ناحوم
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار جرجس باسبورتنج
اَلأَصْحَاحُ الأَوَّلُ (الله الغيور)
اَلأَصْحَاحُ الثَّانِي (سلام للمتكلين عليه)
اَلأَصْحَاحُ الثَّالِثُ (محاكمة نينوى)
مقدمة في
ناحوم:
كلمة "ناحوم" معناها "مُعزي". فمع أن كثير من الأنبياء عاشوا في فترة ظلمة روحية حالكة، لكن وسط الكشف عن هذا المرض "الخطية" وخطورته، كانوا يفتحون باب الرجاء بالتوبة، معلنين عن بركاتها: "عزوا، عزوا شعبي" (إش 40: 1). وقد جاء اسمه يتناسب مع رسالته، فالسفر يُقدم تعزية للشعب، مظهرًا أن الله سمح لمملكة إسرائيل بالسبي الآشوري لتأديبهم، وفي نفس الوقت سيهلك أعداءهم الذين أذلوهم وسخروا بهم وبإلههم.
v ناحوم، معزي العالم، انتهر مدينة الدماء (نا 3: 1)، وإذ طُرحت صرخ: "هوذا على الجبال قدما مبشِّرٍ" (نا 1: 15)[1].
القديس جيروم
ينسب ناحوم نفسه إلى قوش، ويظن البعض أنها قرية في الجليل، بينما يرى البعض أنها على شاطيء دجلة الشرقي، على بعد أميال قليلة من نينوى. هذا ما حمل البعض إلى الاعتقاد بأن ناحوم كان أحد المسبيين هناك، خاصة وأنه يعلم أحوال ما بين النهرين جيدًا.
إذ كانت مملكة إسرائيل قد سقطت تحت السبي الأشوري العنيف، ويترقب بعض الأنبياء سقوط مملكة يهوذا تحت السبي البابلي لتلحق بأختها إسرائيل هناك، سجل لنا ناحوم هذه النبوة. إنه يعلن عن خراب نينوى المدينة العظيمة بسبب استخدامها للعنف. وكان في هذا تعزية لإسرائيل المسبية (العشرة أسباط).
قيل أنه هرب إلى يهوذا أثناء الغزو الآشوري على إسرائيل؛ ربما أقام في أورشليم حيث شهد بعد 7 سنوات حصارها بواسطة سنحاريب ملك أشور، وقد هلك الآشوريون، فمات 185.000 نسمة (2 مل 18: 19، نا 1: 11) في ليلة واحدة؛ كتب السفر بعد ذلك بقليل.
غايته:
موضوعه هو إعلان مصير الارتداد عن الله. لهذا تحدث عن إمبراطورية نينوى العظيمة التي قامت على العنف وانتهت بالعنف بعد 85 عامًا من النبوة. كما تحدث عن دمار نوأمون (طيبة) في مصر المعتدة بالذراع البشرى (3: 8-10). فالخطية تقود حتمًا إلى الهلاك!
يبرز الصراع بين عمل الله الحيّ والمقاومين، بأسلوب شعري حيّ ورائع، كاشفًا عن قدرة الله وعدله، الذي يسيِّر التاريخ حسب إرادته المقدسة.
تاريخ كتابة السفر:
كتب نبوته قبل خراب نينوى عاصمة مملكة أشور، ربما في أيام الملك حزقيا وإشعياء النبي.
أقسامه:
1. الله الغيور [ص 1].
2.سلام للمتكلين عليه وهلاك للمقاومين [ص 2].
3. خراب نينوى [ص 3].
ديان غيور [ص 1]:
· جاء نسل أهل نينوى الذين اغتصبوا مراحم الله بالتوبة (يونان 3) قاسيًا، فكان ملوكهم يتسلون بجذع أنوف الأسرى، وسمل عيونهم، وبتر أيديهم وأرجلهم، وعرضهم هكذا أمام الشعب للسخرية بهم.
· الرب إله غيور، يُغير على اسمه وعلى شعبه. إن كانت نينوى صارت بحرًا ينتهرها الله فتجف [7]، فإنه يقاوم الظالمين ويسند الصالحين [7].
· يغضب على نينوى، إذ كانت قشًا بلا ثمرٍ، مستهترة في سكرها، ومتشامخة [10].
· يطمئن الله أولاده بالسلام [15].
سلام للمتكلين عليه وهلاك للمقاومين [ص 2]:
· الله في غيرته لا يطيق الشر، ويحفظ المتكلين عليه: "يرد عظمة يعقوب... لأن السالبين سلبوهم".
· يصور خراب نينوى تحت اسم رمزي "هُصّب" [7]. وفي وصفه للخراب يعلن عن عمل الخطية: فراغ بلا شبع، خلاء بل ملء، خراب روحي بلا بنيان، قلب ذائب بلا قوة، ارتخاء ركب بلا تحرك، ووجع في كل حقوٍ بلا إمكانيات للعمل، وأوجه محمرة خجلاً بسبب العار [10].
· إن ظن الإنسان في نفسه أنه أسد أو لبوة أو شبل، ففي سلوكه في الشر يفقد كل سلطان وإمكانية [11-13].
سرّ إدانتهم [ص 3] :
الله في أبوته يكشف عن سرّ إدانتهم، إذ يحاجج ويحاور. أما سرّ الإدانة فهو:
· القسوة مع الآخرين: "ويل لمدينة الدماء" [1].
· الكذب [1]: تحرم نفسها من الحق وتطلب الباطل.
· الزنا [4]: بالزنا تفقد النفس جمالها الروحي وقوتها فتهلك.
· لم تتعظ بالآخرين مثل نوأمون (طيبة) المنهارة.
فاعلية الشر:
· تجعل جيشها نساء مدللات وضعيفات [13].
· تدخل بهم في الطين [14]، فيحملون فكرًا أرضيًا.
· يصير رؤساؤهم جرادًا [17]، يسلبون الشعب.
· يتشتت الشعب، ويصيرون عبرة.
الله الغيور
يصَّور هذا السفر مدى الدمار الذي يحل بنينوى بسبب الفساد الذي حل بمملكة أشور ووحشية ملوكها، خاصة في تعاملهم مع الأسرى، فإن هذه النبوة موجهة للأمم كما لليهود. فمن جهة الأمم سبق الله فرحم نينوى حين تابت، لكن إصرارها على العودة إلى الشر يسقطها في الدمار الشامل. هذا الدرس موجه إلى الأممي كما إلى اليهودي، ليعلم الإنسان أن الله قدير في حبه ومراحمه ولكنه لا يهادن الخطية.
1. مقدمة [1].
2. قدير في مراحمه وفي غضبه على الخطية [2-8].
3. دمار مملكة أشور وجيشها [9-11].
4. تحرير أورشليم [12-14].
5. الخلاص العظيم [15].
1. مقدمة:
وَحْيٌ عَلَى نِينَوَى.
سِفْرُ رُؤْيَا نَاحُومَ الأَلْقُوشِيِّ. [1]
منذ حوالي قرن ونصف أرسل الله يونان النبي لينذر نينوى المدينة العظيمة بخرابها بسبب فسادها، وإذ قدم الملك مع الشعب توبة غفر لهم، وعفا عنهم. لكن سرعان ما رجعوا إلى خطاياهم، وصاروا إلى حالٍ أشر، حتى دعيت "مدينة الدماء" (نا 3: 1). وإذ أصروا على شرورهم بصورة بشعة لم يرسل لهم نبيًا، بل أرسل إليهم نبوة تعلن عن ما سيحل بالمدينة من دمارٍ. وكما جاء في سفر إرميا: "تارة أتكلم على أمةٍ وعلى مملكة بالبناء والغرس، فتفعل الشر في عيني، فلا تسمع لصوتي، فأندم عن الخير الذي قلت إني أحسن إليها به" (إر 18: 9-10).
وقد تحققت هذه النبوة على أيدي نبوخذنصر وأحشويرش Ahsuerus أو Xerxes.
v معنى كلمة "وحي" هو شيء من هذا النوع، وهو إذ يرغب في إعطاء الأنبياء بصيرة غالبًا ما يصدر نشوة بهجة، فيُسبب الله تحولاً مفاجئًا لأذهانهم، حتى أنهم وهم في هذه الحالة يتقبلون معرفة المستقبل بمخافة عميقة. إنه يدعوها "وحيًا"، وبعد ذلك نعمة الروح حيث يمسك ذهن النبي فجأة، محولاً إيَّاه برؤية إعلان لما يحدث بوضوحٍ. يقول نفس الشيء هنا أيضًا: "وحي على نينوى، سفر رؤيا ناحوم الألقوشي"، كأنه يقول: لقد أُمسك ذهن النبي فجأة بنعمة الروح وتحول للتأمل في تلك الأمور التي منها تعلم ما هو مصير نينوى، الأمر الذي قُدم لسامعيه كتعليمٍ بما قد أُظهر له[2].
ثيؤدور أسقف المصيصة
2. قدير في مراحمه وفي غضبه على الخطية:
اَلرَّبُّ إِلَهٌ غَيُورٌ وَمُنْتَقِمٌ.
الرَّبُّ مُنْتَقِمٌ وَذُو سَخَطٍ.
الرَّبُّ مُنْتَقِمٌ مِن مُبْغِضِيهِ وَحَافِظٌ غَضَبَهُ علَى أَعْدَائِهِ. [2]
جاءت النبوة قاسية وعنيفة، لكنها مملوءة بالحنو والعاطفة على النفوس التي تلتصق بالله. يبدأ بالحديث عن الرب أنه إله غيور. هذه الغيرة يتسم بها الزوج على زوجته، فلا يسمح لأحد أن يمسها أو يعتدي عليها، ويتسم بها الملك على الخاضعين في ولاء له، فيخطط ويعمل لحمايتهم. هكذا غيرة الله على الإنسان، إنما هي من قبيل حبه له. فهو لا يقبل أن ينافسه أحد أو شيء ما ليحتل قلب محبوبه الإنسان.
غيرته تقتضي أحيانًا أن يستخدم عصا التأديب على الإنسان، لأن الأخير يجرح علاقة الحب المتبادلة، بإعطائه القفا لله لا الوجه.
هذه الغيرة يسكبها في قلوب خدامه الأمناء، فيقولون مع الرسول بولس: "فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجلٍ واحدٍ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2).
التهب قلب فينحاس الكاهن بالغيرة على قدسية الشعب وخيمة الاجتماع حين زنى إسرائيل مع بنات موآب وعبدوا آلهتهن الوثنية، وقد تجاسر أحدهم وقدم لإخوته مديانية ودخل بها إلى خيمة الاجتماع. فإنه إذ طعنها الكاهن قال الرب: "قد ردَّ سخطي عن بني إسرائيل بكونه غار غيرتي في وسطهم حتى لا أفنٍ بني إسرائيل بغيرتي" (عد 25: 11).
يقول أيضًا إيليا النبي: "قد غرت غيرة للرب إله الجنود لأن بني إسرائيل قد تركوا عهدك، ونقضوا مذابحك، وقتلوا أنبياءك بالسيف" (1 مل 19: 10).
"الرب إله غيور ومنتقم" ]2[، فهو غيور على مؤمنيه السالكين في طريقه، المخلصين في حبهم له، والذين يتكلون عليه. إن أخطأوا يؤدبهم لغيرته وحبه الشديد لهم؛ وهو منتقم ليس من أجل ذاته وإنما لحماية أولاده، حاسبًا كل من يأخذ موقف العداوة منهم، إنما يأخذها ضده شخصيًا. لذلك يقول: "حافظ غضبه على أولاده".
سمح الله لمملكة أشور أن تسبي شعبه لأجل تأديبهم، لكن أشور ظنت أن أصنامها أعظم من الله، فصارت تسخر منه؛ كما تمادت في إذلال شعب الله.
v الله غيور، وهو لا يسخر باستهزاء بأحدٍ. إنه لا يسخر كمن يفتخر بصلاحه هو، بل هو طويل الأناة، لكنه يهدد[3].
العلامة ترتليان
v يا إخوتي، مخيف هو الوقوع في يدي الرب. ومخيف هو وجه الرب ضد فاعلي الشر (مز 34: 16)... مخيفة هي أُذن الرب، وهي تسمع لصوت هابيل يتكلم خلال دمه الصامت. مخيفتان هما قدماه اللتان تتخطَّان صنع الشر. مخيف أيضًا ملؤه للمسكونة، حيث يستحيل أن يهرب موضع ما من عمل الله (إر 23: 24)، حتى بالطيران إلى السماء، أو الدخول في الجحيم، أو الهروب إلى الشرق الأقصى، أو باختفائنا في الأعماق، في نهاية البحار (مز 139: 7-8). ناحوم القوشي أمامي مرتعب عندما أعلن عن ثقل نينوى، فإن الله غيور، والرب منتقم في سخطه على مقاوميه[4].
القديس غريغوريوس النزينزي
v لاحظوا يا أبنائي المحبوبين كيف أن الرب إلهنا رحوم وبار، كم هو رءوف ولطيف مع الناس، لكنه بتأكيدٍ عظيمٍ "لا يبرِّئ المخطئ" (راجع نا 1: 2). مع أنه يرحب بعودة الخاطئ ويهبه الحياة، ولا يترك مجالاً لأي شكْ هكذا كمن يدين بقسوة ويرفض الآثمة تمامًا، ويرفض أن يقدم لهم نصائح ليردهم إلى التوبة. وإنما على العكس، يقول الله بإشعياء إلى الأساقفة: "عزُّوا، عزُّوا شعبي، أيها الكهنة، تكلموا بحنوٍ مع أورشليم" (راجع إش 40: 1). لذلك يليق بكم عند سماعكم كلماته هذه أن تشجعوا الذين أذنبوا، وتقودوهم إلى التوبة، وتقدموا لهم الرجاء. وليس باطلاً تحسبون أنكم ستشاركونهم معاصيهم على حساب حبكم لهم. اقبلوا التائبين ببهجة، وافرحوا بهم، واحكموا على الخطاة بالرحمة وأحشاء الحنو. فإن كان شخص ما سائرًا على شاطئ النهر، وصار متعثِّرًا، وأنتم دفعتموه وألقيتموه في النهر، عوض أن تقدموا له يد المساعدة، تكونوا قد ارتكبتم جريمة قتل أخيكم[5].
قوانين الرسل
الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ،
وَلَكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ.
الرَّبُّ فِي الزَّوْبَعَةِ، وَفِي الْعَاصِفِ طَرِيقُهُ،
وَالسَّحَابُ غُبَارُ رِجْلَيْهِ. [3]
الله بطيء الغضب، ينتظر توبة الإنسان ورجوعه إليه، فكان يليق بأشور أن يدرك أن ما ناله من نصرة على شعب الله هو لتأديب الشعب، فيتعظ ويترك أصنامه ويؤمن بالله، خاصة وأن لهم خبرة سابقة في أيام يونان النبي. لكن عوض الإيمان بالله استخدم أشور كل وسيلة للاستخفاف بالله والتجديف عليه، وإذلال شعبه بطريقة وحشية. وكما يقول الرسول بولس: "أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته، غير عالمٍ أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب، واستعلان دينونة الله العادلة" (رو 2: 4-5).
طول أناة الله على الأشرار ليس عن عجز في القدرة، إذ "عظيم القدرة"، يتمهل منتظرًا توبتهم، وإلا لا يبرئهم قط.
"الرب رحيم ورؤوف، طويل الروح وكثير الرحمة؛ لا يحاكم إلى الأبد، ولا يحقد إلى الدهر" (مز 103: 6-7).
لقد أظهر الرب لموسى أنه رحوم عن قوةٍ وحبٍ، إذ نزل الرب في السحاب، واجتاز قدامه، ونادى الرب: "الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب، وكثير الإحسان والوفاء؛ حافظ الإحسان إلى ألوف..." (خر 34: 5-7). فخرَّ موسى إلى الأرض وسجد.
الله طويل الأناة، لكنه لا يبرئ البتة، أي لا يترك الشر حتى النهاية. فالذين يصرون على شرهم ولا يتوبون لا يبرئهم قط.
كما لا يستطيع الإنسان أن يقاوم الزوابع والعواصف ويمنع السحاب، هكذا لا يقدر أن يقف أمام غضب الله في تشامخٍ وكبرياءٍ، إنما بالتوبة والتواضع يتمتع بالمراحم الإلهية.
v "الرب رحيم ورءوف، طويل الروح، وكثير الرحمة" (مز 103: 8). لماذا هو طويل الأناة هكذا؟ لماذا كثير الرحمة؟ الناس يخطئون ويعيشون، الخطايا مستمرة والحياة مستمرة. الناس يجدفون كل يوم، وهو يشرق شمسه على الصالحين والأشرار (مت 5: 45). على كل الأحوال، إنه يدعو إلى الإصلاح، يدعو إلى التوبة، يدعو بمباركته للخليقة؛ يدعو بأن يعطي زمنًا للحياة (فرصًا للتوبة)، يدعو خلال القارئ (للكلمة في الكنيسة)، وخلال الكارز، ويدعو خلال الفكر الداخلي بعصا الإصلاح، ويدعو بمراحم التعزيات. إنه طويل الأناة ورحوم. ولكن لتحذر لئلا بإساءة استخدام عظم مراحم الله تخزن لنفسك غضبًا في يوم الغضب، كقول الرسول (رو 2: 7)[6].
القديس أغسطينوس
v مرة أخرى: "أنا أُقيم عهدي معكِ، فتعلمين أني أنا الرب؛ لكي تتذكري فتخزي، ولا تفتحي فاكِ بعد بسبب خِزيك، حين أغفر لك كل ما فعلتِ يقول الرب الله" (حز 16: 62-63). هكذا يشير بوضوح بهذه الكلمات الإلهيَّة إلى ما قيل في موضع آخر بالعبارة: "وإن كان يطهرك لا يجعلك بارًا". فإنه حتى الأبرار إذ يرجعون عن حالهم السابق بعد ارتكابهم خطيَّة، لا يتجاسرون ليفتحوا أفواههم، بل يقولون مع الرسول: "لست مستحقًا أن أُدعى رسولاً، لأني اضطهدت كنيسة الله" (1 كو 15: 9)[7].
القدِّيس جيروم
v "الرب طويل الأناة، وعظيم القدرة، وبالتأكيد لا يبرئ البتَّة" (مي 1: 3). إنه لا يوقع العقوبة (التأديب) للحال فجأة، وإنما بعد طول أناة عظيمة. أنتم يا أهل نينوي شهود لذلك، فإنكم إذ مارستم التوبة وجدتم الخلاص، بعد ارتكابكم شرورًا كثيرة ولمدة طويلة لم تنالوا عقوبة عنها. ولكن إذ يمارس الشعب الشرور مدة طويلة، فإنه يوقع العقوبة على غير التائبين. (معنى "لا يبرئ البتَّة" أنه لا يعفي من العقوبة من يستحق ذلك من الخطاة)[8].
ثيؤدورت أسقف قورش
"السحاب غبار رجليه". هنا استعارة عن سرعة المركبات والخيول الفائقة، إذ تسبب سحابة من التراب، حتى يصعب رؤيتها. هكذا فإن الرب كمن يأتي من السماء في مركبته السريعة كالبرق، فيحيط به السحاب كما يحيط التراب بالمركبات والخيول.
يَنْتَهِرُ الْبَحْرَ فَيُنَشِّفُهُ،
وَيُجَفِّفُ جَمِيعَ الأَنْهَارِ.
يَذْبُلُ بَاشَانُ وَالْكَرْمَلُ،
وَزَهْرُ لُبْنَانَ يَذْبُلُ. [4]
خلق الله كل شيء بكلمةٍ، وبكلمة منه ينتهر البحر فينشفه، ويجفف جميع الأنهار التي تصب المياه في البحار. في القديم شق البحر الأحمر ليعبر شعبه كما على اليابسة، وأوجد لهم طريقًا ليعبروا الأردن.
البحار والأنهار بكل قدراتها تجف بكلمة منه، والإنسان بضعفه الشديد يأخذ موقف العصيان والتمرد على خالقه الطويل الأناة عليه والمحب له!
إن كان الإنسان يظن في نفسه شيئًا فليتطلع إلى باشان والكرمل ولبنان، المناطق المتسمة بالخضرة والزهور الجميلة، فإنها تذبل أمام حر الصيف أو صقيع الشتاء، فمن هو الإنسان ليقف أمام خالق الزمن ومدبر الكون كله؟
كانت باشان مشهورة بمراعيها الخضراء (يوئيل 1: 10)، والكرمل بحقول الحنطة والكروم، ولبنان بغاباتها (إش 33: 9).
يرى العلامة ترتليان هنا نبوَّة عن السيِّد المسيح الذي انتهر الرياح فهدأت وسكنت الأمواج: [هنا نبوَّة عن المسيح السائر على المياه، وقد سبقت مجيئه. لقد تحقَّقت كلمات المزمور بعبور المسيح البحيرة، إذ يقول المرتل: "الرب على المياه الكثيرة" (مز 29: 3). عندما بدَّد أمواجها تحققت كلمات حبقوق القائل: "يحصي المياه عند سيره" (حب 3: 10 LXX)، وعندما انتهر البحر فهدأ تحققت كلمات ناحوم أيضًا: "ينتهر البحر فينشفه" (نا 1: 4)، مشيرًا إلى الرياح الذي هيَّجت البحر[9]].
اَلْجِبَالُ تَرْجُفُ مِنْهُ،
وَالتِّلاَلُ تَذُوبُ،
وَالأَرْضُ تُرْفَعُ مِنْ وَجْهِهِ،
وَالْعَالَمُ وَكُلُّ السَّاكِنِينَ فِيهِ. [5]
مَنْ يَقِفُ أَمَامَ سَخَطِهِ؟
وَمَنْ يَقُومُ فِي حُمُوِّ غَضَبِهِ؟
غَيْظُهُ يَنْسَكِبُ كَالنَّارِ،
وَالصُّخُورُ تَنْهَدِمُ مِنْهُ. [6]
يشَّبه الغضب الإلهي بنيران البراكين والزلازل التي تهدم الصخور وتذوب التلال وتدمر مدنًا بأكملها، وليس من إمكانية للوقوف أمام هذه الظواهر الطبيعية. فإن كانت الصخور التي تبدو راسخة، ليس من يقدر أن يحركها تنهار أمام نيران البراكين المتفجرة، فكيف يقف الإنسان أمام نيران الغضب الإلهي؟
"لذلك هكذا قال السيد الرب: "ها غضبي وغيظي ينسكبان على هذا الموضع على الناس والبهائم وعلى شجر الحقل وعلى ثمر الأرض، فيتقدان ولا ينطفئان" (إر 7: 20).
صَالِحٌ هُوَ الرَّبُّ.
حِصْنٌ فِي يَوْمِ الضَّيقِ.
وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ. [7]
لئلا يظن أحد، حتى الآشوريين، أن الله جَّبار منتقم، يبرز النبي صلاح الله وحنوه على المتكلمين عليه.
حين يغضب الإنسان يفقد سلامه وحبه وحنوه، أما الله ففي غضبه على الشر مملوء حنوًا. يقول حبقوق النبي في صلاته: "في الغضب أذكر الرحمة" (حب 3: 2). في غضبه على الشر يترقب أن يرحم الخاطيء إن كشف عن شوقه الحقيقي للتوبة بينما يرتعب الأشرار من اللقاء مع الله، يترنم المتكلون عليه قائلين: "صالح هو الرب، حصن في يوم الضيق، وهو يعرف المتوكلين عليه" ]7[. يرى الأبرار في قدرة الله أنه نار آكلة تحفظهم، قادر أن يخلصهم، يحوط حولهم فيحفظهم من كل سهمٍ ناريٍ موجه ضدهم. يقول القديس بطرس: "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الآثمة إلى يوم الدين معاقبين" (2 بط 2: 9).
v "أشكروا الرب فإنه صالح" (مز 106: 1). يا أيها الذين تخطئون خطايا خطيرة وتيأسون من الخلاص، وتظنون أنه بسبب فداحة خطاياكم لا تقدرون أن تنالوا صفحًا، أنصحكم – بالحري ينصحكم النبي- أن تشكروا الرب، فإنه صالح. عظيمة هي خطاياكم، ولكن عظيم هو الرب الذين يتحنن عليكم. اعترفوا بخطاياكم للرب، اندموا ولا تيأسوا من خلاصكم، فإن الرب رءوف. لا تتكلوا على قوتكم بل اتكلوا على رحمة الرب1.
القديس جيروم
v "لأن الرب صالح"، صالح ليس بذات الطريقة التي بها الأشياء التي خلقها صالحة. فإن الله خلق كل الأشياء حسنة جدًا (تك 1: 31)، ليس فقط حسنة، وإنما أيضًا حسنة جدًا... إن كان قد خلق كل هذه الأشياء صالحة، فأي نوع (من الصلاح) ذاك الذي خلقها؟... إلى أي مدى يمكننا الحديث عن صلاحه؟ من يقدر أن يدرك ما في قلبه، ويفهم كيف أن الرب صالح؟ لنرجع إلى نفوسنا، فإننا لسنا أهلاً أن نتأمل فيه بذاته. وبالرجاء أنه يمكننا أن نتأمله عندما تتنقى قلوبنا بالإيمان عندئذ نفرح بالحق. الآن إذ لا يمكننا رؤيته فلنتطلع إلى أعماله حتى لا نحيا بدون التسبيح له. لهذا أقول: أشكروا الرب فإنه صالح، غنوا لاسمه، فإنه حلو... أي شيء أحلى من طعام الملائكة؟ كيف لا يكون الله حلوًا حيث أكل الإنسان طعام الملائكة؟ فإن البشر يحيون بطعام غير مختلفٍ. هذا حق، إنه الحكمة، إنه صلاح الله، لكنكم لا تقدرون أن تتمتعوا به بنفس الطريقة مثل الملائكة2.
القديس أغسطينوس
وَلكِنْ بِطُوفَانٍ عَابِرٍ يَصْنَعُ هَلاَكاً تَامّاً لِمَوْضِعِهَا،
وَأَعْدَاؤُهُ يَتْبَعُهُمْ ظَلاَمٌ. [8]
يرى البعض في هذه العبارة نبوة عما سيحل بنينوى من جيش مادي وبابل، حيث يقتحم الجيش المدينة، وكأنه طوفان قد حلّ بها، ليس من يقدر أن يقف أمامه. ويرى آخرون أنها نبوة عن تصرف هذا الجيش حين أسر نينوى بعمل فيضان في النهر الذي حطم السور البالغ 20 فرلنغًا Furlongs (مقياس للطول يساوي 220 ياردة أو ثمن ميل).
3. دمار مملكة أشور وجيشها:
مَاذَا تَفْتَكِرُونَ عَلَى الرَّبِّ؟
هُوَ صَانِعٌ هَلاَكاً تَامّاً.
لاَ يَقُومُ الضِّيقُ مَرَّتَيْنِ. [9]
لعله يُشير هنا إلى ما فعله سنحاريب ونائبه ربشاقي الذين عيَّرا رب الجنود، وتحدثا عنه علانية كإله عاجز عن حماية شعبه، وأنه لا يقدر أن ينقذهم من يد ملك أشور.
يسخر النبي بمملكة أشور التي تظن أنها ملكة عظيمة قادرة على مقاومة الله العظيم في قدرته، فيسأل: ماذا تتخلين ضد الرب؟ فإن مقاومتك ليست ضد بشرٍ مائتين، بل ضد الرب القدير.
"لا يقوم الضيق مرتين"، فإذ حاول سنحاريب ملك أشور فتح أورشليم تحطم جيشه، وقتله ابناه عند عودته إلى بلده، فلا مجال له أن يعيد الكره، ويحاول فتح أورشليم مرة أخرى. يرى البعض أن المعنى هنا أنه إذ يتدمر جيش أشور مرة ليس من مجال لتدميره مرة أخرى، لأنه لا يعود يقوم ليحارب من جديد!
v الأب لا يعلِّم ابنه ما لم يحبه. والسيد لا يُصلح من شأن تلميذه ما لم يرَ فيه علامات الوعد. عندما يأتي الطبيب ولا يهتم بالمريض، هذه علامة أنه في يأسٍ منه. يليق بك أن تجيب هكذا: إذ قبل لعازر في حياته شرورًا، فإنني أتقبَّل بسرورٍ العذابات لكي أتمتع بالمجد المقبل ليّ. لأن الضيق لا يقوم مرتين (نا 1: 9)[10].
القديس جيروم
v الأسقف أو الكاهن أو الشماس الذي يسقط في زنا أو القسم كذبًا أو السرقة أن يُقطع من درجته الكهنوتية ولا يوقف، لأن الكتاب يقولك "لا تنتقم مرتين لذات الجريمة بحزن"ٍ (راجع نا 1:9 LXX)[11].
القوانين الكنسية
v هنا أظن أن السلطات القديمة اتبعت القانون القديم: "لا تنتقم لنفس الشيء مرتين" (نا 1: 9 LXX). ولهذا السبب أيضًا العلمانيون (الشعب) عندما يُستبعدون من موضع المؤمنين يُردون من وقتٍ إلى آخر إلى الرتبة التي سقطوا منها. أما الشماس فيسقط تحت عقوبة نهائية بالقطع من رتبته، فلا ترد إليه رتبة الشموسية، بل تبقى كعقوبة دائمة[12].
v الكهنة الذين يرتكبون خطية للموت، يجردون من رتبتهم، لكنهم لا يُستبعدون من شركة العلمانيين (الشعب)، إذ لا تُعاقب مرتين على نفس الخطأ (نا 1: 9 LXX)[13].
القديس باسيليوس الكبير
فَإِنَّهُمْ وَهُمْ مُشْتَبِكُونَ مِثْلَ الشَّوْكِ،
وَسَكْرَانُونَ كَمِنْ خَمْرِهِمْ يُؤْكَلُونَ،
كَالْقَشِّ الْيَابِسِ بِالْكَمَالِ. [10]
يُحسب سنحاريب الملك ورجاله وهم يعيرون رب القوات أشبه بشوكٍ جافٍ يقف أمام نار ملتهبة، أو كسكرى لا يدرون بما ينطقون. إنهم كالقش الكامل اليبوسة، تلتهمه النار بسرعة فائقة.
واضح أن هؤلاء القتلى من الجنود (185 ألفًا) كانوا يشاركون قائدهم روحه الشرير، وسخريته بالرب الإله، لذلك ضربهم ملاك الرب. هذا يظهر من قول النبي: "مشتبكين مثل الشوك، وسكرانون". فكان كل منهم يشدد أيدي الآخرين في الشر، ويثيرهم على التجديف على الله، فصاروا أشبه بكتلة من الأشواك لا يُمكن فصلها عن بعض، فيقوم المزارع بحرقها معًا بالنار. وكانوا أشبه بجماعة من السكرى، كل منهم يحث البقية على السكر والسخرية.
يرمز الشوك للأشرار، فإنهم كالشوك الذي يبدو مؤذيًا، لكنه يابس سرعان ما تشتعل فيه النار، فيصير رمادًا لا حول له. "ولكن بني بليعال جميعهم كشوكٍ مطروحٍ، لأنهم لا يؤخذون بيدٍ، والرجل الذي يمسهم يتسلح بحديدٍ وعصا رمحٍ، فيحترقون بالنار في مكانهم" (2 صم 23: 6-7).
يترنح السكارى ويتظاهرون بالشجاعة، ويفتخرون بأنفسهم كعظماء وأغنياء وأقوياء، وإن كان يمكن لإنسان أن يدفعهم للسقوط بطرف إصبعه.
يذكر ديؤدورس سيكولوس Diodorus Siculus أنه إذ دخل العدو نينوى قام ساردانابالوس Sardanapalus بحرق قصره المشهور، بهذا تحققت نبوة ناحوم أنهم كالشوك يحترقون.
مِنْكِ خَرَجَ الْمُفْتَكِرُ عَلَى الرَّبِّ شَرًّا،
الْمُشِيرُ بِالْهَلاَكِ. [11]
يوجه الحديث إلى نينوى التي خرج منها سنحاريب ينطق على الرب بالشر، فيدمر نفسه كما يدمر المدينة التي خرج منها.
يدعو ربشاقي بالمشير الجاهل الذي أشار على رجال الحرب الجالسين على السور ألا يتكلوا على الرب، فإنه عاجز عن إنقاذهم من يد سنحاريب ملك أشور (إش 36). إنه مشير بالهلاك، لأنه تعييره لرب الجنود أدى إلى قتل مئة وخمسة وثمانين ألفًا من جيشه في ليلة واحدة بواسطة ملاك الرب (إش 37: 36). كما قُتل سنحاريب نفسه بواسطة ابنيه أدرملك وشرآصر (إش 37: 38).
4. تحرير أورشليم:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ:
إِنْ كَانُوا سَالِمِينَ وَكَثِيرِينَ،
هَكَذَا فَهَكَذَا يُجَزُّونَ فَيَعْبُرُ.
أَذْلَلْتُكِ.
لاَ أُذِلُّكِ ثَانِيَةً. [12]
كانت مملكة أشور أشبه بموسى قام بجز الممالك كما يُجز الشعر من الرأس، لذلك جاءت العقوبة أنها تُجز هي. جاء في إشعياء: "في ذلك اليوم يحلق السيد بموسى مستأجرة في عبر النهر بملك أشور الرأس وشعر الرجلين، وتنزع اللحية أيضًا" (إش 7: 20).
إذ سبق هذا الجيش فهزم مدنًا كثيرة كانت تعتمد على آلهتها الوثنية، وقفوا أمام أورشليم كمن في آمان وسلام يعتزون بكثرتهم وقوتهم، فإذا بهم "يُجزون" كالعشب، ويعبر بهم الملاك المهلك ويذلهم مرة واحدة، ولا يقومون من هذا الهلاك ليسقطوا مرة أخرى في هلاك جديد!
بقوله: "أذللتك، لا أذلك ثانية" يكشف الرب غايته من التأديب، وهو توبة الخاطي في تواضع وتذلل، لكي ما يرفعه الرب ويقيمه ممجدًا. لهذا قيل عن الرب: "لأن السيد لا يرفض إلى الأبد، فإنه ولو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه، لأنه لا يذل من قلبه، ولا يُحزن بني الإنسان" (مرا 3: 31-33).
بقوله: "أذللتك، لا أذلك ثانية" يؤكد الله لحزقيا الملك أنه قد سمح له ولشعبه بهذا الحصار لكي يتعرف الشعب على خطئه ويقدم توبة صادقة بروح التواضع. وأن الضربة التي ستصيب جيش أشور الذي يحاصر أورشليم ستكون قاضية فلا يعود سنحاريب بعد يحاصرها.
وَالآنَ أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْكِ،
وَأَقْطَعُ رُبُطَكِ. [13]
يؤكد الرب لحزقيا الملك ورجاله أن الله يكسر نير سنحاريب وجيشه ويقطع ربطه، حيث كان جيش الأشوريين يقتحم الكثير من مدن وقرى يهوذا، يعبث بها في حرية، وأورشليم عاجزة عن الدفاع عن هذه المواضع، إذ كانت أشبه بمدينة مربوطة ومقيدة. ستتمتع بالحرية، فلا يقوم جيش أشور بهجوم آخر حيث تخور قوته بقتل 185 ألفًا بواسطة ملاك الرب، ويصير الجيش كأنه قد انقرض، لا قوة له.
النير الذي وضعه أشور هو الجزية التي فرضها سنحاريب على حزقيا (2 مل 18: 14).
وَلكِنْ قَدْ أَوْصَى عَنْكَ الرَّبُّ:
لاَ يُزْرَعُ مِنِ اسْمِكَ فِي مَا بَعْدُ.
إِنِّي أَقْطَعُ مِنْ بَيْتِ إِلَهِكَ التَّمَاثِيلَ الْمَنْحُوتَةَ وَالْمَسْبُوكَةَ.
أَجْعَلُهُ قَبْرَكَ، لأَنَّكَ صِرْتَ حَقِيرًا. [14]
لقد صدر الأمر بإبادة اسمه، فلا يتحدث عنه أحد بعد كغالبٍ ومنتصرٍ، وتتبدد سمعته مع الريح كغبار يعبر ولا يعود. بقوله "إني أقطع من بيت إلهك التماثيل المنحوتة والمسبوكة"، ربما يُشير إلى قتل سنحاريب الملك بواسطة ابنيه في بيت نسروخ إلهه (إش 37: 38؛ 2 مل 16: 37). أظهرت هذه الجريمة البشعة عجز نسروخ عن حماية من يعبده، وتطلع الشعب إلى هذا الهيكل وقد تدنس بالجريمة، فقطعوا منه التماثيل، وامتنعوا عن العبادة فيه. ولعله يُشير هنا إلى انهيار مملكة أشور، حيث قام العدو بتخريب نينوى، وتحطيم تماثيل آلهتهم التي كانوا يظنون أنها سرّ نصرتهم.
"أجعله قبرك، لأنك صرت حقيرًا"، تحول بيت نسروخ إلهه إلى مقبرة له، حيث رقد مُحتقرًا من ابنيه اللذين قتلاه غدرًا، فحُرم حتى من المحبة البنوية. ولعله يقصد هنا مدينة نينوى التي صارت مقبرة لأشور حيث تم دمارها بطريقة مشينة.
إذ يدخل إلهنا في قلوبنا، نشتهي ألا يُزرع اسمنا بعد إذ نحمل اسمه، فنترنم قائلين: "مع المسيح صلبت فأحيا، لا أنا، بل يحيا المسيح فيَّ" (غل 2: 20). يحطم فينا الأنا ego ويقيم ملكوته الإلهي فينا. تُدفن الأنانية كما في قبر، فينزع عنا حقارتنا ليهبنا شركة أمجاده، فيتغنى السمائيون: "مجد ابنة الملك من الداخل" (مز 45: 13)، بل ويناجينا السماوي نفسه: "كلكِ جميلة يا حبيبتي، ليس فيكِ عيبة" (نش 4: 7). "من هي المشرقة مثل الصباح، جميلة كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبة كجيشٍ بألوية؟" (نش 6: 10).
5. الخلاص العظيم:
هُوَذَا عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَا مُبَشِّرٍ مُنَادٍ بِالسَّلاَمِ:
عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ.
أَوْفِي نُذُورَكِ،
فَإِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَعْبُرُ فِيكِ أَيْضاً الْمُهْلِكُ.
قَدِ انْقَرَضَ كُلُّهُ. [15]
إذ يبشر أورشليم بحل ربطها، وكسر نير جيش أشور، وهلاك ملكها سنحاريب وقطع تماثيل آلهتها، يتنبأ ناحوم عن ما هو أعظم وهو الخلاص الذي يقدمه المسيا للعالم كله. فيرى في السيد المسيح القادم كما على الجبال لينادي بالسلام الداخلي الحقيقي الأبدي، حيث يصالح البشرية مع الآب، ويحول حياتنا إلى أعياد لا تنقطع، ويحطم عدو الخير ويقطعه، فلا يكون له سلطان على أولاد الله، بل ينقرض هو وجنوده وحيله وأعماله وأفكاره "قد انقرض كله".
ما هذه الجبال التي تسير عليها قدما المنادي بالسلام، إلا النبوات التي هيأت البشرية لقبول المخلص؟
v بالتأكيد جلب أخبارًا مفرحة لصهيون، وقدم سلامًا لأورشليم. إنه يصعد على جبلٍ، وهناك يقضي ليلة في صلاة (لو 6: 12). لهذا، فلترجعوا إلى الأنبياء، وتتعلموا منهم دوره الكامل. يقول إشعياء: "على جبلٍ عالٍ اِصعدي يا مبشِّرة أورشليم" (إش 40: 9). "فبُهتوا من تعليمه، لأن كلامه كان بسلطان" (لو 4: 32)... "أنا حاضر، عندما تكون الساعة، على الجبال، أجلب البشارة بالسلام، وأبشِّر بالخير" (راجع إش 42: 7). وكما يقول أحد الاثنى عشر (من الأنبياء الصغار) ناحوم: "هوذا على الجبال قدما مبشرٍ منادٍ بالسلام مسرعتان" (راجع نا 1: 15)[14].
العلامة ترتليان
v ليت ذاك الذي يتذكر الإنجيل يذكر كيف صعد (السيد) من الجحيم، ونفخ الروح القدس في وجه يهوذا – أي التلاميذ اليهود - إذ ينتمون إلى العهد الجديد، الذين صارت أيام أعيادهم متجددة روحيًا لا يمكن أن تصير قديمة. علاوة على هذا قد رأينا أن بقية النبوَّة (نا 1: 14) قد تحقَّقت حيث دمَّر الإنجيل "التماثيل المنحوتة والمسبوكة"، أي أصنام الآلهة الباطلة وسُلمت الآن النسيان في القبر[15].
القدِّيس أغسطينوس
v بحديثه عن الأقدام يعني مجيء الرسل الذين طافوا العالم يكرزون بمجيء ملكوت الله. فإن ظهورهم أنار البشرية بإظهار الطريق للسلام مع الله، هذا الذي جاء يوحنا ليعد له (مر 1: 3، إش 40: 3). هذا هو السلام الذي يسرع إليه الذين يؤمنون بالمسيح[16].
الأب أمبروسياستر
v ليس كلامي فقط هو الذي يوضح هذه الأمور، بل قد سبق النبي فأنبأ بذلك صارخًا: "هوذا على الجبال قدما مبشر منادِ بالسلام" (نا 1: 15). وما هي رسالته التي بشر بها إلا التي أخذ يعلنها لهم، قائلاً: "عيدي يا يهوذا أعيادك، أوفي للرب نذورك. فإنهم لا يعودوا إلى ما هو قديم. قد انتهى؛ لقد انقرض كله. لقد ارتفع ذاك الذي نفخ على الوجه وخلصك من الغم" (نا 1: 15؛ 1: 2 LXX). والآن: من هو هذا الذي ارتفع؟... إن أردتم معرفة الحقيقة والتخلص من ادعاءات اليهود، تطلعوا إلى مخلصنا الذي ارتفع ونفخ في وجه تلاميذه قائلاً: "اقبلوا الروح القدس" (يو 20: 22). فبمجرد أن كمل هذا (الصلب) انتهت الأمور العتيقة، فانشق حجاب الهيكل (مت 27: 51)، وتحطم المذبح (اليهودي)، ومع أن المدينة لم تكن بعد قد خربت، إلا أن رجسة الخراب (مت 24: 15) كانت تستعد للجلوس في وسط الهيكل، فتتلقى أورشليم وكل تلك الفرائض العتيقة نهايتها[17].
v لقد اقترب منا يوم العيد مرة أخرى، الذي أن صمتنا فيه نجعله غير مقدس، إنما يلزم أن يكون مكرسًا للصلاة أكثر من كل الأيام، وفيه نحفظ الوصايا. لأنه وإن كنا في ضيق من أولئك الذين يحزنوننا، وبسببهم سوف لا نخبركم عن هذا الموسم (إذ لا يكون بين شعبه)، لكن شكرًا لله الذي يعزي الحزانى، حتى لا ننهزم بشرور أولئك الذين يتهموننا فنصمت، ففي طاعتنا لصوت الحق نصرخ معكم عاليًا في يوم العيد، لأن إله الكل قال بأن يتكلما (موسى وهارون) مع الشعب لحفظ الفصح، ويعلن الروح في المزامير قائلاً: "انفخوا في رأس الشهر بالبوق عيد الهلال كيوم عيدنا". ويصرخ النبي قائلاً: "عيدي يا يهوذا أعيادك" (نا 1: 15).
وأنا لا أرسل إليكم الكلمة كأنكم جاهلون، بل أعلنها للذين يعرفونها، حتى يدركوا بأنه وإن كان بعض البعض يفرقنا، لكن الله يجمعنا، فإننا نعيد بنفس العيد، ونتعبد لنفس الإله على الدوام.
ونحن لسنا نعيد كمتفرجين، عالمين أن الرسول يوبخ أمثال أولئك قائلاً: "أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتًا وسنين" (غل 4: 10)، بل بالحري نكرم هذا اليوم العظيم من أجل العيد، حتى نرضي الله – نحن جميعًا الذين نخدم الله في كل مكان - وذلك بصلواتنا الجماعية. وقد أعلن بولس الطوباوي عن قرب سرور كهذا، وهو في هذا لم يعلن عن أيامٍ بل عن الرب الذي من أجله نحفظ العيد، إذ يقول "المسيح قد ذبح لأجلنا" (1 كو 5: 7)، فإذ نتأمل أبدية الكلمة نقترب منه لخدمته[18].
v أحبائي الأعزاء لقد جاء بنا الله مرة أخرى إلى فصل الفصح، وخلال محبته المترفقة جمعنا معًا للتعييد. لأن الله الذي أخرج إسرائيل من مصر لا يزال حتى الآن يدعونا الآن للفصح، قائلاً على لسان موسى: "احفظ شهر الثمار الجديدة، واعمل فصحًا للرب إلهك" (تث 16: 10)، ويقول على لسان النبي: "عيدي يا يهوذا أعيادك أوفي نذورك" (نا 1: 15).
فإن كان الله نفسه يحب العيد ويدعونا إليه، فليس من الصواب يا إخوتي أن نؤجله أو نمارسه بتراخٍ، إنما يلزمنا أن نأتي إليه بغيرةٍ وسرورٍ، حتى إذ نبدأ هنا بالفرح تشتاق نفوسنا إلى العيد السماوي.
إن عيدنا هنا بنشاط، فإننا بلا شك نتقبل الفرح الكامل الذي في السماء، وكما يقول الرب: "شهوة اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم. لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يكمل في ملكوت الله" (لو 22: 15-16).
فنحن نأكل منه الآن أن كان يفهمنا سبب العيد وبمعرفتنا للمخلص، نسلك حسب نعمته كقول بولس: "إذًا لنعيد ليس بخميرة عتيقة، ولا بخميرة الشر والخبث، بل بفطير الإخلاص والحق" (1 كو 5: 7). لأنه في هذه الأيام مات الرب، كي لا نعود نشتاق إلى أعمال الموت! لقد بذل حياته، حتى نحفظ حياتنا من شباك الشيطان![19]
القديس أثناسيوس الرسولي
v [خاص بالرهبان] يجدر بنا مراعاة الأيام المذكورة بطريقة كهذه حتى يمكن أن تكون الراحة مفيدة وغير مضرة للجسد والنفس. لأن فرحة أي عيد لا تُضعف أشواك الجسد، ولا يمكن لعدونا المتوحش (الشيطان) أن يهدأ بسبب أيام الراحة هذه. فلكي ما نحفظ تقاليد موسم العيد، ولكي لا نخضع لقانون الصوم... يكفي لنا في هذا الوقت أن نتناول الطعام الساعة السادسة (12 ظهرًا) بدلاً من الساعة التاسعة، من غير أن نغيّر من كمية الطعام ونوعه حتى لا نفقد نقاوة الجسد وصلاح النفس اللذين نلناهما أثناء الصوم الكبير...
يجب أن نحترس بيقظة إلى المنتهى لئلا تخور نفوسنا بسبب الغوايات فنفقد نقاوة طهارتنا التي نلناها وذلك بالراحة والإهمال في وقت عيد الفصح بعد جهاد مستمر طوال الصوم الكبير. لهذا يلزمنا ألا نضيف شيئًا إلى نوع الطعام أو كميته، بل حتى في اسمي الأعياد يجب أن نمتنع عن هذه الأطعمة حتى لا يثير فينا فرحنا بالعيد صراعًا مميتًا للغاية بسبب الشهوات الجسدانية، وهكذا نتحول إلى الحزن. فنعود نبكي نقاوة قلبنا المفقودة بحزن الندم اللانهائي.
في نفس الوقت يجدر بنا أن نسعى لئلا نُوبخ بهذا التحذير "عَيِّدي يا يهوذا أعيادكِ أوفي نذوركِ" (نا 1: 15). لأنه إن كانت أيام العيد لا تتعارض مع استمرار زهدنا، فإننا نتمتع بأعياد روحية دائمة[20].
الأب ثيوناس
قدير أنت في حبك!
غيور أنت على القداسة!
v أنت إله قدوس غيور، لا تداهن الخطية!
لا تريد أن تعرفها، ولا أن تعرفك!
تسكب قداستك على المؤمنين بك،
وتهب برَّك للراغبين في الشركة معك!
v أحببتنا لتقدسنا، فنكون أيقونة لك!
في غباوة أحببنا الخطية، وحسبناها حياة وبهجة!
في طول أناتك تحثنا على العودة إليك.
فإن أصررنا على الشر، كيف نقف أمامك؟
v لا يستطيع إنسان أن يواجه العواصف،
ولا أن يسيطر على السحاب!
ولا تقدر الصخور أن تقف أمام نيران البراكين،
فكيف في جسارة نقف أمام نار غيرتك!
أنت نار آكلة، تحرق الشر، وتنير البّر!
v صالح أنت يا رب،
حتى في غضبك تؤدب لتخلص.
تحرق الشر، لتنزع عنا التراب، وتقيم منا سماءً جديدة.
ظن سنحاريب ملك أشور أنه قادر بجيشه أن يعيرك!
وقف الشوك اليابس أمام النار!
سكر جيشه وترنح، وظن أنه قدير!
لكنك كسرت نيره، وأنقذت مدينتك!
نزعت عن نينوى سلطانها فانهارت!
دخلها العدو وهدمها، وقطع تماثيل آلهتها.
كل يد تمتد إلى شعبك تُقطع!
كل نفسٍ تقاوم ملكوتك، إن لم تتب، تهلك!
أنقذت شعبك من سنحاريب،
وفي بيت إلهه نسروخ قتله ابناه.
خلاصك عجيب وقدير!
v خلاصك يمتد ليشمل العالم كله!
هوذا أنت قادم على جبال النبوات،
نزلت إلينا تبشرنا بالمصالحة مع السماء،
حولت عالمنا إلى سماء،
وأيامنا إلى أعياد لا تنقطع!
نزلت بإبليس تحت أقدامنا.
لقد انقرض كل سلطان له!
إنه ساقط مثل البرق من سماء قلوبنا،
ليس له موضع بعد في داخلنا!
ليس من يملك على قلوبنا سواك!
سلام للمتكلين عليه،
وهلاك للمقاومين له!
في الأصحاح الأول أبرز الله أنه غيور في محبته ورحمته نحو المتكلين عليه، مهما اشتدت بهم الضيقات. وأنه قدير في غضبه حين يصر الأشرار على ممارسة شرورهم ضد شعبه، حاسبًا كل مقاومة ضد أحد مؤمنيه هي مقاومة ضده شخصيًا. فيحرم الإنسان نفسه من الله مصدر حياته وفرحه وسعادته ومجده، فيدمر نفسه بنفسه، إذ يسقط تحت الغضب.
لقد ظنت مملكة أشور بعاصمتها العظيمة نينوى أنها قد انتصرت على الله، ولم تدرك أن نصرتها هي بسماح منه لتأديب شعبه إلى حين. سقطت نينوى في الظلم والوحشية مع التجديف على الله بكل وسيلةٍ، فحكمت بالدمار التام على نفسها.
الآن يبرز هذا الأصحاح عمل الله من أجل المتكلين عليه بعد تأديبهم، وما سيحل بالمقاومين له بعد إعطائهم فرصًا للتوبة عن بشاعة شرورهم.
1. المجد للمؤمنين الموَّدَبين [1-4].
2. عار للمعتدين المقاومين [5-10].
3. الله يقاوم المتوحشين [11-13].
1. المجد للمؤمنين الموَّدَبين:
قَدِ ارْتَفَعَتِ الْمِقْمَعَةُ عَلَى وَجْهِكِ.
احْرُسِ الْحِصْنَ.
رَاقِبِ الطَّرِيقَ.
شَدِّدِ الْحَقَوَيْنِ.
مَكِّنِ الْقُوَّةَ جِدّاً. [1]
استخدم الله أشور عصا تأديب لشعبه، لكن أشور تشامخ على الله وقام بتعييره، واستخدم كل وسيلة لممارسة الوحشية ضد شعب الله الذي تحت التأديب. الآن يبعث الله بابل كمطرقة كل الأرض (إر 50: 23)، تبدأ بطرقاتها على نينوى العظيمة علانية وبجرأة.
إنه يدعو بابل: "قد ارتفعت المقمعة على وجهك"] 1 [، ويترجمها البعض: "هذا الذي يسحق قد ارتفع على وجهك". بابل هي الفأس التي يستخدمها الله ليسحق أشور. "لي فأس وأدوات حرب، فأسحق بكِ الأمم، وأهلك بكِ الممالك، وأكسر بكِ الفرس وراكبه، واسحق بكِ المركبة وراكبها، واسحق بكِ الرجل والمرأة، واسحق بكِ الشيخ والفتى، واسحق بكِ الغلام والعذراء، واسحق بكِ الراعي وقطيعه، واسحق بكِ الفلاح وفدانه، واسحق بكِ الولاة والحطام" (إر 51: 20-23).
هكذا سمح الله لجيش مادي وبابل أن يدمر نينوى.
من الظاهر هي حرب بين دول وشعوب، لكن في الواقع هي سماح من الله لمساندة المتكلين عليه الذين تحت التأديب، ومعاقبة نينوى المتعجرفة، لذلك أعلن لأشور مقدمًا أن نينوى ستتحطم علانية. وأن كل مسعى للدفاع عنها سيكون بلا جدوى. لتبذل أشور كل جهودها للحفاظ على نينوى، لكن الأمر قد صدر من السماء بدمارها. لهذا يقول: "أحرس الحصن، راقب الطريق، شدد الحقوين، مكّن القوة جدًا"، فإن هذا كله لن ينفع شيئًا. لتضع قوات لحفظ حصونها، وتقيم مراقبين في الأبراج لمتابعة هجوم العدو، ولتشجع جنودها ولتضاعف إمكانياتها العسكرية، لكن لتعلم: "الفرس مُعد ليوم الحرب، أما النصرة فمن الرب" (أم 21: 30). فعبثًا تحاول أن تتمتع بالنصرة وهي تقاوم الرب نفسه.
فَإِنَّ الرَّبَّ يَرُدُّ عَظَمَةَ يَعْقُوبَ كَعَظَمَةِ إِسْرَائِيلَ،
لأَنَّ السَّالِبِينَ قَدْ سَلَبُوهُمْ،
وَأَتْلَفُوا قُضْبَانَ كُرُومِهِمْ. [2]
يعلن النبي سبب الحرب المدمرة لنينوى، ألا وهو أن أشور سلب يعقوب حيث أساء التعامل مع الأسرى من إسرائيل وقام بهجمات همجية على يهوذا، ووقف يُعيَّر رب الجنود أنه عاجز عن أن يخلصهم من يد سنحاريب ملك أشور. فكما سلبوا يُسلبون، وكما عيَّروا رب الجنود يحل بهم العار، ويرد الرب لشعبه كرامته بعد تأديبيه.
جاء في الترجمة السبعينية: "قام واحد ينفخ في وجهك، مخلصًا إيَّاك من التجربة" (نا 2: 2 LXX). يرى ثيؤدورت أسقف قورش أنه يقدم نوعًا من النفخة لخلاص الإنسان. فقد سبق فنفخ في آدم نسمة حياة (تك 2: 7)؛ وإذ فقد عمل هذه النفخة الإلهية، جاء السيِّد المسيح يجدد صورة الإنسان ويعيدها في الرسل القدِّيسين كما في بقية المؤمنين جميعًا خلال الرسل، فقد نفخ في وجه تلاميذه، قائلاً: "اقبلوا الروح القدس" (يو 20: 12). لقد حطم الله الأشوريين بنفخة فمه، ليخلص شعبه؛ كرمز لعمل السيِّد المسيح الذي يحطم إبليس الطاغية بنفخة روحه القدُّوس الذي وهبه لكنيسته[21].
تُرْسُ أَبْطَالِهِ مُحَمَّرٌ.
رِجَالُ الْجَيْشِ قِرْمِزِيُّونَ.
الْمَرْكَبَاتُ بِنَارِ الْفُولاَذِ فِي يَوْمِ إِعْدَادِهِ.
وَالسَّرْوُ يَهْتَزُّ. [3]
هنا يصف قادة جيش مادي – بابل الذين يهاجمون نينوى.
"ترس أبطاله محمر": كان القدامى يفضلون اللون الأحمر للترس، فمن جانب كمن يعلنون الراية الحمراء ليرعبوا العدو، مثلهم مثل مصارعي الثيران الذين يظنون أنهم يثيرون الثيران بالرايات الحمراء. ومن جانب آخر إذا جُرح أحد وانتثر دمه على ترسه لا يدرك العدو ذلك، فيتشجع للقتال. ويرى البعض أن ترس الآشوريين كانت من النحاس كما يظهر من الأثريات الخاصة بهم، فاللون الأحمر لترس جيش مادي وبابل كان نتيجة انعكاس أشعة الشمس عليها.
"رجال الجيش قرمزيون"، حيث كانت ثيابهم قرمزية. يقول زينوفون Xenophon أن بني مادي كانوا مغرمين باللون الأحمر. بكونها قرمزية غالية الثمن، يظهر مدى غنى الجيش وقدراته.
"المركبات بنار الفولاذ في يوم إعداده": تصوير لشدة الهجوم، حيث تسير مركبات العدو بطريقة جنونية، فتتطاير الشرارة كنارٍ تصدر من احتكاك عجلات المركبات بالحجارة، فتكون العجلات أشبه بمشاعلٍ تنطلق منها إشعاعات النار.
ولعله أيضًا يقصد أن مركبات العدو تحمل مشاعل نارية حتى تمارس المعركة ليلاً ونهارًا، فالحرب لا تتوقف حتى يتم دمار نينوى تمامًا. لقد حمل جنود جدعون مصابيح في جرار (قض 7: 16) لإرشادهم ولبث روح الرعب على أعدائهم.
هذا ما سمح به الله في الوقت المعين، أو في يوم إعداده لكي تنال نينوى ثمرة أعمالها.
"والسرو يهتز": جيش العدو يكون كالسرو المتشامخ، يهتز على الدوام ليرعب أشور. ولعله يود أن يعبِّر عن مدى حمو الجيش حيث تهتز أشجار السرو مع الأرض تحت أقدام الجنود بسبب كثرتهم وتحركهم الدائم بقوة.
تَهِيجُ الْمَرْكَبَاتُ فِي الأَزِقَّةِ.
تَتَرَاكَضُ فِي السَّاحَاتِ.
مَنْظَرُهَا كَمَصَابِيحَ.
تَجْرِي كَالْبُرُوقِ. [4]
يظهر إمكانية المركبات العسكرية سريعة الحركة والجديدة، فهي لامعة تظهر كمشاعل نارية ومصابيح متقدة وسط الأشجار المحيطة بالطرق، وذلك لانعكاس الشمس عليها. إنها تتحرك بقوة كالبرق كما في حالة هياجٍ.
يَذْكُرُ عُظَمَاءَهُ.
يَتَعَثَّرُونَ فِي مَشْيِهِمْ.
يُسْرِعُونَ إِلَى سُورِهَا،
وَقَدْ أُقِيمَتِ الْمِتْرَسَةُ. [5]
يرى البعض أن الحديث هنا عن ملك أشور الذي يحصي قادة جيشه وأبطاله، ويأتي بالباسلين منهم ليقودوا الموقف في الدفاع عن نينوى، لكنهم يتعثرون في مشيهم، وتخيب كل جهودهم. ويرى آخرون أن الحديث هنا عن نبوخذنصر الذي يذََّكر قادة جيشه الأبطال ألا يتراجعوا مهما تكن حصون نينوى. فإذ يسرعون نحو سورها يتعثرون لكنهم لا ييأسون، بل يحفروا الخنادق لتحميهم من سهام المُحاصرين داخل نينوى. ويتممون الحصار بأقصى سرعة.
2. عار للمعتدين المقاومين:
أَبْوَابُ الأَنْهَارِ انْفَتَحَتْ،
وَالْقَصْرُ قَدْ ذَابَ. [6]
كانت أبواب نينوى مفتوحة على نهر دجلة، الذي بنيت عليه المدينة. كان السور من جهة نهر دجلة على الجانب الغربي من نينوى يبلغ طوله 4530 ياردة. وفي الجنوب والشمال والشرق توجد خنادق مائية ضخمة يمكن بسهولة أن تمتلئ ماءً من خسرو Khosru، ملأ أهل نينوى كل الخنادق والمجاري بالمياه لتحوط المدينة من كل جانب، فلا يقدر العدو على العبور إليهم بمركباتهم وخيلهم. يقول ذيؤدورس أنه في السنة الثالثة من الحصار، إذ حدث فيضان شديد انهار 20 فيرلنج (4400 ياردة) من أسوار نينوى، فقام الملك بحرق نفسه وقصره وسراريه وثروته ودخل العدو خلال السور المنهدم. بهذا تحققت نبوة ميخا النبي: "أبواب الأنهار انفتحت، والقصر قد ذاب" ]6[، فقد ذاب قلب الملك ومن معه في القصر من الخوف، ولجأوا إلى الانتحار حرقًا.
جاء في الترجمة السبعينية: "الجبال سقطت" (نا 2: 6 LXX). ويرى القدِّيس أمبروسيوس أن الجبال تُشير إلى الأمور العظيمة التي بها ينتفخ الإنسان ويتكبر على الله. فمن له إيمان كحبَّة خرْدل يقول للجبل أن ينطرح في البحر فينطرح (مت 17: 20)[22].
وَهُصَّبُ قَدِ انْكَشَفَتْ.
أُطْلِعَتْ.
وَجَوَارِيهَا تَئِنُّ كَصَوْتِ الْحَمَامِ ضَارِبَاتٍ عَلَى صُدُورِهِنَّ. [7]
هُصب اسم ملكة نينوى التي هربت من الحريق، إذ ذُكر عن الملك وحده أنه احترق بالنار. أُحضرت الملكة أمام العدو فاقتادها مسببة في خزيٍ وعارٍ، فصار جواريها ينتحبون حالها. يرى البعض أن "هُصب" ترمز لمدينة نينوى ذاتها.
ليس أمام الجواري سوى النحيب المستمر كهدير الحمام الذي لا ينقطع، والضرب على صدورهن علامة الحزن الشديد والعجز عن التصرف.
وَنِينَوَى كَبِرْكَةِ مَاءٍ مُنْذُ كَانَتْ،
وَلَكِنَّهُمُ الآنَ هَارِبُونَ.
قِفُوا، قِفُوا!
وَلاَ مُلْتَفِتٌ. [8]
كانت نينوى مزدحمة جدًا بالسكان كبركة مملوءة ماء (إش 8: 7؛ إر 51: 13؛ رؤ 17: 15)، لكن الكل عاجزون عن التصرف، بل هم هاربون يحاول بعض القادة أن يبعثوا فيهم روح الشجاعة، فيصرخون، قائلين: "قفوا، قفوا"، لكن ليس من يلتفت، إذ فقدوا كل رجاءٍ في الخلاص، فصاروا يهربون في كل اتجاه بلا ضابط.
اِنْهَبُوا فِضَّةً.
انْهَبُوا ذَهَبًا،
فَلاَ نِهَايَةَ لِلتُّحَفِ لِلْكَثْرَةِ مِنْ كُلِّ مَتَاعٍ شَيْءٍ. [9]
إذ جمعت نينوى ثروتها من ذهب وفضة ونفائس ثمينة من الجزية السنوية ومن الغنائم وتجارتها الضخمة (نا 3: 16؛ حز 27: 23-24).
لقد حرق الملك قصره بكل ما فيه من كنوز، إلا أن العدو استولى على ذهب وفضة وكنوز المدينة وعظمائها.
فَرَاغٌ وَخَلاَءٌ وَخَرَابٌ وَقَلْبٌ ذَائِبٌ
وَارْتِخَاءُ رُكَبٍ وَوَجَعٌ فِي كُلِّ حَقْوٍ.
وَأَوْجُهُ جَمِيعِهِمْ تَجْمَعُ حُمْرَةً. [10]
تصوير مرّ عن ما تصل إليه نينوى من خرابٍ ورعبٍ. فالمدينة الغنية صارت في فراغ، بل وخلاء وخراب. والتي سيطرت على كثير من الأمم صار قلبها خائرًا ورُكبها مرتخية، لا تستطيع الوقوف أو الهروب. وتحمر وجوه جنودها وشعبها، كأنها قد التهبت بنار المرارة والحزن. يترجمها البعض "وأوجه جميعهم شاحبة".
أَيْنَ مَأْوَى الأُسُودِ وَمَرْعَى أَشْبَالِ الأُسُودِ؟
حَيْثُ يَمْشِي الأَسَدُ وَاللَّبْوَةُ وَشِبْلُ الأَسَدِ،
وَلَيْسَ مَنْ يُخَوِّفُ. [11]
كثيرًا ما تزينت الآثار الآشورية بصور الأسود بأشكال مختلفة منها الأسد المجنح وله رأس إنسان.
كانت نينوى كعاصمة أكبر دولة في ذلك الحين تُحسب مأوى الأسود ومرعى الأشبال، يسير الملك والملكة فيها كأسدٍ ولبوةٍ في غابةٍ. الآن تقف الأمم المحيطة تتساءل: أين نينوى العظيمة بجبروتها؟ أين أسودها جبابرة الحرب وعظماؤها؟ لقد كانت كجب أسود مملوء بالغنائم القادمة من كل الأمم الخاضعة لها! فقد استبد أشور ونهب لحساب عاصمته. الآن تفقد العاصمة كل شيءٍ فيُقال عنها: "احتاجت الأشبال وجاعت، وأما طالبوا الرب فلا يعوزهم شيء من الخير" (مز 34: 10).
3. الله يقاوم المتوحشين:
الأَسَدُ الْمُفْتَرِسُ لِحَاجةِ جِرَائِهِ،
وَالْخَانِقُ لأَجْلِ لَبْواتِهِ حَتَّى مَلأَ مَغَارَاتِهِ فَرَائِسَ،
وَمَآوِيَهُ مُفْتَرَسَاتٍ. [12]
هَا أَنَا عَلَيْكِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ.
فَأُحْرِقُ مَرْكَبَاتِكِ دُخَانًا،
وَأَشْبَالُكِ يَأْكُلُهَا السَّيْفُ،
وَأَقْطَعُ مِنَ الأَرْضِ فَرَائِسَكِ،
وَلاَ يُسْمَعُ أَيْضاً صَوْتُ رُسُلُكِ. [13]
إن كانت مملكة أشور تعتز بقواتها وجيشها الذي لم يكن يعرف الهزيمة، فإن الذي يقوم عليها هو "رب الجنود السمائيين" أو "رب القوات". فهو الذي ينصف المظلومين، ويدافع عن المذلين، ويهب نصرة للحق.
هوذا مركبات أشور لا تحتمل نيران الغضب الإلهي، فهي تحترق من مجرد الدخان قبل أن تبلغ إليها النيران. ولا يعود لهذه المملكة قائمة، إذ يموت أشبالها بالسيف، فلا رجاء لقيام ملوك (أسود)، ولا تعود تقتني غنائم، وليس من رُسل تبعث بهم لتهدد الأمم المحيطة بها ما فعلته أشور بالأمم، يُفعل بها، عملها يرتد على رأسها (عو 15).
من وحي ناحوم 2
من يرد لي كرامتي غيرك؟
v سلبني العدو مجدي الداخلي!
عوض السماء ملك العدو على أعماقي.
سلبني حياتي ومجدي،
ونهب كل مواهبي وطاقاتي لحسابه.
هذا هو أشور الخطير الذي أذل نفسي.
v هوذا يدك تتحرك لترد عظمة يعقوب!
أرى يديك مبسوطتين على الصليب،
تنتظران كل العالم لتحضنه بالحب،
وتحرره من إبليس وكل جنوده!
v هوذا أنت تقود المعركة بنفسك يا إلهي!
أي عدو يقدر أن يقف أمامك؟
مركباتك قديرة وفعّالة، تسير كالبرق.
تحتل قلبي لتهبه نصرة فائقة.
تطرد العدو منه، وتسلبه كل ما اغتصبه.
يخرج محطمًا، لا حول له ولا قوة!
v ظن في نفسه أسدًا، يفترس وليس من رادع!
جاعت أشباله واحتاجت.
تحطمت قواته وسقط كالبرق من سماء قلوبنا.
لك المجد يا واهب المجد للمتكلين عليك.
محاكمة نينوى
في الأصحاح الثاني يعلن الله عن نفسه أنه المدافع عن المظلومين والمنكسرين، والمقاوم للمتكبرين الظالمين. وإذ كان يبدو هذا الأمر مستحيلاً في نظر الكثيرين. فقد ظنوا في نينوى الملكة المتربعة على العرش، ليس من قوة تقدر أن تقف أمامها، ولا من جيشٍ يتجاسر ويقتحم حصونها، جاء هذا الأصحاح يؤكد أنها ليست فوق القانون الإلهي.
1. نينوى، مدينة الدماء [1-3].
2. الزانية الساحرة الجمال [4-7].
3. تصير مثلاً كغيرها [8-11].
4. دمار تام [12-19].
1. نينوى، مدينة الدماء:
وَيْلٌ لِمَدِينَةِ الدِّمَاءِ.
كُلُّهَا مَلآنَةٌ كَذِباً وَخَطْفاً.
لاَ يَزُولُ الاِفْتِرَاسُ. [1]
1. تبدأ محاكمة نينوى بأول اتهام ضدها، وهو أنها "مدينة الدماء". لقد سفكت دماء الكثير من الأبرياء، ولذّ لها أن تعذب الأسرى، وتبتر أعضاءهم بطريقة وحشية.
v "أبغضت كل فاعلي الإثم" (مز 5: 5)، سواء كانوا عبيدًا أو أحرارًا أو إمبراطورًا، أيا كان فاعل الإثم. فالله يحسب الأشخاص أصدقاء له، لا على أساس الكرامات، وإنما على أساس الفضيلة كما ترون1.
القديس يوحنا الذهبي الفم
يعلق القديس أغسطينوس على قول المرتل: "وأنت يا الله تحدرهم إلى جب الهلاك: رجل الدماء والغش..." (مز 55: 23)، مطالبًا إيانا أن نحذر من قتلة النفوس أكثر من سافكي دماء الأجسام. ]الذين يفصلون أنفسهم من الوحدة، يقتلون النفوس بتضليلهم روحيًا وليس جسديًا يسفكون الدم[23]].
وفي تعليقه على قول المرتل: "وأهرقوا دمًا ذكيًا، دم بنيهم وبناتهم الذين ذبحوهم لأصنام كنعان، وتدنست الأرض بالدماء" (مز 106: 38)، يرى القديس أغسطينوس أنه ربما لا يقصد المرتل هنا تقديم ذبائح بشرية. حقًا لقد وُجدت هذه العادة لدى كثير من الأمم، خاصة في عبادة البعل حيث تقدم العائلة أحيانًا أطفالها ذبائح بشرية لإرضاء الآلهة. ولكن ما يقصده المرتل هنا هو اشتراك الإسرائيليين في العبادة الوثنية ورجاساتها، فأورثوا أولادهم هذه الجريمة، فنشأوا يمارسونها، وبهذا قتل الآباء نفوس أبنائهم وبناتهم، وحرموهم من الحياة المقدسة والشركة مع الله. هذا القتل أبشع من قتل الجسد، لأن فيه حرمان من الحياة الأبدية.
2. الاتهام الثاني: استخدامها للكذب والخداع، فكانت تبرر هجماتها المستمرة أنها تحفظ العدالة وتحميها، فتلبس ثوبًا مخادعًا تستر به نياتها الشريرة. خلال الكذب والخداع ينسحب القلب إلى شرور كثيرة، إذ لا يصارح نفسه ليعيش طاهرًا ونقيًا محبًا لله والناس، بل يخفي شروره وفساده بكلمات مخادعة.
v "تهلك المتكلمين بالكذب" (مز 5: 6)... الله يمقت الشر، يكرهه تمامًا ويرذله. الآن يدعو المرتل الذين يعيشون في الشر متكلمين بالكذب (بالباطل). هؤلاء الذين لهم أهداف باطلة، يدمنون الملذات، شرهون وجشعون. ها أنتم ترون أنه يحسب هؤلاء جميعًا في طبقة الكاذبين.
إنه يشمئز من رجل الدماء والغش (مز 5: 6). يشير هنا إلى القاتل، المخطط للشر الغاش، الذي ينطق بشيءٍ على شفتيه ويحمل في قلبه شيئًا آخر. ذاك الذي هو ذئب في ثوب حمل، هذا لا يوجد من هو أشر منه. بمعنى آخر بينما يُمكن مواجهة العدو الظاهر، فإن من يخفي شره بينما يمارسه عمليًا ليس من السهل اكتشافه، فيرتكب جرائم كثيرة، لهذا يحذرنا المسيح من مجيء هؤلاء: "يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة"[24] (مت 7: 15).
القديس يوحنا الذهبي الفم
3. الاتهام الثالث هو الخطف والافتراس، إذ لم يكفوا عن سرقة ما للغير، وفي غير شبع يسعون لسلب من يفترسون. يقول المرتل سليمان: "من الظلم والخطف يفدي أنفسهم، ويكرم دمهم في عينيه" (مز 72: 14).
v لننح مع ناحوم، ولنقل معه: "ويل للذي يبني بيته بالظلم" (راجع إر 22: 13، نا 3: 1). بالحري لنحزن عليهم كما فعل المسيح في أيامه عندما قال: "ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد نلتم جزاءكم وعزاءكم" (راجع لو 6: 24). أطلب: "ليتنا لا نكف عن الحزن بهذه الطريقة، وإن كان الأمر غير لائق، فلننتحب على فتور إخوتنا. ليتنا لا نبكي بصوتٍ عالٍ على من قد مات فعلاً، بل ننتحب على اللص، والجشع، والبخيل، والطمَّاع[25].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
صَوْتُ السَّوطِ،
وَصَوْتُ رَعْشَةِ الْبَكَرِ،
وَخَيْلٌ تَخُبُّ،
وَمَرْكَبَاتٌ تَقْفِزُ [2]
ينقلنا النبي إلى وسط المعركة لنسمع صوت الأسواط التي يحث بها قادة المركبات الحربية الخيول لتسرع، وأصوات بكرات المركبات الفائقة السرعة، ووثبات الخيل، وقفزات المركبات.
وَفُرْسَانٌ تَنْهَضُ،
وَلَهِيبُ السَّيْفِ،
وَبَرِيقُ الرُّمْحِ،
وَكَثْرَةُ جَرْحَى
وَوَفْرَةُ قَتْلَى،
وَلاَ نِهَايَةَ لِلْجُثَثِ.
يَعْثُرُونَ بِجُثَثِهِمْ. [3]
يكمل تصويره للمعركة، فالفرسان ينهضون للقتال لكي يثبوا بخيولهم لقتل الأعداء، والسيوف اللامعة تبرق كاللهيب، والرماح المصوبة نحو أهل نينوى تتألق. كثيرون جرحى، أما القتلى فبلا عدد، ليس من يجمع الجثث، ولا من يبالي، بل يتعثر المحاربون فيها من كثرتها ومن فيض الدماء النازف منها.
2. الزانية الساحرةِ الجمال:
مِنْ أَجْلِ زِنَى الزَّانِيَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمَالِ،
صَاحِبَةِ السِّحْر،
الْبَائِعَةِ أُمَماً بِزِنَاهَا،
وَقَبَائِلَ بِسِحْرِهَا. [4]
إنها لم تعتبر مما حدث لجيشها من قتل ملاك الرب 185 ألفًا في ليلة واحدة، لذلك يحدث هذا في نينوى يوم خرابها التام.
4. الاتهام الرابع هو الزنا. قبلاً صور نينوى بالأسد الذي يتمزق وأشباله تجوع وتتفرق، هنا يصورها بزانية داعرة تحث الأمم على العبادة الوثنية ورجاساتها. إنها تعتز بجمالها وقدرتها على الإغراء. أهلكت الأمم بزناها.
v التعنيف هو تأديب توبيخي، وقد استخدم المعلم الإلهي ذلك في إرميا، قائلاً: "جبهة امرأة زانية كانت لكِ، أبيتِ أن تخجلي أمام الكل، ولم تدعيني إلى بيتكِ، أنا هو أبوكِ، وسيد بتوليتك" (راجع إر 3: 3-4). "من أجل زنى الزانية العاهرة في تجرع الافتنان" (راجع نا 3: 4). وبفنٍ شاملٍ متكاملٍ بعد أن أطلق على العذراء الاسم الفاضح المخزي للزنا، يدعوها إلى الرجوع إلى حياة مكرَّمة بأن يملأها بأحاسيس العار[26].
القديس إكليمنضس السكندري
5. الاتهام الخامس: إنها صاحبة السحر أو سيدته، تبيع قبائل بسحرها. إذ كان كل ما يشغل مملكة أشور أن تسود العالم وتخضع كل الأمم تحت قدميها. لم تقف عند استخدام الحرب والسلب والافتراس، وإنما أيضًا لجأت إلى السحر، كما تفعل الزانية بسحرها، حيث تصطاد الشبان بالإغراء الجسدي فتستعبدهم.
هَأَنَذَا عَلَيْكِ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ،
فَأَكْشِفُ أَذْيَالَكِ إِلَى فَوْقِ وَجْهِكِ،
وَأُرِي الأُمَمَ عَوْرَتَكِ،
وَالْمَمَالِكَ خِزْيَكِ. [5]
ظنت نينوى أنها سيدة العالم الجميلة التي تقتنص الأمم بسحرها وزناها، فيخضع الكل للعبادة لآلهتها، ويمارسون الرجاسات معها. لكن إذ يبغض الله الشر، يتعامل معها كزانية، ويفضح فسادها، فتكون كمن تعرَّت من ثياب الزنا الجذابة للفساد. هذا ما تنبأ عنه إشعياء النبي أيضًا عن بابل التي فيما بعد سلكت ذات مسلك نينوى: "لأنك لا تعودين تُدعين ناعمة ومترفهة... اكشفي نقابك، شمري الذيل، اكشفي الساق، اعبري الأنهار؛ تنكشف عورتك وتُرى معاريك" (إش 47: 1-3). إنها لا تفقد جمالها الغاش فحسب وسحرها، بل تبدو في خزي وفضيحة، كريهة وقبيحة. تنفضح ألاعيبها للأمم، وتنكشف خططها الشريرة، ويظهر ضعفها وفسادها. "وأري الأمم عورتك، والممالك خزيك" ]5[. يدرك الكل أنها ليست قوية ولا سيدة العالم كما كانت تزعم.
وَأَطْرَحُ عَلَيْكِ أَوْسَاخًا،
وَأُهِينُكِ وَأَجْعَلُكِ عِبْرَةً. [6]
صارت تلك المدينة التي كانت الدول تشتهي التحالف معها هزأة وأضحوكة للجميع.
وَيَكُونُ كُلُّ مَنْ يَرَاكِ يَهْرُبُ مِنْكِ، وَيَقُولُ:
خَرِبَتْ نِينَوَى مَنْ يَرْثِي لَهَا:
مِنْ أَيْنَ أَطْلُبُ لَكِ مُعَزِّينَ؟ [7]
عوض التجاء الأمم إليها خوفًا من سلطانها، يتطلعون إلى ما حلّ بها، فيهربون منها، لأنها لا تصلح حتى للسكنى فيها.
من شدة الدمار التام ليس من يرثي لها، إذ لا رجاء لصلاحها بعد، ولا يوجد معزون، إذ يشمت الكل فيها. كل من يراها يرتعب مما حلّ بها، فلا يقدر لسانه أن يتفوه بكلمة تعزية.
3. تصير مثلاً كغيرها:
هَلْ أَنْتِ أَفْضَلُ مِنْ نُوَأَمُونَ الْجَالِسَةِ بَيْنَ الأَنْهَارِ،
حَوْلَهَا الْمِيَاهُ الَّتِي هِيَ حِصْنُ الْبَحْرِ،
وَمِنَ الْبَحْرِ سُورُهَا؟ [8]
لئلا تظن نينوى أو يظن المستمعون للنبوة أنه يستحيل تحقيقها، يقدم النبي مثلاً لبلدة كانت قوية ومطمئنة وإذ سلكت في الشر، وأصرت على مقاومة الله، حلّ عليها الغضب الإلهي، وهي نوأمون.
نوأمون: يرى البعض أنها طيبة، وقد حملت هذا الاسم، وهي في صعيد مصر، ومعناها "نصيب أو ممتلكات أمون". وأمون هو الإله المصري جوبتر.
يبدو أن الملك سرجون الآشوري هو الذي ضرب نوأمون؛ وكما انتصرت أشور على طيبة بالرغم من كل قدراتها وإمكانياتها، فالدور على نينوى عاصمة أشور لتفقد عزها ويدمرها البابليون.
"الجالسة بين الأنهار، حولها المياه التي هي حصن البحر، ومن البحر سورها". كانت طيبة على ضفتي نهر النيل شرقًا وغربًا، وتحوط بها قنوات المياه الضخمة، فكانت كمن في أمان، كما كانت نينوى، إذ سبق فرأينا كيف كانت المياه تحوط بها، فتمنع جيوش الأعداء من الوصول إلى أسوارها.
في أيام هومر Homer كانت طيبة مشهورة بأبوابها المئة1.
خرائبها وبقايا آثارها لا تزال يبلغ محيطها 27 ميلاً، تضم في داخلها معبدي الأقصر والكرنك الشهيرين.
يقصد بالبحر هنا "نهر النيل"، وإلى يومنا هذا يُدعى هكذا في صعيد مصر.
كُوشٌ قُوَّتُهَا مَعَ مِصْرَ، وَلَيْسَتْ نِهَايَةٌ.
فُوطٌ وَلُوبِيمُ كَانُوا مَعُونَتَكِ. [9]
كوش: غالبًا ما يقصد بها منطقة اليمن، وأحيانًا يقصد بها جنوب مصر، أي النوبة، وأيضًا أثيوبيا. كانت كوش تستمد قوتها وثروتها من التجارة والمساعدات الحربية. كانت سندًا لنوأمون.
فوط ولوبيم: مملكتان متجاورتان غرب مصر في شمال أفريقيا، وهما القيروان وليبيا، وكانت مصر تعتمد عليهما كثيرًا، وكانت نوأمون تحصل منهما على امدادات، فتعيش مطمئنة، كملكة جالسة على عرشها.
هِيَ أَيْضاً قَدْ مَضَتْ إِلَى الْمَنْفَى بِالسَّبْيِ،
وَأَطْفَالُهَا حُطِّمَتْ فِي رَأْسِ جَمِيعِ الأَزِقَّةِ،
وَعَلَى أَشْرَافِهَا أَلْقُوا قُرْعَةً،
وَجَمِيعُ عُظَمَائِهَا تَقَيَّدُوا بِالْقُيُودِ. [10]
إذ كانت نوأمون جالسة في آمان، تعتز بقوتها وثروتها، وتسندها بلاد كثيرة في الجنوب والشمال، وتحوط بها المياه لتحميها من أية هجمات، فلم تكن تتوقع أية سقوط، إذا بها تمضي إلى المنفى مسبية. لقد خانها غرورها، وقوتها، فتحطم أطفالها. وقد ألقوا قرعة على عظمائها، إذ كان من عادة القادة الغالبين عند افتتاحهم مدينة عظيمة يلقون القبض على عظمائها، ثم يلقون قرعة عليهم لكي يوزعون هؤلاء العظماء عبيدًا للقادة. فعوض السلاسل الذهبية ومظاهر الأبهة والعظمة، صار هؤلاء عبيدًا عراة حفاة مقيدين بسلاسل حديدية يسحبونهم إلى بلادهم في عارٍ وخزيٍ.
أَنْتِ أَيْضاً تَسْكَرِينَ.
تَكُونِينَ خَافِيَةً.
أَنْتِ أَيْضاً تَطْلُبِينَ حِصْناً بِسَبَبِ الْعَدُوِّ. [11]
ما حلّ بمدينة نوأمون يحل بنينوى، ومن هول ذلك يصير سكانها سكرى مخبولي العقل، يشربون من كأس غضب الله عليهم. وكما قيل لأورشليم: "التي شربت من يد الرب كأس غضبه، ثقل كأس لترنح شربت مصصت... لذلك اسمعي هذا أيتها البائسة والسكرى وليس بالخمر..." (إش 51: 17، 21). وجاء في إرميا النبي: "لأنه هكذا قال لي الرب إله إسرائيل: خذ كأس خمر هذا السخط من يدي، وأسقِ جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم إياها، فيشربوا ويترنحوا ويتجننوا من أجل السيف الذي أرسله أنا بينهم؛ فأخذت الكأس من يد الرب، وسقيت كل الشعوب الذين أرسلني الرب إليهم" (إر 25: 15-17).
للعلامة أوريجينوس تعليق جميل على العبارة: "كل زق يمتلئ خمرًا" (إر 13: 12). كل إنسان كزقٍ مملوءٍ خمرًا لكن يوجد نوعان من الخمر، خمر صالح هو خمر محبة الله التي تسكر النفس فتذوب حبًا في الله، فيحيا متأملاً فيه، وكأنه قد سكر بهذا الحب. هذا الخمر تعده الحكمة: "الحكمة... مزجت خمرها... هلموا كلوا من طعامي واشربوا من الخمر التي مزجتها" (أم 9: 1، 5). أما الخمر الرديئة التي تملأ الشرير فهي كخمر سدوم وعمورة: "لأن من جفنة سدوم جفتهم، ومن كروم عمورة؛ عنبهم عنب سمّ، ولهم عناقيد مرارة؛ خمرهم حمة الثعابين وسم الأصلال القاتل" (تث 32: 32-33). كما يرى أن الله يمسك بيمينه كأس أعمالنا الصالحة ليهبنا بركاته، وبيساره كأس ليؤدبنا حتى نرجع إليه1.
ويحدثنا القديس أغسطينوس عن خمر محبة الله قائلاً: [أليس الذين تغيرت قلوبهم قد صاروا سكرى؟ يقول: "إنهم يشربون، كل خطاة الأرض" (مز 75: 8). لكن من هم الذين يشربون الخمر؟ الخطاة يشربون لكي ما لا يبقوا بعد خطاة، إنما لكي يتبرروا، ولا يُعاقبون2].
"تكونين خافية" ]11[، أي تختفي نينوى خجلاً بسبب ما لحقها من عارٍ وخوفٍ، لأنها غير قادرة على مواجهة العدو؛ وتطلب حصنًا يحميها، لكن ليس من سندٍ لها.
4. دمار تام:
جَمِيعُ قِلاَعِكِ أَشْجَارُ تِينٍ بِالْبَوَاكِيرِ،
إِذَا انْهَزَّتْ تَسْقُطُ فِي فَمِ الآكِلِ. [12]
يشبهها النبي بأشجار التين حين يظهر عليها بكور التين، هذه التي متى هزها الهواء يسقط كل ما عليها من تين. هكذا سوف لا تستطيع نينوى على صد العدو، بل يسقط أولادها بسرعة فائقة للأكل!
هُوَذَا شَعْبُكِ نِسَاءٌ فِي وَسَطِكِ.
تَنْفَتِحُ لأَعْدَائِكِ أَبْوَابُ أَرْضِكِ.
تَأْكُلُ النَّارُ مَغَالِيقَكِ. [13]
جيشها يكون كنساء عاجزات عن الدفاع عن أنفسهن، وأبواب المدينة تنفتح للعدو بلا مقاومة، تلتهب النيران في مغاليقها.
اِسْتَقِي لِنَفْسِكِ مَاءً لِلْحِصَارِ.
أَصْلِحِي قِلاَعَكِ.
ادْخُلِي فِي الطِّينِ وَدُوسِي فِي الْمِلاَطِ.
أَصْلِحِي الْمِلْبَنَ. [14]
بتهكمٍ يطلب من نينوى أن تخزن ماءً ومئونة لفترة الحصار حتى لا تموت من العطش والجوع. فمع كون المدينة مبنية على نهر دجلة والمياه محيطة بها خلال النهر وخنادق المياه، إلا أن جيشها وكل سكانها يعجزون عن أن يخرجوا ليشربوا منها.
يطلب منها إصلاح قلاعها، فيقومون بإعادة بناء كل قلعة فيها أو إصلاحها. لكن هذا كله يذهب هباءً، فتكون كمن هي في وحلٍ، لا تقدر الخلاص منه.
هُنَاكَ تَأْكُلُكِ نَارٌ.
يَقْطَعُكِ سَيْفٌ.
يَأْكُلُكِ كَالْغَوْغَاءِ.
تَكَاثَرِي كَالْغَوْغَاءِ.
تَعَاظَمِي كَالْجَرَادِ. [15]
يدعوها ألا تعتمد على كثرة عدد سكانها ورجال جيشها، فإنهم يصيرون مثل الغوغاء والجراد، الحشرات المتلفة، لا تستطيع أن تصمد أمام النار المشتعلة، ولا تقف أمام السيف.
أَكْثَرْتِ تُجَّارَكِ أَكْثَرَ مِنْ نُجُومِ السَّمَاءِ.
الْغَوْغَاءُ جَنَّحَتْ وَطَارَتْ. [16]
رُؤَسَاؤُكِ كَالْجَرَادِ،
وَوُلاَتُكِ كَحَرْجَلَةِ الْجَرَادِ الْحَالَّةِ عَلَى الْجُدْرَانِ فِي يَوْمِ الْبَرْدِ.
تُشْرِقُ الشَّمْسُ فَتَطِيرُ،
وَلاَ يُعْرَفُ مَكَانُهَا أَيْنَ هُوَ. [17]
بسبب موقعها الجغرافي على نهر دجلة وحولها قنوات المياه كانت بلدًا تجارية ضخمة، لكن متى حل الغضب، وقام العدو عليها تتحول من مدينة مكتظة بالتجار إلى حقل قد خُرب بجراد لا يمكن حصر عدده. يصير عظماؤها كجرادٍ في يوم بردٍ إذ تشرق الشمس يطير، ولا يعرف إلى أين يذهب.
ولعله يقصد أن التجار الأجانب الذين جاءوا إلى نينوى بقصد التجارة، وقد اقتنوا ثروات كبيرة، إذ يرون العدو قادمًا يأخذون ثرواتهم ويهربون. هؤلاء الذين كانت نينوى تظن أنهم يسندونها وقت ضيقتها، لكنهم كالجراد سرعان ما يطيرون منها، لعلهم يجدون مكانًا آمنًا.
ويرى البعض أنه يقصد بالجراد الهارب هنا الجنود المُستأجرين الذين يقومون بحراسة الأسوار من الخارج، فإنهم إذ هم أُجراء يرون العدو قادمًا فيفرون ولا يعرفون إلى أين يذهبون. وكما يقول السيد المسيح: "والأجير يهرب لأنه أجير، ولا يبالي بالخراف" (يو 10: 31).
نَعِسَتْ رُعَاتُكَ يَا مَلِكَ أَشُّورَ.
اضْطَجَعَتْ عُظَمَاؤُكَ.
تَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى الْجِبَالِ، وَلاَ مَنْ يَجْمَعُ. [18]
كان يظن ملك أشور أنه في حماية رعاة وقادة جبابرة بأس، لكنه فوجئ بالنبي ييقظه قائلاً له: "نعست رعاتك يا ملك أشور" ]18 [. اضطجع عظماؤه، إذ قتلوا وصار ساقطين في الشوارع وسط التراب، أما شعبه فهرب إلى الجبال رعبًا، وليس من يجمعه.
لَيْسَ جَبْرٌ لاِنْكِسَارِكَ.
جُرْحُكَ عَدِيمُ الشِّفَاءِ.
كُلُّ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ،
لأَنَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ شَرُّكَ عَلَى الدَّوَامِ؟ [19]
يختم النبي حديثه مصورًا حال نينوى بأنها كمن انكسر وليس من يجبر هذا الكسر، وجُرح وليس من شفاء للجرح، حيث لا عودة لبناء نينوى، وقيام دولة أشور من جديد. وإذ كانت عنيفة مع كل الأمم التي سقطت تحت يدها، صاروا يسخرون بها، مصفقين بأياديهم، إذ يرون ثمر شرها فيعيّرونها.
من وحي ناحوم 3
لتحطم نينوى، وتقم فيَّ أورشليم الجريدة!
v تسلل العدو إلى قلبي، وأقام له فيّ مملكة.
لتطرد ملك أشور، وتشهر به بصليبك.
لتنزع عنه سلطانه، وتقيم ملكوتك في داخلي!
v انزع عني ما غرسه العدو فيّ.
إنه غريب عن طبيعتي التي وهبتني إياها.
انزع كل حب للظلم،
وكل كذب وخداع،
لتنزع عني كل شهوة رديئة،
وكل مجدٍ باطلٍ.
افضحني أمام نفسي،
فارجع إليك يا كلي الحب والرحمة.
v اعترف لك بضعفي،
وعجزي عن المقاومة،
لكن أنت هو حصني!
أنت هو الطبيب السماوي تشفي جراحاتي،
وتجبر كل كسرٍ في عظامي!
v عوض خمر الخطية الذي يفقدني اتزاني،
هب لي خمر حكمتك السماوية،
فأسكر بحبك، وأتغنى بمراحمك.
أنسى العالم وكل إغراءاته،
وأنعم بعربون سماواتك!
[1] Letter 53:8.
[2] Commentary on Nahum, 1:1.
[3] On Modesty, 2.
[4] On His Father’s Silence, 16.
[5] Constitutions of the Holy Apostles, 2:3:15.
[6] On Ps. 103 (102).
[7] Against the Pelagians, 2:25.
[8] Commentary on Nahum, 1:3.
[9] Against Marcion, 4:20.
1 On Ps, Os (106).
2 On Ps 135 (134).
[10] Letter 68:1.
[11] ANFrs, vol. 7, p.501 (cf. St. Basil: Ad Amphilochium, 3.)
[12] Letter 188 (Cenonica Prima), 3.
[13] Letter 199 (Canonica Secunda), 31.
[14] Tertullian: Against Marcion ,4:13.
[15] City of God, 18:31.
[16] Commentary on Paul's Epistles (Rom. 10:15).
[17] Paschal Letters, 1: 8.
[18] Paschal Letters, 3:1.
[19] Paschal Letters, 6:1.
[20] St. Cassian: Conferences 21:23.
[21] Cf. Comm. on Nahum 2:1.
[22] On the Christian Faith, 3:14:115-116.
1 On Ps. 5.
[23] St. Augustine on Ps 55 954).
[24] On Ps. 5.
[25] Commentary on Nahum 2:1.
[26] Paedagogus 1:9.
1 Homer: Ill: 9: 381.
1 Cf. Homilies on Jeremiah, homily 12: 1-4.
2 On Ps 75 (74).