تفسير سفر نشيد الأنشاد آية آية

ص 6، آية 1

1-"أين ذهب حبيبك أيتها الجميلة بين النساء أين توجه حبيبك فنطلبه منك"

لقد طلبت العروس قبلا من بنات أورشليم ان يساعدتها في البحث عن حبيبه (ص5: 8) أما وقد بدأت تتحدث إلهن عنه وعن صفاته الفريدة وكمالاته وأمجاده الفائقة فقد امتلأ قلبها به _ بالعريس الحبيب حتى ان ذلك أيقظ بنات أورشليم فسألتها "أين ذهب حبيبك. . . أين توجه حبيبك فنطلبه معك؟" كم هو جميل ان يمتلئ القلب بالمسيح ان نتحدث عنه وعن محبته ونعمته إلى الآخرين! إذ متى كانت شهادتنا للرب يوح حية وقوية فأنها لا بد ان تؤثر في الآخرين وتقودهم إليه "فنطلبه معك". وما أبرك النتائج التي نحصل عليه لأنفسنا نحن أيضا، إذ ليس شيء يمكن ان يرفع نفوسنا من الحضيض ويخلصنا من الجفاف الروحي سوى مشغولية قلوبنا بالمسيح وامتلائها به وحديثنا عنه للآخرين.

*      *     *

"أيتها الجميلة بين النساء" لم يكن هذا الجمال طبيعيا فيها ولكن إذ امتلأ قلبها بالمسيح ووجدت بهجتها في التحدث عنه أشرق نوره وانعكس جماله عليها. لقد نظرت مجده بوجه مكشوف فتغيرت إلى تلك الصورة عينيها. ليت هذا يكون اختبار ونصيب كل مؤمن حقيقي _ اختبار ونصيب الكاتب والقارئ معا.

*     *     *

"فنطلبه معك" ان هذا ما سيتحقق عمليا مع البقية التقية التي ستحوز في تلك الضيقة المروعة "ضيق يعقوب" فان الرب سيوقظ بروحه أسباط إسرائيل "بنات أورشليم" ومعهم كثيرون من أمم الأرض لطلب الرب إلههم والمسيا ملكهم. "هكذا قال رب الجنود سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة. وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهابا لنترضي وجه الرب ونطلب رب الجنود. أنا أيضا أذهب. فتأتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب" (زك8: 2-22).

ص 6، آية 2

2-"حبيبي نـزل إلى خمائل الطيب ليرعى في الجنات ويجمع السوسن"

 لم تتردد العروس في إجابة بنات أورشليم على سؤالهن عن مقر حبيبها لم تتردد العروس في ذلك لان نفسها قد ردت إليه ولان قلبها امتلأ به. لقد عرفت تماما أين تجده، إذ تذكرت آخر كلمته التي قالها لها قبل تلك الليلة القاتمة _ليلة ضلالها وانحرافها عنه _ تذكرت قوله "قد دخلت جنتي يا أختي العروس"(ص5: 1) لقد كانت هي جنته، لذا عرفت أين هو "حبيبي نـزل إلى جنته إلى خمائل الطيب. . ." ولكن بسبب تراخيها وميلها إلى النوم، أو بالحري لأنها لم تكن مستعدة لان تنكر نفسها وتحمل صليبها وتتبعه، لذا فقدت _إلى حين _ محضره المبارك ونسيت كلماته الحلوة وما أكثر ما نتعرض نحن لهذه الحالة، ولكن إذ استردت علاقته به ذكرها بروحه وكلماته المنعشة "قد دخلت جنتي يا أختي العروس". حقا ما أكبر الفرق بين حالة العروس هنا وحالتها قبلا حيث تقول "وجدني الحرس الطائف في المدينة ضربوني جرحوني. حفظة الأسوار رفعوا إزاري عني"(ص5) هذا هو الفرق الكبير بين السلوك في الشركة مع الرب وبين الضلال والتيه في العالم. هوذا العروس تتمتع الآن بالشركة المقدسة الهانئة مع حبيبها. والرب نفسه مسرور ومتلذذ بشعبه في جنته حيث "يجمع السوسن" _ "كالسوسن بين الشوك كذلك حبيبي بين البنات" نعم هذه هي الشركة السعيدة المتبادلة بين العريس وعروسه.

وليس هناك ما يمنع من تطبيق كلمة "الجنات" على اجتماعات القديسين المتفرقة في كل العالم، وكم هو جميل وملذ ان الرب هناك ليرعى قطيعه حيث "خمائل الطيب" وحيث "يجمع السوسن" نعم أنه _تبارك اسمه _ في وسط الذين يجتمعون باسمه ولو كانوا "اثنين أو ثلاثة" هناك يظهر ذاته لهم ويشبعهم من مراعي كلمته ويبهجهم ويعزيهم بروحه الماكث معهم والساكن فيهم.

ص 6، آية 3

3-"أنا لحبيبي وحبيبي لي. الراعي بين السوسن"

في الإصحاح الثاني (ع16) من هذا السفر تقول العروس "حبيبي لي وأنا له" وهذا اختبار النفس التي التفتت إلى صليب المسيح وآمنت به وقبلت منه هبة الحياة الأبدية، وإذ تقبل النفس المسيح وتشعر بالسعادة تملأ جوانحها تقول "حبيبي لي" أي إني قبلته لنفسي وامتلكته لذاتي. إنه "لي"وبالتالي إذ تسلم ذاتها له تقول "وأنا له" أما لغة العدد الثالث من هذا الإصحاح (ص 6) حيث تقول العروس "أنا لحبيبي وحبيبي لي" فإننا نرى فيها نموا وتقدما في الاختبار الروحي. إنها لغة نفس قد تخلت عن ذاتها وصار المسيح موضوع مشغوليتها وتفكيرها، فعوض ان تنشغل بإيمانها ومحبتها للمسيح وخدماتها هي له، فالعين والقلب والأفكار والشفاه جميعها مملوءة بالمسيح ومشغولة بشخصه الكريم الذي امتلكها لنفسه "أنا لحبيبي". هي في الإصحاح الثاني تقول "حبيبي لي" معبرة عن بهجتها بامتلاكها المسيح، وهذا حسن وجميل في وقته، أما هنا فتعبر عن فرحها بأنها ملك المسيح "أنا لحبيبي" وهذا أحسن وأجمل، فان كان جميلا ان يكون لي يقين بغفران خطاياي وخلاصي ولكن مشغوليتي بمن غفر خطاياي وبمخلصي الذي امتلكني لهي أفضل وأجمل بما لا يقاس من مشغوليتي بذاتي وبما حصلت عليه من المسيح من غفران الخطايا والخلاص الأبدي.

*     *     *

"حبيبي لي. الراعي بين السوسن" ان غرض قلبي. ان سعادتي وفرحي فيه وحده دون سواه. نعم فان يقيننا بأننا للمسيح "ولأنكم لستم لأنفسكم" يقودنا إلى تكريس حياتنا وكل كياننا له "فمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله".

  وربنا يسوع الذي مات لأجلنا فوق الصليب قد قام من بين الأموات، ومع أنه ارتفع إلى السماء، وصار أعلى من جميع السموات إلا أنه لا يزال خادما لأعوازنا. أنه "الراعي بين السوسن" الذي بنفسه يرعانا في الطريق إلى ان يدخلنا إلى المجد الأبدي. لاسمه كل الحمد.

ص 6، آية 4

4-"أنت جميلة يا حبيبتي كترصة حسنة كأورشليم مرهبة كجيش بألوية".

ما أعجب محبتك ولطفك وطول أناتك يا ربنا يسوع ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، نعم أليس عجيبا ان تخرج كلمات المحبة والنعمة هذه من شفتي الرب يسوع وان يتحدث بها إلى عروسه بعد فشلها المحزن _بعد رجوعها وتحولها عنه؟ أنه لعجيب حقا ان يناجي العريس عروسه قائلا "أنت جميلة يا حبيبتي" يا لها من محبة‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍، محبة المسيح الفائقة المعرفة ورأفته التي لا تكل وصلاحه الذي لا يزول. ان الرب يغفر الخطايا فقط بل ينساها كلها حينما ترجع النفس إليه نادمة. أنه يقبل كل تائب بأحلى مظاهر النعمة في اللحظة التي تأخذ النفس فيها مكانها الصحيح قدامه. ان أول ما يذكره العريس لعروسه الراجعة إليه هو جمالها الذي يراه فيها "أنت جميلة يا حبيبتي" فلا يشير بكلمة واحدة إلى حيث كانت أو إلى ما فعلت.

          وهو يجيب المرتجى               ويظهر كل الرضا

          لا يذكر شر الخطأ               وينسى كل ما مضى

*     *     *

"جميلة. . . . كترصة حسنة كأورشليم مرهبة كجيش بألوية" صحيح ان مدينة ترصة قد ولى عهدها، وأورشليم قد زال مجدها، وألوية يهوذا وأفرايم قد طواها التأديب وقضاء الله، ولكن قلب الرب هو هو لا يتغير، فهو يقول لعروسه "جميلة كترصه" وترصه معناه "مسرة أو بهجة" وقد كانت مقر ملوك إسرائيل قبل ان تبنى السامرة (1مل15: 33) "وحسنة كأورشليم" وقد كانت هذه مقر ملوك يهوذا، وكانت كما نعلم من كلمة الله مشهورة بكثرة أمجادها "جميل الارتفاع فرح كل الأرض جبل صهيون. فرح أقاصي الشمال مدينة الملك العظيم. الله في قصورها يعرف ملجأ"(مز48: 2و3) ولكن أورشليم هذه احتقارت مسياها ورفضته _ رفضت "الملك العظيم" حقا ما أعجب ان يرى الرب حسنا في أورشليم التي ذرف دموعا غزيرة عليها _ أورشليم التي بدل ان تتوجه ملكا عليه توجته بإكليل من شوك بدل ان تجلسه على عرشه رفعته على صليب الذل والعار‍، كذلك عجيب ان يرى الرب جمالا في ترصه التي كانت عاصمة مملكة الأسباط المتمردين، ومع ذلك فان هاتين المملكتين التائبتين يهوذا وإسرائيل، سوف تتحدان في بوم المجد العتيد تحت رأس واحد ولن ينفصلا إلى الأبد، وما نراه هنا في صور تشبيهية يتحدث عنه الأنبياء بعبارات واضحة "هكذا قال السيد الرب. هأنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها واجمعهم من كل ناحية وآتي بهم إلى أرضهم. وأصيرهم أمة واحدة على جبال إسرائيل وملك واحد يكون ملكا عليهم كلهم ولا يكونون بعد أمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين"(خر37: 15-22).

فحينما ترجع الأسباط الأثناء عشر ومسيا يكون ملكا عليهم، يومئذ يكون مجد الأمة عظيما "ملك واحد يكون ملكا عليهم" وعندئذ تكون الأمة "مرهبة بألوية".

*     *     *

 "مرهبة كجيش بألوية" وفي إشارة إلى جنود الرب الظافرين وألوية النصر ترفرف عليهم، فالرب يرى عروسه كالغالبة ويريد ان يكون شعبه منتصر في كل حين "شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين"(2كو2: 14) وجدير بكل واحد منا نحن المؤمنين ان يفحص ذاته جيدا ليعرف المؤثرات والمشاعر والملكات التي يجب ان ينتصر عليها، والكسل في الحياة الروحية من أشر الأعداء، والروح القدس يحذرنا منه في هذا السفر (ص3: 1، 5: 2) وإذا لم ننتصر بنعمة الله ومعونته على كل هذه الأعداء فأنها تغلبنا وتهزمنا في ميدان الحرب الروحية.

ومن الواضح الجلي ان العريس يتحدث دائما عن جمال عروسه بالتفصيل عندما تكون في حالة النصرة الروحية كما في ص4 وكذا في ص6و7، وأنه لا يصفها بهذه الأوصاف الجميلة عندما تكون على فراشها أو في حالة الراحة والتراخي بعيدة عنه.

عندما يخاطب الرب الكنائس السبع (رؤ2و3) ينبّر على وجوب الغلبة والانتصار كشرط للتمتع بالبركة وبرضاه "من يغلب".

*     *     *

وان في قول الرب عن عروسه بأنها "مرهبة" حقا عمليا يجب ان يراعيه المؤمنون سيما في أيام التهاون والتراخي هذه، فمع أنه يجب ان يكون المؤمنون ودعاء ولطفاء مع جميع الناس، إلا أنه من واجبهم أيضا ان يكونون أشداء ومرهبين ضد الخطية وضد عدو النفوس "قاوموا إبليس فيهرب منكم" وان يكونوا قساة ومرهبين ضد كل تعليم شرير، ولا سيما ما يمس أمجاد ابن الله الأزلي _ الرب يسوع_ يهوه الكائن على الكل إلها مباركا إلى الأبد.

ص 6، آية 5

5-"حولي عني عينيك فأنهما غلبتاني. شعرك كقطيع المعز الرابض في جلعاد".

ما أعجب هذا، أنه حق لا يستطيع ان يدركه الإنسان الطبيعي، لا ولا الملائكة أنها "تشتهي ان تطلع عليه" ولكي نفهمه ينبغي ان نعرف ربنا يسوع نفسه، فأنه لا يوجد قلب يشترك في أفراح الآخرين وبركتهم مثل قلبه. سرور قلبه في ان يبارك البؤساء والمعوزين، فيسافر سفرة طويلة لكي يلتقي بالمرأة السامرية الساقطة ليباركها، أو الأممية لكي يسعدها، فان فرحه وفرح كل السماء ان خاطئا واحدا يرجع إليه ويمتلى من ملئه ويغتني بغناه.

*     *     *

"فأنهما غلبتاني" ان ربنا _له المجد _ لا يحتمل ان يرى مؤمنا متذللا  متطلعا وشاخصا إليه، فقلبه الرقيق لا يحتمل ان  يسمع طويلا أنات قديس ناظر إليه ومتعلق به، أو ان يرى عينيه دامعتين أمامه. ليت لنا هذه الثقة في الرب _ في محبته وفي رقة عواطفه فنلجأ إليه في كل ظروف الحياة بنفوس منسحقة، فأنه لا يسر بذبيحة وبمحرقة لا يرضى "ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز51: 16و17) "لأنه لم يحتقر ولم يرذل مسكن المسكين ولم يحجب وجهه عنه بل عند صراخه إليه أستمع"(مز22: 24) "فيما هم يتكلمون بعد ان أسمع"(أش65: 24).

*     *     *

وكم يكون حنان قلبه عظيما يوم يتحول إليه بيت داود وسكان أورشليم نائحين باكين. يوم ترجع إليه الأسباط ويعترفون به كمسيحهم الحقيقي. عندئذ تثبت عين كل سبط عليه، ويفيض كل قلب بالحمد والتسبيح ومن أورشليم تفيض البركة لجميع شعوب الأرض (زك12: 10-14، 14: 16).

ويومئذ يكون أش53 أنشودة كل الأسباط ومظهرا لندامتهم وبالتالي لفرحهم، "مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه أثم جميعنا" وأورشليم المحبوبة ستكون أورشليم مشورات الله لا أورشليم كبرياء الإنسان وظلمه، حينئذ ستكون بهجة كل الأراضي "واسم المدينة من ذلك اليوم يهوه شمه" (أي الرب هناك خر48:35). نعم وستكون كل الأشياء طبقا لأفكار مسيا، فالشيطان سيوضع في الهاوية، واللعنة ترفع عن الأرض، وقوة إبليس ستقهر، وسليمان الحقيقي سيملك على الجميع. ومن منا يتصور نتيجة غياب الشيطان وحضور المسيح بالقوة والمجد العظيمين _وذلك على المسكونة بأسرها.

ص 6، آية 6 و7

"شعرك كقطيع المعز الرابض في جلعاد" 6-"أسنانك كقطيع نعاج صادرة من الغسل اللواتي كل واحد متئم وليس فيها عقيم" 7-"كفلقة رمانة خدك تحت نقابك"

لقد وردت كل هذه التعبيرات مرة في الإصحاح الرابع من هذا السفر، وها هي تتكرر هنا، ونحن نعلم ان الروح القدس لا يكرر الأقوال عبثا. أذن فلماذا هذا التكرار؟ أنه بعد ان وجه العريس هذه الأقوال عينها للعروس في الإصحاح الرابع، حدث أنها _أي العروس_ تحولت عن عريسها إذ فضلت راحتها وملذاتها عليه، ولم تبال بنداءاته الرقيقة المتكررة إليها "افتحي لي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي لان رأسي امتلأ من الطل وقصصي من ندى الليل، ولكنها عوض ان تقوم وتفتح له تقول "أنا نائمة. . . قد خلعت ثوبي فكيف ألبسه. قد غسلت رجليّ فكيف أوسخهما؟" وهل يوجد أشر من هذه الحالة _ حالة عدم المبالاة بالحبيب وبكلمات محبته ونعمته هذه؟ ولكن شكرا للرب الطيب فأنه بوسائله المتنوعة قد رد نفسها إليه وشركتها معه ردا صحيحا وكاملا حتى استطاعت ان تقول "أنا لحبيبي وحبيبي لي" وهوذا العريس في نعمته ومحبته يؤكد لها بأنه باق على عهد محبته الذي لا يتغير "محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة" (أر31: 3) "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى" (يو13: 1) لذا يكرر الرب لعروسه نفس العبارات التي قالها لها قبل ضلالها وتحولها عنه ليؤكد لها ان تقديره لها ولجمالها لا يزال هو هو، ومع أنه لا يذكر لها شيئا عن ضلالها، فان في تكرار هذه التعبيرات الدالة على ثبات تقديره  لا وإعجابه بها، تأثيرا على قلبها أكثر من ذي قبل، فان الظروف التي تكررت فيها نـزيد في قيمتها أضعافا، وبهذا نرى ان الروح القدس يستخدم ذات التعبير الواحد أكثر من مرة حينما يكون في تكراره مجد المسيح وبركة نفوسنا.

ص 6، آية 8 و9

8 و9-"هن ستون ملكة وثمانون سرية وعذارى بلا عدد. واحدة هي حمامتي كاملتي. الوحيدة لأمها هي. عقيلة والدتها هي رأتها البنات فطوبتها الملكات والسراري فمدحتها".

لقد سر الله الآب بان تكون له عشائر مختلفة ومتنوعة من القديسين، فهو "الذي منه تسمى كل عشيرة في السموات وعلى الأرض"(أف3: 15) وقد عين لكل عشيرة مركزها ومقامها في المجد، فليس لها جميعها مركز ومقام واحد، وهذا ما نراه في العددين اللذين أمامنا، فأننا نرى ملكات وسراري وعذارى وبنات، ولكن ولا واحدة من هؤلاء لها المكان الفريد الذي للعروس. لا شك ان لكل منهن علاقة بالمسيح، ولكن ليس لهن نفس المقام الرفيع الذي لحمامته الكاملة (أي التي لا دنس فيها *) والبقية التقية في يومها السعيد سيكون لها مركزها الفريد ومقامها المجيد، الذي لا يسمو عليه سوى مركز ومقام الكنيسة في عيني وقلب المسيح. ان المئة والأربعة والأربعين ألفا الذين سيقفون مع الحمل على جبل صهيون (رؤ14) _ أي البقية المشار إليها، هم عروس النشيد _ عروس المسيا الأرضية، ويا له من مركز ممتاز سيكون لهم في الزمن الألفي المجيد، فهم يرون قريبين من السماء التي منها يتعلمون الترنيمة الجديدة التي لا يستطيع ان يتعلمها غيرهم (ع3) وهم سيكونون بحق واحدة المسيح وكاملته (التي بلا عيب) إذ ان لهم صفة العذاري. أنهم "أطهار"(ع4)، وهو يريدهم ان يعرفوا مكانتهم التي لهم في قلبه وربما يتعلمون ذلك _إلى حد ما _ من سفر النشيد هذا. وياله من تشجيع وإنعاش سيكون لتلك البقية المتألمة والمضطهدة إذ يعلمون ان لهم مكانة كهذه في قلب الحبيب ! فمع أنه سيكون للمسيح قديسون آخرون كثيرون "عذارى بلا عدد" وستكون لهم مراكز مباركة في يوم المجد ولكن لا يكون لهم نفس المركز الفريد الذي للعروس.

لقد كان العريس يتحدث في المشاهد السابقة عن صفاتها الجميلة، أما هنا فهو يتحدث عنها شخصيا وعما هي بالنسبة إليه "حمامتي كاملتي" أنها عروس الملك سليمان الحقيقي. العروس الجميلة شريكة عرشه الملكي في صهيون، وأكثر من ذلك أنها ليست فقط موضوع بهجة الملك، بل موضع إعجاب العالم بأسره "رأتها البنات فطوبتها. الملكات والسراري فمدحتها". ثم "وبنت صور أغني الشعوب" رمز للأمم "تترضى وجهك بهدية"(مز45). فهي _أي العروس _ يشرق عليها مجد الملك وجماله فيرى جميع الأمم جماله فيها فيعجبون به. "وخرج لك اسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد"(خر16: 14).

*     *     *

وان كانت للبقية التقية _عروس المسيا الأرضية_ هذه المكانة الفريدة، فان للكنيسة _بكل يقين _ مكانة أسمى وأرفع، إذ لا توجد جماعة من المؤمنين في كل التدابير الماضية والمستقبلة لها نفس المقام الذي صار للكنيسة، فهي ثمرة فريدة لا مثيل لها للنعمة الغنية. ان البقية التقية مع ما سيكون لها من مركز رفيع ان تصير "جسد المسيح". لن يصيروا "أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه"(أف5: 3)

وكثيرون من شعوب الأرض المفديين سيرون الكنيسة _كما سيرون أيضا البقية المشار إليها في جمال باهر وفائق _سيرون العروس _ سواء السماوية أو الأرضية بعيون نقية وبسيطة خالية من الحسد فيتغنون بجمالها "رأتها البنات فطوبنها. الملكات والسراري فمدحتها". أهو قليل عندنا أنه أتى بنا إلى هذا المقام الأسنى؟ لو ان الله سر بان يدعونا ويباركنا مع مؤمني أي  تدبير من التدابير الأخرى التي ليس لها مثل هذا المقام الذي صار لنا الآن، وكنا تبعا لذلك ننظر إلى الكنيسة في مقامها الفريد الذي لم نصل إليه نحن، أفما كنا نحسبها نعمة عظيمة؟ ولكن ماذا نستطيع ان نقول أو نفتكر في المحبة _ "محبة المسيح الفائقة المعرفة" إذ دعانا لنكون ضمن الكنيسة التي لها أقرب وأغلى مكان في قلب وعواطف المسيح _"الكنيسة التي هي جسده" والتي لها جمال روحي لا يمكن ان يقارن به جمال أي عشيرة من عشائر القديسي الآخرين؟ ان إدراكنا لهذا الحق السامي الخاص بمركز ومقام الكنيسة وإشراق نوره علينا لمما يقودنا إلى سجود وتعبد قلوبنا لله أبينا، وإلى العيشة لمجد ومدح اسم المسيح ومسرته.

*     *      *


* تجيء كلمة "كاملتي" في بعض الترجمات بمعنى التي لا دنس فيها UNDEFILED

ص 6، آية 10

10-"من هي المشرفة مثل الصباح جميلة كالقمر طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية؟"

لقد رأت العذارى والبنات العروس "الوحيدة لأمها" فطوبنها. "الملكات والسراري فمدحنها" وتتلخص كلمات التطويب والمدح في قولهن "من هي المشرفة مثل الصباح. . . . . ؟" وهذه هي الصورة التي يجب ان نظهر بها أمام العالم لمجد الله الآب "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات"(مت5: 16) نعم يجب ان نرى أمام الآخرين في نفس الأوصاف والصفات التي توصف بها العروس هنا "من هي المشرقة مثل الصباح؟" ان الصورة التي ستظهر بها الكنيسة في المجد هي التي يجب ان تظهر بها روحيا وأدبيا هنا في هذا العالم. يتحدث الكثيرون من المسيحيين عن "الكنيسة الغير منظورة" ولكن في الحقيقة لم يكن قصد الله أبدا ان تكون الكنيسة غير المنظورة، لأنه إذا صارت الكنيسة كذلك فهذا دليل انحرافها وخرابها، وإنما يجب ان يرى "صباح" يوم الملكوت المجيد في العروس وهي هنا على الأرض، وهذا ما قصده الرسول بطرس في كلامه عن نور النهار وطلوع كوكب الصبح في قلوب المؤمنين (2بط1: 9) فإذا كان نور النهار أشرق فينا وطلع كوكب الصبح في قلوبنا فأننا نرى بصورة عملية بأننا "أبناء نهار"(1تس5: 4و5) فواجبنا ان تكون لنا في حياتنا وسلوكنا العملي والعلني صفات "النهار" وذلك بالمباينة مع الليل وما له من صفات. ان العروس (في رؤ21) ترى ظاهرة في صورة علنية، وان كل ما تحلت وتجملت به "كعروس مزينة لرجلها" لم يكن شيئا خفيا بل واضحا أمام الآخرين. إنها سترى من ربوات ربوات من شعوب المخلصين في نورها الباهر "ولمعانها شبه أكرم حجر يشب بلوري" وهذا ما يجب ان تكون عليه روحيا وهي هنا على الأرض. يجب ان ترى وقد انعكس عليها بهاء المسيح "ولها مجد الله"

*     *      *

لقد رأى العريس عروسه قبلا كالغالية "مرهبة كجيش بألوية"(ع4) أما الآن فليست ترى من العريس فقط في هذه الصورة _صورة الظافرة والمنتصرة، بل من الآخرين الذين رأوها. إنها تظهر بصورة علنية كالظافرة والمنتصرة على أعدائها "مرهبة كجيش بألوية" فلا ترى كالضعيفة المنهزمة. أنها جيش المسيح الظافر، ومتى ظهرت الكنيسة بهذه الصورة الجميلة فلن تكون "الكنيسة غير المنظورة".

صحيح أننا نتوقع ردا كاملا ورجوعا شاملا للمسيحية بأسرها _المسيحية الاسمية السائرة في طريق الارتداد _ ولكن رجوعا فرديا، أفرادا يلبون دعوة الرب "ان سمع أحد صوتي" فيعيشون عيشة الغلبة والنصرة ويسيرون معا بحسب مبادئ الكنيسة الكتابية من حيث امتيازاتها ومسئولياتها.

*     *     *

"من هي المشرقة مثل الصباح؟" فكان عروس المسيا _البقية التقية ترى خارجة توا من ظلام الليل الطويل الذي تجتازه، وإذ تتركه وراءها، تتطلع إلى النهار المبارك عندما "تشرق شمس البر"، وواضح أنه كثيرا ما يرمز في الكتاب المقدس إلى نور الأتقياء في إسرائيل ومجدهم وكرامتهم بالشمس والقمر والنجوم، وهذا ما نراه في أحد أحلام يوسف، ففي عائلة يعقوب ترى الأمة كلها ممثلة في الشمس والقمر والنجوم، وفي سفر الرؤيا (ص12) نجد سبط يهوذا الذي طلع منه ربنا محاطا بذات النور والمجد حيث نقرأ عن "المرأة المتسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها إكليل من أثني عشر كوكبا" أي ان مجد الاثني عشر سبطا ممثل ومركز في السبط الملكي. كما ان هذه الأجرام السماوية تشير أيضا إلى الثبات كما قيل "مرة حلفت بقدسي أني لا أكذب لداود. نسله إلى الدهر يكون وكرسيه كالشمس أمامي. مثل القمر يثبت إلى الدهر. والشاهد في السماء أمين"(مز89: 35-37) ما أمجده تغييرا سيحدث لذلك الشعب الذي طالما أمتهن وديس تحت الأقدام. فالبنات والملكات والسراري سوف يرين بعيونهن السبط الملكي، يهوذا كعروس "مشرقة مثل الصباح جميلة كالقمر طاهرة كالشمس مرهبة كجيش بألوية" أنها ستكون موضع إعجاب شامل عندما "تشرق شمس البر والشفاء في أجنحتها"(ملا4: 2) عندئذ يتم الوعد القديم "أوصنا لابن داود" وعندئذ تسمع العروس القول "قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك. . . . فتسير الأمم في نورك والملوك في ضياء إشراقك" (أش60: 1و3).

ص 6، آية 11 و12

11 و12-"نـزلت إلى جنة الجور لانظر إلى خضر الوادي ولانظر أقعل الكرم هل نوَّر الرمان. فلم أشعر إلا وقد جعلتني نفسي بين مركبات قوم شريف *".

لقد نـزل الرب مرة من السماء إلى الأرض لعله يجد ثمرا في شعبه، ولكنهم _ بكل أسف وحزن _ رفضوه، رفضوا ملكهم الذي جاء خصيصا لأجلهم، لقد أتى إلى خراف بيت إسرائيل الضالة "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله"(يو1: 11) نعم لقد أرسل الله ابنه الوحيد الحبيب إلى كرمه ليأخذ أثماره، ولكنهم أخذوا ذلك الابن "وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه"(مت21: 39) هذا ما كان من إسرائيل باعتباره كرم الرب، فجلبوا على أنفسهم قضاء مروعا، ولكن ما أعجب محبة الرب ونعمته وطول أناته، فأنه سيأتي إليهم مرة أخرى، وكم سيكون سروره عظيما إذ يجد في خاصته _ البقية التقية من يهوذا وكذا من الأمناء في إسرائيل ثمرا لمسرته ولشبع قلبه. أنه سينـزل إلى "جنة الجوز" وسينظر إلى "خضر الوادي" _وادي أتضاع يهوذا وإسرائيل. فقط اجتاز إسرائيل بصفة عامة وأورشليم بصفة خاصة في أشد وأقصى الآلام المذللة، وسيأتي الرب إليهم ليرى ثمر ذلك الأتضاع، ليرى "هل أقعل الكرم هل نور الرمان".

*     *     *

ان "جنة الجوز" التي نـزل إليها الحبيب تختلف إلى حد ما عن "الجنة المغلقة" (ص4: 12) فالجنة المغلقة تشير إلى العروس _البقية التقية بينما "جنة الجوز وخضر الوادي" تشير إلى دائرة أوسع. أنها تشير إلى رجوع كل الأسباط، فالرب يريد ان يرى ما يبشر بإتيان ثمر روحي في بقية الأسباط، فمع ان البقية "الجنة المغلقة" ستكون قد رجعت إليه ولكن كأنه سينـزل ليرى هل هناك في أسباط إسرائيل ما يدل على قرب الإتيان بالثمر _ ليرى "هل أقعل (أي بدأ ينضج) الكرم أو نور الرمان". لقد وجد في جنته _عروسه "ثمره النفيس" ولكن كانت له جنة أخرى "جنة الجوز" _إسرائيل الذي لم يكن قد أتى بعد بثمر، والعروس نفسها ستدعوه ليرى هل هناك ما يدل على وجود حياة في إسرائيل أو ما يعطى أملا بالإتيان بثمر فيما بعد (ص7: 11و12). ان الرب لا يكون له في النهاية "الجنة المغلقة" أي العروس فقط بل كل إسرائيل أيضا "وهكذا سيخلص جميع إسرائيل. . . لان هبات الله ودعوته هي بلا ندامة"(رو11: 26و29) وسيجد الرب في النهاية أثمارا نفيسة وناضجة في الملك الألفي المجيد. عندئذ يتم القول "من تعب نفسه يرى ويشبع"(أش53: 11) يا له من مشهد مبارك! أنه ليس مشهد البرية برمانها المحرقة بل منظر جنة مثمرة وقد أقعلت كرومها ونور رمانها. أنها ثمار نعمته الغنية الصابرة التي يبتهج بها قلبه ويمتلئ إعجابا بها، وكأنه يؤخذ مدهوشا من المشهد فتحمله محبته وتنقله إلى حيث شعبه الذي تغير، شعبه المنتدب للخدمة، شعبه "القوم الشريف" إليه يتجه بمركبات مسرعة كمركبات عميناداب "فلم أشعر إلا وقد جعلتني نفسي على مركبات قوم شريف" أو "مثل مركبات عميناداب" أو "أجلستني نفسي على مركبات شعبي المنتدب" يا له من مشهد عجيب مبارك ان نرى قلب الرب يتحرك بهذه الصورة إذ يستشيره استعداد شعبه لقبوله والترحيب به "شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة من رحم الفجر لك طل حداثتك"(مز110: 3) ونحن نعلم ان ربنا يسوع كان في أيام جسده هنا على الأرض كالإنسان الضعيف "محتقر ومخذول من الناس" لقد "صلب من ضعف"(2كو13: 4) ولكنه "حي بقوة الله" وذلك بالقيامة من الأموات، فالذي صلب من ضعف سيكون شعبه _في يوم قوته_ منتدب له في زينة مقدسة، وعندما يرى الرب ان الكرم بدأ نضوجه وان الرمان قد نور، أي يرى ان الحياة قد بدأت تدب في إسرائيل، عندئذ يكون الوقت المشار إليه في مز110: 3 قريبا جدا. سيرى الرب نفسه محمولا على مركبات شعبه المنتدب والراغب في عمل مشيئته، فما ستكون قد عملته النعمة في البقية التقية من يهوذا بصفة خاصة ستعمله أيضا في إسرائيل بصفة عامة.

*     *     *

ان الرب يتطلع في الزمان الحاضر إلى دائرة الاعتراف المسيحي الواسعة ليرى هل هناك قلوب محبة له. أنه له المجد يقدر كل التقدير العواطف المتعلقة به، فهو يتطلع ليرى مؤمنا "بروح منتدبة" مؤمنا متأهبا ومستعدا لخدمته وعمل إرادته، ومتى وجد مؤمنون بهذه الصورة الجميلة فأنهم يكونون كمركبات "قوم شريف" ويا من له سرور وفرح لقلب الرب إذ يرى "شعبا منتدبا" فإذا ما كان القديسون محبين للرب حقا، وكانوا متأهبين لعمل مشيئته فأنه تبارك اسمه يجد فيهم "مركبات قوم شريف" يستطيع ان يعمل بهم ومعهم، وجدير بنا ان تكون هذه الحقيقة ماثلة أمامنا في كل حين، فان ربنا المعبود يعتز بمحبة قلوبنا، إذ ان المحبة هي التي ترحب بالرب وبعمل ما يرضيه وتهيئ له "المركبات" التي تحمله إلى حيث محيوه "الذي يحبني يحبه أبي وأنا أحبه وأظهر له ذاتي. . . ان أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منـزلا"(يو14: 21و23). ان المسيحية في أيامنا هذه في حالة التراخي ومحبتها للرب ضعيفة، وما أقل المنتدبين الراغبين في تسليم ذواتهم له ليأخذ مكانه وطريقه في حياتهم. وحالة كهذه يجب ان تحفر كل محب مخلص للمسيح بان يسلم ذاته له ليمتلك حياته وكيانه بجملته.

*     *     *


* "قوم شريف" أو عميناداب أي شعبي المنتدب "شعبي العامل مشيئتي بسرور"   Amminadad or My Willing People

ص 6، آية 13

13-"ارجعي ارجعي يا شولميث ارجعي ارجعي فننظر إليك"

      "ماذا ترون في شولميث؟ (1)"

      "مثل رقص صفين (2)"

"ارجعي" هذه هي الدعوة الموجهة إلى العروس ويتكرر هذا النداء "ارجعي" أربع مرات الأمر الذي يدل على أهمية هذه الدعوة "ارجعي ارجعي يا شولميث ارجعي ارجعي فننظر إليك" ويبدو من هذا ان العروس لم تكن ظاهرة أو منظورة، لذا تناشدها العذارى بان ترجع لكي يستطعن ان يرينها "فننظر إليك" فقط كانت كأنها بعيدة عن المشهد أو المكان اللائق بها، لذلك يطلب إليها بإلحاح ان ترجع لكي يستطاع رؤيتها. ان هذا ينطبق _مع الأسف انطباقا تاما على تاريخ الكنيسة، فقد كانت الكنيسة في أيامها الأولى كعروس متحلية بزينة روحية مقدسة وبجمال المسيح عريسها، ولكن لم يمض وقت طويل حتى كأنها  اختفت من المشهد أجيالا عديدة حتى وصفت "بالكنيسة الغير المنظورة" مع أنه لم يكن قصد الرب ان تكون الكنيسة غير منظورة "هل فأريك العروس امرأة الخروف" (رؤ21: 9) لقد كانت ظاهرة ومنظورة في الماضي وستكون ظاهرة ومنظورة في المستقبل، فكيف لا تكون منظورة الآن؟ ان دليل الانحراف المريع، ولكن هوذا النداء يوجه إلى العروس بصوت جلي وواضح ومتكرر "ارجعي ارجعي. . فننظر إليك" فيجب ان تكون كمنارة موضوعة على جبل عال. ان قصد الرب ان تكون الكنيسة منيرة ونورها ظاهر وساطع قدام جميع الناس. أنه يريدها شاهدة أمينة له، وان تظهر صفاته وكمالاته قيل ان تتغير لتكون على صورته ومعه في المجد، ومع أنه لا ينتظر ان تظهر صفات ومميزات الكنيسة السماوية في جميع المعترفين بالمسيح _أي الكنيسة الاسمية، ولكن الرب يعمل بوسائل نعمته ولو في بقية صغيرة من المؤمنين _ ربما في أثنين أو ثلاثة من المؤمنين الأمناء الذين يسلكون معا _ بكل تواضع بحسب نور كلمة الله وبحسب الحق الكتابي المتعلق بالكنيسة ومبادئها. ليتنا نهتم بان نكون في هذه الحالة المباركة.

*     *     *

ثم يسأل هذا السؤال "ماذا ترون في شولميث؟ والجواب "مثل رقص صفين" أو "مثل جماعة من جيشين" وفي هذا إشارة إلى الشهادة المزدوجة عن قوة العروس الروحية المنتصرة. لقد قال يعقوب قديما عندما لاقاه ملائكة الله "هذا جيش الله" (تك32) "فدعا اسم ذلك المكان محنايم" (نفس الكلمة المذكورة هنا في نشيد 6: 13) أي جيشين من الملائكة لحراسة يعقوب عند رجوعه إلى بيت إيل، أما هنا فقد رأت العذارى شولميث مثل "رقص صفين" والرقص يدل على ان الأعداء قد دحروا ولم يبق على الشعب المنصور بالرب إلهه إلا ان يرقص فرحا بالرب الذي قاده في موكب النصرة. لقد خرجت النساء وراء مريم أخت موسى وهرون بدفوف ورقص مرنمات للرب "فأنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر" (خر15: 20) وكذلك حين رجع داود من قتل الفلسطيني ان "النساء خرجت من جميع المدن بالغناء والرقص"(1صم18: 6) فشولميث قد رأتها العذارى كالغالبة والمنتصرة على أعدائها، والله يريدنا ان نرى لا كضعفاء منهزمين بل كمن "يذهبون من قوة إلى قوة" أنه لمن المؤسف حقا ان نرى من الآخرين في حالة الضعف والهزيمة، بينما لدينا وسائل النعمة الغنية لنغلب وننتصر بقوة الرب الذي يهبنا القدرة على ذلك. قد تكون أمامنا صعوبات ومعطلات متنوعة ولكن الله يريدنا ان نسمو فوقها وان نحيا الحياة الغالبة، ولا يجب ان يساورنا الفكر لحظة واحدة بان هذه الصعوبات تؤدي بنا إلى الهزيمة والفشل، بل بالحري "في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا" تفكر في ينابيع وموارد النعمة الني لنا في إلهنا وأبينا وفي الرب يسوع المسيح وفي الروح القدس. تفكر في قوة الصلاة _ "صلاة الإيمان التي تقتدر كثيرا في فعلها" وفي نتائج الثبات في المسيح وتيقن أنك إذا سرت مع الله فأنك بكل يقين تستطيع ان "تسبح اسمه برقص"(مز149: 3). ان الرب يدعو خاصته _ الكنيسة التي هي جسده، ان ترجع إلى حالة النصرة التي كانت عليها قديما، أما إذا لم نستطيع ان ننتصر في المكان والظروف التي نحن فيها الآن فأننا لا نستطيع ان ننتصر في أي مكان أو في أية ظروف أخرى "وأما منتظروا الرب فيجددون قوة. يرفعون أجنحة كالنسور. يركضون ولا يتعبون. يمشون ولا يعيون"(أش40:31).

*     *     *

ثم ان رؤية العروس مثل "رقص صفين" يشير بلا ريب إلى اتحاد بيت يعقوب الذي طالما انقسم على نفسه، وذلك سيتم في عهد رئيس السلام. يومئذ لا يكون يهوذا وإسرائيل أمتين الواحدة ضد الأخرى بل يصيران أمة واحدة وهي التي يشار إليها هنا بعروس سليمان الحقيقي "شولميث" أي التي لها سلام، وهذه الواحدة ستصير ظاهرة وواضحة أمام العالم بأسره في الملكوت الألفي، ملكوت السلام "فيزول حسد أفرايم وينقرض المضايقون من يهوذا. أفرايم لا يحسد يهوذا ويهوذا لا يضايق أفرايم" (أش11: 13) عندئذ يعم السلام، والأسباط الإثنا عشر يملكون في أرض ميراثهم. في ذلك الوقت تكون أبواق القتال معلقة والسيوف تطبع سككا والرماح مناجل ولا يتعلمون الحرب فيما بعد (أش2: 4).

*     *     *


(1)  "شولميث" المؤنث لكلمة "شالوم" أي "سلام" المشتق منها اسم سليمان، فشولميث معناها "التي لها سلام".

(2)  "مثل رقص صفين" وفي بعض الترجمات "مثل جماعة من جيشين" أو "مثل محنايم" أي جيشين من ملائكة انظر (تك 42: 1و2).

 

الفهرس