداع والمكر. والخطية تسمى غش لأنها مخادعة وكاذبة.
المغفرة= الكلمة الأصلية تعني رفع، مثلما يُرْفَعْ حمل ثقيل عن كاهل إنسان ينوء تحته.
الستر= الستر لا يعني أن الله يتجاهل الخطية، بل أننا بصليبه لبسنا بر المسيح، صار بره عوض خزي خطايانا (كما كان غطاء التابوت يغطي بدم ذبيحة الكفارة.) وكما قلنا في مزمور (1) أنه لم يوجد رجل كامل سوى المسيح وحده، ولكن إذ يسدد المسيح ثمن خطايانا نحسب نحن كاملين فيه. لذلك لم يقل المرنم طوبى لرجل بلا خطية= فهذا لا يوجد، بل قال طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية. فالله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه وغير حاسب لهم خطاياهم وواضعاً فينا كلمة المصالحة (2كو14:5-19). والخاطئ الذي يتمتع بغفران خطاياه والستر عليها يُحسب كبرئ لا يحمل في قلبه ولا فكره ولا فمه غش= ولا في روحه غش. وفي (رو6:4-8) نرى بولس الرسول يستخدم الآيتين لشرح عمل النعمة، فالنعمة وعمل الله الداخلي هي التي تصلح إنحراف الإنسان الداخلي وليس أعمال الناموس. ونحن نحصل على كل هذه النعم بواسطة المعمودية التي بها نستر عرينا. ثم إن فقدنا هذه النعمة بخطايانا نستعيد ما فقدناه بالتوبة والاعتراف.
الآيات (3،4): "لما سكت بليت عظامي من زفيري اليوم كله. لان يدك ثقلت عليّ نهارا وليلا. تحولت رطوبتي إلى يبوسة القيظ. سلاه."
نرى فيهما عقوبة كتم الخطية وعدم الاعتراف. ربما ظن داود أن الزمن كفيل بعلاج خطيته وأن الصمت والكتمان في الخارج فيهما علاج للموقف ولكنه لاحظ أن كيانه الداخلي إهتز، وعظامه بدأت تشيخ وتبلى. فكلما طالت المدة بدون اعتراف كلما زادت حالة الإنسان سوءاً. والأسوأ أن داود عوضاً عن أن يسلك في الطريق الصحيح ويعترف بخطيته نجده يشتكي سوء حاله الذي وصل إليه= من زفيري اليوم كله. فهو كان مع كل نفس له يشتكي مرارة حالته التي وصل إليها. وكانت حالته الردية التي وصل لها هي نتيجة طبيعية لتأديب الله له= لأن يدك ثقلت علىّ النهار والليل= ليدفعه الله أن يشعر بخطيته ويعترف بها. والله بتأديبه لأولاده يجعل الخطية تتمرر في أفواههم.
آية (5): "اعترف لك بخطيتي ولا اكتم إثمي. قلت اعترف للرب بذنبي وأنت رفعت أثام خطيتي. سلاه."
الاعتراف بداية طريق الإصلاح. والانسحاق أمام الله وإدانة النفس هي طريق العودة.
آية (6): "لهذا يصلّي لك كل تقي في وقت يجدك فيه. عند غمارة المياه الكثيرة إياه لا تصيب."
مع العودة لله بالتوبة يعود التائب لحياة الصلاة ليعطيه الله خلاصاً وسط ضيقاته والضيقات مشبهة هنا بطوفان= عند غمارة المياه الكثيرة إيَّاه (المصلي التائب) لا تصيب.
آية (7): "أنت ستر لي. من الضيق تحفظني. بترنم النجاة تكتنفني. سلاه."
هنا نرى الله الغافر الذي يستر على الخاطئ، فنحتمي فيه فلا يدركنا طوفان الدينونة.
الآيات (8-11): "أعلّمك وأرشدك الطريق التي تسلكها. أنصحك. عيني عليك. لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم. بلجام وزمام زينته يُكّم لئلا يدنو إليك. كثيرة هي نكبات الشرير. أما المتوكل على الرب فالرحمة تحيط به. افرحوا بالرب وابتهجوا يا أيها الصدّيقون واهتفوا يا جميع المستقيمي القلوب."
نرى الله كمرشد ومعلم لأولاده في الطريق الملوكي. وهو يعطي أولاده حكمة وفهماً فلا يكونوا كغرس.. بلا فهم. ولو كانت النفس متمردة جامحة يضع الله في أفواهها لجاماً يقيدها به ليضبطها= بلجام وزمام زينته= هذه اللجم للزينة لأنها تقود النفس للتوبة. هذه اللجم تشير لتأديب الله وبعض التجارب التي يسمح بها، كما عوقب شمشون بالعمى لتستنير بصيرته الداخلية. يكم لئلا يدنو إليك= الله بتأديباته كأنه يضع لجاماً في أفواهنا فلا نجمح وراء شهواتنا فيدنو إلينا غضبه فكثيرة هي نكبات الشرير.
المزمور الثالث والثلاثون
هذا المزمور كُتِبَ كتكملة للزمور السابق. فالمزمور (32) حدثنا عن بركات الغفران وهنا نرى من شعر بهذه البركات وبقبول الله له يسبح الله بفرح على عطاياه الإلهية. ولقد انتهى (مز32) نبدأ للتائبين الذين غفر لهم الله بأن يسبحوا ونجد هنا الاستجابة.
هنا يذكر المرنم أعمال الله العجيبة مع شعبه (شق البحر وهلاك فرعون وجنوده) كسبب للتسبيح. فالله الذي أنقذ شعبه يوماً هو هو لا يتغير ومحبته لنا دائماً كل يوم.
الآيات (1-3): "اهتفوا أيها الصديقون بالرب. بالمستقيمين يليق التسبيح. احمدوا الرب بالعود. بربابة ذات عشرة أوتار رنموا له. غنوا له أغنية جديدة. احسنوا العزف بهتاف."
التسبيح هو عمل المستقيمين أي التائبين، أما النفوس المعوجة لا تستطيع أن تسبح. وهنا يطلب المرنم أن نسبح بآلات موسيقية في آية (2) وهي آلات كانت تستخدم في العهد القديم. والله يفضل أن نسبحه بأجسادنا ونفوسنا، أي بأعمالنا الصالحة (أجساد) وبمحبتنا (نفوس) وتواضعنا (الروح). وفي هذه الآلات أي (الجسد والنفس والروح) ينفخ الروح القدس، فلو تجاوبنا معه تصدر نغمات تفرح الله. غنوا له أغنية جديدة= هي ثمر عمل الروح القدس مع حواسنا الجديدة.
الآيات (4-18): "لأن كلمة الرب مستقيمة وكل صنعه بالأمانة. يحب البر والعدل. امتلأت الأرض من رحمة الرب. بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها. يجمع كندّ امواه اليم يجعل اللجج في إهراء. لتخش الرب كل الأرض ومنه ليخف كل سكان المسكونة. لأنه قال فكان. هو أمر فصار. الرب ابطل مؤامرة الأمم. لاشى أفكار الشعوب. أما مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت. أفكار قلبه إلى دور فدور. طوبى للامّة التي الرب إلهها الشعب الذي اختاره ميراثا لنفسه. من السموات نظر الرب. رأى جميع بني البشر. من مكان سكناه تطلّع إلى جميع سكان الأرض. المصوّر قلوبهم جميعا المنتبه إلى كل أعمالهم. لن يخلص الملك بكثرة الجيش. الجبار لا ينقذ بعظم القوة. باطل هو الفرس لأجل الخلاص وبشدة قوّته لا ينجّي. هوذا عين الرب على خائفيه الراجين رحمته."
لماذا نسبح الرب؟ [1] كلمة الرب مستقيمة= وصاياه صالحة أعطاها لنا لكي نحيا في فرح. ولما خالفناها أرسل كلمته المتجسد ليصلح إنحرافنا. [2] الأرض أمتلأت من رحمة الرب= مراحم الرب لا تنتهي وأقصى ما وصلت إليه هو صليب المسيح الذي به ستر على خطايانا فالله يحب البر والعدل= فهو بعدله قَبِل الصليب ليبررنا. [3] هو خلق العالم كله لأجلنا= بكلمة الرب صنعت السموات= به كان كل شئ (يو3:1) وبنسمة فيه كل جنودها= فروح الله كان يرف على المياه فخرجت منها الحياة. [4] الله يحفظ العالم بقوته، فالمياه مجتمعة في أماكنها في البحر ولا تغرق الأرض= يجمع كند أمواه المياه أمواه= جمع مياه. بل أن الله شق البحر الأحمر أمام موسى والشعب وجمع المياه كند أي كومة وكما قيل في سفر الخروج كسورٍ من كل ناحية. أهراء= مخازن. هكذا يُصوِّر المرنم البحار والمحيطات أنها مخازن تحفظ أكوام المياه والله وضع لها خطاً لا تتعداه. [5] الله يبطل مؤامرات الأعداء ضد شعبه [6] مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت= خطة الرب. وخطة الرب التي تثبت هي خطة الخلاص بالصليب والقيامة، وأبطل الله مؤامرات الأعداء الذين اضطهدوا الكنيسة كالرومان واليهود [7] الرب من السموات ينظر برحمته وإنعاماته على شعبه الذي فداه ويتعهدهم بمراحمه [8] بروحه القدوس يعيد صورتنا إلى صورة المسيح ويعطينا ثمار الروح (غل19:4 + 22:5،23) [9] الله هو قوة شعبه (آية18) [10] كل قوات شر تحيط بالكنيسة هي كلا شئ (آية17) ولنرى ماذا حدث لفرعون وجنوده لذلك طوبى للأمة التي الرب إلهها. ولذلك لتخش الرب كل الأرض.
الآيات (19-22): "لينجّي من الموت أنفسهم وليستحييهم في الجوع. أنفسنا انتظرت الرب. معونتنا وترسنا هو. لأنه به تفرح قلوبنا لأننا على اسمه القدوس اتكلنا. لتكن يا رب رحمتك علينا حسبما انتظرناك."
أنفسنا انتظرت الرب= نحن نصبر في أي ضيقة لأننا نثق في مراحم الله.
المزمور الخامس والثلاثون
نرى هنا داود المتألم من اضطهاد أعدائه، صارخاً إلى الله لينقذه. وما نطق به من لعنات ضدهم كان نبوة عما حدث لهم. وداود يرمز للمسيح البار المتألِّم بلا خطية الذي هاج الكل ضده. ولذلك اقتبس السيد المسيح (آية19) أبغضوني بلا سبب وطبقها على نفسه (يو25:15). وكما تألم المسيح من اضطهاد الأعداء له تتألم كنيسته، جسده. لذلك يصلح تطبيق هذا المزمور كنبوة عن آلام المسيح وكنبوة عن آلام كنيسته.
الآيات (1-3): "خاصم يا رب مخاصمي. قاتل مقاتليّ. امسك مجنا وترسا وانهض إلى معونتي. واشرع رمحا وصد تلقاء مطارديّ. قل لنفسي خلاصك أنا."
نرى هنا اصطلاحات حربية قاتل.. مجناً.. ترساً.. فنحن في حرب روحية (أف10:6-18). والله يعطي أولاده أسلحة روحية ضد إبليس وحروبه. خاصم يا رب مخاصميَّ= فالله هو الذي يهزم لنا إبليس (رؤ2:6). ولذلك نحن نرفع شكوانا لله الذي يعطينا الغلبة والذي دان إبليس من قبل على الصليب. وننظر لله هنا كقاضٍ وديان وكقائد حرب. وما يعطي للنفس راحة في هذه المعركة أن تسمع صوت الله= أني أنا هو خلاصك. فنحن ندخل المعركة ليكون الله نفسه إكليلنا.
الآيات (4-6): "ليخز وليخجل الذين يطلبون نفسي. ليرتد إلى الوراء ويخجل المتفكرون بإساءتي. ليكونوا مثل العصافة قدام الريح وملاك الرب داحرهم. ليكن طريقهم ظلاما وزلقا وملاك الرب طاردهم."
نرى فيها ما يصيب المضطهدين. وكما سقطوا قدام المسيح حين قال "أنا هو" في البستان، هكذا سيسقطون دائماً ويسقطون دائماً أمام قوته غير المحدودة.
الآيات (7-9): "لأنهم بلا سبب أخفوا لي هوّة شبكتهم. بلا سبب حفروا لنفسي. لتأته التهلكة وهو لا يعلم ولتنشب به الشبكة التي أخفاها وفي التهلكة نفسها ليقع. أما نفسي فتفرح بالرب وتبتهج بخلاصه."
نرى الأعداء في ظلمة قلوبهم وعداؤهم وحقدهم ضد أولاد الله ينصبون شبكة (شرك خداعي) لهم ليسقطوا فيه، والله بحكمته يجعلهم يسقطون هم فيه، وهذا ما حدث على الصليب، وكان رمزاً له قصة هامان ومردخاي (أم27:26).
آية (10): "جميع عظامي تقول يا رب من مثلك المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه والفقير والبائس من سالبه."
حين ترى النفس عمل المخلص تصرخ من هيكل كيان الإنسان الداخلي يا رب من مثلك.
الآيات (11-16): "شهود زور يقومون وعما لم اعلم يسألونني. يجازونني عن الخير شرا ثكلا لنفسي. أما أنا ففي مرضهم كان لباسي مسحا. أذللت بالصوم نفسي. وصلاتي إلى حضني ترجع. كأنه قريب كأنه أخي كنت أتمشى. كمن ينوح على أمه انحنيت حزينا. ولكنهم في ظلعي فرحوا واجتمعوا. اجتمعوا عليّ شاتمين ولم اعلم. مزّقوا ولم يكفوا. بين الفجار المجّان لأجل كعكة حرّقوا عليّ أسنانهم."
نرى هنا وصفاً لآلام المرنم (أو المسيح أو كنيسته). فالأعداء يقيمون شهود ظلم ضده يشهدون بأشياء خاطئة لم يرتكبها. عما لم أعلم يسألونني. فهم قالوا عن المسيح أنه ببعلزبول يخرج الشياطين. وهم ردوا على حبه بالكراهية فهو كان يصلي لأجلهم ويصوم ويذلل نفسه في مرضهم ليشفيهم الله، وأما هم في آلامه فرحوا. وهذا ما حدث مع المسيح الذي كان يجول يصنع خيراً وقالوا أصلبه. وعن داود فلقد قال له شاول "لأنك جازيتني خيراً وأنا أجازيك شراً" (1صم17:24). ولقد بكي داود فعلاً عندما سمع خبر موت شاول وإبشالوم. وصلاتي إلى حضني ترجع= كان يصلي لهم بالخير ليشفوا ولكنهم بسبب شرورهم لم يستفيدوا منها، وعادت صلاته إلى حضنه أي أنه هو تمتع ببركة صلاته عن الآخرين، إذ طلب الخير لهم. ولاحظ أن مشاعره نحوهم كانت صادقة فهو حزن عليهم في ضيقتهم كمن ينوح على أمه. وهم ردوا محبته شروراً لكي يدمروا نفسه= ثكلاً لنفسي. وفي (15) نرى صورة لما حدث على المسيح نفسه إذ شتموه وهزأوا به وهو على الصليب "هو جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله" وفي (16) بين الفجار المجان= من هم يحتفلون احتفالات وثنية في خلاعة ومجون لأجل كعكة= لأجل ثمن نجس= حرّقوا علىّ أسنانهم= يصرون على أسنانهم في غيظ وحقد يودون لو افترسوا هذا البرئ.
الآيات (17-28): "يا رب إلى متى تنظر. استرد نفسي من تهلكاتهم وحيدتي من الأشبال. أحمدك في الجماعة الكثيرة في شعب عظيم أسبحك. لا يشمت بي الذين هم أعدائي باطلا ولا يتغامز بالعين الذين يبغضونني بلا سبب. لأنهم لا يتكلمون بالسلام وعلى الهادئين في الأرض يفتكرون بكلام مكر. فغروا عليّ أفواههم. قالوا هه هه قد رأت أعيننا. قد رأيت يا رب. لا تسكت يا سيد لا تبتعد عني. استيقظ وانتبه إلى حكمي يا الهي وسيدي إلى دعواي. اقض لي حسب عدلك يا رب الهي فلا يشمتوا بي.لا يقولوا في قلوبهم هه شهوتنا. لا يقولوا قد ابتلعناه. ليخز وليخجل معا الفرحون بمصيبتي. ليلبس الخزي والخجل المتعظمون عليّ. ليهتف ويفرح المبتغون حقي وليقولوا دائما ليتعظم الرب المسرور بسلامة عبده. ولساني يلهج بعدلك. اليوم كله بحمدك."
نرى هنا تدخل الله وصلاة المرنم ليرى خلاصه ويسبحه في الجماعة الكثيرة أي الكنيسة. ولسان الحال للأشرار يقول هه هه قد رأت أعيننا= أي قد رأينا معجزات كثيرة للمسيح فلنرى الآن معجزة، كيف ينقذ نفسه من على الصليب أو ينقذ كنيسته من ضيقة شديدة دبرناها لها. وقد يصمت الله تاركاً كنيسته لبعض الوقت في ألم لكنه لا يتركها دائماً. والأشرار إذ يجدونها متألمة يتصورون أن الله تركها. والمرنم يقول في (آية23) استيقظ وانتبه إلى حكمي= أي لا تتركني طويلاً في هذه التجربة التي سمحت بها حتى لا يشمتوا بي (24) قائلين هه شهواتنا أي هذه هي شهواتنا هلاكه.
المزمور السادس والثلاثون
غير واضح زمن ومناسبة كتابة هذا المزمور. ولكنه هو مزمور يتأمل فيه داود في سبب أن الأشرار (ربما الذين اضطهدوه، أو الأشرار عموماً) يرتكبون شرورهم وأنهم بهذا يتغربون عن الرب ونرى صورة لفساد الأشرار، وفي المقابل نرى صورة لكمال الله المتعدد الجوانب.
آية (1): "نأمة معصية الشرير في داخل قلبي أن ليس خوف الله أمام عينيه."
نأمة معصية الشرير في داخل قلبي= قلبي يحدثني أن سبب معصية الشرير. أن ليس خوف الله أمام عينيه والنصف الأول من الآية مترجم هكذا في الإنجليزية THE TRANSGRESSION OF THE WICKED SAITH WITHIN MY HEART لذلك يقول الحكيم مخافة الرب رأس المعرفة (أم7:1).
آية (2): "لأنه ملّق نفسه لنفسه من جهة وجدان أثمه وبغضه."
لأنه ملَّقَ نفسه= هو خدع ذاته وغشها، فهو حين يكتشف خطيته يتعلل بعلل كقوله "أنا لا أعلم أن هذا الفعل خطية" أو "كل الناس يعملون هذا الشئ" أو "إن الله هو الذي أوجدها أمامي" أو "أنا ضعيف وظروفي كده". ومن يخاف الرب لا يقل مثل هذا الكلام بل يعترف بخطيته طالباً الرحمة. ولكن من يخدع نفسه يُدمِّر نفسه حقيقة. ولنلاحظ أن الشيطان لا يستطيع أن يخدعنا إن كنا لا نخدع أنفسنا. ولكن لا يستمر هذا الخداع للأبد، بل لأن الخطية دائماً مكروهة، فهذا المخادع لنفسه سيكتشف فجأة أن كل من حوله يكرهونه بسبب خطيته، فهو لم يخسر نفسه فقط بل خسر الناس أيضاً. ملق نفسه لنفسه= كان يبرر لنفسه كل خطية وإثم تشتهيه نفسه. وجدان إثمه= الناس تجد إثمه وبغضه= بغض الناس له.
الآيات (3،4): "كلام فمه إثم وغش. كف عن التعقل عن عمل الخير. يتفكر بالإثم على مضجعه. يقف في طريق غير صالح. لا يرفض الشر."
الشرير يقف في طرق غير صالح= أما العاقل فيعرف أنه ضعيف ويمكن لهذا الطريق أن يجذبه، لهذا يهرب من طريق الشر ويرفضها.
آية (5): "يا رب في السموات رحمتك. أمانتك إلى الغمام."
في السموات رحمتك= الله له مراحم أرضية مادية. فهو يشرق شمسه على الأبرار والأشرار وهناك بركات سماوية روحية يتذوقها أولاده. أمانتك إلى الغمام= رحمة الله تنزل علينا كما ينزل المطر من السحاب. والسحاب يشير للقديسين وبشفاعتهم لنا بركات. وتشير للأنبياء الذين بنبواتهم نشبع من كلمات الكتاب المقدس ويشير السحاب لأن مراحم الله عالية جداً، فائقة ومرتفعة وعظيمة للغاية، ومهما كانت متاعبنا فمراحم الله أعلى وأعظم، وهو يهب رجاء لأولاده، بل يحولهم إلى سماء ولسحاب مرتفع عن الأرض.
آية (6): "عدلك مثل جبال الله وأحكامك لجة عظيمة. الناس والبهائم تخلّص يا رب."
تدابير الله ترفعنا من عمق الخطية وتهبنا بر المسيح. وتدابيره راسخة عالية كالجبال وعميقة جداً لا يمكن أن نفهم أعماقها كما أنه لا يمكننا النزول لاكتشاف أعماق البحار. ومراحمه تصل لكل البشر بل حتى إلى الخليقة الحيوانية غير العاقلة.
الآيات (7-9): "ما اكرم رحمتك يا الله. فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون. يروون من دسم بيتك ومن نهر نعمك تسقيهم. لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نوراً."
الله يحمي أولاده، ويشبعهم من خيراته، يملأهم فرحاً وبهجة فلا يحتاجون إلى الملذات الزمنية، يجدون في مخلصهم سر فرحهم الحقيقي، يملأهم من روحه القدوس ينبوع الحيوة فتكون لهم ثماره. ويعطيهم الروح استنارة = بنورك نعاين النور. وهو يكشف لنا حتى أعماق الله (1كو9:2-12). وبنورك (المسيح) نعاين النور (الروح القدس) فبدون عمل المسيح الفدائي ما كان الروح القدس قد حل على الكنيسة.
الآيات (10-12): "أدم رحمتك للذين يعرفونك وعدلك للمستقيمي القلب. لا تأتني رِجْل الكبرياء ويَد الأشرار لا تزحزحني. هناك سقط فاعلو الإثم. دحروا فلم يستطيعوا القيام."
كل نفس تذوقت عطايا الله، تصلي مع المرنم ليديم لها الله هذه المراحم فلا تفقد سلامها. ويبعد عنها الكبرياء فيبتعد عنها الله بسبب كبريائها. ويبعد عنها الأشرار حتى لا تغوى النفس وراء شرورهم فيفقدوا طهارتهم وبالتالي سلامهم ففي الكبرياء والشر سقط فاعلو الإثم فلم يستطيعوا القيام= والأشرار الذين يدبرون الشر لأولاد الله يسقطون في شرورهم هذه ويسقطوا تحت لعنتها. أما عدل الله فيستمتع به المستقيمي القلوب الذين لا يخدعوا أنفسهم ويتملقونها.
المزمور السابع والثلاثون
يقال أن داود كتب هذا المزمور قبل نياحته بثلاث سنوات وفيه يضع حصيلة خبراته، وتتلخص في أنه مهما نجح الأشرار فنجاحهم وقتي، أما الأبرار فلا ينالهم سوى الخيرات، وإن لم ينالوها على الأرض فهم سينالونها في السماء ويكفيهم على الأرض أن الله يشعرهم بعدم التخلي عنهم. ومما يؤكد أن داود كتبه بعد أن شاخ الآية (25). ونلاحظ أن داود حين يقول أن البار يرث الأرض فهذا بمفهوم العهد القديم وفي العهد الجديد فالأرض هي رمز للميراث السماوي.
الآيات (1-11): "لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمّال الإثم. فانهم مثل الحشيش سريعا يقطعون ومثل العشب الأخضر يذبلون. اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض وارع الأمانة. وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك. سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري. ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة. انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد. كف عن الغضب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر. لان عاملي الشر يقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض. بعد قليل لا يكون الشرير. تطلع في مكانه فلا يكون. أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة."
داود يدعو كل واحد أن لا يتساءل لماذا تنجح طريق الأشرار ويغار منهم لأن نجاحهم وقتي فهم كالحشيش= يشغلون سطح الأرض بلا قيمة وهم بلا جذور عميقة تسندهم، وعند ظهور الشمس الحارقة في الصيف (إشارة للدينونة الأبدية) فإنهم يذبلون. أما المؤمن فله جذوره التي تشرب من مياه الروح القدس العميقة وحياته مستترة مع المسيح في الله (كو3:3) ومتى يأتي الربيع (عندما يأتي المسيح في مجده) سيكون هناك ثمار ونظهر معه في مجده (كو4:3) وما على المؤمن إلا أن يتكل على الرب ويسلك بأمانة. ساكناً الأرض= الكنيسة. تلذذ بالرب قد يكون أولاده الله فقراء أو مضطهدين ولكنهم فرحين إذ يجدوا في عشرتهم مع الله لذتهم. فيحسبوا العالم كله بكل خيراته نفاية (في7:3-9). فيعطيك سؤل قلبك= من تلذذ بالرب يطلب أن تنفتح عيناه ويراه ويعاينه. وسلِّم للرب طريقك= في ثقة سلِّم للرب تدبير كل أمورك وهو يُجري= يدبر كل أمور حياتنا حسب مشورته الصالحة. والرب يخرج مثل النور برك إشراق حياة المؤمنين الأبرار سيكون واضحاً كالنور حتى لو شوه الأشرار سمعتهم إلى حين. انتظر الرب= الله طويل الأناة وتأتي استجابته في الزمان الذي يحدده هو وعلى المؤمن أن يصبر اترك السخط= كف عن التذمر ضد أحكام الله، فالتذمر يقسي القلب.
الآيات (12-24): "الشرير يتفكر ضد الصدّيق ويحرق عليه أسنانه. الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت. الأشرار قد سلّوا السيف ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير لقتل المستقيم طريقهم. سيفهم يدخل في قلبهم وقسيّهم تنكسر. القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين. لأن سواعد الأشرار تنكسر وعاضد الصديقين الرب. الرب عارف أيام الكملة وميراثهم إلى الأبد يكون. لا يخزون في زمن السوء وفي أيام الجوع يشبعون. لأن الأشرار يهلكون وأعداء الرب كبهاء المراعي. فنوا. كالدخان فنوا. الشرير يستقرض ولا يفي وأما الصدّيق فيترأف ويعطي. لأن المباركين منه يرثون الأرض والملعونين منه يقطعون. من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان وفي طريقه يسرّ. إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده."
إبليس ومن يتبعه من الأشرار يظنون أنهم أقوياء، قادرين على إلحاق الأذى بشعب الله= يتفكر ضد الصديق. والرب يضحك به= لماذا؟ [1] رأى أن يومه أتٍ= يرى الرب يوم دينونتهم [2] السيف الذي اعدوه ضد المسكين يرتد ويدخل في قلوبهم. وسيف الأشرار لا يمتد سوى لأجساد القديسين ولا ينالون من أرواحهم [3] الآلام تتحول لخير القديسين فكل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. والله يستخدم هذه الآلام لتكميل القديسين= الرب عارف أيام الكملة [4] فشل خطط الأشرار= قسيهم تنكسر، كما قال يوسف لاخوته (تك20:50) وقوله الرب عارف أيام الكملة= أن الله يعرف متى سيكملون بهذه الآلام ليكون لهم نصيب في المجد السماوي، حينئذ يسمح بموتهم بعد أن يكملوا. فالأشرار ليسوا أحراراً في أن يقتلوا أولاد الله. لم يكن لك سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق (يو11:19). لا يخزون في زمن السوء= لا يخزى إلا من لا يثق في الله ولا رجاء له، أما أولاده الله فيفتخرون في الضيقات (رو3:5،4). والأشرار كبهاء المراعي= أي الخراف السمان من غناهم وخيراتهم ولكنهم كالدخان فنوا= الخروف حينما يصير سميناً يقترب ذبحه، والشرير كلما صار في بهاء يقترب موعد دينونته، وهو كالدخان كلما ارتفع إلى فوق كبر حجمه ولكنه يبدأ ينتشر ويكبر حجمه ولكنه يتلاشى رويداً رويداً. أما البار فيثبت الرب طريقه (23) وإن لم يثبت الرب طريقنا سنسلك في طرق ملتوية. ونلاحظ أن الرب يسوع هو الطريق.
الآيات (25-40): "أيضا كنت فتى وقد شخت ولم أر صدّيقا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً. اليوم كله يترأف ويقرض ونسله للبركة. حد عن الشر وافعل الخير واسكن إلى الأبد. لأن الرب يحب الحق ولا يتخلى عن أتقيائه. إلى الأبد يحفظون أما نسل الأشرار فينقطع. الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد. فم الصدّيق يلهج بالحكمة ولسانه ينطق بالحق. شريعة إلهه في قلبه. لا تتقلقل خطواته. الشرير يراقب الصدّيق محاولاً أن يميته. الرب لا يتركه في يده ولا يحكم عليه عند محاكمته. انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض. إلى انقراض الأشرار تنظر. قد رأيت الشرير عاتيا وارفا مثل شجرة شارقة ناضرة. عبر فإذا هو ليس بموجود والتمسته فلم يوجد. لاحظ الكامل وانظر المستقيم فان العقب لإنسان السلامة. أما الأشرار فيبادون جميعا. عقب الأشرار ينقطع. أما خلاص الصديقين فمن قبل الرب حصنهم في زمان الضيق. ويعينهم الرب وينجيهم. ينقذهم من الأشرار ويخلصهم لأنهم احتموا به."
في (25) الله لا يتخلى عن أولاده أبداً. وداود هنا يقولها عن خبرة رآها في حياته. بل البار في تشبهه بإلهه نجده رحيماً بالمحتاج، ونسله أيضاً يكون في بركة. وفي (27) دعوة لكي نسلك في فعل الخير لكي يكون لنا ميراث أبدي= أسكن إلى الأبد. وفي (30،31) نرى الصديق يلهج بالحكمة ونفهم أنه حكيم لأنه يحفظ وصايا الله. وفي (35،36) يكرر أن نجاح الشرير نجاح وقتي. وبعدها يبادون (38). وفي (37) فإن العقب لإنسان السلامة= نهاية الإنسان البار السلامة والعكس للشرير (39). العقب = Future
المزمور الثامن والثلاثون
هذا المزمور هو أحد مزامير التوبة لداود، مملوء أحزاناً وشكوى، فالخطية تأتي معها بثمارها من الآلام والأحزان، بل يبدو أيضاً أن بعض الأمراض قد أصابته. والله يسمح بهذه الآلام للخاطئ ليتواضع وينسحق أمامه. ومن الآلام التي أوجعته جداً هجر أصحابه له واضطهاد أعداؤه له. لقد تلذذ بالخطية لحظات وجنى ثمارها المرة سنوات. كل هذه الآلام مع إحساسه بالندم على خطيته كان ممكناً أن يدفعه لليأس، ولكننا نراه يلجأ إلى الله بالصلاة لينال عوناً.
عنوان المزمور للتذكير= ليذكر خطيته وتكون أمامه كل حين، ويذكر تأديب الرب فلا يعود لها. وفي السبعينية تذكر لأجل السبت= والسبب هو الراحة. وفي اعترافنا وتوبتنا نجد راحة.
آية (1): "يا رب لا توبخني بسخطك ولا تؤدبني بغيظك."
هي نفسها (مز1:6). هو لا يرفض التوبيخ، لكنه يرفض غضب الله عليه.
آية (2): "لأن سهامك قد انتشبت فيّ ونزلت عليّ يدك."
سهام الله هي تأديباته. وقبل أن تجرحنا سهام تأديباته، تجرح ضميرنا سهام كلماته فإن لم نتحرك ونتوب من توبيخ الضمير تأتي علينا السهام الخارجية.
الآيات (3-8): "ليست في جسدي صحة من جهة غضبك. ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي. لان آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل اثقل مما احتمل. قد أنتنت قاحت حبر ضربي من جهة حماقتي. لويت انحنيت إلى الغاية اليوم كله ذهبت حزينا. لان خاصرتي قد امتلأتا احتراقا وليست في جسدي صحة. خدرت وانسحقت إلى الغاية. كنت أئن من زفير قلبي."
داود الذي لم ينحني أمام جليات ولا الأسد والدب، داود الجبار نجده بسبب الخطية متألماً، مريضاً منحنياً تحت ثقل الخطية. أنتنت قاحت جراحاتي= هذه للتعبير عن نتانة الخطية ورائحتها النتنة. والمرنم يعتبر الخاطئ جاهلاً أحمق= من جهة حماقتي والعكس نسمع رأس الحكمة مخافة الرب (أم7:1). والعجيب أن المسيح ليشفينا قبل أن يحمل هو ثفل خطايانا وينحني تحت الصليب ليرفع رأسي المنحني. وعلى كل منا أن ينسحق أمام الله، خافضاً رأسه معترفاً بخطاياه ليحملها هو عنه= انسحقت إلى الغاية.
الآيات (9-15): "يا رب أمامك كل تأوّهي وتنهدي ليس بمستور عنك. قلبي خافق. قوتي فارقتني ونور عيني أيضا ليس معي. أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيدا. وطالبو نفسي نصبوا شركا والملتمسون لي الشر تكلموا بالمفاسد واليوم كله يلهجون بالغش. وأما أنا فكأصم. لا اسمع. وكأبكم لا يفتح فاه. وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة. لأني لك يا رب صبرت أنت تستجيب يا رب الهي."
نرى هنا الرجوع إلى الله. والمرنم يلجأ لله الذي يسمع تنهدات قلبه وأنينه وهو القادر أن يشفيه ويرفع عنه آلامه الداخلية والخارجية. وهو يصف حالته بصدق أمام الله قلبي خافق= أي مضطرب. وفارقته قوته، فهو في حالة خوف، وفقد استنارته وأصدقاؤه رأوا آلامه ووقفوا بعيداً كمن لا يهمهم أمره. ولم يساندوه في ضيقته ويواسوه، ولم يقفوا معه ضد أعدائه الخارجيين (ألم يتحمل المسيح عنا كل ذلك) أما أنا فكأصم لا يسمع وكأبكم..= داود قرَّر أن لا يجيب على شاتميه تاركاً الأمر كله لله، فطالماً أن التأديب من الله، فهو يترك له تدبير كل شئ ورد حقه منهم. ولكن هذه الآية تنطق بما فعله المسيح، إذا وقف صامتاً أمام كل من حاكموه ولم يدافع عن نفسه.
الآيات (16-22): "لأني قلت لئلا يشمتوا بي. عندما زلت قدمي تعظموا عليّ. لأنني موشك أن اظلع ووجعي مقابلي دائما. لأنني اخبر بإثمي واغتم من خطيتي. وأما أعدائي فأحياء. عظموا. والذين يبغضونني ظلما كثروا. والمجازون عن الخير بشر يقاومونني لأجل اتباعي الصلاح. لا تتركني يا رب. يا الهي لا تبعد عني. أسرع إلى معونتي يا رب يا خلاصي."
هو سكت أمام أعدائه، لكنه لم يسكت أمام الله، بل كان يصرخ إليه في ثقة أنه سيستجيب. فلا يشمت به أعدائه (16) ويتهللون لسقوطه. لأني موشك أن أظلع= أي أعرج. وترجمت في السبعينية "أما أنا للسياط فمستعد" أي المرنم مستعد للآلام التي يسمح بها الرب حتى إن وصلت لأن يعرج. ولكن جاءت السبعينية لتتنبأ في روعة عن آلام المسيح. وفي (18) نرى ضرورة الاعتراف بالخطية. وفي (19) نرى قوة الأعداء ولذلك لا نلجأ سوى لله الأقوى منهم. وفي (20) نرى صورة لتخلي الجميع عن الرب يسوع وصورة لما يحدث لكل خاطئ، والمسيح صار خطية لأجلنا وتحمل كل هذه الآلام كحامل خطية. وهو الذي عظموا عليه اتهاماتهم= عظموا. ومن الذي فعل هذا أصدقاؤه وأقاربه بالجسد وهو لم يفتح فاه. وينهي المزمور بصراخه لله لكي لا يبعد عنه، ويعينه.
المزمور التاسع والثلاثون
يقول القديس أثناسيوس وغريغوريوس الناطق بالإلهيات أن داود ألف هذا المزمور بإلهام الروح القدس وأعطاه ليدوثون الذي انتخبه داود للتسبيح.
غالباً كان داود في ألم عظيم وهو يكتب هذا المزمور، ولكنه قرَّر أن يضبط عواطفه ويبقيها داخله، لا يتذمر ولا يشتكي أمام أعدائه، ولكن يتكلم ويفضي بما في داخله أمام الله فقط. ونجد داود هنا يشعر أن الإنسان كبخار يظهر قليلاً ثم يضمحل، فتساءل، ولماذا كل هذا الصراع على الدنيا والكل سينتهي سريعاً. وفي ألمه يردد ما قاله أيوب من قبل.. إذا كانت أيامي ستنتهي سريعاً فهل أحيا هذه الحياة القصيرة وأنا متألم بكل هذه التأديبات.
آية (1): "قلت أتحفظ لسبيلي من الخطأ بلساني. احفظ لفمي كمامة فيما الشرير مقابلي."
نرى قرار داود بأنه لن يتكلم، فهو لن يتهم أعداؤه، ولن يبرئ نفسه أمام الأشرار، ومن يحفظ لسانه يحفظ نفسه (يع3). ولكنه لن ولم يصمت أمام الله.
آية (2): "صمتّ صمتاً سكتّ عن الخير فتحرك وجعي."
هنا تصوير آخر، أنه امتنع عن كلمات الخير أمام الأشرار إذ هم يسخرون مما يقول، فقرر أن لا يلقي درره قدام الخنازير (مت6:7). ولكن عدم شهادته لله أوجعته.
آية (3): "حمي قلبي في جوفي. عند لهجي اشتعلت النار. تكلمت بلساني."
نرى المرنم هنا في صراع بين أن يتكلم وأن يسكت، له حنين أن يشهد لله، ولكنه مقتنع أن كلامه سيزيد الشرير هياجاً وسخرية. فلجأ لله ليرشده= تكلمت بلساني.
الآيات (4-6): "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي فاعلم كيف أنا زائل. هوذا جعلت أيامي أشبارا وعمري كلا شيء قدامك. إنما نفخة كل إنسان قد جعل. سلاه. إنما كخيال يتمشى الإنسان. إنما باطلا يضجّون. يذخر ذخائر ولا يدري من يضمها."
إذ دخل المرنم في حوار مع الله اكتشف تفاهة الحياة البشرية وقصرها. عرفني يا رب نهايتي= عرفني أنني لن أبقي هنا كثيراً في هذه الشدائد والضيقات وسخرية من يسمع (ما قاله في آية2). ومن يدرك ما أعده الله له في الأبدية يدرك تفاهة هذه الأيام الأرضية. الإنسان إنما كخيال= هل يستطيع أحد أن يمسك ظل الأشياء، هكذا كل من يحاول أن يتمسك بأمور هذا العالم= باطلاً يضجون= باطلاً يتعبون ليكنزوا الماديات.
الآيات (7-13): "والآن ماذا انتظرت يا رب. رجائي فيك هو. من كل معاصيّ نجني. لا تجعلني عاراً عند الجاهل. صمت. لا افتح فمي لأنك أنت فعلت. ارفع عني ضربك من مهاجمة يدك أنا قد فنيت. بتأديبات أن أدبت الإنسان من اجل إثمه أفنيت مثل العث مشتهاه. إنما كل إنسان نفخة. سلاه. استمع صلاتي يا رب وأصغ إلى صراخي. لا تسكت عن دموعي. لأني أنا غريب عندك. نزيل مثل جميع آبائي. اقتصر عني فاتبلج قبل أن اذهب فلا أوجد."
المرنم إذ أدرك تفاهة هذا العالم، وضع رجاؤه كله في الله، وليضمن نصيبه الأبدي صلي= من كل معاصىَّ نجني، ويعترف أن الخطية تجعله عاراً عند الجاهل. وفي (9) نجده يُسَّلم نفسه تماماً بين يدي الله، ويقبل منه كل تأديب حتى يخلصه من خطاياه. ولكنه في ضعف وانسحاق يرفع عينيه إلى الله ليرفع عنه تأديباته= ارفع عني ضربك. ونلاحظ أن الله يسمح بهذه الضربات والتأديبات حتى يقتنع أولاده بتفاهة الأرضيات وأنها زائلة. فالله بتأديباته يفني شهواتهم مثل العث. ويقتنع الإنسان أنه نفخة أي هو زائل سريعاً فلماذا التمسك بالأرضيات. فآية (11) تشير لفائدة الآلام. وفي (12) صلاة لله حتى يقبله ويسمع صراخه ودموعه ويكتفي بهذه التأديبات، ويكون توقف التأديبات علامة على قبول الله ورضاه عليه، وهو يطلب هذا في (13) أن يكف الله عن تأديباته ويعلن قبوله قبل أن يموت، فيعد الموت لا توجد فرصة للتوبة. ولاحظ شعوره بالغربة في هذا العالم. اتبلج= أفرح.
المزمور الأربعون
كتب داود هذا المزمور بعد خلاصه من شدة عظيمة، وهو يسبح الله على النجاة. ونجد أنه يقف أمام الله شاعراً بأنه أخطأ إليه، وربما شعر أن ألامه كنت نتيجة لغضب الله عليه بسبب أثامه. وبروح النبوة تحولت تسبحته هذه لتصبح نبوة عن المسيح وخلاص المسيح للبشرية بعد أن تألَّم لأجلها ثم قام. فكلمات داود عن ألامه وخلاصه هنا لا تنطبق سوى على المسيح. ولقد طبق بولس كلمات هذا المزمور على المسيح (عب5:10-15).
الآيات (1-5): "انتظاراً انتظرت الرب فمال إليّ وسمع صراخي. وأصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجليّ. ثبت خطواتي. وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا. كثيرون يرون ويخافون ويتوكلون على الرب. طوبى للرجل الذي جعل الرب متكله ولم يلتفت إلى الغطاريس والمنحرفين إلى الكذب. كثيراً ما جعلت أنت أيها الرب الهي عجائبك وأفكارك من جهتنا. لا تقوّم لديك. لأخبرن وأتكلمن بها. زادت عن أن تعد."
هنا نرى تسبيح داود لله الذي أنقذه من ضيقته. فهو كان في ضيقته قريباً جداً من الموت (حدث هذا أيام شاول وأيام إبشالوم) وأنقذه الله من موت محقق، أسماه هنا جب الهلاك وطين الحمأة إشارة إلى أنه لو مات لكان قد دفن في قبر وهلك. ولكن إذا فهمنا أن المزمور نبوة عن المسيح فالمسيح فعلاً قد مات ودفن وذهب إلى الجحيم لينقذ من مات على الرجاء. ويكون خلاص الله للمسيح هو قيامته وقيامة كنيسته معه. إنتظاراً انتظرت الرب= دليل المثابرة والصبر في الضيقة. هكذا صمت المسيح أثناء محاكمته أصعدني من جب الهلاك= الجب بئر عميق موحل (أر38). ونحن بخطيتنا سقطنا في جب الموت والهلاك واحتجنا ليد الرب (المسيح) ليخلصنا. بل هو أخرجنا وأقامنا على صخرة هي الرب يسوع نفسه، وما عادت أقدامنا تغوص في وحل الجب (شهواتنا وخطايانا) بل ثبت المسيح أقدامنا في طريق النصرة على الخطية، طريق الإيمان. ومن شعر بخلاص المسيح يسبح (3) كثيرون يرون ويخافون= يرون خلاص الرب ويتمموا خلاصهم بخوف ورعدة، حين يدركوا سر الصليب، فإن كان الله لم يشفق على ابنه، فإنه لن يشفق على كل خاطئ لا يريد أن يتوب. وكل من يفعل ويتوب يثبت في المسيح فيقوم معه، وهذا طوبى له= طوبى للرجل الذي.. ولم ينظر إلى الغطاريس= المتكبرين وهم الشياطين الذين يغوون أولاد الله بالأباطيل، لذلك ترجمت الآية في السبعينية ولم ينظر إلى الأباطيل وفي (5) نرى أن أفكار الله عجيبة لا يتصورها العقل البشري، فمن كان يفهم سر الصليب قبل حدوثه، وهل كان يتصور إنسان أن يكون هذا سبباً لخلاص البشر وحلاً لمشكلاتهم.
الآيات (6-13): "بذبيحة وتقدمة لم تسر. أذنيّ فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قلت هانذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني. أن أفعل مشيئتك يا الهي سررت. وشريعتك في وسط أحشائي. بشرت ببر في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم امنعهما. أنت يا رب علمت. لم اكتم عدلك في وسط قلبي. تكلمت بأمانتك وخلاصك. لم أخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة. أما أنت يا رب فلا تمنع رأفتك عني. تنصرني رحمتك وحقك دائماً. لأن شروراً لا تحصى قد اكتنفتني. حاقت بي آثامي ولا أستطيع أن أبصر. كثرت أكثر من شعر رأسي وقلبي قد تركني. أرتض يا رب بأن تنجيني. يا رب إلى معونتي أسرع."
هنا نرى صورة المسيح الذي أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7:2). وكان العبد يتم منحه الحرية في السنة السابعة لعبوديته، فإن أحب سيده وأراد أن يستمر عبداً له كل أيام حياته يفتح سيده أذنه بالمثقب عند باب البيت علامة أنه بإرادته قبل أن يستعبد لسيده كل عمره (خر1:21-6). وهذا ما صنعه المسيح أن يصير عبداً ليصنع مشيئة الآب. ولقد ترجمت السبعينية أذني فتحت هكذا هيأت لي جسداً (عب5:10). لأن السبعينية لم تترجم الكتاب ترجمة حرفية، فهي تكتب للعالم كله. ومن من الناس سيفهم النظام العبراني في ثقب الأذن. وحينما اقتبس كتاب العهد الجديد من العهد القديم اقتبسوا من السبعينية. والترجمتين متكاملتين، فالمسيح أخذ له جسداً ليكون عبداً بإرادته للآب لينفذ كل مشيئته، وليقدم نفسه ذبيحة فالآب لم يُسَّرْ بالذبائح الحيوانية، ولكنها كانت رمزاً للمسيح المصلوب= بذبيحة وتقدمة لم تُسَّر = فالآب كانت عينيه على مسيحه الذي سيقدم نفسه ذبيحة بإرادته. ونرى في هذه الآيات أن المسيح أتي تحقيقاً للنبوات. وأتى ليبشر ويعلم.
ويصنع مشيئة الذي أرسله[§§§§§] أي الآب. إذاً مجيء المسيح كان وفق خطة إلهية لخلاص البشر سبق الله وأنبأ بها بواسطة أنبيائه. بشرت ببرٍ= الكلمة العبرية بشرت تحمل معنى أخبار مفرحة أي إنجيل. وفي (12) نرى الشرور التي أحاطت بالمسيح كل حياته، بل من لحظة ولادته واضطهاد هيرودس له حتى الصليب. حاقت بي أثامي= هذه يقولها داود أو أي إنسان، أما المسيح فالأثام التي صنعها البشر حملها هو ولكنه لم يصنع إثماً. ويستمر داود في شرح موقف الإنسان الخاطئ فيقول ولا أستطيع أن أبصر= فأنقياء القلب هم الذين يعاينون الله. وهذه بفم داود فيها يعترف بلسان الإنسان عموماً بأن خطاياه الكثيرة حرمته من أن يرى الله بل دفعته لليأس من الخلاص، فهو لم يعد قادراً أن يرى طريق للنجاة من الموت ومن الجحيم. وفي يأسه قال= وقلبي قد تركني= فقلبه الجريح صار غير قادراً أن يرفع لله. وربما تشبه مز(22) قلبي صار كالشمع ذاب وسط أحشائي.
الآيات (14-17): " ليخز وليخجل معا الذين يطلبون نفسي لإهلاكها. ليرتد إلى الوراء وليخز المسرورون بأذيتي. ليستوحش من اجل خزيهم القائلون لي هه هه. ليبتهج ويفرح بك جميع طالبيك. ليقل أبدا محبو خلاصك يتعظم الرب. أما أنا فمسكين وبائس الرب يهتم بي. عوني ومنقذي أنت. يا الهي لا تبطئ."
هنا نرى صراخ المرنم لله لينجيه من أعدائه. وهي نفس آيات المزمور السبعون لداود (ورد تفسيره في صلاة باكر). فالمرنم هنا يلجأ لله ليخلصه حينما وصل هو إلى حالة اليأس. ولقد استجاب الله لصرخته بالمسيح المصلوب المخلص.
المزمور الثاني والأربعون
يتفق كثير من الدارسين أن داود هو كاتب المزمور حين كان منفياً عن الهيكل في فترة شاول أو إبشالوم، وكان يعبر في المزمور عن اشتياقاته للعودة. وبعد عودته سلَّم المزمور إلى بني قورح لتلحينه وإنشاده. وأصحاب هذا الرأي يدللون بأن المتكلم هنا بصيغة المفرد ولو كان بنو قورح هم الذين الفوه لاستخدموا صيغة الجمع. والمزمور أتخذ كنبوة عن حال المسبيين في بابل واشتياقهم للرجوع. والأهم هو نبوة عن اشتياق البشرية المسبية تحت عبودية إبليس للخلاص والرجوع للوطن الجديد (الكنيسة) مجتازة مياه المعمودية= جداول المياه. مشتاقة أيضاً للإمتلاء من الروح القدس المعزي (يو38:7،39) وأيضاً المزمور هو صرخة من شعب العهد القديم فيها تعبير عن عطشهم لرؤية المخلص. عموماً كل نفس مازالت مستعبدة للخطية تقول مع المرنم "نفسي منحنية فيّ" فإن قدمت توبة بدموع صارت لي دموعي خبزاً= يعود لها الاشتياق إلى الله. وتقول عطشت نفسي إلى الله. والمسيح يجيب "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب" (يو37:7) ويقول طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون (مت6:5)
هذا المزمور بكلماته الرقيقة يشعل اشتياقات المؤمن إلى الله، نجد فيه رجاءً ونجد فيه مخاوف، نجد فيه نغمة فرح ونغمة حزن وأسى. هنا صراع بين نوعين من المشاعر، مشاعر الإيمان والرجاء والاشتياق إلى الله، والمشاعر الإنسانية المتألمة من واقعها الخاطئ الذي دنسته شهواتها وتقصيراتها. وكأن كلمات المزمور نجد فيها حواراً بين النوعين من المشاعر.
الآيات (1،2): "كما يشتاق الإيل إلى جداول المياه هكذا تشتاق نفسي إليك يا الله. عطشت نفسي إلى الله إلى الإله الحي. متى أجيء وأتراءى قدام الله."
هنا صوت الرجاء والإيمان والاشتياق لله. فكما تشتاق الأيل في براري فلسطين الجافة الحارة لموسم امتلاء الجداول بالماء في فصول المطر، هكذا يشتاق المؤمن في برية هذا العالم لعطايا الروح القدس (كلمة الله والأسرار المقدسة). ولاحظ أن الأيل سريعة العدو وهكذا ينبغي أن يسرع المؤمن في طريق الله. ومن طبيعة الأيل أنها تجتذب الحيات لتخرج من جحورها عن طريق أنفاسها الخارجة من منخارها، وإذا خرجت تقتلها وتمزقها إرباً ومع ذلك فإذا ما سرى السم الخارج من الحيات في الأيائل يلهب جوفها فإنه وأن لم يقتلها لكنه يجعلها في حالة ظمأ محرق فتشتاق إلى جداول مياه صافية لتطفئ نيران السم الذي سبب لها عطشاً. (الحيات رمز للشياطين) وعلينا أن ندمر وندوس خطايانا لنرتوي من أبار مياه الروح القدس بعد أن نشعر بالعطش (أر13:2). عطشت نفسي إلى الله. النفس التائبة تدرك أنه لا حياة لها ولا تعزية إلا بان تتقابل مع الله الحي فتشتاق لهذا اللقاء. وهو اشتياق النفوس الآن لمجيء المسيح الثاني لنراه وجهاً لوجه.
الآيات (3،4): "صارت لي دموعي خبزاً نهاراً وليلاً إذ قيل لي كل يوم أين إلهك. هذه اذكرها فاسكب نفسي عليّ. لأني كنت أمرّ مع الجمّاع أتدرج معهم إلى بيت الله بصوت ترنم وحمد جمهور معيّد."
هنا صوت الألم من الوضع الحالي، وبالذات حين تقارن النفس حالتها وهي في العبودية وحالتها السابقة حينما كانت تتمتع مع الله، تقف أمامه في الهيكل. فالآن بسبب خطاياها صارت دموعها خبز النهار والليل. ولماذا قال دموعي صار خبز ولم يقل صارت لي شراب. لأن الخبز بدون شراب يزيد من حالة العطش. ونجد المرنم يبكي الليل والنهار ليعود إلى الله. والنهار يشير لأيام الفرج والليل يشير لأيام التجارب. وما زاد من ألام المرنم سخرية الأعداء منه قائلين "أين هو إلهك" فهم يحاولون تحطيم رجاؤه في الله كأن الله تركه وتخلي عنه هذه اذكرها فأسكب نفسي علىّ= ما هذا الذي يذكره؟ بقية الآية تشرح أنه يتذكر أيام ظهوره وسط الجماعة في العبادة وإحسانات الله عليه فينسكب أمام الله طالباً أن يعيد عليه هذه الإحسانات، هو لا يشغل نفسه بإهانات العدو، بل ينشغل بذكريات وخبرات الله معه في أيامه السابقة ليجدد رجاؤه. ولاحظ قوله جمهور مُعَيِّد= فما يجدد الرجاء أيام الأفراح (الأعياد) السابقة. أيام الفرح السابقة هي سند لنا في الوقت الحاضر المؤلم.
آية (5): "لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنّين فيّ. ارتجي الله لأني بعد احمده لأجل خلاص وجهه."
حين ذكر إحسانات الله، عادت نغمة الرجاء والإيمان فتساءل لماذا أنت منحنية يا نفسي؟
الآيات (6،7): "يا الهي نفسي منحنية فيّ. لذلك أذكرك من ارض الأردن وجبال حرمون من جبل مصعر. غمر ينادي غمراً عند صوت ميازيبك. كل تياراتك ولججك طمت عليّ."
يعود هنا للشكوى من آلامه الحاضرة والتجارب المحيطة به. فهو قد طرد من أورشليم واضطهدوه فهرب إلى الأردن (وادي الأردن المنخفض) ومنطقة جبال حرمون= من جبل يصْعَرْ= وهذه تعني التل المنخفض. ومن أماكن تغربه كانت عينيه دائماً تنظران لأورشليم العالية= أذكرك من أرض الأردن. ونحن يمكننا من أي مكان وفي كل زمان أن تتجه عيوننا إلى الله، إلى أورشليم السماوية. في كل ذلنا وتواضعنا وانخفاض مستوانا (وادي الأردن وجبل مصعر) يمكننا أن ننظر للسماء (أورشليم السماوية) وشكواه هنا من ان نفسه منحنية راجع لتغربه بعيداً عن الله. وفي بعده عن الله تعرَّض لآلام وتجارب فاضت عليه غمر ينادي غمر= أي تجربة تفيض علىّ لتغرقني وراءها تجربة أخرى وهكذا. وعموماً فمن حكمة الله يسمح لنا بأن نجتاز هذه التجارب فتنخفض كبرياؤنا ونصير كمن هم في وادي منخفض (الأردن) أو تل منخفض (يصعر). وإذا تواضعنا نرفع عيوننا لأورشليم السماوية إلى الله فنجد الاستجابة.
آية (8): "بالنهار يوصي الرب رحمته وبالليل تسبيحه عندي صلاة لإله حياتي."
صوت الإيمان والرجاء نتيجة رفع القلب لله. فنجد هنا رجاء ينير قلبه بأن نهار الخلاص لابد وسيشرق ويأتي معه ليل الراحة والتسبيح.
الآيات (9،10): "أقول للّه صخرتي لماذا نسيتني. لماذا اذهب حزيناً من مضايقة العدو. بسحق في عظامي عيّرني مضايقيّ بقولهم لي كل يوم أين إلهك."
طالما الإنسان على الأرض، فالآلام لن تنتهي، والصراخ لن يبطل. والإنسان في حزنه يتصور أن الله قد نسيه. وهنا نعود لصوت الشكوى.
آية (11): "لماذا أنت منحنية يا نفسي ولماذا تئنين فيّ. ترجي الله لأني بعد احمده خلاص وجهي والهي."
المزمور ينتهي بالرجاء ونغمة الرجاء تعود ثانية.
ملحوظة: مز(43) يعتبر تكملة لهذا المزمور لذلك ينتهي بنفس الشكوى "لماذا أنت منحنية يا نفسي"
المزمور الرابع والأربعون
غير مؤكد من هو كاتب هذا المزمور، وإن كان داود فهو قد كتبه بروح النبوة ليعبر عن حال الشعب في السبي. ولكنه هو تعبير عن حال شعب الله المتألِّم دائماً في برية هذا العالم. وإن كان هناك مزامير كثيرة تترنم بالخلاص فلابد أن تكون هناك مزامير تتكلم عن حال الكنيسة المتألمة في هذا العالم، لذلك استخدم بولس الرسول الآية (22) في (رو36:8) ليعبر عن حاله وحال كل الكنيسة المتألمة حتى الموت في عصور الاستشهاد. لقد بدأت الكنيسة عصر الاستشهاد بقتل هابيل واستمر مسلسل اضطهاد الكنيسة وسيستمر ليصل إلى ذروته عند مجيء ضد المسيح. ونسمع صدى هذه الآلام في السماء (رؤ9:6-11). فالكنيسة دخلت في شركة الصليب مع مسيحها.
الآيات (1-3): " اللهم بآذاننا قد سمعنا. آباؤنا اخبرونا بعمل عملته في أيامهم في أيام القدم. أنت بيدك استأصلت الأمم وغرستهم. حطمت شعوباً ومددتهم. لأنه ليس بسيفهم امتلكوا الأرض ولا ذراعهم خلصتهم لكن يمينك وذراعك ونور وجهك لأنك رضيت عنهم."
هذه خبرات سمع عنها المرنم من الكتاب المقدس عن أعمال الله مع الشعب سابقاً ومن المهم دائماً أن نسبح الله ونذكر أعماله السابقة لإحياء روح الرجاء فينا وسط ألامنا. وكما أعان الله موسى ويشوع لدخول الأرض وهزيمة الأعداء. هكذا كان بالصليب هزيمة إبليس والمسيح هنا هو يمين الرب وذراعه ونور وجهه فبه رأينا الآب.
الآيات (4-8): " أنت هو ملكي يا الله. فأمر بخلاص يعقوب. بك ننطح مضايقينا. باسمك ندوس القائمين علينا. لأني على قوسي لا اتكل وسيفي لا يخلصني. لأنك أنت خلصتنا من مضايقينا وأخزيت مبغضينا. بالله نفتخر اليوم كله واسمك نحمد إلى الدهر. سلاه."
هذه صلاة ليخلص الله شعبه الآن كما خلَّص سابقاً فيسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد (عب8:13). أنت هو ملكي يا الله. فأمر بخلاص يعقوب= ما أجمل أن يستغل المؤمن دالته لدى الله، ويصلي طالباً الخلاص لكل الكنيسة. بك ننطح مضايقينا= أي خطايانا وشهواتنا وإبليس نفسه. فأنت قوتنا= وعلى قوسي (قوتي) لا أتكل.
الآيات (9-16): " لكنك قد رفضتنا وأخجلتنا ولا تخرج مع جنودنا. ترجعنا إلى الوراء عن العدو ومبغضونا نهبوا لأنفسهم. جعلتنا كالضأن أكلاً. ذريتنا بين الأمم. بعت شعبك بغير مال وما ربحت بثمنهم. تجعلنا عاراً عند جيراننا. هزأة وسخرة للذين حولنا. تجعلنا مثلاً بين الشعوب. لانغاض الرأس بين الأمم. اليوم كله خجلي أمامي وخزي وجهي قد غطاني. من صوت المعيّر والشاتم. من وجه عدو ومنتقم."
هنا وصف للحالة المؤلمة الحالية، فالله حين رفض شعبه بسبب خطاياهم صاروا عاراً وهزءاً بين أعدائهم. وهذا تعبير عن حال الشعب في السبي، وحال بنى آدم حين استعبدهم إبليس وحال كل خاطئ يتخلى الله عنه. ولنلاحظ أن ما حلَّ بالشعب أو ببني آدم ليس بسبب قوة العدو بل بسبب تخلي الله عنهم لخطاياهم، والله سمح بهذا للتأديب. فمثلاً من ظن نفسه قوى حين يرى نفسه مثل شاة تساق للذبح يعرف ضعفه ويتضع فيخلص. ونجد المرنم هنا يعاتب الله= بعت شعبك بلا ثمن. وما ربحت بثمنهم= حين سلمهم الله للعار وسط أعدائهم الذين يهينونهم ويهينون اسم الله. هو عتاب ودي ليرفع الله الضيقة عن شعبه، وهو تعليم للشعب فالله لا يطلب نفعاً لنفسه من وراء ضيقتهم فهو لم يبعهم منتظراً ربحاً. بل سلمهم وباعهم ليؤدبهم فيخلصوا. بل صار تأديبنا صورة لآلام المسيح فالآيات (14-16) تتلكم عن ألام المسيح فنحن نشترك معه في صليبه لنشترك معه في قيامته. (وهذه السخرية حدثت عند سبي بابل من الأدوميين ضد شعب الله).
الآيات (17-22): "هذا كله جاء علينا وما نسيناك ولا خنّا في عهدك. لم يرتد قلبنا إلى وراء ولا مالت خطواتنا عن طريقك. حتى سحقتنا في مكان التنانين وغطيتنا بظل الموت. أن نسينا اسم إلهنا أو بسطنا أيدينا إلى اله غريب. أفلا يفحص الله عن هذا لأنه هو يعرف خفيّات القلب. لأننا من أجلك نمات اليوم كله. قد حسبنا مثل غنم للذبح."
هنا المرنم مازال يعاتب الله الذي تركه بالرغم من أنه متمسك بالإيمان به. هذا مثل صوت بطرس "يا رب أنت تعلم أني أحبك" لذلك اقتبس بولس الآية (22) للإعلان عن حبه للمسيح، هنا إعلان عن حب الله رغماً عن العقاب الصادر ضد الإنسان بالموت= غطيتنا بظل الموت= فموتنا الآن هو ظل الموت، أما الموت الحقيقي فهو الانفصال عن الله. وتعني أن حياتنا قصيرة نسير فيها نحو هدف واحد هو الموت. بل نحن معرضين للموت كل حين، وأولاد الله يسيرون في هذا الطريق الضيق بلا تذمر كما فعل الشهداء فهم يعرفون أنهم في طريق المسيح وكما احتمل هو الألم والموت ثم قام وصعد، سيقومون معه إن كانوا ثابتين فيه فهو الطريق. ويكمل عتابه الرقيق لله= حتى سحقتنا في مكان التنانين= التنانين هي مخلوقات جبارة تشير للمتكبرين والعتاة من البشر الذين سحقهم الله، والعتاب معناه لقد قبلنا منك يا رب أن تحكم علينا بالموت مثلهم مع أننا نحبك ولم نترك طريق الإيمان بك. ثم يترك الأمر كله بين يدي الله الذي يعرف خفايا القلوب ويعلم إيمانه ومحبته.
الآيات (23-26): "استيقظ. لماذا تتغافى يا رب. انتبه. لا ترفض إلى الأبد. لماذا تحجب وجهك وتنسى مذلتنا وضيقنا. لأن أنفسنا منحنية إلى التراب. لصقت في الأرض بطوننا. قم عوناً لنا وافدنا من اجل رحمتك."
هي صرخة من أجل الخلاص، مبنية على القيامة مع المسيح= استيقظ يا رب لماذا تنام= تتغافى.. انتبه= قم فنحن نقبل أن نموت لأن لنا رجاء في القيامة والصراخ للمسيح ليستيقظ هو صراخنا نحن بالتوبة والصبر والاحتمال.
المزمور الثامن والأربعون
قد يكون كاتب المزمور هو داود المبتهج بعمل الله وحمايته لمدينته المقدسة أورشليم. وقد يكون كاتب المزمور هو شخص عاش في أيام يهوشافاط أو حزقيا مسبحاً الله على خلاص ونجاة أورشليم فيه يتأمل الكاتب المرنم، كم من أعداء دحرهم الرب على أبواب أورشليم وبقيت هي سالمة. وبالأحرى هو صوت تسبيح شعب الله على حمايته للكنيسة عبر عصور الاستشهاد وفي كل العالم. فمن يقف ليتأمل التاريخ سيرى كم من عصور الاستشهاد قد مرت على الكنيسة، كانت كفيلة بتدميرها، ولكن الله كان معها، بل فيها سر مجدها وقوتها.
يسمى المزمور بأنه أحد مزامير صهيون أو الكنيسة، يسبح به لتمجيد الله الممجد في كنيسته التي يسميها المرنم مدينة الملك العظيم. والمسيح أشار لهذا الاسم في (مت35:5) فحضور المسيح فيها هو سر مجدها (1،2) وأمانها (3-8) وفرحها وتسبيحها وبرها (9-14).
الآيات (1،2): " عظيم هو الرب وحميد جداً في مدينة إلهنا جبل قدسه. جميل الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون. فرح أقاصي الشمال مدينة الملك العظيم."
الله وسط كنيسته سر مجدها. ولاحظ تسميات الكنيسة هنا فهي مدينة إلهنا وهي جبل قدسه وهي جبل صهيون وهي مدينة الملك العظيم. وقوله جبل إشارة لأنها سماوية وأنها ثابتة راسخة. وهي مدينة الله فيها نلتقي مع الله في حب وفي عهد وفي علاقة شخصية وهي جبل قدسه فهي تشهد لقداسته خلال ممارستها الحياة المقدسة وشركتها معه. وهي ثابتة كالجبل رغماً عن التجارب التي تحيط بها. وصهيون تعني حصناً فيها نحتمي بالله كسور لنا. وفيها يملك الملك العظيم على قلوب شعبه. ويشعر شعبه بعظمته فيعظموه ويحمدوه. هي جبل عالٍ في معتقداتها وإيمانها المسلَّم مرة للقديسين واحتفظت هي به سليماً. ودعيت مدينة فهي تضم كثيرين من كل أنحاء العالم، الله حول قفرها إلى عمار وخرابها إلى مكان يسكن فيه شعبه في أمان والمدن مسوَّرة بأسوار وهو سور مدينته. وهي جبل ملأ الأرض كلها (حلم الملك نبوخذ نصَّر.. راجع سفر دانيال). جميل الارتفاع= المرنم يعلن عن جمال الكنيسة وبهائها وعن دورها كبهجة كل الأرض، هي متعالية على الأرضيات ولكن في تواضع ومحبة لمن لا يزال يعيش في الأرضيات، هي تعلن حبها لكل العالم وتخدم الجميع وكمسيحها تبذل نفسها عن الجميع وتكرز بمسيحها في كل مكان. ولأن كرازتها وصلت لكل الأرض صارت فرح كل الأرض. بل فرح أقاصي الشمال= فالكرازة وصلت لكل المسكونة. ولاحظ أن الشمال بالنسبة لليهود كان يعني أشور وبابل واليونان والرومان الذين كانوا أعداءهم الذين أذلوهم. والآن حتى الأعداء صرنا معهم واحداً في الكنيسة. في المسيح صار الأمم واليهود شعباً واحداً.
الآيات (3-8): "الله في قصورها يعرف ملجأ. لأنه هوذا الملوك اجتمعوا. مضوا جميعاً. لما رأوا بهتوا ارتاعوا فرّوا. أخذتهم الرعدة هناك. والمخاض كوالدة. بريح شرقية تكسر سفن ترشيش. كما سمعنا هكذا رأينا في مدينة رب الجنود في مدينة إلهنا. الله يثبّتها إلى الأبد. سلاه."
المسيح وسط كنيسته أماناً لها= هو ملجأ. وحينما اجتمع عليها أعدائها مضوا جميعاً= "شاول شاول لماذا تضطهدني". الله في قصورها= حيث يسكن الملك يكون هذا المكان قصراً. والله يسكن في أولاده (يو23:14 + 1كو16:3) هو يسكن فينا فنكون قصر الملك الذي يحميه الملك، ويكون هو ملجأ لنا. والسبعينية ترجمت الآية الله يُعرف في شرفاتها. فمن خلال حياة أولاده المقدسة يعرف العالم المسيح. وكل قوات الشر تقوم ضد الكنيسة. ويذكر المرنم أن معدات هجومهم سفن ترشيش= أي السفن العظيمة القوية ولكن الله بريحه الجبارة يكسر معداتهم. ترشيش أغنى سواحل البحر. وهناك فاجأهم المخاض كوالدة= هم اجتمعوا ليتشاوروا ضد الكنيسة ولكن حل عليهم رعب الله فجأة. ولكن بعد المخاض يولد طفل جديد. فمن هؤلاء الأمم يخرج أولاد لله، كما حدث مع الدولة الرومانية فلقد هاجمت بكل قوتها المسيحية، وفاجأها الله بضرباته ليخرج الوليد الجديد، أي الدولة الرومانية المسيحية فمن يقبل تأديب الله بخوف يتحول لابن لله ولكن بآلام كالمخاض كما سمعنا هكذا رأينا= لقد سمعنا عن أعمال الله العجيبة مع شعبه في خروجه من مصر ودخوله كنعان. ويسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. وهو يحمي شعبه دائماً.
الآيات (9-14):" ذكرنا يا الله رحمتك في وسط هيكلك. نظير اسمك يا الله تسبيحك إلى أقاصي الأرض. يمينك ملآنة براً. يفرح جبل صهيون تبتهج بنات يهوذا من اجل أحكامك. طوفوا بصهيون ودوروا حولها. عدوّا أبراجها. ضعوا قلوبكم على متارسها. تأملوا قصورها لكي تحدثوا بها جيلاً آخر. لأن الله هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد. هو يهدينا حتى إلى الموت."
هنا نرى الكنيسة الفرحة بعريسها تسبحه وتعظمه وتذكر أعماله بالتهليل لأنه حفظها وحماها. ونلاحظ أن الضيق لا يفقدها سلامها. نظير اسمك يا الله تسبيحك الاسم يشير لجوهر الإنسان وطبعه. واسم الله يشير لقوته وجبروته وعظمته ومحبته وحمايته لكنيسته. فصلاحك يا رب هو من جوهرك. وأعمالك يا رب وكلها صلاح هي طبيعتك فأنت يا رب صانع خيرات وهذا طبعك ولهذا نسبحك.. "فلنشكر صانع الخيرات" عدوا أبراجها= الأبراج العالية التي يقيمها روح الله لكي يختفي فيها المؤمنون ويتحصنون من ضربات العدو. أي إحصوا معاملات الله العجيبة في حماية أولاده وخبروا بها.
المزمور التاسع والأربعون
هذا المزمور والمزمور التالي ليسا من مزامير التسابيح والصلوات، ولكنهما عبارة عن عظة فالمرنم هنا لا يرنم ولا يسبح ولا يصلي بل يرد على تساؤلات تجول بأفكار الناس ويُعَّلِمْ، أن الخطية ومحبة العالم لا تفيد، بل على كل واحد أن يبحث عن العالم الآخر وهو الأفضل. وبكلماته في هذا المزمور يعزي شعب الله المتألم من اضطهاد الأشرار. هو عظة بليغة في فلسفة الحياة والموت يرد بها المرنم على كل ما يجول بخاطر الإنسان من ناحية وجوده وحياته وموته:
1. الإنسان حياته مهددة باليوم الشرير الذي يتعقبه.
2. للهروب من ضيق العالم ومفاجأته، يتكل الإنسان على أمواله ولكن خلاص الإنسان لا يتم إلا بالإتكال على الله.
آية (1): "اسمعوا هذا يا جميع الشعوب. أصغوا يا جميع سكان الدنيا."
هي دعوة لكل سكان الأرض ليسمعوا كلمة الله "ومن له أذنان لسمع فليسمع".
آية (3): "فمي يتكلم بالحكم ولهج قلبي فهم."
هو سمع صوت الله (الحكمة) ويردده ليسمعه كل واحد فيحيا. فحكمة المرنم هنا ليست خبرة إنسانية مجردة وإنما هبة الله الآب القادر أن يملأ العقل والقلب بالحكمة.
آية (4): "أميل أذني إلى مثل وأوضح بعود لغزي."
هنا نجد المرنم جالساً عند قدمي المخلص مثل مريم أخت لعازر يسمع الأمثال التي يستخدمها ليشرح بها، فتتهلل أعماقه بها فينشدها بفرح كما بمزمار وعود. لغزي= فإننا ننظر الآن في مرآة في لغز (1كو12:13). ولأننا لا نستطيع أن ندرك السمائيات فهي لم تراها عين ولم تسمع بها أذن يستخدم الله الأمثال للشرح.
آية (5): "لماذا أخاف في أيام الشر عندما يحيط بي أثم متعقّبيّ."
النفس البشرية تميل إلى الخوف من يوم الشر الذي فيه تحل كارثة من تدبير الأشرار، الأقوياء المتكلين على قوتهم وثروتهم. ولكن المرنم يريد أن يعطي نصيحة، أن لا نخاف من تدبير إنسان، ولكن نخاف من وجود خطية في حياتنا (رو5:2).
الآيات (7،8): "الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه. وكريمة هي فدية نفوسهم فغلقت إلى الدهر."
المرنم يرى عبث الأتكال على المال والثروة في الحياة اليومية، وهنا نراه يقول وبالأولى فإن المال وغيره من الأمور الزمنية لا يمكن أن يفدينا من الموت أو يبررنا أمام الله، أو يدخل بنا لشركة الميراث الأبدي. أما من فدانا فهو حمل الله. وبدمه وليس بذهب ولا فضة. والتوبة فقط هي ما تجعلنا نستفيد من هذا الدم، وبأعمالنا الصالحة نكون كالعذارى الحكيمات، فمن يملك مالاً لا يظن أن ماله سيخلصه بل يستخدمه في عمل الصلاح. فكريمة هي فدية نفوسهم= نفس الإنسان عزيزة جداً لدى من يحبه ويتمنى كل إنسان أن يفدي نفسه إذا أتت ساعة الموت حتى لا يموت فمن يموت لا يرجع ثانية= فغلقت إلى الدهر= أي من يموت يغلق على نفسه للأبد. ولكن كل أموال الأصحاب لن يفدي نفس من الموت. لن يفدي نفس أحد سوى دم المسيح الذي كانت عيون أنبياء العهد القديم عليه كفادي للنفوس. والمسيح مات مرة ليقدم فداءً أبدياً للنفوس (عب25:9،26 + 12:10)، فكانت فدية نفوس البشر هي نفسه وهي كريمة جداً. وهذا الفداء عمل مرة واحدة ولن يتكرر فغلقت إلى الدهر أي انتهت مشكلة موت الإنسان وانفصاله عن الله، لقد أغلق المسيح بفدائه هذه المشكلة للأبد.
آية (9): "حتى يحيا إلى الأبد فلا يرى القبر."
المسيح الفادي سيحيا إلى الأبد، وهو جالس الآن بعد أن تمم فدائه للبشر عن يمين الله. ولذلك فكل من يثبت فيه لن يرى الموت.
آية (10): "بل يراه. الحكماء يموتون. كذلك الجاهل والبليد يهلكان ويتركان ثروتهما لآخرين."
هنا نرى أن الحكماء والجهلاء.. الخ الكل يموت، لا تنفع أحد ثروته أو حكمته. البليد= المتكاسل في عبادته وفي فعل الخير. الجاهل= الذي لا يفهم ما هو لمنفعته.
آية (11): "باطنهم أن بيوتهم إلى الأبد مساكنهم إلى دور فدور. ينادون بأسمائهم في الأراضي."
في ظن الناس أنهم يعيشون للأبد في بيوتهم، لذلك يبنون بيوتهم ويبحثون عن المجد العالمي ليكون لهم صيت= ينادون بأسمائهم في الأراضي= هم يتناسون حقيقة الموت.
آية (12): "والإنسان في كرامة لا يبيت. يشبه البهائم التي تباد."
ما يجب أن يلاحظه كل واحد أن كرامة الإنسان لن تدوم، بل يموت ويدفن كالبهائم.
آية (13): "هذا طريقهم اعتمادهم وخلفاؤهم يرتضون بأقوالهم. سلاه."
بالرغم من وضوح هذه الحقيقة، فإن البشر لا يفهمونها. فالجيل السابق يبني مجداً وثروة ويموت وينتهي، ويأتي الجيل الجديد ليعمل نفس الشيء. ولنلاحظ أن الكتاب لا يعترض على أن يكون للإنسان ثروة ومجد. ولكن لا يكون هذا على حساب خلاص نفسه.
آية (14): "مثل الغنم للهاوية يساقون. الموت يرعاهم ويسودهم المستقيمون. غداة وصورتهم تبلى. الهاوية مسكن لهم."
مثل الغنم للهاوية يساقون= هم يكنزون أموالاً ومقتنيات وفي النهاية يموتون وبهذا هم يشبهون الغنم التي يطعمونها لتسمن ثم يذبحونها= الموت يرعاهم. ويسودهم المستقيمون غداةً= في فجر يوم القيامة يظهر المستقيمون في مجد. بينما الشرير تكون الهاوية مسكن له= ولن ينفعه مجده أو ثروته الأرضية.
آية (15): "إنما الله يفدي نفسي من يد الهاوية لأنه يأخذني. سلاه."
نجد فيها خلاصة هذا المزمور. المسيح الذي يفدي نفسي من الجحيم. فالمسيح نزل إلى الجحيم وأخذ نفس المرنم ومعه أنفس كل الصديقين الذين كانوا فيه.
الآيات (16-20): "لا تخش إذا استغنى إنسان إذا زاد مجد بيته. لأنه عند موته كله لا يأخذ. لا ينزل وراءه مجده. لأنه في حياته يبارك نفسه. ويحمدونك إذا أحسنت إلى نفسك. تدخل إلى جيل آبائه الذين لا يعاينون النور إلى الأبد. إنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد."
يعود النبي ويذكر المتكلين على أموالهم بحقائق النهاية. ويعطي نصيحة لأولاد الله= لا تخشى إذا استغني إنسان= لا تخف من أصحاب السلطة والغنى ولا تتملقهم. فعند موت هذا الغني= لا ينزل وراءه مجده. لأنه في حياته يبارك نفسه هذا الغني مثل كل أولاد العالم يفرح ويمجد نفسه إذا امتلك كثيراً من حطام هذه الدنيا بل هو ينصح الآخرين بأن يتملكوا ليكونوا أقوياء، ويمدح من يفعل= ويحمدونك إذا أحسنت إلى نفسك بأن تمتلك كثيراً. ونكرر ليس عيباً أن نكون أغنياء في المال وفي الكرامة الزمنية وفي العلم.. الخ. ولكن على كل إنسان أن يسأل نفسه وماذا امتلكت وماذا كنزت للعالم الآخر. فمن لا يكنز في السماء يقال عنه= إنسان في كرامة ولا يفهم يشبه البهائم التي تباد. وكل واحدٍ بحسب ما أكتنز يدخل إلى جيل أبائه. فمن كانت كل كنوزه أرضية لا يعاينون النور إلى الأبد.
المزمور الخمسون
أساف كان رئيس فرقة الموسيقيين في الخيمة (1أي4:16،5،7).
هذا المزمور نبوة تعلن عن الدينونة العامة، وتكشف عن إدانة اله للرياء في العبادة حيث تمارس في شكليات بلا روح، وإدانة الحياة الشريرة، ويحذر من الاستخدام الخاطئ للطقس، خاصة تقديم الذبائح، كقناع يخفي وراءه العابدون شرورهم. هنا ينبه أساف إلى أن الله ليس في حاجة إلى ذبائح وعطايا الناس بل إلى القلب النقي الشاكر لله. وهناك مجموعة من المزامير تنسب لأساف، وغالباً فمن ألف وكتب هذه المزامير قد كتبها على طريقة أساف أو من مجموعة أساف خرج كتاب هذه المزامير. فبعض المزامير المنسوبة لأساف يتضح أنها كتبت بعد السبي.
الآيات (1-3): "إله الآلهة الرب تكلم ودعا الأرض من مشرق الشمس إلى مغربها. من صهيون كمال الجمال الله اشرق. يأتي إلهنا ولا يصمت. نار قدامه تأكل وحوله عاصف جداً."
يمكن تطبيقها على المجيء الأول للمسيح وعلى مجيئه الثاني.
التطبيق على المجيء الأول: في (1) نرى تجسد المسيح (عب1:1،2) فالآب كلمنا في ابنه ليدعو الأرض كلها أمماً ويهود لكنيسته وفي (2) نرى سر جمال الكنيسة= صهيون أن الله أشرق فيها. وفي (3) نرى تعاليم المسيح= إلهنا لا يصمت. ونرى إرساله للروح القدس= نار قدامه وحوله عاصف جداً. هذا ما حدث يوم الخمسين فقد حل الروح القدس على هيئة ألسنة نار مع هبوب ريح عاصف لتطهر الرسل القديسين من كل ضعف، فالنار تحرق الخطايا وتشعل القلب بالحب.
التطبيق الثاني، على مجيئه الثاني: الله سيتكلم في مجيئه الثاني، حين يدعو كل إنسان للدينونة، ليس كلام تعليم وكرازة بل كلمات دينونة للأشرار. وأما كنيسته فيكمل جمالها في هذا اليوم ويستعلن= من صهيون كمال الجمال. لقد كان جمالها على الأرض أن المسيح في وسطها يعطيها جمالاً وقوة، كان يعينها في جهادها لتحفظ وصاياه، وتكون بطهارتها جمالاً للعالم. وفي اليوم الأخير ستستعلن كعروس للمسيح وجماله ينعكس عليها (1يو1:3،2). والنار هنا هي نار الدينونة للأشرار. إله الآلهة= الآلهة هم أولاد الله الذين هم على صورته، فالله أقام موسى إلهاً لفرعون وراجع (مز1:82،6،7 + يو12:1). أما آلهة الشعوب فهي أصنامهم وشياطينهم. والمسيح إله الآلهة حين جاء في مجيئة الأول وصلت كرازته لكل أرجاء المسكونة. ولذلك ففي مجيئه الثاني سيدين كل واحد بحسب قبوله أو رفضه للإيمان وبحسب قبوله ورفضه لتنفيذ وصاياه. لقد أتى بناره لينقي ويمحص في مجيئه الأول، وفي مجيئه الثاني سوف يحرق من يجده قشاً وينقي ويقبل الذهب والفضة اللذان نقاهما.
الآيات (4-6): "يدعو السموات من فوق والأرض إلى مداينة شعبه. اجمعوا إليّ أتقيائي القاطعين عهدي على ذبيحة. وتخبر السموات بعدله لأن الله هو الديان. سلاه."
نرى هنا صورة المحاكمة حين يدعو الله السموات= الملائكة والأرض= القديسين والرسل (مت28:19). إلى مداينة شعبه= محاكمتهم. وسيجمع الله مختاريه الأبرار الذين كانوا في عهد معه بتقديم ذبائح [1] قدموا أجسادهم ذبيحة حية (رو1:12) [2] قدموا ذبائح التسبيح والرحمة بالفقراء (عب15:13،16) [3] قدموا ذبائح الانسحاق (مز16:51،17). فكل من دخل مع الله في عهد يقدم ذبائح كهذه. في هذا اليوم يظهر عدل الله الديان.
الآيات (7-15): "اسمع يا شعبي فأتكلم. يا إسرائيل فاشهد عليك. الله إلهك أنا. لا على ذبائحك أوبخك. فان محرقاتك هي دائماً قدامي. لا آخذ من بيتك ثوراً ولا من حظائرك اعتدة. لأن لي حيوان الوعر والبهائم على الجبال الألوف. قد علمت كل طيور الجبال ووحوش البرية عندي. أن جعت فلا أقول لك لأن لي المسكونة وملأها. هل آكل لحم الثيران أو اشرب دم التيوس. اذبح لله حمداً وأوف العلي نذورك. وادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني. وللشرير قال الله مالك تحدث بفرائضي وتحمل عهدي على فمك. وأنت قد أبغضت التأديب وألقيت كلامي خلفك."
نرى هنا صورة لدينونة الشكليين في العبادة. الله إلهك أنا= يكفي هذا فخراً لأي إنسان أن يكون الله إلهه. وقد اختار الله إسرائيل شعباً له في العهد القديم. وكانت الكنيسة عروسه في العهد الجديد، أعطاها جسده ودمه حياةً لها وأعطاها روحه القدوس يسكن فيها. لقد أعطانا الله الكثير وسنحاسب على ما أخذناه. ونرى الله هنا لا يطلب ذبائح ولكن يطلب القلب. ولاحظ عتاب الله الرقيق= لا أخذ من بيتك ثوراً= فنحن يجب أن نفهم أن الأرض وما عليها كلها لله. وما لدينا فهو عطية منه، وما نقدمه له فهو سبق وأعطاه لنا، ومن يده نعطيه. فنحن لا نتفضل عليه بشئ (1أي14:29). إن جعت فلا أقول لك لأن لي المسكونة= الله لا يجوع ولكنه هنا يعاتب اليهود الذين كانوا يشعرون أنهم يتفضلون على الله بذبائحهم. والله لا يحتاج لشئ بل هو يريد أن نقدم للفقراء في محبة له هو.
الآيات (16-23): "إذا رأيت سارقاً وافقته ومع الزناة نصيبك. أطلقت فمك بالشر ولسانك يخترع غشاً. تجلس تتكلم على أخيك. لابن أمك تضع معثرة. هذه صنعت وسكت. ظننت أني مثلك. أوبخك واصفّ خطاياك أمام عينيك. افهموا هذا يا أيها الناسون الله لئلا افترسكم ولا منقذ. ذابح الحمد يمجدني والمقوم طريقه أريه خلاص الله."
نرى هنا محاكمة الأشرار المرائين. ففي (16) نرى هذا المرائي يتكلم بفمه بكلام الله. وفي (17) نجده رافضاً تأديب الله (عب7:12) أما أولاد الله فيشكرونه على كل حال (23) ذابح الحمد= من يشكر الله فكمن يقدم ذبيحة مقبولة. المقوِّم طريقه= من يتوب ويتضع كالعشار (لو13:18). ونرى طول أناة الله (2) هذه صنعت وسَكَتُّ. ولكن في يوم الدينونة لن يسكت بل يظهرها= أَصُفُّ خطاياك أمام عينيك. فلا ينطق الشرير ونلاحظ قوله ظننت أني مثلك= فالإنسان في شره يتصوَّر أن الله قد قبل شروره طالما هو ساكت لا يعاقب. ولكن الله يطيل أناته ويذخر غضباً ليوم الدينونة (رو2:2-10)
المزمور الثاني والخمسون
قصة دواغ الأدومي وقتله لكهنة نوب موجودة في (1صم21،22). وحينما سمع داود بشرور دواغ وقتله للكهنة عزى نفسه في ضيقتها بترتيله بكلمات هذا المزمور.
آية (1): "لماذا تفتخر بالشر أيها الجبار. رحمة الله هي كل يوم."
كثيرون يفتخرون بالشر مثل دواغ وربشاقي ناظرين لقوتهم، أو قوة من يعتمدون عليهم كشاول الملك أو ملك أشور. ولكنهم ينسون رحمة الله التي تحيط شعبه.
الآيات (2-4): "لسانك يخترع مفاسد كموسى مسنونة يعمل بالغش. أحببت الشر اكثر من الخير. الكذب اكثر من التكلم بالصدق. سلاه. أحببت كل كلام مهلك ولسان غش."
راجع (يع3) لترى عمل اللسان. فدواغ أحب الشر، وأن ينم على داود وعلى الكهنة وهذا بدلاً من أن يلتمس لهم العذر. وكان السبب في قتلهم، كان كموسى يحلق كل الشعر ويرميه. فتنته كانت هكذا سبباً في هلاك كل الكهنة.
آية (5): "أيضاً يهدمك الله إلى الأبد. يخطفك ويقلعك من مسكنك ويستأصلك من أرض الأحياء. سلاه."
هنا داود يتكلم بلسان النبوة عما سيحدث للأشرار (عو15).
آية (6): "فيرى الصديقون ويخافون وعليه يضحكون."
قد يحسد الصديقين الأشرار إذ يرون نجاحهم الوقتي. ولكنهم حين يرون نهايتهم المؤلمة يخافون. ويضحكون على يوم حسدوهم فيه، وعلى تفاهة هذا العالم.
آية (8): "أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله. توكلت على رحمة الله إلى الدهر والأبد."
أولاد الله كزيتونة مملوءة بزيت النعمة الداخلي فهم مملوءون من الروح القدس.
آية (9): "أحمدك إلى الدهر لأنك فعلت وانتظر اسمك فأنه صالح قدام أتقيائك."
هنا المرنم يسبح الله ويحمده على هذه النعمة التي أعطاها له فالله صانع خيرات.
المزمور الثالث والخمسون
راجع تفسير (مز14)
هذا المزمور تقريباً هو نفس المزمور (14) مع فارق طفيف في الكلمات. وحين يكرر الوحي نفس الكلمات مرتين فذلك حتى يكون هناك شاهدين علينا أن الله قد حذَّر وأنذر من عقوبات الخاطئ الجاهل، الذي يتمادى في خطاياه مبرراً ذلك بأن الله لا يرى ولن يعاقب. الله يكرر لعلنا نخجل، فالجاهل يقول لا إله ويخطئ، أما نحن فنؤمن بالله ومع هذا نخطئ. والفارق بين المزمورين نجده في (5:14،6 مع 5:53).
آية (5): "هناك خافوا خوفاً ولم يكن خوف لأن الله قد بدد عظام محاصرك. أخزيتهم لأن الله قد رفضهم."
أعداء الله يلقي عليهم الله خوفاً ورعباً في قلوبهم، ربما لا يكون ظاهراً لهم سبباً لهذا الخوف= ولم يكن خوف. ولكن تجدهم في رعب كما حدث مع المصريين وهم يطاردون الشعب مع موسى. ودائماً فهناك خوف في قلب الخاطئ، هناك خوف لكل من يقف ضد الله وشعبه، الخوف ناشئ عن ضمائرهم المذنبة. لأن الله قد بدد عظام محاصرك= الله سمح بضربة لجيش أشور الذي حاصر شعبه في أورشليم وأهلك 185.000من هذا الجيش تبعثرت عظامهم حول المدينة. وبعد أن كان ربشاقي يسخر من الله ومن شعب الله صار سخرية لشعب الله= أخزيتهم لأن الله قد رفضهم= فهل نخاف من سيخزيه الله ومن ألقي الله رعباً في قلبه. ونرى في هذه الآية سبباً لرعب الأعداء أن الله يعرض أمام قلوبهم صورة لضرباته المرعبة ضد شعبه فيرتعبون.
المزمور الخامس والخمسون
يتفق معظم المفسرين أن داود كتب هذا المزمور أثناء ثورة إبشالوم. وهنا نراه في غاية الاسي من خيانة أخيتوفل. ونرى هنا داود رمزاً للمسيح المتألِّم من ثورة شعبه ضده، وخيانة أخيتوفل صورة لخيانة يهوذا وكلاهما مضى وخنق نفسه. والآية (21) من هذا المزمور ترتلها الكنيسة في مزمور يوم الخميس الكبير (خميس العهد) من أيام البصخة وكذلك يوم الثلاثاء وتذكر بها خيانة يهوذا وقبلته الغاشة لسيده.
الآيات (1-8): "أصغ يا الله إلى صلاتي ولا تتغاض عن تضرعي. استمع لي واستجب لي. أتحير في كربتي واضطرب. من صوت العدو من قبل ظلم الشرير. لأنهم يحيلون عليّ إثماً وبغضب يضطهدونني. يمخض قلبي في داخلي وأهوال الموت سقطت عليّ. خوف ورعدة أتيا عليّ وغشيني رعب. فقلت ليت لي جناحاً كالحمامة فأطير واستريح. هانذا كنت ابعد هارباً وأبيت في البرية. سلاه. كنت أسرع في نجاتي من الريح العاصفة ومن النوء."
هي صلاة داود في كربته التي حيرته، ولم يجد طريقاً للهرب بعد أن حاصره أعداؤه تماماً، وقارب الموت فإرتعب وتمنى لو أن له جناحين فيهرب بهما من هذا الحصار وهذه الضيقة. وفي قوله غشيني رعب= أي التف علىّ من كل جانب. والحمامة تشير للروح القدس، والقديسون لهم جناحي هذه الحمامة، هو لم يقل جناحي نسر ولا صقر فهي طيور نجسة، ولكن جناحي الحمامة يشيران لطهارتها. ومن يقبل أن يحيا في طهارة يمتلئ من تعزيات الروح القدس ويحلق في السماويات بجناحيه. أبيت في البرية= هكذا إختلى الرهبان في بريتهم بعيداً عن العالم، إذ شعروا بلذة عشرة الله وتعزياته وبعيداً عن خيانة البشر وشرورهم. وهكذا كان المسيح ينفرد في الجبل ليصلي. أن أرواح القديسين تشتاق للهروب من هذا العالم "لي اشتهاء أن أنطلق" لتستريح من زوابعه.
الآيات (9-15): "اهلك يا رب فرّق ألسنتهم لأني قد رأيت ظلماً وخصاماً في المدينة. نهاراً وليلاً يحيطون بها على أسوارها وإثم ومشقة في وسطها. مفاسد في وسطها ولا يبرح من ساحتها ظلم وغش. لأنه ليس عدو يعيرني فاحتمل. ليس مبغضي تعظم عليّ فاختبئ منه. بل أنت إنسان عديلي إلفي وصديقي. الذي معه كانت تحلو لنا العشرة. إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور. ليبغتهم الموت. لينحدروا إلى الهاوية أحياء لأن في مساكنهم في وسطهم شروراً."
هنا نجد صلاة فيها رجاء أن يتدخل الله ضد الأشرار ويعاقبهم، فالله القدوس لا يقبل الشر ولا يقبل ظلم أولاده. وهذه الصلاة قالها داود بروح النبوة. وهنا يُصوِّر داود حال المدينة والشر الذي يسودها. وما يؤلمه بالأكثر خيانة صديقه ومشيره أخيتوفل= بل إنسان عديلي إلفي وصديقي. وماذا يطلب لهم داود؟ فرق ألسنتهم= كما بلبل الله ألسنة الأشرار في بابل فلم يستطيعوا الاتفاق في الشر، وبطل عملهم (وقد حدث اختلاف في أقوال الشهود ضد المسيح يو16:9 + مر56:14). وفي (10) نجد جواسيس إبشالوم يترصدون خطواته ليهلكوه. ومع المسيح فقد أمسكوا به ليلاً وحاكموه ليلاً وأسلموه لبيلاطس ثم ليصلب نهاراً. وفي (13) نرى خيانة يهوذا. ولكن الخيانة لم تصدر عن يهوذا فقط، بل من شعب اليهود الذي أخذ المسيح جسده منهم وصار إنساناً وجال يصنع وسطهم خيراً ثم قاموا عليه وصلبوه. وفي (14) نرى صورة الصداقة والحب التي أظهرها المسيح لتلاميذه وليهوذا، فكان يذهب معهم للهيكل ولكل مكان. ونرى في (15) عقوبة هذه الخيانة، فنصيب من رفض رب الحياة، الهلاك في الجحيم. وهلاك يهوذا المنتحر أوصله للجحيم. وهكذا كل من في مساكنهم في وسطهم شروراً.
الآيات (16-19): "أما أنا فإلى الله اصرخ والرب يخلصني. مساءً وصباحاً وظهراً أشكو وأنوح فيسمع صوتي. فدى بسلام نفسي من قتال عليّ لأنهم بكثرة كانوا حولي. يسمع الله فيذلهم والجالس منذ القدم. سلاه. الذين ليس لهم تغير ولا يخافون الله."
نجد هنا صراخ داود لله. ونجده يصرخ بثقة في استجابة الله= والرب يخلصني. مساءً وصباحاً وظهراً= أي هو يصلي بلا انقطاع. وهناك من رأي أن المساء يشير لهذا العالم في ضيقاته. والصبح يشير ليوم القيامة. والظهر يشير بشمسه الحارقة لوقت الدينونة التي ينقذه منها الله أشكو وأنوح فيسمع صوتي وبالنسبة للمسيح فمساءً تشير لوقت القبض عليه ومحاكمته وصباحاً تشير لمحاكمته أمام بيلاطس وظهراً تشير لصلبه وموته ودفنه. وفي (18) نرى الله ينقذ داود من أعدائه فدى بسلام نفسي. وفدى الآب جنس البشر بموت ابنه، وأنقذ بعد الموت نفس ابنه منه بأن أقامه ليقيم معه كنيسته. وأما أعداؤه فيذلهم الجالس منذ القدم هو جالس على عرشه كديان. وقد أذلَّ اليهود بعد صلبهم للمسيح. الذين ليس لهم تغير= أي الذين ظلوا مصرين على رفض المسيح، ولم يعتمدوا، ولم يحل عليهم الروح القدس.
الآيات (20،21): "ألقى يديه على مسالميه. نقض عهده. أنعم من الزبدة فمه وقلبه قتال. ألين من الزيت كلماته وهي سيوف مسلولة."
يعود المرنم لوصف الخائن الشرير، فبعد أن ذكر شرور اليهود، عاد بمرارة ليذكر خيانة يهوذا فهو كان له وضع خاص= ألقى يديه على مسالميه= فالمسيح لم يقدم له سوى الخير لكنه نقض عهده وألقي يديه عليه. وكلماته وقبلته كانت غاشة أنعم من الزبدة بلا قسوة ظاهرة (2صم2:15-6)
آية (22): "ألق على الرب همك فهو يعولك. لا يدع الصدّيق يتزعزع إلى الأبد."
الأعداء يشهرون سيوفهم لقتال البار، والبار يلقي على الرب همه وهو يعوله. قال أحدهم أن هذه الآية وجهت لبطرس حتى لا يفشل المخطئ إذا قدَّم توبة.
آية (23): "وأنت يا الله تحدرهم إلى جب الهلاك. رجال الدماء والغش لا ينصفون أيامهم. أما أنا فاتكل عليك."
لا ينصفون أيامهم= أي لم يكملوا نصف مدة أيامهم. سيأخذ الله حياتهم مبكراً.
المزمور السادس والخمسون
داود لم يترك قيثارته أبداً، بل ظل وهو في شدة ضيقه مسبحاً الله صارخاً له. وهو هنا يصرخ لله بينما كان هارباً إلى ملك جت. وهو ذهب إلى جت مرتين. في الأولى تظاهر بالجنون (1صم14:21). وفي الثانية إلتجأ إلى ملك جت ومعه 600رجل فقبله وهذا المزمور غالباً كان في الزيارة الأولى أو الهرب الأول لجت.
عنوان المزمور على الحمامة البكماء بين الغرباء= قد يكون إشارة إلى لحن حزين يرتل على نفس لحن هذا المزمور. وقد يكون المعني فيه إشارة لداود نفسه الهادئ الوديع الذي مثل الحمامة وقد طردوه وهو لم يؤذي أحداً، ولم يرد على أحد بشر، بل أقصوه بعيداً عن الهيكل. وقطعاً في كل هذا هو رمز للمسيح الذي كان كشاةٍ أمام جازيها لا يفتح فاه.
آية (1): "ارحمني يا الله لأن الإنسان يتهممني واليوم كله محارباً يضايقني."
يتهممني= يضايقني ويدفعني ويدوسني بكبرياء. ونلاحظ أنه بينما هو هارب إلى ملك جت لكنه في قلبه هو ملتجئ إلى الله، طالباً الحماية منه. ويشير قوله الإنسان يتهممني= أنه بالرغم من أن شاول الملك هو الذي يضطهدني إلا أنه إنسان زائل.
آية (2): "تهممني أعدائي اليوم كله لأن كثيرين يقاومونني بكبرياء."
هذه تشير لحالة الحرب ضد داود وتشير لحالة حروب إبليس ضدنا اليوم كله.
آية (3): "في يوم خوفي أنا عليك اتكل."
مهما كان مضايقي بشر (زائلون) أو شياطين، فأنت الله الذي فوق الكل لذلك ألجأ إليك.
آية (4): "الله أفتخر بكلامه على الله توكلت فلا أخاف. ماذا يصنعه بي البشر."
افتخر= أسبح بكلام الله. هنا يرى المرنم الله كضابط الكل فلا يخاف مؤامرات البشر.
آية (5): "اليوم كله يحرفون كلامي. عليّ كل أفكارهم بالشر."
رجال شاول حرفوا كلام داود ليثيروا شاول ضده، وهكذا فعل اليهود مع المسيح.
آية (6): "يجتمعون يختفون يلاحظون خطواتي عندما ترصّدوا نفسي."
هم يجتمعون خفية ويتآمرون ضدي، يترصدون خطواتي ليهلكوا نفسي.
آية (7): "على إثمهم جازهم. بغضب اخضع الشعوب يا الله."
هذه بروح النبوة، فالله يخضع كل الأشرار. وخاصة اليهود الذين صلبوا المسيح.
آية (8): "تيهاني راقبت. اجعل أنت دموعي في زقّك. أما هي في سفرك."
تيهاني راقبت= هو يشعر أنه حتى في توهانه في جت، وفي هروبه من شاول، أن عين الله عليه ويحفظه. وهو يشعر أن الله في كل ضيقته تضايق وأن الله رأي دموعه وهو يذكر كل الآلام التي وقعت عليه، وسيعوضه خيراً لذلك يقول= أجعل أنت دموعي في زقك. الله كتب آلامه في سفر لا يصل إليه أحد أي أن الله لن ينسى له كل هذه الآلام. ومتى يحفظ الله دموعنا في زق عنده؟ حينما نبكي أمامه في صلواتنا، ولا نبكي أمام الناس ونشتكي لهم، أو نبكي على ضياع شئ جسداني تافه في روح تذمر على الله. ولقد كان للمصريين والرومان آنية صغيرة يحفظون فيها دموعهم كتذكار محبة لمن بكوا من أجله. وداود لم يلجأ لحفظ دموعه في إناء ينكسر بل أراد أن يحفظها عند الله. والزق إناء جلدي يحفظون فيه الخمور. وداود ربما أراد في تسابيحه وصراخه لله أن يفرح قلبه بأنه له وهو لا يلجأ إلى سواه. لقد حفظ الله في زق عنده دموع المرأة الخاطئة، وكانت أمامه أثمن من أي طيب. والدموع تغلب الله (نش5:6).
آية (9): "حينئذ ترتد أعدائي إلى الوراء في يوم أدعوك فيه. هذا قد علمته لأن الله لي."
طالما أن عينا الله تراقبه وعنايته تحيطه فلن يتمكن أعداؤه منه.
آية (12): "اللهم عليّ نذورك. أوفي ذبائح شكر لك."
وصل هنا إيمان النبي إلى الذروة، لقد رأى أن الله سيعيده لأورشليم منتصراً على أعدائه فيوفي نذوره ويقدم ذبائح شكر لله.
آية (13): "لأنك نجيت نفسي من الموت. نعم ورجليّ من الزلق لكي أسير قدام الله في نور الأحياء."
الله نجاه من الموت. وأنقذ رجليه من الزلق= انحرافه لعبادة آلهة جت أسير قدام الله في نور الأحياء= المرنم يقصد المعنى المباشر أنه سيعود حياً إلى أورشليم. ولكن الآية تشير لما هو أبعد من هذا. فهي تشير للخلاص الذي قدمه لنا المسيح الذي نجى نفوسنا من الموت فهو بموته داس الموت. وهو أعطانا أن نغلب الخطية ولا ننزلق فيها وفي طرقها وأعطانا حياة أبدية في نور الأحياء حيث يكون المسيح، هو نور أورشليم السماوية.
المزمور الثامن والخمسون
هناك عدة أراء عن المناسبة التي قيل فيها هذا المزمور:-
1. قبل أن يبدأ شاول ملاحقته لداود مع جنوده ليقتله، استخدم القضاة المرتشين ليصدروا حكماً ضد داود بأنه خارج عن القانون وعلى من يجده أن يقتله.
2. قيل بمناسبة الحكم الظالم الذي أصدره شاول ضد كهنة نوب الأبرياء.
3. عن طريقة قضاء إبشالوم وأتباعه، إذ عوجوا القضاء ليجذبوا قلوب الشعب.
آية (1): "أحقا بالحق الأخرس تتكلمون بالمستقيمات تقضون يا بني آدم."
هنا نجد داود في مرارة يوبخ القضاة أو الحكام الذين يمزجون الكذب بالحق فيعوجوا القضاء حسب أهوائهم. الحق الأخرس= من يعرف الحقيقة ولا يتكلم. ونجد في هذا نبوة عما فعله اليهود بالمسيح، تلفيق تهم، وإخفاء حقائق وحكم ظالم ضده.
آية (2): "بل بالقلب تعملون شروراً في الأرض ظلم أيديكم تزنون."
القلب= أي أفكارهم وشهواتهم وإرادتهم خاطئة، والنتيجة ظلم أيديكم= أعمالكم. فهم في كلماتهم تجدهم يتكلمون بالحق ولكن أفكارهم ونياتهم وأعمالهم كلها ظلم. ظلم أيديكم تزنون= كأن القاضي له ميزان ليزن الحق والباطل، وميزان هؤلاء غش.
آية (3): "زاغ الأشرار من الرحم ضلّوا من البطن متكلمين كذباً."
سبق داود وقال" بالخطية حبلت بي أمي" وهذا عن أن كل مولود يرث خطية آدم ولكن المقصود هنا بقوله زاغ الأشرار من الرحم= أن هؤلاء القضاة الظالمين ولدوا من أباء على شكلهم، فالخطية تفشت وسط المجتمع. فالمبادئ الفاسدة التي سادت المجتمع الفاسد هي الرحم الذي نشأوا فيه.
الآيات (4،5): "لهم حمة مثل حمة الحيّة. مثل الصلّ الأصم يسد أذنه. الذي لا يستمع إلى صوت الحواة الراقين رقى حكيم."
داود هنا يشبه هؤلاء الأشرار بالحية التي تسد أذنيها حتى لا تسمع صوت المزمار الذي يطلقه الراقي ليخرجها ويمنعها أن تطلق سمومها على الناس. (هذه قد تكون أسطورة أو فكرة عند الناس أن الحيات تستجيب لمزمار الحواة الراقين) والمهم المعنى أن هؤلاء الأشرار يطلقون سمومهم وكلامهم الردئ المسموم ضد الناس غير سامعين لمشورات الأبرار بأن يكفوا عن هذا.
آية (6): "اللهم كسّر أسنانهم في أفواههم. أهشم أضراس الأشبال يا رب."
طالما لا أمل في إصلاحهم فالمرنم يطلب عقابهم حتى لا يستمروا في أذيتهم للأبرياء وأسنانهم وأضراسهم إشارة لفمهم الذي يطلق الأكاذيب ويأكلوا بها سمعة الأبرياء فيحطمونهم، فالأشبال تطحن الفريسة بأضراسها.
آية (7): "ليذوبوا كالماء ليذهبوا. إذا فوّق سهامه فلتنب."
الماء إذا انسكب على الأرض لا يمكن جمعه ثانية. والمرنم يطلب أن تذهب عنهم قوتهم حتى لا يتسببوا في آذية أحد. وإذا فوق سهامه= فوَّق أي وضع السهم على وتر القوس، أي مستعد لإطلاقه على الأبرياء. فلتنب= أي تتكسر ولا تصيب أحد.
آية (8): "كما يذوب الحلزون ماشياً. مثل سقط المرأة لا يعاينوا الشمس."
كما يذوب الحلزون ماشياً= الحلزون هو القوقع. وهذا يفرز مادة لزجة، وبينما هو يسير تستهلك تلك المادة اللزجة ويتركها وراءه، وبالطبع مع الوقت ستستهلك تلك المادة ويستهلك القوقع بالتالي (أصل كلمة القوقع المستخدمة هنا فقط في الكتاب المقدس تشير لفتاة تجرجر ذيل فستانها وراءها. فهذا القوقع يترك على الأرض في سيره مادته اللزجة حتى يجف وينتهي ويموت). وصلاة المرنم أن يضمحل هؤلاء الأشرار هكذا. بل ليتهم لا يولدون ويكونون سقط المرأة الذي يموت قبل أن يولد. أو يا ليت خططهم ومؤامراتهم لا تولد.
آية (9): "قبل أن تشعر قدوركم بالشوك نيئاً أو محروقاً يجرفهم."
الشوك سريع الاشتعال ولا يبقي كثيراً أمام النار. وهؤلاء الأشرار يا رب فلتجعلهم كالشوك، ينتهون قبل أن تشعر القدر بنارهم. نيئاً أو محروقاً= الشوك أمام النار يشتعل سواء كان جافاً أو مازال في خضرته. والمعنى فلتبيدهم يا رب سواء كانوا في بداية مؤامراتهم أو إذا كانت مؤامراتهم وشرورهم قد نضجت.
آية (10): "يفرح الصدّيق إذ رأى النقمة. يغسل خطواته بدم الشرير."
فرح الصديق بهلاك الأشرار راجع لأنه رأى قداسة الله وعدم رضاه على الشر فيتشجع لأنه يسير في طريق الله، ولأن الله يحب طريق الحق. فنجاح طريق الشرير يدفع البار للحزن ويضعف قلبه، وحين يرى عدل لله يزداد ثقة في أن الله لا يرضى بالظلم. يغسل خطواته بدم الشرير= الصديق حين يرى عقوبة الشرير أن الله انتقم منه يخاف بالأكثر فيطهر أعماله خوفاً من أن تكون له نفس عقوبته.
آية (11): "ويقول الإنسان أن للصديق ثمراً. انه يوجد اله قاض في الأرض."
من ظن أنه ليس هناك مكافأة لمن يعمل أعمالاً صالحة، أو ظن أنه لا عقاب للشرير، الآن بعد عقاب الشرير سيعرف أن الله يكافئ البار ويعاقب الشرير.
المزمور التاسع والخمسون
نرى في هذا المزمور رجال شاول يحاصرون داود وزوجته تخدعهم وتنزله من الكوة وداود كان في هذا رمزاً للمسيح الذي نجاه الله بقيامته. وما ناله أعداء داود من عقاب مثال لما حدث لليهود وسيحدث لهم في يوم القضاء. ونحن حين نرتل هذه المزامير نذكر إبليس عدونا ونهايته المنتظرة. ومن أعدائنا الأقوياء الشهوة والخطية.
الآيات (1-5): "أنقذني من أعدائي يا الهي. من مقاوميّ احمني. نجني من فاعلي الإثم ومن رجال الدماء خلصني. لأنهم يكمنون لنفسي. الأقوياء يجتمعون علي لا لاثمي ولا لخطيتي يا رب. بلا إثم مني يجرون ويعدّون أنفسهم. استيقظ إلى لقائي وانظر. وأنت يا رب اله الجنود إله إسرائيل انتبه لتطالب كل الأمم. كل غادر أثيم لا ترحم. سلاه."
صلاة للخلاص من الأعداء الأقوياء. وهذا ما فعله ويفعله المسيح لنا، فهو يحمينا من الأعداء الأقوياء= (شاول/ إبليس.. ) وقوله لا لإثمي= يشير إلى أنه لم يخطئ إليهم، لكنهم يهاجمونه بلا سبب. ويعدون أنفسهم للفتك بي. استيقظ= هذا ما قاله التلاميذ للمسيح إذ ظنوه نائماً في السفينة لا يهمه أمر غرقهم. الأمم= المقصود بهم الأمم الوثنية أي من يعبدون الشياطين. وهو ضم شاول ورجاله لهؤلاء فإبليس هو أبوهم وقائدهم. إنتبه= أي دع الإمهال وطول الأناة.
الآيات (6،7): "يعودون عند المساء يهرّون مثل الكلب ويدورون في المدينة. هوذا يبقّون بأفواههم. سيوف في شفاههم. لأنهم يقولون من سامع."
يهرّون مثل الكلب= التشبيه هنا بصياد يرسل كلابه وراء الفريسة. والصياد هو شاول الملك. وقوله يهرّون أي يصدرون أصوات خافتة كما ينبح الكلب بصوت خافت، وذلك لأنهم يخافون أن يهرب منهم داود. وتشبيه الأعداء بالكلاب (راجع مز22) يعودون عند المساء= الليل يشير للخطية التي هم فيها. هوذا يبقون[******] بأفواهم= أي يتجشأون بأفواههم والمعنى أنهم يخرجون من أفواههم فيض من الشر الذي كالسيوف لأنهم يقولون من سامع= هم في جبروتهم يقولون لن يسمع أحد صراخ المظلوم.
آية (8): "أما أنت يا رب فتضحك بهم. تستهزئ بجميع الأمم."
تضحك.. تستهزئ= راجع مزمور (2) (صلاة باكر).
آية (9): "من قوّته إليك التجئ لأن الله ملجأي."
قوته= قوة العدو.
آية (10): "الهي رحمته تتقدمني. الله يريني بأعدائي."
هذه خبرات داود السابقة التي تسنده في ضيقته الحالية (الأسد- الدب- جليات).
آية (11): "لا تقتلهم لئلا ينسى شعبي. تيّههم بقوتك وأهبطهم يا رب ترسنا."
المرنم يطلب أن يتشتت أعداؤه ليكونوا عبرة لكل شرير. فلو ماتوا لنسى الناس شرهم. وكانت هذه نبوة عن تشتت اليهود بعد صلبهم للمسيح، وأهانتهم 2000سنة في كل مكان. وكل ما نرى ما حدث لليهود نتأكد أنها عقوبة إلهية لأنهم مازالوا غير مؤمنين.
آية (12): "خطية أفواههم هي كلام شفاههم. وليؤخذوا بكبريائهم ومن اللعنة ومن الكذب الذي يحدّثون به."
مازالت خطية اليهود هي رفضهم وإهاناتهم للمسيح وكذبهم وتحريفهم للآيات والنبوات التي بين أيديهم والتي تنطق بما حدث للمسيح.
آية (13): "افن بحنق افن ولا يكونوا وليعلموا أن الله متسلط في يعقوب إلى أقاصي الأرض. سلاه."
هنا يزداد المرنم غيظاً على هؤلاء الكذابين ويطلب فنائهم، وهذا ما حدث لليهود على يد تيطس سنة 70م. ولاحظ تكرار كلمة إفن للتأكيد. لعدم إيمانهم أن المسيح ملك متسلط على يعقوب وعلى كنيسته إلى أقاصي الأرض. (يعقوب هو أبو الكنيسة بالجسد).
الآيات (14،15): "ويعودون عند المساء يهرّون مثل الكلب ويدورون في المدينة. هم يتيهون للأكل. أن لم يشبعوا ويبيتوا."
الآية (14) هي تكرار للآية (6) ولكن آية (15) تختلف عن آية (7). والفارق بين الحالتين، هو الفارق بين اليهود وهم يدبرون مؤامرتهم ضد المسيح وهم في قوتهم شاعرين أنهم قادرين أن يفعلوا به ما يريدون، وبين اليهود حين تشتتوا وفارقهم الله ففارقتهم قوتهم ورأوا الكنيسة التي يشبعها الله وهم في حالة جوع. في الأول كان لهم سيوف ويبقون بأفواههم. وفي الثاني مشتتين= هم يتيهون للأكل إن لم يشبعوا ويبيتوا= تترجم ويحسدون ويتذمرون إذ لا يجدون شبعهم.
الآيات (16،17): "أما أنا فاغني بقوتك وأرنم بالغداة برحمتك لأنك كنت ملجأ لي ومناصاً في يوم ضيقي. يا قوتي لك أرنم لأن الله ملجأي اله رحمتي."
وأرنم بالغداة= أي في الصباح وقارن مع الأعداء الذين يعودون عند المساء (آية6). ونصيب أولاد الله هو المسيح شمس البر نورهم. ونصيب الأشرار سلطان الظلمة أي إبليس. ومن هم في نور المسيح لا يكفوا عن التسبيح.
المزمور الستون
هناك مزامير كثيرة تتكلم عن داود المتألم الذي يصرخ إلى الله ليخلصه. ولكن هذا المزمور كتبه داود في يوم انتصاره، يوم استقر على عرشه، بعد أن أعطاه الله نصرة على الأراميين ثم الأدوميين (يبدو أن الأدوميين استغلوا حرب داود مع أرام وضربوا إسرائيل من الجنوب، فعاد يوآب وضرب أدوم). ورنم داود هذا المزمور مُصَوِّراً أن الله تخلى عنهم فوقع الشعب في ضيق، ثم نظر إليهم معطياً قوة فصار أعدائهم في خزي. وكان هذا مثالاً لما حدث مع المسيح، إذ ظن كل واحد أن الله قد تخلى عنه وهو معلق على الصليب، ثم بعد القيامة صار أعداؤه في خزي تحت قدميه.
الآيات (1-3): "يا الله رفضتنا أقتحمتنا سخطت. أرجعنا. زلزلت الأرض فصمتها. اجبر كسرها لأنها متزعزعة. أريت شعبك عسراً. سقيتنا خمر الترنح."
هنا تصور لحالة الشعب في إنكساره، في بداية المعركة وكأن الأرض فُصِمَتْ أي إنشقت ما بين أرام من الشمال وأدوم من الجنوب، وهو يُصَّوِرْ أي إنكسار للشعب على أنه تخلى من الله عنهم، وهذا صحيح فكل من يتخلى عن الله يتخلى الله عنه فينكسر ولكن بالنسبة لأولاده، فقد يكون التخلي لفترة قصيرة يعقبها مجد وهذا ما حدث مع شعب إسرائيل هنا رمزاً لما حدث مع المسيح نفسه بعد ذلك.
الآيات (4،5): "أعطيت خائفيك راية ترفع لأجل الحق. سلاه. لكي ينجو أحباؤك. خلّص بيمينك واستجب لي."
أعطيت خائفيك راية= المحاربون يميزون بعضهم بعلامات فكل جيش له راية أو علامة، حتى لا يقتل الزميل زميله. وهنا نجد أن الله هو الذي أعطاهم الراية فهو الذي يحميهم، وهذه الراية هي الإيمان باسمه، واسم الله هو الذي يحميهم. وهم الآن يرون هذه الراية مرفوعة، في صلوات الكهنة في الهيكل وصلوات الجنود في المعركة، في اسم الله الذي يتردد على شفاههم. والراية التي ترفعها الكنيسة الآن هي علامة الصليب، وبها ننجو من سهام إبليس، واسم يسوع المرعب لجنود إبليس.
الآيات (6-12): "الله قد تكلم بقدسه. أبتهج اقسم شكيم وأقيس وادي سكوت. لي جلعاد ولي منسّى وافرايم خوذة رأسي يهوذا صولجاني. موآب مرحضتي. على أدوم اطرح نعلي. يا فلسطين اهتفي عليّ. من يقودني إلى المدينة المحصّنة. من يهديني إلى أدوم. أليس أنت يا الله الذي رفضتنا ولا تخرج يا الله مع جيوشنا. اعطنا عونا في الضيق فباطل هو خلاص الإنسان. بالله نصنع ببأس وهو يدوس أعداءنا."
هنا داود يتكلم عن النصرة التي أعطاها الله. فالله قد تكلم بقدسه= أي أعطانا وعده المقدس. وطالما أنه وعد فلأبتهج. والله وعد داود بأن يملك على كل إسرائيل وطالما أن الله وعد فهو سيعطي داود أن تكون له إسرائيل كلها نصيباً وملكاً له. أقسم شكيم وأقيس وادي سكوت. لي جلعاد.... يهوذا صولجاني= الأسباط كلها صارت له ولن يغتصب أرام أو أدوم شيئاً. لن يقتسم أرام وأدوم الأرض، ولكن كلها لداود وأما أعدائه فلقد أخضعهم الله تحت قدميه (موآب وأدوم) فمؤاب تصير مهانة كمرحضة وأدم موطئاً لرجليه. وأنت يا فلسطين أن كان لك جرأة إهتفي على وسيكون مصيرك كهؤلاء. ثم يترنم المرنم ويسبح الله الذي أعاده إلى أورشليم المدينة المحصنة بل أعطاه أن يهزم أدوم ويدوسها ويضرب منها 12.000 في وادي الملح (العنوان). نجد داود هنا يسبح الله وحده الذي يخلص، أما الإنسان فلا يستطيع أن يخلص= باطل هو خلاص الإنسان. ومن الناحية الرمزية. الله قد تكلم بقدسه= الله قد تجسد بالروح القدس من مريم العذراء (عب1:1،2). وبفدائه اشترى كل عبيده وشعبه واقتسمهم أي صاروا نصيبه (أش12:53). وصار الشيطان تحت أقدامه وأقدام كنيسته (لو19:10). وفي (9) نرى صورة لوحدة الكنيسة بين اليهود والأمم. اليهود هي المدينة المحصنة أورشليم، والأمم هي أدوم. الكنيسة التي كانت قبل المسيح مرفوضة= اليس أنت يا الله الذي رفضتنا. وهو الذي يخلص= فباطل هو خلاص الإنسان.
المزمور الثاني والستون
لا يتضح من عنوان المزمور ولا من كلماته، في أي مناسبة قد كتبه داود، إنما هو للتعبير عن الثقة في الله، فالمرنم يقول أنه يثق فيه وينتظره. ويدعو كل من يسمعه أن يفعل مثله.
الآيات (1،2): "إنما للّه انتظرت نفسي. من قبله خلاصي. إنما هو صخرتي وخلاصي ملجأي. لا أتزعزع كثيراً."
خلاصي.. صخرتي= هي أسماء للمسيح المخلص (لو30:2 + 1كو4:10). لا أتزعزع كثيراً= من غير الممكن أن لا يتزعزع الإنسان. لكن كلما أقترب الإنسان من الله وقلت خطاياه. قل تزعزعه. وحتى القديس إن تزعزع فهو سريعاً ما يعود لسلامه وثقته في الله.
آية (3): "إلى متى تهجمون على الإنسان. تهدمونه كلكم كحائط منقض كجدار واقع."
هنا يشبه الإنسان بحائط منقض والأعداء مجتمعين عليه ليسقطوه. وهذا هو حال الطبيعة البشرية الساقطة، هي مثال حائط هزته صدمة الخطية فمال إلى السقوط، ولا يمكن إعادة بنائه وقيامه إلا بالهدم ثم إعادة البناء (هذا يتم بالمعمودية الآن فنحن نموت وندفن مع المسيح لنقوم ثانية معه في جدة الحياة رو6) وفيما بعد الموت نقوم بجسد نوراني.
آية (4): "إنما يتآمرون ليدفعوه عن شرفه. يرضون بالكذب. بأفواههم يباركون وبقلوبهم يلعنون. سلاه."
نرى هنا صورة لمحاولات الأعداء ضد هذا الجدار ليوقعوه. فهم يتآمرون ليدفعوه عن شرفه= أي يدفعوه ليسقط في الخطية. يرضون بالكذب= هم يغشون ويكذبون كما خدعت الحية حواء بخلطها الكذب بالحقيقة. بأفواههم يباركون= يظهرون للإنسان أنهم أصدقاء محبين ويدعونه للخطية كأنها للترفيه عنه. وبقلوبهم يلعنون= قلوبهم مملوءة كراهية له.
الآيات (5-10): "إنما للّه انتظري يا نفسي لأن من قبله رجائي. إنما هو صخرتي وخلاصي ملجأي فلا أتزعزع. على الله خلاصي ومجدي صخرة قوتي محتماي في الله. توكلوا عليه في كل حين يا قوم اسكبوا قدامه قلوبكم. الله ملجأ لنا. سلاه. إنما باطل بنو آدم. كذب بنو البشر. في الموازين هم إلى فوق. هم من باطل أجمعون. لا تتكلوا على الظلم ولا تصيروا باطلا في الخطف. أن زاد الغنى فلا تضعوا عليه قلباً."
أولاد الله لا يضعوا ثقتهم ورجائهم سوى في الله وحده. أما الإنسان في نظرهم فهو باطل= باطل بنو آدم= وباطل هنا كما في سفر الجامعة أنه شئ مثل السراب لا يمكن أن تثق فيه، فهو اليوم موجود، وغداً لا تجده، ووعود الإنسان باطلة فكيف نثق في إنسان مهما زاد غناه ومركزه= إن زاد الغنى فلا تضعوا عليه قلباً فكل ما يفتخر به الإنسان من غنى وكرامة ومجد وقوة.. كله فانٍ زائل. ثم يوجه المرنم نصيحة لمن يسمع أن لا يظن أن في الغنى قوة فيسعى للمال بطريق الظلم= لا تصيروا باطلاً في الخطف.
الآيات (11،12): "مرة واحدة تكلم الرب وهاتين الاثنتين سمعت أن العزّة للّه. ولك يا رب الرحمة لأنك أنت تجازي الإنسان كعمله."
مرة واحدة تكلم= أي أن الله كلامه كلام واحد، لا يزيد عليه ولا ينقص منه. وهذين الاثنتين سمعت= سبق وقال أن الله قد تكلم وقضاءه واحد، والمرنم سمع ما قضى به الله وهو أمرين [1] أن العزة لله= هو وحده له القوة وهو وحده يؤدب الخاطئ [2] ولك يا رب الرحمة وقوته تتكامل مع رحمته، وعدله ومحبته ظهرا معاً على الصليب.
المزمور الرابع والستون
هذا المزمور هو تعبير عن العداوة المستمرة بين نسل المرأة ونسل الحية. فهناك قتال ثائر دائماً ضد القديسين من إبليس وجنوده.
الآيات (1-6): "استمع يا الله صوتي في شكواي. من خوف العدو احفظ حياتي. استرني من مؤامرة الأشرار من جمهور فاعلي الإثم. الذين صقلوا ألسنتهم كالسيف. فوّقوا سهمهم كلاما مرّا. ليرموا الكامل في المختفى بغتة يرمونه ولا يخشون. يشددون أنفسهم لأمر رديء. يتحادثون بطمر فخاخ. قالوا من يراهم. يخترعون إثما تمموا اختراعا محكما. وداخل الإنسان وقلبه عميق."
هي صرخة المرنم يشكو لله ليحفظ حياته بلا عثرة، فهو خائف من مؤامرات الأعداء الأشرار. الذين يشتكون عليه ظلماً= صقلوا ألسنتهم كالسيف. ويرمون سهامهم على الإنسان الكامل وهو لا يراهم إذ هم في المختفى= أي يكمنون للنفس البريئة. ولا يخشون إنتقام عدل الله منهم. وقالوا من يراهم= فهم لا يشعرون أن الله يرى كل شئ وسيعاقب. داخل الإنسان وقلبه عميق= شرورهم عميقة في قلوبهم وتدبيراتهم في الخفاء داخل قلوبهم. ونلاحظ أنه كلما أزدادت الخطية يزداد عمي الإنسان داخل قلبه فلا يعود يرى أن الله غاضب وأنه سينتقم من الشر والشرير.
الآيات (7-10): "فيرميهم الله بسهم بغتة كانت ضربتهم. ويوقعون ألسنتهم على أنفسهم. ينغض الرأس كل من ينظر إليهم. ويخشى كل إنسان ويخبر بفعل الله وبعمله يفطنون. يفرح الصدّيق بالرب ويحتمي به ويبتهج كل المستقيمي القلوب."
هنا نرى الله المنتقم العادل القدوس، الذي لا يقبل الشر ولا يسكت عليه والضربة تأتي فجأة عليهم بينما هم يشعرون أنهم في قوتهم قادرين على حماية أنفسهم (أع22:12،23). ويوقعون ألسنتهم على أنفسهم= ترتد مؤامراتهم عليهم (هامان كمثل) وسيتعجب كل من يراهم كيف تحولت قوتهم وكبريائهم إلى لا شئ.
المزمور الخامس والستون
هذا المزمور فيه يعطي المرنم مجداً لله على أعماله قوته ومحبته ويدعونا لنفعل نفس الشيء.
الآيات (1،2): "لك ينبغي التسبيح يا الله في صهيون ولك يوفى النذر. يا سامع الصلاة إليك يأتي كل بشر."
في المزمور السابق رأينا الله ينتقم من الأعداء (الشياطين). وهنا النفس التي فرحت بهذا الخلاص تسبح مسيحها على عمله. وتسبحه في الكنيسة= صهيون التي فداها واشتراها بدمه. ومازال يستجيب لصلواتها= يا سامع الصلوة. بل هو يفرح بصوتها (نش14:2). فالمسيح يفرح بصوت كنيسته. وهي تسبحه على استجابته لصلواتها.
الآيات (3،4): "آثام قد قويت عليّ. معاصينا أنت تكفّر عنها. طوبى للذي تختاره وتقربه ليسكن في ديارك. لنشبعنّ من خير بيتك قدس هيكلك."
يتذكر النبي الأثام التي سقط فيه فيصرخ= أثام قد قويت عليّ. ولكنه بروح النبوة رأي عمل المسيح الكفاري= أنت تكفِّر أي تغطيها بدمك. وبعمل المسيح اختار المؤمنين ليسكنوا في كنيسته، وطوبى لمن اختاره الرب ويشبعه من خيراته في كنيسته. (موضوع الاختيار شرحه القديس بولس في رو28:8-30). وهؤلاء يسكنون في بيت الله الآن ثم في أورشليم السماوية للأبد. والموت كان عقوبة وانفصال عن الله قبل المسيح. والآن نصلي بهذه الآية في الصلوات التي تتلوها الكنيسة عند انتقال أحد المؤمنين لأننا نعتبر أن الله اختاره ليبدأ الحياة في راحة مع القديسين.
آية (5): "بمخاوف في العدل تستجيبنا يا اله خلاصنا يا متكل جميع أقاصي الأرض والبحر البعيدة."
بمخاوف في العدل تستجيبنا= الله في عدله يضرب أعداء كنيسته ضربات مخيفة. وهو أيضاً في قداسته لا يقبل أن شعبه يخطئ لذلك يضرب شعبه ويؤدبهم بضربات مخيفة لتأديبهم حتى لا يهلكوا أبدياً، لذلك يكمل بقوله يا إله خلاصنا= فكل تأديباته هي للخلاص والله يستجيب لشعبه في كل مكان وهو متكل جميع أقاصي الأرض والبحر البعيدة= تفهم أيضاً أن الله يهتم بمن هم مازالوا بعيداً عنه، فالبحر بملوحته يشير للعالم المضطرب.
الآيات (6،7): "المثبت الجبال بقوته المتنطق بالقدرة. المهدئ عجيج البحار عجيج أمواجها وضجيج الأمم."
هو يسبح الله المتنطق قدرة أي القدير. وبقدرته يثبت الجبال ويهدئ البحار والمسيح أسكت أمواج البحر. وتفهم أن الأمم الذين يشبهون البحر في هيجانهم ومتكبرون مثل الجبال في عزتها، هؤلاء بإيمانهم ثبتهم الله في كنيسته وأعطاهم سلاماً.
آية (8): "وتخاف سكان الأقاصي من آياتك. تجعل مطالع الصباح والمساء تبتهج."
توالي الليل والنهار، إشراق الشمس بنورها صباحاً، وقدوم الليل بهدوئه هي أسباب نسبح الله عليها ونفرح بها كعلامات عنايته بالبشر وعلامات لقوته ونلاحظ أن الله جعل الشمس والقمر لآيات وأوقات وأيام وسنين (تك14:1). وهذه في انتظام دوراتها تعطينا أن نرى يد الله ونسبحه. ولكن الله بقدرته يجعلها تخرج من القوانين العادية لها وهذا يجعل الإنسان في خوف (كما وقفت الشمس أيام يشوع ورجعت أيام حزقيا واختفت يوم صلب المسيح).
الآيات (9-13): "تعهدت الأرض وجعلتها تفيض. تغنيها جدا. سواقي الله ملآنة ماء. تهيئ طعامهم لأنك هكذا تعدّها. أرو أتلامها مهّد أخاديدها. بالغيوث تحللها. تبارك غلتها. كللت السنة بجودك وآثارك تقطر دسما. تقطر مراعي البرية وتتنطق الآكام بالبهجة. اكتست المروج غنما والأودية تتعطّف بُرّاً. تهتف وأيضاً تغني."
نرى هنا إحسانات الله على الإنسان، إذ هو يعطي المطر ليروي الأرض فتفيض من خيراتها وذلك طوال السنة. وروحياً فالأنهار والسواقي تشير للروح القدس الذي يروي أجسادنا (الأرض فالأجساد من تراب الأرض) فيكون لنا ثمار (غل22:5،23) والله يشبعنا روحياً بكلامه المقدس، وبجسده ودمه في التناول. أتلامها= الأرض المحروثة. الغيوث= الندى. كللت السنة بجودك= الآن سنة مقبولة (لو19:4 + أش2:61). هذه السنة التي باركها الرب هي مدة عمرنا، فلننتهز الفرصة ونقدم توبة فيبارك لنا الرب، كما بارك في كل من أطاع من قبل= أثارك تقطر دسماً= كل القديسين السابقين هم ببركات حياتهم شهود على بركات الرب، هم أثار عمل نعمة الرب فيهم. وكل أثارهم فيها دسامة عمله. مراعي البرية= إشارة للأمم الذين كانوا قبلاً برية، وجعلها الله مراعي خضراء مملوءة بالمؤمنين = اكتست المروج غنماً. وهو في وسطها الراعي الصالح. والآكام هي القديسين. في الآية (9) تهيئ طعامهم= في أصلها العبري تعد لهم القمح. وفي الآية (13) الأودية تتعطف براً= وهذه في أصلها أن الأودية قد تغطت بالقمح. ولكن في آية (9)، آية (13) كلمتي القمح مختلفتان فبينما تعني في آية (9) القمح فعلاً تشير الكلمة في آية (13) إلى إبيضاض الحقول وأنها قد ابيضت من نضوج الثمر. (يو35:4). والترجمة العربية تشير لأن المسيح برر شعبه. لأن كلمة قمح المستخدمة في آية (13) لها معاني أخرى تشمل "الاختيار، يُلَّمِعْ الشئ، ينقيه، يطهره.. "
المزمور السادس والستون
مزمور شكر وتسبيح، وهكذا تعلمنا الكنيسة أن نشكر دائماً وفي كل المناسبات.
الآيات (1-7): "اهتفي لله يا كل الأرض. رنموا بمجد اسمه. اجعلوا تسبيحه ممجداً. قولوا لله ما أهيب أعمالك. من عظم قوتك تتملق لك أعداؤك. كل الأرض تسجد لك وترنم لك. ترنم لاسمك. سلاه. هلم انظروا أعمال الله. فعله المرهب نحو بني آدم. حول البحر إلى يبس وفي النهر عبروا بالرجل. هناك فرحنا به. متسلط بقوته إلى الدهر. عيناه تراقبان الأمم. المتمردون لا يرفعنّ أنفسهم. سلاه."
المرنم يسبح الله بسبب أعماله العجيبة وسلطانه على كل الطبيعة. إهتفي= هو صوت فرح الغلبة. ما أهيب أعمالك= أعمال الله في خلقته عجيبة، ولكن أعجب أعماله التي نمجده ونسبحه عليها، تجسده وفداؤه للبشر. تتملق لك أعداؤك= فالهراطقة مثل الأريوسيين وخلافهم أنكروا لاهوت المسيح ومثلهم الآن شهود يهوه وخلافهم لكنهم مازالوا يتملقون الله ويدعون اسمهم مسيحيين. بل الشياطين صرخوا أمامه "أنا أعرفك من أنت، قدوس الله" (لو34:4). وفي (6) يشير لشق البحر الأحمر أمام موسى ونهر الأردن أمام يشوع. عيناه تراقبان الأمم= يشتهي خلاصهم ودخولهم إلى الأيمان.
الآيات (8-12): "باركوا إلهنا يا أيها الشعوب وسمّعوا صوت تسبيحه. الجاعل أنفسنا في الحياة ولم يسلّم أرجلنا إلى الزلل. لأنك جربتنا يا الله. محصتنا كمحص الفضة. أدخلتنا إلى الشبكة. جعلت ضغطا على متوننا. ركبت أناسا على رؤوسنا. دخلنا في النار والماء ثم أخرجتنا إلى الخصب."
نسبح الرب الجاعل أنفسنا في الحياة= فهو بموته أعطانا حياة. ومن يثبت فيه يسلم أرجله من الزلل. وفي (10) نجد الله يسمح بالتجارب لينقي أولاده. وهكذا كان الله مع شعبه إسرائيل، فلقد سمح بأن يذلهم بعض الأمم ليتركوا وثنيتهم= أدخلتنا إلى الشبكة= سمحت للعدو أن يسبينا. بل كانت يد العدو ثقيلة= جعلت ضغوطاً على متوننا. فالعدو وضع عليهم أثقال حين سخروهم، والضغوط تشير أيضاً لأحزانهم ركبت أناساً على رؤوسنا= أي سلطتهم علينا. لقد كنا في أيديهم كمن دخل للنار وكاد يحترق، أو دخل للماء وكاد يغرق. ولكنك يا رب أدركتنا وخلصتنا= أخرجتنا إلى الخصب.
الآيات (13-15): "ادخل إلى بيتك بمحرقات أوفيك نذوري. التي نطقت بها شفتاي وتكلم بها فمي في ضيقي. اصعد لك محرقات سمينة مع بخور كباش اقدم بقرا مع تيوس. سلاه."
وهو في سبيه نذر أن يقدم نذوراً للرب، وها هو يوفي، ولكن بمفهوم العهد الجديد فالذبائح التي يطلبها الله هي الإنسحاق والتسبيح والاهتمام بالفقراء وأن نقدم اجسادنا ذبيحة حية بطاعة الوصية لا الشهوة (عب15:13،16 + رو1:12 + مز17:51) محرقات سمينة= أي نقدم من أفخر ما عندنا. مع بخور كباش= هذه تعنى أما [1] شحوم هذه الذبائح حين يحترق يكون كرائحة بخور ويتنسم الله رائحة الرضا (لا9:1،13.. أو [2] البخور يشير لشفاعة المسيح الكفارية التي بدونها لا تقبل كل ذبائحنا وعطايانا. أقدم بقراً مع تيوس= يقدم أغلى شئ. هو مستعد لأي تكلفة.
الآيات (16-20): "هلم اسمعوا فأخبركم يا كل الخائفين الله بما صنع لنفسي. صرخت إليه بفمي وتبجيل على لساني. أن راعيت إثما في قلبي لا يستمع لي الرب. لكن قد سمع الله. أصغى إلى صوت صلاتي. مبارك الله الذي لم يبعد صلاتي ولا رحمته عني."
المرنم يريد أن يشرح أعمال الله العجيبة لكل الناس ليسبحوا الله معه. لكنه لا يود أن يلقي درره أمام الخنازير، لذلك يوجه كلامه إلى كل الخائفين الله= وهؤلاء حين يسمعون بما عمل الله سيمجدونه، أما الهراطقة وغير الخائفين فسيهزأون بعمله ونرى هنا شرطاً لاستماع الرب لطلباتنا وهو أن لا نراعي إثماً في قلوبنا= أي أن يسهر الإنسان ويخطط لإتمام شهوة ما.
المزمور الثامن والستون
غالباً كتب داود هذا المزمور حين أعطاه الله راحة من كل أعدائه فأصعد تابوت العهد من بيت عوبيد أدوم إلى الخيمة. وكان التابوت رمزاً لحضور الله، وأيضاً فالتابوت رمز للكفارة التي قدمها المسيح. وما يؤكد أن داود كتب هذا المزمور بمناسبة نقل تابوت العهد أن الآية الأولى من المزمور، هي نفسها الصلاة التي كان يرددها موسى عند نقل التابوت (عد35:10) وما أن بدأ داود في تسبيحه هنا قاده الروح فقال أشياء مجيدة عن عمل المسيح خصوصاً صعوده إلى السموات وتأسيس كنيسته.
الآيات (1-3): "يقوم الله. يتبدد أعداؤه ويهرب مبغضوه من أمام وجهه. كما يذرى الدخان تذريهم. كما يذوب الشمع قدام النار يبيد الأشرار قدام الله. والصديقون يفرحون يبتهجون أمام الله ويطفرون فرحا."
هذه صلاة ضد الأعداء، وصلاة لأجل شعب الله الصديقين ليعطيهم الله فرحاً. بخلاصه يقوم الله= هذه نبوة عن قيامة المسيح بالجسد. فهذه لا تقال للاهوت أبداً[††††††]. وقيامة المسيح جعلت الأبالسة أمامه يبيدون وكانت فرح وتسبيح الأبرار الصديقين.
آية (4): "غنوا للّه رنموا لاسمه. اعدّوا طريقا للراكب في القفار باسمه ياه واهتفوا أمامه."
اعدّوا طريقا للراكب في القفار= بالنسبة لتابوت العهد، فالتصوير هنا، أن الرب راكب تابوت العهد، والمرنم يطلب إعداد طريقاً له وسط الأمم حتى يأتي ويدخل أورشليم. وتابوت العهد عموماً يرمز للمسيح الذي تجسد، واسمه ياه= هي اختصار يهوه ومعناه "أنا هو" كما كان المسيح يقول أنا هو الطريق و.. وهو أتي بالجسد وعاش في قفار العالم وعاش وسط الشعوب الخاطئة وذلك ليأتي بها للآب. وهو للآن راكب على القفار. لقد رأي يوحنا المسيح راكباً على فرس أبيض (رؤ2:6). والفرس يشير لكل فرد من المؤمنين ترك قيادة حياته للمسيح الملك، يقوده في قفار وبرية هذا العالم.
آية (5): "أبو اليتامى وقاضي الأرامل الله في مسكن قدسه."
حقاً الله راكباً القفار ولكنه في سمائه أيضاً مسكن قدسه، على عرشه (يو13:3) وهو حين رأي الإنسان كاليتيم بلا أب يخلصه وكأرملة لا زوج يعولها جاء هو ليخلص.
آية (6): "الله مسكن المتوحدين في بيت مخرج الأسرى إلى فلاح. إنما المتمردون يسكنون الرمضاء."
المتوحدين= الذين اعتزلوا خطايا العالم. وتشير لليهود الذين كانوا منعزلين عن العالم هؤلاء أسكنهم الله في بيته أي كنيسته. وحرر أسرى عبودية إبليس ومن يسكن الكنيسة الآن فله نصيب في أورشليم السماوية. ومن يتمرد على الله فنصيبه جهنم= يسكنون الرمضاء.
الآيات (7-14): "اللهم عند خروجك أمام شعبك عند صعودك في القفر. سلاه. الأرض ارتعدت السموات أيضا قطرت أمام وجه الله سينا نفسه من وجه الله اله إسرائيل. مطرا غزيرا نضحت يا الله. ميراثك وهو معي أنت أصلحته. قطيعك سكن فيه. هيّأت بجودك للمساكين يا الله. الرب يعطي كلمة. المبشرات بها جند كثير. ملوك جيوش يهربون يهربون. الملازمة البيت تقسم الغنائم. إذا اضطجعتم بين الحظائر فأجنحة حمامة مغشاة بفضة وريشها بصفرة الذهب. عندما شتت القدير ملوكا فيها أثلجت في صلمون."
المرنم هنا يسبح الله على إحساناته لشعبه عند خروجهم من مصر ودخولهم كنعان وهو يذكر لله أنه هو الذي قاد شعبه لذلك لم يهلكوا في البرية الواسعة القفر، ولم يتمكن منهم فرعون وجيوشه، وهزم ملوك أمامهم سواء عماليق أو كل ملوك كنعان عند دخولهم بقيادة يشوع. وكانت غنائمهم كثيرة حتى أن السيدات في البيوت كان لهن نصيبهن. وكان أعظم ما ناله شعب إسرائيل في هذه المرحلة ظهور مجد الله لهم من على جبل سيناء، فلم يحدث هذا لأي شعب أن رأي مجد الله أو سمع صوته كما حدث لهم. (تث32:4،33). وأعطاهم الله ناموسه. وتزلزلت الأرض وارتعبت الشعوب منهم. (قض4:5،5) بل تزلزلت الارض والجبل نفسه إهتز= سينا نفسه بسبب حضور الله. وربما هذه الزلازل والصواعق امتد تأثيرها للشعوب المجاورة فكانت سبباً ايضاً لرعبهم من شعب الله. السموات قطرت= ربما أمطار رعدية صاحبت هذه الظهورات وربما هي إشارة للوصايا الإلهية (تث2:32) أو يكون هذا إشارة للمن الذي كان ينزل من السماء يومياً وهذا أيضاً معنى هيأت بجودك للمساكين يا الله. وإحسانات الله على شعبه المرهق من عبودية فرعون والهروب من وجهه ظهرت في أنه هيأ لهم إقامة هادئة وسط البرية= ميراثك وهو معي أنت أصلحته. وأعطاهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً. وحينما عطشوا أرسل لهم مطراً غزيراً. ولم يتركهم الله بل أرسل لهم أنبياء يحملون كلمته= الرب يعطي كلمة. المبشرات بها جند كثير. وربما يشير هذا لتسليم الناموس بيد ملائكة. فالوصايا والشريعة كانت بيد ملائكة (عب2:2 + أع53:7) والله جعل من شعبه شعباً نقياً مثل ثلوج جبال صلمون= أثلجت في صلون بعد أن شتت القدير ملوك كنعان أمامهم. وبعد أن كان الشعب في عبودية في مصر غارقين في الطين، صاروا شعباً له جمال ويعيشون في حرية. واتخذ المرنم صورة لحمامة تعيش في سوريا ترمز للجمال لون جناحيه كالذهب، والحمام يشير للطهارة وهو من الطيور الطاهرة، فالتصوير هنا يشير لأن الله طهر شعبه وقدسه بكلمته= أجنحة حمامة مغشاة بفضة. وجعله سماوياً= ريشها بصفرة الذهب.
وكل ما سبق يشير لعمل المسيح الذي خرج بتجسده وصليبه أمام شعبه وجاء إلى قفر هذا العالم وفي صلبه ارتعدت الأرض وتزلزلت. وبعد صعوده أرسل الروح القدس= مطراً غزيراً ليصلح ميراثه المعيي= وميراثه هو كنيسته. الرب يعطي كلمة الإنجيل بواسطة رسله= المبشرات بها جند كثير.والشياطين انسحقوا= ملوك جيوش يهربون. ومن يحصل على الغنائم؟ الملازم للكنيسة= الملازمة البيت تقسم الغنائم وبنفس المعنى= إذا اضطجعتم بين الحظائر= إذا لم تفارقوا الكنيسة تمتلئون من الروح القدس فتصيرون كحمامة مغشاة بفضة (كلمة الله) تعيشون في السماويات= ريشها بصفرة الذهب. ودم المسيح يطهرنا من كل خطية=فالكنيسة اثلجت في صلمون= صارت في بياض الثلج (مز7:51 + أش18:1 + رؤ14:7).
الآيات (15-17): "جبل الله جبل باشان. جبل أسنمة جبل باشان. لماذا أيتها الجبال المسنمة ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه. بل الرب يسكن فيه إلى الأبد. مركبات الله ربوات ألوف مكررة. الرب فيها. سينا في القدس."
داود كتب هذه الكلمات عن إسرائيل، وهو يسبح الله الذي ارتضى أن يسكن فيها. وحيثما يسكن الله يبارك المكان ويجعله سماوياً وثابتاً ولذلك شبه إسرائيل مكان سكن الرب (أو صهيون مكان الهيكل) بأنه جبل (عالي سماوي ثابت) وبالذات جبل باشان (مراعي دسمة). مسنمة= مجبنة، لوفرة اللبن والخيرات. ثم يتوجه بالسؤال للمتكبرين في هذا العالم (16) لماذا أيتها الجبال المسنَّمة= فهم لهم أموال وقوة وخيرات (لنلاحظ أن الله يفيض بخيراته على الأبرار والأشرار). والسؤال لهم لمذا ترصدن الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه= وفي الإنجليزية لماذا تتقافذن، في كبرياء وتعالى على جبل الله؟ ربما أنتم أقوى وأغنى. ولكن ما يميز جبل صهيون أن الله يسكن فيه.
ولكن داود بروح النبوة رأى أن الله يسكن في كنيسته فهذه الآيات لا تصلح أن تطبق تماماً على شعب إسرائيل بسبب قوله يسكن فيه إلى الأبد= وبهذا فهي لا تنطبق سوى على الكنيسة. وهي الجبل المسنم فهي تسقي أولادها لبناً (1كو3:3) وهي التي قالها عنها النبي أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال (أش2:2). مركبات الله ربوات ألوف مكررة قيل عن الشاروبيم أنهم مركبة الله، فالله جالس على الشاروبيم (حز1). والله ركب على شعبه في البرية أي استراح فيهم وقادهم وحارب بهم أعداء شعبه. والله جلس على رسله لينشر كرازته في العالم كله، وهذه الصورة مكررة، فكل من يقدم نفسه لله كمركبة يستخدمه الله كمركبة حربية يحارب بها الشياطين وينتصر. وكما حل الله قديماً على جبل سيناء يحل الآن في كنيسته وفي كل نفس تقبله= سينا في القدس.
آية (18): "صعدت إلى العلاء. سبيت سبيا. قبلت عطايا بين الناس وأيضا المتمردين للسكن أيها الرب الإله."
هي نبوة عن الصعود ونرتلها في مزمور إنجيل قداس عيد الصعود. ولقد سبق المرتل وقال في بداية المزمور يقوم الله كنبوة عن قيامة الرب وها هو يتنبأ عن صعوده ولقد استخدم بولس الرسول الآية في (أف8:4) (راجع أف9:4-12). سبيت سبياً= بعد أن كنا مسبيين في يد إبليس، أمسك بنا من يد العدو، وجعلنا مسبيين له بغلبته صرنا سبايا حبه. قبلت عطايا بين الناس= لقد حل الروح القدس يوم العماد على المسيح لحساب الكنيسة. وقيل أنه صار وارثاً لكل شيء وكان هذا لحساب الكنيسة ومن هي الكنيسة التي صارت وارثة أو بالأحرى ماذا كان حالها قبل خلاص المسيح، كانت شعباً متمرداً= وأيضاً المتمردين للسكن.
آية (19): "مبارك الرب يوما فيوماً. يحمّلنا إله خلاصنا. سلاه."
لقد قبل أعطى للناس عطايا، بل يقول المرنم= يحملنا إله خلاصنا بالمواهب والعطايا.
آية (20): "الله لنا إله خلاص وعند الرب السيد للموت مخارج."
بركات القيامة والصعود نجدها هنا في حل مشكلة الموت التي يعاني منها البشر.
آية (21): "ولكن الله يسحق رؤوس أعدائه الهامة الشعراء للسالك في ذنوبه."
أما من يقاوم الله فمن المؤكد أنه سوف يُدَّمَرْ، وهؤلاء هم الشيطان وأتباعه. وهذه الآية فيها تحقيق لوعد الله في (تك15:3). الهامة الشعراء= هذه لها عدة تفسيرات:-
1. قالوا هي إشارة للعادة القديمة أن يبقي الرأس مكشوفاً حتى يتم العمل المنوى القيام به.
2. أن الله سيحاسب هؤلاء الرافضون له على أدق شئ من ذنوبهم الذي يكون بمقدار شعرة الرأس.
3. إشارة لكل معجب بذاته كما كان إبشالوم معجب بشعره، وبسببه هلك.
4. كان النذير متى تتم أيام انتذاره يحلق رأسه إشارة لكمال التطهير، فالشعر لأنه ناتج طبيعي للجسم، فهو معبر عن فساد الطبيعة البشرية. فمن يجده الله على فساده، ولم يتغير إلى صورة أولاد الله سيعاقب على كل خطية إرتكبها.
الآيات (22-31): "قال الرب من باشان ارجع. ارجع من أعماق البحر. لكي تصبغ رجلك بالدم. ألسن كلابك من الأعداء نصيبهم. رأوا طرقك يا الله طرق الهي ملكي في القدس. من قدام المغنون ومن وراء ضاربو الأوتار في الوسط فتيات ضاربات الدفوف. في الجماعات باركوا الله الرب أيها الخارجون من عين إسرائيل. هناك بنيامين الصغير متسلطهم رؤساء يهوذا جلّهم رؤساء زبولون رؤساء نفتالي. قد أمر إلهك بعزّك. أيّد يا الله هذا الذي فعلته لنا. من هيكلك فوق أورشليم لك تقدم ملوك هدايا. انتهر وحش القصب صوار الثيران مع عجول الشعوب المترامين بقطع فضة. شتت الشعوب الذين يسرّون بالقتال. يأتي شرفاء من مصر. كوش تسرع بيديها إلى الله."
في (20) "قال الله لنا إله خلاص" وهنا نرى خلاص الله فهو ارجع شعبه من باشان= حيث كانوا تائهين يحاربهم عوج ملك باشان، وأتى بهم إلى كنعان. وكان سكان باشان أقوياء مخترين القتال. وهذا إشارة لأن الله لم يتركنا تائهين في العالم تحت عبودية إبليس القوي، بل هزمه وأعطانا أن نعود لكنيسته. وهو أرجع شعبه من عمق البحر الأحمر= والبحر يشير للعالم بأمواجه وملوحته. والله أقامنا من موت العالم وأجلسنا في السماويات (أف6:2). وقد يشير البحر للجحيم الذي أخرج الله منه قديسيه. وفي (23) نرى صورة لانتصار المسيح على الشياطين مأخوذة من صورة معركة حربية سالت فيها دماء الأعداء وداسها الرب المنتصر بقدميه، وأعداؤه هم الشياطين (أش2:63،3 + 6:34،7 + رؤ20:14). وكما لعقت الكلاب دم آخاب وإيزابل هكذا تلعق دماء أعداء المسيح. هذا تعبيراً عن انتصار المسيح على إبليس وعلى الخطية وعلى الموت. والقديس غريغوريوس الكبير فسر هذه الآية بأن الكلاب تشير للكارزين الذي يلعقون جراحات شعب الله كما فعلت الكلاب مع لعازر المسكين، وهم ككلاب صيد يرسلهم المسيح ليصطادوا له المؤمنين ويهاجمون الذئاب ويحرسون قطيعه. رأوا طرقك= هنا نرى أن الكارزين رأوا طرق الرب وأعماله وذهبوا يخبرون بها العالم. وفي (25،26) كما سبح الشعب الله بعد خروجهم من البحر الأحمر، هكذا كل من حرره المسيح يسبح الله بفرح.. أيها الخارجون من عين إسرائيل= المولودين من الماء والروح. وفي (27) نرى كتاب الإنجيل فبولس من سبط بنيامين وباقي الرسل من زبولون ونفتالي التي هي في الجليل (أش1:9،2 + مت15:4). وكل هؤلاء صاروا إخوة بالجسد للمسيح الذي أتى من سبط يهوذا. هؤلاء صاروا عظماء ومعلمي المسكونة وأساس الكنيسة. كانوا بسطاء وصيادين والمسيح جعلهم عظماء ومعلمي المسكونة ببشارة الإنجيل. ثم يطلب المرنم أن يؤيد الله كرازتهم= أيد يا الله هذا الذي فعلته لنا. من هيكلك.. لك تقدم ملوك هدايا= من كنيستك هيكلك يقدم المؤمنين الذين جعلتهم ملوكاً هدايا لك، إيمانهم العامل بمحبة وقد تفهم هكذا "من أجل تجسدك (هيكل جسدك) تقدم لك ملوك الأرض هدايا لكنيستك. وهذه تشير لدخول الأمم ومحبتهم للمسيح وكنيسته. وفي (30) نرى صورتان متناقضتان:-
1. الأولى: نرى فيها المسيح ينتهر الأمم الوثنية المتوحشة ويشبهها هنا بوحش القصب= أي السباع التي تسكن غابات القصب. وينتهر اليهود ورؤساؤهم ويشبههم بالثيران. وشعب اليهود ويشبههم بالعجول (مز12:22) وهؤلاء المسيح انتهر الروح النجس الذي فيهم الذي جعلهم كالوحوش. صوار الثيران= تجمع الثيران في حظائرها. وهؤلاء حين عادوا للمسيح بالإيمان قدموا له فضة، قدموا في خضوع وفي محبة عطاياهم.
2. أما المتمردين، الذين أحبوا حرب الكنيسة وحرب المسيح هؤلاء سيشتتهم. وعلامة دخول الأمم للإيمان، تدخل مصر للإيمان ويخرج منها قديسون عظماء، مصر تشير للكبرياء والله حطم كبرياء الوثنيين وبإيمانهم صاروا متواضعين وحول كوش السوداء رمز الخطية إلى مؤمنين. فالإيمان بالمسيح يحطم الكبرياء والشر.
الآيات (32-35): " يا ممالك الأرض غنوا لله رنموا للسيد. سلاه. للراكب على سماء السموات القديمة. هوذا يعطي صوته صوت قوة. أعطوا عزا للّه. على إسرائيل جلاله وقوّته في الغمام. مخوف أنت يا الله من مقادسك. اله إسرائيل هو المعطي قوة وشدة للشعب. مبارك الله."
دعوة لكل الأمم ليؤمنوا ويسبحوا الله القدير الراكب على سماء السموات القديمة= إشارة لسلطان الله الذي منذ الأزل على السموات والأرض وممالكها والسموات بأفلاكها. هوذا يعطي صوته= صوت الله يشير للرعد الذي يلقي رعباً في النفوس. وأيضاً لصوت الكرازة، ونلاحظ ارتعاب فيلكس الوالي من كلام بولس الرسول (أع25:24) على إسرائيل جلاله= جلال الله ظهر في حمايته لإسرائيل وعقوباته ضدها حين تخطئ فهو إله قدوس. وهكذا مع كنيسته. قوته في الغمام= الغمام يشير للقديسين (عب1:12) والله أعطى للتلاميذ قوات عجيبة وصلت لإقامة الأموات، كما تظهر قوة الله في إعطائه المطر للأرض وحرمانها منه إن أخطأ الشعب. وتظهر عظمة الله في أنه يعطي قوة وشدة لشعبه فيدسوا الحيات والعقارب وينتصروا على الخطايا والموت والعالم.
المزمور التاسع والستون
كتب هذا المزمور وهو في ضيقة عظيمة، فكان كمن يصرخ من الألم، بل كان يشعر أنه في طريقه للموت المؤكد، ويصرخ لله ليخلصه.
وكان داود في هذا رمزاً للمسيح، وهناك آيات كثيرة من هذا المزمور طبقها العهد الجديد على المسيح (4[‡‡‡‡‡‡]،9[§§§§§§]، 21[*******]، 22،23[†††††††]). وهو رفيق للمزمور 22. وكلاهما يبدأ بآلام المسيح وينتهي بمجده. ويضاف لهذا النبوات الخاصة بخراب إسرائيل لصلبها المسيح.
ونرى في هذا المزمور أيضاً صورة لآلام الكنيسة جسد المسيح، التي أوصلها مضطهدوها إلى حافة الموت لكن الله خلصها وأنقذها وخرب أعداؤها. والمجد الذي صار لها.
وتستخدم الكنيسة في صلوات التجنيز للمنتقلين من أبنائها آيات كثيرة من هذا المزمور وكأنها ترى أنهم ماتوا مع المسيح ليكون لهم قيامة مع المسيح في مجده.
الآيات (1-3): "خلصني يا الله لأن المياه قد دخلت إلى نفسي. غرقت في حمأة عميقة وليس مقر. دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني. تعبت من صراخي. يبس حلقي. كلّت عيناي من انتظار الهي."
الأحزان والبلايا يصورها داود بمياه أحاطت به وستغرقه (يون5:2) فيموت غرقت في حمأة عميقة= داود مهما زادت آلامه فلم يحدث له أن غرق فعلاً. ولكنه بروح النبوة يتكلم عن المسيح الذي مات فعلاً. وصراخ المسيح تكلم عنه الرسول في (عب7:5). أما بالنسبة لداود فنفهم أن الأحزان والحيرة أغرقته في همومه. ولنلاحظ أن الأحزان دخلت للعالم بالخطية. ليس.. مقر= كأنه في مياه عميقة لا يجد أرضاً يستقر عليها= أي هو بلا أي شئ يسنده ولقد قال المسيح في آلامه "الآن نفسي قد اضطربت".
آية (4): "اكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب. اعتزّ مستهلكيّ أعدائي ظلما. حينئذ رددت الذي لم اخطفه."
طبقها المسيح على نفسه "(يو25:15). وأعداء المسيح كانوا من اليهود والرومان والشياطين. وهكذا أعداء الكنيسة جسد المسيح. والأعداء كثيرين = أكثر من شعر رأسي. وأقوياء= اعتز مستهلكيَّ= من يريدون تدميري هم أقوياء معتزون. وهم يظلمونه بلا سبب وظلماً= وهذا ما فعله إبليس بآدم وحواء، ثم بداود وبالمسيح وبالتالي كنيسته. ومن قوة الأعداء يقول داود حينئذ رددت الذي لم أخطفه= فهو لم يأخذ منهم شئ، وهم لم يظلمهم، ولكنهم جعلوه يعاني كل هذه المعاناة بلا سبب جناه، وربما هو أعطاهم ما يهدئ من غيظهم ليهدأوا. وهكذا المسيح تحمل عقوبة كان يجب أن أتحملها أنا، هو دفع ديوننا، عانى بسبب تعدياتنا. لقد ضاع من الإنسان سلامه ومجده وفرحه، ولم يكن المسيح هو الذي أخذهم، لكنه هو الذي ردهم لنا.
آية (5): "يا الله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف."
يا الله أنت عرفت حماقتي= أنت تعلم يا رب كل ذنوبي، وتعلم أن ما ظلموني به أنا برئ منه وبلسان المسيح، فالآب يعلم أنه بلا خطية لكنه صار خطية لأجلنا وحمل خطايانا.
آية (6): "لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود. لا يخجل بي ملتمسوك يا إله إسرائيل."
داود يطلب أن يخلصه الله حتى لا يرى اصدقاؤه من القديسين أن الله لم يتدخل لينقذه ويكون هذا سبباً في يأسهم واحباطهم، ويكون هذا سبباً في أن أعداء القديسين يشمخون على الله وعليهم. وكل من كان ينتظر المسيح، لو لم يقم المسيح لكانوا في خزي وخجل.
آية (7): "لأني من أجلك احتملت العار. غطّى الخجل وجهي."
هذه بلسان المسيح ويوجه كلامه[‡‡‡‡‡‡‡] لآدم= لأني من أجلك احتملت العار (عار الصليب).
آية (8): "صرت أجنبياً عند اخوتي وغريباً عند بني أمي."
لأجل آدم طرد المسيح من أهل[§§§§§§§] بيته وأخوته. وحتى الآن فالمسيح مرفوض من اليهود.
الآيات (9-11): "لأن غيرة بيتك أكلتني وتعييرات معيّريك وقعت عليّ. وأبكيت بصوم نفسي فصار ذلك عاراً عليّ. جعلت لباسي مسحاً وصرت لهم مثلاً."
غيرة بيتك أكلتني وتعييرات معيّريك وقعت عليّ= هنا نرى داود الذي يتقد قلبه بحب الله يغير على بيت الله، وهؤلاء الأشرار الموجودين الآن في بيت الله بحكم مراكزهم وبخطاياهم يعيرون الله سببوا لداود ألاماً شديدة وكأن كل تعييراتهم لله قد وقعت على داود. لقد كانت التعييرات ضد الله أشد قسوة على داود من الآلام الشخصية التي ألحقوها به. ولقد طبقت الآية على المسيح حين طرد الباعة من الهيكل (يو17:2) وطبقت عليه في (رو3:15) للتدليل على أن المسيح كان ينكر ذاته، إذ حسب أن أي تعيير للآب يقع عليه هو، فقام بطرد الباعة من الهيكل مما أهاج الجماهير ضده، واحتمل هذا لمحبته للآب. وارتد هذا عليه فقد أهانوه بسبب ذلك، فكانت شهادة المسيح عن الآب لا ترضى اليهود ويهينونه بسببها فغيرة المسيح على مجد الآب أكلت ما تبقي من حب هؤلاء اليهود له.
وداود حين صام وصلى عيّره هؤلاء الأشرار لثقته في الله وأنه مازال مؤمناً به. وهو لبس المسوح ليريهم كيف أنه يلجأ لله فزادوا من سخريتهم. لقد أخلى داود ذاته بهذا ليصير رمزاً للمسيح الذي أخلى ذاته فعلاً وصار إنساناً فسخر منه الجميع، وحين صام جربه إبليس (رو3:8). صرت لهم مثلاً= صار داود رمزاً للمسيح.
آية (12): "يتكلم فيّ الجالسون في الباب وأغاني شرّابي المسكر."
الجالسون في الأبواب= القضاة والحكام ورؤساء الكهنة هؤلاء سخروا منه= يتكلم في بل حتى السكيرين وأسافل الناس صرت سخرية لهم= وأغاني شرابي المسكر= فرحوا بآلامه وجعلوها أغنيتهم (مت40:27-43).
آية (13): "أما أنا فلك صلاتي يا رب في وقت رضى يا الله بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك."
في وقت رضى= هو وقت الصليب الذي قبل فيه الآب شفاعة المسيح الكفارية عنا.
الآيات (14-20): "نجني من الطين فلا اغرق نجني من مبغضيّ ومن أعماق المياه. لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العمق ولا تطبق الهاوية عليّ فاها. استجب لي يا رب لان رحمتك صالحة. ككثرة مراحمك التفت إليّ. ولا تحجب وجهك عن عبدك. لان لي ضيقا. استجب لي سريعا. اقترب إلى نفسي. فكها. بسبب أعدائي افدني. أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي. قدامك جميع مضايقيّ. العار قد كسر قلبي فمرضت. انتظرت رقة فلم تكن ومعزّين فلم أجد."
الآيات (14،15) يصليها داود لينقذه الله من آلامه. وبلسان المسيح ليقيمه الله من الأموات، وبالتالي يخلص كنيسته. وبالنسبة لداود فقد كان عاره بسبب خطيته (زنا وقتل في بيته)، أما بالنسبة للمسيح فقبل العار عنا.
آية (21): "ويجعلون في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني خلاً."
هي نبوة واضحة عن المسيح. وبالنسبة لداود فأعداؤه مرروا حياته.
الآيات (22-25): "لتصر مائدتهم قدامهم فخا وللآمنين شركا. لتظلم عيونهم عن البصر وقلقل متونهم دائما. صبّ عليهم سخطك وليدركهم حمو غضبك. لتصر دارهم خرابا وفي خيامهم لا يكن ساكن
نبوة بالنكبات التي وقعت على اليهود لصلبهم المسيح والآيات (22،23) طبقها الرسول على اليهود (رو9:11،10) ولذلك تفهم كل الآيات على اليهود من (22إلى 25)
في (21) هم قدموا له علقم وخلاً.. عقابهم لتصر مائدتهم (خيراتهم) لهم فخاً (22)
في (3) جعلوه يتعب وتكل عيناه.. عقابهم لتظلم عيونهم.. وقلقل متونهم (23)
في (4) أبغضوه بلا سبب.. عقابهم صب عليهم سخطك (24)
في (8) صار بسببهم مرفوضاً من أهله.. عقابهم لتصر دارهم خراباً (25)
لتصر مائدتهم قدامهم فخاً= تفهم بعدة تفسيرات [1] الكتاب المقدس بعهده القديم الذي كان بين أيديهم مملوءاً نبوات عن المسيح، وهم لم يفهموها، فصارت شاهداً عليهم= فخاً لهم [2] هم قدموا المسيح كذبيحة وفرحوا بأن قدموه كما يقدمون ذبيحة على مائدتهم وابتهجوا بقوتهم وحكمة تدبيرهم وصار هذا لهم فخاً، فهم تصوَّروا في نشوة قوتهم أنهم قادرين أيضاً على الرومان فثاروا عليهم وكان هذا سبباً لأن يحطم الرومان أورشليم تماماً. [3] بعد مجيء المسيح انعدمت قيمة محرقاتهم وذبائحهم فلقد جاء المسيح المرموز إليه بهذه الذبائح وكان استمرارهم في تقديمها فخاً لهم، فلمن يقدموها والله قد رفضها.
لتظلم عيونهم= لم يعد بينهم من يفهم النبوات بسبب عنادهم، فهم لم يفهموا معنى ظلمة يوم الصليب. وقلقل الله متونهم= من ثقل الشدائد التي حملوها 2000سنة. وصارت دارهم خراباً وتشتتوا في كل العالم= في خيامهم لا يكن ساكن.
آية (26): "لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جرحتهم يتحدثون."
كان المسيح هو الذي ضربه الآب، ولكنهم هم الذين طردوه. وهم لاحقوا المؤمنين بالمسيح وكانوا يتحدثون = يتآمرون بوجعهم أي اضطهادهم. وهم جرحى إيمانهم بالمسيح الذين جرحتهم= هم جرحوا لأجله ولكن اليهود اكلموا عليهم بشر ليحزنوهم ويوجعونهم.
الآيات (27،28): "اجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلوا في برك. ليمحوا من سفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا."
كانت خطاياهم كثيرة وزادت بل كملت بصلبهم للمسيح= إجعل إثماً على إثمهم ومن يرفض المسيح الإله يعدم الحياة التي هي هبة للمؤمنين. وقطعاً لن يتبرروا.
آية (29): "أما أنا فمسكين وكئيب. خلاصك يا الله فليرفعني."
فيها مقابلة لطيفة بين ضعف الإنسان مع نعمة الله التي تخلص وترفع.
الآيات (30،31): "اسبح اسم الله بتسبيح وأعظمه بحمد. فيستطاب عند الرب اكثر من ثور بقر ذي قرون وأظلاف."
الله يفرح بالتسبيح أكثر من الذبائح العظيمة ثور بقر ذي قرون وأظلاف. أي عجول كاملة السن سمينة معلوفة ذات قيمة مادية كبيرة.
آية (32): "يرى ذلك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الله."
كل من صار وديعاً على صورة مسيحه يفرح بالخلاص أكثر من كل كنوز الدنيا.
آية (33): "لأن الرب سامع للمساكين ولا يحتقر أسراه."
لقد خلص الله كل الأسرى القديسين من الجحيم.
آية (35): "تسبحه السموات والأرض البحار وكل ما يدبّ فيها."
صهيون هي جماعة المؤمنين. ويبني مدن يهوذا= كثرة الكنائس في أقطار الأرض كعربون لسكنى المؤمنين الدائم في أورشليم السماوية.
المزمور الحادي والسبعون
كثيرين ينسبون المزمور لداود ويقولون أنه قاله في أواخر أيامه في فترة آلام مثل فترة ألامه بسبب إبشالوم (آية18). وفي هذا المزمور اقتباسات من مزامير كثيرة سابقة.
الآيات (1-8): "بك يا رب احتميت فلا أخزى إلى الدهر. بعدلك نجني وأنقذني أمل إليّ أذنك وخلّصني. كن لي صخرة ملجأ ادخله دائما. أمرت بخلاصي لأنك صخرتي وحصني. يا الهي نجني من يد الشرير من كف فاعل الشر والظالم. لأنك أنت رجائي يا سيدي الرب متكلي منذ صباي. عليك استندت من البطن وأنت مخرجي من أحشاء أمي بك تسبيحي دائما. صرت كآية لكثيرين. أما أنت فملجأي القوي. يمتلئ فمي من تسبيحك اليوم كله من مجدك."
هي صرخة للرب لينقذه من أعدائه، فهو يتكل على الله، والكتاب يلعن من يتكل على ذراع بشر (أر5:17-7). وعليك استندت من البطن= الطفل لا يعرف أن يلقي استناده على الله وهو بعد في بطن أمه، إنما المعنى أن أنت يا رب حافظ الأطفال الصغار وأنت الذي حفظتني حتى خرجت إلى هذه الدنيا. ثم حفظتني حتى الآن. وإكمالاً لهذا المعنى، أنني منذ بدأت أفهم معنى الإتكال عليك يا رب فلم ألجأ لسواك. صوت كآية لكثيرين= كثيرين صاروا ينظرون لي وينتظروا أن يروا ماذا سوف تكون نهاية هذه الآلام العجيبة التي أصابت هذا الشخص، وما هي نهاية ثقته في الله، هل سينصره الله عليها أم يتخلى عنه فيهلك. أو تعنى أنني صرت في نظر الكثيرين عجباً من شدة وهول ما حدث لي. وبهذا المعنى قال بولس الرسول صرنا منظراً للناس والملائكة (1كو9:4-13). ومع كل آلامه ففمه مملوء تسابيح لله عن احساناته القديمة وعما ينتظره من أحسانات جديدة.
الآيات (9-16): "لا ترفضني في زمن الشيخوخة. لا تتركني عند فناء قوّتي. لأن أعدائي تقاولوا عليّ والذين يرصدون نفسي تآمروا معا. قائلين أن الله قد تركه. ألحقوه وامسكوه لأنه لا منقذ له. يا الله لا تبعد عني يا الهي إلى معونتي أسرع. ليخز ويفن مخاصمو نفسي. ليلبس العار والخجل الملتمسون لي شراً. أما أنا فأرجو دائما وأزيد على كل تسبيحك. فمي يحدث بعدلك اليوم كله بخلاصك لأني لا اعرف لها أعداداً. آتي بجبروت السيد الرب. اذكر برك وحدك."
آية (9) تشير أن المرنم كتب هذا المزمور وهو كبير سناً. ونلاحظ في (10،11) فيها نبوة عما حدث للمسيح حين ظن صالبوه أن الله تخلى عنه. يا الله لا تبعد عني. ليخز ويفني مخاصمو نفسي= إذا رأى أعدائي أنك لم تتركني وأنك كذبت قولهم حينئذ سيخجلون. وفي تأمل روحي في هذه الآيات، نرى أن الشيخوخة تشير للشيخوخة الروحية والضعف= فناء قوتي يشير لفترات الفتور الروحي. وعلينا فيهما أن نلجأ إلى الله فلا يتركنا، بل أن الله يعيد مثل النسر شبابنا فيخزى أعدائنا الشياطين.
الآيات (17-24): "اللهم قد علمتني منذ صباي والى الآن اخبر بعجائبك. وأيضاً إلى الشيخوخة والشيب يا الله لا تتركني حتى اخبر بذراعك الجيل المقبل وبقوتك كل آت. وبرك إلى العلياء يا الله الذي صنعت العظائم. يا الله من مثلك. أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة ورديئة تعود فتحيينا ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا. تزيد عظمتي وترجع فتعزيني. فأنا أيضاً أحمدك برباب حقك يا الهي. أرنم لك بالعود يا قدوس إسرائيل. تبتهج شفتاي إذ أرنم لك ونفسي التي فديتها. ولساني أيضا اليوم كله يلهج ببرك. لأنه قد خزي لأنه قد خجل الملتمسون لي شراً."
من الذي علم داود الراعي الصغير كل هذه الحكمة والمزامير، ومن الذي علم يديه القتال= اللهم قد علمتني منذ صباي.. وأيضاً إلى الشيخوخة. فالله يعلمنا ويفيض من أحساناته علينا. وماذا يفعل داود إلى الآن أخبر بعجائبك..ويريد أن يستمر في شهادته لله= حتىأخبر بذراعك الجيل المقبل= أي يخبر الكل بقوة الله الذي كان يخلصه في كل شدة. والله له وسائله في التعليم والتهذيب= أنت الذي أريتنا ضيقات كثيرة. فالذي يحبه الرب يؤدبه (عب6:12،7). بل بعد سقوط آدم تركه الله في يد إبليس يستعبده ويستعبد كل بنيه ليعرفوا نتائج الخطية، ويكون هذا سبب تأديب لهم وبالتالي سبب خلاص. وقوله تعود فتحيينا= يشير للمعمودية التي بها نقوم مع المسيح ونولد ولادة ثانية. وقوله ومن أعماق الأرض تعود فتصعدنا= تشير للتوبة التي بها نترك الخطايا والشهوات الأرضية لنحيا في السماويات. وكثير من الأحيان تكون الضيقات التي يسمح بها الله سبب توبة لنا. ويشير هذا لعمل المسيح الذي أنقذ الجنس البشري من أعماق الجحيم= تعود فتصعدنا (أف6:2). وبعد أن أنحط الجنس البشري بسبب الخطية، كان خلاص المسيح سبباً أن يعود الإنسان لمركزه السابق كابن لله= تزيد عظمتي. وبعد أن كانت الخطية سبب حزنه صار الفداء وحلول الروح القدس عليه سبباً في تعزيته= وترجع فتعزيني. وقد تفهم الآيات بالنسبة لليهود عن خروجهم من أرض مصر ودخولهم إلى أرض الميعاد، أو رجوعهم من السبي. ومن حل الروح القدس عليه يسبح= فأنا أيضاً أحمدك. ولاحظ سبب التسبيح= ونفسي التي فديتها.
المزمور الثاني والسبعون
هو مزمور لسليمان يرتل فيه سليمان بروح النبوة عن عمل المسيح ابن داود الحقيقي وسليمان الملك ابن داود كان رمزاً للمسيح فهو [1] ابن داود [2] عهده عهد سلام[********] والمسيح ملك السلام [3] باني الهيكل (يو21:2) [4] رمز الحكمة والمسيح حكمة الله (1كو24:1) [5] ملوك الأمم أتوا لسليمان وأحبوه وقدموا له هدايا. والأمم آمنوا بالمسيح، وكانت أعظم هدايا قدمت للمسيح هي إيمان الوثنيين به.
وبعض آيات المزمور تشير لسليمان فعلاً ولكن بعضها لا يمكن أن يشير لسليمان فمثلاً سليمان لم يملك إلى أقاصي الأرض (8). ولم يسجد له كل الملوك ولم تتعبد له كل الأمم (11). ولم يكن اسم سليمان إلى الدهر (17). بل سليمان في نهاية أيامه بخر للأوثان لذلك لا يمكن أن ينطبق كلام هذا المزمور سوى على المسيح وحده. وبالذات المسيح كملك، فهذا المزمور يتحدث عن الملك المثالي، وليس هذا سوى المسيح.
المزمور السابق حدثنا فيه داود عن أيام شيخوخته، وهذا المزمور ربما كتبه داود لابنه سليمان في بداية حياته كنبوة عن المسيح الذي سيأتي من نسله، ويكون سليمان رمزاً له، وفي نهاية عمر داود كان سليمان يقف مستعداً للتاج. ولذلك نجد في نهاية المزمور القول "تمت صلوات داود بن يسي" مع أننا سنجد بعد هذا مزامير لداود مثل (86،101.... الخ). كأن داود أوحى له الروح القدس بكلمات هذا المزمور أن من نسله سيأتي المسيح، كان هذا ختاماً لكل ما يتمناه وختاماً لنبواته. ويكون عنوان المزمور لسليمان أي كلمات كتبها داود لسليمان ابنه ليفهم منها كيف يكون الملك ملكاً مثالياً، وكيف يقضي بالحق لشعبه. ويكون المعنى الرمزي أن المزمور كتب للمسيح الذي من نسل داود.
آية (1): "اللهم أعطي أحكامك للملك وبرك لابن الملك."
سليمان هو الملك وهو ابن الملك. وقوله إعط أحكامك تعني إعطه حكمة ليقود شعبك. وبرك= ليحكم بالعدل. وهذه تقال للمسيح ملك السلام وابن داود الملك. اعط احكامك للملك= هذه تفهم عن المسيح بأنها صلاة داود حين كشف الله له أن من نسله سيأتي المسيح، فقال هذا بمعنى أرسله يا رب سريعاً ليخلص ويملك على الكنيسة وبنفس المفهوم قال يوحنا في رؤياه "أمين تعال أيها الرب يسوع" هو اشتياق كل نفس في العهد القديم أو الجديد لأن يملك المسيح بالعدل والبر في كنيسته "ليأت ملكوتك" هي صلاة تعبر عن الثقة في أنه متى خضع الكل للمسيح الذي أخذ كل السلطان من الآب (مت18:28) سيعطينا حياة (يو2:17). وهو سيملك علينا بسلطانه فيسود البر مملكته.
آية (2): "يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق."
شعبك= تشير لليهود. ومساكينك تشير للأمم. والمسيح جعل الاثنين واحداً. لقد كان سليمان العادل ظلاً لحكم المسيح العادل الحقيقي. وتفهم الآية أن المسيح يحكم شعبه المساكين بالروح وهؤلاء لهم الطوبى. وملكنا يهزم أعدائنا الحقيقيين (الشياطين).
آية (3): "تحمل الجبال سلاما للشعب والآكام بالبر."
الجبال والآكام= إشارة للحكام والقضاة العظماء (الجبال) والرؤساء الذين يلونهم أو أقل درجة منهم (الأكام)= كل من له منصب سيحكم بالعدل. العدل شعار المملكة. وهكذا سيكون السلام هو شعار ومجد مملكة المسيح. السلام بين السمائيين (الجبال) والآكام (كنيسة الله على الأرض). لقد صار الاثنين واحداً.
آية (4): "يقضي لمساكين الشعب. يخلّص بني البائسين ويسحق الظالم."
مساكين الشعب.. البائسين= هم أولاد الله الذين سحقهم الظالم (الشيطان).
آية (5): "يخشونك ما دامت الشمس وقدام القمر إلى دور فدور."
يخشونك ما دامت الشمس.. إلى دور فدور= هل هذا حدث لسليمان؟ بل وفي أيام سليمان قام ضده مقاومون لملكه (يربعام.. الخ) وهل حكم سليمان وقضائه استمر طالما الشمس والقمر موجودان وإلى دور فدور أي إلى الأبد. هذا لا يقال سوى عن المسيح. والشمس تشير للمسيح شمس البر الذي يشرق على كنيسته التي تشبه بالقمر. فشعب الكنيسة يخشى المسيح ويطيع وصاياه داخل الكنيسة.
آية (6): "ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض."
أحكام المسيح وعلمه في كنيسته سيكون معزياً لهم ومرطباً لآلامهم، فنعمته وتعزياته ستكون كالمطر الذي ينزل على العشب المجزوز حتى ينمو ولا يحترق من الشمس.
الآيات (7،8): "يشرق في أيامه الصدّيق وكثرة السلام إلى أن يضمحل القمر. ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض."
تحت ملك المسيح يشرق الصديق= يظهر عمل نعمة الله فيه. وسيستمر هذا إلى نهاية العالم حين يضمحل القمر. وسيمتد ملك المسيح إلى كل العالم (مت20:28).
الآيات (9،10): "أمامه تجثو أهل البرية وأعداؤه يلحسون التراب. ملوك ترشيش والجزائر يرسلون تقدمة. ملوك شبا وسبإ يقدمون هدية."
ربما حدث هذا جزئياً مع سليمان حيث أتت له ملكة سبأ. ولكنه لم يحدث حقيقة سوى مع المسيح (في10:2،11). والمجوس أتوا وسجدوا له رمزاً لكل الأمم. يلحسون التراب= هذه عقوبة كل معاند للمسيح الملك وهي عقوبة إبليس (تك14:3).
الآيات (11-13): "ويسجد له كل الملوك. كل الأمم تتعبد له. لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لا معين له. يشفق على المسكين والبائس ويخلص انفس الفقراء."
لماذا يسجد له الأمم؟ هو نجاهم كمساكين من يد إبليس الذي ظلمهم. الفقراء= هم الذين افتقروا إلى معرفة الله إذ أعمى إبليس الظالم عيونهم عن معرفته.
الآيات (14،15): "من الظلم والخطف يفدي أنفسهم ويكرم دمهم في عينيه. ويعيش ويعطيه من ذهب شبا. ويصلّي لأجله دائما. اليوم كله يباركه."
هنا نجد صورة كاملة لعمل المسيح الفدائي. فهو مات ليفدي الإنسان من ظلم إبليس الذي خطفه، وينقذنا من يده القوية. وهو عمل هذا لأن الإنسان عزيز لديه= ويكرم دمهم في عينيه. فهو لم يقبل أن يسفك دم الإنسان ويهلك أبدياً لذلك مات عنا.ولكنه لم يستمر ميتاً بل قام= ويعيش. ليعطي حياة لشعبه. ولذلك حين شعر الإنسان أن المسيح فداه أكرم الإنسان المسيح بعطاياهم، ولم يبخلوا عليه بأغلى ما عندهم وهو ذهب شباً= ولكن هل المسيح ينقصه المال ليفرح بالذهب. هذا الذهب يرمز للحياة السمائية التي يحياها المؤمنون وهذه هي العطايا التي تفرح قلب المسيح. وهؤلاء المؤمنين السماويين يصلون لأجله دائماً= يتشفعون بدمه كل حياتهم. أما هذه بالنسبة لسليمان فتفهم أن شعبه كان يصلي لأجله ليعطيه الله حكمة. وبالنسبة للمسيح فصلواتنا للآب لا تقبل سوى باسم المسيح "تختم الصلاة الربية بهذا بالمسيح يسوع ربنا".
آية (16): "تكون حفنة بر في الأرض في رؤوس الجبال. تتمايل مثل لبنان ثمرتها ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض."
هنا تصوير رائع لنمو الكنيسة جسد المسيح، صوره المرنم بزيادة الثمار والقمح. حفنة بر= كلمة بر هنا مترجمة في الإنجليزية قمح (راجع شرح مز13:65). فحينما تزرع حفنة قمح في الأرض في رؤوس الجبال تكون ثمارها بوفرة = تتمايل مثل لبنان ثمرتها. بل أن الشعب أيضاً سيزداد= ويزهرون من المدينة. فالتصوير هنا أن مملكة سليمان ستنمو وتزدهر بالسكان وبالشبع. فالذي تزرعه على رؤوس الجبال لا يتوقع أن يأتي بالكثير لكننا نجده هنا يثمر بكثرة، بل سيكون كغابة في لبنان بكثافتها وطول أشجارها وكل هذا من حفنة قمح. وفي هذا إشارة لنمو كنيسة المسيح التي بدأت بدفن حبة الحنطة (المسيح نفسه) (يو24:12). ثم حفنة القمح أي الرسل وحالاً إبيضت الحقول ودخل المؤمنين من كل العالم إلى جبال الكنيسة العالية التي كانت قفراً فامتلأت ثماراً. (يو35:4 + مت37:9) وعدد المؤمنين يزداد= ويزهرون من المدينة مثل عشب الأرض وشبههم بالعشب لخضرتهم أي حيويتهم ونضارتهم.
آية (17): "يكون اسمه إلى الدهر. قدام الشمس يمتد اسمه. ويتباركون به. كل أمم الأرض يطوّبونه."
كنيسته ستستمر للأبد طالما كانت الشمس موجودة، وفي كنيسته يتمجد اسمه.
الآيات (18،19): "مبارك الرب الله اله إسرائيل الصانع العجائب وحده. ومبارك اسم مجده إلى الدهر ولتمتلئ الأرض كلها من مجده. آمين ثم آمين."
الكنيسة مع المرنم تعطي المجد لفاديها إلى الأبد.
المزمور الثالث والسبعون
في (2أي30:29) نسمع عن أنهم يسبحون بكلام داود وأساف الرائي. وأساف هو واضع كلمات هذا المزمور والعشرة مزامير التالية.
موضوع المزمور هو المشكلة أو السؤال الذي يواجه كثيرين[††††††††] من أولاد الله "لماذا تنجح وتزدهر حياة الأشرار" والمقصود طبعاً نجاحهم المادي بينما هم متكبرون. وعلى الصعيد الآخر نجد أن أولاد الله يتألمون. والمزمور يضع النقاط التالية كحل:
1. نجاح الأشرار هو نجاح وقتي. فالشرير المتكبر لابد وسيدركه سخط الله.
2. قد يكون نجاحهم مستمراً حتى موتهم ولكن هناك دينونة أبدية تنتظرهم.
3. الإنسان البار سيكتشف أن فرحه الحقيقي ليس في النجاح الزمني، بل في أن له شركة شخصية مع الله. لذلك لا ينبغي أن يغار أحد من نجاح الأشرار.
الآيات (1-3): "إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب. أما أنا فكادت تزل قدماي. لولا قليل لزلقت خطواتي. لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار."
إنما صالح الله= هذه العبارة الإيجابية تدل على عدم وجود شك في ذهن المرنم الآن. أما أنا فكادت تزل قدماي= هذه تدل على وقت سابق أوشك فيه أن ينحرف عن طريق الثقة المتجهة لله. وذلك بسبب نجاح المتكبرين وسلامة الأشرار وربما تعني هذه البداية إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب= سبب تجربته التي كان سيسقط فيها، فهو يؤمن أن الله صالح، وخيراته لإسرائيل لا يشكك فيها أحد، وكون أن الله يكافئ أنفياء القلب فهذا مؤكد. ولكن المرنم ينظر إلى حاله، فيجد أنه يعاني من مشاكل كثيرة. بينما الأشرار في سلام. وهنا تثور تجربة مشهورة جداً يُحارَب بها معظم أولاد الله وهي أن الله فعلاً صالح لكل الكنيسة فهم أنقياء أتقياء إنما الله لا يحبني أنا بالذات لذلك فهو لا يعطيني النجاح، ومثل هذه المشاعر ما هي سوى أفكار خاطئة يستغلها إبليس دائماً في حربه ضد الإنسان ليشعر بمرارة تجاه الله الذي يحب كل إسرائيل (الكنيسة) ولا يحبه هو شخصياً. أما أنا فكادت تزل قدماي= الأفكار هاجمته بشدة حتى كاد يسقط ويصدق ما لا يليق عن الله.
الآيات (4،5): "لأنه ليست في موتهم شدائد وجسمهم سمين. ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون."
ما جعل المرنم يغار من الأشرار أنهم غارقون في الخيرات حتى ساعة موتهم.
الآيات (6،7): "لذلك تقلدوا الكبرياء. لبسوا كثوب ظلمهم. جحظت عيونهم من الشحم. جاوزوا تصورات القلب."
طول أناة الله عليهم كانت لكي يتوبوا، ولكنهم استهتروا وتكبروا وظلموا الناس.
الآيات (8،9): "يستهزئون ويتكلمون بالشر ظلماً من العلاء يتكلمون. جعلوا أفواههم في السماء وألسنتهم تتمشى في الأرض."
في كبريائهم استهزئوا بكل شئ، وظلموا الأبرياء. من العلاء يتكلمون= كأنهم في تعاليمهم يتكلمون من العلاء، أو هم تصوروا أن لهم سلطان سمائي، بل هم أعلى من الآخرين. جعلوا أفواههم في السماء= بل هم تكلموا على الله نفسه. ألسنتهم تتمشى في الأرض= كلامهم الظالم عن الناس وإشاعاتهم المغرضة وافتراءاتهم انتشرت فلوثوا سمعة الأبرياء.
آية (10): "لذلك يرجع شعبه إلى هنا وكمياه مروية يمتصون منهم."
هو لاحظ نجاح الأشرار بالرغم من كبريائهم، وقارن هذا مع حالته التعيسة، بل حالة كثير من الأبرار فهم متألمون بالرغم من قداستهم. لذلك يرجع شعبه إلى هنا= بسبب هذه المقارنة يرجع الأبرار إلى طريق الشر، يغويهم إبليس أن طريق الشر هو طريق النجاح. أو تفهم الآية أنهم يرجعون إلى نفس ما وصلت إليه وهو الخصومة مع أحكام الله والشكوى من أنها غير عادلة. والسبب الآلام التي تصيبهم وكانت لهم مثل كأس مرويه عليهم أن يتجرعوها إلى نهايتها ويمتصون منهم= منهم عائدة على الأبرار المتألمين الذي عليهم أن يمتصوا مياه الآلام حتى آخرها، حتى آخر نقطة.
آية (11): "وقالوا كيف يعلم الله وهل عند العلي معرفة."
الأشرار قالوا كيف يعلم الله= الله لن يعلم بما نفعله. وقد يكون هذا تساؤل الأبرار وهم في آلامهم وهل عند العلي معرفة= هل يعرف الله حقاً الآلام التي نعاني منها.
الآيات (12-15): "هوذا هؤلاء هم الأشرار ومستريحين إلى الدهر يكثرون ثروة. حقا قد زكّيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي. وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح. لو قلت احدّث هكذا لغدرت بجيل بنيك."
هو رأى راحة الأشرار فقال حقاً قد زكيت قلبي باطلاً= إن كان الأمر هكذا والأشرار في راحة فباطلاً كان تعبي في طاعة وصية الله. وكنت مصاباً اليوم كله= حين فكرت في هذا، كان ضميري يجلدني اليوم كله. وتأدبت كل صباح= الصباح يعني شروق الشمس، فالله لم يكن يتركه لأفكاره السوداء حتى لا يهلك، بل كان يشرق عليه بإجابات عن تساؤلاته، وهذه الإجابات كانت تؤدبه كل صباح. أو أن الآية (14) تفهم هكذا "لقد زكيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يدي ومع هذا لم يتركني الله بل ظل يؤدبني كل صباح وظل الله سامحاً بالآلام تقع علىّ اليوم كله= وكنت مصاباً اليوم كله. وبالرغم من هذه الأفكار السوداوية عن حكمة الله وأنه سمح له بأن يُظلم، لم يفتح فاه أمام أحد بما كان يجول في خاطره حتى لا يشكك أحد= لو قلت أحدث هكذا لغدرت بجيل بنيك= وهذه نقطة إيجابية تحسب للمرنم، أنه لا يريد أن يكون سبب عثرة لأحد.
آية (16): "فلما قصدت معرفة هذا إذ هو تعب في عينيّ."
المرنم حاول أن يفهم أسرار حكمة الله وتدابيره فقال إذا هو تعب في عيني= أي لم يستطع أن يرى، فهي حكمة عميقة لا يمكن أن ندركها في ضوء المنطق الإنساني الخافت. وإن لم يكن هناك حقاً عالم آخر يشتد فيه الضوء فنفهم لكان تفسير كثير من الأحداث حقاً مؤلم. فوجود عالم آخر يذهب إليه أولاد الله للراحة يعطينا عزاء في آلامنا. وفي هذا العلام سنفهم ما لم نستطع فهمه هنا وسنرى ما صعب علينا رؤيته هنا ونفهم لماذا سمح الله بهذا أو بذاك من الأحداث التي تحيط بنا (أش13:40،14 + رو33:11-36).
آية (17): "حتى دخلت مقادس الله وانتبهت إلى آخرتهم."
مقادس الله= يمكن فهمها أنها السماء، فهناك سنرى نهاية الأشرار وأنهم لم يستفيدوا من كل ما كنا نتصوَّر أنه سبب سعادة لهم. بل سنفهم أن آلامنا التي سمح بها الله هي التي أدبتنا كل صباح حتى تكون نهايتنا هنا في السماء. ولنسأل أيوب الآن، هل لو عادت الأيام للوراء، أكنت ترفض هذه الآلام التي أتت بك للسماء؟! ومقادس الله لا تعني فقط السماء بل على كل متسائل عن الحكمة الإلهية عليه أن يطلع على الكتاب المقدس، عليه أن يصلي ويدخل إلى العمق وسيكتشف أن ملكوت الله ليس بعيداً عنه، بل هو في داخله والكتاب المقدس سيؤكد له نهاية الأشرار الأليمة والروح القدس في داخله سيؤكد له نفس الشئ فبدلاً من غيرته للأشرار سيشفق عليهم.
الآيات (18-20): "حقا في مزالق جعلتهم. أسقطتهم إلى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة. اضمحلوا فنوا من الدواهي. كحلم عند التيّقظ يا رب عند التيقظ تحتقر خيالهم."
طرقهم الشريرة كانت مزالق لهم= لقد انزلقوا فيها إلى دمارهم (مثال: الشواذ جنسياً كانوا يظنون أنهم يرضون شهواتهم ولكنهم إنزلقوا إلى مرض خطير وهو الإيدز). أسقطتهم إلى البوار= قد يحدث هذا هنا على الأرض وتكون نهاية الشرير رهيبة (أع21:12-23 + 11:13) وتكون سريعة بغتة (أع5:5،10) فنوا من الدواهي= لقد سمح الله لشعب بابل أن ينقض على إسرائيل الخاطئة كالدواهي وسمح لأهل فارس أن ينقضوا على بابل أيام بيلشاصر المستبيح لآنية هيكل الرب وكانوا كالدواهي أي المصائب. كحلم عند التيقظ= حين تنهال المصائب على الشرير تكون خيراته السابقة كأنها حلم استيقظ منه، لقد مرت أيامه السعيدة سريعاً.
الآيات (21،22): "لأنه تمرمر قلبي وانتخست في كليتيّ. وأنا بليد ولا اعرف. صرت كبهيم عندك."
نرى المرنم بعد أن أقنعه الروح القدس ببطلان طريق الشر يعترف بغبائه حين خاصم الله بسبب نجاح الأشرار. بل قال عن نفسه أنه بليد.. وبهيم. لأنه لم يستطع أن يفهم أن أحكام الله هي لخير أولاده وتذمر على الله= تمرمر قلبي= تمرد على أحكام الله وتذمر عليها. وما أجمل هذه الصورة أن نفهم أننا لن نفهم أحكام الله ونترك له قيادة أمور حياتنا كما تترك البهيمة نفسها لقيادة قائد العربة وهي واثقة في حسن قيادته.
الآيات (23،24): "ولكني دائما معك. أمسكت بيدي اليمنى. برأيك تهديني وبعد إلى مجد تأخذني."
ما أنار له الطريق انه لم ينفصل عن الله= ولكنني دائماً معك= هو كان له تساؤلات وصلت لحالة التمرد والتذمر ولكنه لم يشتكي لإنسان، بل اشتكى لله في صلواته، لذلك استجاب الله صلواته= أمسكت بيدي اليمني.. برأيك تهديني أي هداه الله إلى الرأي والإجابة التي ملأت قلبه سلاماً وثقة في أحكام الله وعدله. وبعد إلى مجد تأخذني= هذه تشير للحياة في السماء بعد الموت في مجد. وتشير إلى أن المرنم بعد أن رأي عمل الله واقتنع، شعر بالحضور الإلهي والتصالح مع الله. فنحن حينما نصطدم بالله ونتخاصم معه نفقد الشعور بوجوده وسطنا. ولكننا الآن نراه بالإيمان وسطنا ووسط كنيسته مجداً لها. وبعد ذلك في السماء سنكون في مجده عياناً.
آية (25): "من لي في السماء. ومعك لا أريد شيئا في الأرض."
من لي في السماء إلا أنت (حسب الإنجليزية) ومعك لا أريد شيئاً في الأرض حين شعر المرنم بان الحضور الإلهي عاد له فعاد له مجده وفرحه نطق بهذه الآية الرائعة بأنه لا يريد شيئاً لا في السماء ولا في الأرض سوى الله، الله وحده هو الذي يشبعه.
آية (26): "قد فني لحمي وقلبي. صخرة قلبي ونصيبي الله إلى الدهر."
هنا يتكلم المرنم كمن لا يهتم حتى بنفسه، سبق هو وقال لا أريد شيئاً ما مما في السماء أو ما في الأرض. لا أريد شيئاً سوى الله وحده. والآن نراه لا يهتم بصحته فهو واثق أنه حتى لو فنى لحمه (جسده) وقلبه (مشاعره وحالته النفسية وعواطفه) فالله سيشدده. الله صخرة قلبه، وهو يسنده مهما كانت الآلام الجسدية أو النفسية.
آية (27،28): "لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون. تهلك كل من يزني عنك. أما أنا فالاقتراب إلى الله حسن لي. جعلت بالسيد الرب ملجأي لأخبر بكل صنائعك."
إن كان الله هو صخرة تسند من يقترب منه، فماذا يكون حال البعداء. بالتأكيد هم يبيدون إذ لا أحد يسندهم حين تهاجمهم الضيقات الجسدية أو النفسية بل أن الله يكون ضدهم= تهلك كل من يزني عنك= الزنا هنا هو الالتصاق بآخر والانفصال عن الله. وهذا سوف يهلكه الله فهو إله غيور. لذلك كان قرار المرنم النهائي= الاقتراب من الله حسن لي= لقد بدأ مزموره بالتساؤل والآن وصل للقرار الصحيح. بل في ثقة يقول لأخبر بكل صنائعك= سيكون شاهداً لله على إحساناته.
المزمور الرابع والسبعون
هو صرخة المرنم يستنجد بالله من عدو دنس مقادس الله وهدم معابده. وهذا قد حدث حرفياً حين دمرت بابل هيكل الرب في أورشليم، ومعنوياً حين دمَّر الشيطان جسد الإنسان.
عنوان المزمور قصيدة لأساف، قد تعني [1] أن أساف كتبه أيام داود بروح النبوة عما سيحدث في سبي بابل [2] أن أحد أولاد أساف من فرقته قد كتبه بعد سبي بابل. [3] أن أحد الأنبياء مثل أرمياء قد كتبه وسلمه إلى فرقة أساف لإنشاده.
ونحن نصلي بكلمات هذا المزمور نذكر كل كنيسة في محنة وكل نفس بشرية دمرها إبليس.
آية (1): "لماذا رفضتنا يا الله إلى الأبد. لماذا يدخن غضبك على غنم مرعاك."
الله لا يرفض إلا لو كانت هناك خطية، ولكن حين نرجع إليه يرجع إلينا بإحساناته. وقد يظهر أن الله يرفض للأبد= ولكن الله يؤدب حتى نتوب فيعود لنا بمراحمه.
آية (2): "اذكر جماعتك التي اقتنيتها منذ القدم وفديتها سبط ميراثك. جبل صهيون هذا الذي سكنت فيه."
الله بعد أن أخرج شعبه من مصر صاروا خاصته وشعبه الذي فداه وسكن وسطهم. سبط ميراثك= يقصد يهوذا التي ميزها الله بوجود الهيكل وسط هذا السبط.
آية (3): "ارفع خطواتك إلى الخرب الأبدية. الكل قد حطم العدو في المقدس."
ارفع خطواتك= تعال سريعاً لترى كيف حول الأعداء هيكلك المقدس إلى خرب أبدية الكَّل قد حطَّم= لقد حطَّم العدو كل شئ. ولقد دخل العدو للمقادس التي لا يدخلها سوى رئيس الكهنة وهذا ينطبق كما قلنا على النفس البشرية التي بدلاً من أن يسكنها الله دخلها إبليس وخربها.
آية (4): "قد زمجر مقاوموك في وسط معهدك جعلوا آياتهم آيات."
قد زمجر مقاوموك= دخل الأعداء مقادسك بصيحات الهتاف كأنهم قد انتصروا عليك ولم يعلموا أن هذا راجع لأنك تخليت عن المكان، ولأنك قدوس لا تقبل الخطية خاصة لو صدرت هذه الخطية من شعبك. في وسط معهدك= كلمة معهد هي مكان اجتماع شعبك في أصلها اللغوي أو على الناس المجتمعين أنفسهم. جعلوا أياتهم= رموزهم وراياتهم ورموز ألهتهم في المكان المقدس جعلوها آيات= علامات في وسط المكان المقدس (دا 31:11).
الآيات (5،6): "يبان كأنه رافع فؤوس على الأشجار المشتبكة. والآن منقوشاته معا بالفؤوس والمعاول يكسرون."
يبان= لقد كان جنود بابل وهو يحطمون الهيكل يظهرون أنفسهم بكبرياء وفخر بما يعملونه. لقد حطموا الخشب المنقوش والمطعم وكان آيةً في الجمال، كما يقطع قاطع الأشجار بفأسه أشجار الغابة، لم يرحموا منقوشات الهيكل= الخشب المنقوش وهذا ما فعلته الخطية بالإنسان الذي خلقه الله فكان حسن جداً، وعلى صورة الله.
الآيات (7،8): "أطلقوا النار في مقدسك. دنسوا للأرض مسكن اسمك. قالوا في قلوبهم لنفنيهم معا. احرقوا كل معاهد الله في الأرض."
أحرقوا الهيكل بعد أن دمروه. وكان هدفهم الإفناء التام للبشر والهيكل.
آية (9): "آياتنا لا نرى. لا نبي بعد. ولا بيننا من يعرف حتى متى."
كانوا في ضيقاتهم في القديم يرسل الله لهم نبياً يعزيهم، أما الآن فبسبب خطاياهم تركهم الله بلا نبي ولا رؤية ولا كلمة تعزية.
الآيات السابقة أيضاً تشير لما فعله الرومان بالهيكل وبشعب اليهود، وهم الآن بلا رؤية ولا نبي، أي هم لا يستطيعون فهم أن نبواتهم وكتابهم يشير للمسيح، هم في ظلمة.
الآيات (10-23): "حتى متى يا الله يعير المقاوم ويهين العدو اسمك إلى الغاية. لماذا ترد يدك ويمينك. أخرجها من وسط حضنك. افن. والله ملكي منذ القدم فاعل الخلاص في وسط الأرض. أنت شققت البحر بقوتك. كسرت رؤوس التنانين على المياه. أنت رضضت رؤوس لوياثان. جعلته طعاما للشعب لأهل البرية. أنت فجرت عينا وسيلا. أنت يبّست انهاراً دائمة الجريان. لك النهار ولك أيضا الليل. أنت هيأت النور والشمس. أنت نصبت كل تخوم الأرض الصيف والشتاء أنت خلقتهما. اذكر هذا أن العدو قد عيّر الرب وشعبا جاهلا قد أهان اسمك. لا تسلم للوحش نفس يمامتك. قطيع بائسيك لا تنس إلى الأبد. انظر إلى العهد. لأن مظلمات الأرض امتلأت من مساكن الظلم. لا يرجعن المنسحق خازيا. الفقير والبائس ليسبحا اسمك. قم يا الله. أقم دعواك. اذكر تعيير الجاهل إياك اليوم كله. لا تنس صوت اضدادك ضجيج مقاوميك الصاعد دائماً."
هي صرخة المرنم حتى يقوم الله ويخلص شعبه. لماذا ترد يدك وعينك= لماذا لا تظهر قوتك ضد أعدائك. اخرجها من وسط حضنك= هي صرخة العهد القديم لتجسد المسيح يد الله وقوته ليفني أعداء الإنسان أي الشيطان. ولقد انفتحت عينا المرنم ليرى خلاص المسيح. فهو الملك منذ القدم، ولكنه أتى ليفعل الخلاص في وسط الأرض شققت البحر= تشير لشق البحر الأحمر. كسرت رؤوس التنانين على المياه= تشير لهلاك جيش فرعون. ولكن المسيح بتجسده شق بحر الموت لنعبره آمنين وكسر رؤوس إبليس لوياثان= الحية المتحوية. جعلته طعاماً للشعب= أي هزمته فصار طعاماً سهلاً فجرت عيناً وسيلاً= يمكن فهمها عن خروج الماء من الصخرة، أو عن حلول الروح القدس يبست أنهاراً دائمة الجريان= إشارة لشق الأردن وإشارة لانتهاء سطوة أعداء أولاد الله واصعب الاعداء هو الموت. لك النهار.. والليل.. الصيف والشتاء= فالله هو إله الطبيعة، الكون كله تحت أمره، هو خلقه وأعطاه دورته، وهو يحكم تعاقب الليل والنهار والصيف والشتاء، والمقصود أنت يا رب قوتك ظاهرة دائماً، كل شئ تحت سلطانك فإسمح وتدخل ولا تتركنا، وكما أنك أمين في وعودك في تتالي الليل والنهار، وطلوع الشمس علينا كل يوم، فلا تتركنا في يد أعدائنا. إلا أن هذه لها تفسير رمزي فما قبل المسيح كان ليلاً وشتاءً بارداً. وبعد المسيح أشرق نور شمس البر= أنت هيأت النور والشمس، وتحولت البرودة الروحية إلى حرارة صيف روحي. وفي (18) العدو= إبليس وهو نفسه الوحش في (19) نفس يمامتك= الكنيسة قطيع بائسيك= فهم قطيع يساق للذبح دائماً، مساكين بالروح أنظر إلى العهد= الذي تعهدت به لأبائنا وأنقذ شعبك لأن مظلمات الأرض= الأماكن المظلمة في الأرض، أماكن الشر وهي كثيرة قد امتلأت من مساكن الظلم أي الظالمين المتوحشين إبليس ومن يتبعه والله لا يترك المنسحق أبداً.
المزمور الخامس والسبعون
هو مزمور تسبحة لله العادل القدوس، ونجد فيه إيماناً بالحياة الأبدية للصديق (9،10) ونرى فيه عقوبة الأشرار وأنهم لم يستفيدوا من شرورهم (8).
يقول بعض المفسرين أن مرتل المزمور هو داود حين اعتلى العرش بعد موت شاول.
آية (1): "نحمدك يا الله نحمدك واسمك قريب. يحدثون بعجائبك."
تكرار كلمة نحمدك تعبر عن قلب يشعر بإحسانات الله بعمق. واسمك قريب= الاسم يعبر عن الشخص، والله قريب جداً لكل الذين يدعونه وأعماله ظاهرة= يحدثون بعجائبك.
آية (2): "لأني أعين ميعاداً. أنا بالمستقيمات اقضي."
لأني أعين ميعاداً= هنا الله هو المتكلم وهو الذي حدد ميعاد لنهاية آلام داود ثم ارتقائه العرش، وحدد ميعاداً لدينونة شاول وحدد ميعاد الدينونة الأبدية. أنا بالمستقيمات أقضي= الله المتكلم أيضاً فليس غيره يقضي بالعدل. ولكن أحكامه تأتي في ملء الزمان.
آية (3): "ذابت الأرض وكل سكانها. أنا وزنت أعمدتها. سلاه."
حينما يقول الله أنا أقضي بالمستقيمات. يذوب الأشرار في الأرض خوفاً= ذابت الأرض وكل سكانها= فالأرض ستزول هي ومن عليها في هذا اليوم (رؤ14:6-17). أنا وزنت أعمدتها= في السبعينية شددت أعمدتها. فالله ضابط الكل يثبت الأرض حينما يشاء ويجعلها تذوب أمام جبروته حينما يشاء.
الآيات (4،5): "قلت للمفتخرين لا تفتخروا وللأشرار لا ترفعوا قرناً. لا ترفعوا إلى العلى قرنكم. لا تتكلموا بعنق متصلب."
نصيحة من الله على فم داود لكل متكبر حتى لا يفتخر بقوته= قرنه ولا يعاند= عنق متصلب. فتصلب الرقبة دليل على الجبروت. ورفع القرن عند الحيوان إشارة للقتال.
الآيات (6،7): "لأنه لا من المشرق ولا من المغرب ولا من برية الجبال. ولكن الله هو القاضي. هذا يضعه وهذا يرفعه."
القضاء ومصير الإنسان لا يحدده أحد في الأرض لا من المشرق ولا من المغرب.. ولكن الله هو القاضي. هذا يرفعه وهذا يضعه (لو51:1-53). والله لأنه عادل فهو يضع الظالم ويرفع المظلوم (مز7:113،8).
آية (8): "لأن في يد الرب كأسا وخمرها مختمرة. ملآنة شراباً ممزوجاً. وهو يسكب منها. لكن عكرها يمصه يشربه كل أشرار الأرض."
كان الأنبياء العبرانيون، عندما يصفون الإجراء العادل لله ضد الأشرار، غالباً يستخدمون استعارة مفادها أن الله يقدم للشعوب والأمم وللأشرار كأس خمر كلها مرارة ولابد سيشربونها حتى الثمالة (مز3:60، + أر15:25 + أش17:51 + حز32:23-34) بل الآلام عموماً تشبه بكأس (مز10:73 + لو42:22). والفرح أيضاً يشار إليه أيضاً بكأس (مز5:16 + مز13:116). وخمرها مختمرة= إشارة لحدة وقسوة العقوبات التي من نتيجتها تكون كخمر مسكرة جداً تسقط شاربها. عكرها= كلما شرب منها الشرير إزدادت آلامه.
الآيات (9،10): "أما أنا فاخبر إلى الدهر. أرنم لإله يعقوب. وكل قرون الأشرار اعضب قرون الصدّيق تنتصب."
الصديق في الملكوت يسبح الله إلى الدهر على إحساناته وخلاصه. هناك تنتصب قرون الصديق= الصديق بلغة المفرد فهناك وحدة بين الأبرار في السماء وهناك تظهر قوتهم بالمسيح رأسهم. أما قرون الأشرار أعضب= هنا الأشرار بالجمع فهم متفككين بلا رأس تجمعهم وبلا قوة، فالله سيكسر كبريائهم. ولكن من الذي يقول هذا الكلام قرون الأشرار أعضب= قد يكون داود حين امتلك العرش يتوعد الأشرار بالعقوبة. ولكن داود يرمز للمسيح الذي سيكون دياناً في ذلك اليوم ويعاقب الأشرار.
المزمور السادس والسبعون
هذا المزمور استمرار لنفس الفكر في المزمور السابق وهو دينونة الله لكل الأرض والترجمة السبعينية تعنون المزمور بأنه قيل بعد الانتصار على أشور يوم ضرب ملاك الرب 185.000 من جيش أشور. وعموماً في ترتيل هذا المزمور نذكر أعمال الله المجيدة مع كنيسته دائماً. وأهم عمل هو الفداء والانتصار على الشيطان، الذي كانت كل الانتصارات في العهد القديم رمزاً للإنتصار عليه.
الآيات (1-3): "الله معروف في يهوذا اسمه عظيم في إسرائيل. كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون. هناك سحق القسي البارقة. المجن والسيف والقتال. سلاه."
الله معروف في يهوذا بعجائبه حيث أسكنهم في ديارهم وهزم لهم كل أعدائهم واسمه عظيم في إسرائيل (بعد سبي أشور لمملكة إسرائيل تحولت لشعب عبادته هي خليط من اليهودية والوثنية) فصارت إسرائيل رمزاً للأمم. والمسيح جمع اليهود والأمم. أو تفهم الآية على أن في أيام داود كانت يهوذا وإسرائيل أمة واحدة فيعتبر أن يهوذا هو اسم مرادف لإسرائيل. والله عمله معروف مع أبناء إسرائيل. كانت في ساليم مظلته= أي خيمة الاجتماع حيث سكن الله وسط شعبه، ثم الهيكل فيما بعد. وحول أسوار أورشليم سقط أعداءها من جيش أشور= هناك سحق القسي البارقة. وما قاله المرنم هنا هو نبوة عن عمل المسيح على صليبه، فقد صلب في أورشليم. وهو صلب بجسده أي مظلته أو خيمته، فالخيمة تشير للجسد (2كو1:5). وبصليبه سحق إبليس وصار اسمه عظيماً في كنيسته للأبد على ما عمله لها من خلاص عجيب.
الآيات (4،5): "أبهى أنت امجد من جبال السلب. سلب أشداء القلب. ناموا سنتهم. كل رجال البأس لم يجدوا أيديهم."
جبال السلب= هم جيش أشور وشبههم بالجبال لقوتهم وكبريائهم ولكنهم أقوياء في السلب والنهب. والله أقوى من أقوى ممالك الأرض= أمجد من جبال السلب فهم أتوا ليسلبوا شعب الله، ولكنهم تحولوا إلى غنيمة=سُلِب أشداء القلب. لقد ضربهم ملاك الله، فلم يقوموا= ناموا سِنَتَهم= لقد ناموا ليلاً وكانوا ينتظرون أنه حين يستيقظون صباحاً يفترسوا أورشليم. فصاروا مائتين، بل سلبهم شعب إسرائيل في الصباح وحملوا مما معهم غنيمة وافرة. وهذا ما حدث مع الشياطين. لم يجدوا أيديهم= إنحلت قوتهم إذ ربطهم المسيح بسلسلة لمدة 1000عام.
آية (6): "من انتهارك يا اله يعقوب يسبخ فارس وخيل."
حين انتهرهم الله صار موت فرسانهم وخيولهم. كما حدث مع فرعون من قبل.
الآيات (7-9): "أنت مهوب أنت. فمن يقف قدامك حال غضبك. من السماء أسمعت حكماً. الأرض فزعت وسكتت. عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض. سلاه."
أحكام الله ضد الأشرار معروفة منذ القديم، وأحكامه مخيفة، تصدر من السماء فلا يقف أحد في وجه أحكامه (الطوفان، حريق سدوم، ضربات مصر.. ) وكانت كل ضربات الأشرار في العهد القديم رمزاً لضربة الشيطان بالصليب ليخلص الله شعبه.
آية (10): "لأن غضب الإنسان يحمدك. بقية الغضب تتمنطق بها."
لأن غضب الإنسان يحمدك= غضب الإنسان يسبب مجداً للرب. فجيش أشور غضب على شعب الله فتحول غضبهم إلى مجد اسم الله حين تمجد بهم (وتفهم أن غضب الإنسان المقدس ضد الخطية يسبب حمداً وتسبيحاً للرب عد7:25،8). وغضب الإنسان ضد الله هو غضب عاجز، فلن يستطيع إنسان أن ينال من الله شيئاً، بل الله يطيل أناته على هذا الغضوب ثم يتمجد فيه. بقية الغضب تتمنطق بها= وفي الإنجليزية "بقية الغضب سوف تكبح بها" ما لم يتحول لمجده وتسبيحه من غضب الشرير حين يتمجد الله فيه سوق يتمنطق الله به، أي يقوم ليعمل، ويستعد لكبح جماح الشرير، وهذا قد فعله مع بقية جيش أشور الذين هربوا وصاروا سخرية للجميع. والمسيح بصليبه تمجد وسط كنيسته، ولكن مازالت بقية للغضب هو يتمنطق بها حتى يلقيه نهائياً في البحيرة المتقدة بالنار وللأبد. والآن هو يكبح جماحه ويبعده عن كنيسته.
الآيات (11،12): "انذروا وأوفوا للرب إلهكم يا جميع الذين حوله. ليقدموا هدية للمهوب. يقطف روح الرؤساء. هو مهوب لملوك الأرض."
دعوة لنوفي نذورنا فهو قد نجانا. يقطف روح الرؤساء= أي ينزع شجاعتهم وكبريائهم. وفي اليوم الأخير يوم الدينونة يلقيهم في عذاب أبدي (رؤ18:14،19) ليقدموا هدية للمهوب= الرب يفرح بهدايا مثل التوبة والصلاة والتسبيح والإيمان.
المزمور السابع والسبعون
هنا يشكو المرنم من آلام محيطة به، قد تكون آلامه شخصياً أو آلام عامة لكل الشعب ولا يرى لها حلاً في المستقبل القريب، لذلك يصرخ للرب حتى لا يرفض إلى النهاية. وهو يعزي نفسه بأعمال الله السابقة مع شعبه، وأعمال الله السابقة دائماً مصدر عزاء.
هناك من يرى أن هذا المزمور كتب إبان فترة السبي، وهناك من يرى أنه كتب في فترة ما قبل يوشيا. والمرنم رأي الآلام التي ستحدث للشعب بسبب خطاياهم فتوجع.
الآيات (1-3): "صوتي إلى الله فاصرخ. صوتي إلى الله فأصغي إليّ. في يوم ضيقي التمست الرب. يدي في الليل انبسطت ولم تخدر. أبت نفسي التعزية. اذكر الله فأئنّ. أناجي نفسي فيغشى على روحي. سلاه."
المرنم يستخدم صوته ليصرخ إلى الله فيشترك جسده (صوته) مع روحه في الصراخ لله، وهو شعر أن الله أصغى لصوته. ونموذج آخر لاشتراك الجسد مع الروح في الصلاة= يدي في الليل أنبسطت فهو منه نفسه من النوم ليصلي رافعاً يديه والليل أيضاً يشير لوقت التجربة التي يمر بها شعبه. ولم تخدر= لم ترتخ. أبت نفسي التعزية= رفض أن يعطي أذنه لمن يعزيه بأي كلام مطمئن، بل هو في آلامه إلتجأ للرب مباشرة، ورفض أي تعزية خارجية. اذكر الله فأئن= فهو وحده القادر أن يحول حزني إلى تعزية، ويحول الحالة المحزنة الراهنة إلى حالة مفرحة. فيغشى على روحي= حينما أفكر في المصائب الحالية أو الآتية أكون كالسكران أو كمن يغرق تحت أحماله الثقيلة من الهموم.
آية (4): "أمسكت أجفان عيني. انزعجت فلم أتكلم."
من آلامه لم يعد قادراً على النوم، ومن إنزعاجه لم يعد قادراً حتى على الكلام.
الآيات (5-7): "تفكرت في أيام القدم السنين الدهرية. اذكر ترنمي في الليل. مع قلبي أناجي وروحي تبحث.. هل إلى الدهور يرفض الرب ولا يعود للرضا بعد."
هو يقارن بين الحالة الحاضرة وعمل الله العجيب مع شعبه في القديم. اذكر ترنمي في الليل= لقد جعل معاملات الله مع شعبه السابقة محوراً لترنيمه في ضيقته ليلاً وظل يناجي نفسه ويعزي نفسه بأن الله قادر أن يخرج من الجافي حلاوة. وروحي تبحث هو يتساءل مع نفسه "حقاً فالله قادر أن يخرجني من ضيقتي ويخرج شعبنا من ضيقته ولكنه حتى الآن لم يفعل.. فماذا.. هل إلى الدهر يرفض الرب.
الآيات (8،9): "هل انتهت إلى الأبد رحمته انقطعت كلمته إلى دور فدور. هل نسي الله رأفة أو قفص برجزه مراحمه. سلاه."
انقطعت كلمته= هل لن يعود الله يرسل كلمته على فم أنبيائه ثانية قفص برجزه مراحمه= هل الله بسبب غضبه أغلق باب مراحمه علينا.
آية (10): "فقلت هذا ما يعلّني تغيّر يمين العلي."
ما يعلّني= ما يتعبني ويؤلمني. تغير يمين العلي= ترك الله معاملته الحسنة وأتي بالآلام.
الآيات (11،12): "اذكر أعمال الرب إذ أتذكر عجائبك منذ القدم. والهج بجميع أفعالك وبصنائعك أناجي."
يعود في حيرته وأحساسه بتخلي الله في الوقت الحاضر ليذكر أعماله القديمة.
آية (13): "اللهم في القدس طريقك. أي إله عظيم مثل الله."
اللهم في القدس طريقك= تفهم أن الله أعطاهم شريعته في جبل سيناء ومن عند تابوت العهد في قدس الأقداس. وتفهم أنه طالما كان الشعب ملتزماً بقداسته يلتزم الله برحمته.
الآيات (14،19): "أنت الإله الصانع العجائب. عرفت بين الشعوب قوتك. فككت بذراعك شعبك بني يعقوب ويوسف. سلاه. أبصرتك المياه يا الله. أبصرتك المياه ففزعت ارتعدت أيضاً اللجج. سكبت الغيوم مياها أعطت السحب صوتاً. أيضاً سهامك طارت. صوت رعدك في الزوبعة البروق أضاءت المسكونة. ارتعدت ورجفت الأرض. في البحر طريقك وسبلك في المياه الكثيرة وآثارك لم تعرف."
يذكر هنا أعمال مراحم الله السابقة. فهو حرر شعبه من عبودية فرعون (وهذا عمله المسيح ذراع الرب إذ حررنا من إبليس). بني يعقوب= الذين استعبدهم فرعون. ويوسف= مع أنه كان له منصباً رفيعاً في مصر إلا أنه طلب من الشعب أنهم في صعودهم يأخذون جسده علامة إيمانه في وعد الله لهم بالرجوع إلى أرض الميعاد. وهذا يشير لاشتهائه لأرض الميعاد بالرغم مما وصل إليه من مركز في مصر. وربما أشار بقوله بنى يعقوب (لإسرائيل أي اليهود) وبقوله ويوسف (للأمم فيوسف تعنى أن الله يزيد) ثم في (15) يذكر شق البحر أمام الشعب (إشارة للمعمودية). ثم سكبت الغيوم مياهاً= نرى هنا صورة لإزعاج ملاك الرب لمعسكر المصريين، فالمطر إنهال عليهم وصوت الرعد أرعبهم والبروق أصابتهم= وأيضاً سهامك طارت لقد كان الله يستخدم أسلحة الطبيعة ليحارب مع شعبه (خر24:14،25) والسهام هي الصواعق التي انقضت عليهم. وهذه الآيات تشير أيضاً لإنسكاب الروح القدس على الكنيسة (المطر) وكرازة الرسل (السهام) وكلمات الكرازة كانت كالبرق والرعد تنير وتهز القلوب فتؤمن. في البحر طريقك= لقد كنت أنت قائد الشعب في طريقهم في البحر. وأثارك لم تعرف= لم يراك أحد بعينيه ولكن أعمالك كانت ظاهرة في قيادة شعبك. هديت شعبك كالغنم= فالمسيح هو الراعي الصالح. بيد موسى= موسى يرمز للمسيح كملك وهرون= رمز للمسيح كرئيس كهنة
المزمور الثامن والسبعون
هذا المزمور يحكي قصة تاريخ شعب إسرائيل منذ أيام موسى إلى أيام داود. والعجائب والآيات التي صنعها معهم. وخطايا الشعب خلال هذه الرحلة التي أغاظت الله، وتأديب الله لهم خلال هذه الرحلة. لقد انتهى المزمور السابق بأن موسى وهرون يقودان الشعب وهنا استفاضة لرحلة الشعب تحت قيادتهما.. ثم يسترسل إلى فترة داود. والهدف من ترتيل هذا المزمور أن تتحذر الأجيال الحديثة من إغاظة الرب كما فعل الآباء.
آية (1): "أصغ يا شعبي إلى شريعتي. أميلوا آذانكم إلى كلام فمي."
أصغ يا شعبي= ربما داود هو قائل هذه العبارة كملك وراعٍ للشعب. ولكن هذا صوت الله على لسان المرنم أياً كان هذا المرنم، ليسمعوا شريعة الرب.
آية (2): "افتح بمثل فمي. أذيع ألغازاً منذ القدم."
مثل.. الغاز= أي ليفكروا فيما سيسمعوه ويفكروا بعمق ليفهموا ويستوعبوا.
الآيات (3-6): "التي سمعناها وعرفناها وآباؤنا اخبرونا. لا نخفي عن بنيهم إلى الجيل الآخر مخبرين بتسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنع. أقام شهادة في يعقوب ووضع شريعة في إسرائيل التي أوصي آباءنا أن يعرّفوا بها أبناءهم. لكي يعلم الجيل الآخر. بنون يولدون فيقومون ويخبرون أبناءهم."
كل جيل يسلم الجيل التالي خبراته، وهذا أمرهم به الرب. وليس الخيرات فقط بل هم يسلمون للأبناء الإيمان والشريعة بحسب ما تسلموها دون تعديل (2تي2:2).
الآيات (7،8): "فيجعلون على الله اعتمادهم ولا ينسون أعمال الله بل يحفظون وصاياه. ولا يكونون مثل آبائهم جيلاً زائغاً ومارداً جيلاً لم يثبت قلبه ولم تكن روحه أمينة لله."
هدف التعليم أن نستفيد مما حدث للآباء فلا نخطئ مثلهم فيسخط الله علينا.
آية (9): "بنو افرايم النازعون في القوس الرامون انقلبوا في يوم الحرب."
مثال لسخط الله بنو إفرايم. فهؤلاء كانوا أشداء في الحرب= النازعون في القوس ولكن بسبب ارتدادهم عن الله، تخلى عنهم. الرامون انقلبوا (انهزموا) في يوم الحرب.
الآيات (10،11): "لم يحفظوا عهد الله وأبوا السلوك في شريعته. ونسوا أفعاله وعجائبه التي أراهم."
هذه هي خطايا إفرايم التي بسببها تخلى الله عنهم.
الآيات (12-32): "قدام آبائهم صنع أعجوبة في ارض مصر بلاد صوعن. شق البحر فعبّرهم ونصب المياه كندّ. وهداهم بالسحاب نهاراً والليل كله بنور نار. شق صخورا في البرية وسقاهم كأنه من لجج عظيمة. اخرج مجاري من صخرة وأجرى مياها كالأنهار. ثم عادوا أيضاً ليخطئوا إليه لعصيان العلي في الأرض الناشفة. وجربوا الله في قلوبهم بسؤالهم طعاماً لشهوتهم. فوقعوا في الله. قالوا هل يقدر الله أن يرتب مائدة في البرية. هوذا ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية. هل يقدر أيضاً أن يعطي خبزاً ويهيئ لحماً لشعبه. لذلك سمع الرب فغضب واشتعلت نار في يعقوب وسخط أيضاً صعد على إسرائيل. لأنهم لم يؤمنوا بالله ولم يتكلوا على خلاصه. فأمر السحاب من فوق وفتح مصاريع السموات. وأمطر عليهم منّا للأكل وبر السماء أعطاهم. أكل الإنسان خبز الملائكة. أرسل عليهم زادا للشبع. أهاج شرقية في السماء وساق بقوته جنوبية. وأمطر عليهم لحماً مثل التراب وكرمل البحر طيوراً ذوات أجنحة. وأسقطها في وسط محلتهم حوالي مساكنهم. فأكلوا وشبعوا جداً واتاهم بشهوتهم. لم يزوغوا عن شهوتهم طعامهم بعد في أفواههم. فصعد عليهم غضب الله وقتل من أسمنهم. وصرع مختاري إسرائيل. في هذا كله اخطأوا بعد ولم يؤمنوا بعجائبه."
ملخص لأعمال الله وإحساناته على شعبه وتمرد الشعب عليه. وفي (17) في الأرض الناشفة= أي برية سيناء فبينما هم رأوا عمل الله وكيف أخرج لهم ماءً من الصخور كانوا هم دائمي التذمر على الله وفي (19) فوقعوا في الله= تكلموا بالردئ عن الله وشككوا في قوته متسائلين هل يقدر أن يرتب مائدة في البرية القاحلة. وفي (24) بر السماء= أي القمح (راجع مز13:65). وفي (26) لحماً مثل التراب= أي كثيراً جداً. ولقد أعطى الله لهم شهوتهم فلم يشكروا، بل استمروا في شهوتهم وتذمرهم= لم يزوغوا عن شهواتهم لذلك ضربهم الله وقتل من أسمنهم= يبدو أن من مات، مات من كثرة الأكل، كأن الله لن يعود فيعطيهم ثانية.
الآيات (33-41): "فأفني أيامهم بالباطل وسنيهم بالرعب. إذ قتلهم طلبوه ورجعوا وبكروا إلى الله. وذكروا أن الله صخرتهم والله العلي وليّهم. فخادعوه بأفواههم وكذبوا عليه بألسنتهم. أما قلوبهم فلم تثبت معه ولم يكونوا أمناء في عهده. أما هو فرؤوف يغفر الإثم ولا يهلك وكثيراً ما رد غضبه ولم يشعل كل سخطه. ذكر انهم بشر ريح تذهب ولا تعود. كم عصوه في البرية وأحزنوه في القفر. رجعوا وجربوا الله وعنّوا قدوس إسرائيل."
حينما ضربهم الله قدموا توبة، ولكنها للأسف لم تكن من القلب بل من الفم كانت ناتجة عن الخوف وليس عن اقتناع وتوبة قلبية. لذلك تكرر سقوطهم. ولكن الله لم يكن يعاقبهم في كل مرة فهو يعرف أنهم بشر سريعي الزيغان.
الآيات (42-53): "لم يذكروا يده يوم فداهم من العدو. حيث جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صوعن. إذ حول خلجانهم إلى دم ومجاريهم لكي لا يشربوا. أرسل عليهم بعوضاً فأكلهم وضفادع فأفسدتهم. اسلم للجردم غلتهم وتعبهم للجراد. اهلك بالبرد كرومهم وجميزهم بالصقيع. ودفع إلى البرد بهائمهم ومواشيهم للبروق. أرسل عليهم حمو غضبه سخطا ورجزا وضيقا جيش ملائكة أشرار. مهد سبيلا لغضبه. لم يمنع من الموت أنفسهم بل دفع حياتهم للوبإ. وضرب كل بكر في مصر. أوائل القدرة في خيام حام. وساق مثل الغنم شعبه وقادهم مثل قطيع في البرية. وهداهم آمنين فلم يجزعوا. أما أعداؤهم فغمرهم البحر."
المرنم هنا يذكر ضربات الرب ضد المصريين. ويعاتب الشعب أنهم رأوا كل هذه الضربات ولكنهم لم يؤمنوا بل كانوا يرتدون عن الله فشابهوا المصريين واستحقوا أن يضربهم الله كما ضرب المصريين. في (49) ملائكة أشرار= أي ملائكة يأتون على الشعب بضربات شريرة مؤلمة وترجمت "ملائكة مؤدبين" وفي (50) مهد سبيلاً لغضبه= ضربات الله تأتي بالتدريج، وقبل أن يضرب بالموت يؤدب بالوبأ لعلهم يتوبون.
الآيات (54،55): "وأدخلهم في تخوم قدسه هذا الجبل الذي اقتنته يمينه. وطرد الأمم من قدامهم وقسمهم بالحبل ميراثا واسكن في خيامهم أسباط إسرائيل."
الجبل= إشارة لأرض إسرائيل التي دخلها يشوع مع الشعب وقسمها لهم.
الآيات (56-64): "فجربوا وعصوا الله العلي وشهاداته لم يحفظوا. بل ارتدّوا وغدروا مثل آبائهم. انحرفوا كقوس مخطئة. أغاظوه بمرتفعاتهم واغاروه بتماثيلهم. سمع الله فغضب ورذل إسرائيل جدا. ورفض مسكن شيلو الخيمة التي نصبها بين الناس. وسلم للسبي عزه وجلاله ليد العدو. ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه. مختاروه أكلتهم النار وعذاراه لم يحمدن. كهنته سقطوا بالسيف وأرامله لم يبكين."
لقد رأى الجيل الذي دخل أرض الميعاد أعمال الله الإعجازية مع يشوع وهزيمة ملوك كثيرين أمامهم. ولكنهم عوضاً أن يشكروا الله ارتدوا وعبدوا الأوثان فعاد الله وضربهم. ورفض مسكن شيلو.. وسلم للسبي عزه= إشارة لحادثة سبي تابوت العهد بواسطة الفلسطينيين. وتابوت العهد كان في شيلوه. وكان هذا في أيام عالي الكاهن. ومات أولاد عالي الكهنة وهلك عدد كبير من جيش إسرائيل= مختاروه أكلتهم النار. وعذاراهم لم يُحْمَدْنَ= أي لم يجدن من يتزوجهن فالرجال ماتوا في الحرب.
الآيات (65-72): "فاستيقظ الرب كنائم كجبار معّيط من الخمر. فضرب أعداءه إلى الوراء. جعلهم عاراً أبديا. ورفض خيمة يوسف ولم يختر سبط افرايم. بل اختار سبط يهوذا جبل صهيون الذي احبه. وبنى مثل مرتفعات مقدسه كالأرض التي أسسها إلى الأبد. واختار داود عبده وأخذه من حظائر الغنم. من خلف المرضعات أتى به ليرعى يعقوب شعبه وإسرائيل ميراثه. فرعاهم حسب كمال قلبه وبمهارة يديه هداهم."
لم يستمر غضب الله على شعبه بل استيقظ كنائم= ونومه هنا كناية عن أنه ترك شعبه للتأديب وضرب أعداؤه الذين أذلوا شعبه واستعبدوهم ورفض كل شعب إسرائيل (يوسف وإفرايم) وأختار سبط يهوذا ليخرج منه داود الملك الذي اختاره الله. وبنى مثل مرتفعات مقدسة= الهيكل في أورشليم ولكن هذه الآيات تشير للمسيح الذي إذ وجد شعبه مستعبداً للشيطان، جاء وتجسد من سبط يهوذا ومن نسل داود. ومات. ولكنه لم يستمر ميتاً بل كان في موته كجبار معيط من الخمر. وكان كنائم ثم استيقظ بقيامته. وضرب أعدائه إلى الوراء وهم الشياطين وجعلهم عاراً أبدياً. ولأن اليهود هم الذين صلبوه ثم رفضوا الإيمان به، رفضهم هو= رفض خيمة يوسف واختار كنيسته عروساً له= اختار سبط يهوذا جيل صهيون الذي أحبه. وأسس كنيسته السماوية= وبنى مثل مرتفعات مقدسة= أي بنى كنيسته مثل مرتفعات مقدسة وثبتها للأبد كالأرض التي أسسها إلى الأبد. وكان المسيح وسط كنيسته الراعي الصالح= فرعاهم حسب كمال قلبه. وبقوته قاد كنيسته= بمهارة يديه هداهم. أخذه من حظائر الغنم= أي تجسد المسيح ابن داود من البشر وهم الغنم الذين رعاهم بعد هذا.
المزمور التاسع والسبعون
هو نفس موضوع مزمور (74) عن تدنيس وخراب الهيكل بواسطة بابل أو تدمير الإنسان بإبليس وعبودية الإنسان له بعد أن سقط في الخطية. والمرنم يصرخ لله لكي يخلص شعبه.
آية (1): "اللهم أن الأمم قد دخلوا ميراثك. نجسوا هيكل قدسك. جعلوا أورشليم أكواماً."
ميراث الله هو أرض الميعاد وبالذات أورشليم والهيكل. والأمم= بابل أو إبليس. والهيكل يشير لهيكل أورشليم فعلاً وقد دمره البابليون أن الإنسان هيكل الروح القدس.
الآيات (2-4): "دفعوا جثث عبيدك طعاماً لطيور السماء. لحم أتقيائك لوحوش الأرض. سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم وليس من يدفن. صرنا عاراً عند جيراننا هزءاً وسخرة للذين حولنا."
كانت ضربة بابل لأورشليم رهيبة. وكانت الخطية سبباً في موت البشر (يو44:8)وكما استعبد البابليون شعب الرب. هكذا استعبد إبليس الإنسان فصار الإنسان عاراً.
الآيات (5-9): "إلى متى يا رب تغضب كل الغضب وتتقد كالنار غيرتك. إفض رجزك على الأمم الذين لا يعرفونك وعلى الممالك التي لم تدع باسمك. لأنهم قد أكلوا يعقوب وأخربوا مسكنه. لا تذكر علينا ذنوب الأولين. لتتقدمنا مراحمك سريعاً لأننا قد تذللنا جداً. أعنّا يا اله خلاصنا من اجل مجد اسمك ونجنا واغفر خطايانا من اجل اسمك."
هي صرخة لله لكي يخلصه شعبه. وليؤدب الأمم (إبليس) الذي خربوا الهيكل وقتلوا الشعب. والله لا يذكر ذنوب الأولين إن لم نكن نحن أيضاً مذنبين. أفض رجزك على الأمم الذين لا يعرفونك= أي يا رب أنت تؤدبنا بواسطتهم ونحن نستحق كل تأديب ولكن بالحق هم أسوأ حالاً فهم متوحشين ولا يعرفونك فأدبهم هم أيضاً. والله استخدمهم فعلاً كأداة للتأديب، وبعد أن أنهوا مهمتهم ضربهم الله ضربة شديدة.
آية (10): "لماذا يقول الأمم أين هو إلههم. لتعرف عند الأمم قدام أعيننا نقمة دم عبيدك المهراق."
عاقبهم يا رب بسبب استهانتهم بك وقولهم= أين هو إلههم. لتعرف عند الأمم قدام أعيننا نقمة دم عبيدك المهراق= عاقبهم يا رب بسبب دمنا الذي سفكوه ولنرى ذلك.
آية (11): "ليدخل قدامك أنين الأسير. كعظمة ذراعك استبق بني الموت."
الأسير= هو الشعب المسبي في بابل أو هو الإنسان المسبي من إبليس. كعظمة ذراعك= ذراع الله هو المسيح الذي بفدائه أنقذنا من الموت= استبق بني الموت= أحييهم.
آية (12): "ورد على جيراننا سبعة أضعاف في أحضانهم العار الذي عيروك به يا رب."
المرنم يطلب عقوبة كاملة= 7 أضعاف على كل ما فعله ضد الله وضد شعبه.
المزمور الثمانون
هذا المزمور هو استمرار للمزمور السابق وفيه المرنم يشكو لراعي إسرائيل من سوء حالة القطيع والمشقات التي يتحملها ويطلب العطف والشفقة على الرعية. والكرمة هنا هي شعب إسرائيل (اش1:5-7) أو هي الكنيسة أو هي النفس البشرية التي كانت مثل كرمة في فردوس الله وحينما أخطأت قطعها الله بفأس عدالته وطرحها خارج الفردوس فيبست وصارت كرمة كاذبة. وإسرائيل كانت كرمة غرسها الله في أرض الميعاد ثم أخطأت وصارت تعطى عنباً مراً. والمرنم يستغيث إلى سيد الكرم لكي ينزل هو ويصير كرمة حقيقية، ويطعم نفسه في الكرمة التي فسدت بأنياب خنزير بري أو وحش بري (إبليس) لتنبت أغصاناً تجدد الكرمة.
آية (1): "يا راعي إسرائيل أصغ يا قائد يوسف كالضأن يا جالساً على الكروبيم اشرق."
المسيح هو راعي إسرائيل وهو الذي يقود يوسف كالضأن أي كراعٍ يقود خرافه وهذا الراعي الذي أتى متجسداً هو هو نفسه الله يهوه الجالس على الكروبيم وأشرق بتجسده.
آية (2): "قدام افرايم وبنيامين ومنسّى أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا."
لماذا ذكر أفرايم وبنيامين ومنسى بالذات؟ لقد سقطت مملكة إسرائيل أي العشرة أسباط أولاً بيد أشور وأقوى أسباطها أفرايم ومنسى. وبنيامين هو الآخر ذهب للسبي مع سبي بابل. وكان هؤلاء الثلاثة أسباط يتقدمون المسيرة قبل تابوت العهد. والآن هم في السبي. فالنبي يطلب عودتهم لسابق مجدهم. ونلاحظ أن إفرايم= الثمر المتكاثر. وبنيامين ابن اليمين ومنسى= ينسي. وهنا نرى صفات من يعود لله فيعود له الله، فهو ينسي الزمنيات ويكون ابن اليمين وله ثمر متكاثر.
آية (3): "يا الله أرجعنا وأنر بوجهك فنخلص."
أرجعنا= ردنا إلى ما كنا فيه من حرية وراحة. أنر بوجهك= إشارة لتجسد المسيح.
آية (4): "يا رب اله الجنود إلى متى تدخن على صلاة شعبك."
إلى متى تدخن على صلاة شعبك= إلى متى تظل غاضباً على صلاة شعبك ولا تقبلها.
آية (5): "قد أطعمتهم خبز الدموع وسقيتهم الدموع بالكيل."
خبزهم يأكلونه بالبكاء. وكأسهم تمتلئ بالدموع. فرحنا يا رب هو بظهورك وسطنا.
آية (6): "جعلتنا نزاعاً عند جيراننا وأعداؤنا يستهزئون بين أنفسهم."
بسبب غضبك صار جيراننا يتنازعون علينا، من يأكل منا نصيب أكبر من الآخر.
الآيات (8-11): "كرمة من مصر نقلت. طردت أمما وغرستها. هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله. مدت قضبانها إلى البحر والى النهر فروعها."
إسرائيل هي الكرمة التي نقلها الرب من مصر وغرساه في مكانها وأعطت ثمرها. غطى الجبال ظلها= أي سلطانها ساد على الأمم القوية التي حولها. أغصانها= ملوكها وأنبيائها قضبانها[‡‡‡‡‡‡‡‡]= الأغصان تشير للملوك أو الأنبياء. لكن القضبان تشير لسلطانهم من البحر إلى النهر.
الآيات (12،13): "فلماذا هدمت جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق. يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية."
الجدران هم الشعب. أفسدها الخنزير= إشارة للشيطان النجس فالخنزير حيوان نجس. والشيطان علم الشعب النجاسة. وبسبب الخطية صار الإنسان مأكلاً لإبليس= يقطفها كل عابري الطريق. وكرمز لذلك كانت الأمم الوثنية المحيطة بالشعب تذلهم إن أخطأوا وكل مؤمن يغرسه الله ككرمة، تمتد من البحر (العالم) للنهر (عمل الروح القدس) ولكن أن عاد وسقط يصير مأكلاً لكل عابري الطرق أي ألعوبة في يد الشياطين.
آية (14): "يا اله الجنود ارجعنّ اطّلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة."
هي صلاة المرنم ليرعي الله كل كرمة (كل نفس) حتى لا تصير ألعوبة في يد الشيطان.
آية (15): "والغرس الذي غرسته يمينك والابن الذي اخترته لنفسك."
الغرس الذي غرسته يمينك. ومن هو يمين الله سوى المسيح الابن الذي اخترته لنفسك.
آية (16): "هي محروقة بنار مقطوعة. من انتهار وجهك يبيدون."
الكرمة الآن محروقة بنار كما أحرق نبوخذ نصر الهيكل. ولكن الله سينتهر أعدائه.
آية (17): "لتكن يدك على رجل يمينك وعلى ابن آدم الذي اخترته لنفسك."
لتكن يدك على رَجُل يمينك= لتكن معونتك لنا بواسطة أبنك الذي هو يمينك. والمسيح سماه المرنم هنا رجل يمينك: [1] هو قوة الله وذراع الله الذي تجسد وأعطاه الآب كل قوة وكل سلطان ثم رفعه وجلس عن يمينه [2] الله أعطاه هذه القوة ليمجد اسم الله وينتصر بقوة على أعدائه "أنا مجدتك على الأرض" (يو4:17،5) وعمل المسيح كان نشر ملكوت الله بقوة على الأرض [3] يد الله الآب كانت عليه أي كانت تحفظه ليتم عمله أولاً ثم يصلب ويقوم، فلا يقتلونه قبل الميعاد، لذلك في مرات كثيرة إذ أرادوا قتله كان يمر من وسطهم دون أن يشعروا (يو59:8). ثم كانت يد الله عليه ليقوم من الأموات بقوة (رو4:1) [4] قوة وثبات الكنيسة والمؤمنين راجع لنعمة المسيح أو النعمة التي تحصل عليها الكنيسة في المسيح.
المزمور الحادي والثمانون
كتب هذا المزمور ليس بمناسبة انتصار على عدو ما بل بمناسبة عيد، ليرتلوا به في الهيكل. إما لعيد ظهور القمر أي في بدء الشهر أو عيد الأبواق في الشهر السابع (لا24:23 + عد1:29). أو لعيد الفصح = الهلال (أية3).
الآيات (1-4): "رنموا لله قوتنا اهتفوا لإله يعقوب. ارفعوا نغمة وهاتوا دفا عودا حلوا مع رباب. انفخوا في رأس الشهر بالبوق عند الهلال ليوم عيدنا. لأن هذا فريضة لإسرائيل حكم لإله يعقوب."
المرنم يدعو الشعب ليسبحوا ويهتفوا (يزعقوا) لله سرقوتهم. ويستخدموا كل الآلات الموسيقية رمزاً لاستخدام كل طاقاتنا ومشاعرنا وأصواتنا وأعمالنا وقلوبنا في تسبيح الرب. والله طلب منهم النفخ بالأبواق في رأس الشهر إشارة لبوق الكرازة في بداية المسيحية وإشارة لكلمة الله التي تبعث في الإنسان اليقظة والرهبة ليبدأ بداية جديدة بالتوبة لسنة مقبولة. والله هو الذي أمرهم بهذا ليتذكروا إحساناته لهم.
آية (5): "جعله شهادة في يوسف عند خروجه على ارض مصر. سمعت لساناً لم اعرفه."
الله يريد أن يذكروا إحساناته ويكون هذا الاحتقال شهادة في وسطهم حتى لا ينسوا محبته وأبوته التي أخرجتهم من نير العبودية في مصر (ونحن علينا أن نذكر له فدائه لنا دائماً). وهو شبه العبودية هنا بأنهم سمعوا لساناً لا يعرفوه أي لغة مصر. وفي خروجهم أيضاً سمعوا لساناً لا يعرفوه وهو صوت الرب. ولماذا أشار إلى يوسف بالذات، لأن بسبب يوسف نزلوا جميعهم إلى مصر. ويوسف أيضاً صار رمزاً للمسيح.
آية (6): "أبعدت من الحمل كتفه. يداه تحولتا عن السل."
الشعب في مصر حملوا سلال الطين على أكتافهم في عبوديتهم. والله رفع عنهم أحمالهم.
آية (7): "في الضيق دعوت فنجيتك. أستجبتك في ستر الرعد. جربتك على ماء مريبة. سلاه."
هنا الله يعاتب شعبه فهو استجاب لهم حينما دعوه. واستجاب لهم في الرياح القوية التي شقت البحر، بل تكلم معهم مستتراً في أصوات الرعد من على جبل سيناء. لقد أظهر لهم قوته مراراً ولكنهم خانوه وشككوا فيه عند ماء مريبة.
الآيات (8،9): "اسمع يا شعبي فأحذرك. يا إسرائيل أن سمعت لي. لا يكن فيك اله غريب ولا تسجد لإله أجنبي."
هنا الله يقول لهم لا تخونونني كأبائكم. ويعلمهم حتى لا ينحرفوا من ورائه.
آية (10): "أن الرب إلهك الذي أصعدك من ارض مصر. افغر فاك فاملأه."
الرب يعلم الشعب، أنه ليس مثله إلهاً يخلص شعبه، بل يجيبهم في كل ما يطلبونه. افغر فاك فاملأه= أطلب ما شئت فأعطيك ويمتلئ فاك بالتسبيح والشكر.
الآيات (11،12): "فلم يسمع شعبي لصوتي وإسرائيل لم يرض بي. فسلمتهم إلى قساوة قلوبهم. ليسلكوا في مؤامرات أنفسهم."
هذا قول عام. فالشعب حين لم يسمع صوت الله وتمردوا مات منهم كثيرين بل هلك كل الجيل الذي خرج من مصر. ولما رفضوا المسيح وصلبوه خربت أورشليم وهم تشتتوا. وهكذا كل نفس تتمرد على وصايا الله يسلمها الله لذهن مرفوض (رو28:1) وكل من يتجبر ليدبر مؤامرات يسقط هو في شباك مؤامراته (رو25:1).
الآيات (13،14): "لو سمع لي شعبي وسلك إسرائيل في طرقي. سريعا كنت اخضع أعداءهم وعلى مضايقيهم كنت أرد يدي."
هنا عتاب من الله لشعبه المتألم فهم لو سمعوا لوصاياه ما كانوا قد تألموا.
آية (15): "مبغضو الرب يتذللون له. ويكون وقتهم إلى الدهر."
لقد عاني إسرائيل كثيراً من أعدائه الذين هم مبغضو الرب ومبغضو شعبه ولكن الله قادر أن يذللهم أمامه وأمام شعبه ويظلوا هكذا إلى أن يذهبوا إلى مصيرهم النهائي ولكن الله لم يفعل لأن شعبه لم يسمع لوصيته.
آية (16): "وكان أطعمه من شحم الحنطة. ومن الصخرة كنت أشبعك عسلاً."
لو أطاع الشعب وصايا الله لكان الله قد أشبعهم حنطة وعسلاً. والآن فالله يشبع شعبه من جسده (شحم الحنطة). ومن أقواله الإلهية (عسل) (حز3:3 + مز103:119). وكان المن رمز المسيح طعمه كطعم رقاق بعسل (خر31:16)
المزمور الثاني والثمانون
هو مزمور للقضاة والحكام ليذكروا أنهم يجب أن يحكموا بالعدل. وحينما نرنم به نذكر إلهنا العادل الذي يقتص من الأشرار الظالمين، ونشتاق للأبدية حيث نرى العدل دائماً.
آية (1): "الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي."
الله خلق الإنسان على صورته، وبالخطية سقط ولم يعد بعد على صورة الله. ولما أخرج الله إسرائيل من عبودية فرعون قال عنهم "إسرائيل ابني البكر" رمزا لأننا سنستعيد بنوتنا لله بفداء المسيح. وفي (مل7:2) قيل عن الكاهن رسول رب الجنود أي ملاك رب الجنود. بل نجده هنا يسمى القضاة والرؤساء آلهة أي سادة عظماء، وهم هكذا بسبب سلطانهم، فالله أعطى للحاكم والقضاة سلطة للصالح العام بها يحكمون على المخطئ حتى بالقتل. وهم يكافئون الذي يتصرف حسناً. والله وضع جزء من كرامته على الحكام والقضاة (أم10:16). فإذا فسدوا قيل عنهم (أم15:28). ومجمع القضاة يسميه المرنم هنا مجمع الله. وأن الله في وسطهم فهو يحكم بواسطتهم ويعطيهم حكمة ليقودوا شعبه (أم1:21). والله يفعل بهم ما يريده حينما يرشدهم فيستجيبون. ونرى في الله قائم في مجمع الله. صورة للمسيح إلهنا في وسط مجمع الكتبة والكهنة يحاكمونه ظلماً.
آية (2): "حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار. سلاه."
حتى نتأكد أن الآلهة في أية (1) هم القضاة نسمع هنا الله يوبخهم على قضائهم الظالم وتم هذا حرفياً مع المسيح حين حاكموه بتهم ملفقة.
آية (3): "اقضوا للذليل ولليتيم. انصفوا المسكين والبائس."
الله يطلب من القضاة أن ينصفوا الضعفاء والبائسين.
آية (5): "لا يعلمون ولا يفهمون. في الظلمة يتمشون. تتزعزع كل أسس الأرض."
بسبب أغراضهم الشخصية حابوا الأشرار الأقوياء وظلموا الفقير. وبسبب هذا فقدوا استنارتهم وما عادوا يرون إرشاد الله الذي يعطيه للقضاة وصاروا لا يعلمون ولا يفهمون وفي الظلمة يتمشون وتتزعزع كل أسس الأرض= بسبب حكمهم الظالم. وهذا ما حدث يوم الصليب، يوم حكمهم الظالم، فلقد إظلمت الدنيا وتزلزلت الأرض وهم في عماهم ما علموا وما فهموا أنهم صلبوا رب المجد.
آية (6): "أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم."
قال الله لموسى "ها أنا أقمتك إلهاً على فرعون" (خر1:7). والسيد المسيح استعمل هذه الآية مع اليهود (يو34:10). وهي كنبوة عن أن المسيحيين سيصيرون أبناء الله= وبنو العلي كلكم (يو12:1). وهنا نرى الله يرفع الإنسان جداً.
آية (7): "لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون."
حتى لا ينتفخ الإنسان بما أخذه بل يتضع أمام الله يذكره الله بحقيقة موته.
آية (8): "قم يا الله. دن الأرض. لأنك أنت تمتلك كل الأرض."
هي طلب لله أن يقوم المسيح ليدين الخطية ويدين إبليس ويدين الشر ويخلص البشر من حكم الموت إذ يمتلك الله الجميع.
المزمور الثالث والثمانون
هذا المزمور يتكلم عن قيام بعض الأمم ضد شعب الله، ربما في أيام داود أو غيره. ومن ناحية رمزية يشير لقيام الشياطين بحرب ضد أولاد الله القديسين.
آية (1): "اللهم لا تصمت لا تسكت ولا تهدأ يا الله."
هي صرخة لله ليخلص شعبه من أعدائهم.
الآيات (2-4): "فهوذا أعداؤك يعجون ومبغضوك قد رفعوا الرأس. على شعبك مكروا مؤامرة وتشاوروا على أحميائك. قالوا هلم نبدهم من بين الشعوب ولا يذكر اسم إسرائيل بعد."
هنا نجد الأعداء يحيكون مؤامرة ضد شعب الله بمكر وحيلة وقوله يعجون يشير لكثرتهم وشدتهم فهيجانهم شبيه بعجيج البحر الكثير الماء. وهدفهم إفناء شعب الله. وهدف الشياطين أن يفقد أولاد الله ميراثهم السماوي.
الآيات (5-8): "لأنهم تآمروا بالقلب معا. عليك تعاهدوا عهدا. خيام أدوم والاسمعيليين. موآب والهاجريون. جبال وعمون وعماليق. فلسطين مع سكان صور. أشور أيضاً اتفق معهم. صاروا ذراعا لبني لوط. سلاه."
نرى هنا تعدد الأمم التي تحارب إسرائيل. وكل منها لها سمة مميزة في شرورها، وهذه السمات تشير لشرور الشيطان. ونلاحظ أن عدد الأمم المقاومة هنا (11) ورقم (11) رقم للخطية فهو لم يكمل ليصير (12) رقم شعب الله.
الآيات (9-18): "افعل بهم كما بمديان كما بسيسرا كما بيابين في وادي قيشون. بادوا في عين دور. صاروا دمنا للأرض. اجعلهم شرفاءهم مثل غراب ومثل ذئب. ومثل زبح ومثل صلمناع كل أمرائهم. الذين قالوا لنمتلك لأنفسنا مساكن الله. يا الهي اجعلهم مثل الجل مثل القش أمام الريح. كنار تحرق الوعر كلهيب يشعل الجبال. هكذا اطردهم بعاصفتك وبزوبعتك روعهم. املأ وجوههم خزيا فيطلبوا اسمك يا رب. ليخزوا ويرتاعوا إلى الأبد وليخجلوا ويبيدوا. ويعلموا انك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض."
هنا المرنم يطلب أن الله الذي أظهر قوته من قبل وأهلك أعداء شعبه مثل مديان وسيسرا (هلك المديانيون في أرض عين دور. وفي عين دور كانت هناك المرأة العرافة التي قابلها شاول. فهي رمز لأرض الخطية) وكما أهلك غراب وذئب وغيرهم، فليهلك أعداء شعبه الآن. لأنهم يتآمرون ليستعبدوا شعب الله= لنمتلك لأنفسنا مساكن الله. يا رب إجعلهم يتشتتوا مثل القش أمام الريح حتى لا تنجح مؤامراتهم ضد شعبك. الجل= الزهرة التي تكون في رأس الشوك وعندما ينضج الشوك يرفعها الريح ولا يتركها في مكان. وهؤلاء نهايتهم الحريق وفي (16) نتعلم كيف تكون الصلاة لأعداء الكنيسة، فالكنيسة لا تطلب هلاكهم إنتقاماً منهم بل لعلهم يتوبوا فيطلبوا اسم الرب. وأما لو رفضوا فليخزوا ويرتاعوا = هم بذلك اختاروا نصيبهم. وسيعرفوا أنهم تركوا عبادة الإله الحقيقي يهوه.
المزمور الثامن والثمانون
هذا المزمور هو شكوى لله من آلام وضيقات أحاطت بالمرنم. ولم ينتهي كالعادة بان يتعزى باستجابة الله له، ولكن المرنم لم يكف عن الصلاة والالتجاء إلى الله بالرغم من أنه لا يشعر بأي تعزية. وهذا درس لكل متألِّم أن لا يكف عن الصلاة حتى ولو لم يشعر بتعزية. فكثيرين نسمع منهم أنهم كفوا عن الصلاة لأنهم صلوا والله لم يستجب.
الآيات (1،2): "يا رب اله خلاصي بالنهار والليل صرخت أمامك. فلتأت قدامك صلاتي. أمل أذنك إلى صراخي."
لاحظ أنه يصلي بلا انقطاع الليل والنهار. وبصراخ من القلب في ضيقته.
الآيات (3،4): "لأنه قد شبعت من المصائب نفسي وحياتي إلى الهاوية دنت. حسبت مثل المنحدرين إلى الجب. صرت كرجل لا قوة له."
هو وصل إلى غاية الأحزان وإلى درجة الشبع. بل مثل ميت بلا قوة.
الآيات (5،6): "بين الأموات فراشي مثل القتلى المضطجعين في القبر الذين لا تذكرهم بعد وهم من يدك انقطعوا. وضعتني في الجب الأسفل في ظلمات في أعماق."
تصوير بائس لحالته فهو كميت قد نسيه الله في قبره، ولا يمد الله له يده بأي مساعدة، بل هو في ظلمات. إن الآلام النفسية العميقة تكون شديدة جداً.
آية (7): "عليّ استقر غضبك وبكل تياراتك ذللتني. سلاه."
غضب الله على الإنسان لا يكون إلا بسبب خطيته. وهو يذلل الإنسان حتى تنتهي كبرياؤه ويتوب ويرجع فيخلص. والعجيب أن ما قيل في الآيات السابقة وهذه الآية بالذات قد احتمله المسيح لأجلنا. فهو الذي احتمل آلاماً جسدية وإهانات وآلاماً نفسية، بل وضع في قبر فعلاً، وتحمل غضب الآب بل نزل إلى الجحيم ليخرج منه من مات على الرجاء. هو صار خطية وصار لعنة لأجلنا.
الآيات (8،9): "أبعدت عني معارفي. جعلتني رجسا لهم. اغلق عليّ فما اخرج. عيني ذابت من الذل. دعوتك يا رب كل يومً. بسطت إليك يدي."
شعور مؤلم أن يتخلى الأصدقاء عن صديقهم وهو في ضيقته، وهذا ما حدث مع أيوب= جعلتني رجساُ لهم= إذ ظنوه مضروباً بسبب خطاياه وأن الله ينتقم منه وبالنسبة للمسيح فقد تخلى عنه الجميع. ولكن يحسب للمرنم أنه لم يكف عن الصلاة= بسطت يدي.
الآيات (10-12): "أفلعلك للأموات تصنع عجائب أم الأخيلة تقوم تمجدك. سلاه. هل يحدث في القبر برحمتك أو بحقك في الهلاك. هل تعرف في الظلمة عجائبك وبرك في ارض النسيان."
هو صور نفسه كميت، وفي يأسه يقول، كيف يتدخل الله الآن ليغير من حالي هل يقيم الله أموات، هل يصنع معجزة مع ميت، أنا حالتي ميئوس منها. الأخيلة هي نفوس الموتى في الهاوية. هل تصنع مع الموتى عجائب فيسبحونك عليها. قطعاً في ذهن مرنم العهد القديم أن بركات الله هي بركات مادية وهذه يسبح البشر عليها الله الذي أعطاها لهم وهو كميت ماذا سيعطيه الله ليسبحه عليه. وروحياً نفهم هذا أنه من انغمس في الخطية لدرجة الموت لا يعود يشعر بعمل الله وبالتالي لا يعود يسبح الله على إحساناته.
آية (13): " أما أنا فإليك يا رب صرخت وفي الغداة صلاتي تتقدمك."
صلاتي تتقدمك= كأنه يجري أمام موكب الله الملك صارخاً أن يرحمه.
آية (15): " أنا مسكين ومسلم الروح منذ صباي. احتملت أهوالك. تحيرت."
هنا يذكر آلامه منذ صباه. وكأنه عاش كل أيامه قريباً من الموت= مسلم الروح.
الآيات (16-18): "عليّ عبر سخطك. أهوالك أهلكتني. أحاطت بي كالمياه اليوم كله. اكتنفتني معا. أبعدت عني محبا وصاحبا. معارفي في الظلمة."
الظلمة= هي ضيقته التي هو فيها. وضيقته كانت ضيقات متعددة وغزيرة أحاطت به اليوم كله. بل هي أهوال مهلكة.
المزمور التاسع والثمانون
عادة تبدأ المزامير بالشكوى، وتنتهي بالتسبيح على التعزيات والاستجابة الإلهية ولكن هذا المزمور له إتجاه عكسي، فهو يبدأ بتسبيح الله على إحساناته القديمة ومعاملاته مع شعبه واختياره ووعوده لداود بتثبيت مملكته. ثم يبدأ الشكوى أن حال شعب الله الآن مؤلِّم بعد أن اختفى كرسي داود. لذلك نحدد ميعاد كتابة المزمور بأنه بعد السبي. ثم يصرخ المرنم لله بان يذكر وعوده لداود ويعيد أمجاده لشعبه.
والكنيسة في أي محنة عليها أن تصلي بنفس الأسلوب، لقد أعطى الله لكنيسته أمجاداً كثيرة ولكن حال الكنيسة الآن يختلف عن حال كنيسة الآباء بسبب خطايانا لذلك فلنصرخ ونصلي لله بلا يأس ليعيد مراحمه لنا، ولنؤسس صلواتنا على عهد المسيح وعلى استحقاقات دم المسيح، كما اسس المرنم صراخه على وعود الله لداود أبو المسيح بالجسد.
الآيات (1-7): "بمراحم الرب اغني إلى الدهر. لدور فدور اخبر عن حقك بفمي. لأني قلت أن الرحمة إلى الدهر تبنى. السموات تثبت فيها حقك. قطعت عهدا مع مختاري. حلفت لداود عبدي. إلى الدهر اثبت نسلك وأبني إلى دور فدور كرسيك. سلاه. والسموات تحمد عجائبك يا رب وحقك أيضا في جماعة القديسين. لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله. اله مهوب جدا في مؤامرة القديسين ومخوف عند جميع الذين حوله."
المرنم يسبح الله على مراحمه، الرحمة إلى الدهر تبني= المرنم يرى الآن أن الصورة سوداء وكرسي داود قد سقط. ولكنه بإيمان يرى مراحم الله أنها إلى الأبد= لأني قلت= هو في إيمانه بمحبة الله رأى أن هذا الوضع لا يمكن له أن يستمر، فلقد وعد الله داود. ووعده ومراحمه ثابتة لا تسقط،ر بل هي تزداد من يوم إلى يوم كأنها بناء يبنى، بل سيستمر هذا البناء إلى الأبد في أورشليم السماوية. والآن حتى وأن كانت مظلة داود ساقطة لكن الله سيعود ويبنيها (عا11:9). والسموات تثبت فيها حقك= أي حتى لو كنا نرى هنا الآن بعض الظلم والآلام تقع على القديسين، وهذا يسبب لنا بعض الإحباط، ولكن وعود الله لن تسقط وسنرى تحقيقها في السماء. قطعت عهداً مع مختاري.. إلى الدهر أثبت نسلك= هذا الكلام قيل لداود فعلاً (2صم12:2-14) والمرنم يعتمد عليه ليستعيد شعب الرب أمجاده. ولكن مختار الرب حقيقة هو المسيح ابن داود. وهذا هو من يقال عنه أن نسله أي مؤمنيه وكنيسته تثبت إلى الدهر. السموات تحمد عجائبك فنحن الأرضيون لا نستوعب كل أعمالك العجيبة بسبب أن عيوننا طمستها محبة العالم. مؤامرة القديسين= أي جماعاتهم يمجدون الله، جماعات القديسين أو الملائكة.
الآيات (8-14): "يا رب اله الجنود من مثلك قوي رب وحقك من حولك. أنت متسلط على كبرياء البحر. عند ارتفاع لججه أنت تسكنها. أنت سحقت رهب مثل القتيل. بذراع قوتك بددت أعداءك. لك السموات. لك أيضا الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسّستهما. الشمال والجنوب أنت خلقتهما. تابور وحرمون باسمك يهتفان. لك ذراع القدرة. قوية يدك. مرتفعة يمينك. العدل والحق قاعدة كرسيك. الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك."
المرنم يسبح الله على قدرته وأعماله. فهو قادر أن يسكن أمواج البحر الهائج وهذا صنعه المسيح. أنت سحقت رهب= رهب تعني متكبر، وهي تشير إلى مصر. والله سحق مصر بضربات عشر وسحق جيشها تحت مياه البحر الأحمر. وكان هذا رمزاً لسحق الشيطان المتكبر بواسطة المسيح= بذراع قوتك بددت أعدائك. والله خلق كل ما في السماء والأرض، الكل له. وأعلى ما في الأرض من جبال يعجز أمامها الإنسان فهي صنعة يدي الله، وذكر المرنم قمتين من أعلى قمم كنعان تابور وحرمون. أحد الجبلين يقع في الشرق والجبل الآخر في الغرب. ولاحظ قوله من قبل الشمال والجنوب. أي الكل لله. وجبل تابور هو جبل التجلي. وهنا نرى الجبل يهتف لأنه سمع صوت الآب يشهد للابن.
الآيات (15-18): "طوبى للشعب العارفين الهتاف. يا رب بنور وجهك يسلكون. باسمك يبتهجون اليوم كله وبعدلك يرتفعون. لأنك أنت فخر قوتهم وبرضاك ينتصب قرننا. لأن الرب مجننا وقدوس إسرائيل ملكنا."
المرنم يطوب الشعب الذي عرف الرب وفهم مراحمه وصار يسبحه، لأنهم رأوا أن الله بقوته هذه غير المتناهية هو سندهم وقوتهم وحمايتهم لأنه ملكهم وهم رعيته.
الآيات (19-37): "حينئذ كلمت برؤيا تقيك قلت جعلت عونا على قوي. رفعت مختارا من بين الشعب. وجدت داود عبدي. بدهن قدسي مسحته. الذي تثبت يدي معه. أيضا ذراعي تشدده. لا يرغمه عدو وابن الإثم لا يذلله. واسحق أعداءه أمام وجهه واضرب مبغضيه. أما أمانتي ورحمتي فمعه وباسمي ينتصب قرنه. واجعل على البحر يده وعلى الأنهار يمينه. هو يدعوني أبى أنت. الهي وصخرة خلاصي. أنا أيضا اجعله بكرا أعلى من ملوك الأرض. إلى الدهر احفظ له رحمتي. وعهدي يثبت له. واجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السموات. ان ترك بنوه شريعتي ولم يسلكوا بأحكامي. أن نقضوا فرائضي ولم يحفظوا وصاياي. افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم. أما رحمتي فلا انزعها عنه ولا اكذب من جهة أمانتي. لا انقض عهدي ولا اغيّر ما خرج من شفتيّ. مرة حلفت بقدسي أنى لا اكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي. مثل القمر يثبت إلى الدهر. والشاهد في السماء آمين. سلاه."
المرنم هنا يشير للرؤيا التي رآها ناثان النبي بخصوص داود وولادته لسليمان وذكرت كلماتها في (2صم12:7-17). ولكن هذه الكلمات المذكورة هنا مخصصة للمسيح ففيها كثير لا يمكن أن يقال عن داود أو سليمان بل عن المسيح فقط. حينئذ كلمت برؤيا تقيك= يشير لرؤيا ناثان جعلت عوناً على قوي= اختار الله داود الذي رآه قوياً ودعمه ليصير ملكاً على شعبه وهذه تقال عن المسيح الإله القدير القوي. وبعد تجسده خضع لضعف بشريتنا فجاع وعطش وتألم، بل جاءته ملائكة تقويه (لو43:22). فالله أعانه ليتم عمل الخلاص. والمسيح كان إنساناً كاملاً= مختاراً من بين الشعب. وفي (20) داود مُسِحَ والمسيح مُسِحَ بحلول الروح القدس عليه. عبدي= أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7:2). ذراعي تشدده= الله أعطى لداود قوة ضد أعدائه. وقيل هذا عن المسيح (يو10:14). ولم يوجد عدو أذل داود (22) والشيطان جَرَّب المسيح وغلبه المسيح. أجعل على البحر يده= سلطان المسيح على العالم. وعلى الأنهار يمينه= هم الرسل الذين نشروا الكرازة بقوة. هو يدعوني أبي= هذه عن المسيح الابن بالطبيعة. إلهي= بحسب الجسد يدعو الآب إلهه (يو17:20). أجعله بكراً= هذه لا تقال عن داود وهو الصغير بين أخوته، إنما عن المسيح (رو29:8). وصارت كنيسته أخوة له بل جعلهم ملوكاً= أعلى من ملوك الأرض (رؤ5:1،6). إلى الدهر أحفظ له رحمتي= رحمة الله لكنيسة المسيح هي إلى الدهر، وهي تعطي للكنيسة كعطية باسم المسيح. وقوله إلى الدهر فيه إشارة للكنيسة وليس لمملكة داود التي انتهت سنة 586ق.م. وأجعل إلى الأبد نسله= نسل داود انتهى بموت صدقيا آخر ملوك يهوذا. ونسل المسيح هو المؤمنين نسله الروحي (عب13:2). وعرش المسيح في قلوبهم فيحولها إلى سماء وعرشه وسط كنيسته لا نهاية له لأن كنيسته تنتقل من الأرض إلى السموات. وابتداء من آية (30) نسمع عن الآب الذي يؤدب أبناءه إن أخطأوا وتعوجوا. وهذا ما حدث مع نسل داود وما يحدث مع المؤمنين الآن. كرسيه كالشمس= داود بدأ حكمه بحوالي 10 قرون قبل الميلاد تقريباً، والشمس كانت قبله بآلاف ملايين السنين، أما كرسي المسيح النوراني فهو أزلى وقبل الشمس نفسها. والمسيح مشبه بشمس البر (ملاخي) وكنيسته التي تستمد ضوءها منه مشبهة بالقمر= مثل القمر يثبت إلى الدهر= فهي أيضاً ثابتة طالما الأرض والقمر موجودان.
الآيات (38-45): "لكنك رفضت ورذلت. غضبت على مسيحك. نقضت عهد عبدك. نجست تاجه في التراب. هدمت كل جدرانه. جعلت حصونه خرابا. أفسده كل عابري الطريق. صار عارا عند جيرانه. رفعت يمين مضايقيه. فرحت جميع أعدائه. أيضا رددت حد سيفه ولم تنصره في القتال. أبطلت بهاءه وألقيت كرسيه إلى الأرض. قصرت أيام شبابه غطيته بالخزي. سلاه."
وصف للحالة المحزنة التي صار عليها كرسي داود بالذات بعد سقوط أورشليم وأسر ملوكها بواسطة ملوك بابل، وحرق وتدمير الهيكل وأورشليم كلها. ولذلك نفهم أن الوعود التي قيلت لداود باستمرار كرسيه للأبد كانت للمسيح وكنيسته.
الآيات (46-52): "حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء. حتى متى يتقد كالنار غضبك. اذكر كيف أنا زائل. إلى أي باطل خلقت جميع بني آدم. أي إنسان يحيا ولا يرى الموت أي ينجي نفسه من يد الهاوية. سلاه. أين مراحمك الأول يا رب التي حلفت بها لداود بأمانتك. اذكر يا رب عار عبيدك. الذي احتمله في حضني من كثرة الأمم كلها. الذي به عير أعداؤك يا رب الذين عيّروا آثار مسيحك. مبارك الرب إلى الدهر. آمين فآمين."
هي صرخة المرنم ليعيد الله مراحمه لشعبه، ويوقف غضبه عليهم. وقوله أنا زائل. إلى أي باطل خلقت جميع بني آدم= أي عمرنا قصير يا رب، فإذا لم تعف عن ذنوبنا في فترة حياتنا فسنهلك وتكون يا رب قد خلقتنا باطلاً. فلو خلق البشر لكي يكون مصيرهم الجحيم فباطل كانت خلقتهم. وفي (48) امتدت نظرة النبي من عقوبة الله لبيت داود إلى عقوبة الله للإنسان ككل. ولقد رأى أن البشر كلهم لهم نفس المصير وهو الموت. ولا يستطيع أحد أن ينجي نفسه من الهاوية. والمرنم يصرخ للرب ليرفع عار البشر عنهم. الذي احتمله في حضني= العار الذي لحقه ولحق كل البشر هو مؤلم للغاية، فهو ليس ضد البشر فقط، بل ضد الله وهذا ما يؤلم المرنم. كأن الله لا يجد طريقة ينقذ بها عبيده. هذا العار يحمله المرنم في حضنه كمن يحمل ثقلاً رهيباً وهؤلاء الأعداء عيروا أثار مسيحك= أي المؤمنين بكلامك (آثارك) وهم يسيرون على أثارك. والأعداء مازالوا يعيروننا أين مسيحكم فيخلصكم. ويختم بقوله مبارك الرب.
المزمور التسعون
كاتب المزمور هو موسى، وكتبه غالباً بعد الخروج من مصر. وهو صلاة لموسى غالباً قد كتبها بعد أن عاقب الله الشعب على تذمرهم وعدم إيمانهم وتمردهم عليه. والله عاقب الشعب بأن ماتوا كلهم في البرية ما عدا يشوع وكالب فقد دخلوا أرض الميعاد. ولقد رأى موسى ضربات الله ضد الشعب بسبب التذمر ورأى كيف أن غضبه رهيب.
الآيات (1،2): "يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور. من قبل ان تولد الجبال أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله."
قبل أن يبدأ موسى صلاته، يعترف أولاً لله بقوته وقدرته وحمايته لشعبه.
الآيات (3-6): "ترجع الإنسان إلى الغبار وتقول ارجعوا يا بني آدم. لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل. جرفتهم. كسنة يكونون. بالغداة كعشب يزول. بالغداة يزهر فيزول. عند المساء يجزّ فييبس."
نجد موسى هنا يتواضع أمام الله ويعترف بضعف البشر، وإنما هم تراب ويرجعون إلى التراب بسبب خطيتهم وذلك بسبب عقوبة الله لآدم (تك19:3). ارجعوا يا بني آدم. وتفهم أن اله يقول أرجعوا أي توبوا فلا يكون مصيركم التراب. وحتى لو عاش الإنسان ألف سنة فهي في عيني الله الأزلى الأبدي كلا شئ= مثل يوم أمس بعدما عبر. ولقد عاش آدم حوالي 1000سنة فأين هو الآن. ولو عاش الإنسان 1000سنة في الخطية ثم تاب يغفرها الله، بل ينساها الله كأنها هزيع من الليل قد مر وانتهى جرفتهم كسِنَةً يكونون= الموت يأتي كطوفان يجرفهم (هكذا جاءت الترجمة في الإنجليزية) والطوفان لا يبقى شيئاً أمامه. ومع أن الكل يعرف أنه سيموت إلا أننا نعيش كما لو كنا في حلم نتصوَّر أنه لا ينتهي، ونحلم بأشياء كثيرة عظيمة كأننا سنعيش إلى الأبد، ويأتي الموت ليوقظنا من هذا الحلم. فالوقت يمر بالإنسان دون أن يشعر الإنسان به، كما يمر الوقت على الإنسان النائم دون أن يشعر به. وحياة الإنسان قصيرة مثل عشب يزهر في الصباح ولكن سريعاً ما يأتي من يقطعه وسريعاً ما يجف ويموت ويفقد كل جماله. والإنسان حتى في نهاية حياته نجده ضعيفاً مثل العشب.
الآيات (7-11): "لأننا قد فنينا بسخطك وبغضبك ارتعبنا. قد جعلت آثامنا أمامك خفياتنا في ضوء وجهك. لان كل أيامنا قد انقضت برجزك. أفنينا سنينا كقصة. أيام سنينا هي سبعون سنة. وان كانت مع القوة فثمانون سنة وافخرها تعب وبلية. لأنها تقرض سريعا فنطير. من يعرف قوة غضبك. وكخوفك سخطك."
النبي هنا يعترف امام الله بخطايا الشعب وأنهم يستحقون الآلام التي وضعت عليهم. وأن أيامهم انقضت في أحزان بسبب خطاياهم، ولتعرضهم لغضب وسخط الله خفياتنا في ضوء وجهك= على كل إنسان أن يعلم أنه في كل ما يعمله ويفكر فيه، هو مكشوف أمام الله. أفنينا سنيناً كقصة= أي تنتهي سريعاً. وللأسف فهي قصة محزنة مؤلمة.
الآيات (12-17): "إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة. ارجع يا رب. حتى متى. وترأف على عبيدك. أشبعنا بالغداة من رحمتك فنبتهج ونفرح كل أيامنا. فرحنا كالأيام التي فيها أذللتنا كالسنين التي رأينا فيها شرا. ليظهر فعلك لعبيدك وجلالك لبنيهم. ولتكن نعمة الرب إلهنا علينا وعمل أيدينا ثبت علينا وعمل أيدينا ثبته."
صلاة موسى في الختام ليتراءف الرب ويرفع غضبه عن شعبه. ومعنى آية (12) إعطنا يا رب أن نفهم أن حياتنا قصيرة فنكف عن عمل الشر. والقلب الذي يكف عن الشر هو قلب حكمة، القلب المستعد دائماً لهذا اليوم الذي يقابل فيه الله هو قلب حكمة ونفرح كل أيامنا= من يحيا في التوبة لا يضمن حياته الأبدية فقط بل يحيا فرحاً كل أيامه. بل أفراحه بعد التوبة ستجعله ينسى أيام أحزانه بسبب الخطية= فرحنا كالأيام التي فيها أذللتنا= حين نخطئ فالله يؤدب لنعود بالتوبة، وإذا عدنا يعطينا فرحاً. ليظهر فعلك لعبيدك= الله يتوبنا ويغير صورتنا فنصبح على صورة المسيح، وهذه الصورة تظهر قوة عمله في التغيير والتجديد وليس هذا فقط، بل هو يبارك فيما نعمله بأيدينا= عمل أيدينا ثبت علينا. ولكن علينا أن نصلي ليبارك الله في أعمالنا وجهادنا. فالله يعمل فينا لنتوب ونتغير إلى صورته ولكن هو يطلب الجهاد= عمل أيدينا= علينا أن نعمل من أجل خلاص نفوسنا فتنسكب علينا نعمة الله، فلا نعمة بدون جهاد. ونحن نجاهد ونصلي لينجح العمل. والنبي يكرر هذه الصلاة عمل أيدينا يثبت علينا وعمل أيدينا ثبته= لأننا لا نستحق لذلك نطلب بلجاجة أن ينظر الله إلينا نحن الغير مستحقين لمراحمه.
المزمور الثاني والتسعون
عنوان المزمور انه تسبحة ليوم السبت، جعل بعض الدارسين يقولون ان داود هو الذي كتبه ليستعمل في أيام السبوت في التسابيح في الهيكل.
يوم السبت هو راحة من العمل وتزداد فيه الصلوات والذبائح والتسابيح ولنلاحظ:
1. أيام العمر على الأرض هي أيام عمل (ستة أيام) يعقبها الراحة في الفردوس. ويوم السبت هو إشارة لهذه الراحة من أتعاب الأرض (عب10:4).
2. تزداد التسابيح يوم السبت إشارة لأبديتنا التي ستكون كلها أفراح وتسابيح.
3. السبت رمز للأحد الذي حصلنا فيه على الراحة الحقيقية من عبودية إبليس والخطية.
الآيات (1-3): "حسن هو الحمد للرب والترنم لاسمك أيها العلي. أن يخبر برحمتك في الغداة وأمانتك كل ليلة. على ذات عشرة أوتار وعلى الرباب على عزف العود."
حينما نفهم عمل الله الخلاصي لنا علينا أن نشكره= حسن هو الحمد للرب. وأن نسبحه= الترنم لإسمك وأن نخبر الناس بمراحمه= أن يخبر برحمتك. أن نسحبه بحواسنا الداخلية والخارجية= عشرة أوتار. وبكل قوة النفس والجسد والروح= الرباب والعود.
الآيات (4-6): "لأنك فرحتني يا رب بصنائعك. بأعمال يديك ابتهج. ما اعظم أعمالك يا رب واعمق جدا أفكارك. الرجل البليد لا يعرف والجاهل لا يفهم هذا."
ماذا قدم الله لنا لنسبحه؟ فرحتني يا رب بصنائعك= بتجسده وفدائه لنا فأعطانا راحة حقيقية (سبت) وأعطانا خلقة جديدة. ومن أعطاه الله بصيرة سيدرك عظم عمله. أما الذي إنشغل بالعالم يفقد إستنارته ويصير بليداً جاهلاً، لا يرى فيما عمله الله له شئ عجيب يستحق التسبيح، فهو لا يشبع سوى بالماديات= الرجل البليد، الجاهل، لا يعرف ولا يفهم= هذا هو الفاقد حواسه الداخلية. هذا لا يدرك حكمة الله التي أعدت لنا راحة أبدية، بل يعيش يطلب ماديات فانية ويحسد الأشرار الذي حصلوا على هذه الماديات أو الملذات الأرضية.
آية (7): " إذا زها الأشرار كالعشب وأزهر كل فاعلي الإثم فلكي يبادوا إلى الدهر."
هنا المرنم يوجه رسالة للجاهل، أن لا يحسد الأشرار على ما حصلوا عليه من ماديات وحسيات، فكل ما في العالم إلى زوال. ثم يطلب منه أن يوجه نظره لله الأبدي.
آية (8): " أما أنت يا رب فمتعال إلى الأبد."
من يعطي حياته للماديات الفانية يصير فانياً مثلها، أما من يتحد بالله المتعالى الأبدي فيرفعه للسماويات ويحيا معه في الراحة إلى الأبد.
الآيات (9-11): "لأنه هوذا أعداؤك يا رب لأنه هوذا أعداؤك يبيدون. يتبدد كل فاعلي الإثم. وتنصب مثل البقر الوحشي قرني. تدهنت بزيت طري. وتبصر عيني بمراقبيّ. وبالقائمين عليّ بالشر تسمع أذناي."
مرة ثانية المرنم يكرر وبعبارات أخرى أن من يختار طريق الرب ينجح، أما من يختار طريق الشر لابد وسينكسر. فأعداء الله يبيدون= لأنهم اختاروا العالم البائد. أما أولاد لله فسيعطيهم قوة= مثل البقر الوحشي. وشباب وحيوية= تدهنت بزيت طري. نجد هنا أن أولاد الله الذين اختاروا الله نصيباً لهم، لهم قوة ونشاط على مقاومة أعدائهم وغلبتهم. وتبصر عيني بمراقبِىَّ= يعطيه الله عينان تبصران كل من يراقبه ليؤذيه. ويعطيه أذنان ليسمع ويعرف القائمين عليه بالشر. أي أن هناك من الأشرار من يقاوم الصديقين، ولكن هذا لا يزعجهم، فهم لهم قوة ضدهم، وهم سوف يعطيهم الله الحواس التي يدركون بها كل مؤامرات الأشرار ضدهم، بل سيدخلون في معارك ضد الأشرار يخرجون منها وقد تجددت حيويتهم ونشاطهم، حين يرون كيف أن الله سيتمجد في هؤلاء الأعداء وتبصر عيني بمراقبِىَّ= سوف أرى كيف أن الله سوف يعاقبهم وسوف أسمع بأعماله العجيبة وذراعه القوية ضدهم وهذا يجدد حيويتي.
الآيات (12-15): "الصدّيق كالنخلة يزهو كالأرز في لبنان ينمو. مغروسين في بيت الرب في ديار إلهنا يزهرون. أيضا يثمرون في الشيبة. يكونون دساما وخضرا. ليخبروا بان الرب مستقيم. صخرتي هو ولا ظلم فيه."
نرى هنا كيف أن أولاد الله يكونون مثمرين فرحين مزدهرين، نامين الصديق كالنخلة يزهو= النخلة أطول الأشجار. إشارة للحياة السمائية التي يحيا فيها أولاد الله، وحين قال كالنخلة إمتد بصره لما هو أطول من النخلة وقال كالأرز في لبنان ينمو= فأولاد الله في نمو دائم وفي ارتفاع مستمر في اتجاه السماويات. يرفعون أفكارهم عن الأرضيات. والأرز هو أطول الأشجار وأكثرها عمراً. وحياة الأبرار هي حياة ممتدة إلى الأبدية. والأرز شجر قوي جداً إشارة لقوة الأبرار. والنخلة شجرة مثمرة وخضراء دائماً وهكذا أولاد الله، وثمار النخلة ثمار حلوة الطعم. ونقارن مع الأشرار الذين يزهرون كالعشب (آية7) سريعاً ما يقطع ويجف. أما النخل فيعيش طويلاً والشتاء لا يجعله يفقد خضرته. والنخل ينمو ببطء وهكذا أولاد الله ينمون تدريجياً بل قيل عن المسيح أنه كان ينمو. ولأن ثمار النخيل عالية يصعب على الوحوش أن يصلوا لها ويصعب على إبليس أن يصل إلى أولاد الله. ولكن المسيح يحب أن يطلع على نخيل أولاده ليفرخ بثمارهم (نش7:7،8). ويقال أن نواة البلح صلبة إشارة لصلابة إيمان المؤمن. والبلح له ألوان كثيرة إشارة لتعدد ثمار ومواهب المؤمنين، لكن داخل البلحة دائماً أبيض إشارة لنقاوتهم. وأغصان النخيل تستعمل كعلم للذين يغلبون في جهادهم (يو13:12 + رؤ9:7). والأبرار مغروسين في بيت الرب= لا يتركون كنيسته ولاحظ سمات أولاد الله فهم يثمرون في الشيبة، فالله يجدد مثل النسر شبابهم. يكونون دساماً= مملوئين ويشبعون غيرهم.
المزمور الرابع والتسعون
هذا المزمور تنسبه الترجمة السبعينية لداود. ومرنم المزمور يعبر عن حالة من الأسى والألم لأن الأشرار قد تعالوا بوقاحة على الأبرار، ويطلب من الله أن ينتقم وسريعاً.
هو صوت شعب العهد القديم يصرخ للمسيح ليأتي وينتقم من إبليس الذي أذل بنى آدم.
هو صوت الكنيسة المتألمة في العالم تصرخ للمسيح ليتدخل وينقذها وينتقم لها (رؤ10:6) ونفهم أن الله يسمح بهذه الضيقات ولكنه لا يترك أولاده بلا تعزيات (19) وحين يأتي ملء الزمان سيأتي ليخلص عبيده خلاصاً أبدياً، كما جاء في مجيئه الأول في ملء الزمان ليخلص عبيده بفدائه.. كل شئ تحت السموات له وقت (جا1:3).
آية (1): " يا اله النقمات يا رب يا اله النقمات اشرق."
يا اله النقمات اشرق= هو شمس البر الذي اشتهى شعب العهد القديم أن يتجسد ليخلص، ونشتهى الآن ظهوره الثاني لنحيا في الأبدية (رؤ20:22). وهو إله النقمات ولاحظ تكرارها. فمجيئه الأول دان فيه إبليس وضربه وقيده. وفي مجيئه الثاني يلقيه في البحيرة المتقدة بالنار هو ومن يتبعه (رؤ10:20) لينتقم لكل المظلومين.
آية (2): " ارتفع يا ديان الأرض. جاز صنيع المستكبرين."
ارتفع= اظهر يا رب سيادتك ليعرف الظالمين الأقوياء أنك فوق الجميع، ولكن هي نبوة عن صلبه الذي بدأ به دينونة إبليس (يو32:12 + كو15:2).
الآيات (3-7): "حتى متى الخطاة يا رب حتى متى الخطاة يشمتون. يبقون يتكلمون بوقاحة. كل فاعلي الإثم يفتخرون. يسحقون شعبك يا رب ويذلون ميراثك. يقتلون الأرملة والغريب ويميتون اليتيم. ويقولون الرب لا يبصر واله يعقوب لا يلاحظ."
وصف لشر الأشرار وكبريائهم. يبقون= يتكلمون بوقاحة كلاماً كثيراً.
الآيات (8-11): "افهموا أيها البلداء في الشعب ويا جهلاء متى تعقلون. الغارس الأذن ألا يسمع. الصانع العين ألا يبصر. المؤدب الأمم ألا يبكت. المعلم الإنسان معرفة. الرب يعرف أفكار الإنسان أنها باطلة."
المرنم يعطي نصيحة للأشرار أن يفهموا أن الله يعلم بكل ما يفعلوه. ولكنه يطيل أناته عليهم لعلهم يتوبون وهو يتركهم كعصا تأديب لينقي أولاده.
الآيات (12-15): "طوبى للرجل الذي تؤدبه يا رب وتعلمه من شريعتك. لتريحه من أيام الشر حتى تحفر للشرير حفرة. لأن الرب لا يرفض شعبه ولا يترك ميراثه. لأنه إلى العدل يرجع القضاء وعلى أثره كل مستقيمي القلوب."
هناك من يحسد الأشرار على قوتهم، ويرثى للمساكين المظلومين. لكن المرنم هنا يطوب المسكين المتألم، لأن الرب يؤدبه ويعلمه ليريحه من أيام الشر حين يلقي الأشرار في حفرة= بحيرة النار (رؤ10:20) فآلام البار ليست علامة أن الرب تركه= لأن الرب لا يرفض شعبه. بل هو يؤدب فقط. وفي الزمان المحدد يأتي العدل ويتحقق، ويصير القضاء بحسب عدل الله= لأنه إلى العدل يرجع القضاء. وعلى أثره كل مستقيمي القلوب= كل من كان مستقيم القلب سيسبح الله على أحكام عدله، وسيرضى الجميع باقتناع بأحكام الله. الآن قد يبدو أن أحكام الله وقضائه ليسا بحسب العدل، وذلك راجع لقصر نظرنا، ولكن في اليوم الأخير سنرى أن الله قد صنع كل شئ بحكمة.
الآيات (16،17): "من يقوم لي على المسيئين. من يقف لي ضد فعلة الإثم. لولا ان الرب معيني لسكنت نفسي سريعا أرض السكوت."
هنا تصوير لقوة الأعداء، ولكن الله منا ينصرنا. ولذلك تجسد المسيح ليخلصنا فنحن كنا أضعف جداً جداً بل كنا في حالة عجز كامل عن أن نخلص أنفسنا.
آية (18): " إذ قلت قد زلت قدمي فرحمتك يا رب تعضدني."
زلت قدمي= بالخطايا والميول المنحرفة. ولكن كل من يتوب ويعترف تدركه مراحم الله.
آية (19): " عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي."
في وسط التجارب والأحزان لا تتركنا تعزيات الله (المسيح صاحب الثلاثة فتية في الأتون).
آية (20): " هل يعاهدك كرسي المفاسد المختلق إثماً على فريضة."
الأشرار يظلمون الأبرياء، وهم لهم قوة وسلطان= كرسي. ولكنه بسبب شرورهم يسمى كرسي المفاسد. وبسلطانهم يحمون أحكامهم الظالمة ويسندونها، ويسببون رعباً لأولاد الله. بل هم يصورون بقوانينهم الظالمة أن مظالمهم لها صورة القانون، هم غشاشون، وقحون، أقوياء. المختلق إثماً على فريضة= يضعون قوانين لها صورة الفريضة والقانون وفي داخلها حماية لشرورهم،بل هي تقنين لشرورهم. كما حدث مع المسيح فهم حاكموه كمخالف للناموس، وهكذا حاكموا كل الرسل. وهناك في أيام دانيال لفق اعداؤه قانوناً ليمسكوا به ويرموه في جب الأسود. هل يعاهدك كرسي المفاسد= هل يدخل الله في معاهدة مع هؤلاء الأشرار أو يحميهم؟ قطعاً لن يحدث، وطالما لن يحدث فهم محكوم عليهم بالنهاية الأليمة مهما كانت قوتهم.
آية (21): "يزدحمون على نفس الصدّيق ويحكمون على دم زكي."
تحدث مع الشهداء والقديسين وأوضح صورة لهذا حدثت للمسيح نفسه.
المزمور الخامس والتسعون
المزامير 95-100 هي مزامير تسبيح لله لأنه قد ملك. وتستخدم هذه المزامير في العبادة.
اقتبس بولس الرسول في (عب3،4) من هذا المزمور، لذلك نفهم أن الراحة المشار إليها هنا، المراد بها هو الخلاص الذي قدمه المسيح للكنيسة وفي (عب7:4) ينسب بولس الرسول المزمور لداود وهكذا فعلت الترجمة السبعينية في عنوان المزمور.
الآيات (1،2): "هلم نرنم للرب نهتف لصخرة خلاصنا. نتقدم أمامه بحمد وبترنيمات نهتف له."
دعوة لنا جميعاً لنرنم ونسبح الله على الخلاص الذي صنعه والراحة التي أعدها لنا.
الآيات (3-5): " لأن الرب اله عظيم ملك كبير على كل الآلهة. الذي بيده مقاصير الأرض وخزائن الجبال له. الذي له البحر وهو صنعه ويداه سبكتا اليابسة."
نرتل لله لأنه عظيم وفوق الجميع حتى آلهة الأمم (الشياطين) او الألهة هم الرؤساء والقضاة على الأرض (مز82) أو الملائكة. الذي بيده مقاصير الأرض= أي الأماكن العميقة في الأرض، وأصل الكلمة يشير (للاختراق واختبار حقيقة الشئ) وخزائن الجبال له= أصل الكلمة يشير لمن يتعب ويكد ليستخرج كنزاً من الجبال. ويصير معنى الآية، أن الله بقوته فتش عن الإنسان (الذي في نظر الله مثل كنز يفرح به) حتى يأتي به من أعمق نقطة في الأرض، يطهره من عمق خطاياه ويجعله سماوياً كالجبال.
الآيات (6-11): " هلم نسجد ونركع ونجثو أمام الرب خالقنا. لأنه هو إلهنا ونحن شعب مرعاه وغنم يده. اليوم أن سمعتم صوته. فلا تقسّوا قلوبكم كما في مريبة مثل يوم مسة في البرية. حيث جربني آباؤكم. اختبروني. ابصروا أيضا فعلي. أربعين سنة مقت ذلك الجيل وقلت هم شعب ضال قلبهم وهم لم يعرفوا سبلي. فأقسمت في غضبي لا يدخلون راحتي."
هي دعوة لمن بحث عنهم الله وهيأ لهم راحة أن يأتوا ويسجدوا له ولا يقسوا قلوبهم كما فعل الشعب في البرية فهلكوا ولم يدخلوا أرض الميعاد، أرض راحتهم. اليوم أن سمعتم= هو الزمان الحاضر.
المزمور المئة والثاني
يرى بعض الدارسين أن داود كتب هذا المزمور عند هروبه أمام إبشالوم. والمرنم يعبر فيه عن حالة محزنة وصل إليها، ثم نجد نغمة تعزية وكلمات إيمان وثقة بالله الذي لن يترك شعبه في محنتهم. والآيات (25،26) من المزمور طبقها بولس الرسول على المسيح (عب1:1-12) ولذلك نفهم أن المزمور يتنبأ عن آلام المسيح، أو آلام كنيسة المسيح لأجل اسمه. ولأن المزمور يتكلم عن آلام المؤمن في العالم بصورة عامة نجد المزمور معنون باسم صلاة المسكين، يصلي به كل مسكين بالروح، وأيضاً نبوة عن المسيح الذي صار مسكيناً وأخلى ذاته أخذاً صورة عبد لأجلنا. وهكذا صلى المسيح ليلة القبض عليه.
الآيات (1،2): "يا رب استمع صلاتي وليدخل إليك صراخي. لا تحجب وجهك عني في يوم ضيقي. أمل إليّ أذنك في يوم أدعوك. استجب لي سريعاً."
هي صرخة لله، ولمن غيره نصرخ في ضيقتنا. قارن لا تحجب وجهك عني بقول السيد المسيح إلهي إلهي لماذا تركتني. آمل أذنك= تواضع يا رب واسمعنى أنا الذليل.
الآيات (3-11): "لأن أيامي قد فنيت في دخان وعظامي مثل وقيد قد يبست. ملفوح كالعشب ويابس قلبي حتى سهوت عن اكل خبزي. من صوت تنهدي لصق عظمي بلحمي. أشبهت قوق البرية. صرت مثل بومة الخرب. سهدت وصرت كعصفور منفرد على السطح. اليوم كله عيّرني أعدائي. الحنقون عليّ حلفوا عليّ. أنى قد أكلت الرماد مثل الخبز ومزجت شرابي بدموع. بسبب غضبك وسخطك لأنك حملتني وطرحتني. أيامي كظل مائل وأنا مثل العشب يبست."
وصف مؤلم للحالة التي وصل لها المرنم وبكائه المستمر. أيامي فنيت في دخان= فنيت سريعاً كما يفنى الدخان ويتلاشى سريعاً في الجو. وعن ضعفه العام يقول عظامي مثل وقيد قد يبست= فالعظام هي التي تشدد الجسد وصارت كحطب محروق. وصار كعشب ملفوح بريح ساخنة جففته ففقد خضرته وحيويته. وصار دائم البكاء مثل القوق والبوم. وكيف تكون هذه نبوة عن المسيح والقوق والبوم من الطيور النجسة؟! المسيح الذي بلا خطية صار خطية لأجلنا. وكان يبكي على حالنا، فهو بكى على أورشليم وبكي على قبر لعازر. صرت كعصفور منفرد= حين يعتدي أحد على عش العصفور ويقتلوا صغاره يطير وحده باكياً ومصدراً أصوات مؤلمة. وهكذا قال المسيح "تأتي ساعة تتركوني وحدي" وقد تركه الكل وقت الصليب، وكان هو يبكي على هلاك صالبيه. أكلت الرماد مثل الخبز= هذه يقولها داود في محنته، إذ يقدم توبة عن خطية أوريا الحثي فهو يشعر أن كل مصائبه سببها خطيته. لذلك يكمل لأنك حملتني وطرحتني= فالله بعد أن حمله إلى كرسي المملكة، عاد وطرحه من على كرسيه بسبب الخطية. أيامي كظلٍ مائل هنا نرى المسيح الذي مات عنا وكانت حياته بالجسد على الأرض قصيرة ثم يكمل في (12).
آية (12): " أما أنت يا رب فإلى الدهر جالس وذكرك إلى دور فدور."
بالرغم من موتك يا رب فأنت إلى الدهر جالس على عرشك.
آية (13): "أنت تقوم وترحم صهيون لأنه وقت الرأفة لأنه جاء الميعاد."
والموت لن يسود عليك يا رب بل أنت تقوم وترحم صهيون. وهذه نبوة عن القيامة.
آية (14): "لأن عبيدك قد سرّوا بحجارتها وحنّوا إلى ترابها."
عبيدك= رسلك الذي أرسلتهم للكرازة. قد سروا بحجارتها= المؤمنين هم الحجارة الحية في هيكل الله (1بط5:2) وحنوا إلى ترابها= لهم اشتياق في توبة من لهم حياة أرضية.
آية (15): "فتخشى الأمم اسم الرب وكل ملوك الأرض مجدك."
الأمم الذين لم يعرفوا الله آمنوا وصاروا يخشونه. ويعرفون مجده ويخشون غضبه.
آية (16): "إذا بنى الرب صهيون يرى بمجده."
الرب بنى كنيسته بعد أن كانت قد خربت، والرب يُرىُ ويعرف عمله حينما نرى مجده في كنيسته.
آية (17): "التفت إلى صلاة المضطر ولم يرذل دعاءهم."
المضطر= المسكين المتواضع الذي يلجأ لله. والله لا يرذل من يلتجئ إليه.
آية (18): "يكتب هذا للدور الآخر وشعب سوف يخلق يسبح الرب."
المرنم بروح النبوة قد رأى الكنيسة التي خلقها، وجدد خلقتها المسيح، ويقول أنه يكتب هذا شهادة منه قبل أن يصنع المسيح هذا، لنعرف أن هذا كان في فكر الله وتحقق في ملء الزمان. وأن شعوب الأرض الغارقة في وثنيتها ستخلق منها كنيسة تسبح اسم الرب.
الآيات (19-22): "لأنه اشرف من علو قدسه الرب من السماء إلى الأرض نظر. ليسمع أنين الأسير ليطلق بني الموت. لكي يحدث في صهيون باسم الرب وبتسبيحه في أورشليم. عند اجتماع الشعوب معا والممالك لعبادة الرب."
لأنه أشرف من علو قدسه.. إلى الأرض نظر= قد تعني أن الله نظر لصلاة المساكين، وقد تشير لتجسد المسيح الذي من السماء ونزوله إلى الأرض. وجاء المسيح ليحيي من كانوا قد ماتوا وصاروا أسرى إبليس، وليعيدهم للحياة= يسبحوا الرب في الكنيسة= أورشليم والكنيسة ستكون اجتماع كل الشعوب والممالك لعبادة الرب.
الآيات (23،24): "ضَعَّفَ في الطريق قوتي قَصَّرَ أيامي. أقول يا الهي لا تقبضني في نصف أيامي. إلى دهر الدهور سنوك."
بالرغم من الخلاص الذي قدَّمه المسيح لكنيسته، إلا أن المؤمنين مازالوا يموتون ويمرضون وتضعف قوتهم بالأمراض. والإنسان يخاف الموت، لذلك يصرخ لله لا تقبضني في نصف أيامي= أي لا تجعلني أموت في شبابي، بل أريد أن أعيش فترة طويلة والمرنم يبني رجاؤه في حياة طويلة على أن الله حي وهو حي إلى دهر الدهور. وهذا ما عمله المسيح لنا، فهو أعطانا حياته حتى لا نموت أبدياً. بل لقد صار موتنا بالجسد الآن هو بداية حياتنا الأبدية. وصار المرض تأديباً لنا حتى لا نرتد عن الله، بل في ضعف جسدنا أثناء المرض ينكسر كبريائنا.. حقاً كما نقول في القداس "حولت لي العقوبة خلاصاً".
الآيات (25،28): "من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى كرداء تغيّرهنّ فتتغيّر. وأنت هو وسنوك لن تنتهي. أبناء عبيدك يسكنون وذريتهم تثبت أمامك."
الله الأزلى الأبدي، في مقارنة مع العالم البالي، الذي ستنتهي صورته الحالية. السماء والأرض تزولان، ليأتي مكانهما سماء جديدة وأرض جديدة. وصورة جسدنا الحالي ستزول ونأخذ عوضاً عنها الجسد الممجد، بعد أن يؤدي الجسد وظيفته الحالية يصير كثوب يبلي ويدفن ونأخذ أو نلبس ثوباً جديداً= كرداء تغيرهن فتتغير. فالأرض الحالية والسماء الحالية أيضاً لها دور كثوب مؤقت حينما يبلى نطويه ونرميه لنلبس ثوباً جديداً. وصورة الحياة الجديدة. أجسادنا النورانية التي سنحصل عليها ونعيش بها في الأرض الجديدة والسماء الجديدة هذه الصورة ستكون أبدية= أبناء عبيدك يسكنون وذريتهم تثبت أمامك. راجع الآيات (رؤ1:21 + 1يو2:3 + في21:3 + 1كو35:15-58)
المزمور المئة والثالث
هذا المزمور والمزمور الذي يليه يكونان ترنيمة مزدوجة للحمد والتسبيح. ويبدأ كل منهما وينتهي بعبارة "باركي يا نفسي الرب" وإذا كان هذا المزمور قد نسب لداود فالأغلب أن المزمور التالي أيضاً قد كتبه داود. ولكن هناك فرق بين المزمورين. فمزمور(103) فيه يسبح المرنم الله على إحساناته الخاصة للمرنم وبالتالي هو مزمور يتحدث عن خبرات شخصية أما المزمور (104) فيسبح المرنم الله على أعماله في الخليقة عموماً. في مزمور (103) نسمع عن إله النعمة وفي مزمور (104) عن إله الطبيعة خالق الكل.
الآيات (1،2): "باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس. باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته."
باركي يا نفسي الرب= الإنسان هو عبارة عن جسد ونفس وروح. والنفس هي عواطف الإنسان وغرائزه، بينما الجسد هو المأخوذ من تراب. أما الروح فهي نفخة الله. والمقصود هنا كما قال بولس الرسول في (رو9:1) "الله الذي أعبده بروحي" أن نخضع بأرواحنا لنداء الروح القدس فينا ولا نقاومه، وهو يقود عبادتنا وتسبيحنا لله فنكون أناس روحيين. أما من يقاوم صوت الروح القدس يصير إنسان جسداني فهو سيكون خاضعاً لشهواته وغرائزه الجسدانية. (غل16:5-26). ومن يسلك بالروح فهو يبارك الرب أي تمجده نفسه بفضائلها وفي ثمارها الروحية، ويرى الناس هذه الثمار ويمجدون أبانا الذي في السموات. وإذا أردنا أن نشكر الرب ويكون لنا روح التسبيح، علينا أن نذكر جميع حسناته علينا= ولا تنسي كل حسناته. وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس هذه مثل تحب الرب إلهك من كل نفسك ومن كل قلبك ومن كل قوتك ومن كل إرادتك ومن كل نفسك (راجع مت37:22).
الآيات (3-5): "الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كل أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك."
نجد هنا بعض الأسباب التي عليها نشكر الرب ونباركه. فالله أعطانا بفدائه قوة للمعمودية بها نولد جديداً وتغفر كل خطايانا السابقة. وأعطى قوة لسر الاعتراف وبه يمسح الله كل ذنوبنا. دمع أعطى القوة والسلطان للأسرار ليغفر جميع ذنوبك. يشفي كل أمراضك فالأمراض التي كانت بسبب الخطية تشفي حين يتوب الإنسان وتغفر خطاياه (يع15:5). الذي يفدي من الحفرة حياتك= هذا ما قدمه المسيح لنا، أعطانا حياة عوضاً عن الموت بل هو يشبع بالخير عمرك= ولذلك نحن نشكر الله دائماً فهو صانع خيرات. والخطية تسبب الشيخوخة الروحية للإنسان، وحين يغفر الله يجدد مثل النسر شباب النفس= وتطير وتحلق في السماويات مثل النسر. والآلام وهموم العالم تحنى ظهر الإنسان فيصير كالشيخ، والمسيح يقول "تعالوا يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، هو يحمل عنا فنعود بأكتاف غير منحنية كالشيوخ، نعود بأكتاف مرفوعة كالشباب.
الآيات (6-18): "الرب مجري العدل والقضاء لجميع المظلومين. عرف موسى طرقه وبني إسرائيل أفعاله. الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. لا يحاكم إلى الأبد ولا يحقد إلى الدهر. لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا. لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته على خائفيه. كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه. لأنه يعرف جبلتنا. يذكر أننا تراب نحن. الإنسان مثل العشب أيامه. كزهر الحقل كذلك يزهر. لان ريحا تعبر عليه فلا يكون ولا يعرفه موضعه بعد. أما رحمة الرب فإلى الدهر والأبد على خائفيه وعدله على بني البنين. لحافظي عهده وذاكري وصاياه ليعملوها."
نرى صورة لعمل المسيح الكفاري الذي به رفع ذنوبنا "فدم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1يو7:1). الرب مجري العدل= لقد نفذ القضاء والعدل في المسيح نفسه بدلاً منا. عرف موسى طرقه= كما أرسل موسى ليخلص الشعب هكذا جاء المسيح ليحررنا من إبليس ومن الموت. وكما تعمد الشعب مع موسى في البحر، هكذا نموت مع المسيح ونقوم في المعمودية (قصة الخروج من مصر ودخول كنعان هي نفسها قصة الخلاص) وآية (8) هي نفسها ما سمعه موسى في (خر6:34،7). والله أعلن عن نفسه لموسى بأنه كثير الرحمة، ورحمته تجلت في أنه لم يذكر للإنسان خطأه للأبد وتركه يموت ويهلك، فهو يعرف ضعف طبيعتنا، وضعفنا. ولذلك أتى وفدى الإنسان. ولكن من الذي سيستفيد من هذا الدم المسفوك= لحافظي عهده وذاكري وصاياه ليعملوها.
الآيات (19-22): "الرب في السموات ثبت كرسيه ومملكته على الكل تسود. باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه. باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته. باركوا الرب يا جميع أعماله في كل مواضع سلطانه باركي يا نفسي الرب."
الله القدوس المتعالى عن الأرضيات= في السموات ثبت كرسيه= إشارة لملكه وعرشه الطاهر المنزه عن الأرضيات والنجاسات. ولكنه يحكم كضابط للكل= مملكته على الكل تسود. ولأن المسيح وحَّد السمائيين والأرضيين. يطلب المرتل من الكل ملائكة وبشر أن يباركوا الرب. فلقد أصبحنا جميعاً جنوده الواقفين أمامه، الكل واقف أمام كرسيه السمائي معترفاً بحسناته وجوده وقدرته. نحن في تسبيحنا نشارك الملائكة عملهم. باركوا الرب يا جميع أعماله= كل أعمال الله، خليقته وتدبيراته، هي عجيبة يجب أن نسبحه عليها.
المزمور المئة والرابع
سبق موسى وقال في خلقة العالم أن الله وجد كل شئ أنه حسن جداً. وداود هنا يترنم ويسبح الله على خليقته التي أبدعها وكانت حسنة جداً.
آية (1): "باركي يا نفسي الرب. يا رب الهي قد عظمت جداً مجداً وجلالاً لبست."
قد عظمت جداً= ليس معناها أن الله قد زادت عظمته، بل معناها أن المرنم شعر بعظمته إذ استنارت عينيه ورأى عظمة الله فنطق بها. والله يتعظم بإيمان وتوبة الناس.
آية (2): "اللابس النور كثوب الباسط السموات كشقّة."
الله ساكن في نور لا يدني منه (1تي16:16 + يع17:1). والله نور (يو9:1) وأول خلقة الله في اليوم الأول كانت النور. والنور يشير لمعرفة الله فلا شئ يستتر أمامه. والسموات بسطها[§§§§§§§§] الله كشقة (خيمة أو ستارة) حتى لا نرى نوره فنموت.
آية (3): "المسقف علاليه بالمياه الجاعل السحاب مركبته الماشي على أجنحة الريح."
هنا نرى أن الله يدبر السحاب والمطر والرياح لخدمة البشر؟ الجاعل السحاب مركبته= كما يحجب السحاب نور الشمس، نفهم أن نور الله ومجده محتجبين عنا. فالله قال لموسى لا يراني الإنسان ويعيش، إذ لا يحتمل الإنسان بجسده الحالي أن يرى الله. لذلك كان السحاب يظهر دائماً مع ظهورات الله "سواء في خيمة الاجتماع أو في الهيكل، وقد حجبت سحابة المسيح عند صعوده. المسقف علاليه بالمياه= إشارة لوجود مياه المطر في السحاب. فالجلد يفصل بين مياه ومياه.
آية (4): "الصانع ملائكته رياحاً وخدامه ناراً ملتهبة."
ملائكته رياحاً= نشعر بعملهم دون أن نراهم، وهم في تنفيذ أوامر الله في منتهى السرعة كالريح. وخدامه ناراً ملتهبة= لهم طبيعة روحية، وكما أن الله نار آكله هكذا ملائكته، قلبهم ملتهب حباً لله فيهم كنار.
آية (5): "المؤسس الأرض على قواعدها فلا تتزعزع إلى الدهر والأبد."
أي أن الله ثبت الأرض فلا تتزعزع.
الآيات (6-9): "كسوتها الغمر كثوب. فوق الجبال تقف المياه. من انتهارك تهرب من صوت رعدك تفر. تصعد إلى الجبال. تنزل إلى البقاع إلى الموضع الذي أسسته لها. وضعت لها تخما لا تتعداه. لا ترجع لتغطي الأرض."
في بداية الخليقة كانت المياه تغمر كل الأرض بل تغمر الجبال حتى حدد الله مكاناً للمياه ومكاناً لليابسة في اليوم الثالث (تك9:1). ولم تتعدى المياه الموضع الذي حدده الله إلا مرة واحدة حين غضب الله على العالم فأغرقه بالطوفان. من انتهارك يا رب تهرب من صوت رعدك تفر= من صوت غضب الله غيرت المياه أماكنها من قاع البحار وصعدت لتغطى الجبال= تصعد إلى الجبال لتفنى النسل الخاطئ ثم تعود إلى المكان الذي حدده الله لها= تنزل إلى البقاع.
الآيات (10-12): "المفجر عيونا في الاودية. بين الجبال تجري. تسقي كل حيوان البر. تكسر الفراء ظمأها. فوقها طيور السماء تسكن. من بين الاغصان تسمع صوتا."
نرى الله المهتم بكل خليقته، فالله يفجر المياه في كل مكان ليروي كل خليقته.
آية (13): "الساقي الجبال من علاليه. من ثمر أعمالك تشبع الأرض."
الجبال العالية تستقي من علالي الله أي من مطر الغيم. ونفهم أن الجبال تشير إلى القديسين وهؤلاء يرويهم الله ويملأهم من الروح القدس.
آية (14): "المنبت عشبا للبهائم وخضرة لخدمة الإنسان لإخراج خبز من الأرض."
هنا نجد الله يعطي العشب للحيوان. والخبز للإنسان. والإنسان لا يحيا فقط بالخبز بل بكل كلمة تخرج من فم الله. والكلمة صار جسداً وصار خبزاً ليعطي لمن يأكله حياة.
آية (15): "وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه اكثر من الزيت وخبز يسند قلب الإنسان."
هنا نجد الخبز والخمر إشارة لجسد المسيح ودمه. والخمر إشارة للفرح. فالله يعطي فرحاً لعبيده يلمع وجوههم أكثر من الزيت= الزيت إشارة لعطور العالم.
آية (16): "تشبع أشجار الرب أرز لبنان الذي نصبه."
أشجار الرب والأرز إشارة لشعب الله المثمر الذي كالنخلة يزهو وكالأرز (مز12:92).
آية (17): "حيث تعشش هناك العصافير أما اللقلق فالسرو بيته."
المؤمنين الذين صاروا كالأرز في قامتهم الروحية تأتي لهم العصافير أي صغار المؤمنين (المؤمنين حديثاً) ويتتلمذون عندهم، ويسمعون منهم كلمة الله لتعزيهم كما يستظل إنسان بظل شجرة من حرارة الشمس. أما اللقلق فالسرو بيته= الله يعول كل الطيور والحيوانات ويجد لها مأوى. واللقلق طائر نجس رائحته كريهة ويشير للإنسان قبل المسيح، ولكن حتى الإنسان النجس وجد له مكاناً في المسيح ليستريح. والسرو يشير للمسيح بالجسد فهو من نبت الأرض، طيب الرائحة، لا يأكله السوس.
آية (18): "الجبال العالية للوعول الصخور ملجأ للوبار."
الوعول (الأيائل) تدوس الحيات. هذه تسكن الجبال. إشارة للقديسين الذين يهزمون الشياطين. والوبار هو حيوان ضعيف ونجس (في العهد القديم) وهو غير قادر أن يحفر له جحراً لذلك يحتمي بالصخور. ففي المسيح حتى أضعف الخطاة يجدوا لهم ملجأ.
آية (19): "صنع القمر للمواقيت الشمس تعرف مغربها."
الله خلق الكواكب ويضبطها ويحكم مواعيدها.
آية (20): "تجعل ظلمة فيصير ليل. فيه يدبّ كل حيوان الوعر."
تفهم أن الله جعل الظلمة لراحة الإنسان. ولخروج الوحوش تبحث عن طعامها. وهناك من تأمل في الآية ورأي فيها إشارة للظلمة التي حدثت وقت الصليب. وكان اليهود هم حيوان الوعر الذي خرج يدب ويا للآسى فلقد افترسوا المسيح، وهكذا كل شرير ينتظر الليل ليخرج ويلتهم الأبرياء.
آية (21): "الأشبال تزمجر لتخطف ولتلتمس من الله طعامها."
الله يرزق حتى الحيوانات المتوحشة. وروحياً فالأسد يرمز لإبليس ومعنى أنه يلتمس من الله طعامه، أنه يشتكي القديسين كما عمل في حالة أيوب ليؤذيهم بسماح من الله.
آية (22): "تشرق الشمس فتجتمع وفي مآويها تربض."
حين أشرق المسيح شمس البر رجعت الشياطين إلى مرابضها لأن المسيح قيدها.
آية (23): "الإنسان يخرج إلى عمله والى شغله إلى المساء."
حين قيد المسيح الشياطين، صارت هناك فرصة للعمل فانتشرت الكرازة.
الآيات (25-30): "ما اعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك. هذا البحر الكبير الواسع الأطراف. هناك دبابات بلا عدد. صغار حيوان مع كبار. هناك تجري السفن. لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه. كلها إياك تترجى لترزقها قوتها في حينه. تعطيها فتلتقط. تفتح يدك فتشبع خيراً. تحجب وجهك فترتاع. تنزع أرواحها فتموت والى ترابها تعود. ترسل روحك فتخلق. وتجدد وجه الأرض."
البحر الكبير يشير للعالم. والدبابات تشير للإنسان الغارق في خطايا العالم هناك تجري السفن= مراكب التجار السالكين في البحر إشارة لحياة الناس في العالم. لكن هناك لوياثان= قد يشير للمخلوقات البحرية الضخمة كالتمساح والحوت. ولكنه هو من اسمه، ومعناه الحية إشارة للشيطان الذي هو في العالم ويسبب بلعبه أي بخداعاته سقوط الناس في الشر. وكان لوياثان قبل المسيح طليقاً يلعب كما يشاء وبعد المسيح قيدت حركته. والمخلوقات كلها تترجي الله ويرزقها أبراراً وأشرار. وحين تخطئ يحجب وجهه فترتاع. في يد الله أرواح كل الخليقة ينزعها حين يريد. وكما كان روح الله قديماً يرف على المياه فخرجت الخليقة. هكذا مازال روح الله يعمل في المعمودية ليعطي خليقة جديدة ليجدد وجه الأرض. ويخرج من الفساد عدم فساد.
آية (31): "يكون مجد الرب إلى الدهر. يفرح الرب بأعماله."
الرب يفرح بأعماله. وكما وجد الخليقة حسنة جداً عند خلقتها، فهو بعد الفداء وتجديد الخلقة فرح جداً بفدائه وتجديد أولاده وأنهم سيمجدونه إلى الدهر.
آية (32): "الناظر إلى الأرض فترتعد. يمسّ الجبال فتدخن."
ماذا كان مصير الإنسان بدون الفداء؟ نرى الإجابة في هذه الآية. فإن كانت الأرض ترتعد بنظرة من الله، والجبال تدخن بلمسة منه، فماذا لو غضب الله على الإنسان الضعيف. وهذا ما سيكون عليه الأشرار يوم الدينونة.
آية (33): "اغني للرب في حياتي. أرنم لإلهي ما دمت موجوداً."
بعد أن تأمل المرنم في عطايا الله وقدرته أخذ يسبحه، كما سنفعل حين نراه في السماء.
آية (34): "فيلذ له نشيدي وأنا افرح بالرب."
بينما يسبح الأبرار في السماء سيكون نصيب الأشرار محزناً. هللويا= سبحاً لله.
المزمور المئة والخامس
هو مزمور تسبيح لله. ولكن الموضوع هنا حول العجائب التي صنعها الله مع شعبه في دخولهم مصر وخروجهم منها، وكيف كان في كل هذا أميناً في وعوده لآبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب.
الآيات (1-7): "احمدوا الرب ادعوا باسمه. عرفوا بين الأمم بأعماله. غنوا له رنموا له. انشدوا بكل عجائبه. افتخروا باسمه القدوس. لتفرح قلوب الذين يلتمسون الرب. اطلبوا الرب وقدرته. التمسوا وجهه دائما. اذكروا عجائبه التي صنع. آياته وأحكام فيه. يا ذرية إبراهيم عبده يا بني يعقوب مختاريه. هو الرب إلهنا في كل الأرض أحكامه."
دعوة للتسبيح والشكر. ودعوة لنشهد لعمل الله وسط كل الناس. ودعوة لكي نفتخر بالرب ونفرح به. وأن نطلبه وحده ففيه كل الكفاية. فقط نذكر عجائبه السابقة وكيف أنه كان أميناً في وعوده لشعبه، ونطلب منه دائماً واثقين أنه لن يخذل عبيده. أولاده الله لا يفتخرون بذهب أو مجد أرضي، بل يفتخرون بأن الله إلههم، إذا طلبوه يستجيب. وهذا ما قاله بطرس للمقعد (أع6:3). بني يعقوب مختاريه= فالله ترك نسل عيسو والسيد المسيح يقول لتلاميذه "أنا اخترتكم من العالم" (يو19:15).
الآيات (8-12): "ذكر إلى الدهر عهده كلاما أوصى به إلى ألف دور. الذي عاهد به إبراهيم وقسمه لاسحق. فثبته ليعقوب فريضة ولإسرائيل عهدا أبديا. قائلا لك أعطى ارض كنعان حبل ميراثكم. إذ كانوا عددا يحصى قليلين وغرباء فيها."
الله وعد الآباء بأن تكون أرض كنعان ميراثاً لهم وقد فعل. وبينما كان يعقوب وأولاده عدد قليل (70نفس) إلا أن الله نفذ وعده بطريقة عجيبة. وبعد أن كانوا غرباء في أرض كنعان صاروا سادة فيها وباركهم وقسموها بالحبل بيشوع.
الآيات (13-15): "ذهبوا من أمة إلى أمة من مملكة إلى شعب آخر. فلم يدع إنساناً يظلمهم. بل وبخ ملوكا من أجلهم. قائلا لا تمسوا مسحائي ولا تسيئوا إلى أنبيائي."
إبراهيم أنتقل من أرض الكلدانيين إلى كنعان. ونزل إلى مصر. والله حافظ عليه وعلى سارة امرأته. ووبخ فرعون وأبيمالك لأجلهما.
الآيات (16-22): "دعا بالجوع على الأرض كسر قوام الخبز كله. أرسل أمامهم رجلا. بيع يوسف عبداً. آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه. إلى وقت مجيء كلمته. قول الرب امتحنه. أرسل الملك فحله. أرسل سلطان الشعب فأطلقه. أقامه سيدا على بيته ومسلطا على كل ملكه. ليأسر رؤساءه حسب إرادته ويعلم مشايخه حكمة."
الله يبدأ خطته في عزل نسل يعقوب في مصر ليؤسس منهم شعباً مختاراً وكان هذا بواسطة المجاعة وبها ارتفع نجم يوسف لحكمته= ويعلم مشايخه حكمة= أي يعلم مشايخ فرعون. إلى وقت مجيء كلمته= الله حدد ميعاداً لنزول يعقوب وبنيه إلى مصر. وحتى هذا الوقت قول الرب امتحنه= وضع الله يوسف في تجربة شديدة بها أعده للمنصب العالي الذي صار فيه. وفي الوقت المحدد من الله. أرسل الملك فحله. ويقيم منه رئيساً عظيماً. وبعدها تمت خطة الله في نزول الشعب إلى مصر.
الآيات (23-25): "فجاء إسرائيل إلى مصر ويعقوب تغرب في ارض حام. جعل شعبه مثمرا جداً واعزه على أعدائه. حول قلوبهم ليبغضوا شعبه ليحتالوا على عبيده."
بالرغم من بغضة المصريين جعل الله شعبه ينمو. حول قلوبهم ليبغضوا شعبه كانت كراهية المصريين لليهود سبباً في عزلة الشعب فلم يندمجوا في العبادة الوثنية.
الآيات (26-38): "أرسل موسى عبده وهرون الذي اختاره. أقاما بينهم كلام آياته وعجائب في ارض حام. أرسل ظلمة فأظلمت ولم يعصوا كلامه. حول مياههم إلى دم وقتل أسماكهم. أفاضت أرضهم ضفادع. حتى في مخادع ملوكهم. أمر فجاء الذبان والبعوض في كل تخومهم. جعل امطارهم بردا ونارا ملتهبة في أرضهم. ضرب كرومهم وتينهم وكسر كل أشجار تخومهم. أمر فجاء الجراد وغوغاء بلا عدد. فأكل كل عشب في بلادهم. وأكل أثمار أرضهم. قتل كل بكر في أرضهم. أوائل كل قوتهم. فاخرجهم بفضة وذهب ولم يكن في أسباطهم عاثر. فرحت مصر بخروجهم لان رعبهم سقط عليهم."
نجد هنا ضربات الله بيد موسى وهرون ضد مصر. ولم يعصوا كلامه= أطاع موسى وهرون الله في كل ما أمر ولم يفعلا مثل يونان. والطبيعة كلها أطاعت الله في ضرباته ضد مصر ولم تعصي كلامه. غوغاء= جراد صغير. فرحت مصر بخروجهم= فهم استراحوا من الضربات.
الآيات (39-45): "بسط سحابا سجفا ونارا لتضيء الليل. سألوا فاتاهم بالسلوى وخبز السماء أشبعهم. شق الصخرة فانفجرت المياه. جرت في اليابسة نهرا. لأنه ذكر كلمة قدسه مع إبراهيم عبده. فاخرج شعبه بابتهاج ومختاريه بترنم. وأعطاهم أراضى الأمم. وتعب الشعوب ورثوه. لكي يحفظوا فرائضه ويطيعوا شرائعه. هللويا."
نرى هنا قيادة الله لشعبه في البرية بعمود سحاب وعمود نار وكيف أطعمهم المن والسلوى، وكيف حفظهم حتى ملكهم أرضهم ولم يطلب في مقابل هذا كله سوى شيئاً واحداً. أن يحفظوا فرائضه ويطيعوا شرائعه. وكان هذا أيضاً لمصلحتهم حتى لا يستعبدهم إبليس بعد أن خلصهم الله من فرعون.
المزمور المئة والسادس
في المزامير السابقة تعلمنا تسبيح الله بسبب الفداء الذي قدمه والغفران الذي حصلنا عليه ثم تسبيحه من أجل أعماله في الطبيعة والخليقة. ثم تسبيحه لأجل أعماله العجيبة في خروج شعبه من مصر. وهنا نجد تسبيح من نوع آخر فالمرنم يعترف بخطايا شعبه وتمردهم وتذمرهم. هو يعطي المجد لله ليس فقط بسب صلاحه ولكن أيضاً بالاعتراف بسوء حالة الشعب والاعتراف بفسادنا يجعل قداسة الله تزداد ظهوراً وإشراقاً. والعكس فنحن حين نتأمل في قداسة الله تظهر بشاعة خطايانا. ومع أن هذا المزمور فيه اعتراف بخطايا الشعب إلا أنه يبدأ وينتهي بكلمة هللويا. فالخطية يجب ألا تمنعنا عن تسبيح الله. ومن المعتقد أنه كتب في فترة السبي بسبب آية (47) إجمعنا من بين الأمم. ولكن هناك من ينسبه أيضاً لداود فالآية الأولى والآيتين الأخيرتين نجدهما في المزمور الذي كتبه داود وسلمه إلى أساف (1أي34:16-36). وبالتالي يكون قوله اجمعنا من بين الأمم إشارة لفترة هروب داود لجت. وبالطبع كان هناك كثير من الأتقياء قد هربوا إلى الأمم أيضاً ونتعلم من هذا المزمور كيف نقف أمام الله معترفين بخطايانا الشخصية وخطايا الأقرباء.. نقف لنعترف بخطايانا دون أن نلقي اللوم على أحد بل نعطي المجد والقداسة لله.
آية (1): "هللويا. احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته."
لأن إلى الأبد رحمته= إذا تذكرنا خطايانا واعترفنا بها يرحمنا الله "ومن يقر بخطاياه يرحم" وهنا فلنسبح الله الذي مازال يقبلنا برحمته ولم يرفضنا حتى الآن.
الآيات (2،3): "من يتكلم بجبروت الرب من يخبر بكل تسابيحه. طوبى للحافظين الحق وللصانع البر في كل حين."
في (2) يتساءل من يستطيع أن يسبح الرب ويتكلم عن جبروته واقتداره وفي (3) يجيب بأنه هو الحافظ الحق والصانع البر. فطوبى لمثل هذا الإنسان الذي يسبح الله.
الآيات (4،5): "اذكرني يا رب برضا شعبك. تعهدني بخلاصك. لأرى خير مختاريك. لأفرح بفرح أمتك. لأفتخر مع ميراثك."
حين قال المرنم أن الحافظ الحق في كل حين هو الذي يستطيع أن يسبح الله، شعر بأنه غير قادر على حفظ الحق دائماً فهو ضعيف ومتقلب والعدو يحاربه دائماً فصرخ لله أذكرني يا رب برضا شعبك= أي اذكرني بحسب المحبة والرضا اللذان في قلبك نحو شعبك. تعهدني بخلاصك= أنا وحدي لا أستطيع دون معونة منك لأرى خير مختاريك= لكي يكون لي نصيب في الخير الذي سيكون لهم. ولكن هذه الآيات هي صرخة العهد القديم لتجسد المسيح ليأتي بالخلاص، وكأن المرنم يشتهي أن يرى هذه الأيام ويرى خير مختاري الله المؤمنين بالمسيح ويفتخر مع ميراث الله أي المؤمنين.
الآيات (6-38): "أخطأنا مع آبائنا أسأنا وأذنبنا. آباؤنا في مصر لم يفهموا عجائبك لم يذكروا كثرة مراحمك فتمردوا عند البحر عند بحر سوف. فخلصهم من اجل اسمه ليعرف بجبروته. وانتهر بحر سوف فيبس وسيرهم في اللجج كالبرية. وخلّصهم من يد المبغض وفداهم من يد العدو. وغطت المياه مضايقيهم واحد منهم لم يبق. فآمنوا بكلامه. غنوا بتسبيحه. أسرعوا فنسوا أعماله. لم ينتظروا مشورته. بل اشتهوا شهوة في البرية وجربوا الله في القفر. فأعطاهم سؤلهم وأرسل هزالا في أنفسهم. وحسدوا موسى في المحلّة وهرون قدوس الرب. فتحت الأرض وابتلعت داثان وطبقت على جماعة ابيرام. واشتعلت نار في جماعتهم. اللهيب احرق الأشرار. صنعوا عجلا في حوريب وسجدوا لتمثال مسبوك. وأبدلوا مجدهم بمثال ثور آكل عشب. نسوا الله مخلصهم الصانع عظائم في مصر. وعجائب في ارض حام ومخاوف على بحر سوف. فقال بإهلاكهم لولا موسى مختاره وقف في الثغر قدامه ليصرف غضبه عن اتلافهم. ورذلوا الأرض الشهية. لم يؤمنوا بكلمته. بل تمرمروا في خيامهم. لم يسمعوا لصوت الرب. فرفع يده عليهم ليسقطهم في البرية. وليسقط نسلهم بين الأمم وليبددهم في الأراضي. وتعلقوا ببعل فغور واكلوا ذبائح الموتى. وأغاظوه بأعمالهم فأقتحمهم الوبأ. فوقف فينحاس ودان فامتنع الوبأ. فحسب له ذلك برا إلى دور فدور إلى الأبد. واسخطوه على ماء مريبة حتى تأذى موسى بسببهم. لأنهم أمرّوا روحه حتى فرط بشفتيه. لم يستأصلوا الأمم الذين قال لهم الرب عنهم. بل اختلطوا بالأمم وتعلموا أعمالهم. وعبدوا أصنامهم فصارت لهم شركا. وذبحوا بنيهم وبناتهم للأوثان. واهرقوا دما زكيا دم بنيهم وبناتهم الذين ذبحوهم لأصنام كنعان وتدنست الأرض بالدماء."
هنا يبدأ المرنم في ذكر خطايا الشعب وتمرده. وهنا يذكر تمردهم ويذكر خلاص الرب لهم مع أنهم تمردوا عند كل ضيقة تواجههم. وأنه في بعض الأحيان كان الرب مضطراً كأب حكيم أن يؤدبهم كأولاده. ومن أمثلة التأديب حين اشتهى الشعب أن يأكل لحماً وتذمروا أعطاهم الله فأكلوا، وحينما أكلوا بوحشية وبشهوة، لم ينفعهم ما أكلوه بل صار نقمة عليهم وقبلوا جزاء شهوتهم الرديئة هزالاً في أنفسهم. وحينما تمردوا على موسى وهرون فتحت الأرض وابتلعت داثان.. ومع ازدياد تذمرهم وبالذات حين أرسلوا الجواسيس لأرض الميعاد، وصدقوا كلام الجواسيس ورذلوا الأرض الشهية كان قرار الرب أن لا يدخل هذا الشعب أرض الميعاد= فرفع يده عليهم ليسقطهم في البرية. وتعلقوا ببعل فغور. وأكلوا ذبائح الموتى= بعل فغور أي سيد الفجور والذبائح. وبنات موآب ذهبن للشعب وأسقطوهن في الزنى معهن ثم في تقديم الذبائح لإلههن بعل فغور. وكان الشعب لحبة في خطية الزنى، يزنون مع بنات موآب ثم يقدمن الذبائح للآلهة الميتة ويأكلوا من هذه الذبائح، ليشتركوا في مائدة الشياطين (1كو15:10-22)، ومن يفعل هذا فهو يتحد بالشياطين الميتة ويحكم على نفسه بالموت، أما من يشترك في مائدة الرب فتكون له حياة. وأية (30) بسبب الخطية ضرب الله الشعب بالوبأ. حتى وقف فينحاس من سبط لاوي. ودان= قضى وحكم على المذنب. لا عن كراهية له بل غيرة على مقدس الرب قتله فامتنع الوبأ.
الآيات (39-46): "وتنجسوا بأعمالهم وزنوا بأفعالهم. فحمي غضب الرب على شعبه وكره ميراثه. وأسلمهم ليد الأمم وتسلط عليهم مبغضوهم. وضغطهم أعداؤهم فذلوا تحت يدهم. مرات كثيرة أنقذهم. أما هم فعصوه بمشورتهم وانحطوا بإثمهم. فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم. وذكر لهم عهده وندم حسب كثرة رحمته. وأعطاهم نعمة قدام كل الذين سبوهم."
نرى صورة الشعب ملخصة في تنجسوا بأعمالهم وزنوا بأفعالهم. ونرى أيضاً تأديب الرب وأسلمهم ليد الأمم. فصرخوا. فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم ونرى صورة حية لله الرحوم الذي بحسب كثرة رحمته كان يغفر لشعبه. بل كان يعطيهم نعمة قدام كل الذين سبوهم (كما حدث مع دانيال) حتى لا يفنيهم أعداؤهم.
الآيات (47،48): "خلّصنا أيها الرب إلهنا واجمعنا من بين الأمم لنحمد اسم قدسك ونتفاخر بتسبيحك. مبارك الرب اله إسرائيل من الأزل والى الأبد. ويقول كل الشعب آمين. هللويا."
هي صرخة الشعب المسبي في آلامه ليردهم من السبي سواء سبي بابل أو غيره. وهي صرخة العهد القديم ليأتي المسيح ويخلص. وصرختنا نحن ليظهر المسيح في مجيئه الثاني.
المزمور المئة والسابع
هذا المزمور يشير لمعاملات الله مع البشر عموماً. وملخص المزمور أن الله قد يسمح بالضيقات تحيط بالبشر في حالة عصيانهم وتمردهم على الله مثل (توهانهم في برية وجوعهم وعطشهم، الجلوس في الظلمة وظلال الموت في ذل القيود/ المرض وكراهية الطعام/ في ركوب البحر يهيج البحر عليهم كما حدث مع يونان/ الأنهار تجف وتصبح قفاراً وبالتالي لا يجدون أكلاً ولا شرباً ولا رزقاً). ونغمة المزمور التي يرددها دائماً أن الذي يقع تحت تأديب الرب حين يصرخ إلى الرب يرفع عنه ضيقته فمثلاً من تاه في البرية يرده ويشبعه ويرويه.. الخ. وطالما كانت الآلام هي طريقة للتأديب لنرجع للرب، وطالما كانت الخيرات علامة على بركات الرب فلنسبح الرب دائماً وليسبحه شعبه في كل حين. فكل الأمور تعمل معاً للخير. وهناك معنى رمزي يمكن ملاحظته في المزمور. فالآلام التي نقع تحتها من سبي وذل تشير للحالة قبل المسيح والخلاص يشير لما بعد المسيح.
الآيات (1-3): "احمدوا الرب لأنه صالح لان إلى الأبد رحمته. ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو. ومن البلدان جمعهم من المشرق ومن المغرب من الشمال ومن البحر."
يبدأ بطلب أن نسبح الرب الذي أنقذنا من ضيقاتنا السابقة، كما أرجع الشعب من مصر أو من سبي بابل، أو بالمسيح تحررنا من سبي إبليس حين فدانا.
الآيات (4،5): "تاهوا في البرية في قفر بلا طريق. لم يجدوا مدينة سكن. جياع عطاش أيضا أعيت أنفسهم فيهم."
هذا حال كل من كان بعيداً عن الرب. ولكن ما الذي عمل فيهم هذا؟ الخطية سببت توهانهم في برية هذا العالم فجاعوا وعطشوا ولم يجدوا مدينة سكن. أي كانوا بلا راحة، بلا سلام، بلا اطمئنان، كما تاه قايين حين ترك الرب.
الآيات (6-9): "فصرخوا إلى الرب في ضيقهم فأنقذهم من شدائدهم. وهداهم طريقا مستقيما ليذهبوا إلى مدينة سكن. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم. لأنه اشبع نفساً مشتهية وملأ نفساً جائعة خبزاً."
طريق العودة من آلامهم كان عندما صرخوا لله فأنقذهم. هذه هي نفس نغمة وطريقة سفر القضاة. ثم يدعوهم المرنم لتسبيح الله الذي خلصهم وشكره على خيراته. "كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة". بل التسبيح والصلاة يعطياننا أن نلتصق بالله فلا نعود نرتد للخطية فنتعرض لمزيد من التأديبات والضربات.
الآيات (10-16): "الجلوس في الظلمة وظلال الموت موثقين بالذل والحديد. لأنهم عصوا كلام الله وأهانوا مشورة العلي. فأذل قلوبهم بتعب. عثروا ولا معين. ثم صرخوا إلى الرب في ضيقهم فخلصهم من شدائدهم. أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطع قيودهم. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم. لأنه كسر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد."
عادوا للخطية وعصوا كلام الله فسقطوا في سبي محزن. الجلوس في الظلمة وظلال الموت= كما ظل الإنسان قبل المسيح تحت عبودية إبليس، يموت منفصلاً عن الله ويذهب للجحيم الذي لا خروج منه حتى أتى المسيح وكسر مصاريع[*********] النحاس وقطع عوارض حديد والظلمة أيضاً تشير للظلمة العقلية الداخلية وحالة اليأس والتخبط بلا استنارة. وحين خلص الله هؤلاء المتألمين يدعوهم المرنم ليسبحوه.
الآيات (17-22): "والجهال من طريق معصيتهم ومن آثامهم يذلون. كرهت أنفسهم كل طعام واقتربوا إلى أبواب الموت. فصرخوا إلى الرب في ضيقهم فخلّصهم من شدائدهم. أرسل كلمته فشفاهم ونجاهم من تهلكاتهم. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم. وليذبحوا له ذبائح الحمد وليعدوا أعماله بترنم."
الجهال= الذين لا يدركون أن طريق المعصية نتيجته مؤلمة فهؤلاء يخطئون فيذلون. وتصيبهم الأمراض= كرهت أنفسهم كل طعام.. واقتربوا إلى أبواب الموت وحين يصرخون لله يشفيهم. والمرنم يدعوهم ليسبحوا الله وقتها.
الآيات (23-32): "النازلون إلى البحر في السفن العاملون عملا في المياه الكثيرة. هم رأوا أعمال الرب وعجائبه في العمق. أمر فأهاج ريحا عاصفة فرفعت أمواجه. يصعدون إلى السموات يهبطون إلى الأعماق. ذابت أنفسهم بالشقاء. يتمايلون ويترنحون مثل السكران وكل حكمتهم ابتلعت. فيصرخون إلى الرب في ضيقهم ومن شدائدهم يخلصهم. يهدئ العاصفة فتسكن وتسكت أمواجها. فيفرحون لأنهم هدأوا فيهديهم إلى المرفأ الذي يريدونه. فليحمدوا الرب على رحمته وعجائبه لبني آدم. وليرفعوه في مجمع الشعب وليسبحوه في مجلس المشايخ."
ربما تشير هذه الآيات لمن يعمل في البحر ويركب السفن ويذهب ليتاجر، مثل هؤلاء يرون هيجان البحر وأنهم في أحيان كثيرة يكادوا أن يغرقوا وينقذهم الله. ولكن إذا فهمنا أن البحر يشير للعالم. ومن يركب السفينة هو كل منا في عملنا وفي رحلة حياتنا. وخلال رحلة حياتنا هناك أحداث كثيرة منها ما هو مؤلم ومنها ما هو مفرح والمرنم يشير لأن أحداث حياتنا في يد الله، إن حفظنا وصاياه يكون البحر هادئاً أمامنا وأن عصينا أوامره تهيج أمواج البحر أمامنا (حدث هذا مع يونان) فإذا ما صرخوا لله تهدأ العاصفة ويهدأ البحر. ويفرحون وعليهم أن يسبحوا الله.
الآيات (33-43): "يجعل الأنهار قفاراً ومجاري المياه معطشة. والأرض المثمرة سبخة من شر الساكنين فيها. يجعل القفر غدير مياه وارضاً يبسا ينابيع مياه. ويسكن هناك الجياع فيهيئون مدينة سكن. ويزرعون حقولا ويغرسون كروما فتصنع ثمر غلة. ويباركهم فيكثرون جدا ولا يقلل بهائمهم. ثم يقلون وينحنون من ضغط الشر والحزن. يسكب هوانا على رؤساء ويضلهم في تيه بلا طريق. ويعلي المسكين من الذل ويجعل القبائل مثل قطعان الغنم. يرى ذلك المستقيمون فيفرحون وكل إثم يسد فاه. من كان حكيما يحفظ هذا ويتعقل مراحم الرب."
الأنهار تحمل معها مصادر الخير والرزق والحياة، فإن أخطأ الإنسان فالله قادر أن يجفف أنهار حياته فيضيق رزقه وتقفر الأرض التي يزرعها. والعكس حين يرجع الإنسان لله، يرجع الله له ويحول له القفر غدير مياه. وإذا عاد الإنسان لخطيته = يقلون وينحنون من ضغط الشر ولاحظ ارتباط الشر بالحزن. ثم يختم مزموره بهذا من كان حكيما يحفظ هذا= الحكيم يفهم أن البركة هي لمن يحفظ وصايا الرب. والبركة تشمل (الصحة، الرزق، أحداث الحياة تصير في سلام.. ) والعكس فالهوان للخاطئ.
المزمور المئة والثامن
رتل داود بهذا المزمور عندما قامت أدوم وموآب بغزو جنوب يهوذا، حينمما كان يحارب هو أرام، فأرسل لهم يوآب وهزمهم. فسبح داود بهذه الكلمات. وكلمات المزمور مأخوذة من (مز7:57-11 + مز5:60-12). والمزمور يبدأ بالتسبيح وينتهي بالصلاة على النصرة التي أعطاها الله لشعبه.
المزمور المئة والتاسع
ربما كتب داود هذا المزمور وهو متألم من خيانة شاول أو أحد رجال شاول (دواغ) أو بسبب خيانة أخيتوفل، هذا غير واضح، إنما الواضح أنه بروح النبوة كتبه وعينه على خيانة يهوذا والأمة اليهودية كلها للمسيح،ونبوته عن الخراب الذي سيلحقهم بعد هذه الخيانة. ونفهم أن المزمور عن المسيح، فهكذا طبق بطرس آية (8) من المزمور في (أع20:1) وكل المصير الصعب الذي قيل عن الخائن كان نبوة ضد يهوذا واليهود كشعب.
الآيات (1-5): "يا اله تسبيحي لا تسكت. لأنه قد انفتح عليّ فم الشرير وفم الغش. تكلموا معي بلسان كذب. بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب. بدل محبتي يخاصمونني. أما أنا فصلاة. وضعوا علي شرا بدل خير وبغضا بدل حبي."
يظهر هنا داود المحب كرمز للمسيح الذي كان يجول يصنع خيراً. وأعداء داود تأمروا عليه ولفقوا ضده التهم، وهكذا حدث مع المسيح. فم الشرير وفم الغش= إبليس الذي تكلم على فم يهوذا وعلى فم الفريسيين والكهنة.. أو كرمز لذلك دواغ أو أخيتوفل. أما أنا فصلاة= ماذا يفعل الإنسان أمام مؤامرات الأعداء الغاشة، كيف يتعزى أو يشعر بإطمئنان إن لم يلتصق بالله في صلاة بلا انقطاع. وإذا استجاب الله وأنقذه ماذا يفعل إلا أن يسبحه ويشكره ويستمر في صلاته حتى لا ينجح الأشرار في إيذائه. وهكذا نلاحظ فالتلاميذ كانوا لا يكفون عن الصلاة (أع4:6) وكانوا حين يصلون بنفس واحدة يمتلئوا من الروح القدس. وصموئيل النبي اعتبر أنه لو كف عن الصلاة لأجل الشعب فهذه خطية (1صم23:12). أما أنا فصلاة، تشير لأن الفكر والقلب في صلة مع الله بلا انقطاع خلال العمل وخلال الفراغ، خلال اليقظة وخلال النوم.
الآيات (6-15): "فاقم أنت عليه شريرا وليقف شيطان عن يمينه. إذا حوكم فليخرج مذنبا وصلاته فلتكن خطية. لتكن أيامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر. ليكن بنوه أيتاما وامرأته أرملة. ليته بنوه تيهانا ويستعطوا. ويلتمسوا خبزا من خربهم. ليصطد المرابي كل ما له ولينهب الغرباء تعبه. لا يكن له باسط رحمة ولا يكن مترأف على يتاماه. لتنقرض ذريته. في الجيل القادم ليمح اسمهم. ليذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أمه. لتكن أمام الرب دائما وليقرض من الأرض ذكرهم."
هي نبوة ضد من خان داود أو ضد يهوذا الخائن أو ضد شعب اليهود. وهذه الآيات لا تحسب دعاء على شخص، بل هي بوحي من الروح القدس قالها داود كنبوة، والرسل فهموها هكذا وطبقوا الآية ووظيفته ليأخذها آخر حرفياً فانتخبوا متياس عوضاً عن يهوذا. لأن يهوذا انتحر= وكانت أيامه قليلة. وهكذا بعد أن صلب اليهود الرب، قلت أيام دولتهم، بل انتهت، ووظيفتهم كشعب لله أخذها المسيحيين وفي خراب دولتهم على يد تيطس ترملت نساؤهم وصار أولادهم يتامي (9) وتشتتوا بعد ذلك في كل الأرض (10). كل هذا الخراب لأنهم أسلموا أنفسهم للشيطان (اليهود أو يهوذا) فتركهم الله في يده= فأقم أنت عليه شريراً. وليقف شيطان عن يمينه= وهذا معناه تسليمهم في يد الشيطان. فإن كان أيوب بكل محبته لله، حينما أراد الله أن يؤدبه سمح للشيطان أن يؤذيه ففعل به ما كان مضرباً للأمثال. فماذا يحدث لشعب اليهود وليهوذا الخائن فاقدي القداسة والحب حين يسلمهم الله ليد إبليس. يقال أن تيطس الروماني في سنة 70م حين أحرق أورشليم قتل 1.5 مليون وصلب 120.000 وأشعل فيهم النيران. وإذا حوكم فليخرج مذنباً= إذا حوكم يوم الدينونة دنه يا الله ولا تبرره. وصلاته فلتكن خطية= وهل يقبل الله صلاته من إنسان إمتلأ قلبه شراً وخبثاً. مثل هذا صلاته تعتبر خطية. والله ذكر لهم خطايا وتمرد أبائهم في مصر وفي البرية وفي أرض الميعاد، فالله يذكر خطايا الآباء في حالة عدم توبة الأبناء. وعوضاً عن أن يكونوا مثمرين يقرض الرب من الأرض ذكرهم.
الآيات (16-20): "من اجل انه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً والمنسحق القلب ليميته. واحب اللعنة فأتته ولم يسر بالبركة فتباعدت عنه. ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه في حشاه وكزيت في عظامه. لتكن له كثوب يتعطف به وكمنطقة يتنطق بها دائما. هذه أجرة مبغضيّ من عند الرب وأجرة المتكلمين شراً على نفسي."
سبب هذه الضربات أنهم لم يصنعوا رحمة بل طردوا إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب وأماتوه = هو المسيح الوديع والمتواضع القلب، الذي ليس له أين يسند رأسه الذي افتقر لأجلنا وهو غني (2كو9:8 + لو58:9 + مت29:11 + مت38:26 + 1بط23:2) وأحب اللعنة= من يختار طريق الخطية والمعصية فهو اختار وأحب طريق اللعنة. ومثل هذا تحيط به اللعنات= لبس اللعنة مثل ثوبه. كل ما تمتد إليه يده فهو ملعون. وتتسلل اللعنة إلى حياته الداخلية فيشعر بأنه ملعون= دخلت كمياه في حشاه= يشعر بها في نفسه داخلياً وفي أفكاره ومشاعره. وكزيت في عظامه= حتى في صحته تجد اللعنة قد تسللت كما يتسلل الزيت من خلال ثقوب القماش للداخل. وكمنطقة يتمنطق بها= الإنسان يتمنطق حينما يقوم ليعمل. ولنتصور أنه في كل عمله يتمنطق باللعنة. واللعنة تكون في كل ما تمتد يده إليه.
الآيات (21-31): "أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من اجل اسمك. لان رحمتك طيبة نجني. فأني فقير ومسكين أنا وقلبي مجروح في داخلي. كظل عند ميله ذهبت. انتفضت كجرادة. ركبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن. وانا صرت عارا عندهم. ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم. أعنّي يا رب الهي. خلّصني حسب رحمتك. وليعلموا أن هذه هي يدك. أنت يا رب فعلت هذا. أما هم فيلعنون. وأما أنت فتبارك. قاموا وخزوا. أما عبدك فيفرح. ليلبس خصمائي خجلا وليتعطفوا بخزيهم كالرداء. احمد الرب جدا بفمي وفي وسط كثيرين أسبحه. لأنه يقوم عن يمين المسكين ليخلّصه من القاضين على نفسه."
هنا تعبير عن آلام داود رمز لآلام المسيح= قلبي مجروح من الخيانة. وداود اقترب من الموت ونجاه الله، أما المسيح فمات فعلاً= كظل عند ميله ذهبت. انتفضت كجرادة= من الآلام النفسية. ركبتاي ارتعشتا من الصوم= داود صام فعلاً في حزنه. أما المسيح فعاش فترة قصيرة على الأرض ولم يعشها ليأكل ويشرب. وأنا صرت عاراً عندهم وهذه نبوة عن الصلب + أما هم فيلعنون. فالكتاب يقول ملعون كل من علق على خشبة (تث23:21). وينغضون رؤوسهم= تحققت في (مت40:27 + مر29:15). وليعلموا أن هذه يدك= ليعلم الناس يا رب أنك أنت دبرت كل هذا لأجل خلاصهم. هذه تتفق مع قول يوسف لإخوته "أنتم قصدتم لي شراً. أما الله قصد به خيراً" (تك20:50) هم قصدوا أن يلحقوا اللعنة بالمسيح، والرب قصد بهذا بركة للعالم كله (آية28). أحمد الرب جداً بفمي= فم المسيح هو المؤمنين الذي يسبحون الله على خلاصه. أنه يقوم عن يمين المسكين ليخلصه= والآب كان عن يمين المسكين حتى أقامه من الموت. والمسيح يكون عن يمين كل مسكين في شعبه ليعطيه الخلاص.
المزمور المئة والرابع عشر
كان خروج شعب إسرائيل من مصر هو ميلاد لشعب الرب وكنيسة العهد القديم وكان هذا الخروج قد صاحبه عجائب الله. وكانوا يذكرونها دائماً ليذكروا كم صنع الرب بهم. وهذا المزمور فيه يسبحون الله على هذه العجائب وكانوا يصلون به في اليوم الثامن للفصح اليهودي وهو أعظم أعيادهم. ونحن نرتل هذا المزمور لنذكر أن المسيح هو فصحنا ذبح لأجلنا (1كو7:5) ليحررنا من عبودية إبليس، ويؤسس كنيسته، جسده الذي هو نحن، ونسبحه على عمله الفدائي.
الآيات (1،2): "عند خروج إسرائيل من مصر وبيت يعقوب من شعب أعجم. كان يهوذا مقدسه. وإسرائيل محل سلطانه."
الله أخرج الشعب من مصر. وأقام وسطهم، وكان يجب عليهم كشعب لله، والله في وسطهم أن يلتزموا بحفظ وصاياه. هو قدَّسهم بالدم (دم الذبائح) وقدسهم بحلوله وسطهم. وكان إسرائيل محل سلطانه= وكل ملك أو سلطان يحكم شعبه بوصايا وقوانين. وكانت قوانين الله هي وصاياه إن التزموا بها يتقدسون. ويقول يهوذا أولاً، لأن الهيكل أقيم في يهوذا. وكل من يسكن الله فيه يتقدس.
آية (3): "البحر رآه فهرب. الأردن رجع إلى خلف."
البحر هرب= والبحر يشير للعالم. ولقد كانت الشياطين تهرب من أمام المسيح (مت29:8-32) والبحر الأحمر إنشق أمامهم رمزاً لهذا. أما رجوع الأردن فيشير لكسر شوكة الموت. لذلك صارت المعمودية وهي موت مع المسيح وقيامة معه مزموراً لها بعبور البحر وعبور الأردن.
الآيات (4-8): "الجبال قفزت مثل الكباش والآكام مثل حملان الغنم. ما لك أيها البحر قد هربت وما لك أيها الأردن قد رجعت إلى خلف. وما لكن أيتها الجبال قد قفزتنّ مثل الكباش وأيتها التلال مثل حملان الغنم. أيتها الأرض تزلزلي من قدام الرب من قدام اله يعقوب. المحول الصخرة إلى غدران مياه الصوان إلى ينابيع مياه."
سؤال المرنم ما لك أيها البحر قد هربت= يشير أن ما حدث لم يكن شيئاً طبيعياً بل ناتج عن الحضور الإلهي الذي تتزعزع امامه قوات الطبيعة. فالبحر ينشق. والجبال تقفز. ولقد تزلزت الأرض فعلاً حينما تكلم الله مع الشعب لدرجة أن موسى نفسه إرتعب "ارتجف كل الجبل جداً" (خر18:19 + عب18:12-21). والمرنم هنا يُصوَّر الجبال الشاهقة بأنها كحملان وكباش تقفز أمام الله. والأرض تتزلزل قدام مجده وحضوره. وتفهم بطريقة رمزية فالملوك الجبابرة المتكبرين قد ارتاعوا أمام شعب الله (يش9:2-11) وتفهم أنه أمام الحضور الإلهي فالقديسين بقاماتهم العالية كالجبال يكونون في فرح كمن يقفز. وزلزلة الأرض تفهم بأن من يسمع كلام الرب وهو في خطاياه يتزلزل ويرتعب (أع25:24) بل نفهم أنه أمام إيمان شعب الله تنتقل الجبال (مت21:21). فمهما كانت المشاكل أمام شعب الله فهي كلا شئ (زك7:4). لذلك قال بولس الرسول "استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني" وهل كان أحد يتصوَّر في بداية المسيحية على يد 12 تلميذ خائفين أن تنتشر المسيحية في كل العالم، وكيف اندحرت قوة الشياطين ومقاومتهم للكنيسة وكانت كلا شئ. وبنفس المفهوم كيف تنهار جبال الشكوك وتيارات الشهوة في داخل نفس الإنسان بعمل الروح القدس. (2كو5:10). المحول الصخرة إلى غدران مياه= إشارة للروح القدس الذي انسكب بعد عمل المسيح.
المزمور المئة والخامس عشر
الترجمة السبعينية تضم هذا المزمور على المزمور السابق. وفيه نتعلم أن نعطي المجد لله لا لأنفسنا، لله لا للأوثان. ونعطى المجد لله بأن نثق فيه ونتكل عليه وليس على مخلوق سواه، وبأن نباركه أي نسبحه ونشهد له أمام كل إنسان. وعلينا أن نصلي بهذا المزمور دائماً خاصة لو أحاطت بنا الضيقات.
الآيات (1-3): "ليس لنا يا رب ليس لنا لكن لاسمك أعط مجدا من اجل رحمتك من اجل أمانتك. لماذا يقول الأمم أين هو إلههم. أن إلهنا في السماء. كلما شاء صنع."
حينما عيَّر ربشاقي إله إسرائيل حينما حاصر أورشليم أيام حزقيا الملك. صلي حزقيا لله حتى يتمجد أمام الأعداء الذين عيَّروا الإله الحي (أش18:36-20، 14:37-20) والمرنم هنا كأنه يعترف قائلاً "نحن يا رب لا نستحق مراحمك، ولكننا محسوبين عليك والعالم يعرف أننا شعبك، فلا تجعلهم يقولون أين هو إلههم، بل إنقذنا فتتمجد أنت ويعرف الجميع أن إلهنا في السماء، عالياً ممجداً، عظيماً كلما شاء صنع.
الآيات (4-8): "أصنامهم فضة وذهب عمل أيدي الناس. لها أفواه ولا تتكلم. لها أعين ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع. لها مناخر ولا تشم. لها أيد ولا تلمس. لها أرجل ولا تمشي ولا تنطق بحناجرها. مثلها يكون صانعوها بل كل من يتكل عليها."
ليس فينا الآن من يعبد أصناماً. ولكن أصنام العصر الحالي هي، المال، والشهوة، والمراكز العالية. هناك من يعتمد على إنسان بسبب مركزه، وهناك من يجري وراء المال حاسباً أنه يحميه من إضطرابات الزمن. وهناك من يسعى لأن يشبع شهوته. مثلها يكون صانعوها= كل هذا سواء مال أو مراكز أو شهوة هي أشياء باطلة، موجودة اليوم، أما غداً فهي تزول. فمن يتكل عليها يصير مثلها باطل زائل. وأما من يتكل على الرب يتحول ليصير على صورته كشبهه.
الآيات (9-11): "يا إسرائيل اتكل على الرب. هو معينهم ومجنهم. يا بيت هرون اتكلوا على الرب. هو معينهم ومجنهم. يا متقي الرب اتكلوا على الرب. هو معينهم ومجنهم."
هي دعوة لكل شعب الرب أن يباركوه. إسرائيل وشعبها. والكهنة بني هرون والأمم= متقي الرب. فهو الذي يحميهم= معينهم ومجنهم. وهذا مقابل الأوثان التي لا تستطيع أن تحمي عابديها.
الآيات (12-18): "الرب قد ذكرنا فيبارك. يبارك بيت إسرائيل يبارك بيت هرون. يبارك متقي الرب الصغار مع الكبار. ليزد الرب عليكم. عليكم وعلى أبنائكم. انتم مباركون للرب الصانع السموات والأرض. السموات سموات للرب. أما الأرض فأعطاها لبني آدم. ليس الأموات يسبحون الرب ولا من ينحدر إلى ارض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن والى الدهر. هللويا."
الرب هو الذي يبارك شعبه، ويزيد بركته عليهم، وعلى أبنائهم. والرب صنع السموات والأرض. وهو جالس على عرشه في السموات= السموات سموات للرب. أما الأرض فأعطاها لبني آدم= هو صاحب الكرم أي الأرض فهو خالتها ولكنه استأمن البشر عليها وينتظر منهم كصاحب أرض أن يقدموا ثماراً صالحة. وما هي الثمار الصالحة التي يطلبها الرب ويفرح بها؟ التسبيح. والتسبيح علامة أن الإنسان حي= ليس الأموات يسبحون الرب. ومن هم الأموات؟ هم الأموات بالخطايا وهؤلاء لا يستطيعون أن يسبحوا الله (مز4:137 +رؤ1:3). وبالتوبة نسمع عن الابن الضال "ابني هذا كان ميتاً فعاش. ومن بتوبته يعود للحياة يعود ليسبح الرب= أما نحن الأحياء فنبارك الرب.
المزمور المئة والخامس والثلاثون
هو مزمور تسبيح لله. يبدأ وينتهي بهللويا. فذبيحة التسبيح هي التي يسر بها الرب (يع13:5).
آية (2): "الواقفين في بيت الرب في ديار بيت إلهنا."
الواقفين= المنتصبين، المستقيمي الإيمان، المعترفين لله بأعمال رحمته. في بيت الرب في العهد القديم كان الله يطلب أن تكون الصلوات في الهيكل في أورشليم، حتى لا يقدموا ذبائح في أي مكان فينحرفوا إلى العبادة الوثنية، وحتى يجتمعوا في وحدة ومحبة وعبادة أمامه،
آية (4): "لأن الرب قد اختار يعقوب لذاته وإسرائيل لخاصته."
فلنسبح الرب الذي جعلنا نعرف الإيمان المسيحي، ونفهم أسرار الخلاص.
الآيات (5-12): "لأني أنا قد عرفت أن الرب عظيم وربنا فوق جميع الآلهة. كل ما شاء الرب صنع في السموات وفي الأرض في البحار وفي كل اللجج. المصعد السحاب من أقاصي الأرض. الصانع بروقا للمطر. المخرج الريح من خزائنه. الذي ضرب أبكار مصر من الناس إلى البهائم. أرسل آيات وعجائب في وسطك يا مصر على فرعون وعلى كل عبيده. الذي ضرب أمماً كثيرة وقتل ملوكا أعزاء. سيحون ملك الاموريين وعوج ملك باشان وكل ممالك كنعان. وأعطى أرضهم ميراثا. ميراثا لإسرائيل شعبه."
نسبح الرب القادر على كل شئ، والمسيطر على كل شئ. وهو يضرب أعداء شعبه ويخلصهم، فهو المدافع عن شعبه. وهو الذي أسكن شعبه في أرضهم في سلام.
الآيات (13-21): "يا رب اسمك إلى الدهر. يا رب ذكرك إلى دور فدور. لان الرب يدين شعبه وعلى عبيده يشفق. أصنام الأمم فضة وذهب عمل أيدي الناس. لها أفواه ولا تتكلم. لها أعين ولا تبصر. لها آذان ولا تسمع. كذلك ليس في أفواهها نفس. مثلها يكون صانعوها وكل من يتكل عليها. يا بيت إسرائيل باركوا الرب. يا بيت هرون باركوا الرب. يا بيت لاوي باركوا الرب. يا خائفي الرب باركوا الرب. مبارك الرب من صهيون الساكن في أورشليم. هللويا."
آلهة الأمم هي لا شئ، أما إلهنا فهو إله قادر فليسبحه كل واحد.
المزمور المئة والسادس والثلاثون
هو مزمور حمد تتكرر فيه عبارة لأن إلى الأبد رحمته (26) مرة. بحسب عدد آياته. فكل آية تذكر سبباً للحمد ثم نقول المقطع المتكرر "لأن إلى الأبد رحمته" وهو من مزايمر التسبحة اليومية. وتكرار هذا المقطع يشير لأن الله يكرر لنا أعمال رحمته للأبد. ومن أعمال رحمته التي يذكرها المرنم أن إلهنا عظيم (1-3) وصالح. وهو خالق العالم (4-9). ولأنه مخلص إسرائيل (10-22). وهو فادينا كلنا (23-24). وهو المهتم بكل إنسان، المحسن لكل البشر (25-26).
المزمور المئة والتاسع والثلاثون
داود هنا يحدثنا مرنماً عن الله اللامتناهي في المعرفة، الذي لا يحده زمان ولا مكان. فهو موجود في كل زمان، موجود في كل مكان، يعرف كل شئ، هو الذي خلقني، فهو يعرف أعماقي. كل شئ مكشوف أمامه. داود أمام اكتشافه هذا يقف مبهوراً (17،18) ويجد نفسه غير مستطيع أن يحصي أعمال الله العجيبة وإحساناته التي لا نهاية لها. وفي دهشة بجمال وجلال الله يتعجب من الذين لا يخضعون له بل بتمردون عليه، فيتكلم عنهم باحتقار شاعراً أنه لا يستطيع أن يتعامل مع هؤلاء. وينطق بروح النبوة بحكم عليهم، فالموت ينتظر مثل هؤلاء.
الآيات (1-3): "يا رب قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد. مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت."
الله فاحص القلوب والكلى كل شئ مكشوف أمامه، حتى أعماق فكر الإنسان فهمت فكري من بعيد= معرفة الله ليست كالبشر مبنية على الاختبار والمعاشرة. ولأن الله يعرف كل شئ فهو سيدين بالعدل. والله يعرف كل حركاتنا وسكناتنا= عرفت جلوسي وقيامي بل تعرف ما أنوي فعله قبل أن أقوم وأعمله، فأنت تعرف فكري من بعيد. ذريت مربضي ومسلكي= أنت تعرف تماماً وتحيط بكل شئ مهما كان صغيراً في مسلكي وفي مكان نومي.
الآيات (4-6): "لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها. من خلف ومن قدام حاصرتني وجعلت عليّ يدك. عجيبة هذه المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها."
معرفة الله كأن الله يحاصر الإنسان من كل جهة، ويعرف عنه كل شئ، وكل كلمة ومعرفة الله هذه عجيبة، لا يستطيع إنسان أن يدركها= فوقي ارتفعت. من خلف ومن قدام= إن ذهبت للوراء أو تقدمت للأمام فأنت هناك تعرف كل إتجاهاتي، عينك علىّ بل ويدك علىّ= جعلت يدك علىّ= لتمنعني من قرار خاطئ يضرني، ولتؤدبني إن تعوجت.
الآيات (7،8): "أين اذهب من روحك ومن وجهك أين اهرب. أن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وان فرشت في الهاوية فها أنت."
الله موجود في كل مكان وبالتالي فهو يعرف كل شئ، لا يخفي عنه شئ. وفي آية (7) نرى الثالوث. روحك= هو الروح القدس. وجهك= المسيح بهاء مجد الله ورسم جوهره. ولأن الله غير محدود فهو موجود في السماء، بل وموجود في الهاوية[†††††††††]. فإن قلنا أنه لا يوجد في الهاوية (الجحيم مكان الموتي) فهو محدود. هو في السماء حيث عرش مجده، حيث الأفراح الدائمة والمجد المستعلن. وهو في الهاوية حيث قداسة الله وعدله قد استعلنا في دينونة الأشرار. إن صعدت إلى السماء= هذا فعله المرنم عقلياً وليس جسدياً، فهو فكر في السماء وكيف أن الله هناك مسبح من الملائكة. ولعله اشتياق المرنم لذلك. ولكنه بروح النبوة رأي نصيب المؤمنين بعد فداء المسيح ونصيبنا السماوي.
الآيات (9،10): "أن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر. فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك."
إن توجهت وبأقصى سرعة على جناحي الصبح (اللذان يفرشان نور الصبح على كل الأرض) إلى أقاصي الأرض، فلن أهرب منك. بل سأجدك هناك راعياً لي تمسك بيدي لتردني. ونلاحظ في قوله السماء والأرض أي الهاوية العميقة (7،8) أنه نظر للبعد الرأسي. وبقوله هنا أقاصي الأرض فهو نظر للبعد الطولي. والمسيح جمع بصليبه (خشبة طولية وخشبة عرضية) الكل سمائيين وأرضيين. جعل الكل واحداً. لقد حدث هذا مع يونان، فهو ظن أنه هرب من الله، ولكن الله رده بيمينه وهداه.
الآيات (11،12): "فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيء حولي. الظلمة أيضاً لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور."
وإذا فكرت أن الظلمة هي ساتر لي، يمكنني أن أختبأ بالظلمة منك. فهذا أيضاً غير ممكن فالظلمة بالنسبة لك نور، فأنت يمكنك يا رب أن ترى كل شئ في الظلمة.
وفي تأمل في هذه الآية، إن أحاطت بي التجارب والآلام كظلمة، فتعزياتك تضئ لي طريقي.
الآيات (13،14): "لأنك أنت اقتنيت كليتيّ. نسجتني في بطن أمي. أحمدك من اجل أنى قد امتزت عجباً. عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقينا."
اقتنيت كليتيّ= أي تعرف أعماقي، فأنت خلقتني بالكامل= نسجتني في بطن أمي. وحينما تأمل في خلقة الله للإنسان، رأي أن الإنسان إمتاز بخلقته عجباً. فالإنسان بروحه، نفخة الله، وعقله، وإمكانياته يفوق أي خليقة وهو تاج المخلوقات، بل أن الله خلق العالم لأجل الإنسان "السبت جعل للإنسان وليس الإنسان لأجل السبت".
الآيات (15،16): "لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض. رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت اذ لم يكن واحد منها."
لله صوَّرني في فكره أولاً، ثم نسجني في رحم أمي= صنعت في الخفاء. لم تختف عنك عظامي.. ورقمت في أعماق الأرض= الله صمم هذه العظام في فكره ورقمها أي كأنه عدَّها ورسمها، كما رسم المهندس منزلاً على الورق قبل أن ينفذ. والله أخذ عظامي هذه وكل جسمي من أعماق الأرض، فأنا من تراب مأخوذ، ولكنني كنت في فكر الله. وهكذا أعد الله كل أعضائي وصورني قبل أن أتكون في الرحم. وطالما أن الله هو الذي خلق كل جزء فيّ وصوره فهو يعرف دقائق أموري، وهو الذي يحييني متى يشاء ويميتني متى يشاء. هو يعرف كل شئ عني.
الآيات (17،18): "ما اكرم أفكارك يا الله عندي ما اكثر جملتها. أن أحصها فهي اكثر من الرمل. استيقظت وأنا بعد معك."
هنا يقف المرنم مبهوراً بأحسانات الله عليه. يقدم له الشكر على أهتمامه به في خلقته وتصويره، ثم عنايته به في بطن أمه، وحمايته له. فكل أفكار الله تجاهه هي أفكار حب، وأحسان، بل حتى ما نظنه شراً فالله يسمح به لخيرنا. ما أكرم أفكارك كم هي عميقة لا أستطيع فهمها، ولكن كلها محبة، لذلك نقف أمام تدبيرك بمنتهى الحمد والوقار والتسبيح حتى أن لم نفهمه. استيقظت وأنا بعد معك= حينما استيقظ فأنا تحت بصرك ورعايتك من أول لحظة في النهار، فأنا في أمان في نومي لأني مسلم كل الأمر لك. ولكن متى أستيقظ يكون قراري في يدي ومع هذا فأنت عينك علىّ ويدك علىّ وستنقذني حتى من قراراتي الخاطئة. ولذلك ينصح كثير من الأباء أنه بمجرد أن نفتح عيوننا صباحاً أن نصلي مزمور أو اثنين، لنبدأ من أول لحظات النهار الاعتماد على الله، ويكون هذا اليوم كله، نحيا في خوف الله، نضعه دائماً أمام أعيننا.
الآيات (19-22): "ليتك تقتل الأشرار يا الله. فيا رجال الدماء ابعدوا عني. الذين يكلمونك بالمكر ناطقين بالكذب هم أعداؤك. ألا ابغض مبغضيك يا رب وامقت مقاوميك. بغضا تاما أبغضتهم. صاروا لي أعداء.."
بعد أن اشتعل قلب المرنم حباً لله على كل تدبيراته وعنايته. يتعجب أنه مازال هناك أشرار عميان يكرهون الله. ولقد اعتبر أن أعداء الله هم أعداؤه فهو أحب الله بكل قلبه. ونحن لا نكره البشر بل نصلي لهم لكي يتوبوا فلا يهلكوا. لكن نبغض الشياطين. أما داود هنا فهو ينطق بروح النبوة ضد من يستمر في عدائه لله. وهو كملك لا يحمل السيف عبثاً عليه أن يضرب ويؤدب من يخالف (رو4:13).
الآيات (23،24): "اختبرني يا الله واعرف قلبي امتحني واعرف أفكاري. وانظر ان كان فيّ طريق باطل واهدني طريقا أبدياً."
المرنم هنا يلجأ لله فهو اكتشف أن الله يعرف كل شئ عنه، وهو لا يعرف شئ عن نفسه، فهناك خطايا دفينة وميول رديئة فيه لا يراها ولا يعرفها سوى الله. وهو يلجأ لله ليؤدبه بالتجارب والتأديبات المتعددة، ليهديه ويرده من كل طريق باطل، فلا يهلك. وبنفس المفهوم علينا أن نسلم لله في كل ما يسمح به فهو الطبيب الذي عرف دواء وعلاج نفوسنا وأرواحنا، هو وحده الذي يعرف ويداوي بمحبة عجيبة.
المزمور المئة والأربعون
هو مزمور إستغاثة لداود من الأعداء الذين يشبهون الحيات في مكرهم ولدغاتهم السامة. هو فيه كان في حالة مؤلمة ربما من اضطهاد شاول.
الآيات (1-7): "أنقذني يا رب من أهل الشر. من رجل الظلم احفظني. الذين يتفكرون بشرور في قلوبهم. اليوم كله يجتمعون للقتال. سنوا ألسنتهم كحية حمة الافعوان تحت شفاههم. سلاه. احفظني يا رب من يدي الشرير. من رجل الظلم أنقذني. الذين تفكروا في تعثير خطواتي. أخفى لي المستكبرون فخا وحبالا. مدوا شبكة بجانب الطريق. وضعوا لي اشراكا. سلاه. قلت للرب أنت الهي. أصغ يا رب إلى صوت تضرعاتي. يا رب السيد قوة خلاصي ظللت رأسي في يوم القتال."
المرنم يلجأ لله لينقذه من الأشرار المحيطين به، وليحفظه من مؤامراتهم. وهو يذكر لله إحساناته السابقة، فالله ظلل رأسه يوم القتال، فإذا كان قد حفظه من قبل فسوف يحفظه اليوم. ونلاحظ أن أعداؤه غير واضحين فهم يتفكرون بشرور في قلوبهم وداود لا يرى ما في قلوبهم. وهم كالحيات مخادعين ويحملون سماً تحت شفاههم. وهم أعدوا فخاخاً ليسقط فيها وشراكاً وشبكة. ولذلك هو يلجأ لله كلي المعرفة والرؤية لينقذه من مؤامراتهم التي لا يراها ولا يعرفها.
الآيات (8-13): "لا تعط يا رب شهوات الشرير. لا تنجح مقاصده. يترفعون. سلاه. أما رؤوس المحيطين بي فشقاء شفاهِهِم يغطيهم. ليسقط عليهم جمر. ليسقطوا في النار وفي غمرات فلا يقوموا. رجل لسان لا يثبت في الأرض. رجل الظلم يصيده الشر إلى هلاكه. قد علمت أن الرب يجري حكما للمساكين وحقا للبائسين. إنما الصديقون يحمدون اسمك. المستقيمون يجلسون في حضرتك."
هنا نسمع المرنم يخبرنا بمصير الأشرار. وفي المقابل فأولاد الله المساكين فالله هو الذي يجري لهم حكماً= أي ينقذهم من يد الأشرار وينجيهم. ويحكم ضد ظالميهم ويرى الصديقون هذا ويحمدون أسمك يا رب.. ويجلسون في حضرتك فرحين بك، لا يجدون لهم فرحاً بعيداً عنك. أما الأشرار فالله لا ينجح مقاصدهم. هم يترفعون= أي ينتفخون بقوتهم، متكبرين يظنون أنهم قادرين أن يفعلوا ما يشاءون. ولكن الله لن يسمح بأن يحققوا شهواتهم ضد المساكين البائسين. بل يصير هؤلاء الأشرار في شقاء= رؤوس المحيطين بي فشقاء شفاههم يغطيهم= هم دبروا مؤامرات بشفاههم ضد الأبرياء. لكن الله حول مؤامراتهم إلى شقاء يغطي رؤوسهم. وغضب الله يسقط عليهم مثل جمر مشتعل ليسقطوا في النار= وهذا عقابهم الأبدي (رؤ10:20). لذلك يكمل. وفي غمرات فلا يقوموا= أي في حفر عميقة، فيها نار أبدية. ولعل قوله ليسقطوا في النار وليسقط عليهم جمر يشير إلى سقوط نار من السماء على سدوم عمورة. وقوله وفي غمرات يشير للهلاك بالطوفان. وكلاهما كان بسبب غضب الله. رجل لسان لا يثبت في الأرض= أي رجل يغش ويدبر مؤامرات بلسانه، هذا قد ينجح إلى حين ولكن الله لا يدعه يثبت، بل يفسد الله مؤامراته ولا يدعها تنجح.
المزمور المئة والرابع والأربعون
المزامير الأربعة السابقة كانت لداود حين كان هارباً من شاول. أما هذا المزمور فيبدو أن داود كتبه بعد أن ملك. ولكننا نسمع فيه أنه مازال يحارب وأن هناك أعداء. فمتى كان هناك سلام نهائي بلا حروب في هذا العالم. فلقد قام عليه الفلسطينيين والعمونيين.. الخ. وداود هنا يقدم الشكر لله الذي أجلسه على العرش. ويصلي لله حتى ينصره على أعدائه وهو واثق أنه سينتصر فهو اختبر هذا مراراً من قبل، أن الله لا يتركه. ويصلي لأجل إزدهار مملكته وشعبه. وروحياً فنحن نمر كل يوم في حروب روحية جديدة ولكننا نجتاز من نصرة إلى نصرة بمعونة الله. وحقاً لقد أقامنا الله ملوكاً (رؤ6:1) ولكن مازال هناك قتال كثير وحروب كثيرة. والله يعيننا فهو خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) وكما فعل داود وصلى لشعبه، هكذا فلنصلي لكل الكنيسة ليعطها الرب بركة ونعمة وانتصاراً ضد أعدائنا الحقيقيين أي الشيطان وجنوده. (راجع اف6).
الآيات (1،2): "مبارك الرب صخرتي الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب. رحمتي وملجأي صرحي ومنقذي مجني والذي عليه توكلت المخضع شعبي تحتي."
الله علم داود القتال ضد أسد ثم ضد دب ثم ضد جليات حتى لا يرهب الحروب الآتية ضده. فالله دربه ويدربنا كيف نغلب أعدائنا، بأن يسمح ببعض التجارب، وحينما نستعين به نغلب، نستعين بالصلاة والصراخ له، بالإيمان، (باقي الأسلحة في اف6) وحينما نغلب تكون يدانا قد تعلمت القتال. ونحن نقاتل بلا خوف فلنا ثقة في الله ملجأنا.
الآيات (3،4): "يا رب أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه أو ابن الإنسان حتى تفتكر به. الإنسان أشبه نفخة. أيامه مثل ظل عابر."
يقف داود مندهشاً من محبة الله وعمله من أجل الإنسان الترابي الحقير.
الآيات (5-8): "يا رب طأطئ سمواتك وانزل المس الجبال فتدخن. ابرق بروقا وبددهم. أرسل سهامك وأزعجهم. أرسل يدك من العلاء. أنقذني ونجني من المياه الكثيرة من أيدي الغرباء. الذين تكلمت أفواههم بالباطل ويمينهم يمين كذب."
المرنم يصرخ لله لكي يعينه وينصره ضد أعدائه، ويظهر قوته فيرعبهم يرسل بروقاً وسهاماً فيزعجهم. ولكن النبي بروح النبوة كان يتكلم عن المسيح الذي طأطأ[‡‡‡‡‡‡‡‡‡] السموات ونزل وتجسد وأرسل رسله كسهام نشرت الكرازة فأزعجت الشياطين الذين تكلمت أفواههم بالباطل. ويمينهم يمين كاذب= اليمين إشارة للقوة، والشيطان يوهمنا بقوته ولكن قوته باطلة مخادعة، وأي مؤمن بعلامة الصليب بإيمان وباسم يسوع يغلبهم وقول النبي طأطأ السموات وإنزال. لا تعني أن الله سيترك السماء وينزل على الأرض فهو في كل مكان حتى في الهاوية (8:139) ولكن معناها أظهر قوتك فتدخن الجبال فيرتعب الأعداء. وهذا حدث فعلاً على جبل سيناء. ولكن المعنى النبوي للآية هو تجسد المسيح ونزوله على الأرض. والنبي كان يتكلم عن القتال. والمسيح جاء للقتال فعلاً ضد إبليس الذي في كبريائه كالجبل وبصليبه لمسه فدخن. وبصليبه أنقذنا من الموت= إنقذني ونجني من المياه الكثيرة= أي الموت. من الغرباء= الشياطين. أرسل يدك من العلاء= هي مرة أخرى نبوة عن تجسد المسيح قوة الله ويد الله التي هزمت أعدائنا.
الآيات (9-11): "يا الله أرنم لك ترنيمة جديدة برباب ذات عشرة أوتار أرنم لك. المعطي خلاصا للملوك المنقذ داود عبده من السيف السوء. أنقذني ونجني من أيدي الغرباء الذين تكلمت أفواههم بالباطل ويمينهم يمين كذب."
ماذا يفعل من شعر بخلاص المسيح وامتلأ بالروح إلا أن يشكر الله ويسبحه. ويعود ويصرخ لينقذه الله. فالحرب لا تهدأ ولا تتوقف طالما نحن أحياء.
الآيات (12-15): "لكي يكون بنونا مثل الغروس النامية في شبيبتها. بناتنا كأعمدة الزوايا منحوتات حسب بناء هيكل. اهراؤنا ملآنة تفيض من صنف فصنف. أغنامنا تنتج ألوفاً وربوات في شوارعنا. بقرنا محملة. لا اقتحام ولا هجوم ولا شكوى في شوارعنا. طوبى للشعب الذي له كهذا. طوبى للشعب الذي الرب إلهه."
صلاته لأجل شعبه ليحيوا في سلام. فالبنون في صحة. والبنات في قداسة والمخازن (أهراؤنا) مملوءة والبقر مملوء لبن ليشبع الجميع. والأعداء خاضعين لا يقتحموا أسوارنا. هذه هي صورة الكنيسة والمسيح في وسطها. مملوءة وقادرة أن تشبع الجميع. ومعلميها قادرين أن يرضعوا أولادهم لبناً. والأولاد مملوئين صحة وحيوية ونشاط قادرين على الخدمة. والبنات كأعمدة الزوايا= تبني بيتها وهي بأخلاقها قادرة أن تربط عائلتها بعائلة زوجها برباط محبة فتترابط العائلتين. منحوتات حسب بناء الهيكل كانت الحجارة تنحت وتهذب ليؤتي بها إلى مكان الهيكل وتوضع في مكانها. والمعنى لتكن بناتنا هكذا قد تم تهذيبهم وهن على جمال خلقي ويؤتي بهن ليسكنوا مع أزواجهن في فرح. وعموماً فبيوت أولاد الله هي كنائس صغيرة أو هياكل صغيرة. (1كو19:16)
المزمور المئة والخامس والأربعون
اشتعل قلب داود حباً لله فبدأ يسبحه، عينيه انفتحتا فرأى كل أعمال محبة الله فلم تستطع شفتيه أن تسكتا. وهذا المزمور وكل ما يليه هي مزامير تسبيح. وهذا المزمور معنون باسم داود. ولكن يرى معظم الدارسين أن بقية المزامير (146-150) هي له أيضاً.
كانت المزامير السابقة (الخمسة السابقين) هي مزامير صلاة وصراخ إلى الله ليستجيب ويرفع الضيقة. وكان داود قد وعد أنه يسبح (9:144) وها هو يفعل. ونحن علينا أن نتعلم لغة التسبيح، فهذه هي اللغة التي سوف نستخدمها في الأبدية، فهل نذهب إلى هناك ونحن نجهل لغتهم السمائية.
الآيات (1-21): "تسبيحة لداود. أرفعك يا الهي الملك وأبارك اسمك إلى الدهر والأبد. في كل يوم أباركك واسبح اسمك إلى الدهر والأبد. عظيم هو الرب وحميد جدا وليس لعظمته استقصاء. دور إلى دور يسبح أعمالك وبجبروتك يخبرون. بجلال مجد حمدك وأمور عجائبك الهج. بقوة مخاوفك ينطقون وبعظمتك احدث. ذكر كثرة صلاحك يبدون وبعدلك يرنمون. الرب حنّان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة. الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله. يحمدك يا رب كل إعمالك ويباركك أتقياؤك. بمجد ملكك ينطقون وبجبروتك يتكلمون. ليعرفوا بني آدم قدرتك ومجد جلال ملكك. ملكك ملك كل الدهور وسلطانك في كل دور فدور. الرب عاضد كل الساقطين ومقوم كل المنحنين. أعين الكل إياك تترجى وأنت تعطيهم طعامهم في حينه. تفتح يدك فتشبع كل حيّ رضى. الرب بار في كل طرقه ورحيم في كل أعماله. الرب قريب لكل الذين يدعونه الذين يدعونه بالحق. يعمل رضى خائفيه ويسمع تضرعهم فيخلصهم. يحفظ الرب كل محبيه ويهلك جميع الأشرار. بتسبيح الرب ينطق فمي. وليبارك كل بشر اسمه القدوس إلى الدهر والأبد."
المرنم يرى أن عظمة الله طبيعية، وأعماله عجيبة، ومراحمه كثيرة، فهو ينبغي له التسبيح دائماً. فكل الطبيعة التي خلقها تنطق بمجده وتسبيحه فكم بالحرى الإنسان الذي يستطيع التعبير. وقوله نبارك الرب كل حين= أي إلى الأبد. في حزننا وفي أفراحنا فنحن نثق في أن كل ما تعلمه هو لخيرنا. دور إلى دور= من جيل إلى جيل. فعمله العجيب دائم عبر العصور. أعين الكل إياك تترجى= أنت مصدر كل خير. تفتح يدك فتشبع كل حي رضى= أي تعطيه طعاماً وتعطيه معه رضى وسرور فأنت تعطي بسخاء ولا تعير.
المزمور المئة والثامن والأربعون
المزامير (148، 149، 150) هي الهوس الرابع من التسبحة اليومية.
المرنم هنا يطلب من كل الخليقة ان تسبح الله. فبالأولى يسبحه الإنسان الذي له هبة النطق.
كيف تسبح الخليقة غير الناطقة إلهها؟ أي أنها في دقة خلقتها وروعة تكوينها وانتظامها تظهر روعة عمل الخالق. فتوالي ظهور الشمس والقمر والنجوم يظهر مقدرة الله الخالق في ضبط الكون. وهذا ما عناه بولس الرسول في (رو19:1-23). وكأن بولس يفسر المعنى في تسبيح الخليقة لله وأن هذا يعني انها تشهد له. وكن يجب على الإنسان أن يفهم أن وراء هذه الخليقة إلهاً جباراً قادراً قديراً استطاع خلقة وضبط كل الخليقة. فكان عليه أن يسبحه ويؤمن به.
الآيات (1،2): "هللويا. سبحوا الرب من السموات سبحوه في الأعالي. سبحوه يا جميع ملائكته سبحوه يا كل جنوده."
دعوة للملائكة وكل السماويين أن يسبحوا الله. وليس معنى هذا أنهم لا يفعلون ولكن المرنم يقصد أنت يا رب تستحق كل هذا الحب وهذا التسبيح منهم.
الآيات (3-6): "سبحيه يا أيتها الشمس والقمر سبحيه يا جميع كواكب النور. سبحيه يا سماء السموات ويا أيتها المياه التي فوق السموات. لتسبح اسم الرب لأنه أمر فخلقت. وثبتها إلى الدهر والأبد. وضع لها حدا فلن تتعداه."
المرنم يطلب أن يسبح الله خليقته السماوية الجامدة كالأفلاك والشمس.. وهذا يعني أنها في انتظامها وجمالها تشهد لله العظيم الذي خلقها ويضبطها في حدود.
الآيات (7-10): "سبحي الرب من الأرض يا أيتها التنانين وكل اللجج. النار والبرد الثلج والضباب الريح العاصفة الصانعة كلمته. الجبال وكل الآكام الشجر المثمر وكل الأرز. الوحوش وكل البهائم الدبابات والطيور ذوات الأجنحة."
المرنم يطلب للخليقة الحيوانية ان تسبحه، فهو يعتني بها ويعولها. ومجرد بقائها شاهد على قدرة الله في عنايته بكل جنس حيواني في السماء أو البحر أو على الأرض التنانين= الحيتان العظيمة والتماسيح. واللجج= المخلوقات البحرية التي تعيش في أعماق البحار.
الآيات (11-14): "ملوك الأرض وكل الشعوب الرؤساء وكل قضاة الأرض. الأحداث والعذارى أيضاً الشيوخ مع الفتيان. ليسبحوا اسم الرب لأنه قد تعالى اسمه وحده. مجده فوق الأرض والسموات. وينصب قرنا لشعبه فخرا لجميع أتقيائه لبني إسرائيل الشعب القريب إليه. هللويا."
هنا يطلب المرنم من الخليقة الناطقة أن تسبح الله، ملوك وعامة الشعب
المزمور المئة والتاسع والأربعون
المزمور السابق تسبيح للخالق وهنا نجد تسبيح لله كفادي. هومزمور تسبيح للنصرة التي أعطاها الله لشعبه على أعدائهم. ربما كتبه داود بعد انتصاره على بعض أعدائه. ولكنه كان ينظر بعين النبوة على انتصار المسيح على إبليس ونصرة الكنيسة على أعدائها.
الآيات (1-3): "هللويا. غنوا للرب ترنيمة جديدة تسبيحته في جماعة الأتقياء. ليفرح إسرائيل بخالقه. ليبتهج بنو صهيون بملكهم. ليسبحوا اسمه برقص. بدف وعود ليرنموا له."
غنوا للرب ترنيمة جديدة= هي جديدة لأن عمله الفدائي لخلاص الإنسان كان عملاً جديداً يستحق نوع جديد من التسبيح في جماعة الأتقياء= الذين بررهم المسيح بدمه. ليفرح إسرائيل بخالقه= فالمسيح أعطانا أن نكون خليقة جديدة (2كو17:5) ليبتهج بنو صهيون بملكهم= المسيح ملك علينا بصليبه ومحبته. لذلك لنسبحه برقص= ليس المقصود رقص الخلاعة الجسدية= بل بأن تكون أعضاء جسدنا آلات بر، تشهد له، وتخدمه وتتقدس له، أما في العهد القديم فكانوا يفهمون أن الرقص علامة جسدية للابتهاج لذلك رقص داود أمام تابوت العهد. والآن من يصلب الأهواء مع الشهوات يفرح جسده بالله.
الآيات (4-7): "لأن الرب راض عن شعبه. يجمل الودعاء بالخلاص. ليبتهج الأتقياء بمجد ليرنموا على مضاجعهم. تنويهات الله في أفواههم وسيف ذو حدين في يدهم. ليصنعوا نقمة في الأمم وتأديبات في الشعوب."
بعد خلاص المسيح أصبح الرب راضٍ عن شعبه. ومن يطيع وصاياه ويتشبهوا به ويصيرون ودعاء يجملهم بالخلاص. ويجعلهم يبتهجون بمجد. ليرنموا على مضاجعهم= لقد صارت حياتهم تسبيحة دائمة الليل والنهار. بل قد ولى ليل التكاسل والنوم والخطية. وهم يستمرون في تسبيحهم بعد أن يضطجعوا في قبورهم لأن أرواحهم أنطلقت للسماء مسبحة تنويهات الله في أفواههم= هي تسابيح النصر والتهليل على أعدائهم الذين حاربوهم ولكن الله أعطاهم سيف ذو حدين في يدهم به يغلبون (اف6) ليصنعوا نقمة= انتقموا من إبليس. فإبليس يغتاظ ويندحر حين يجد المؤمنين يختارون طريق الله ويتركوه في احتقار.
الآيات (8،9): "لأسر ملوكهم بقيود وشرفائهم بكبول من حديد. ليجروا بهم الحكم المكتوب. كرامة هذا لجميع أتقيائه. هللويا."
الملك المأسور هو الملك السابق، إبليس الذي قيده الله بسلسلة لمدة 1000سنة أي حتى مجيئه الثاني. (رؤ1:20-3). ولقد أعطى الله كنيسته سلطاناً أن تدوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو إبليس (لو19:10)= ليجروا بهم الحكم المكتوب. وكما داسوا إبليس داسوا أعماله ورفضوا شهواته، وهزموا أفكاره المهرطقة. وكانت تعاليم أثناسيوس كقيود من حديد على هرطقات آريوس.
المزمور المئة والخمسون
كل المزامير السابقة هي مزامير تسبيح لأجل خلاص صنعه الله، ومازال يصنعه لأجل أتقيائه مدة حياتهم على الأرض. أما هذا المزمور فهو مزمور ترتيل وتسبيح لنفس أحبت الله لأجل نفسه، لا لخلاص قدمه، ولا لبركة حصلت عليها، بل هي تسبح الله الذي اكتشفت محبته وروعته، والمرنم يطلب أن نسبح الله بكل آلة يمكن أن نصل إليها رمزاً لكل عضو في جسدنا، بل كل خلجة في مشاعرنا. وهكذا سيكون حالنا في السماء إذ نرى الله في مجده(1كو12:13 +2كو18:3). وحين نرى مجده وما أعده لنا لن نكف عن التسابيح. وأحلى الآلات التي يحبها الله هي حناجرنا، وهناك ما هو أحلى، حتى إن لم ننطق بحناجرنا فهو يشعر بخفقات قلوبنا وخلجات مشاعرنا التي تنطق بالتسبيح له في حب. وهذا المزمور تسبح به الكنيسة في التوزيع (التناول) لتسبح الله على نعمته العظيمة التي أعطانا بها حياة.
آية (1): "هللويا. سبحوا الله في قدسه. سبحوه في فلك قوته."
سبحوا الله في قدسه= وفي ترجمات كثيرة ومنها القبطية في جميع قديسيه. أي سبحوا الله الذي جعل هؤلاء القديسين لهم نفس صورته وانعكست عليهم أنوار بهائه هنا نرى أنفسنا ونحن نسبح، وقد وقفنا في صفوف الملائكة والقديسين أمام عرش الله أي قدسه، والكل يسبحه. لذلك نرتل هذا المزمور أثناء التوزيع. والمسيح وسطنا. سبحوه في فلك قوته= أو في جلد قوته= الجلد هو السماء وهناك نوعين من الجلد جلد السماء أي الطبقة التي تحمل السحاب. وجلد الكواكب والمقصود بها قبة السماء المرصعة بالنجوم. ونرى في كليهما قدرة الله على الخليقة. وجلد الكواكب يشير للكنيسة السماوية والنجوم يشيروا للقديسين فيها.
آية (2): "سبحوه على قواته سبحوه حسب كثرة عظمته."
سبحوه على قواته= ومقدرته في الخلق وضبط الكون. سبحوه حسب كثرة عظمته= عظمته التي ظهرت في الخلقة وفي تجديدها بالتجسد والفداء.
الآيات (3،4): "سبحوه بصوت الصور سبحوه برباب وعود. سبحوه بدف ورقص. سبحوه بأوتار ومزمار."
هي دعوة للتسبيح بكل الآلات المعروفة. والمطلوب أن نسبح الله بكل قوتنا وبأعضائنا التي نجعلها آلات بر. وبحناجرنا وقلوبنا. وكل من يكرز بكلام الرب فهو يسبح بصوت بوق. والقديسين سلموا أجسادهم وأرواحهم للروح القدس فعزف الروح عليهم أعذب ألحان القداسة. الصور= بوق من قرن الكبش أو الفضة (رمز لكلمة الله) سبحوه بدف ورقص= الدف هو (الرق). والرقص هو كنارة بحسب الترجمة السبعينية وترجمت في القبطية صفوف. وما أحلى أن تفهم صفوف المسبحين المنشدين لله.
الآيات (5،6): "سبحوه بصنوج التصويت سبحوه بصنوج الهتاف. كل نسمة فلتسبح الرب. هللويا"
سبحوه بصنوج التصويت= هي قطع مستديرة نحاسية توضع في الأصابع. صنوج الهتاف= هو الدف المستخدم في الكنيسة القبطية. (ويسمى ناقوس) كل نسمة فلتسبح الرب= هنا وصل المرنم إلى الذروة، فهو يريد من كل إنسان أن يسبح ويسبح بكل حواسه وبكل أعضائه ومن قلبه.
المزمور المئة والحادي والخمسون
يوجد في الترجمات السبعينية والقبطية والفاتيكانية.
الآيات(1-8): "1 أنا صغير كنت في إخوتي، وحدثاً في بيت أبي. راعياً غنم أبي. 2 يداي صنعتا الأرغن وأصابعي ألفت المزمار 3 من هو الذي يخبر سيدي هو الرب الذي يستجيب للذين يصرخون إليه 4 هو أرسل ملاكه وأخذني من غنم أبي ومسحني بدهن مسحته 5 أخوتي حسان وهم أكبر مني والرب لم يسر بهم 6 خرجت للقاء الفلسطيني فلعنني بأوثانه 7 ولكن أنا سللت سيفه الذي كان بيده وقطعت رأسه 8 ونزعت العار عن إسرائيل هللويا."
هذا المزمور كتبه داود عن نفسه. وبروح النبوة تنبأ عن المسيح الراعي الصالح. وكما احتقر يسي وأولاده الكبار داود لصغره، هكذا احتقر رؤساء اليهود وكهنتهم المسيح. فيسى لم يدع ابنه الصغير إلى وليمة صموئيل. والمسيح أخذ من وسط البشر= أخذني من غنم أبي ومسح يوم عماده. والأخوة الكبار يرمزون لليهود الذين لم يسر الرب بهم وقبل بدلاً منهم الأمم في شخص المسيح. وقصة انتصار داود على جليات هي رمز لانتصار المسيح على الشيطان لنزع عار البشر إذ كان قد استعبدهم. ولذلك تقرأ الكنيسة هذا المزمور ليلة أبو غلمسيس أي ليلة سبت النور بعد أن كان المسيح قد هزم إبليس بالصليب أي سيفه الذي كان قد أعده إبليس لضرب المسيح فضرب المسيح به إبليس.
آية (2): "يداي صنعتا الأرغن وأصابعي ألفت المزمار."
الأرغن= قطع بوص مفرغة صنعها داود وفرح لأنه وجد وصنع آلة يسبح بها الرب ولقد صنع المسيح بفدائه كنيسة مرنمة مسبحة.
آية (3): "من هو الذي يخبر سيدي هو الرب الذي يستجيب للذين يصرخون إليه."
تعنى الله يعرف ما في قلبي ويستجيب.
[1] هم 75 مزموراً بحسب طبعة بيروت.
[2] والكتاب المقدس فعل هذا فقارن (مز2 مع أع25:4)
[3] راجع (مت31:13،32).
[4] لكن في آية (11) نرى صورة القيامة.
[**] ولقد استجاب الله ليعقوب أيضاً يوم شدته.
[††] تمثيلية القيامة.
[‡‡] فنسقط في خطية + أو نصاب بتجربة ما أو ضيقة أو ألم.
[§§] المر والميعة يسيلان من بعض الأشجار.
[***] الوباء الخطر هو نوعاً من الموت المبيد.
[†††] فهو لا يخجل من الله. لا يفعل ذلك أمام الناس ليلفت نظرهم، بل ليعترف بفضل الله أمام الكل.
[‡‡‡] (يو5:15).
[§§§] لذلك نصلي هذا المزمور في صلوات الإكليل.
[****] بالنسبة للمسيح تشير الأعماق للجحيم الذي ذهب إليه ليخلص من فيه واستجاب الآب لصراخه.
[††††] بحفظه إياه= بحفظه نفسه.
[‡‡‡‡] عناء ووجع (سبعينية) فكلامه يسبب ألاماً لمن يقبلها وآلام لمن يقولها ويعلمها وللشرير.
[§§§§] هو نفس كلمات مزمور (53) والفرق أن اسم يهوه تكرر هنا 4 مرات وهناك مرة واحدة فقط.
[*****] لاحظ هنا أن داود يفتخر بالرب "من افتخر فليفتخر بالرب (1كو31:1). فالله هو الذي أعطاه هذه القوة، مثلاً أن يحني بيديه قوس من نحاس ويكون سريع الحركة كالأيل. وعلينا نحن أن نفتخر بالرب الذي أعطانا أي موهبة لا أن ندخل في كبرياء بسببها عالمين أن كل ما عندنا من مواهب هو وزنات سنحاسب عليها.
[†††††] (أش12:53).
[‡‡‡‡‡] (أف30:5) نحن عظم من عظامه. فالتلاميذ لأنهم من عظامه لم يدعهم يتشتتون.
[§§§§§] (يو34:4) .
[******] يملأون فمهم هواء ويفرغونه بقوة.
[††††††] فاللاهوت لا ينعس ولا ينام. وهو لا يرقد ولا يجلس ثم يقوم.
[‡‡‡‡‡‡] (يو25:15).
[§§§§§§] (يو17:2 + رو3:15).
[*******] (مت34:27).
[†††††††] (رو9:11،10).
[‡‡‡‡‡‡‡] (يو11:1).
[§§§§§§§] وتفهم أنها موجهة للآب، فالمسيح لمحبته للآب قبل كل هذه الآلام والاحتقار.
[********] واسمه سليمان معناه السلام.
[††††††††] (أر1:12-3) ، سفر أيوب.
[‡‡‡‡‡‡‡‡] قضبان أيضاً بمعنى أغصان.
[§§§§§§§§] هذا فضلاً عن أن الله خلق السموات وزينها بالكواكب فصارت كشقة (ستارة) جميلة.
[*********] إشارة للجحيم.
[†††††††††] فرشت في الهاوية= رقدت في الهاوية. فهي إشارة لنوم القبر الأبدي وكانوا يذهبون للهاوية.
[‡‡‡‡‡‡‡‡‡] طأطأ= Bow = أحنى ولاحظ الدقة في النبوة فالمسيح لم يترك السماء حين تجسد (يو13:3). بل أحنى السماء فصارت على الأرض.