تفسير سفر نشيد الأنشاد آية آية
ص 3، آية 1
1-"في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته"
رأينا مما تقدم كيف ان العروس طلبت إلى عريسها وحبيبها ان يمتعها بقربه إليها ويبهجها بعشرته المقدسة إلى النهاية _"إلى ان يفيح النهار" بل أكثر من ذلك كان هو لها كصرة المر "بين ثديي يبيت" إلا أننا نراها هنا مع أسف شديد قد فقدت الإحساس بقربه، وعندئذ وجدت نفسها في ظلمة قاتمة. "في الليل". لا شك أنها من ناحية الخلاص كانت مطمئنة تماما كما أنه كانت لها العواطف المحبة له "من تحبه نفسي" إلا أنها ليست متمتعة ببهجة الخلاص ولا بفرح الشركة معه، ولا ريب في ان النفس وهي في حالة الظلام تحس كما لو كان المسيح تحول عنها لكن الواقع هو ان النفس هي التي تحولت عن المسيح. ان الرب _تبارك اسمه هو هو "لا أهملك ولا أتركك". "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر". "ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" إنما التغيير في شركتنا معه وتمتعنا به مرجعه إلينا نحن، أما إذا كانت عيوننا مثبتة على شخصه العزيز، وكان هو غايتنا ومركز تفكيرنا حينئذ نمتلئ نفوسنا نورا وفرحا.
* * *
"طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته" ان أمر ربنا الصريح هو: "اطلبوا تجدوا... ومن يطلب يجد" (مت7: 7و8) غير ان الأمر كان على النقيض مع العروس فأنها طلبت حبيبها فلم تجده، ذلك لأنها طلبته وهي على فراشها، أعني في حالة التراخي والفتور والنوم الروحي "تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديا لكي تنفقوا في لذاتكم"(يع4: 3). صحيح أنه حسن ولائق جدا ان تكون لنا تأملات روحية في حالة الهدوء _ على فراش النوم وفي سكون الليل "إذ ذكرتك على فراشي في السهد ألهج بك"(مز63: 6). "بنفسي اشتهيك في الليل" (أش26: 9) إلا ان طلب العريس والسير برفقته والركض وراءه يحتاج من الناحية الأخرى إلى يقظة الحياة الروحية. ان من يطلب الرب وهو على فراشه _ في حالة الخمول والتراخي لن يجده إلا إذا استيقظ من نومه وأفاق من خموله الروحي "لذلك يقول استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضئ لك المسيح"(أف5: 14)
ان كان المسيح يصرح مرارا وتكرار في هذا السفر الصغير بمحبته للعروس وبشبع قلبه بها فان هذا عين ما نراه بكل وضوح في كل أجزاء الكتاب المقدس الأخرى. ألم يجد منذ البدء لذاته "مع بني أدم"؟ وفي النهاية _ في المجد الأبدي أفلا يشبع عند ما يرى من تعب نفسه لأجلنا؟ (أم8 وأش53). ان كان الخاطئ المسكين يجد شبع في الرب المبارك فأنه هو، له المجد يجد شبع أعظم في ذلك الخاطئ المسكين. ان كانت المرأة السامرية قد نسيت جرتها عند البئر لأجله فهو أيضا نسى عطشه لأجلها، لا بل يعبر عن شبعه بهذه الخاطئة بقوله للتلاميذ "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم"(يو4: 32) فكان وجود الخاطئ المسكين في علاقة معه هو وليمة فرح لقلب الرب "فنأكل ونفرح لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد"(لو15: 23و24) وكما ان رجوع الخاطئ مصدر شبع وفرح لقلب الرب، كذلك سلوك المؤمن في رضى الرب هو أمر له قيمته عنده له المجد. ان عيني الرب تتطلعان إلى سلوك قديسيه في زينة مقدسة. أليس "الروح الوديع الهادئ" هو قدام الله "كثير الثمن"؟ ان سلوك المؤمن في نقاوة القلب وقداسة والسيرة هو مسر ومشبع لقلب الرب ". . . . ونطلب إليكم في الرب يسوع ان تسلكوا وترضوا الله" بل "تزدادون أكثر" (1تس4: 1) وهل هناك ما يدل على سرور قلب الرب وشبعه بنا ورضاه علينا أكثر من وعده الكريم "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. والذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. . . . يحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلا"؟ (يو14: 21و23) أفليس هذا كافيا لان ينشطنا ويحفزنا على طلب الرب برغبة قلبية صادقة وبحرارة روحية مقدسة؟ "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار لسنا في ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذا كالباقين بل لنسهر ونصح. . . فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص"(1تس5: 5و6و8).
* * *
ان عروس المسيا _ البقية التقية لا ترى هنا بأنها قد وصلت إلى امتلاك البركة في الزمن الألفي السعيد عندما ترى بعينيها "الملك في بهائه" بل ترى في ظلمة الليل "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي طلبته فما وجدته ". أنها لصورة قاتمة حقا، ولكن العروس لن تفقد ثقتها في عريسها لان الرب سيشدد ويقوي إيمانها "من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده. من الذي يسلك في الظلمات ولا نور له. فليتكل على اسم الرب ويستند إلى إلهه"(أش50: 10و11) لا بل أكثر من ذلك فأنها بالرغم من آلامها فان قلبها سيكون مليئا بالمحبة له "من تحبه نفسي"
ص 3، آية 2
2-"أني أقوم وأطوف في المدينة في الأسواق وفي الشوارع اطلب من تحبه نفسي. طلبته فما وجدته".
حسن جدا ان العروس تغادر فراش النوم وتقوم لتطلب من تحبه نفسها، إلا أنها قد نسيت المكان الذي تستطيع ان تجده فيه. لقد نسيت سريعا اعترافها الحلو بأنه يرعى "بين السوسن"(2: 16) وهل يستطيع المؤمن يجد العريس المبارك ويتمتع به تمتعا صحيحا في الأسواق أو في شوارع المدينة؟ ما أعظم الفرق بين المدينة بأسواقها وشوارعها الصاخبة وبين حجال العريس وبيت خمره وعلم محبته! مسكين هو الإنسان فأنه عرضة لان ينسى بكل سرعة الطريق إلى الأقداس _ أقداس الشركة الروحية والعشرة الحلوة مع الرب. ان عريسنا الطيب القلب ليس من هذا العالم، لأنه لما كان في العالم عاش كإنسان غريب، لقد أحب الخطاة، ولكنه لم يعمل خطية، وأما الآن فأنه في السماء، ونحن مدعوون لان نطلبه حيث هو جالس عن يمين الله. ما أشق الجهد الذي بذلته العروس في الطواف في أسواق المدين في شوارعها ومع ذلك فأنها لم تجده فيها. لقد ضاع كل تعبها باطلا. فلنتحذر نحن لان "من يخطئ عني يضر نفسه"(أم8: 36)
إلا ان العروس كانت بلا ريب مخلصة في محبتها للعريس، فأنها لأربع مرات (في الأعداد الأربعة الأولى من هذا الإصحاح) تردد هذه الكلمات الحلوة "من تحبه نفسي" ومع كل فقد أخطأت السبيل إلى حبيبها لذا لم تجده "طلبته فما وجدته".
لقد كان قلب مريم المجدلية مليئا بالمحبة للرب يسوع، ومع ذلك فأنها إذ طلبت "الحي بين الأموات" لم تجده. أنها قامت "باكرا والظلام باق" وذهبت إلى القبر وإذ أتت إليه وجدته قبرا فارغا، وبدلا من ان تصغي لكلمات الملاك اللطيفة "ليس هو ههنا لأنه قام كما قال" لبثت عند القبر، وكانت واقفة خارجا. تبكي، غير ان الرب الحنون نظر إلى قلبها المحب وإلى دموع عينيها فأظهر ذاته لها. تبارك اسمه الكريم إلى الأبد.
ص 3، آية 3
3-"وجدني الحرس الطائف في المدينة فقلت أرايتم من تحبه نفسي"
ماذا تستطيع الحرس الطائف في المدينة ان يعمل لهذه النفس التي أضناها التعب؟ أنهم كانوا بلا شك مسئولين عن كبح جماح فعلة الشر وعن حفظ الأمن والسلام في المدينة، وهذا أمر له قيمته، أما عن الحبيب فأنهم لا يستطيعون ان يدلوا عنه أو يرشدوا إليه. ان العالم بأنظمته وقوانينه ومبادئه السياسية أو غيرها لا يستطيع ان يقود النفس إلى نبع السعادة الحقيقية والراحة الصحيحة. ان ربنا يسوع، وحده دون سواه هو الذي يريد ويستطيع ان يهب السلام للقلب القلق "تعالوا إلي يا جميع المتعبين. . . وأنا أريحكم" هذه هي راحة الله وفيها راحة حياتنا الجديدة. أنها في المسيح وليس آخر، فالمدينة بمباهجها ومدنيتها وأنظمتها الاجتماعية ومبادئها الأدبية مع ما قد يكون لها من قيمة ونفع لا تستطيع ان تريح الضمير وان تهب القلب السلام الحقيقي، وليست المدينة (العالم) فقط، بل السماء عينها بدون المسيح لا تفرق شيئا عن المدينة، فان المسيح _ المسيح وحده وليس غيره هو الذي يستطيع ان يمتع النفس بالرضى والغبطة والهناء. وإلا فلماذا نجد كثيرا من المؤمنين الحقيقيين. أولاد الله غرباء عن سلام القلب وراحة النفس واستقرارها ومحرومين من الفرح الصحيح؟ الجواب هو ان المسيح نفسه ليس هو الغرض الذي يملك على القلب والذهن. هذه هي علة القلق والإضراب في قلوب كثيرين من أولاد الله الأعزاء ، ولكن في اللحظة التي يحتل فيه المسيح مكانه الجدير به في القلب حينئذ تتمتع النفس بالفرح والسلام والنور الإلهي.
* * *
سألت العروس الحرس الطائف في المدينة "أرايتم من تحبه نفسي؟" وكأنهم قد تركوها في هذه المرة تطوف في أسواق المدينة وشوارعها ولم يستعملوا معها شيئا من القسوة، ولكننا سنرى في ما بعد (ص5: 7) كيف أنهم إذا وجدها ضربوها وجرحوها. حفظة الأسوار رفعوا إزارها عنها، وفي هذا تحذير لنا فان الله كثيرا ما يحتفظ بمعاملاتها التأديبية القاسية لأؤلئك الذين لا يستفيدون من معاملاته اللطيفة الهادئة "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب. . . . . لأنه مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي".
* * *
وكذلك سيكون الأمر مع البقية مستقبلا، فأنها إذا تجوز في آلامها المبرحة لن تجد عزاءها وراحتها في شيء أو شخص أخر سوى عريسها وملكها، فأنه قبل ان يتبوأ عرشه في أورشليم لا تستطيع العروس ان تجده فيها، والحرس الطائف _قادة الشعب ومرشده الذين سيرفضون الملك الحقيقي ويتبعون ذلك المضل "ضد المسيح" فأنهم لن يقودوا تلك البقية إلى "المسيا الحقيقي" وان كنا نراهم كأنهم قد تركوها _في هذه المرة _ لحال سبيلها ولكنهم سيضطهدونها ويسببون لها آلاما فوق آلام (ص5: 7) إلا ان الملك سيظهر ذاته لها وسيسرع لنجاتها. مجدا وكرامة له.
ص 3، آية 4
4-"فما جاوزتهم إلا قليلا حتى وجدت من تحبه نفسه فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي".
لقد بحثت العروس عن حبيبها في المدينة وسألت الحرس الطائف عنه بينما كان هو قريبا منها _قريبا جدا فأنها ما جاوزتهم إلا قليلا حتى وجدته. أنه _ تبارك اسمه قريب منا "عن كل واحد منا ليس بعيدا"(أع17: 27) ولكن كثيرا ما تمسك عيوننا عن رؤيته وذلك بسبب ضعف البصيرة الروحية. إلا أنه وان كان يتركنا لحيظة لنختبر حقيقة ذواتنا، فأنه يقدر حنين قلوبنا إليه فيظهر ذاته لنا (يو14: 21و23). هكذا كان الحال مع مريم المجدلية فأنها كانت واقفة عند القبر خارجا تبكي ولكن لفتة واحدة غيرت المشهد "التفتت إلى الوراء فنظرت يسوع واقفا"(يو20: 14). ان الأمر لا يطلب منا أكثر من تحول النظر عن كل شيء سواه وتثبيته فيه وحده فنجده "وجدت من تحبه نفسي" ومن يستطيع ان يعبر عن الفرح الذي ملأ قلب العروس إذ وجدت حبيبها. لقد تعبت كثيرا في البحث عنه، أما الآن فأنها وجدته. وجدت حبيبها الذي هو نبع الغبطة والهناءة. لقد امتلأ قلبها بفرحة هذا اللقاء الذي كانت تتوق إليه. لكن ما هي فرحتها بالمقابلة مع فرحة العريس نفسه؟ وإذا كان على قدر حبنا له يكون ألمنا حينما نحسن بحرماننا منه، وبهذا القدر عينه تكون فرحة قلوبنا عندما نعود فنجده ونتمتع به، إذن كم يكون حزنه هو إذا ما انحرفت نفوسنا عنه؟ فما أجدرنا ان نحترس حتى لا نضل في طرقنا لئلا نحزن قلب ربنا الرقيق.
* * *
"فأمسكته ولم أرخه" لا عجب فأنها إذ ذاقت الحرمان منه ومن التمتع بالشركة الحلوة معه ثم وجدته وأمسكته بكل قوته _ أمسكته ولم ترخه بكيفية لم تر فيها قبلا. أنه لا يوجد تدريب مذل للنفس نظير إدراكنا بأننا قابلنا محبة المسيح بكل فتور، وأننا كنا عديمي أو قليلي المبالاة بهذه المحبة، وإذ ذقنا مرارة الحرمان من عشرته المقدسة فأمتلأت قلوبنا ألما وعذابا لأننا طلبناه ولم نجده، ولكنه إذ يتنازل في عطفه ولطفه ويظهر ذاته لنا في ملء محبته الإلهية، فأننا، بعد هذا الاختبار المذل للنفس إذ نجده نتمسك به بكيفية لم نختبر نظيرها قبلا.
ان مريم المجدلية التي سلفت الإشارة إليها هي ومريم الأخرى إذ وجدنا الرب المقام من بين الأموات "تقدمتا وأمسكتا بقدميه"(مت28: 9). ان الإيمان يمسك بالرب بكل قوته والمحبة تحتضنه ولا ترخيه، لان النفس تكون قد تعلمت ما تؤول إليه حالتها بدونه، لذا فهي تمسك به وتثبت فيه "بعزم القلب".
* * *
"حتى أدخلته بيت أمها وحجرة من حبلت بي" مر بنا في القسم الأول من هذا السفر (ص1: 4) ان العريس أدخل عروسه إلى حجاله _إلى أقرب مكان إلى قلبه، لان هذا هو غرض محبته ونعمته _ هذه هي إرادته وأفكاره من نحونا، وهوذا العروس، بعد ان ذاقت حلاوة محبته لها وعطفه عليها إذ رد نفسها وأعاد إليها بهجة الشركة معه _ هذه الشركة التي فقدتها وقتا ما، فأنها بدورها إذ وجدته وأمسكته، أدخلته بيت أمها وحجرة من حبلت بها. لقد أدخلها إلى حجالها ليمنعها بحلاوة محبته لها ويشبعها من دسم نعمته، وهوذا هي أيضا تدخله إلى حجالها _ إلى بيت أمها وحجرة من حبلت بها لتشبعه بدورها بمحبتها له وتعلقها به. أننا بقدر ما يسمو إدراكنا لمحبة المسيح وشبعنا بها بقدر ما تضطرم المحبة في قلوبنا له. كان تلميذا عمواس سائرين معا "عابسين" _ذلك لأنهما كانا قد فقدا رجائهما فيه، ومع ان "يسوع نفسه" أقترب إليهما وكان يمشي معهما، ولكن "أمسكت عينهما عن معرفته" فكأنهم طلباه فلم يجداه، أما هو إذ فسر لهما "الأمور المختصة به في جميع الكتب" وأدخلاه إلى البيت "فألزماه قائلين أمكث معنا. . . فدخل ليمكث معهما" (لو24) وما كان أغنى البركات وأوفر الغبطة والهناء التي تمتع بها ذانك التلميذان خلال وجوده معهما هناك. ليعطنا الرب ان نفسح له المكان اللائق بها في قلوبنا وفي بيوتنا فتملأ السعادة قلوبنا وبيوتنا أيضا.
* * *
وغني عن البيان ان هذه الكلمات ستكون لسان حال البقية الأمينة مستقبلا _ عروس الرب الأرضية _ فأنها لم تجد وقتئذ راحتها وسلامها _ في وسط آلامها _ في عريسها وملكها _المسيا _ ستهتم بتوصيل هذه البركة لبقية الأسباط (أش11: 11-13وحز37: 21-28وأر3: 18-19) وهذا واضح من قولها "أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي" إذ من محقق ان المقصود بالأم هنا كما في أجزاء أخرى كثيرة من كلمة الله هو "الشعب الأرضي وليس الكنيسة كما يخيل إلى البعض، لان الكنيسة لا يشار إليها مطلقا بأنها "أم" وإلا فأم من هي؟ لا يمكن ان تكون أما للمسيحيين الحقيقيين لأنهم هم الكنيسة، ولا يعقل ان تكون هي أما لنفسها. الكنيسة ليست أما للمؤمنين كما أنها لا يمكن ان تكون أما للرب نفسه. ان الأم المشار إليه هنا هي بقية الأسباط. من المسلم به ان العروس _ امرأة الخروف هي الكنيسة، كما أنه توجد عروس أخرى _عروس المسيا الأرضية هي البقية التقية مستقبلا، أما أمها التي تشير إليها هنا فهي "بقية الأسباط"، وأنه لمن المؤسف ان كثيرين من المسيحيين الحقيقيين يخلطون بين الكنيسة عروس الرب السماوية وبين عروس هذا السفر أعني البقية الأمينة، كما أنهم يعبرون ان الأم المذكورة هنا هي الكنيسة. كذلك من الجهالة ان يتصور البعض ان الأم هنا هي العذراء القديسة مريم. جدير بنا أيها الأحباء ان نشكر الله لأنه أنار أذهاننا في معرفة الحق الكتابي.
أننا إذا ألقينا نظرة إلى الإصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا نرى التوافق العجيب بين أجزاء الكلمة الإلهية، فأننا نقرأ (في رؤ12) عن امرأة في مجد فائق "متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من أثني عشر كوكبا. . . " فمن تكون هذه المرأة؟ أهي الكنيسة؟ كلا. أنها بكل يقين ليست الكنيسة، لأننا نقرأ عنها بأنها "ولدت ابنا ذكرا عتيدا ان يرعى جميع الأمم بعصا من حديد". فمن هو هذا الابن القدير الذي سيسود على جميع الأمم؟ هل هناك خلاف في أنه المسيح؟ أنه هو وليس سواه. المسيح هو الابن القدير، وتبعا لذلك نرى لأول وهلة من هي هذه المرأة _ أنها إسرائيل. ان معرفة المسيح تقود دائما إلى معرفة الحق، ففي اللحظة التي تأتي فيها بالمسيح إلى ذاتك أو أي شيء آخر تستطيع ان تدرك الحق من جهة نفسك أو من جهة أي أمر آخر. أني أعرف حقيقة حالتي _صالحة كانت أو ردئية _ عندما استعرضها في نور المسيح، وقياسا على ذلك إذ نبحث عن المسيح في هذا الإصحاح (رؤ12) نجد أنه هو "الابن الذكر" فمن تكون أمه؟. أنها ليست الكنيسة لان الكنيسة ليست أم المسيح. أنها الأمة التي منها أتى المسيح حسب الجسد كما يعلمنا الرسول بولس (في رو9: 5) فترى ان ما يشير إليه بولس تعليميا هو نفس ما يشير إليه يوحنا الرائي رمزيا (رؤ12) كما ان يوحنا هذا يشير بعد إلى امرأة أخرى _ العروس امرأة الخروف وهذه هي الكنيسة (رؤ19و21و22) ثم أنك تجد في هذا السفر (رؤ17و18) امرأة أخرى أيضا، وهذه ليست الكنيسة ولا إسرائيل. أنها المرأة التي تدعى أنها الكنيسة ولكنها في الواقع هي "ضد الكنيسة" فأنه كما سيظهر في المشهد إنسان هو "ضد المسيح" كذلك توجد امرأة هي "ضد الكنيسة" _المسيحية الاسمية بابل الزانية العظيمة أم الزواني. واضح إذا البقية التقية في علاقتها المقدسة بعريسها وملكها تعبر _في هذا العدد _ عن رغبتها في ان تشمل البركة "بيت أمها وحجرة من حبلت بها" _بقية الأسباط.
ص 3، آية 5
5-"أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقل ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء".
ما أسعد العروس فأنها أعياها البحث الطويل عن حبيبها بوسائلها هي، التي آلت إلى خيبة أملها فلم تجده، فقد تعطف الحبيب عليها وقادها إليه حتى وجدته فأمسكته وأدخلته بيت أمها وحجرة من حبلت بها. نعم ما أسعد النفس التي يجد المسيح مكانه فيها _ القلب الذي يحل فيه. هنا تشتهي النفس ان تهنأ بهذه الغبطة بكيفية دائمة، لذا ترغب وتحرص على ان لا يعكر صفو هنائها أي عامل. أنها تغتبط بعشرته المقدسة كما أنها ترغب في ان يبقى حبيبها مستريحا على عرش قلبها بحيث لا يعكر عليه هناءه شيء ما "أحلفكن. . ألا تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء".
* * *
ان كل قسم من القسمين الأولين من هذا السفر ينتهي بهذه العبارة عينها، ففي نهاية القسم الأول تشهد العروس بمحبة عريسها وقربه إليها "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني"(ص2: 6) لذا تريد ان تستبقي هذا المشهد البهيج فتحلف بنات أورشليم بألا ييقظن ولا ينبهن الحبيب حتى يشاء، وهوذا هي الآن بعد ان استردت شركتها التي حرمت منها وقتا ما، تطلب هذا الطلب عينه من بنات أورشليم، كما أنها تردد هذا الطلب للمرة الثالثة عندما تتغنى ثانية بمحبة العريس وقربه إليها "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" (ص8: 3و4).
أنه لمن امتيازنا كمؤمنين ان نتمتع اختباريا بهذه الشركة المقدسة مع "من تحبه نفوسنا" إلا ان سعادتنا الحقيقية متوقفة على سهرنا على صون هذه الشركة وحرصنا المستمر على ان نكون في حالة القداسة العملية ونقاوة القلب وطهارة الحياة فلا نـزعج الحبيب بأي عامل غريب يتسرب إلى قلوبنا. أنه له المجد يحب الهدوء والسكينة "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته"(مت12: 19) فلنحرص على ان نكون نحن أيضا "هادئين"(1تس4: 11) _ هادئين في أشغالنا وفي كل تصرفاتنا فلا نـزعجه بعد أمانتنا "ليرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح". لئلا نحزن الروح القدس "الذي به ختمنا ليوم الفداء"(أف4: 30-31) "بالرجوع والسكون تخلصون. بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم".(أش30: 15).
* * *
"أحلفكن يا بنات أورشليم" ان كلمات العروس هذه تبين ما سيكون لأورشليم من علاقة بالرب الملك، هذه العلاقة التي ينبر عليها السفر كثيرا، ويجب ان نضع في بالنا هذه الحقيقة وهي ان أورشليم هنا يكني بها عن عروس الرب الأرضية _ أعني بذلك أورشليم المستقبلة، وليس "أورشليم العليا" كما أنها ليست "أورشليم الحاضرة"(غل4: 25و26) ولكنها أورشليم العتيدة. أورشليم التي ستولد من الله ولادة جديدة، كما ان "أورشليم العليا" هي الخليقة الجديدة في المسيح يسوع. أما أورشليم المستقبلة أو العتيدة فهي ستكون عروس الملك المختارة عندما يعود ثانية إلى هذا العالم.
* * *
سلفت الإشارة إلى ان هذا الحلف "أحلفكن. . ." يتكرر في هذا السفر ثلاث مرات (انظر صحيفة 118) ومن الملذ ان نلاحظ أنه بعد كل مرة يذكر فيها هذا الحلف يجيء الكلام عن مجيء الرب، ففي الإصحاح الثاني تقول العروس "صوت حبيبي. هوذا آت" أي ان العروس تفكر في مجيء العريس نفسه، وفي هذا الإصحاح (3) يشار إلى مجيء المسيا في موكب ملكي بوصفه سليمان الحقيقي "انظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه في يوم عرسه وفي يوم فرح قلبه" أما في الإصحاح الثامن فترى العروس مقترنة بعريسها العظيم "مستندة على حبيبها" حقا ما أبهج هذه المشاهد للذهن النقي المستنير، فان ربنا يسوع المبارك العريس السماوي سيأتي سريعا "بعد قليل جدا" ليأخذ الكنيسة التي هي جسده _ عروسه السماوية لتكون معه ومثله في المجد الأبدي الذي لا ينتهي، وعندئذ "من تعب نفسه يرى ويشبع". ولكن ذلك لن ينسبه الأمناء في شعبه الأرضي _ الأتقياء في يهوذا الذين يكونون قد قتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة الله والذين لم يسجد للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباهم وعلى أيديهم. وكذا جمع كثير من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة الذين سيقبلون بشارة الملكوت هؤلاء سيأتي الملك إليهم لخلاصهم وليمتعهم بالغبطة والسلام في الملك الألفي المجيد.
ص 3، آية 6
6-"من هذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان وبكل أذره التاجر؟".
ترى العروس هنا طالعة من البرية، والبرية هي المكان الذي فيه تتعلم النفس كثيرا عن النعمة، فقد أفتدى الله شعبه قديما من أرض مصر وحملهم على أجنحة النسور، وما أعظم الدروس التي تعلموها في البرية عن النعمة الإلهية، فهناك أدخلهم الرب في علاقة مباركة معه بواسطة خيمة الاجتماع _ هذه العلاقة المؤسسة على نعمة الفداء، ومن الواضح أننا نراها طالعة من البرية "كأعمدة من دخان" أي أنه كان يغشيها الدخان العطري _ الدخان المتصاعد من نار المذبح المتقدة أنها "كأعمدة من دخان معطرة بالمر واللبان أذره (أي مساحيق) التاجر.
ففي سفر الخروج (ص25-30) نرى ان شعب الله كان لهم امتياز التعليم عن نعمته بواسطة خيمة الاجتماع ومشتملاتها التي أقامها في وسطهم والتي كانت تتضمن رموزا للمسيح ولأمجاده، وكان من أهم مميزات ذلك النظام الدخان المتصاعد على التوالي من المذبح وان "الأعمدة من دخان" تشير في الغالب إلى الدخان المتصاعد كرائحة سرور من المحرقة وقربان التقدمة وذبيحة السلامة ومن اللبان والبخور العطر الذي كان يتصاعد باستمرار من مذبح البخور الذهبي كرائحة سرور للرب. هذه جميعها كانت تتصاعد رائحتها الذكية بفعل النار المتقدة على المذبح، فهي تتحدث عن موت المسيح باعتباره "قربانا ذبيحة لله رائحة طيبة"(أف5: 2) وقد كان قصد الله من أصعاد الرائحة الذكية من على مذبح النحاس والمذبح الذهبي أيضا هو ان يقرن ويتحد شعبه المختار بهذه كلها، أي ان يرى شعبه في كمالات ذاك الذي كانت ترمز إليه هذه الأشياء جميعها، والعروس ترى هنا صاعدة من البرية وكان ليس معها سوى رائحة المسيح الذكية.
ان القديسين يرون هنا كصاعدين من البرية مثل "أعمدة من دخان" أي أنه تغشيهم الرائحة العطرية المتصاعدة من مذبح الله _ أعني موت المسيح، وان موته هنا لا علاقة له برفع الخطية أو حمل خطايا المؤمنين فان هاتين الناحيتين من موت المسيح نراهما كثيرا في المزامير والأنبياء، ولكننا لا نجدهما هنا في نشيد الأنشاد فان التلميح هنا إلى موت المسيح هو باعتباره رائحة سرور ذكية، وذلك في طاعته الكاملة لإرضاء وشبع قلب الله كما ان شعبه يرى متحدا ومقترنا به في ذلك اتحادا كاملا ومقبولا فيه قبولا أبديا، وذلك من مجرد النعمة المجانية المطلقة، وان الكنيسة هي تلك الجماعة السماوية المباركة التي يراها الله وهي هنا على الأرض مسربلة بالمسيح وبكمالاته باعتباره المحرقة التي "بلا عيب". أنه من امتيازنا ان نصعد من البرية وليس لنا ما نحمله في أيدينا سوى رائحة المسيح العطرية. لقد تباركنا الآن بكل بركة روحية بحسب مقياس أفكار محبة الله _ هذه المحبة التي تجلت في هذه الحقيقة العجيبة وهي ان المسيح مات لأجلنا وأننا صرنا متحدين ومقترنين به في رائحته الذكية التي تصاعدت عندما مات على الصليب.
* * *
والعروس ترى صاعدة من البرية مرتين في هذا السفر، فنراها هنا صاعدة "كأعمدة من دخان" مغشاة برائحة البخور العطرية المتصاعدة من المذبح، أما في الإصحاح الثامن فهي ترى صاعدة من البرية "مستندة على حبيبها" أي ان لها معونة خدمته الكهنوتية. هذان هما الشيئان الجوهريان اللذان أعدتهما لنا نعمته الغنية في البرية _ أعني (1) المذبح _ أي موت المسيح بنتائجه المباركة بالنسبة للحاضر وللأبدية (2) والكاهن العظيم للمعونة والإغاثة، فليس لنا فقط رائحة موت المسيح الذكية ولكن لنا أيضا الكاهن الحي لنستند عليه في البرية، وهو يستطيع ان يقودنا ويمدنا بالعون في كل شيء. هذه هي ثمار محبته الإلهية وقصده الإلهي، وهل هناك بركة تعادل صعودنا من البرية في هاتين الصورتين؟
قوموا نسبح كلنا لريس الأحبار
أسماؤنا منقوشة في صدره المختار
لا سبب يقدر ان يخمد حب ذاك
مات هنا عنا كما يحيا لنا هناك
* * *
أننا عندما نستقر في جو المحبة الإلهية لا ينحصر تأملنا فيما قد أزيل عنا بقدر تأملنا فيما وهب لنا، فالله يريدنا ان نطيل التأمل في موت المسيح الذي هو كرائحة سرور لله "رائحة طيبة" وعندئذ تكتنفنا وتغشينا "الأعمدة من دخان" ما أعظم أفكار النعمة الإلهية! ان رسالة أفسس هي رسالة عجيبة عن النعمة، فهي مملوءة بأعمال وثمار النعمة، ففيها "مجد نعمته"(1: 6) "وغنى نعمته"(1: 7) "وغنى نعمته الفائق"(2: 7) وعندما نأتي إلى دوائر النعمة فهناك المسيح وليس شيء أخر سوى المسيح، وإذ نستقر هناك نتمتع بسعادة تفوق الإدراك "فرح لا ينطق به ومجيد".
* * *
"معطرة بالمر واللبان" أي بالمسيح في كمالاته المتنوعة، ففي المر إشارة إلى آلام الإنسان الكامل "رجل الأوجاع" الذي تجرب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطية. لقد كان فريدا في كل شيء حتى في الآلام _ في حياته وفي موته _ وأننا لنجد المر مقترنا به من بداءة حياته على الأرض إلى نهايتها (مت2: 11، 27: 34) تلك الآلام التي تألم بها طاعة لأبيه "أطاع حتى الموت موت الصليب"(خر30: 23) كما ان اللبان إشارة إلى أنه _ له المجد _ كان في حياته وفي موته رائحة سرور لله (خر30: 34، لا2: 1).
* * *
"بكل أذره التاجر" أذره بمعنى مساحيق (Powders). لقد أمر الرب موسى بان يأخذ له أعطارا معينة ويصنع منها بخورا عطرا مقدسا، وان يسحق منه ناعما (خر30: 34-38) وفي هذا البخور إشارة إلى كمالات وأمجاد ربنا المبارك، كما ان في سحقه إشارة إلى ان كل كلمة وكل عمل وكل نظرة وكل فكر في حياة ربنا يسوع كانت تصعد كرائحة ذكية أمام الله، لا بل ان موته وسحق نفسه تحت ضغط دينونة الله كان "رائحة طيبة لله. أما الرب فسر بان يسحقه بالحزن"(أش53: 10).
* * *
"من هذه الطالعة من البرية" واضح ان البقية الأمينة _عروس الملك الأرضية _ ليس لها نفس رجاء الكنيسة _ عروس المسيح السماوية، فان تلك البقية _ الأمناء في يهوذا مستقبلا سوف لا يذهبون لملاقاة الرب في الهواء بل ان الرب هو الذي يأتي إليهم حيث هم، وترينا النبوات إياهم في البرية مع شخصه الكريم "هأنذا أتملقها وأذهب بها إلى البرية وألاطفها"(هو2: 14) "فأعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تعال زمانا وزمانين ونصف زمان من وجه الحية"(رؤ12: 14) والعروس ترى طالعة من البرية لان الرب سيمهد السبيل أمامها للصعود من تلك البرية القاحلة، وسيزيل كل العوائق من أمامها، فالحية القديمة سيغلق عليها في الهاوية والوحش والنبي الكذاب يطرحان في بحيرة النار، والشعوب الهائجة تنال دينونتها، وإمبراطورية الوحش الطالع من البحر تصل إلى قراره الهلاك، وعندئذ تظهر عروس المسيا طالعة من مخبئها في البرية مسربلة بكل أمجاد الملك. عندئذ تفيض أورشليم بهجة وهناء وستهتف ذلك الهتاف العظيم "أوصنا. مبارك الملك الآتي باسم الرب".
ص 3، آية 7 و8
7و8-"هوذا تخت سليمان حوله ستون جبارا من جبابرة إسرائيل. كلهم قابضون سيوفا ومتعلمون الحرب. كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل".
وان كنا لا نعلم من هو الناطق بهذه الكلمات، وذلك لكي ينحصر تأملنا لا في المتكلم نفسه بل فيما تكلم به، إلا ان هذه بكل يقين هي لغة الروح القدس إذ أنه يرسم أمامنا لمحات من مجد العريس المبارك "ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 14). أنه يقودنا هنا للتأمل أولا في "تخت سليمان" أعني سريره أو فراشه (*) أي مكان راحته في الليل حيث يحيط به حرس من الجبابرة، وهذا يرينا ان للمسيح هنا على الأرض مكانا يجد فيه راحته رغم مخاوف وأهوال الليل. من المسلم به حقا أنه الآن في مكان راحته في الأعالي، فقد قال له الرب يهوه "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك"(مز110: 1) وليس لنا ان نحرسه هناك حيث لا يستطيع خصم أو مقاوم ان يدنو منه أو من عرش أبيه، إلا ان له مكانا لراحته هنا على الأرض أيضا حيث يستلزم الأمر ان يكون في القرب منه وحوله رجال أمناء "متعلمون الحرب" للدفاع عن حقه الثمين _ رجال محبون ومخلصون له، وليست نفوسهم ثمينة عندهم. حسن جدا ان نفكر فيه كمن يحمينا من الأعداء، وماذا كنا نعمل لولا حمايته لنا؟ ولكن أمامنا هنا وجه آخر وهو ان سريره يحيط به "الجبابرة" لحراسته بسبب "هول الليل" وهذا يمكن تطبيقه على الوقت الحاضر، فأننا لم نصل بعد إلى أمجاد وراحة الملك الألفي، ولو أنه "قد تناهى الليل" إلا أنه لم ينته بعد، ولن ينتهي إلا عند مجيء الرب كوكب الصبح المنير بالنسبة للكنيسة وظهوره كشمس البر بالنسبة لشعبه الأرضي، أما في الوقت الحاضر فان الأمر يتطلب ان تكون لنا محبة طاهرة ونقية للمسيح وأخلاص وغيرة مقدسة بازاء هجمات العدو ضد شخصه الكريم وأمجاده وحقه الثمين. أننا في حاجة إلى الوقوف إلى جانب الرب وفي صفه وفي أيدينا سيف الروح الذي هو كلمة الله "كلهم قابضون سيوفا" وذلك لمواجهة كل هجمات عدو المسيح في حلكة الليل.
كم هو جميل ان الرب يأتمن محبيه الأمناء على الحق الجوهري الخاص بشخصه وياله من شرف عظيم خلعه الرب على كنيسته في زمان النعمة الحاضر إذ أعطاها هذه الوديعة المقدسة. ان الكنيسة هي "عمود الحق وقاعدته" وقد أستؤمنت على حراسة الحق الجوهري المتعلق بشخصه ومجده والدفاع عنه بكل غيرة مقدسة. ان من أهم واجبات "الجبابرة" ان يتلقوا كل لطمة يوجهها العدو إلى مجد الابن المبارك بكل شجاعة وبغير أحجام أو تردد، فشخصه الكريم هو الجوهرة الكريمة والغالية التي تعتز بها الكنيسة، فكل تهجم من العدو على مجد ذاته أو اسمه إنما هو لسلب أغلى ما تمتلكه الكنيسة، ومع ان العدو خدامه الكثيرين ولا سيما في هذه الأيام الأخيرة الذين يهاجمون أمجاد ربنا المبارك، إلا أننا نشكر الله لان آلافا عديدة من القديسين الأمناء محبي المسيح والمخلصين له يفضلون الموت على ان يفرطوا في اليسير من "تعليم المسيح" أي الحق المتعلق بمجد أقنومه أو أمجاده المقدسة. تبارك اسم إلهنا وسيدنا المعبود ربنا يسوع المستحق كل سجود وإكرام. ان المحك الحقيقي لقيام أو سقوط المؤمنين هو موقفهم بازاء المسيح وأمجاده، ونحن موجودون في هذا العالم للدفاع عنه مهما كانت الكلفة فان العدو يعمل بكل وسائل في هذه الأيام بصفة خاصة إذ يقاوم بكل عنف الحق الخاص بربنا المبارك يسوع ابن الآب بالحق والمحبة محاولا إخفاء أمجاده الفائقة، ومن واجبنا نحن المؤمنين ان نقف صفا واحدا مجاهدين لأجل "الإيمان المسلم مرة للقديسين" وان نكون حراسا ساهرين على حقائق الإيمان الجوهرية المتعلقة بأمجاد المسيح المتنوعة، وكلنا "قابضون سيوفا. . . كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل". أننا وان كنا لا نملك في أيامنا هذه ما كان للقديسين من قوة في بدء تأسيس الكنيسة _ ذلك العصر الرسولي الذي تميز بآياته وقواته المعجزية، إلا ان الرب يقدر كل التقدير الأمانة في حفظ كلمته وفي الشهادة لاسمه "هأنذا جعلت أمامك بابا مفتوحا ولا يستطيع أحد ان يغلقه لان لك قوة يسيرة وقد حفظت كلمتي ولم تنكر اسمي"(رؤ3: 8).
* * *
"تخت سليمان" واضح كل الوضوح ان سليمان لا يشير إلى المسيح في علاقته بالكنيسة: ربما كان داود رمزا للمسيح من ناحية علاقته بالكنيسة، وليس القصد ان داود كان دائما كذلك، ولكنه كان كذلك من بعض الوجوه لأنه عرف كثيرا عن آلام المسيح ورفضه بكيفية لم يعرفها سليمان، فسليمان لم يعرف شيئا سوى المجد. لقد كان رجل السلام والمجد والراحة، وواضح ان الشخص الذي تنتظره العروس _ البقية الأمينة _ هنا ليس شخصا متألما، فليس من ترجوه العروس هو الخروف _ حمل الله المرفوض من الأرض والممجد في السماء، فان هذا هو الذي ننتظره نحن المسيحيون وبالتالي نرغب في اتباعه _ نرغب بكل سرور ان نتبع مسيحيا مرفوضا من الناس ولكنه مختار من الله كريم، أما في المشهد الذي أمامنا فالأمر ليس كذلك فان العروس تنتظر ملكا مجيدا سيملأ الأرض بالبهجة والسلام.
* * *
"ستون جبارا من جبابرة إسرائيل" ان الرب يعرف الأمناء المخلصين له والمتعلقين به والملتصقين به. يعرف عددهم ويعرف كل واحد منهم، وأسماؤهم مسجلة في سفر تذكرته وسيأتي سريعا وأجرته معه ليجازي كل واحد كما يكون عمله "إذا يا أخوتي الأحباء كونوا راسخين غي متزعزعين مكثرين في عمل الرب كل حين عالمين ان تعبكم ليس باطلا في الرب"(1كو15: 58).
* * *
"كل رجل سيفه على فخذه من هول الليل" فترى أنه مشهد الليل وان النهار لم يأت بعد، والعروس _ البقية التقية لم تصل بعد إلى راحتها التي تنشدها _ راحة ذلك النهار البهيج ولكنها ستترقبه وهي تمر في ظلمة وهول ليل آلامها، أما نحن فأننا نتوقع مجيء العريس السماوي كوكب الصبح المنير لنكون معه في مجده في بيت أبيه. آمين تعال أيها الرب يسوع.
* * *
(*) كلمة تخت المذكورة هنا بمعنى سرير COUCH أو فراش BED أما كلمة تخت في عدد 9 فمعناها مركبة CHARIOT أو تخت روان أو هودج PALANQUIN
ص 3، آية 9 و10
9و10-"الملك سليمان عمل لنفسه تختا من خشب لبنان. عمل أعمدته فضة وروافده ذهبا ومقعده أرجوانا ووسطه مرصوفا محبة من بنات أورشليم".
رأينا فيما سلف (ع7) ان تخت سليمان (أي فراشه أو سريره) حوله ستون جبارا لحراسته من هول الليل، أما هنا فنرى تختا لسليمان من نوع آخر، فهو ليس فراشا أو سريرا مرتبطا بالليل ولكنه لأجل النهار _ الوقت المعين من الله للعمل (مز104: 22و23) "ينبغي ان أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار"(يو9: 4) وأنه لمن أسمى امتيازاتنا ان نكون في رفقة العريس وفي خدمته في وقت العمل في زمان الحياة الحاضرة. علينا إذا ان نسلك "كحكماء مفتدين الوقت" فلا نضيع لحظة في الباطل لأنه "يأتي ليل حين لا يستطيع أحد ان يعمل"(يو9: 4).
* * *
ولنلاحظ ان هذا التخت هو من صنعه هو "الملك عمل لنفسه تختا" فان ربنا يسوع المسيح قد عمل بنفسه ما فيه سعادة وهناء شعبه، فهو "صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا"(عب1: 3) أنه لم يترك لنا ما نعمله سوى ان نقبل ما عمله لأجلنا ونتمتع به وبثماره المباركة وان نتعبد له ونشكره على عمله لأجلنا فوق الصليب وما يعمله الآن وباستمرار لمعونتنا في الطريق وما سيعمله عند مجيئه إذ يأخذنا إليه لنكون كل حين معه في بيت الآب.
* * *
كان "تخت سليمان" هذا عبارة عن هودج (أو تخت روان) كما سلفت الإشارة، فلم يكن مركبة تسير على عجلات بل كان يحمل على الأكتاف، وفي هذا إشارة إلى ان الرب يسوع "الحي إلى أبد الآبدين" والذي يعمل بغير انقطاع لأجل خير وإسعاد شعبه لا يقوم بهذا العمل بالاستقلال عن خاصته. أنه يعمل بواسطة محبيه الذين كرسوا كل قواهم لعمل إرادته الصالحة، وكأنهم يحملون تخت الملك على قلوبهم وعواطفهم المحبة والمكرسة له، وهذا يذكرنا بتابوت العهد الذي كان من امتياز الفهاتيين ان يحملوه في كل تحركاته، فربنا يسوع المسيح "الماشي في وسط المنائر الذهبية" يعمل لخير خاصته _قطيعه وأعضاء جسده ولكن ليس بالاستقلال عنهم وعن خدمتهم له، وما أعظم وأجل خدمة كهذه _ ان نحمل تخت سليمان الحقيقي! أنها بلا ريب أسمى وأشرف خدمة كما أنها في الوقت نفسه تتطلب منا ان نكون في الحالة النقية المقدسة _ حالة السمو الروحي التي تليق بجلال سليماننا _ ملك السلام الذي نحبه ونخدمه.
* * *
"من خشب لبنان" ولا سيما الأرز فأنه رمز عدم الفساد أو بالحري القيامة كما أنه رمز السمو والرفعة، وقد كان لخشب لبنان مكانه الممتاز في بناء هيكل الرب كما ان فيه إشارة إلى مجد المدينة الملكية _ مدينة يهوه في يوم قادم "مجد لبنان إليك يأتي السرو والسنديان والشربين معا لزينة مكان مقدسي وأمجد موضع رجليّ"(أش60: 13) فواضح أذن ان "خشب لبنان" هو رمز العظمة والارتفاع أو بالحري كل ما له صفة السمو الروحي، ومن واجب أؤلئك الذين صار لهم شرف العلاقة بسليمان الحقيقي _ الرب المقام من بين الأموات وبتخته ان تكون لهم هم أيضا صفة السمو الروحي. الذي كان سلوك الرسول بولس متوافقا مع تعليمه "لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس. . . . الذي يذكركم بطرقي في المسيح"(1كو4: 17). كم من المرات يكون كلامنا بلا وزن أو قيمة لأننا عمليا لسنا في الحالة التي تتفق مع كلامنا. ليتنا نحرص على ان تكون شهادة أفواهنا عن المسيح متوافقة مع حياتنا الروحية العملية.
* * *
"عمل أعمدته فضة" ان الأعمدة رمز القوة، والفضة رمز الطهارة، كما أنها تشير بصفة خاصة إلى نعمة الفداء (خر30: 11-16) هذا الفداء الذي هو أساس العلاقة الكائنة بين المسيح وخاصته، وهو له المجد لن ينسى في علاقته بخاصته نتائج موته المبارك، فهو دائما ينظر إلى خاصته هذه ويتعامل معهم في نور هذا الحق الجوهري، أعني به الفداء الذي لهم بدمه الكريم. ان شعبه المختار لم يصيوا خاصته إلا على أساس الفداء فهم مفديوه الذين أخذهم من العالم ليكونوا لمسرة الآب بواسطة قيمة وقوة موته على الصليب.
* * *
"وروافده ذهبا" الروافد بمعنى القاعدة أو الأرضية أو بمعنى المسند *. وهي من ذهب، والذهب في كلمة الله يرمز إما إلى المجد الإلهي (أنظر خر25: 11، عب9: 4و5، تس5: 11و14) أو إلى البر الإلهي (مز45: 13، رؤ3: 18) وهذا هو الحق الجوهري الذي تعلمنا إياه كلمة الله فربنا يسوع المسيح الذي هو بهاء مجد الله ورسم جوهره والحامل كل الأشياء بكلمة قدرته _ الابن الأزلي الذي له المجد منذ الأزل والكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد، قد أخلى نفسه. . . ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب، وقد جعل خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه. هذه هي الروافد أو بالحري القواعد التي يستقر عليها إيماننا والمساند الإلهية التي تستريح عليها نفوسنا، فان ربنا وسيدنا المعبود وإلهنا ذا المجد والجلال صار لنا "من الله برا"(1كو1: 30).
* * *
"ومقعده أرجوانا" والأرجوان هو مزيج من اللونين القرمزي والأزرق،فهو رمز لأمجاد عمانوئيل الذي جمع بين جلال ملكه على الأرض كابن داود ومجده السماوي باعتباره "الرب من السماء" فان قصد الله هو ان "يجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض"(أف1: 10) ولا بد ان يأتي بمجده كملكي صادق _ الملك والكاهن معا.
وان كان أعداؤه في عدم إيمانهم استهزءوا به "وألبسوه أرجوانا"(مر15: 17) إلا ان عين الإيمان تستطيع ان تراه الآن مكللا بالمجد والكرامة.
* * *
"ووسطه مرصوفا محبة من بنات أورشليم" ان كان لخشب لبنان والأعمدة الفضية والروافد الذهبية والمقعد الأرجواني قيمتها الغالية في تخت سليمان إلا ان المحبة هي أسمى وأجمل ما يزين ذلك التخت "وأعظمهن المحبة" وان ربنا له المجد يقدر كل التقدير ويجد سروره وشبعه في محبة خاصته المتعلقين به والملتفين حوله، كما ان بنات أورشليم يجدن سرورهن في سكب عواطف محبتهن للعريس المبارك، وكأني بمريم أخت مرثا كانت من "بنات أورشليم" عندما سبقت فدهنت بالطيب قدمي المخلص الكريم، أو أولئك المخلصين الذين فرشوا ثيابهم في الطريق عند دخول الرب أورشليم كملك صهيون. لا شيء يشبع قلب المسيح المرفوض من العالم نظير محبة خاصته له "أتحبني".
* * *
* كلمة روافد في ترجمة إنكليزية بمعنى قاعدة Bottom وفي أخرى بمعنى مسند Support
ص 3، آية 11
11-"أخرجن يا بنات صهيون وانظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه في يوم عرسه وفي يوم فرح قلبه".
يوجه الروح القدس الدعوة إلى "بنات صهيون" لكي يخرجن وينظرن الملك سليمان متوجا في يوم عرسه وفي يوم فرح قلبه". فلكي يتسنى لنا ان نرى "الملك في بهائه، أو بالحري لنراه "مكللا بالمجد والكرامة" يجب قبل كل شيء ان "نخرج" لأننا لا نستطيع ان نتمتع بالشركة الحقيقية _ شركة مقدسة مباركة معه إلا إذا انفصالنا أولا عن كل شيء سواه "فلنخرج إذا إليه خارج المحلة". يجب ان ننفصل انفصالا عمليا وصادقا عن كل مبادئ هذا العالم الموضوع في الشرير، وعندئذ يكون لنا النصيب الصالح المبارك _ نصيب النظر إلى سليمان الحقيقي _ إلى ذاك الذي هو أبرع جمال من بني البشر، والتفرس في جماله. صحيح أنه سيأتي "بعد قليل جدا" وسنراه "كما هو". سنرى ذاك الذي كلل مرة بإكليل الشوك، سنراه عيانا وعلى رأسه تيجان كثيرة، إلا أنه من امتيازنا إذ نخرج إليه ان نراه الآن بالإيمان، وان نرى مجده بوجه مكشوف _ نرى بالإيمان ذاك الذي رفعه الله وأعطاه اسما فوق كل اسم وان نشاركه في "فرح قلبه". أنه _ تبارك اسمه _ يريدنا ان ندخل إلى دائرة هذا الفرح _فرح قلبه هو ذلك بقوة الروح القدس "ليكون لهم فرحي كاملا فيهم"(يو17: 13).
* * *
ان ذلك اليوم "يوم عرسه ويوم فرح قلبه" هو اليوم الذي فيه يأتي ابن الإنسان كملك الذي يملك على الأرض، ولكنه قبل ان يأتي كملك الملوك ورب الأرباب سيأتي كالعريس السماوي _ عريس الكنيسة لان وقت ظهوره كملك الملوك هو بعد مجيئه كالعريس لعروسه _ الكنيسة التي هي جسده، ففي رؤيا 19: 6-8 نسمع أجواقا عديدة تهتف قائلة "هللويا فأنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء. لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لان عروس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها. وأعطيت ان تلبس بزا نقيا بهيا لان البز هو تبررات القديسين" وهذا المشهد _ مشهد العرس والفرح كان مائلا أمام عيني الرب يوم حزنه العميق الذي فيه "من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي"(عب11: 2) ولكننا نراه في هذا الفصل عينه (رؤ19: 11) آتيا بعد عشاء العرس السالف الذكر جالسا على فرس أبيض رمز السلطان والقوة الملكية، وسيكون ذلك أيضا "يوم فرح قلبه" بشعبه الأرضي _ البقية التقية.
سلفت الإشارة (في ع4) إلى الأم "بيت أمي وحجرة من حبلت بي" وهوذا هذه الأم عينها تظهر في المشهد مرة أخرى "التاج الذي توجته به أمه". لما كان الرب هنا على الأرض ماذا عملت له أمه "إسرائيل"؟ أنه لم يكن له مكان أو أدنى ترحيب في قلبها، وليس إسرائيل بصفة عامة فقط بل حتى أورشليم مدينته التي كان يجب ان تقبله وترحب به وبمحبته لها باعتبارها عروسه الأرضية فأنها لم تقبله بل بالحري كانت أشد عداوة لملكها من كل إسرائيل، ولكن عندما يأتي ذلك اليوم "يوم عرسه" ستظهر مرة أخرى تلك الأم المشتتة الآن، ولنلاحظ ان هذه الأم ليست هي العروس _ ليست العروس السماوية أي الكنيسة كما أنها ليست العروس الأرضية أي البقية اليهودية التقية وإنما هي الأمناء في كل إسرائيل مستقبلا.
وأننا عندما نتأمل في العهد الجديد حيث الكلام فيه عن العروس السماوية فأننا نرى فيه "الآب" وليس الأم، فلماذا الآب هناك (في العهد الجديد) والأم هنا (في سفر النشيد)؟ ذلك لأنه بالنسبة لنا كل شيء نبعه أو مصدره إلهي وسماوي، فالأب _ إله وأبو ربنا يسوع المسيح هو إلهنا وأبونا، أما الأم فهي أكثر ارتباطا بما هو أرضي وطبيعي. ان ربنا يسوع المسيح هو الذي أعطانا هذا المركز السماوي والعلاقة الروحية بفضل عمله الفدائي _ هو _ تبارك اسمه وليس الأم. ان الأم هنا بلا ريب هي إسرائيل.
ويرينا الروح القدس في الأعداد الأخيرة من هذا الإصحاح المناظر المجيدة الخاصة بالعريس الحبيب. أنه يرسم أمامنا سريره ومركبته وتاجه ويوم عرسه _ يوم فرح قلبه، أشياء كلها تخصه وحده دون سواه، ومتى تأملنا فيها مليا بقوة الروح القدس فأنها تجتذب قلوبنا إليه وتزيد في تعلقنا به ومحبتنا له وتضرم الرغبة في عواطفنا لخدمته وعبادته.