سفر يشوع بن سيراخ

 

 

 

المقدمة 1

الإصحاح الأول. 2

الإصحاح الثاني. 6

الإصحاح الثالث. 9

الإصحاح الرابع. 12

الإصحاح الخامس: 15

الإصحاح السادس: 17

الإصحاح السابع. 20

الإصحاح الثامن. 23

الإصحاح التاسع. 23

الإصحاح العاشر. 23

الإصحاح الحادي عشر. 23

الإصحاح الثاني عشر. 23

الإصحاح الثالث عشر. 23

الإصحاح الرابع عشر. 23

الإصحاح الخامس عشر. 23

الإصحاح السادس عشر. 23

الإصحاح السابع عشر. 23

الإصحاح الثامن عشر. 23

الإصحاح التاسع عشر. 23

الإصحاح العشرون. 23

الإصحاح الحادي والعشرون. 23

الإصحاح الثاني والعشرون. 23

الإصحاح الثالث والعشرون. 23

الإصحاح الرابع والعشرون. 23

الإصحاح الخامس والعشرون. 23

الإصحاح السادس والعشرون. 23

الإصحاح السابع والعشرون. 23

الإصحاح الثامن والعشرون. 23

الإصحاح التاسع والعشرون. 23

الإصحاح الثلاثون. 23

الإصحاح الحادي والثلاثون. 23

الإصحاح الثاني والثلاثون. 23

الإصحاح الثالث والثلاثون. 23

الإصحاح الرابع والثلاثون. 23

الإصحاح الخامس والثلاثون. 23

الإصحاح السادس والثلاثون. 23

الإصحاح السابع والثلاثون. 23

الإصحاح الثامن والثلاثون. 23

الإصحاح التاسع والثلاثون. 23

الإصحاح الأربعون. 23

الإصحاح الحادي والأربعون. 23

الإصحاح الثاني والأربعون. 23

الإصحاح الثالث والأربعون. 23

الإصحاح الرابع والأربعون. 23

الإصحاح الخامس والأربعون. 23

الإصحاح السادس والأربعون. 23

الإصحاح السابع والأربعون. 23

الإصحاح الثامن والأربعون. 23

الإصحاح التاسع والأربعون. 23

الإصحاح الخمسون. 23

الإصحاح الحادي والخمسون. 23

 


 

المقدمة

  v هو آخر أسفار الحكمة. كُتِبَ في زمن سادت فيه الحضارة الهيللينية (اليونانية) بعد أن إستعمر الإسكندر الأكبر معظم العالم المعروف، فجاء السفر قادراً على إقامة توازن بين الفكر الهيلليني والعقيدة اليهودية. الكاتب لاحظ خطر الفلسفة اليونانية يتهدد اليهودية، فكتب كتابه ليدافع عن تراث اليهودية الديني والثقافي، وأن إسرائيل يمتلك في الشريعة المعطاة له من الله الحكمة الأصلية، لأن ببساطة مصدر الحكمة هو الله. وبالتالي فإن اليهودي لا يحتاج لأن يعتمد على الفكر والحضارة الهيللينية. وهو أول من تحدث عن تطابق الشريعة مع الحكمة.

  v إفتتح مدرسة لتعليم الحكمة (23:51) ليواجه الحركة الهيللينية. ولكنه لم يقف بفكر جامد أمام هذه الحكمة، فأخذ ما أخذ ولكنه حذر من أضرارها.

  v الإسم اللاتيني Ecclesiasticus بمعنى الكنسي (إكليسيا أي كنيسة) فكان السفر يستخدم ككتاب تهذيب بالنسبة للمقبلين على الإيمان أو الحديثي العماد.

  v الكاتب هو يشوع بن سيراخ الأورشليمي (29:50 + 1:51). كان من وجهاء أورشليم. أحب الشريعة منذ حداثته، وأراد أن يفيد الآخرين من ثمار تأملاته (18:33). وكان كثير الأسفار وهذا مما زاد خبراته فأراد أن يعطي خبرته للشبان (9:34-12). ومن أكثر ما يعلم الحكمة التجارب وهو إجتاز في تجارب نجاه منها الرب (2:51-12). وكان متزوجاً من إمرأة فاضلة أحسن إختيارها ورزق منها بنين أحسن تربيتهم. سكن في أورشليم. ولكنه كان كثير الأسفار. وبعد عودته إلى أورشليم صدم لرؤية اليهود فيها يخجلون من شريعتهم مفضلين الفلسفة اليونانية (1:42،2 + 8:41،9) بل كما نرى هم تركوها ويسمى هؤلاء "بنو الخطأة"

      v  لم ينضم إلى جماعة الحسيديين (التقاة) التي خرج منها الفريسيين بعد ذلك لكنه كان معجب بهم.

      v  يشوع= يهوه يخلص وسيراخ ربما لفظة آرامية تعني أسير (سيراً).

  v كتب كتابه بالعبرية حوالي سنة 180ق.م. وقام حفيده ويسمى إبن سيراخ أيضاً بترجمة الكتاب في الإسكندرية إلى اليونانية. وكتب له مقدمة (غير موجودة في النص العبري وبالتالي غير موجودة في النص العربي. وكانت ترجمة الحفيد في الإسكندرية بين سنة (116-155ق.م.)

  v كثير من المجامع أيدت شرعية السفر وأولها مجمع نيقية. وهكذا كثير من الأباء كأثناسيوس الرسولي وإكليمنضس السكندري والقديس باسيليوس.

      v  أقسام السفر: أولاً: الإصحاحات (1-43) تضم الكثير من الحكم والنصائح.

               ثانياً: الإصحاحات (44-50) تضم سير بعض الآباء والقديسين الأولين.

               ثالثاً: الإصحاح (51) خاتمة السفر وصلاة يشوع.

      v  هو كتب كتابه بنفس طريقة سليمان الحكيم في سفر الأمثال.


 

الإصحاح الأول

آية (1): "1 كل حكمة فهي من الرب ولا تزال معه إلى الأبد."

الحكمة الحقيقية هي من الرب، يعطيها لمن يريد ولكنها لا تفارقه. فالحكمة هي الإبن الكلمة (يو1:1) والروح القدس هو روح الحكمة (إش2:11). ومن يسكن فيه الروح يكون له الحكمة (2تي7:1).

 

آية (2): "2من يحصي رمل البحار وقطار المطر وأيام الدهر ومن يمسح سمك السماء ورحب الأرض والغمر."

الله بحكمته خلق كل ما نراه "به كان كل شئ" (يو3:1) قطار المطر= قطرات الأمطار.

 

آية (3): "3 ومن يستقصي الحكمة التي هي سابقة كل شيء."

الحكمة أزلية، لأن الله أزلي. وطالما الله موجود فالحكمة فيه لا تفارقه. "في البدء كان الكلمة" (يو1:1) ومن يستطيع أن يصل لبداياتها ومتى بدأت؟

 

آية (4): "4 قبل كل شيء حيزت الحكمة ومنذ الأزل فهم الفطنة."

فالحكمة بها كان كل شئ. الفطنة= هي السلوك العملي للحكمة. هنا حكمة الله تولد من الله لتخلق العالم.

 

الآيات (5-10): "5 ينبوع الحكمة كلمة الله في العلى ومسالكها الوصايا الأزلية. 6 لمن انكشف اصل الحكمة ومن علم دهاءها. 7 لمن تجلت معرفة الحكمة ومن أدرك كثرة خبرتها. 8 واحد هو حكيم عظيم المهابة جالس على عرشه. 9 الرب هو حازها ورآها وأحصاها. 10وأفاضها على جميع مصنوعاته فهي مع كل ذي جسد على حسب عطيته وقد منحها لمحبيه."

1.  هنا نرى أن ينبوع الحكمة هو كلمة الله= الكلمة مولود من الآب أزلياً. وبالنسبة للبشر فالذي يريد أن يحيا حكيماً فليسلك بحسب الوصايا. الله وحده يحوز الحكمة، وهو يعطيها لمحبيه. وعلى جميع مصنوعاته= فهو بحكمة خلق وصنع كل شئ. ورآها= والسيد المسيح يقول "لا يقدر الإبن أن يعمل من نفسه شيئاً إلاّ ما ينظر الآب يعمل" (يو19:5) + "لأن الآب يحب الإبن ويُريه جميع ما يعمله" (يو20:5). الحب هنا إشارة للوحدة والرؤيا تشير للتطابق. فكل ما للآب هو للإبن وكل ما للإبن هو للآب (يو15:16) إذاً الحكمة هي خاصة بالله وحده، هو يحوزها ويحتويها ويعطيها لمن يحبه. والحصول عليها سهل.. بتنفيذ وصايا الله. فالحكمة متطابقة مع الشريعة.

 

الآيات (11-20): "11 مخافة الرب مجد وفخر وسرور وإكليل ابتهاج. 12 مخافة الرب تلذ للقلب وتعطي السرور والفرح وطول الأيام. 13 المتقي للرب يطيب نفسا في أواخره وينال حظوة يوم موته. 14 محبة الرب هي الحكمة المجيدة. 15 والذين تتراءى لهم يحبونها عند رؤيتهم لها وتأملهم لعظائمها. 16 راس الحكمة مخافة الله أنها تولدت في الرحم مع المؤمنين وجعلت عشها بين الناس مدى الدهر وستسلم نفسها إلى ذريتهم. 17 مخافة الرب هي عبادته عن معرفة. 18 العبادة تحفظ القلب وتبرره وتمنح السرور والفرح. 19 المتقي للرب يطيب نفسا وينال حظوة في يوم وفاته. 20 كمال الحكمة مخافة الرب أنها تسكر بثمارها."

من يخاف الرب يطيع وصاياه. ومن يفعل يحيا في فرح. فالله لا يريد أن يتحكم في البشر ويذلهم عن طريق الوصايا، بل أعطانا الوصايا لكي نحيا في فرح. لذلك حينما أراد الله أن يقول لشعب إسرائيل أنه أعطاهم شيئاً حسناً وعمل معهم أعمال حسنة، لم يقل ضربت المصريين لكم أو شققت البحر لكم.. بل قال أعطيتكم الوصايا التي بها يحيون في فرح (حز11:20). ومخافة الرب مجد وفخر فالمجد هو أن يسكن الله في وسطنا (زك5:2). ومن يحفظ الوصايا يأتي الآب والإبن ويصنعوا عنده منزلاً، فيكون له مجد (يو23:14). وإذا أطاع إنسان وصايا الله يمتلئ من الروح القدس ومن يمتلئ من الروح يمتلئ فرح وسلام (غل22:5) بل يستمر في حالة الفرح حتى موته. أما العالم إن أعطى شئ يعطي لذة لا تدوم سوى لحظات يعقبها غم وكآبة. ولاحظ أن رأس الحكمة مخافة الله= البداية لكي تكون حكيماً أن تخاف الله خالق هذا الكون والذي له الحق أن تطيع وصاياه. وكمال الحكمة مخافة الرب= هنا إستبدل لفظ الله بلفظ الرب. فالرب هو الله الذي له علاقة حب خاصة مع شعبه. فكمال الحكمة أن أكتشف علاقة الحب هذه الخاصة. إذاً أخاف أن أغضب الله عن حب= تُسِكرُ بثمارها= الخمر إشارة للفرح الناشئ عن الحب. لذلك محبة الرب هي الحكمة المجيدة= فمن الحكمة أن تحيا في فرح كل أيام حياتك وحتى موتك. ولهذا السبب طلب الرب منا أن "حب الرب إلهك من كل قلبك.." (تث5:6) والروح القدس يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5). ومخافة الله تولد في كل نفس منذ الصغر، وعلى الأباء أن يربوا أولادهم عليها، وتنتقل من جيل إلى جيل. مخافة الرب تلذ للقلب= ليس خوف الذل، بل خوف الحب وهذا يعطي لذة للقلب، فمن يخاف الله ويحفظ وصاياه ثقة في الله، يملأه الروح القدس لذة وفرح. طول الأيام= إشارة لكل بركات الله.

 

الآيات (21-30): "21 تملا كل بيتها رغائب ومخازنها غلالا. 22 إكليل الحكمة مخافة الرب أنها تنشئ السلام والشفاء والعافية. 23 وقد رأت الحكمة وأحصتها وكلتاهما عطية من الله. 24الحكمة تسكب المعرفة وعلم الفطنة وتعلي مجد الذين يملكونها. 25 اصل الحكمة مخافة الرب وفروعها طول الأيام. 26 في ذخائر الحكمة العقل والعبادة عن معرفة أما عند الخطاة فالحكمة رجس. 27 مخافة الرب تنفي الخطيئة. 28 غضب الأثيم لا يمكن أن يبرر لان وقر غضبه يسقطه. 29 الطويل الأناة يصبر إلى حين ثم يعاوده السرور. 30العاقل يكتم كلامه إلى حين وشفاه المؤمنين تثني على عقله."

هنا نرى البركات التي ينالها الذي يخاف الله/ رغائب/ المخازن تمتلئ غلال/ سلام/ شفاء/ عافية. ومن يخاف الله يرى الحكمة ويدركها. "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت8:5) وكلتاهما الحكمة ومخافة الله. والحكمة تسكب المعرفة= فسليمان كان يعرف كل شئ. وعلم الفطنة= هي التصرف العملي في كل موقف. وبهذا يكون من يملك الحكمة في مجد. ويشبه الحكمة بشجرة لها أصل وفروع فهي تمتد لكل شئ في حياة الإنسان وطوال عمر الإنسان. في ذخائر الحكمة= من يحوز الحكمة سيكتشف أن لها كنوز هي العقل والعبادة عن معرفة. أما الخطاة فهم يكرهون الحكمة كأنها رجس. وهنا مقارنة بين الحكيم الذي يستطيع أن يسيطر على نفسه وبهذا يستعيد سروره بسرعة، (فالسمة العامة للحكيم أنه مسرور) وبين الجاهل الذي بسبب غضبه الشديد لا يستطيع أن يبرر تصرفاته. بل أن الحكيم لا يتكلم كثيراً ويكتم كلامه إلى حين والكل من الفاهمين= المؤمنين، يفرحون به= شفاه المؤمنين تثنى على عقله. إكليل الحكمة مخافة الرب= الإكليل هو علامة الملك، وعلامة الحكمة هي مخافة الرب. ومن يخاف الله له إكليل. ترجمة أخرى لآية (23) رآها الرب وأحصاها. وهذه الترجمة تقول رأت الحكمة= فالحكمة هنا في نظر الكاتب شخص، هي الرب الذي يقدر كل شئ ويزنه بميزان، وتعطى لمن يستحق.

 

الآيات (31-40): "31 في ذخائر الحكمة أمثال المعرفة. 32 أما عند الخاطئ فعبادة الله رجس. 33 يا بني إن رغبت في الحكمة فاحفظ الوصايا فيهبها لك الرب. 34 فان الحكمة والتأديب هما مخافة الرب والذي يرضيه. 35 هو الإيمان والوداعة فيغمر صاحبهما بالكنوز. 36 لا تعاص مخافة الرب ولا تتقدم إليه بقلب وقلب. 37 لا تكن مرائيا في وجوه الناس وكن محترسا لشفتيك. 38 لا تترفع لئلا تسقط فتجلب على نفسك الهوان. 39 ويكشف الرب خفاياك ويصرعك في المجمع. 40 لأنك لم تتوجه إلى مخافة الرب لكن قلبك مملوء مكراً."

من يريد الحكمة فليحفظ الوصايا فيهب الرب له الحكمة. لا تتقدم إليه بقلب وقلب= أي تقدم إلى الله بقلب بسيط أي له هدف واحد. لا تكن مرائياً= أي تظهر بمظهر أمام الناس يرضيهم، بل إجتهد أن ترضي الله في قلبك وفي تصرفاتك. والحكمة لا تسكن عند المتكبر، إذاً لا تترفع لئلا تسقط (إش15:57) فتفتضح لأنك لم تتوجه إلى مخافة الرب= لم يكن الرب هدفك بل الناس= لكن قلبك مملوء مكراً. من ذخائر الحكمة أمثال المعرفة= من له حكمة يكون له من كنوزها أنه يراقب الأحداث ويستخرج منها معرفة بطرق الله، فيدرك ماذا سوف يحدث. لكن الخاطئ لا يستطيع أن يقدم عبادة لله، هو بعيد بقلبه عن الله، وغير مدرك للأمور. الحكمة والتأديب هما مخافة الرب= من يخاف الرب سيكون له حكمة ولكن سيكون له تأديب، وهذا من محبة الله له "فمن يحبه الرب يؤدبه" (عب6:12) وكيف نستفيد من التأديب= الذي يرضيه الإيمان والوداعة= "فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب6:11) وما هو الإيمان المطلوب؟ أن الله صانع خيرات (رو28:8). والوداعة عكس التذمر. فبالشكر يزداد الإيمان (كو7:2).


 

الإصحاح الثاني

الآيات (1-5): "1 يا بني أن أقبلت لخدمة الرب الإله فاثبت على البر والتقوى واعدد نفسك للتجربة. 2ارشد قلبك واحتمل أمل أذنك واقبل أقوال العقل ولا تعجل وقت النوائب. 3 انتظر بصبر ما تنتظر من الله لازمه ولا ترتدد لكي تزداد حياة في أواخرك. 4 مهما نابك فاقبله وكن صابرا على صروف أتضاعك. 5 فان الذهب يمحص في النار والمرضيين من الناس يمحصون في أتون الإتضاع."

هذه كما قال بولس الرسول "جميع الذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى في المسيح يسوع يضطهدون" (2تي12:3). وفائدة التجارب [1] التنقية= فإن الذهب يمحص في النار + (1بط7:1 + 1بط1:4) [2] لكي نختبر الرب. فعطايا الله وإحساناته تجعلنا نعرف كرم الله ومحبته والتجارب بها نعرف تعزياته وقت الشدة، وحينما يرفع التجربة نختبر ذراعه القوية. وحتى تأتي التجارب بالفائدة المرجوة علينا [1] الثبات على البر والتقوى [2] توقع التجارب= أعدد نفسك للتجربة. وهذا ما علم به السيد المسيح  "في العالم سيكون لكم ضيق" [3] أمل أذنك= إعط أذنك لسماع صوت الله. وأقبل أقوال العقل= فمن العقل أن لا نتصادم مع الله ونتخاصم معه، بل نسلم بأن "كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" [4] الإتضاع= لنسلم أن الله لا يخطئ [5] الصبر= كن صابراً على صروف اتضاعك= صروف أي أوجه حالتك المؤلمة ويسميها هنا إتضاعك وفي ترجمة أخرى "حالتك الوضيعة" = أي مهما كان حالك إصبر. فالصبر مع الشكر يعطي للتجربة أن تؤتي بثمارها [أ] ينمو الإيمان (كو7:2) [ب] يكمل الإنسان (يع4:1) ولاحظ أن نصيحة يعقوب أن من لا يفهم أن التجربة لصالحه فيطلب والله يعطيه حكمة ليفهم (5:1) [ج] لكي تزداد حياة في أواخرك= الكمال يعني الإنفصال عن الخطية، والخطية موت. ومن يوجد حياً في أواخره ينتقل من حياة على الأرض إلى حياة في السماء. وكل هذا إذا أقبلت لخدمة الرب= فالله يكمل من يأتي إليه راغباً أن يخدمه. ولنرى مثلاً واضحاً لهذا، يشوع بن سيراخ نفسه، كيف صار حكيماً وكم التجارب التي ألمت به (2:51-12) وليس معنى هذا أن يتعجل الإنسان مجئ التجارب ليزداد حكمة، فإن لم يكن الإنسان مستعداً للتجربة فسيفشل= لا تعجل وقت النوائب.

 

الآيات (6-10): "6 آمن به فينصرك قوم طرقك وأمله احفظ مخافته وابق عليها في شيخوختك. 7 أيها المتقون للرب انتظروا رحمته ولا تحيدوا لئلا تسقطوا. 8 أيها المتقون للرب آمنوا به فلا يضيع أجركم. 9 أيها المتقون للرب أملوا الخيرات والسرور الأبدي والرحمة. 10 أيها المتقون للرب أحبوه فتستنير قلوبكم."

حين يدخل الإنسان التجربة فإنه لابد وسيخرج منها، ولكن لابد من الإيمان أن الله موجود= آمن به فينصرك. فمن يؤمن يري يد الله. قوم طرقك= "فأنقياء القلب يعاينون الله" وأمّلهُ= فليكن لك رجاء فيه. وليكن هذا كل أيام عمرك. فترى يد الرب التي تحيط بك كل أيام حياتك. ويكون لك أبدية في فرح. أحبوه فتستنير قلوبكم= لاحظ في هذه الآيات الثلاث فضائل آمن + أمّلهُ + أحبوه= الإيمان والرجاء والمحبة. ومن له هذه الفضائل يستنير قلبه، فيرى الله ويرى يده المعزية في التجربة بل ويخرج من التجربة سريعاً.

 

الآيات (11-13): "11 انظروا إلى الأجيال القديمة وتأملوا هل توكل أحد على الرب فخزي. 12 أو ثبت على مخافته فخذل أو دعاه فأهمل. 13 فان الرب رأوف رحيم يغفر الخطايا ويخلص في يوم الضيق."

هذه مثل كنت فتي وقد شخت ولم أر صديقاً تخلى عنه (مز25:37).

 

الآيات (14-17): "14 ويل للقلوب الهيابة وللأيدي المتراخية وللخاطئ الذي يمشي في طريقين. 15 ويل للقلب المتواني انه لا يؤمن ولذلك لا حماية له. 16 ويل لكم أيها الذين فقدوا الصبر وتركوا الطرق المستقيمة ومالوا إلى طرق السوء. 17 فماذا تصنعون يوم افتقاد الرب."

من الذي يخسر عمل يد الرب القوية ويخسر تعزياته وسط الضيقات؟

القلوب الهيابة= عديم الإيمان الذي يشك في الله، "أما الخائفون .. فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار.." (رؤ8:21). الأيدي المتراخية= التي تعمل عمل الرب برخاوة (إر10:48). والخاطئ الذي يمشي في طريقين فهو يوم في طريق الله ويوم آخر في طريق الخطية، وهذه تحزن الله جداً كأنه يقول إذا كنت قد عرفت طريقي فلماذا تتركني؟ لماذا أنت غير قادر على أن تحبني؟ والقلب المتواني= هل تتوانى عن خلاص نفسك؟ هل لا تدرك أنك قد ترحل في أي وقت؟ لا حمايه له= كيف يحمي الله من لا يريد أن يحمي نفسه؟! الذين فقدوا الصبر= الصبر على الطريق الضيق والصبر في الضيقة واثقين في حكمة الله الذي سمح بها، مثل هؤلاء يلجأوا للعالم لعلهم يجدون تعزيتهم فيه ولكن يبقي السؤال.. فماذا تصنعون يوم إفتقاد الرب.

 

الآيات (18-23): "18 أن المتقين للرب لا يعاصون أقواله والمحبين له يحفظون طرقه. 19 أن المتقين للرب يبتغون مرضاته والمحبين له يمتلئون من الشريعة. 20 أن المتقين للرب يهيئون قلوبهم ويخضعون أمامه نفوسهم. 21 أن المتقين للرب يحفظون وصاياه ويصبرون إلى يوم افتقاده. 22 قائلين أن لم نتب نقع في يدي الرب لا في أيدي الناس. 23 لان رحمته على قدر عظمته."

هنا تعريف لمن هو الذي يتقي الرب= هم من لا يعاصون أقواله. والمحبين له يحفظون طرقه= هذه تماماً= (يو23:14). وأيضاً المتقين للرب يبتغون مرضاته= هذه بنفس المفهوم من يحب أحد يبتغي مرضاته. يمتلئون من الشريعة= "يشبعون منها" (في ترجمة أخرى) أي لا يبحثون سوى عن كيف يفهمون الشريعة وكيف ينفذونها، لا يشبعهم سوى ما يرضى الله، فعندما يرضى الله هذا يعود بإحساس الرضا داخلهم. تعريف آخر للمتقين الرب= يهيئون قلوبهم ويخضعون أمامه نفوسهم= فطبيعة النفس متمردة، والطريق يبدأ بالتغصب (مت12:11) وينتهي بالإحساس بالرضى. قائلين إن لم نتب نقع في يدي الرب.. في ترجمة أخرى جاءت "لنقع في يدي الرب.." وهذه أدق ومتفقة مع بقية الكلام، والمعنى لنخضع أمام الله في كل ما يسمح به من ضيقات وتجارب، ولنعتبر أننا في يد الرب لا في يد من يضايقنا، وحتى تظهر رحمته التي هي على قدر عظمته.


 

الإصحاح الثالث

الآيات (1-18): "1 بنو الحكمة جماعة الصديقين وذريتهم أهل الطاعة والمحبة. 2 يا بني اسمعوا أقوال أبيكم واعملوا بها لكي تخلصوا. 3 فان الرب قد اكرم الأب في الأولاد واثبت حكم الأم في البنين. 4 من اكرم أباه فانه يكفر خطاياه ويمتنع عنها ويستجاب له في صلاة كل يوم. 5ومن احترم أمه فهو كمدخر الكنوز. 6 من اكرم أباه سر بأولاده وفي يوم صلاته يستجاب له. 7 من احترم أباه طالت أيامه ومن أطاع أباه أراح أمه. 8 الذي يتقي الرب يكرم أبويه ويخدم والديه بمنزلة سيدين له. 9 اكرم أباك بفعالك ومقالك بكل أناة. 10 لكي تحل عليك البركة منه وتبقى بركته إلى المنتهى. 11 فان بركة الأب توطد بيوت البنين ولعنة الأم تقلع أسسها. 12 لا تفتخر بهوان أبيك فان هوان أبيك ليس فخرا لك. 13 بل فخر الإنسان بكرامة أبيه ومذلة الأم عار للبنين. 14 يا بني اعن أباك في شيخوخته ولا تحزنه في حياته. 15 وان ضعف عقله فاعذر ولا تهنه وأنت في وفور قوتك فان الرحمة للوالد لا تنسى. 16 وباحتمالك هفوات أمك تجزى خيرا. 17 وعلى برك يبنى لك بيت وتذكر يوم ضيقك وكالجليد في الصحو تحل خطاياك. 18 من خذل أباه فهو بمنزلة المجدف ومن غاظ أمه فهو ملعون من الرب."

هي تفصيل لوصية "أكرم أباك وأمك" وخطورة هذه الوصية أن من يكرم أباه وأمه فهو كمن يكرم الله. ونستعير هذا التصوير من القديس يوحنا ونطبقه على حالتنا هذه" فمن لا يكرم أباه الذي يراه والذي رباه فكيف يستطيع أن يكرم الله الذي لا يراه" راجع (1يو20:4)

بنو الحكمة= هم من لهم حكمة تحكم تصرفاتهم هم جماعة الصديقيين= فلا حكمة لمن يسلك في الشر. وذريتهم أهل الطاعة والمحبة ومن يسلك بالحكمة يكافئه الله في ذريته التي تسلك في طاعة للأب والأم، ويخرج الأولاد ليعيشوا في محبة للجميع. ثم نرى بركات من يكرم أبويه، واللعنات على من لا يفعل. ومن ضمن صور إكرام الوالدين طاعتهم. وفي طاعتهم خلاص، فالأب الحكيم لن ينصح أولاده بما ليس فيه خلاص نفوسهم. ومن يريد الرب أن يكرمه يعطيه أولاداً لهم طاعة. وأثبت حكم الأم في البنين= أثبت حق الأم في أن يطيعها أولادها. من أكرم أباه فإنه يكفر خطاياه= دم المسيح وحده هو الذي يكفر عن خطايا البشر. ولكن إكرام الأباء كأي عمل صالح يثبت إستحقاق الشخص لبركات الفداء، طاعة الوصية تعبر عن قلب مستعد ومستحق للتمتع بنعمة الفداء. فلا نعمة بدون جهاد. حقاً كما قال الأباء فإن النعمة مجانية ولكنها لا تعطى إلاّ لمن يستحقها. والنعمة لا تعمل فقط في غفران الخطايا، بل تعطى قوة لنكف عن الخطايا= ويمتنع عنها. ويكون مقبولاً أمام الله= يستجاب له في صلاة كل يوم. ومن يكرم أباه يكرمه أولاده والعكس. هذه كقول عوبديا "كما فعلت يفعل بك. عملك يرتد على رأسك" (عو15). ومن بركات العهد القديم طول الأيام، وبركات العهد الجديد هي بركات روحية. من أطاع أباه أراح أمه= هذه صورة للبيوت المملوءة بركة. فالأب يحب الأم والأم تحب الأب والأولاد يحبون والديهم. والأم تفرح حين ترى الأبناء يكرمون أباهم التي هي أيضاً تكرمه. وكيف نكرم الأباء؟ بالأفعال والأقوال والصبر عليهم= بفعالك ومقالك بكل أناة= وصورة عكسية لعنة الأم تقلع أسس بيوت البنين. لا تفتخر بهوان أبيك= فمهما كانت أخطاء الأب فليكملها الإبن ولا يشهر بأبيه فهذا ليس فخراًَ. من يكرم أبويه ينسى الله خطاياه= كالجليد (الثلج) في الصحو (مع حرارة الشمس) تحل خطاياك (أي تذوب). ومن قيل عن الأباء الجسديين يقال عن الآباء الروحيين.

 

الآيات (19-26): "19 يا بني اقض أعمالك بالوداعة فيحبك الإنسان الصالح. 20 ازدد تواضعا ما ازددت عظمة فتنال حظوة لدى الرب. 21 لأن قدرة الرب عظيمة وبالمتواضعين يمجد. 22 لا تطلب ما يعييك نيله ولا تبحث عما يتجاوز قدرتك لكن ما أمرك الله به فيه تأمل ولا ترغب في استقصاء أعماله الكثيرة. 23 فانه لا حاجة لك أن ترى المغيبات بعينيك. 24وما جاوز أعمالك فلا تكثر الاهتمام به. 25 فانك قد اطلعت على أشياء كثيرة تفوق إدراك الإنسان. 26 وان كثيرين قد أضلهم زعمهم وأزل عقولهم وهمهم الفاسد."

قال السيد المسيح "تمثلوا بي فإني وديع ومتواضع القلب" (وقال طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض" وقال إشعياء أن الله يسكن عند المتضعين والمنسحقين (15:57) وهنا إقض أعمالك بالوداعة فيحبك الإنسان الصالح= هذه تساوي فإنهم يرثون الأرض أي يحبهم الناس. ومن يزداد تواضعاً ينال حظوة لدي الرب= فهو يسير في نفس طريق الرب يسوع المتضع. قدرة الرب عظيمة وهي تظهر في الإنسان المتضع= بالمتواضعين يمجد- أما المتكبر فهو يخفي عمل الله بكبريائه. لذلك إفتخر بولس بضعفه" (2كو9:12،10). ومن الإتضاع أيضاً أن يظن إنسان أنه قادر على فهم كل شئ! وهذا لا يمكن حدوثه، فحكمة الله أسمى وأعلى من حكمتنا كما علت السموات عن الأرض. ولكن في بعض الأحيان يعطى الله فهماً، إذا كان في هذا فائدة للشخص. بل إن حيرتك آية فإتركها. وفي وقت مناسب سيعطك الله فهماًَ لها. ولكن المتكبر حين لا يفهم آية فإنه يتهم الكتاب المقدس بالخطأ. المغيبات= أسرار حكمة الله، لماذا يسمح الله لي بهذه الضيقة، أسرار الخليقة ماذا كان قبل الخلقة.

 

الآيات (27-34): "27 القلب القاسي عاقبته السوء والذي يحب الخطر يسقط فيه. 28 القلب الساعي في طريقين لا ينجح والفاسد القلب يعثر فيهما. 29 القلب القاسي يثقل بالمشقات والخاطئ يزيد خطيئة على خطيئة. 30 داء المتكبر لا دواء له لان جرثومة الشر قد تأصلت فيه. 31 قلب العاقل يتأمل في المثل ومنية الحكيم أذن سامعة. 32 القلب الحكيم العاقل يمتنع من الخطايا وينجح في أعمال البر. 33 الماء يطفئ النار الملتهبة والصدقة تكفر الخطايا. 34 من صنع جميلا ذكر في أواخره وصادف سندا في يوم سقوطه."

القلب القاسي يثقل بالمشقات= عاقبة هذا الإنسان دائماً سيئة، فكما يتعامل بقسوة سيتعامل معه الآخرين بقسوة "عملك يرتد على رأسك" (عو15) "وما يزرعه الإنسان فإياه يحصد"

الخاطئ يزيد خطيئة على خطيئة= من يسير في طريق الشر فهو كمن يتدحرج على منحدر، فمن سيئ إلى أسوأ. فداود بعد أن زنى قتل. داء المتكبر لا دواء له= كل خطية هي مرض روحي ولكن حين يرجع الإنسان بالتوبة تغفر الخطية،  أما المتكبر فهو واثق في نفسه لا يريد أن يرجع، لأنه يشعر أنه أفضل إنسان في العالم، ومثل هذا يقال عنه جرثومة الشر قد تأصلت فيه= الجرثومة تبدأ كشئ صغير لكنه ينمو حتى يفسد الحياة، وهكذا الكبرياء، فالمتكبر لا يمكن أن يعترف بأنه قد أخطأ ولا يقبل أن يسمع من أحد آخر. والعكس بالنسبة للحكيم فهو يتأمل وله أذن سامعة لذلك يتعلم ومن يتعلم يمتنع عن الخطايا. وكما أن الماء يطفئ النار الملتهبة هكذا الصدقة تكفر الخطايا (راجع تفسير آية 4 في نفس الإصحاح). من صنع جميلاً ذُكِرَ له في أواخره هذه تساوي "كنت جوعاناً فأطعمتموني.." (مت25).


 

الإصحاح الرابع

الآيات (1-11): "1 يا بني لا تحرم المسكين ما يعيش به ولا تماطل عيني المعوز. 2 لا تحزن النفس الجائعة ولا تغظ الرجل في فاقته. 3 لا تزد القلب المغيظ قلقا ولا تماطل المعوز بعطيتك. 4 لا تاب إعطاء البائس سؤله ولا تحول وجهك عن المسكين. 5 لا تصرف طرفك عن المعوز ولا تصنع شيئا يجلب عليك لعنة الإنسان. 6 فان من يلعنك بمرارة نفسه يستجيب صانعه دعاءه. 7 كن متوددا إلى الجماعة واخفض رأسك لذي الوجاهة. 8 أمل أذنك إلى المسكين واجبه برفق ووداعة. 9 أنقذ المظلوم من يد الظالم ولا تكن صغير النفس في القضاء. 10 كن أبا لليتامى وبمنزلة رجل لامهم. 11 فتكون كابن العلي وهو يحبك اكثر من أمك."

إنتهى الإصحاح السابق بأهمية الصدقة، فمن يعمل عمل بر يُكَفَّر عن خطاياه ويسنده الله يوم سقوطه "فمن يصنع براً بالمحتاج فهو يصنعه بالمسيح شخصياً. لذلك فلنجتهد أن نصنع أي بر يمكننا أن نصنعه. وهناك مقولة مهمة "الله لا يبقى مديوناً لأحد= "إن من يعطي الفقير يقرض الرب" (أم17:19).لا تماطل المعوز بعطيتك= لا تقل له تعال غداً وعندك ما يسد إحتياجه. فمن يظلم فقيراً يجلب على نفسه لعنة. والإنسان يعيش في مجتمع به الفقير الذي يجب أن يعطف عليه، وفي المجتمع ذوي الوجاهة والمناصب، وهؤلاء يجب أن نتعامل معهم بإحترام "فالإكرام لمن ينبغي له الإكرام" (رو7:13) وبهذا يعيش الإنسان في وداعة مع الغني ومع الفقير= كن متودداً إلى الجماعة. لا تكن صغير النفس في القضاء= أن تستحي بأن تشهد للحق مجاملة للغني والقوى. كن أباً لليتامى.. فتكون كإبن العلي= من يكون رحيماً يتشبه بالله الرحيم، ويكون كإبن يشبه والده.

 

الآيات (12-22): "12 الحكمة تنشئ لها بنين والذين يلتمسونها تضمهم إليها. 13 من احبها احب الحياة والذين يبتكرون إليها يمتلئون سرورا. 14 من ملكها يرث مجدا وحيثما دخلت فهناك بركة الرب. 15 الذين يعبدونها يخدمون القدوس والذين يحبونها يحبهم الرب. 16 من سمع لها يحكم على الأمم ومن اقبل إليها يسكن مطمئنا. 17 إذا استسلم لها يرثها وأعقابه يبقون على امتلاكها. 18 فأنها في أول الأمر تسلك معه بعوج. 19 فتلقي عليه الخوف والرعب وتمتحنه بتأديبها إلى أن تثق بنفسه وتختبره في أحكامها. 20 ثم تعود فتعامله باستقامة وتسره. 21 وتكشف له أسرارها وتجمع فيه كنوزا من العلم وفهم البر. 22 وأما إذا ذهب في الضلال فهي تخذله وتسلمه إلى مصرعه."

الحكمة هنا تصور كشخص يؤدب الإنسان، وهي لها جاذبية فتجذب إليها الناس، يتعلمون وتربيهم ويكونون لها كأبناء تضمهم إليها. وهؤلاء هم من يكون لهم حياة وسرور وفي الأبدية مجد= يرث مجداً. وفي الأرض بركة الرب. يبتكرون إليها= كمن يذهب إليها باكراً أي ساعياً إليها مع بداية يومه والمعنى يبحث عنها بجدية. الذين يعبدونها= المعنى يخدمونها، أي يطيعون وصايا الله، فالحكمة هي مخافة الله وطاعة وصاياه. ولكن إذا فهمنا أن الحكمة هي أقنوم الإبن فالإبن هو الله وينبغي له العبادة (1كو24:1) = يخدمون القدوس= فالإبن هو القدوس. والذين يحبونها يحبهم الرب (راجع يو23:5). من سمع لها يحمك على الأمم= الأمم هنا رمز للشياطين. فمن يسلك بالحكمة لا يكون للشيطان سلطان عليه، بل يدوس هو الحيات والعقارب.. (لو19:10). فالأمم وقت يشوع بن سيراخ كانت تعبد الأوثان أي الشياطين. ومن يكون له سلطان على الشياطين والخطية يحيا في سلام= يسكن مطمئناً . إذا إستسلم لها= يسير وراءها يتبعها ويرثها ويورثها= أعقابه يبقون على إمتلاكها= فنحن سنرث الله نرث مع المسيح (رو17:8) وإذا علمنا أولادنا أن يسلكوا بالحكمة يرثون هم أيضاً ملكوت الله فإنها في أول الأمر تسلك معه بعوج= في بداية أن يسلك الإنسان بحكمة لن يجد السعادة والمجد من أول يوم، فنفس الإنسان معوجة تحتاج إلى تأديب إلى أن تتغير طبيعته= تثق بنفسه أي تثق في تغييره. أما لو ضل فهي تخذله وتسلمه إلى مصرعه عوضاً عن الفرح وكنوز العلم.

 

الآيات (23-36): "23 يا بني احرص على الزمان واحتفظ من الشر. 24 ولا تستحي في أمر نفسك. 25 فان من الحياء ما يجلب الخطيئة ومنه ما هو مجد ونعمة. 26 لا تحاب الوجوه فذلك ضرر لنفسك. 27 ولا تستحي حياء به هلاكك. 28 لا تمتنع من الكلام في وقت الخلاص ولا تكتم حكمتك إذا جمل إبداؤها. 29 فإنما تعرف الحكمة بالكلام والتأديب بنطق اللسان. 30لا تخالف الحق بل استحي من جهالتك. 31 لا تستحي أن تعترف بخطاياك ولا تغالب مجرى النهر. 32 ولا تتذلل للرجل الأحمق ولا تحاب وجه المقتدر. 33 جاهد عن الحق إلى الموت والرب الإله يقاتل عنك. 34 لا تكن جافيا في لسانك ولا كسلا متوانيا في أعمالك. 35 لا تكن كاسد في بيتك وكمجنون بين اهلك. 36 لا تكن يدك مبسوطة للأخذ مقبوضة عن العطاء."

هناك أمور في الحياة تختلف من ظروف لأخرى، فهناك أمور ينبغي للمرء أن يصمت أمامها وهناك أمور لابد وأن نتكلم فيها "للسكوت وقت وللتكلم وقت" (جا7:3). لذلك جاءت إحرص على الزمان في ترجمات أخرى "راعِ الظروف" وهذه ترجمة أدق. فالحكمة تستدعي وتستلزم مراعاة التوقيت. إحتفظ من الشر ولا تستحي في أمر نفسك= حينما تدعى للشر إعلن بوضوح رفضك، لأنك لو صمت وخجلت ووافقت الشرير لهلكت= هذا ما قال عنه= فإن من الحياء ما يجلب الخطيئة. وهناك من الصمت ما هو مجد ونعمة= حينما لا نساير الأشرار في أقوالهم. وعلى الحكيم أن يعلن الحق ولا يحاب الوجوه. وهناك من يظن أنه يفهم في كل شئ ويجب أن يتكلم حتى فيما لا يفهمه، والحكيم هنا يقول له إستحي من جهالتك. وإذا واجهك إنسان بخطأ فعلته لا تكابر بل لا تستحي أن تعترف بخطاياك. لا تكن جافياً في لسانك= بل لابد من الوداعة "والجواب اللين يصرف الغضب" وهناك من هو بشوش خارج بيته وفي بيته كأسد.

ملحوظة: في قول الحكيم "لا تستحي أن تعترف بخطاياك" إرشاد لمن لا يريد أن يعترف أمام الكاهن لخجله، فلابد أن نحجل ونعترف لكي نستحي أن نفعل هذا مرة أخرى أمام الله.

لا تتذلل للرجل الأحمق= فلن يفهم هذا معنى الإتضاع، بل سيتصور أنه على حق فيسفه منك.


 

الإصحاح الخامس

الآيات (1-10): "1 لا تعتد بأموالك ولا تقل لي بها كفاية. 2 لا تتبع هواك ولا قوتك لتسير في شهوات قلبك. 3 ولا تقل من يتسلط على فان الرب ينتقم منك انتقاما. 4 لا تقل قد خطئت فأي سوء أصابني فان الرب طويل الأناة. 5 لا تكن بلا خوف من قبل الخطيئة المغفورة لتزيد خطيئة على خطيئة. 6 ولا تقل رحمته عظيمة فيغفر كثرة خطاياي. 7 فان عنده الرحمة والغضب وسخطه يحل على الخطاة. 8 لا تؤخر التوبة إلى الرب ولا تتباطأ من يوم إلى يوم. 9 فان غضب الرب ينزل بغتة ويستأصل في يوم الانتقام. 10 لا تعتد بأموال الظلم فأنها لا تنفعك شيئا في يوم الانتقام."

من له أموال يثق بها وأنها تحميه يصعب دخوله للسماء، إذ هو لا يتكل على الرب (مر24:10،25) لا تقل بها كفاية= أي لا أحتاج إلى الله. ولا تغتر بقوتك وشبابك فتتبع شهوات قلبك ولا تقل من يتسلط عليّ.. فعقاب هذا الرب ينتقم منك. ولا تنخدع بطول أناة الله فإنه لأجل أن يقودنا الله للتوبة فإنه يطيل أناته (رو4:2). ولا تستهتر إذ يغفر الله لك خطاياك، كمن يفعل الخطية بإستهتار معتمداً أنه سيأتي ويعترف بها فيغفرها له الله فهذا يزيد خطاياك خطيئة على خطيئة. ولا تؤخر التوبة فمن يضمن عمره. وهناك من يأخذ أموال الآخرين ظلماً ظناً أن في كثرة أمواله طمأنينة له من غدر الزمان. والحكيم يقول أبداً فهي ستكون دينونة لك في يوم الإنتقام.

الله لا يرفض الغني وكثرة الأموال ولكنه يراقب كيف نتصرف في أموالنا وأين قلوبنا من الله؟! وهل لنا إشتياق للسماء وإستعداد لهذا اليوم أم سنسمع "يا غبي في هذه الليلة ستؤخذ نفسك".

 

الآيات (11-18): "11 لا تنقلب مع كل ريح ولا تسر في كل طريق فانه كذلك يفعل الخاطئ ذو اللسانين. 12 بل كن ثابتا في فهمك وليكن كلامك واحدا. 13 كن سريعا في الاستماع وكثير التاني في احارة الجواب. 14 أن كان لك فهم فجاوب قريبك وإلا فاجعل يدك على فمك. 15 في الكلام كرامة وهوان ولسان الإنسان تهلكته. 16 لا تدع نماما ولا تختل بلسانك. 17 فان للسارق الخزي ولذي اللسانين المذمة الشديدة. 18 لا تكن جاهلا في كبيرة ولا في صغيرة."

لا تنقلب مع كل ريح= تتكلم في الكنيسة بلسان الأبرار وتتكلم مع الأشرار بلسانهم فهذا رياء ونفاق. كن سريعاً في الإستماع= لتتعلم وتفهم جيداً ما يقال. وكثير التأني في إحارة الجواب= فكر كثيراً قبل أن تجيب حتى لا تخطئ. ولا تجيب إلاّ فيما تفهمه وإلاّ فاسكت= فإجعل يدك على فمك. فإذا كان كلامك عن علم فالناس تستفيد ويكون لك كرامة والعكس. لا تتكلم كثيراً فتدعى نماماً (من يتكلم عن الناس في غيبتهم بالسوء) ولا تختل بلسانك= من يتكلم بالمدح لشخص أمامه ليستفيد منه. وقال معلمنا يعقوب نفس الكلام "ليكن كل واحداً مسرعاً إلى الإستماع مبطئاً في التكلم" (يع19:1)


 

الإصحاح السادس

آية (1): "1 ولا تصر عدوا بعد أن كنت صديقا فان القبيح السمعة يرث الخزي والعار وكذلك الخاطئ     ذو اللسانين."

لا تصر عدواً بعد أن كنت صديقاً= هذه تتبع الإصحاح السابق الذي كان يتكلم عن التقلب والرياء والنم. عموماً النم غالباً يصل لمن تكلمنا عليه فينقلب عدواً لنا بعد أن كان صديقاً لنا. ومن يختل بلسانه (16:5) لا يتصور أنه سيجذب له أصحاب، بل من يقدم خدمات للآخرين في بذل للذات.

 

الآيات (2-4): "2 لا تكن كثور مستكبرا بأفكار قلبك لئلا تسلب نفسك. 3 فتأكل أوراقك وتتلف أثمارك وتترك نفسك كالخشب اليابس. 4 النفس الشريرة تهلك صاحبها وتجعله شماتة لأعدائه."

القبيح السمعة يرث الخزي= إذا إنتشرت إشاعة سيئة على إنسان، لا يستطيع أن يواجد المجتمع، فسيكون له خزي في كل مكان. لذلك فليحرص كل إنسان على سمعته بأن يسلك حسناً. وأيضاً المرائي= الخاطئ ذو اللسانين= يكون له سمعة سيئة وله خزي، فالكل يسخر منه.

ملحوظة: من هنا نرى بشاعة الآلام النفسية للمسيح وهو معلق على صليب العار كخاطئ.

لا تكن كثور مستكبراً.. من يسلك وراء شهوات جسده كثور هائج ومن لا يطيع ويتوب من مسلكه بل في كبرياء لا يستمع لمشورة أحد غير قابل أن يدير رأسه للحق سيدمر نفسه= لئلا تسلب نفسك= وفي ترجمة أخرى تمزق قوتك، فيكون كشجرة يابسة وهذا عكس ما قيل في (مز1) (شمشون كمثال وعكسه يوسف العفيف الذي رفض الخطية).

 

(5-17): "5 الفم العذب يكثر الأصدقاء واللسان اللطيف يكثر المؤانسات. 6 ليكن المسالمون لك كثيرين وأصحاب سرك من الألف واحدا. 7 إذا اتخذت صديقا فاتخذه عن خبرة ولا تثق به سريعا. 8فان لك صديقا في يومه ولكنه لا يثبت في يوم ضيقك. 9 وصديقا يصير عدوا فيكشف عار مخاصمتك. 10 وصديقا يشترك في مائدتك ولكنه لا يثبت في يوم ضيقك. 11 يكون نظيرك في أموالك ويتخذ دالة بين أهل بيتك. 12 لكنه إذا انحططت يكون ضدك ويتوارى عن وجهك. 13تباعد عن أعدائك وإحذر من أصدقائك. 14 الصديق الأمين معقل حصين ومن وجده فقد وجد كنزا. 15 الصديق الأمين لا يعادله شيء وصلاحه لا موازن له. 16 الصديق الأمين دواء الحياة والذين يتقون الرب يجدونه. 17 من يتق الرب يحصل على صداقة صالحة لان صديقه يكون نظيره."

هذه عن الصداقة. فالحكيم ينصح بأن نكتسب أصدقاء كثيرين بأن يكون لنا اللسان العذب ولكن الحكيم يميز بين الصديق الألزق من الأخ الذي يكون معه سرنا والزملاء الأحباء الذين يكون لنا معهم جلسات ظريفة. ويعرف الصديق بأنه الذي يلتصق بك في سرورك وفي فقرك ومرضك وهذا الصديق لا يتخذ في يوم وليلة بل عن خبرة وعشرة عمر. ولاحظ أن لو كشفت سرك لمن إعتبرته صديقاً وهو ليس أهل لذلك سيفضح أسراراك لو تخاصمت معه مثلاً.

الصديق الأمين دواء الحياة= فهو الذي يعزي الإنسان بوقوفه بجانبه في ضيقاته.

وهنا نقول طوبى لمن وجد المسيح صديقاً له حقيقة، مثل هذا لن يحتاج لصديق يعزيه في ضيقته. تباعد عن أعدائك الذين يحاولون إيذائك وبنفس المفهوم إحذر من أصدقائك غير الأوفياء الذين عندهم إستعداد أن يفشوا أسرارك.

 

الآيات (18-37): "18 يا بني اتخذ التأديب منذ شبابك فتجد الحكمة إلى مشيبك. 19 مثل الحارث والزارع اقبل إليها وانتظر ثمارها الصالحة. 20 فانك تتعب في حراثتها قليلا وتأكل من غلاتها سريعا. 21 ما أصعبها على الغير المتأدبين أن فاقد اللب لا يستمر عليها. 22 فأنها له كحجر الامتحان الثقيل فلا يلبث أن يتركها. 23 لان الحكمة هي كاسمها ولا تستبين لكثيرين والذين يعرفونها تثبت فيهم إلى مشاهدة الله. 24 اسمع يا بني واقبل رأيي ولا تنبذ مشورتي. 25 وادخل رجليك في قيودها وعنقك في غلها. 26 احن عاتقك واحملها ولا تغتظ من سلاسلها. 27 اقبل إليها بكل نفسك واحفظ طرقها بكل قوتك. 28 ابحث واطلب فتتعرف لك وإذا فزت بها فلا تهملها. 29 فانك في أواخرك تجد راحتها وتتحول لك مسرة. 30 فتكون لك قيودها حماية قوة وأغلالها حلة مجد. 31 لان عليها حليا من ذهب وسلاسلها سلك سمنجوني. 32 فتلبسها حلة مجد لك وتعقدها إكليل ابتهاج. 33 أن شئت يا بني فانك تتأدب وان استسلمت تستفيد دهاء. 34 أن أحببت أن تسمع فانك تعي وان أملت أذنك تصير حكيما. 35 قف في جماعة الشيوخ ومن كان حكيما فلازمه ارغب أن تسمع كل حديث الهي ولا تهمل أمثال التعقل. 36 وان رأيت عاقلا فابتكر إليه ولتطأ قدمك درج بابه. 37 تروا في أوامر الرب وفي وصاياه تأمل كل حين فهو يثبت قلبك وينيلك ما تتمناه من الحكمة."

عن أهمية الإهتمام بالحكمة والتعب لينا لها الإنسان فبها يفرح الإنسان على الأرض وتمتلئ حياته بركات، وميراث أبدي في الأبدية. والحكمة ببساطة لكي ننالها لنتبع وصايا الله وناموسه ونلتزم بها ولا نسير وراء شهواتنا، وهذا ما سماه السيد المسيح الطريق الضيق وهنا يقول عنه يا إبني أتخذ التأديب منذ شبابك. ويساعد الإنسان دراسة الكتاب والتأمل فيه وطلب الحكمة بصلوات والإسترشاد بالأباء الروحيين. وهذا الإنسان كلما تقدم سنه تجده يزداد حكمة. هذا يكون مثل الزارع يزرع كلمة الله والحارث يقلب أرض جسده بالتوبة فلابد أن يكون لمثل هذا ثمار صالحة. أمّا من يجري وراء شهواته فاقد اللب= أي بلا عقل فسيكون بلا ثمار فالحكمة والوصايا الإلهية تكون له كحجر إمتحان ثقيل= أما من إرتبط بالمسيح، فالمسيح هو الذي يحمل عنه هذا الحجر "إحملوا نيري فهو هين" (مت29:11،30). لكن من هو وحده بدون المسيح لا يلبث أن يتركها. وهذا ما شعر به الأباء القديسون في العهد القديم (أع10:15).

لأن الحكمة هي كإسمها= "هي جديدة بإسمها" في ترجمة أخرى "ولا تستبين لكثيرين" في ترجمة أخرى. المعنى أن الحكمة هي عظيمة بمقدار عالٍ جداً ولا يستطيع الجاهل السالك وراء شهواته أن يكتشف عظمتها. أما الذين إكتشفوها فتعطيهم مشاهدة الله= وهذا ما قاله بولس الرسول (1كو9:2،10) والبداية أن يغصب الإنسان نفسه كمن يدخل في قيودها.. فليكن .. إنما النهاية.. مجد عظيم إبحث وإطلب فتتعرف لك= أي تنكشف لك. ولكن إذا فزت بها فلا تهملها= هذه مثل "حتى وجدت من تحبه نفسي فأمسكته ولم أرخِهِ" (نش4:3). وفي الآخر تجد راحتها وتتحول لك مسرة. فكانت قيودها حماية لك ولكن بعد قليل تتحول لحلة مجد. لأن عليها حلياً من ذهب وسلاسلها سلك سمنجوني (لون السمائيات) مع الوقت ستكتشف أنك إنما إرتبطت بالسماويات (ذهب وإسمانجوني)، فليس بسلاسل عبودية إرتبطت، بل بالسمائيات. بل سيكون لك حكمة دهاءً في التصرف مع قضايا العالم. وليس معنى دهاء المكر بل في ترجمة أخرى حاذقاً أي تعرف كيف تتصرف بحكمة في كل الأمور. وتفسيرها كما أتى بعد ذلك ستفهم ما يقال أمامك. إن شئت= إذاً البداية أن يكون للإنسان إرادة. إن إستسلمت= تسلم نفسك للوصية وللتعليم مهما كان الثمن، فهناك ثمن يدفع لنبني البرج (لو25:14-33). إن أملت أذنك وأحببت أن تسمع= تسمع صوت الروح القدس وصوت الوصية، تسمع وتطيع حينئذ تصير حكيماً ونأتي بعد ذلك للتلمذة  على الشيوخ والحكماء والتعلم= لا تهمل أمثال التعقل.


 

الإصحاح السابع

الآيات (1-3): "1لا تعمل الشر فلا يلحقك الشر. 2 تباعد عن الأثيم فيميل الأثيم عنك. 3 يا بني لا تزرع في خطوط الإثم لئلا تحصد ما زرعت سبعة أضعاف."

تتلخص في آية (عوبديا 15) "ما فعلته يفعل بك عملك يرتد على رأسك". فيميل الأثيم عنك لأن الله سيبعده عنك. ولكن من يخطئ ويتوب يرفع الرب غضبه عنه. أما من يزرع في خطوط الإثم= المقصود خطوط الحقل الذي يذهب إليها الإنسان ناوياً زرع حبوب، أي الذي يفعل الشر بإرادة وليس عن ضعف.

 

الآيات (4-7): "4 لا تلتمس من الرب رئاسة ولا من الملك كرسي مجد. 5 لا تدع البر أمام الرب ولا الحكمة لدى الملك. 6 لا تبتغ أن تصير قاضيا لعلك لا تستطيع أن تستأصل الظلم فربما هبت وجه المقتدر فتضع في طريق استقامتك حجر عثار. 7 لا تخطا إلى جماعة المدينة ولا تطرح نفسك بين الجمهور."

هذا ما قال عنه السيد المسيح أن لا نطلب المتكآت الأولى وقال عنه بولس الرسول "لا ترتئي فوق ما ينبغي أن ترتئي" (رو3:12) وتطلب رئاسة ولا القضاء ظناً منك أنك قادر أن تصلح الكون. بل كن شاعراً بضعفك طالباً مراحم الله وإتضع، أما لو إختارك الله لمنصب فهو سيعطيك إمكانيات النجاح فيه، لكن لا تطلبه أنت. ولا تدع البر= فالله فاحص القلوب والكلى. وقد تظن أنك تفعل هذا أمام الناس، لكن الحكيم يلفت النظر أن ما تفعله يراه الله، هذا إشارة للعبادة الزائفة. ومن يظن أنه قادر أن يحكم بالعدل فربما يهاب وجه العظماء فيحكم لهم خوفاً منهم، وبهذا يخطئ إلى جماعة المدينة ويحط من نفسه بين الجمهور= لا تطرح نفسك بين الجمهور.

 

(8-11): "8 لا تعد إلى الخطيئة ثانية فانك لا تكون مزكى من الأولى. 9 لا تكن صغير النفس في صلاتك. 10 ولا تهمل الصدقة. 11 لا تقل أن الله ينظر إلى كثرة تقادمي وإذا قربتها للعلي فهو يقبلها."

هنا نرى إنساناً مستهتراً لا يهتم إن عاد للخطية التي قدم عنها توبة من قبل. فبهذا لا تكون مزكى في الأولى= هذا الإستهتار يجعل الله يذكر لك خطيتك الأولى أيضاً. بل وإن كنت تتصور أن كثرة تقدماتك= تقادمك= ستكون سبباً في الغفران، فالحكيم يقول، بل تقدماتك الله لن يقلبها. ثم للتشجيع ولحل المشكلة يقول الحكيم أن الحل الوحيد هو الصلاة بإيمان أن [1] يغفر الله الخطية [2] أن يعطي قوة حتى لا نسقط ثانية. على ألا تكون الصلاة بيأس= لا تكن صغير النفس في صلاتك. وهذا ليس معناه إهمال التقدمات= لا تهمل الصدقة= والمعنى إفعلوا هذا (الصلاة) ولا تتركوا تلك (الصدقة والتقدمات).

 

الآيات (12-14): "12 لا تستهزئ بأحد في مرارة نفسه فانه يوجد من يخفض ويرفع. 13 لا تفتر الكذب على أخيك ولا تختلقه على صديقك. 14 لا تبتغ أن تكذب بشيء فان تعود الكذب ليس للخير."

وإذا رأيت إنسان خاطئ مر النفس، فلا تستهزئ به ظاناً أنك بار وأفضل منه لكن إعلم أن الله هو الذي ستر عليك. بل إن من يفعل هذا يتركه الله يسقط في نفس خطية هذا الشخص الذي سخر منه حتى لا يتكبر وحتى يشعر بضيقة من سخر منه فيصلي لأجله بدلاً من أن يسخر منه في كبرياء. فالله يخفض المتكبر ويرفع المتضع الذي إنسحق وتذلل إذ أخطأ. لا تفتر الكذب= فالسيد المسيح قال عن الشيطان "أبو الكذاب" (يو44:8) فالكذاب جعل نفسه إبناً لإبليس. تعود الكذب ليس للخير= [1] يضعف الشخصية [2] يفقد الكذاب مصداقيته أمام الناس [3] يستسهل الخطية فعنده الحل وهو الكذب [4] يصير الإنسان إبناً لإبليس [5] يبتعد عنه المسيح الذي هو الحق.

 

آية (15): "15 لا تكثر الكلام في جماعة الشيوخ ولا تكرر الألفاظ في صلاتك."

كيف يتكلم إنسان وسط شيوخ أكثر حكمة منه. فليسكت ليتعلم. ولا تكرر الألفاظ في صلاتك. (قارن مع مت7:6). ولكن هذا لا يمنع اللجاجة التي طلبها رب المجد منا.

 

آية (16): "16 لا تكره الشغل المتعب ولا الحراثة التي سنها العلي."

طالما هاجم سليمان في سفر الأمثال، الكسل. الحراثة= عمل الفلاحة. وهذه الآية تنطبق على الجهاد الروحي. والحراثة هي التوبة.

 

الآيات (17-19): "17 لا تنظم نفسك في عداد الخاطئين. 18 اذكر أن الغضب لا يبطئ. 19 ضع نفسك جدا لان عقاب المنافق نار ودود."

إبتعد عن الخطية فغضب الله قادم على الخطاة. ضع نفسك جداً= تذلل أمام الله ليغفر ويسامح فالعقاب نار ودود= وهذا هو تعليم السيد المسيح (مر47:9،48).

 

الآيات (20-23): "20 لا تبدل صديقا بشيء زمني ولا أخا خالصا بذهب أوفير. 21 لا تفارق امرأتك إذا كانت حكيمة صالحة فان نعمتها فوق الذهب. 22 لا تعنت عبدا يجد في عمله ولا أجيرا يبذل نفسه. 23 لتحبب نفسك العبد العاقل ولا تمنعه العتق."

الإنسان لا يساويه شئ، لا ذهب أوفير ولا أي شئ زمني. وينبه لعدم خيانة الزوجة وتركها فأكثر ما يحزن الله أن يتسبب إنسان في أن يجعل إنسان غيره في حالة حزن. بل حتى العبد لا تتعنت معه. بل حاول أن تعتق العبد. الله يقدر النفس البشرية بل مات لأجلها. ذهب أوفير= أنقى أنواع الذهب.

 

الآيات (24-28): "24 إن كانت لك دواب فتعهدها وان كان لك منها نفع فأبقها عندك. 25 أن كان لك بنون فأدبهم واخضع رقابهم من صبائهم. 26 أن كانت لك بنات فصن أجسامهن ولا يكن وجهك إليهن كثير الطلاقة. 27 زوج بنتك تقض أمرا عظيما وسلمها إلى رجل عاقل. 28أن كانت لك امرأة على وفق قلبك فلا ترفضها أما المكروهة فلا تسلم إليها نفسك."

الكلام عن أهمية تربية الأولاد، ولكنه بدأ بالإهتمام بالحيوانات، والمعنى أنه إذا كنا نهتم بالحيوانات فبالأولى نهتم بأولادنا. لا يكن وجهك إليهن كثير الطلاقة= أي لا تكون بشوشاً معهن طبعاً لو أخطأن ولم يصونوا أجسادهن. وكصيانة للبنت ينصح أبوها بتزويجها ولكن من رجل عاقل وليس مهماً أن يكون غنياً أو ذا مركز. أما المكروهة= التي سيرتها لا ترضي زوجها فعليه أن لا يأتمنها= لا تسلم إليها نفسك.

 

الآيات (29-35): "29 اكرم أباك بكل قلبك ولا تنس مخاض أمك. 30 اذكر انك بهما كونت فماذا تجزيهما مكافأة عما جعلا لك. 31 اخش الرب بكل نفسك واحترم كهنته. 32 أحبب صانعك بكل قوتك ولا تهمل خدامه. 33 اتق الرب واكرم الكاهن. 34 وأعطه حصته بحسب ما أمرت به والباكورة لأجل الخطاء. 35 وعطية الأكتاف وذبيحة التقديس وباكورة الأقداس."

عن وجوب إكرام الوالدين والكاهن، فلا تنسى تعب والديك معك. إخش الرب وإحترم كهنته= فهم وكلاء الله وخدامه، وإحترامهم إحترام لله الذي يخدمونه وآية (35) هي النصيب الذي حدده الله للكاهن من الذبائح.

 

آية (36): "36 وابسط يدك للفقير لكي تكمل بركتك."

الفقراء هم إخوة الرب، من يعطيهم يباركه الرب.

 

الآيات (37-40): "37 كن عارفا للجميل من كل حي ولا تنكر على الميت جميله. 38 لا تتوار عن الباكين ونح مع النائحين. 39 لا تتقاعد عن عيادة المرضى فانك بمثل ذلك تكون محبوبا. 40في جميع أعمالك اذكر أواخرك فلن تخطا إلى الأبد."

إذا أحسن إليك أحد فعامله بالمثل، وإن مات أحسن إلى أولاده، إشترك مع الحزانى بكاءً مع الباكين (رو15:12). وإفتقد المرضى (مت35:25-46). هنا الحكيم يتكلم عن أعمال البر لكل محتاج (الفقراء والمرضى والحزانى.. وأهل الموتى). وزيارة المرضى هنا تشمل خدمتهم وخدمة الميت تشمل دفنه.


 

الإصحاح الثامن

الآيات (1-5): "1 لا تخاصم المقتدر لئلا تقع في يديه. 2 لا تنازع الغني لئلا يجعل عليك ثقلا. 3 فان الذهب اهلك كثيرين وأزاغ قلوب الملوك. 4 لا تخاصم الفتيق اللسان ولا تجمع على ناره حطبا. 5لا تمازح الناقص الأدب لئلا يهين أسلافك."

ليس من الحكمة أن يقف الإنسان في وجه متهور يمسك بسكين، وبنفس المنطق ليس من الحكمة أن يقف إنسان ويهاجم من له سلطان= المقتدر أو إنسان غني لئلا يجعل عليك ثقلاً= أي يفوقك ثقلاً= أي إن دفعت قرش يدفع مائة ولن تستطيع أن تواجه بمنطق المال فهو يتفوق عليك فيه، ولا تخاصم الفتيق اللسان= الثرثار. ولا تجمع على ناره حطباً= أي لا تزيد الموقف إشتعالاً بأن تثيره فينثر عليك شائعات تسئ إليك. ولا تمازح الناقص الأدب. ليس كل إنسان هو يوحنا المعمدان الذي عليه أن يواجه هيرودس. بل إن من يصطدم هكذا بالأقوياء وآخرين كما قال الحكيم يكون بدون حكمة. الموضوع يحتاج على تروي وحكمة لتغيير وضع سائد.

 

الآيات (6-8): "6 لا تعير المرتد عن الخطيئة اذكر أنا بأجمعنا نستوجب المؤاخذة. 7 لا تهن أحدا في شيخوخته فان الذين يشيخون هم منا. 8 لا تشمت بموت أحد اذكر أنا بأجمعنا نموت."

لا تعير المرتد عن الخطيئة= بل بالعكس فالسماء تفرح بخاطئ واحد يتوب، فلنفرح بتوبة الناس ولا نذكرهم بخطاياهم لنذلهم. الله نسى خطاياهم إذ تابوا فهل نذكرها نحن لهم (مي18:7،19). بل إن عيرت أحداً قد تاب عن خطيته وذكرته بها لتهينه فهذا قد يدفعه لليأس وللعودة للخطية، وبهذا نشترك مع الشيطان. ولنذكر أننا جميعاً ضعفاء خطاة. لا تهن أحد في شيخوخته= وأذكر أنه ربما يكون لك نفس الظروف، وربما تضعف في شبابك لمرض يلم بك. بل الشيوخ يجب أن يكونوا محل إحترام. وليس من العقل أن تشمت بموت أحد= فنحن قد نموت بعد دقائق.

 

(9-12): "9 لا تستخف بكلام الحكماء بل كن لهجا بأمثالهم. 10 فانك منهم تتعلم التأديب والخدمة للعظماء. 11 لا تهمل كلام الشيوخ فانهم تعلموا من آبائهم. 12 ومنهم تتعلم الحكمة وان ترد الجواب في وقت الحاجة."

خبرات الشيوخ مهمة فهي حصيلة نجاحات عديدة وفشل كثير في الحياة، فالشيخ أصبح يعرف متى يكون النجاح ومتى يكون الفشل. والأكثر من الشيوخ هم الحكماء= من يعثر على إنسان حكيم عليه أن يسمع لكل كلمة يقولها، ومن هنا فالكنيسة تحترم جداً أقوال أبائها الخدمة لدى العظماء= هذه قالها من قبل قف في جماعة الشيوخ (35:6) والمقصود إنتهز الفرصة للجلوس مع الحكماء والشيوخ المختبرين، ولو جاء لك فرصة لخدمتهم فلتخدمهم لتتعلم منهم. يشوع كان خادم موسى العظيم (يش1:1). وكان إليشع يصب ماءً على يدي إيليا العظيم (2مل11:3). فصار يشوع وإليشع كلاهما عظيمين. وهكذا مع أباء الرهبنة العظماء كان لهم من الرهبان الشبان من يخدمونهم فصاروا عظماء.

 

(13-22): "13 لا توقد جمر الخاطئ لئلا تحترق بنار لهيبه. 14 لا تنتصب في وجه الشاتم لئلا يترصد لفمك في الكمين. 15 لا تقرض من هو أقوى منك فان أقرضته شيئا فاحسب انك قد أضعته. 16 لا تكفل ما هو فوق طاقتك فان كفلت فاهتم اهتمام من يفي. 17 لا تحاكم القاضي لأنه يحكم له بحسب رأيه. 18 لا تسر في الطريق مع المتقحم لئلا يجلب عليك وبالا فانه يسعى في هوى نفسه فتهلك أنت بجهله. 19 لا تشاجر الغضوب ولا تسر معه في الخلاء فان الدم عنده كلا شيء فيصرعك حيث لا ناصر لك. 20 لا تشاور الأحمق فانه لا يستطيع كتمان الكلام. 21 لا تباشر أمراً سريا أمام الأجنبي فانك لا تعلم ما سيبدو منه. 22 لا تكشف ما في قلبك لكل إنسان فعساه لا يجزيك شكرا."

لا توقد جمر الخاطئ= تشجعه على الخطية. لئلا تحترق بنار لهيبه= سيجذبك معه. بل حاول أن تخيفه من عواقب الخطية فستخاف منها أنت أيضاً. لا تنتصب في وجه الشاتم= إبتعد عن هذا، فإن حاولت النزاع معه فستخطئ وتشتم وبهذا يتصيد عليك أخطائك ويكون هذا شركاً لك= لئلا يترصد لفمك في الكمين. إن أردت أن تقرض فإقرض المسكين، فإن لم تعود لك أموالك فلقد ذهبت لمن يستحقها، أما القوي الذي سيتاجر بمالك إن أقرضته وذهب مالك وماله في تجارة فاشلة فلقد ذهب مالك بلا فائدة. ولا تكفل أحد بما فوق طاقتك. والعالم الذي نحن فيه عالم ظالم، فلا داعي لأن تقيم دعوى على الأقوياء (كقاض مثلاً) فسيحكم ضدك.

 لا تسر في طريق مع المتقحم= أي المغامر، فهذا سيجذبك للهلاك. وإذا عرفت إنساناً غضوباً فلا تتشاجر معه ولا تسر معه في الخلاء فهو سيقتلك. وسرك لا تعطه للأحمق فسيذيعه. وأمام الغريب الذي لا تعرفه لا تتصرف تصرفاً يسئ الغريب فهمه فهو لا يعرفك. الخلاصة كن حريصاً في كل تصرف حتى لا تندم.


 

الإصحاح التاسع

(1-13): "1 لا تغر على المرأة التي في حجرك ولا تعلم عليك تعليما سيئا. 2 لا تسلم نفسك إلى المرأة لئلا تتسلط على قدرتك. 3 لا تلق المرأة البغي لئلا تقع في إشراكها. 4 لا تالف المغنية لئلا تصطاد بفنونها. 5 لا تتفرس في العذراء لئلا تعثرك محاسنها. 6 لا تسلم نفسك إلى الزواني لئلا تتلف ميراثك. 7 لا تسرح بصرك في أزقة المدينة ولا تتجول في أخليتها. 8 اصرف طرفك عن المرأة الجميلة ولا تتفرس في حسن الغريبة. 9 فان حسن المرأة أغوى كثيرين وبه يتلهب العشق كالنار. 10 كل امرأة زانية تداس كالزبل في الطريق. 11 كثيرون افتتنوا بجمال المرأة الغريبة فكان حظهم الرذل لان محادثتها تتلهب كالنار. 12 لا تجالس ذات البعل البتة ولا تتكئ معها على المرفق. 13 ولا تكن لها منادما على الخمر لئلا تميل نفسك إليها وتزل بقلبك إلى الهلاك."

هذه الآيات عن التعامل مع النساء. لا تغر على المرأة التي في حجرك= لا داعي للغيرة الجنونية التي بلا مبرر، فهذه تدفع للجنون، بل فليثق كل طرف بالآخر إذا لم يكن هناك داعٍ للشك. التي في حجرك= "التي في حضنك" في ترجمة أخرى. والمقصود الزوجة. ولا تعلم عليك تعليماً سيئاً= في ترجمة أخرى "لا تعلمها تعليماً يسئ إليك". فمثلاً لا تعلمها أن تجالس الغرباء وتأتي أنت برجال غرباء لبيتك، ربما تعتبرهم أصدقاء لك، فقد يحدث إرتباط عاطفي مع أحدهم.

لا تسلم نفسك إلى المرأة لئلا تتسلط على قدرتك= الرجل هو رأس المرأة، فلا يصح أن تصبح هي رأسه وتتسلط عليه. هذا يعتبر وضع معكوس ناشئ من تدليل خطأ. ثم يمنع تماماً التعامل مع المرأة البغي= أي الساقطات وهكذا لا تألف المغنية= "لا تطيل المقام معها" في ترجمة أخرى. لا تتفرس في العذراء= حتى لا تثار شهوات لا داعِ لها قد تقود للخطأ. ولا تسلم نفسك إلى الزواني لئلا تتلف ميراثك= ميراثك الأرضي، فأموالك ستذهب لها، وميراثك السماوي، فالزناة لا نصيب لهم في ملكوت السموات (1كو9:6 ،10). ولا تترك عينك تسعى وراء شهوات هذا العالم= لا تسرح بصرك في أزقة المدينة= المقصود أن لا يسرح بصرك وراء النساء، ولا تتجول في أخليتها= أي "زواياها المقفرة" حيث الساقطات ينتظرن من يلتقطهن. ولا تطيل النظر للمرأة الجميلة= فهذا سيثير شهوتك، وفكر في أن كل هذا الجمال سيتحول إلى تراب يوماً ما. الغريبة= التي هي ليست زوجتك. والأفضل كما يقول عدم الدخول مع النساء في مصادقات لا داعِ لها= لا تجالس .. لا تكن منادماً لها على الخمر.

 

(14-25): "14 لا تقاطع صديقك القديم فان الحديث لا يماثله. 15 الصديق الحديث خمر جديدة إذا عتقت لذ لك شربها. 16 لا تغر من مجد الخاطئ فانك لا تعلم كيف يكون انقلابه. 17 لا ترتض بمرضاة المنافقين اذكر انهم إلى الجحيم لا يتزكون. 18 تباعد عمن له سلطان على القتل فلا تجري في خاطرك مخافة الموت. 19 وان دنوت منه فلا تجرم لئلا يذهب بحياتك. 20 اعلم انك تتخطى بين الفخاخ وتتمشى على متارس المدن. 21 اختبر الناس ما استطعت وشاور الحكماء منهم. 22 ليكن مؤاكلوك من الأبرار وافتخارك بمخافة الرب. 23 اجعل عشرتك مع العقلاء وكل حديثك في شريعة العلي. 24 يثنى على عمل الصناع لأجل أيديهم أما رئيس الشعب فانه حكيم لأجل كلامه. 25 الفتيق اللسان يخاف منه في مدينته والهاذر في كلامه يمقت."

الصديق القديم= هو من إختبرته ومع الأيام ثبت لك إخلاصه. فلا تقاطعه من أجل صديق حديث لا تعرف عن إخلاصه شيئاً. وشبه الصديق القديم بالخمر كلما كانت عتيقة تكون أفضل. ويحذر من أن نرى مجد الخاطئ فنغار منه، فهو من المؤكد لن يستمر في مجده، (مز3:73،18)

لا ترتضى بمرضاة المنافقين= لا ترضى بما يرضي المنافقين، ولا تساير الخطاة. أذكر أنهم إلى الجحيم لا يتزكون= أي حتى يموتوا (وهم سيذهبون للجحيم) لن يتزكوا، لن يقبلهم الله. هؤلاء الأشرار قد يكون لهم نجاح مؤقت ولكنه لا يدوم. تباعد عمن له سلطان على القتل فلا تجري في خاطرك مخافة الموت إبتعد عن الأشرار الذين يستهينون بالدم، فلو عاشرتهم سيختفي من داخلك الشعور بمخافة الموت لأنك ستعتاد عليه ،بل لا تعود تخاف أنت من الموت وتتبلد مشاعرك تجاهه. (أثناء الحرب الأهلية اللبنانية وقد إعتاد الناس مناظر الدم، سادت هناك لعبة غريبة. فيضع الشبان رصاصة واحدة في مسدس، ويراهن بأن يطلقها ولا يموت.. [وطبعاً إحتمالات الموت هي 1 : 6 فالمسدس يسع 6 رصاصات].. لكن هو إستهانة بالموت الذي اعتادوا عليه.) وإن دنوت منه= إن إضطرتك الظروف أن تتعامل مع مثل هذا الإنسان، فحاذر أن تخطئ، فالدم لا قيمة له عنده= فلا تجرم لئلا يذهب بحياتك. حياتك مع مثل هذا الإنسان تشبه من يتخطي بين الفخاخ= معرض للسقوط كل لحظة. وتتمشى على متارس المدن= من يختبئ وراء أسوار المدن هو في حماية، ولكن من يتمشى بلا إحتراس على أسوار المدن هو معرض لسهام العدو المحيط بالمدينة. أي حياة الإنسان الذي يعاشر هذا المجنون الدموي هي في خطر مستمر فليحذر. والعكس حاول أن تعاشر العقلاء (23) ولذلك إختبر الناس ما إستطعت= لتعرف من تعاشره ومن تتجنبه. وشاور الحكماء ليخبروك من تعاشره ومن تبتعد عنه. وحاول أن يكون حديثك عن شريعة العلي وافتخارك بمخافة الرب والأبرار سيفرحون بهذا الحديث فعاشرهم، والأشرار سينفرون من هذا الحديث فستكتشف شرهم وبالتالي تجنبهم. عموماً بين أولاد الله يلذ الحديث عن الله وشريعة الله وأعمال الله. ولكن كل واحد له مجاله فالصناع الذين يعملون بأيديهم يثنى عليهم لو كانت لهم أعمال جيدة. أما رئيس الشعب فهو لا يعمل بيده، بل يحكم عليه ويثنى عليه لأجل كلامه لو كان فيه حكمة. والفتيق اللسان= الثرثار يُخاف منه= لنشره شائعات تسبب مشاكل ويتلف أعمالاً جيدة، هكذا الهاذر الذي يسخر من كل شئ. وفي ترجمة أخرى جاء "السريع الغضب" بدلاً من الهاذر.


 

الإصحاح العاشر

الآيات (1-5): "1 القاضي الحكيم يؤدب شعبه وتدبير العاقل يكون مرتبا. 2 كما يكون قاضي الشعب يكون الخادمون له وكما يكون رئيس المدينة يكون جميع سكانها. 3 الملك الفاقد التأديب يدمر شعبه والمدينة تعمر بعقل ولاتها. 4 ملك الأرض في يد الرب فهو يقيم عليها في الأوان اللائق من به نفعها. 5 فوز الرجل في يد الرب وعلى وجه الكاتب يجعل مجده."

إذا كان القاضي حكيماً والملك حكيماً والرئيس هكذا، فطوبى لهذا الشعب، فالشعب سيسلك بحسب قوانين هذا الحاكم حتى لا يتعرض للعقوبة= القاضي الحكيم يؤدب شعبه. ولكنه إن كان قاضي الشعب أي حاكمه فاسداً= هكذا يكون الخادمون له. والعكس فلو كان صالحاً هكذا يكون شعبه. ويا ويل شعب كان له ملكه فاسداً أو مجنوناً (هتلر مثلاً) فهذا يدمر شعبه. ولكن إذا كان هناك شعب فاسد فالله يعطيه حاكماً فاسداً ليؤدب هذا الشعب بأن يخربه إذ لا يصلح فيه تأديب (آية4). والله يعطي النجاح للحاكم الصالح= فوز الرجل في يد الرب. ويسمى الملك الصالح هنا الكاتب. فالكاتب هو من عنده الشريعة ويفهمها ويعلمها. والملك الصالح هو من يفهم أنه خادم لله يطبق شرائع الله فيما ينفع الناس وعلى مثل هذا الملك يجعل الرب مجده على وجهه. وملك حكيم مثل سليمان نشر الرخاء في بلده. وعلى أي الأحوال علينا كشعب الخضوع للحاكم أياً كان فهو معين من قبل الله (رو1:13).

 

(6-22): "6 إذا ظلمك القريب في شيء فلا تحنق عليه ولا تأت شيئا من أمور الشتم. 7 الكبرياء ممقوتة عند الرب والناس وشانها ارتكاب الإثم أمام الفريقين. 8 إنما ينقل الملك من أمة إلى أمة لأجل المظالم والشتائم والأموال. 9 لا أحد اقبح جرما من البخيل لماذا يتكبر التراب والرماد. 10 لا أحد اكبر إثما ممن يحب المال لان ذاك يجعل نفسه أيضا سلعة وقد اطرح أحشاءه مدة حياته. 11 كل سلطان قصير البقاء أن المرض الطويل يثقل على الطبيب. 12 فيحسم الطبيب المرض قبل أن يطول هكذا الملك يتسلط اليوم وفي غد يموت. 13 والإنسان عند مماته يرث الأفاعي والوحوش والدود. 14 أول كبرياء الإنسان ارتداده عن الرب. 15 إذ يرجع قلبه عن صانعه فالكبرياء أول الخطاء ومن رسخت فيه فاض أرجاسا. 16 ولذلك انزل الرب بأصحابها نوازل غريبة ودمرهم عن أخرهم. 17 نقض الرب عروش السلاطين واجلس الودعاء مكانهم. 18 قلع الرب أصول الأمم وغرس المتواضعين مكانهم. 19 قلب الرب بلدان الأمم وأبادها إلى أسس الأرض. 20 اقحل بعضها وأباد سكانها وأزال من الأرض ذكرهم. 21 محا الرب ذكر المتكبرين وأبقى ذكر المتواضعين بالروح. 22 لم تخلق الكبرياء مع الناس ولا الغضب مع مواليد النساء."

هذه الآيات كلها ضد الكبرياء. إذا ظلمك القريب فلا تحنق عليه ولا تشتم= فمن الكبرياء أن ينفعل الإنسان= يحنق= لحظياً دون أن يهدأ ويفكر ثم يعاتب. ولكن من يتهيج لحظياً ويشتم فهذا نوع من الكبرياء، ولذلك طلب السيد أن نذهب ونعاتب ونحاول الصلح عن طريق الكنيسة. ولذلك جاءت الآية في ترجمة أخرى "لا تحقد على القريب لأي ضرر كان ولا تعمل شيئاً وأنت مغتاظ". والكبرياء ممقوته الله يكرهها والناس يكرهونها. وشأنها إرتكاب الإثم أمام الفريقين= وفي ترجمة أخرى "والظلم عند كليهما خطأ" فالكبرياء ينشى ظلماً وهذا إثم ممقوت أمام الله والناس. شأنها إرتكاب الإثم= أي أن الكبرياء تؤدي لإرتكاب الإثم والمظالم، فالإنسان المتكبر لا يهتم سوى بنفسه. بل إن الملك قد يضيع من مملكة لكبرياء حكامها وظلمهم. لا أحد أقبح جرماً من البخيل= المقصود من يظلم الناس ليكتنز المال وبهذا يظن أنه يتسيد العالم وهذا كبرياء فهو ينسى أنه تراب ورماد. بل من محبة المال يصل الإنسان لأن يبيع نفسه= يجعل نفسه أيضاً سلعة. وقد إطّرح أحشاؤه مدة حياته= في ترجمة أخرى "أنتنت  أحشاؤه" فالسلوك هكذا يفسد داخل الإنسان. ومهما كان الإنسان له من سلطان فسيموت= كل سلطان قصير البقاء وهناك أمراض لا علاج لها عند الأطباء= يثقل على الطبيب= يعجز عنه الطبيب ويتحدى الطبيب فلا يستطيع أن يشفى المريض وهذا معنى يثقل على الطبيب فيحسم الطبيب المرض قبل أن يطول= فلماذا تنتفخ يا إنسان، فلربما أصابك مرض من هذا النوع وتصير ضعيفاً بعد قوة وعاجزاً بعد سلطان (نبوخذ نصر صار كالحيوان بعد كبريائه). بل عند موت الإنسان يأكله الدود. ولاحظ أن أول كبرياء الإنسان إرتداده عن الرب= فمن هو قريب من الرب تجد عينه مفتوحة يرى الحقائق كما هي، يرى الرب في عظمته فيدرك حقارته فلا يتكبر، ومن يبتعد عن الرب تنغلق عينيه فلا يرى في الدنيا سوى نفسه فيتكبر. وما الذي دفع الإنسان ليبتعد عن الله؟ هو أن تكون للإنسان إرادة أخرى غير إرادة الله، وهذا كبرياء فهل إرادتي أفضل من إرادة الله، هل فهمي أفضل= الكبرياء أول الخطاء أي أول الخطية. ومن سقط في هذه الخطية ورسخت فيه فاض أرجاساً= وهذا ما حدث مع الشيطان. "قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم18:16). والله من محبته يضرب هؤلاء ليتضعوا فلا يهلكوا= أنزل الرب بأصحابها نوازل غريبة ودمرهم عن أخرهم= الله يدمر ويميت من لا أمل في إصلاحه، ويترك من فيه أمل لينصلح حاله. وآية (17) هي ما قالته العذراء مريم (لو52:1). قلع الرب أصول الأمم= قد تفهم مثلاً عن الكنعانيين الذين خلعهم الرب من الأرض وأعطاها لشعبه. ولكن المعنى الأشمل هو أن الله خلع الشياطين وأسقطهم وطردهم من السماء لكبريائهم وغرس المتواضعين= من البشر. وأيضاً يسمى الشياطين سلاطين. نقض الرب عروشهم ليجلس الودعاء من البشر (راجع كو15:2).  قلب الرب بلدان الأمم (بابل مثلاً وأشور) بسبب كبريائهم لم تخلق الكبرياء مع الناس= فالإنسان مخلوق على صورة الله في الوداعة والإتضاع.

 

(23-28): "23 أي نسل هو الكريم نسل الإنسان أي نسل هو الكريم المتقون للرب أي نسل هو اللئيم نسل الإنسان أي نسل هو اللئيم المتعدون للوصايا. 24 فيما بين الاخوة يكون رئيسهم مكرما هكذا في عيني الرب الذين يتقونه. 25 الغني والمجيد والفقير فخرهم مخافة الرب. 26 ليس من الحق أن يهان الفقير العاقل ولا من اللائق أن يكرم الرجل الخاطئ. 27 العظيم والقاضي والمقتدر يكرمون وليس أحد منهم اعظم ممن يتقي الرب. 28 العبد الحكيم يخدمه الأحرار والرجل العاقل لا يتذمر."

الله خلق الإنسان على صورته كريماً أي يستحق الكرامة ويظل كذلك لو ظل يتقي الرب في حياته. والعكس. فيما بين الإخوة يكون رئيسهم مكرماً هكذا يكون في عيني الرب الذين يتقونه مكرمين، والفرق أن الرئيس يكرمه إخوته مدة حياته، أما الله فيكرم من يتقيه بمجد أبدي. لذلك ففخر الإنسان أياً كان غنياً أو فقيراً هو أن يخاف الرب، والسبب أن الله نفسه يكرمه. وكيف يكرم الناس رجل خاطئ، الله لا يقبله بل يرفضه. بل أن أعظم درجة للناس هي لمن يتقي الرب. العبد الحكيم يخدمه الأحرار= فالله رفعه. والرجل العاقل لا يتذمر من ذلك= فالله هو الذي أعطى له هذه الكرامة فهل نعترض.

 

(29-34): "29 لا تعتل عن الاشتغال بالأعمال ولا تنتفخ في وقت الإعسار. 30 فان الذي يشتغل بكل عمل خير ممن يتمشى أو ينتفخ وهو في فاقة إلى الخبز. 31 يا بني مجد نفسك بالوداعة وأعط لها من الكرامة ما تستحق. 32 من خطئ إلى نفسه فمن يزكيه ومن يكرم الذي يهين حياته. 33الفقير يكرم لأجل عمله والغني يكرم لأجل غناه. 34 من اكرم مع الفقر فكيف مع الغنى ومن أهين مع الغنى فكيف مع الفقر."

هي حث على العمل فلا يجوع الإنسان. لا تعتل عن الإنشغال بالأعمال= لا تترفع عن أي عمل لتأكل خبزاً. وإذا إمتنعت وجعت فلا تنتفخ في وقت الإعسار= الإعسار أي العوز والفقر. فمن ينتفخ وهو لا يملك شيئاً سيكون ضحكة للناس. فالذي يشغل بكل عمل (ولا يتكبر على نوعية العمل) خيرٌ ممن ينتفخ وهو في فاقة (إحتياج) إلى الخبز (2تس6:3-12). مجد نفسك بالوداعة= الوديع يحبه الناس وهذا يكون له مجداً. واعط لها من الكرامة ما تستحق= ليس بأن ينتفخ الإنسان، بل بأن يسلك الإنسان بلا عيب فلا يهينه أحد "لا يستهن أحد بحداثتك بل كن قدوة للمؤمنين" (1تي12:4). لذلك يكمل أن من يخطئ يهين حياته ولا يكرمه أحد. وقد يكون هناك فقيراً لكن لأجل أعماله العظيمة يكرمونه، أما الغني فيكرمونه لأجل غناه. فكم وكم لو كان فقيراً وأكرموه ثم إغتنى وظل محافظاً على تقواه.


 

 الإصحاح الحادي عشر

الآيات (1-6): "1 حكمة الوضيع ترفع رأسه وتجلسه في جماعة العظماء. 2 لا تمدح الرجل لجماله ولا تذم الإنسان لمنظره. 3 النحل صغير في الطيور وجناه راس كل حلاوة. 4 لا تفتخر بتردي الثياب ولا تترفع في يوم الكرامة فان أعمال الرب عجيبة وأفعاله خفية عن البشر. 5كثيرون من المتسلطين جلسوا على التراب والخامل الذكر لبس التاج. 6 كثيرون من المقتدرين لحقهم اشد الهوان والمكرمون سلموا إلى أيدي الآخرين."

الحكمة هي التي ترفع شأن الإنسان وليس جماله ومنظره وثيابه= لا تفتخر بتردي (إرتداء) الثياب. إذاً المهم الجوهر وليس الشكل (إختار الله داود للمملكة وهو أصغر إخوته). والمسيح إفتدى العالم وتمجد "وليس له منظر فنشتهيه" (إش2:53،3). فالنحلة الصغيرة تصنع أحلى عسل= جناه= ما تجنيه منه، رأس كل حلاوة= أحلى حلاوة. لا تترفع في يوم الكرامة= لا يركبك الغرور إذا كرمك أحد وتسعى لمزيد من الكرامة فتكرم نفسك، بل دع الله يكرمك= أعمال الرب عجيبة= الله يعمل في الخفاء ويكرم عبيده المستحقين. فالله يرفع البسطاء= خامل الذكر ويخفض المتسلطين.

 

الآيات (7-9): "7 لا تذم قبل أن تفحص تفهم أولا ثم وبخ. 8 لا تجاوب قبل أن تسمع ولا تعترض حديث أحد قبل تمامه. 9 لا تجادل في أمر لا يعنيك ولا تجلس للقضاء مع الخطاة."

لا تتسرع في الحكم ولا في الحديث ولا تتداخل فيما لا يعنيك فلن تكون قادراً على فهم كل ما يحيط بالأمر. ولا تجلس للقضاء مع الخطأة= فسيكون حكمهم ملتوياً ويجرونك إلى نفس مقاصدهم. ولا تعترض حديث أحد= حتى تسمع الأمر بالكامل فيكون حكمك صائباً، ومقاطعة الناس عيب.

 

(10-30): "10 يا بني لا تتشاغل بأعمال كثيرة فانك أن أكثرت منها لم تخل من ملام أن تتبعتها لم تحشها وان سبقتها لم تنج. 11 رب إنسان ينصب ويتعب ويجد ولا يزداد إلا فاقة. 12 ورب إنسان بليد فاقد المدد قليل القوة كثير الفقر. 13 نظرت إليه عينا الرب بالخير فنعشه من ضعته ورفع رأسه فتعجب منه كثيرون. 14 الخير والشر الحياة والموت الفقر والغنى من عند الرب. 15الحكمة والعلم ومعرفة الشريعة من عند الرب المحبة وطرق الأعمال الصالحة من عنده. 16 الضلال والظلمة خلقا مع الخطاة والذين يرتاحون إلى الشر في الشر يشيخون. 17 عطية الرب تدوم للأتقياء ومرضاته تفوز إلى الأبد. 18 رب غني استغنى باهتمامه وإمساكه وإنما حظه من أجرته. 19 أن يقول قد بلغت الراحة وأنا الآن أكل من خيراتي. 20 وهولا يعلم كم يمضي من الزمان حتى يترك ذلك لغيره ويموت. 21 أقم على عهدك وثابر عليه وشخ في عملك. 22 لا تعجب من أعمال الخطاة آمن بالرب وابق على جهدك. 23 فانه هين في عيني الرب أن يغني المسكين في الحال بغتة. 24 بركة الرب في أجرة التقي وهو في لحظة يجعل بركته مزهرة. 25 لا تقل أي حاجة لي وأي خير يحصل لي منذ الآن. 26 لا تقل لي ما يكفيني فلم أتعنى منذ الآن. 27 أن البؤوس تنسى في يوم النعم والنعم لا تذكر في يوم البؤوس. 28فانه هين عند الرب أن يجازي الإنسان بحسب طرقه يوم الموت. 29 شر ساعة ينسي اللذات وفي وفاة الإنسان انكشاف أعماله. 30 لا تغبط أحدا قبل موته أن الرجل يعرف ببنيه."

التركيز في عمل ما أفضل من أن يشغل الإنسان نفسه بأعمال عديدة يفشل في أن ينجزها= فإنك إن أكثرت منها لا تخل من ملام= سيلومك الناس إن لم تنجزها. إن تتبعتها= مهما حاولت أن تنجزها فلكثرتها ستفشل= لم تَحُشْها= لا تدركها. وأن سبقتها لم تنج= "ولا تنجو بالهرب" في ترجمة أخرى. وفي (11-14) نجد أن الرزق، الغني والفقر من عند الرب، ولا يتوقف على كثرة العمل. فالكل من عند الرب. بل الحكمة والعلم .. (15) الكل من عند الرب. وبالتالي فالإتكال على الرب هو الغنى نفسه. ولماذا التباهي بالغنى فهو من عند الرب. وأهم ما يعطيه الرب السلام والرضى والفرح الداخلي والأهم الحياة الأبدية. فليعمل الإنسان بجدية ويفهم أن رزقه من عند الله. الله خلق الفرح والنور ولكن الخطاة إجتذبوا لهم الضلال والظلمة= الضلال والظلمة خلقا مع الخطاة ومن لا يقدم توبة تنغلق عيناه ويطفئ الروح القدس داخله فيرتاح للشر وفيه يشيخ (16) أما الأتقياء فعطايا الله الحلوة تدوم لهم، ورضاه عليهم يستمر حتى نهاية حياتهم بل وللأبد (17). رب غنى إستغني بإهتمامه= من عمله وليس بركة من الرب، فهذا سيكون كل حظه. المال الذي كنزه هو حظه بغير رضى الله ولا حياة أبدية. والآيات (19،20) هي نفس ما قاله السيد المسيح عن الغنى الغبي الذي قال له الرب "في هذه الليلة تؤخذ نفسك.."

وفي (21) أقم على عهدك= حافظ على تقواك العمر كله. لا تعجب من أعمال الخطأة= مهما زادت أموالهم. آمن بالرب= وأنه هو الذي يقوتك ويرعاك وإبق على جهدك= لا تتوقف عن العمل. والله قادر أن يغنيك في لحظة= بغتة. ولماذا لا يفعل؟ لأنه ربما لو زادت أموالك تترك الله وتنشغل بملذات العالم فتخسر أبديتك. والله يعطي ويبارك التقي وهو في لحظة يجعل بركته مزهرة. ولا تتكاسل عن العمل وتقول لي ما يكفيني فلم أتعنى= فلم أعاني التعب في العمل. فقد تفتقر إلى المال بغتة وفي يوم البؤوس= الفقر والبؤس ينسى الإنسان أيام النعمة ولا يشعر إلاّ بالبؤس، أي لن يعزيه النعم السابقة ولن يشبعه الأيام السابقة. ولا تغتر بأموالك فتترك الله قائلاً لديّ ما يكفيني فلا أحتاج لله ولا لبركات الله، ولأنعم بملذات العالم بعيداً عن التقوى التي لا حاجة لي إليها. وتذكر يوم الموت، يوم يجازي الرب كل إنسان بحسب طرقه. بل قد يأتي على الإنسان وهو مازال في حياته شرور مؤلمة مثل الأمراض. وشر ساعة ينسى اللذات. وما أصعبها ساعة، ساعة الوفاة إن لم يكن الله راضياً عن الإنسان. ساعة الوفاة إمّا يأتي الملائكة يحملوا نفس المنتقل (مثل الفقير لعازر). أو يأتي الشيطان، الذي قال عنه السيد المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ" ومن يكون للشيطان فيه شئ، أي قبل من يد الشيطان خطايا، يأتي الشيطان ليأخذه إلى الجحيم، ومن ظل ثابتاً في المسيح، يحيا في تقوى، يستطيع أن يقول مع المسيح "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيّ شئ" (يو30:14). وهذا يتضح ساعة الوفاة، فعادة من تجده مبتسماً فهو رأي الملائكة، ومن تجد الفزع على وجهه فقد رأى الشيطان، وفي هذه اللحظة هل يتذكر الخاطئ اللذات السابقة؟ هل هي قادرة أن تعزيه. لذلك لا تغبط أحداً قبل موته. إن الرجل يُعرف ببنيه وفي ترجمة أخرى "يُعرف عند موته".

 

(31-36): "31 لا تدخل كل إنسان إلى بيتك فان مكايد الغشاش كثيرة. 32 كصفة الحجل الصياد في القفص صفة قلب المتكبر وهو كراصد يرقب السقوط. 33 فانه يكمن محولا الخير إلى الشر ويصم المختارين بالنقائص. 34 من شرارة واحدة يكثر الحريق والرجل الخاطئ يكمن للدم. 35 أحذر من الخبيث الذي يخترع المساوئ لئلا يجلب عليك عارا إلى الأبد. 36 ادخل الأجنبي إلى بيتك فيقلب أحوالك بالمشاغب ويطردك عن خاصتك."

هذا غالباً ما عناه الحكيم في (1:9) حينما قال "لا يُعلِّم عليك تعليماً سيئاً" أي لا تعلم إمرأتك أو بناتك.. تعليماً سيئاً بأن تدخل بيتك رجالاً غرباء، يكونون سبباً في مشاكل معهن= فإن مكايد الغشاش كثيرة. ويشبه هذا الغريب الغشاش بالحجل= وهو طائر يجمع البيض من أعشاش الطيور الأخرى، وهي طيور لها صوت صراخ شديد. وهذا الغشاش بكلماته اللينة قد يجذب بنت من بناتك. الحجل الصياد= هي عن طريق صراخها تجذب طيوراً كثيرة. لذلك يحبسها الصيادون ويعتمدون على صراخها في جذب طيور أخرى يصطادونها. وأيضاً هي تصطاد بيض الطيور الأخرى وتخطفه، وهذا ما يفعله الغشاش الغريب. وهناك مشكلة أخرى للغريب الغشاش أنه يتصيد أخطاء أهل البيت= كراصد يرقب السقوط فإنه يمكن محولاً الخير (إستضافته) إلى الشر ويصم المختارين بالنقائص= يتكلم كلاماً سيئاً على أهل البيت. والكلام الذي ينشره قد يسبب حريقاً مدمراً سمعة عائلة بل قد يطردك عن خاصتك= يتسبب في أن تترك منزلك وعائلتك.


 

الإصحاح الثاني عشر

الآيات (1-7): "1 إذا أحسنت فاعلم إلى من تحسن فيكون معروفك مرضيا. 2 احسن إلى التقي فتنال جزاء أن لم يكن من عنده فمن عند العلي. 3 لا خير لمن يواظب على الشر ولا يتصدق لان العلي يمقت الخطاة ويرحم التائبين. 4 أعط التقي ولا تمد الخاطئ فانه سينتقم من المنافقين والخطاة لكنه يحفظهم ليوم الانتقام. 5 أعط الصالح ولا تؤاس الخاطئ. 6 احسن إلى المتواضع ولا تعط المنافق امنع خبزك ولا تعطه له لئلا يتقوى به عليك. 7 فتصادف من الشر أضعاف كل ما كنت تصنع إليه من المعروف أن العلي يمقت الخطاة ويكافئ المنافقين بالانتقام."

المطلوب الحكمة في توزيع الصدقات. فلنعطها لمن نثق في أنهم يحتاجونها وينفقونها في أوجه سليمة، وإن لم نعرف من يستحق الصدقة، فلنعطها للكنيسة فهي تدقق في العطايا، تعطيها للمستحق:-

1.     فهناك فقراء شحاذين صاروا أصحاب ثروات من هذا العمل.

2.     هناك من يخدع الناس ويدعى الفقر.

3.     هناك من يأخذ الصدقات ليصرفها على المخدرات. (هنا تعطي الكنيسة عطايا عينية كالطعام وليس نقوداً).

لا خير لمن يواظب على الشر= لا تعط صدقات للأشرار. ولا يتصدق= أي لا يعمل أعمال بر.

أعطِ الصالح ولا تؤاس الخاطئ= أي لا تساعد الخاطئ ففي هذه الحالة سينقلب هذا الشرير بما حصل عليه من مال ضد من أعطاه المال= لئلا يتقوى به عليك.

 

(8-19): "8 لا يعرف الصديق في السراء ولا يخفى العدو في الضراء. 9 في سراء الرجل أعداؤه محزونون وفي ضرائه الصديق أيضا ينصرف. 10 لا تثق بعدوك أبدا فان خبثه كصدأ النحاس. 11 وان كان متواضعا يمشي مطرقا فتنبه لنفسك وتحرز منه فانك تكون معه كمن جلا مرآة وستعلم أن نقاءها من الصدأ لا يدوم. 12 لا تجعله قريبا منك لئلا يقلبك ويقيم في مكانك لا تجلسه عن يمينك لئلا يطمع في كرسيك وأخيرا تفهم كلامي وتنخس بأقوالي. 13 من يرحم راقيا قد لدغته الحية أو يشفق على الذين يدنون من الوحوش هكذا الذي يساير الرجل الخاطئ يمتزج بخطاياه. 14 انه يلبث معك ساعة وان ملت لا يثبت. 15 العدو يظهر حلاوة من شفتيه وفي قلبه يأتمر أن يسقطك في الحفرة. 16 العدو تدمع عيناه وان صادف فرصة يشبع من الدم. 17 أن صادفك شر وجدته هناك قد سبقك. 18 وفيما يوهمك انه معين لك يعقل رجلك. 19 يهز رأسه ويصفق بيديه ويهمس بأشياء كثيرة ويغير وجهه."

آية (8)= الصديق يُعرف وقت الشدة، يقف بجانب صديقه. أما العدو يصير لك صديقاً وقت السعة ليستفيد من أموالك. لا يُعرف الصديق في السراء= فكل الناس أصدقاء وأعداء يلتفون حوله، فلا يستطيع الغني أن يميز الصديق من العدو (كما حدث مع الإبن الضال) ولكن وقت الضراء يذهب الأعداء ولا يبقي سوى الأصدقاء فلا يخفي العدو. ومن الحقد ففي سراء الرجل أعداؤه محزونون. وفي ضرائه ينصرف عنه الكل حتى أصدقائه= الصديق أيضاً ينصرف.. لكن هناك الأصدقاء الحقيقيين وهؤلاء يظهرون وقت الشدة. وفي (1) يشبه العدو بمرآة (كانت لوح من النحاس مصقول في تلك الأيام) يعلوها الصدأ، فلا تستطيع أن تميز منها شئ، لا تستطيع أن تميز خبثه ضدك، حتى وإن إدّعى التواضع وسار مطرقاً، كن حذراً منه، وحاول أن تفهم.. حاول أن تجلو المرآة لتعرف نيته تجاهك. وقد تتجلى المرآة وتفهم، ولكنه يعاود خبثه ويعود الصدأ= ستعلم أن نقاءها من الصدأ لا يدوم.

عموماً الخلطة الشديدة مع من لا تعرفهم معرفة جيدة قد تؤدي لمشاكل كثيرة (آية12) لا تجلسه عن يمينك= اليمين هو القوة، إذاً لا تكشف له كل أسرارك.

من يرحم راقياً (حاوياً) لدغته الحية= الحية رمز لإبليس، والراقي الذي لدغته الحية، هو الخاطئ الذي سرى فيه سم الخطية. هو كان راقياً أي قادر على مقاومة الثعابين هكذا كل إنسان هو قادر أن يتغلب على الخطية "عند الباب خطية رابضة وإليك إشتياقها وأنت تسود عليها" (تك7:4). ولكن بسقوط الراقي أو الحاوي من يستطيع أن يرحمه أي ينقذه من سم الحية الذي سرى في جسده. والمعنى أنك لن تستطيع أن تنقذ الخاطئ الذي سرى سم الخطية فيه فالأفضل أن تتركه وتهرب لحياتك، ولا تدعى أنك رحيم تريد أن تخلصه من خطيته. وإذا أشفقت على من يدنون من الوحوش وإقتربت من الوحوش فستأكلك الوحوش. إن من يعاشر الحيات والوحوش يكتسب أيضاً طباعهم فإهرب منه لئلا يفترسك فتموت. إنه يلبث معك ساعة وإن ملت لا يثبت= هذا الخاطئ يظل صديقاً لك يظهر صداقته، وإن سقطت لن تجده.

وفي آيات (15-19) نرى العدو يتخلى عن من كان صديقه ويشمت فيه، بعد أن أسقطه، وبعد أن خدعه بكلامه الحلو= يظهر حلاوة من شفتيه. ويدعى التعاطف معك= تدمع عيناه وإن صادف فرصة يسقط الإنسان فيهلك= يشبع من الدم. لذلك قيل عن إبليس "كان قتالاً للناس منذ البدء" (يو44:8) يعقل رجلك= يعرقل رجلك. يهز رأسه ويصفق بيديه= فرحاً وشماتة في سقوطك لقد صار هؤلاء كالشياطين، يفرحون بسقوط الآخرين في الخطية (رو32:1)


 

الإصحاح الثالث عشر

الآيات (1-4): "1 من لمس القير توسخ ومن قارن المتكبر أشبهه. 2 لا ترفع ثقلا يفوق طاقتك ولا تقارن من هو أقوى وأغنى منك. 3 كيف يقرن بين قدر الخزف والمرجل أنها إذا صدمت تنكسر. 4 الغني يظلم ويصخب والفقير يظلم ويتضرع."

عن علاقات الفقير مع الأغنياء. من لمس القير (القطران) توسخ. ومن قارن المتكبر أشبهه= من يعيش وسط الخطاة سريعاً ما سيتشبه بهم، لذلك لم يكن داود يجلس في مجلس المستهزئين (مز1). وفي الآيات (2-4) نصيحة للفقير والضعيف أن لا يحاول أن يعيش وسط الأغنياء والأقوياء ظناً منه أن هذا سيرفع من شأنه، فسيظل إناء الخزف ضعيفاً هشاً إذا صدمت تنكسر وسيظل المرجل (غلاية حديد) قوياً لا ينكسر. ومع أي مشكلة فالغنى يَظْلِمْ الفقير ومع هذا يَصخَبْ ويشتكي. والفقير يُظْلَم ومع هذا يتضرع حتى يعفوا الناس عنه فهم قطعاً سيجاملون الغني القوي. لن ينتفع الفقير الذي يعيش وسط الأغنياء إلاّ أنه سيشابهم في كبريائهم وبلا مبرر وبهذا سيعيش مكروهاً يهزأ الناس به.

 

(5-11): "5 أن كنت نافعا استغلك وان كنت عقيما خذلك. 6 أن كان لك مال عاشرك واستنفد مالك وهولا يتعب. 7 أن كانت له بك حاجة غرك وتبسم إليك ووعدك وكلمك بالخير وقال ما حاجتك. 8 وقدم لك من الأطعمة ما يخجلك حتى يستنفد مالك في مرتين أو ثلاث وأخيرا يستهزئ بك ويراك بعد ذلك فيخذلك وينغض رأسه عليك. 9 اخشع لله وانتظر يده. 10 أحذر أن تغتر وتتذلل في جهالتك. 11 لا تكن ذليلا في حكمتك لئلا يستدرجك الذل إلى الجهالة."

مازال الحكيم ينبه الفقير أن لا يتعايش مع الغنى، فالغنى لن يريد من الفقير شيئاً سوى أن يستغله= إن كنت نافعاً إستغلك والعكس فإن كان الفقير بلا منفعة فلا حاجة للغنى بهذا الفقير، فهو سيترفع عن معاشرته= وإن كنت عقيماً (بلا فائدة للغنى) خذلك أي رفض معاشرتك. وإذا عاشرت الغني أيها الفقير فستعيش على مستواه فينتهي مالك بسرعة= إستنفد مالك وهو لا يتعب= أي ثروته باقية كما هي. وهو لن يبتسم في وجهك إلاّ لو كان له حاجة عندك وحينما تنتهي هذه الحاجة لن يعود يرتاح لمعاشرتك= يستهزئ بك. وبدلاً من أن تتودد للأغنياء ليرفعوك، إذهب وإخشع لله، فهو الذي يباركك ويرفعك= وإنتظر يده (بركاته التي ترفعك) وإحذر أن تغتر= تعاشر الأغنياء في غرور ليرفعوك وتضطر أن تتذلل في جهالتك. هناك من يبدد أمواله على ولائم للأغنياء لعله يستفيد منهم، والحكيم يقول لن تستفيد فهم لا يريدونك، بل يريدون أي مصلحة يستفيدونها منك. لذلك فلتبدد أموالك على الفقراء كما عمل وكيل الظلم فيكون لك أصدقاء في السماء، والله يعوضك فترتفع. لا تكن ذليلاً في حكمتك= هناك من يتصور أنها حكمة أن يعيش ملتصقاً بالأغنياء أو الأقوياء حتى لو عاش ذليلاً وسطهم لكن الحكيم يقول أن هذا يستدرجك إلى الجهالة= أي تنفق أموالك بلا مبرر حتى تفتقر لتساير هؤلاء الأغنياء ثم يُلقون بك إذا لم يعد لك فائدة. أما الحكمة هي في أن تلتصق بالله وبالبسطاء الذين تخدم الرب إذ تخدمهم. هذه هي حكمة وكيل الظلم.

 

(12-18): "12 إذا دعاك مقتدر فتوار فبذلك يزيد في دعوته لك. 13 لا تقتحم لئلا تطرد ولا تقف بعيدا لئلا تنسى. 14 لا تقدم على محادثته ولا تثق بكلامه الكثير فانه بكثرة مخاطبته يختبرك وبتبسمه إليك يفحصك. 15 انه بلا رحمة لا ينجز ما وعد ولا يمسك عن الإساءة والقيود. 16 احترز وتنبه جدا فانك على شفى السقوط. 17 وان سمعت بهذه في منامك فتيقظ. 18 في حياتك كلها أحبب الرب وادعه لخلاصك."

هنا صورة عكسية، فماذا يفعل الفقير البسيط حين يدعوه الغني القوي، هل يذهب أو يرفض الذهاب، ببساطة تعليم السيد المسيح لنا نحن البسطاء هو أن نذهب، لكن علينا أن نجلس في المتكآت الأخيرة، أن نسلك بتواضع وفهم أننا نحن لسنا على مستوى الأغنياء. لا تقدم على محادثته= في ترجمة أخرى "لا تقدم على محادثته كالند للند". وهذا معنى قوله هنا إذا دعاك مقتدر فتوار= وهذا يجعل القوي يرتاح إليك= ويزيد في دعوته لك. ولكن هناك من يظن في هذا المكان أنه كالند للند مع القوى، ونصيحة الحكيم لهذا= لا تقتحم لئلا تُطرد. إذاً هل الأفضل أن لا أذهب؟ يقول لا، فإذا دعاك القوى فإذهب وإلاّ فأنت تحتقر دعوته فيتجاهلك بعد ذلك= لا تقف بعيداً (لا تمتنع عن الحضور) لئلا تنسى. هذه هي حكمة المتكآت الأخيرة. لا تثق بكلامه الكثير.. يختبرك.. يفحصك= لا تظن أيها الضعيف الفقير أنه حين يكلمك القوي أنك صرت على مستواه، بل هو يتعرف على بعض الأخبار يلتقطها منك. ليس معنى هذا الشعور بصغر النفس، بل السلوك بحكمة فلا يظن الفقير في محضر الأغنياء أنه مثلهم فهم سيطردونه ويهزأوا به. ويقول الحكيم لمن يتصرف هكذا= إنك على شفي (قريب جداً) السقوط. وإن سمعت بهذه في منامك فتيقظ= لا داعي لأحلام اليقظة بأنك وصلت لدرجة الأغنياء. لكن الغنى والقوي بلا حدود وهو الله لا يخجل منك ولا يحتقرك مهما كنت فقيراً. إذاً في حياتك كلها أحبب الرب وأدعه لخلاصك.

أ

 

(19-24): "19 كل حيوان يحب نظيره وكل إنسان يحب قريبه. 20 كل ذي جسد يصاحب نوعه والرجل يلازم نظيره. 21 أيقارن الذئب الحمل كذلك شان الخاطئ مع التقي. 22 أي سلام بين الضبع والكلب وأي سلام بين الغني والفقير. 23 الفراء في البرية صيد الأسود وكذلك الفقراء هم مراعي الأغنياء. 24 التواضع رجس عند المتكبر وهكذا الفقير رجس عند الغني."

هذا توجيه للفقير الضعيف أن لا يفرح ويتكبر ويغتر إذا وجد فرصة لمعاشرة الأغنياء والأقوياء، فهم لا يبالون بصداقته، لأنهم يفضلون معاشرة من هم مثلهم= كل حيوان يحب نظيره= أي كل الخليقة تميل أن تعاشر من هم مثلها. وبنفس المفهوم فالخطاة لا يحبون أن يعاشروا الأتقياء فهم لا يفضلون أحاديثهم. "الطيور على أشكالها تقع". وبنفس المفهوم فعلى أولاد الله الأتقياء ألا يعاشروا الخطاة فينجذبوا لخطاياهم، والبداية ستكون أنهم يحاولون أن يتكلموا مثلهم ليكونوا مقبولين منهم. الفراء= الفرا أي حمار الوحش. وهذا يشير للإنسان الفقير الضعيف بجانب الأقوياء الأسود. التواضع رجس (فضيحة) عند المكتبر. فالمتكبر لا يفهم أن يتواضع إنسان، وهكذا الغني لا يفضل أن يتصادق مع فقير.

 

(25-29): "25 الغني إذا تزعزع يثبته أصدقاؤه والمتواضع إذا سقط فأصدقاؤه يطردونه. 26 يزل الغني فيعينه كثيرون يتكلم بالمنكرات فيبرئونه. 27 يزل المتواضع فيوبخونه ينطق بعقل فلا يجعلون لكلامه موضعا. 28 يتكلم الغني فينصت الجميع ويرفعون مقالته إلى السحاب. 29 يتكلم الفقير فيقولون من هذا وان عثر يصرعونه."

هنا نرى واقع نعيشه في عالم مملوء بالرياء. فالمجاملة للأغنياء والأقوياء مهما أخطأوا، والعكس فأي خطأ للفقير الضعيف يجعلهم يطردونه ويهزأون به، بل هذا حتى لو قال الصواب.

 

(30-32): "30 الغنى يحسن بمن لا خطيئة له والفقر مستقبح في فم المنافق. 31 قلب الإنسان يغير وجهه أما إلى الخير وأما إلى الشر. 32 طلاقة الوجه من طيب القلب والبحث عن الأمثال يجهد الأفكار."

ليس معنى هذا أن الحكيم يكره الأغنياء، بل يا ليت التقوى تصاحب الغِنَي. أما الفقير ومعه الجهل فشئ قبيح. فالحكيم لا يقول أن الفقير مهما حدث فهو حكيم ورع، لا بل إن المنافق الفقير شئ مستقبح أيضاً. ما يهتم به الحكيم حقيقة هو قلب الإنسان فمن فضلة القلب يتكلم اللسان. فقلب الإنسان يقوده إمّا للخير أو للشر. يغير وجهه= إتجاهه. والقلب الطيب يظهر هذا في وجه صاحبه. فصاحب القلب البسيط الباحث عن الله يرى الله ويفرح. هذه تساوي "إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً" (مت22:6). أما الإنسان الذي مازال لم يستقر على حكمة العين البسيطة أي البحث عن مجد الله فقط، والبحث عن السماء والأبدية، ومازال يبحث عن الحكمة البشرية لتقوده ويسميها هنا الأمثال فهو في حيرة من أمره= يجهد الأفكار= لا يجد سلاماً ولا فرحاً يظهر على الوجه= طلاقة الوجه. مثل هذا الإنسان التائه يظن أن مصادقة الأغنياء والأقوياء أصحاب المراكز هي الحكمة، لذلك إذ لا يبحث عن الله بل عن الناس يكتئب.


 

الإصحاح الرابع عشر

الآيات (1-2): "1 طوبى للرجل الذي لم يزل بفيه ولم ينخسه الندم على الخطيئة. 2 طوبى لمن لم يقض عليه ضميره ولم يسقط من رجائه."

تكملة لما سبق، فالفرح الحقيقي هو في القداسة= لم يزل بفيه= لا يخطئ بفمه. ولا يوجد أي تبكيت على خطية داخله= لم ينخسه الندم + لم يقضِ عليه ضميره. عدو الخير يصور للإنسان أن لذة الخطية هي التي تعطي السعادة، والحكيم هنا يقول لا، فبعد الخطية هناك ندم يجلب التعاسة. ولكن أيضاً هناك توبة بها نستعيد الرجاء، أما الذي لا يقدم توبة بل يعيش في يأس يَسقُطْ من رجائه. فطوبى لمن لم يخطئ وطوبى لمن تاب. ولم يسقط من رجائه.

(3-10): "3 الغنى لا يجمل بالرجل الشحيح وما منفعة الأموال مع الإنسان الحسود. 4 من اختزن بخسران نفسه فإنما يختزن للآخرين ويتنعم بخيراته غيره. 5 من أساء إلى نفسه فإلى من يحسن ألم تره لا يتمتع من أمواله. 6 لا أسوا ممن يحسد نفسه أن ذلك جزاء خبثه. 7 وان هو احسن فعن سهو وفي الآخر يبدي خبثه. 8 لا اخبث ممن يحسد بعينه ويحول وجهه ويحتقر النفوس. 9عين البخيل لا تشبع من حظه وظلم الشرير يضني نفسه. 10 العين الشريرة تحسد على الخبز وعلى مائدتها تكون في عوز."

هي عن البخل والحسد:

البخل= أن يكون للإنسان أموال ولا يستفيد منها، لا هو ولا من معه من أولاده وعائلته، وبالتالي ولا من الفقراء. قد يجوع ولكنه يفرح بأن أمواله تزداد؟

الحسد= هو أن يظن أن الأموال التي للغير هم لا يستحقونها، بل هو أحق بها. ومن هنا نسمع في أية (6) أن هناك من يحسد نفسه أي يرى أنه حتى نفسه لا يستحق أن يفرح بأمواله فلا ينفق على نفسه من أمواله، الأولى أن يكتنزها. ومن هنا يتقابل هذا النوع من الحسد مع البخل. لذلك يقول ما منفعة الأموال مع الإنسان الحسود فهو لن ينفقها لأنه يظن أنه غير جدير بأن يتمتع بها، هو ينكر الخير على الآخرين بل وعلى نفسه.

الغني لا يجمل بالرجل الشحيح= لا يظهر جمال الغني إلاّ حينما يستفيد الإنسان بأمواله وينفقها فيتمتع بها. ومن يفعل فهو سيموت دون أن ينتفع بأمواله وسيترك أمواله للآخرين. ومن أساء إلى نفسه (ببخله) فإلى من يُحسن. ألم تره لا يتمتع من أمواله= ألا تجده لا يتمتع بأمواله. بل هو لو أعطى أمواله للمحتاجين فسيفرح برضى الله عليه. وهذا إن حدث وأحسن إلى أحد فذلك سيكون عن سهو= أي عن طريق الخطأ كأن يحرجه أحد مثلاً، لذلك في الأخر يبدي خُبثَه هو لا يقدر أن يخفي عن الناس خبثه. والبخيل الحسود، يحول وجهه وتحتقر النفوس= إذا رأى خيراً عند أحد، يدير وجهه كإحتجاج أن هذا لا يستحق ما عنده، وهو بهذا يحتقر الناس الذين يرى الخير عندهم. وهو لا يشبع من حظه= أي بما قسم الله له به. بل هو قد يظلم الناس سواء بإغتصاب ما عندهم (قصة نابوت اليزرعيلي) أو بأفكاره عنهم، وهذا يسبب له شقاء= يفني نفسه. بل هو يحسد الفقير على الخبز اليابس الذي عنده. ومع أن عنده أموال إلاّ أنه هو نفسه لا ينفق أمواله لكي يأكل= وعلى مائدتها تكون في عوز.

 

(11-17): "11 يا بني انفق على نفسك بحسب ما تملك وقرب للرب تقادم تليق به. 12 اذكر أن الموت لا يبطئ ألم يبلغك عهد الجحيم. 13 قبل أن تموت احسن إلى صديقك وعلى قدر طاقتك ابسط يدك وأعطه. 14 لا تخسر يوما صالحا ولا يفتك حظ خير شهي. 15 الست مخلفا أتعابك لآخر وما جهدت فيه للاقتسام بالقرعة. 16 أعط وخذ وزك نفسك. 17 قبل وفاتك اصنع البر فانه    لا سبيل إلى التماس الطعام في الجحيم."

هذه نصائح لكي يعيش الإنسان بما عنده من الأموال، ويعطي منها الفقراء، فلن ينتفع الإنسان بأمواله بعد أن يموت. تقادم= تقدمات للرب. تليق به= لا تعطى الرب بالشح. ألم يبلغك عهد الجحيم= ألم تكتشف أن الموت مصير كل إنسان فكانوا يسمون الموت الجحيم، قبل المسيح. بالقرعة= الميراث. أي أن أموالك التي ستتركها ستقسم على من تتركهم. إعط وخذ وزكِّ نفسك= عش بالمحبة أي فأقبل من الآخرين ما يعطونه لك وأعطهم ومتع= زك نفسك= عِش حياة إجتماعية ولا تحيا في عزلة لتزيد أموالك. إصنع البر= مع الفقراء والمحتاجين، أي إشتري أصدقاء بمال الظلم، فهذا سينفعك بعد الموت= في الجحيم= كما يسمونه في العهد القديم، ولكن بعد أن نزل المسيح إلى الجحيم وأنقذ أسرى الرجاء، وأدخلهم للفردوس سمى المسيح هذا المكان "المظال الأبدية" (لو9:16) حيث أن عيد المظال هو أكثر الأعياد بهجة وفرح يذكرون فيه غربتهم في أرض مصر في سيناء وكيف أنه صارت لهم بيوت في أرض الميعاد. وهذا ما سيكون في السماء، أفراح نذكر فيها ما أعطاه الله لنا من بيوت غير مصنوعة بيد، وأبدية (2كو1:5) بعد أيام غربتنا على الأرض.

 

(18-21): "18 كل جسد يبلى مثل الثوب لان العهد من البدء انه يموت موتا فكما أن أوراق شجرة كثيفة. 19 بعضها يسقط وبعضها ينبت كذلك جيل اللحم والدم بعضهم يموت وبعضهم يولد. 20 كل عمل فاسد يزول وعامله يذهب معه. 21 وكل عمل منتقى يبرر وعامله يكرم لأجله."

هذه سُنَّة الحياة، أن كل إنسان يموت وعمله يتبعه (رؤ13:14)". ويأتي على الأرض أولاد لمن ماتوا، كالشجرة يسقط بعض أوراقها لينبت بدلها ورق آخر.

 

(22-27): "22 طوبى للرجل الذي يتأمل في الحكمة ويتحدث بها في عقله. 23 ويتفكر في طرقها بقلبه ويتبصر في أسرارها ينطلق في أثرها كالباحث ويترقب عند مداخلها. 24 ويتطلع من كواتها ويتسمع عند أبوابها. 25 ويحل بقرب بيتها ويضرب وتدا في حائطها وينصب خيمته بجانبها وينزل بمنزل الخيرات. 26 يجعل بنيه في كنفها ويسكن تحت أغصانها. 27 يستتر بظلها من الحر وفي مجدها يجد راحة."

هي تطويب لمن يسلك بالحكمة ويفتش عنها:-

1.       يتبع وصايا الله.

2.       المسيح هو أقنوم الحكمة، فطوبي لمن يبحث عن المسيح.

3.       من الحكمة أن نعرف أننا سنموت (الآيات السابقة) فنسلك بعقل في الوزنات التي أعطاها لنا الله ومنها المال.

يضرب وتداً= هذا يضعونه في الأرض لتثبيت الخيمة= والمعنى الإلتصاق بالحكمة كل أيام حياتنا المشبهة بالخيمة التي سريعاً ما تنقض أي تنتهي حياتنا بالجسد على الأرض (2كو1:5)


 

الإصحاح الخامس عشر

(1-10): "1 الذي يتقي الرب يعمل ذلك والذي يتمسك بالشريعة ينال الحكمة. 2 تبادر إليه كأم وتتخذه كامرأة بكر. 3 تطعمه خبز العقل وتسقيه ماء الحكمة فيها يترسخ فلا يتزعزع. 4 وعليها يعتمد فلا يخزى فترفع مقامه عند أصحابه. 5 وتفتح فاه في الجماعة وتملاه من روح الحكمة والعقل وتلبسه حلة المجد. 6 فيرث السرور وإكليل الابتهاج واسما أبديا. 7 الجهال من الناس لا يدركونها أما العقلاء فيبادرون إليها والخطاة لا يرونها لأنها بعيدة عن الكبرياء والمكر. 8الكذابون من الناس لا يذكرونها أما الصادقون فيوجدون فيها ويفلحون إلى أن يشاهدوا الله. 9لا يجمل الحمد في فم الخاطئ. 10 لان الخاطئ لم يرسله الرب إنما ينطق بالحمد ذو الحكمة والرب ينجحه."

سبق ودعا في الآيات الأخيرة من الإصحاح السابق أن يلتصق الإنسان بالحكمة. وهنا يقول إن الذي يتقي الرب يعمل ذلك. والطريق لذلك هو الشريعة= الذي يتمسك بالشريعة ينال الحكمة فتكون له الحكمة كأم ترعاه وكزوجة تطعمه، وهي ترفع مقامه. ويكون كلامه مسموعاً= تفتح فاه في الجماعة فيرث إسماً أبدياً= تظل ذكرى حكمته لأجيال كما حدث لسليمان، والأهم يرث حياة أبدية. الجهال من الناس= هم من يسعون وراء شهواتهم ظناً أنها تشبع إحتياجاتهم. وما يبعد الإنسان عن الحكمة.. الكبرياء والمكر. فالله يسكن عند المنسحقين (إش15:57). أما المكار والخاطئ والكذابون من الناس فهم ضد وصايا الله، فلا يسكن الله عندهم (يو23:14) ولأنه لا شركة للنور مع الظلمة (2كو14:6). والحكمة تأتي من سكنى الروح القدس، روح الحكمة فينا (1كو16:3 + إش2:11) فمن يسلك في الخطية، يطفئ الروح فيفقد الحكمة.

لا يجمل الحمد في فم الخاطئ= شئ غريب أن يشكر الخاطئ الله معتقداً أن الله راضياً عليه. لأن الخاطئ لم يُرسله الرب= الرب لم يُرسل هذا الخاطئ للناس يبشرهم بمحبة الله وأن الله صانع خيرات. إنما ينطق بالحمد ذو الحكمة= ومثل هذا الحكيم، فهو يفهم أن كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله (رو28:8)، فهو يشكر الله حتى في التجارب، مثل المرض مثلاً، أما الخاطئ فلأنه لا يفهم فهو يشكر الله على الخيرات الزمنية معتبراً أنها علامة رضى الله عليه. أما الحكيم فهو يشكر الله على الخيرات الزمنية وعلى التجارب. والرب ينجحه= الرب ينجحه في حياته وفي شهادته له بالرغم من أن هناك تجارب.

 

(11-22): "11 لا تقل إنما ابتعادي عنها من الرب بل امتنع عن عمل ما يبغضه. 12 لا تقل هو أضلني فانه لا حاجة له في الرجل الخاطئ. 13 كل رجس مبغض عند الرب وليس بمحبوب عند الذين يتقونه. 14 هو صنع الإنسان في البدء وتركه في يد اختياره. 15 وأضاف إلى ذلك وصاياه وأوامره. 16 فان شئت حفظت الوصايا ووفيت مرضاته. 17 وعرض لك النار والماء فتمد يدك إلى ما شئت. 18 الحياة والموت أمام الإنسان فما أعجبه يعطى له. 19 أن حكمة الرب عظيمة هو شديد القدرة ويرى كل شيء. 20 وعيناه إلى الذين يتقونه ويعلم كل أعمال الإنسان. 21 لم يوص أحدا أن ينافق ولا أذن لأحد أن يخطئ. 22 لأنه لا يحب كثرة البنين الكفرة الذين لا خير فيهم."

للأسف هناك خاطئ، عوضاً عن أن يتوب تاركاً طريق الشر تجده يتهم الله أنه هو السبب في خطيته= إبتعادي عنها من الرب= الرب أبعدني عن طريق الوصية والشريعة. وهنا الحكيم يوبخ هذا الخاطئ قائلاً.. لا بل القرار في يديك.. إذاً إمتنع عن عمل ما يبغضه فالله لا يضل أحد فهو لا يحتاج للرجل الخاطئ. وهذا ما قاله يعقوب (13:1-15). فالله يكره الشر= رجس. والذين يتقونه هم أيضاً يكرهونه. هو صنع الإنسان حراً في البدء وتركه في يد إختياره= أي ترك له الحرية. وأعطاه وصايا وأوامر لتقوده في طريق الفرح والحياة الأبدية، على أن تكون طاعة هذه الوصايا إختيارية. ووضع الله أمام الإنسان نهاية كل طريق، طريق طاعة الوصية هو الحياة وطريق مخالفة الوصية هو الموت. وهذا ما أسماه هنا النار والماء= أي أنت حر في أن تمد يدك إلى ما شئت إن مددتها للنار تحرقك وإن مددتها للماء تحيا. ولاحظ أن عينا الرب تراقبان كل شئ ويعرف إختيارك. هو فاحص القلوب والكلي (رؤ23:2).


 

الإصحاح السادس عشر

الآيات (1-5): "1لا تشته كثرة أولاد لا خير فيهم ولا تفرح بالبنين المنافقين ولا تسر بكثرتهم إذا لم تكن فيهم مخافة الرب. 2 لا تثق بحياتهم ولا تلتفت إلى مكانهم. 3 ولد واحد يتقي الرب خير من ألف منافقين. 4 والموت بلا ولد خير من الأولاد المنافقين. 5 لأنه بعاقل واحد تعمر المدينة وقبيلة من الأثماء تخرب."

هي رسالة لكل أب ولكل أم ليربوا أولادهم حسناً في مخافة الرب، فالعبرة ليست بكثرة البنين لكن بنوعية هؤلاء البنين. فأولاد عالي الكاهن بفسادهم هلكوا وأهلكوا أباهم عالي. والمرأة تخلص بولادة البنين لو ربتهم حسناً (1تي15:2). وبينما ظن أهل العهد القديم أن الخير في كثرة البنين وأن العاقر هي عار، يصلح الحكيم هذا المفهوم ويقول، بل العار هو النسل غير الصالح. لا  تثق بحياتهم ولا تلتفت إلى مكانهم= في ترجمة أخرى أوضح "حتى إن كثر عددهم فلا تفرح ولا تعتمد على حياتهم ولا على كثرة عددهم".

 

(6-11): "6 كثير من أمثال هذه رايته بعيني واعظم منها سمعت به أذني. 7 في مجمع الخطاة تتقد النار وفي الأمة الكافرة يضطرم الغضب. 8 لم يعف عن الجبابرة الأولين الذين تمردوا بقوتهم. 9 ولم يشفق على جيل لوط الذين مقتهم لكبريائهم. 10 ولم يرحم أمة الهلاك المتعظمين بخطاياهم. 11وكذلك الست مئة ألف من الرجالة الذين تعصبوا بقساوة قلوبهم بل لو وجد واحد قاسي الرقبة لكان من العجب أن يصفح عنه."

من الحكمة أن نرى الأحداث السابقة ونحللها ونتوصل إلى نتائج نستفيد منها. وهذا ما فعله الحكيم= كثير من أمثال هذه رأيته بعينيّ= إذاً هو رأي وحلَّلَ ما رآه. في مجمع الخطاة تتقد النار (أهل قورح). لم يعف عن الجبابرة الأولين (هلكوا في الطوفان تك1:6-7). أمة الهلاك= هم أهل كنعان الذين أمر الرب شعبه بإبادتهم لخطاياهم. وليس معنى هذا أن الرب يحب إسرائيل ويكره كنعان، لا بل يكره الخطية، فعندما أخطأ شعب إسرائيل الذين خرجوا من مصر، أهلكهم الله في سيناء= الست مئة ألف من الرجالة. بل لو وُجِدَ واحدٌ قاسي الرقبة لكان من العجب أن يصفح عنه= سواء من الأمم أو اليهود.

 

(12-23): "12لأن الرحمة والغضب من عنده هو رب العفو وساكب الغضب. 13 كما انه كثير الرحمة هكذا هو شديد العقاب فيقضي على الرجل بحسب أعماله. 14 لا يفلت الخاطئ بغنائمه ولا يضيع الرب صبر التقي. 15 لكل رحمة يجعل موضعا وكل واحد يلقى ما تستحق أعماله. 16 لا تقل سأتواري عن الرب العل أحدا من العلى يذكرني. 17 أنى في شعب كثير لا اذكر فماذا تعتبر نفسي في خلق لا يقدر. 18 ها أن السماء وسماء سماء الله والغمر والأرض تتزعزع عند افتقاده. 19 والجبال وأسس الأرض ترتعد رعبا عندما ينظر إليها. 20 وفي ذلك لا يتأمل القلب. 21 وليس من يفهم طرقه رب زوبعة لا يبصرها الإنسان. 22 فان اكثر أعمال الرب في الخفاء أعمال العدل من يخبر بها أو من يحتملها أن العهد بعيد والفحص عن الجميع يكون عند الانقضاء. 23 المتواضع القلب يتأمل في ذلك أما الرجل الجاهل الضال فيتأمل في الحماقات."

حقاً الله رحيم ولكن هو قدوس لا يطيق الخطية، وهو نار آكلة (عب29:12) يحرق الخطاة بغضبه= الرحمة والغضب من عنده. والعجيب أن عدله ورحمته ظهرا على الصليب. وهو يجازي كل واحد بعدل بحسب ما تستحق أعماله. ولا تتصور أنك ستتوارى عن الرب. فلا يرى خطيتك كما فعل آدم، أو ينساها كما حدث مع داود أو أنك واحد صغير وسط ملايين من البشر فلا ينتبه إليك. ولاحظ أن غضبه يزعزع السماء والأرض. وفي ذلك لا يتأمل القلب= ألا تتأمل في ذلك يا إنسان، ألا يخيفك غضب الله. رُبَّ زوبعة لا يبصرها الإنسان= نحن لا نرى الهواء في الزوبعة ولكننا نرى تدميره. هكذا نحن لا نرى وجه الرب الغاضب ولكننا نرى أثار غضبه= فإن اكثر أعمال الرب في الخفاء لا يدركها الإنسان السطحي الذي يعيش في عمق الروحيات. أعمال العدل من يخبربها= إلاّ من يفهم الروحيات. أو من يحتملها= لا يحتمل التجارب إلاّ من يحيا في العمق، كالنبات إن كان له عمق فيستمد من المياه الجوفية ما يجعله يحتمل حرارة الشمس. والذي له عمق روحي يجعله الروح القدس يحتمل التجارب، أعمال عدل الله. أما الخطاة فيقولون العهد بعيد أي أيام الدينونة مازالت بعيدة، دعونا نحيا ونتمتع بالعالم (2بط3:3،4). لكن المتواضع القلب هو الذي يتأمل في الله، إذ هو يسكن عنده فيراه (إِش15:57). أما الجاهل الضال الساعي وراء شهواته فيتأمل في الحماقات= الخطايا.

 

(24-31): "24 اسمع لي يا بني وتعلم العلم ووجه قلبك إلى كلامي. 25 أنى اعبر عن التأديب بوزن وابدي العلم بتدقيق. 26 جميع أعمال الرب من البدء قدرها بحكمة ومنذ إنشائها ميز أجزاءها. 27زين أعماله إلى الدهر ومبادئها إلى أحقابها فلم تجع ولم تتعب ولم تزل تعمل. 28 ولم يضايق بعضها بعضا. 29 وهي لا تعاصي كلمته مدى الدهر. 30 وبعد ذلك نظر الرب إلى الأرض وملاها من خيراته. 31 ونفوس ذوي الحياة تغطي وجهها واليها تعود."

في (24) الحكيم يتكلم. وفي (25) يقول عن كلام حكمته أنه بوزن (وفي الكلام العامي نقول فلان كلامه موزون أي بعقل) وهو يدقق في كل ما يقوله. وفي (26) يقول أن الله خلق الخليقة بحكمة، وكل جزء مميز عن الآخر. من البدء= منذ قرر الله بدء عملية الخلقة. وكانت كل خلقة الله جميلة= زَيَّن أعماله إلى الدهر= أي "إلى الأبد" في ترجمة أخرى، فالأرض بنباتاتها وجبالها وأنهارها.. كلها جمال والإنسان على صورة الله مخلوق. ومبادئها إلى أحقابها= "إلى أجيالها البعيدة" في ترجمة أخرى فلم تجع= الإنسان لم يجع ولم يحتاج شئ فالله خلق له كل شئ، وهكذا الحيوانات طعامها موجود. بل كل الخليقة الجمادية والمجرات والكواكب لا ينقصها شئ لتقوم بعملها. ولم تتعب= لم تكل عن الدوران، بل هي مستمرة في عملها= ولم تزل تعمل. ولم يضايق بعضها بعضاً= لم تتصادم النجوم مع بعضها ولا الأرض مع الشمس. وهي لا تعاصى كلمته مدى الدهر= ولكن الإنسان الذي ملأ له الرب الأرض من خيراته هو الذي يعصاه. وإن لم يرتدع الإنسان لخجله من كرم الرب فليرتدع لأنه من تراب وإلى التراب يعود= نفوس ذوي الحياة تغطي وجهها وإليها تعود= من التراب وإلى التراب نعود.


 

الإصحاح السابع عشر

(1-12): "1 خلق الرب الإنسان من الأرض. 2 واليها أعاده. 3 جعل لهم وقتا وأياما معدودة واتاهم سلطانا على كل ما فيها وألبسهم قوة بحسب طبيعتهم وصنعهم على صورته. 4 ألقى رعبه على كل ذي جسد وسلطه على الوحش والطير. 5 خلق منه عونا بازائه وأعطاهم اختيارا ولسانا وعينين وأذنين وقلبا يتفكر. 6 وملاهم من معرفة الحكمة واراهم الخير والشر. 7 وجعل عينه على قلوبهم ليظهر لهم عظائم أعماله. 8 ليحمدوا اسمه القدوس ويخبروا بعظائم أعماله. 9وزادهم العلم وأورثهم شريعة الحياة. 10 وعاهدهم عهد الدهر واراهم أحكامه. 11 فرأت عيونهم عظائم المجد وسمعت أذاهم مجد صوته وقال لهم احترزوا من كل ظلم. 12 وأوصاهم كل واحد في حق القريب."

إنتهى الإصحاح السابق بأن الإنسان سيعود للتراب بعد أن عاش حياة على الأرض تمتع فيها بكل خيرات الله التي خلقها له. وهنا يُسهب في شرح هذه الحقيقة بأن الإنسان خلق ليعيش على الأرض أياماً معدودة ثم يعود إليها. ولكن حين خلق الله الإنسان أعطاه قوة وسلطان على الخليقة بل صنع الإنسان على صورته. وخلق له حواء معينة له وأخذها من ضلع منه= خلق منه عوناً بإزائه وأعطاه حكمة ووصية حتى يختار بحريته طريقه، ولكن أراهم الخير والشر= الموت والحياة، ثم لما سقط أعطاهم وصايا أيضاً ليحيوا في راحة عالمين أنهم سيعيشوا أياماً معدودة وبعدها هناك حساب على ما قد إختاروه بحريتهم. وقطعاً إذا كان لإنسان حكمة ويعرف أنه سيترك هذا العالم فعليه أن لا يختار الإنغماس في الشر أو أن يكون هذا العالم هو الإله الذي يسعى وراء لذاته. والإنسان سيحاسب فهو له عقل ميزه به الله عن باقي الخليقة، إذاً فهو مسئول عن قرارته= أعطاهم إختياراًً ولساناً .. وقلباً يتفكر. والقلب الذي يتفكر المقصود به كل عواطف الإنسان وقراراته وإنفعالاته.

وجعل عينه على قلوبهم= أعطى لهذه القلوب التي تفكر، أن يكون لها حكمة، يُدركوا بها أعمال الله= لُيظهر لهم عظائم أعماله والهدف ليحمدوا إسمه القدوس. ويخبروا بعظائم أعماله. هو سبق في (5) أن قال أنه أعطاهم لساناًُ. وهنا يقول عليهم أن يستخدموا هذا اللسان في الحمد والتسبيح. ولكن بولس يقول أن الأمم عملوا عكس هذا (رو18:1-23)

وزادهم العِلم فهو ظهر لهم في سيناء وأعطاهم وصايا= أورثهم شريعة الحياة. وطلب منهم الرحمة ببعضهم البعض وأن لا يظلموا أحد.

 

(13-20): "13 طرقهم أمامه في كل حين فهي لا تخفى عن عينيه. 14 لكل أمة أقام رئيسا. 15 أما إسرائيل فهو نصيب الرب. 16 جميع أعمالهم كالشمس أمامه وعيناه على الدوام تنظران إلى طرقهم. 17 لم تخف عنه آثامهم بل جميع خطاياهم أمام الرب. 18 صدقة الرجل كخاتم عنده فيحفظ إحسان الإنسان كحدقة عينه. 19 وبعد ذلك يقوم ويجازيهم يجازيهم جزاءهم على رؤوسهم ويهبطهم إلى بطون الأرض. 20 لكنه جعل للتائبين مرجعا وعزى ضعفاء الصبر ورسم لهم نصيب الحق."

هنا نرى الله كقاضٍ عادل، يرى كل طرق الإنسان ويجازيه عليها، فالله يعتبر نفسه رئيس هذا الشعب اليهودي، بل أن هذا الشعب هو نصيب الرب. فإذا كان الله قد أقام لكل أمة رئيساً يشرع للأمة، فهو رئيس شعبه يشرع له. والله يرى بوضوح تصرفات شعبه ويجازي. ولكن جعل للتائبين مرجعاً،= "ارجعوا إليّ أرجع إليكم" (زك3:1). والله يذكر صدقة الرجل كخاتم عنده يراه دائماً، بل به يصرف ما يريد من خيرات الله. بل الله يحفظ عمل بر الإنسان كحدقة عينه= لابد وسيكافأه عليها. والعكس فهو يجازي من يخطئ. عزَّي ضعفاء الصبر= الله حين يكافئ قد ينتظر ليعطي في الوقت المناسب، لكن إذا كان الإنسان سيفقد صبره فهو يعطيه قوة وبركة ليتعزى فلا ييأس من ضيقات الحياة.

 

(21-31): "21 فتب إلى الرب واقلع عن الخطايا. 22 تضرع أمام وجهه وأقلل من العثرات. 23 ارجع إلى العلي واعرض عن الإثم وابغض الرجس اشد بغض فهل من حامد للعلي في الجحيم. 24 تعلم أوامر الله وأحكامه وكن ثابتا على حظ التقدمة والصلاة للعلي. 25 ادخل في ميراث الدهر المقدس مع الأحياء المعترفين للرب. 26 لا تلبث في ضلال المنافقين اعترف قبل الموت فان الاعتراف يعدم من الميت إذ يعود كلا شيء. 27 انك ما دمت حيا معافى تحمد الرب وتفتخر بمراحمه. 28 ما اعظم رحمة الرب وعفوه للذين يتوبون إليه. 29 لا يستطيع الناس أن يحوزوا كل شيء لان ابن الإنسان ليس بخالد. 30 أي شيء اضوا من الشمس وهذه أيضا تكسف والشرير يفكر في اللحم والدم. 31 الرب يستعرض جنود السماء العليا أما البشر فجميعهم تراب ورماد."

فتب= طالما طريق التوبة مفتوح أمامك، وطالما أنك حي. وثق في مكافأة الأبدية= فهل من حامد للعلي في الجحيم. حافظ على أوامر الله والصلاة للعلي. وأدخل في ميراث الدهر مع الأحياء أما الخطاة فإسمهم الأموات "إبني هذا كان ميتاً فعاش". ويسميهم هنا المنافقين.

هنا دعوة للتوبة قبل أن يأتي الموت الذي لابد وسيأتي. فحتى الشمس تنكسف بكل ضياءها. وليس هذا فقط فسيأتي على الشمس وقت تنطفئ تماماً فيه. والشرير يفكر في اللحم والدم= أي شهوات العالم وهذا سينتهي، فمن يربط مصيره باللحم والدم أو أي شئ مرئي سينتهي مثله. لذلك قال بولس الرسول "غير ناظرين إلى الأشياء التي ترى.." (2كو18:4). وجاءت الآية في ترجمة أخرى "واللحم والدم يرغبان في الشر". وللتدليل على حقارة ما يشتهيه الإنسان، وما هو مدعو إليه يقول الحكيم، أن الإنسان يشتهي ما يراه من لحم ودم، أما الله يدعوه لما هو عنده، فاللحم والدم جميعهم تراب ورماد. أما ما عند الله، فملائكة وسلاطين وقوات= الرب يستعرض جنود السماء العليا. الإنسان لا يرى سوى الأرض، والله يستعرض الشمس والنجوم.


 

الإصحاح الثامن عشر

(1-14): "1الحي الدائم خلق جميع الأشياء عامة الرب وحده يتزكى. 2 لم يسمح لأحد أن يخبر بأعماله. 3ومن الذي استقصى عظائمه. 4 من يعدد قوة عظمته ومن يقدم على تبيان مراحمه. 5 ليس للإنسان أن يسقط من عجائب الرب ولا أن يزيد عليها ولا أن يسبرها. 6 إذا أتم الإنسان فحينئذ يبتدئ وإذا استراح فحينئذ يتحير. 7 ما الإنسان وما منفعته ما خيره وما شره. 8 عدة أيام الإنسان على الأكثر مئة سنة كنقطة ماء من البحر وكذرة من الرمل هكذا سنون قليلة في يوم الأبدية. 9 فلذلك طالت عليهم أناة الرب وأفاض عليهم رحمته. 10 رأى وعلم أن منقلبهم هائل. 11 فلذلك اكثر من العفو. 12 رحمة الإنسان لقريبه أما رحمة الرب فلكل ذي جسد. 13 يوبخ ويؤدب ويعلم ويرد كالراعي رعيته. 14 يرحم الذين يقبلون تأديبه ويبادرون إلى العمل بأحكامه."

هي مقارنة بين عظمة الله وتفاهة البشر الذين ما كانوا قادرين على أن يحيوا بدون مراحم الله ورأفاته، لذلك تأتي الآيات التالية تدعو لأن يرحم الإنسان قريبه.

فالله وحده الحي الدائم هو الأزلي الأبدي. خلق جميع الأشياء. والرب وحده يتزكى= هو وحده البار الكامل الذي بلا عيب.

لم يسمح لأحد أن يخبر بأعماله= فلا أحد يدركها أو يدرك أسراره. وحتى العلم الحديث لم يتوصل لكل الأسرار.

ليس للإنسان أن يسقط من عجائب الرب ولا أن يزيد عليها= هذه ترجمة أو شرح القانون الكيميائي "الطاقة والمادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم". فلن يخلق الإنسان مادة جديدة، ولن يمكنه إفناء مادة، بل تحويل شئ إلى شئ آخر أو صورة أخرى، أو إكتشاف شئ لم يكن يعلمه. ولا أن يسبرها= لا سبيل إلى إستقصاء كل عجائب خليقة الله. إذا أتم الإنسان= إذا ظن الإنسان أنه أتم إكتشاف شئ فالحقيقة أنه حينئذ يبتدئ أي أنه مازال في البداية. فمهما كانت معلومات الإنسان فهي كقطرة في محيط. وإذا إستراح= توقف عن البحث= فحينئذ يتحير= لا يجد إجابات على أشياء كثيرة. أما الإنسان فهو لا شئ، عمره قليل على الأكثر مئة سنة. كنقطة ماء من البحر. هذا الإنسان الضعيف مهما زاد بره فلن يزيد بر الله، ومهما زاد شره فهو لن يسئ لله= ما الإنسان وما منفعته. ما خيره وما شره. ولضعف الإنسان= طالت عليهم أناة الرب وإلا فهو يهلك. والله يعلم أن جهنم رهيبة= منقلبهم هائل لذلك أكثر من العفو. ورحمة الإنسان لقريبه الذي يحبه أو الذي يستفيد منه. أما رحمة الرب فلكل ذي جسد= بل هو مات لأجل الخطاة ولأجل الذين يشتمونه والذين يعبدون الشيطان. وليس معنى رحمة الله أن يتغاضى عن خطايانا بل هو يوبخ ويؤدب ويعلم ويرد. مثل ما يفعل الراعي الذي معه عصا وعكاز. العصا لضرب الذئاب التي تحاول الهجوم على القطيع، والعكاز لضرب الخروف الشارد عن القطيع ليعود. ومن يقبل تأديبه ويبادر إلى العمل بأحكامه يرحمه (14).

 

(15-18): "15 يا بني لا تقرن الصنيعة بالملام ولا العطية بكلام التنغيص. 16 أليس الندى يبرد الحر هكذا الكلام افضل من العطية. 17 أما ترى أن الكلام افضل من العطية وكلاهما عند الرجل المنعم عليه. 18 تعيير الأحمق مكروه وعطية الحاسد تكل العيون."

إذا كان الله يرحم ويتراءف فلنعمل نحن أيضاً هكذا "وإغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا" لا تقرن الصنيعة (أعمال الإحسان للآخرين) بالملام= أي إعطِ خيراً للناس دون أن تلومهم وتنغص عليهم، بل إعط للناس كلاماً حلواً، فالناس تعيش في هذا العالم في ألم من تجارب هذا العالم (الحر) وليكن كلامك كالندى يبرد عليهم. بل إن الكلام أفضل من العطية فإذا لم تستطع أن تعطي السائل ما يريده فلتعطه كلاماً حلواً. أما الكلام الصعب يؤلم الناس= تعيير الأحمق مكروه وعطية الحاسد تكل العيون= الحاسد هنا هو من يعطي ويشعر أنه أولى ممن يأخذ. وفي (17) كلاهما (العطية المادية) + (الكلام الناعم المشجع) عند الرجل المنعم عليه= أي يحتاج لكليهما.

 

(19-29): "19 قبل القضاء كن على يقين من الحق وقبل الكلام تعلم. 20 قبل المرض استطب وقبل القضاء افحص نفسك فتنال العفو ساعة الافتقاد. 21 قبل المرض كن متواضعا وعند ارتكاب الخطايا أر توبتك. 22 لا يحبسك شيء عن قضاء نذرك في وقته ولا تحجم عن أعمال البر حتى الموت فان ثواب الرب يبقى إلى الأبد. 23 قبل الصلاة أهب نفسك ولا تكن كانسان يجرب الرب. 24 اذكر الغضب في أيام الانقضاء ووقت الانتقام عند تحول الوجه. 25 في وقت الشبع اذكر وقت الجوع وفي أيام الغنى اذكر الفقر والعوز. 26 بين الغداة إلى العشي يتغير الزمان وكل شيء سريع التحول أمام الرب. 27 الحكيم يتحذر في كل شيء وفي أيام الخطايا يحترز من الهفوات. 28 كل عاقل يعرف الحكمة ويعترف لمن يجدها. 29 العقلاء في الكلام يتمون أعمالهم بالحكمة ويفيضون الأمثال السديدة."

هذه نصائح قيمة للحكيم قبل القضاء كن على يقين من الحق= لا تتسرع في الحكم حتى تتيقن من الحكم.وبنفس المنطق قبل الكلام تعلم= فهناك من يتكلم من دون علم في أي موضوع قبل المرض استَطِبَّ= أي إعتن بصحتك قبل أن يأتي المرض، هذه حكمة. ومن الحكمة أن يعتبر الإنسان جسده وصحته وزنة عليه أن لا يبددها. ومن الحكمة أن يفحص الإنسان نفسه قبل القضاء= الدينونة ومن يقدم توبة ينال العفو ساعة الإفتقاد. قبل المرض كن متواضعاً= لا تفكر أن قدراتك الجسمانية كبيرة بل تواضع حتى لا تهلك جسدك. وعن أهمية النذور والوفاء بها يقول سليمان الحكيم أن لا تنذر خيرٌ من أن تنذر ولا توفي (جا4:5،5). ولا تحجم عن أعمال البر= "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل، فذلك خطية له" (يع17:4). وهناك من يتصور أن الصلاة هي وسيلة لتغيير فكر الله، ولكن الحكيم يقول قبل الصلاة أهِّب نفسك= أي هيئ نفسك أن تتقبل ما يسمح به الله. أي أطلب من الله أن يغير ولكن كن متأهباً أن تقبل الوضع كما هو عليه. ولا تكن كإنسان يجرب الرب= أي لا تكن في صلاتك منتظراً إن إستجاب الرب تحبه وتشكره، وإن لم يستجب تتذمر عليه فبهذا تكون مجرباً للرب. لا تتذمر على الرب ولا تخطئ إليه وأذكر أيام الغضب في أيام الإنقضاء ووقت الإنتقام= حين ينتقم الله في يوم الدينونة من الخطاة. عند تحول الوجه= بدلاً من الرحمة يأتي الإنتقام. وفي (25) ، (26) نجد الحكيم لا يوافق على المثل الشعبي (إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب) ويعتبر أن هذا سفه، ففي الأيام التي يكون المال معانا كثيراً فلنقتصد حتى لا تأتي أيام لا نجد فيها المال. هو هاجم البخل من قبل (3:14-9). وهنا يهاجم الإسراف الشديد. إذاً المطلوب التصرف بالتعقل والحكمة. وروحياً فالإنسان الذي وصل لقامة روحية عالية وبدأ يفرح ويتلذذ بالله عليه أن يستمر في جهاده وإلاّ أتت عليه أيام فقر روحي ويفقد ما سبق وإكتسبه. أيام الخطايا= هي هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي نحن معرضون فيه للسقوط، علينا أن نحذر حتى من الهفوات، وهذه تساوي "خذوا لنا الثعالب الصغار المفسدة الكروم" (نش15:2). فمن يتسامح مع نفسه في الهفوات سيتسامح مع نفسه في الخطايا الكبيرة. وقد يقصد بأيام الخطايا الأيام التي يكون الإنسان فيها ضعيفاً روحياً، فعلي هذا أن يتحذر. لكن على من يظن نفسه أنه قوي أن يحذر بالأكثر فمن يظن نفسه أنه قوي، فهذا كبرياء يقود للسقوط. لذلك فالأكثر إحتمالاً لأيام الخطايا هو وجود الإنسان في هذا الجسد. ومن يتحذر من أيام العوز فيقتصد، ومن الهفوات.. الخ هو حكيم عاقل يتدبر أموره الزمنية وحياته الأبدية= كل عاقل يعرف الحكمة. ويعترف لمن يجدها= الحكيم يرى الحكيم ويفهم أن قراراته بعقل وحكمة، أما الجاهل فيرى تصرفات الحكيم أنها جهل. العقلاء في الكلام يتمون أعمالهم بالحكمة= في ترجمة أخرى "هم أيضاً حكماء" وهذه تتفق مع ما يأتي ويفيضون الأمثال السديدة= أي الحكيم يظهر في أقوال فمه.

 

(30-33): "30 لا تكن تابعا لشهواتك بل عاص أهواءك. 31 فانك أن أبحت لنفسك الرضى بالشهوة جعلتك شماتة لأعدائك. 32 لا تتلذذ بكثرة المآدب ولا تلزم نفسك الإنفاق عليها. 33 لا تفقر نفسك بالمآدب تنفق عليها من الدين وليس في كيسك شيء فانك بذلك تكمن لحياتك."

هذه تحذير من الإنقياد للشهوات والملاذ والملاهي فهذا يجعل الشياطين تشمت فينا= جعلتك شماتة لأعدائك. وتحذير آخر من أن يستدين الإنسان ليقيم مآدب للآخرين= فإنك بذلك تكمن لحياتك= أي تدبر مصيبة لنفسك.


 

الإصحاح التاسع عشر

الآيات (1-3): "1 العامل الشريب لا يستغني والذي يحتقر اليسير يسقط شيئا فشيئا. 2 الخمر والنساء تجعلان العقلاء أهل ردة. 3 والذي يخالط الزواني يزداد وقاحة السوس والدود يرثانه والنفس الوقحة تستأصل."

تحذير من خطيتين [1] إدمان شرب الخمر [2] الزنا.العامل الشريب= المدمن الخمر الكثير لا يستغنى= فهو سيفتقر، فكل أمواله تذهب للخمر. والذي يحتقر اليسير= الذي يستهين ويبدأ في أن يشرب قليلاً فهو بهذا يخدع نفسه، يوماً فيوماً سيدمن ويشرب الكثير= ويسقط شيئاً فشيئاً (هكذا التدخين وما ماثله). وكلا الخطيتين الإدمان والزنا يجعلان الإنسان يرتد عن طريق الله والنهاية السوس والدود يرثانه= حقاً حتى القديسين سيأكلهم السوس والدود، لكن المقصود هنا أن يتنبه الإنسان فإن الموت سيأتي سريعاً، فليحذر لئلا يخسر أبديته.

 

(4-12): "4 من أسرع إلى التصديق فهو خفيف العقل ومن خطئ فهو مجرم على نفسه. 5 الذي يتلذذ بالإثم يلحقه الوصم والذي يكره التكلم يقلل الذنوب. 6 الذي يخطا إلى نفسه يندم والذي يتلذذ بالشر يلحقه الوصم. 7 لا تنقل كلام السوء فلست بخاسر شيئا. 8 لا تطلع على سرك صديقك ولا عدوك ولا تكشف ما في نفسك لأحد وان لم تكن فيك خطيئة. 9 فانه يسمعك ثم يرصدك ويصير يوما عدوا لك. 10 أن سمعت كلاما فليمت عندك ثق فانه لا يشقك. 11 الأحمق يمخض بالكلمة مخاض الوالدة بالجنين. 12 الكلمة في جوف الأحمق كنبل مغروز في فخذ لحيمة."

من أسرع إلى التصديق فهو خفيف العقل= علينا أن نفكر فيما نسمع، فهناك من يختلق أقوال غير منطقية وغير صحيحة عن الآخرين، ومن خِطئ= المقصود هنا من يسمع أقوال وإشاعات ويصدقها بل ويرددها فهو مجرم على نفسه= هو يسئ إلى نفسه إذ يكتشف الآخرين كذب أو سفاهة ما قاله. الذي يتلذذ بالإثم= الذي يُسَّرْ بأن الآخرين أخطأوا فيبدأ يسئ إلى سمعتهم، مثل هذا يلحقه الوصم= يلحقه العار ويُحكم. عليه من الناس. والعكس فإن الذي يكره التكلم يقلل الذنوب= إذاً فعلينا أن لا نردد كل ما نسمعه الذي يخطأ إلى نفسه= من يخطئ يندم على خطيته. وبنفس المقدار الذي يتلذذ بالشر الذي يفعله الآخرين. فهو كمن أخطأ تماماً. لا تنقل كلام السوء= إذا ما علمت سراً عن أحد، خصوصاً لو كان خطية لا تنقلها= فلست بخاسر شيئاً= لن تخسر لو كتمت خطايا الآخرين. ولا تكشف كل سر تعرفه للناس حتى لو كنت أنت لم تخطئ، لا تفضح الآخرين. بل حتى لا تكشف أسرارك الخاصة للناس حتى لا يكون هذا سبباً في أن تصير معلوماتهم عنك رصيد عندهم يهاجمونك به في يوم من الأيام. إن سمعت كلاماً فليمت عندك= أي لا تسمح له بالخروج للآخرين. فإنه لا يشقك= فهذا ليس صعباً. لا يشق عليك أن تكتم سراً. والأحمق هو الذي إذا عرف سراً لا يستطيع أن يكتمه بل يكون كوالدة تظل تتألم= تتمخض حتى تلد= يخرج السر. وتشبيه آخر لهذا الإنسان غير القادر أن يحتفظ بسر. فهو كمن يكون السر في داخله كنبل (سهام) مغروز في فخد لحمه= أي يؤلمه الإحتفاظ بالسر. ولا يرتاح إلاّ لو أخرج هذا النبل (السهم) أو الشوكة من لحمه.

 

(13-17): "13 عاتب صديقك فلعله لم يفعل وان كان قد فعل فلا يعود يفعل. 14 عاتب صديقك فلعله لم يقل وان كان قد قال فلا يكرر القول. 15 عاتب صديقك فان النميمة كثيرة. 16 ولا تصدق كل كلام فرب زال ليست زلته من قلبه. 17 ومن الذي لم يخطا بلسانه عاتب قريبك قبل أن تهدده."

هذا تعليم السيد المسيح عن العتاب "إن أخطأ إليك أخوك فإذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك" (مت15:18). وفائدة العتاب أنك ستتكلم مع صديقك الذي سمعت عنه أنه فعل شراً ضدك وربما تكتشف أنه لم يفعل شراً ضدك، وإن كان قد فعل فربما يخجل من العتاب ولا يعود يكرر ما فعله. وآية (14) عن الكلام الذي ردده صديقك بينما آية (13) عن أفعال. عاتب صديقك الذي وصل إلى أسماعك أنه تكلم عليك أو عمل شراً ضدك فإن النميمة كثيرة= كثير من الناس يرددون أقوالاً غير صحيحة= ولا تصدق كل كلام. وربما أن صديقك زل بلسانه دون قصد في حقك= ربَّ زالٍ ليست زلته من قلبه= أي عن قصد شر بك. وهنا إرشاد للكل، فإن كل إنسان معرض لأن يخطئ. وإرشاد آخر أن يبدأ الإنسان بعتاب الناس قبل أن يهددهم فقد يكتشف أنه لا داعٍ للتهديد ولا أصل للنميمة التي وصلت إليه.

 

(18-28): "18 وابق مكانا لشريعة العلي كل الحكمة مخافة الرب وفي كل حكمة العمل بالشريعة. 19 ليست الحكمة علم الشر وحيث تكون مشورة الخطاة فليست هناك الفطنة. 20 فان من الشر ما هو رجس ومن الجهال من نقص حظه من الحكمة. 21 ناقص العقل وهو تقي خير من وافر الفطنة وهو يتعدى الشريعة. 22 رب دهاء يكون محكما وهو جائر. 23 ورب رجل يهدم المحبة ليبدي العدل رب شرير يمشي مكبأ في الحداد وبواطنه مملوءة مكرا. 24 يكب بوجهه ويصم إحدى أذنيه وحين لا تشعر يفاجئك. 25 وان منعه العجز من الإساءة فإذا صادف فرصة فعل. 26 من منظره يعرف الرجل ومن استقبال الوجه يعرف العاقل. 27 لبسة الرجل وضحكة الأسنان ومشية الإنسان تخبر بما هو عليه. 28 رب عتاب لا يجمل ورب صامت عن فطنة."

 (18) الحكمة الحقيقية هي في إتباع وصايا الله وشريعته وفي (19) نسمع عن حكمة أرضية نفسانية شيطانية (يع15:3) يسميها البعض ذكاء ويسميها البعض دهاء، ولكنها شر، وهذا الذكاء يقود للرجس= الخطية والنجاسة وكل ما يغضب الله. والجاهل الذي لا يتبع وصايا الله فهو نقص حظه من الحكمة مهما كان ذكياً. مثل هذا الذكي فإن ناقص العقل أي الإنسان البسيط غير المتعلم، ولكنه تقي، هو خيرٌ من هذا الذكي. ببساطة مهما دبر الذكي من مؤامرات بذكائه ضد هذا البسيط فالله يحميه لأنه يتقيه. فمن يطلق عليهم العالم صفة الذكاء والدهاء قد يستخدمون ذكاءهم هذا في ظلم الناس= رب دهاء يكون محكماً وهو جائر. وأهم وصايا الله هي المحبة، وهناك من بذكائه يهدم المحبة ليأخذ حقه= ليبدي العدل= هو يظن أنه يقيم العدل بينما هو يهدم أهم وصايا الله. وهؤلاء الأذكياء الأشرار يَدَّعون بوجوههم كذباً ما ليس في بواطنهم. فباطنهم مملوءة مكراً ولكنهم= رُبَّ شرير يمشي مكباً في الحداد= أي يمشي منحياً كأنه حزين على ما أصاب البرئ، وهو يدبر له شراً (هذه مثل المثل العامي" يقتل القتيل ويمشي في جنازته"). هذا يتحين الفرص ليسئ للناس. وهذا الخبيث يكب بوجهه= يحجب وجهه ويغلق أذنيه= يصم إحدى أذنيه= هو قرر الشر. وقوله إحدى أذنيه أي هو لا يسمع إلاّ كل ما هو ضدك، وإذا سمع شيئاً في صالحك فهو لا يسمعه، ولا يريد أن يسمعه، فهو قد قرر أن يؤذي ما يعتبره عدواً له. ومع أن الشر يوجد داخل الإنسان الخبيث فالله قادر أن يحمي أتقياءه من شرورهم فهو الذي يعرف ما في داخلهم. لكن هناك من يظهر شرهم من الخارج، من منظر وجوههم وملابسهم، من ضحكتهم ومشيتهم، فهؤلاء علينا أن نتحاشى السير معهم، إذ أن طريقهم واضح فيه الشر. وعلى الحكيم ألا يسلك في مشورة الأشرار ويقول الله قادر أن يحميني. فإذا كان الشر واضحاً فتجنب مثل هؤلاء، وإلاّ تكون كمن يجرب الرب إلهه. ولا داعٍ مطلقاً أن تتصور أنك قادر أن تساير هؤلاء الأشرار وأن تصلحهم بأن تعاتبهم وتثنيهم عن شرهم= رب عتاب لا يجمل ورب صامت عن فطنة.


 

الإصحاح العشرون

الآيات (1-8): "1 العتاب خير من الحقد والمقر يكفي الخسران. 2 الخصي المتشهي يفسد البكر. 3 وهكذا فعل من يقضي قضاء الجور. 4 ما احسن إبداءك الندامة إذا وبخت فانك بذلك تجتنب الخطيئة الاختيارية. 5 رب ساكت يعد حكيما ورب متكلم يكره لطول حديثه. 6 من الساكتين من يسكت لأنه لا يجد جواباً ومن يسكت لأنه يعرف الأوقات. 7 الإنسان الحكيم يسكت إلى حين أما العاتي والجاهل فلا يبالي بالأوقات. 8 الكثير الكلام يمقت والمتسلط جورا يبغض."

ملخص هذه الآيات "للسكوت وقت وللتكلم وقت" (جا7:3). فالحكيم يعرف متى يسكت ومتى يتكلم. العتاب خير من أن يحمل الإنسان الغضب في داخله ويتحول إلى حقد. والمعترف بخطإه ينجو من الخسران= المقر يُكفي الخسران= فهناك من خطأه واضح للجميع، وحينما يصر على سلامة موقفه يهزأ به الناس. والذي يعترف بخطيته يغفر له الله (1يو9:1). وآيات (2،3) تشير لمن هو عاجز عن الحكم ويقحم نفسه في شئ لا يفهم فيه، ولجهله سيحكم حكماً ظالماً= قضاء الجور= هذا يكون كإنسان عاجز جنسياً= الخصي ولكنه يشتهي أن يعاشر فتاة. فهذا سيصيبه خجل مثل ذاك. المعنى أن لا تحاول أن تقيم من نفسك قاضياً فيما لا تفهم فيه حتى لا تخجل من قرارك. وإذا أخطأ إنسان وواجهه أحد بخطيته فالأفضل أن يعترف خيرٌ من أن يكابر ويكذب فيكون الكذب خطيئة أخرى إختيارية تضاف لخطيته الأصلية التي يعاتبونه عليها. رب ساكت يعد حكيماً= إذ لا يفهم في الموضوع الذي يتكلمون فيه يعرف الأوقات= أي هو يسكت لأنه يعرف الوقت المناسب الذي ينبغي أن يتكلم فيه. وكلاهما حكمة (6). والعكس في (7) من يتكلم في وقت غير مناسب فهو جاهل. وفي (8) عن الذي يفرض نفسه ويتكلم دون أن يُدعى وفيما لا يفهمه. المتسلط جوراً يبغض= وفي ترجمة أخرى أدق "الفارض نفسه يبغض".

 

(9-19): "9 رب نجاح يكون لأذى صاحبه ورب وجدان يكون لخسرانه. 10 رب عطية لا تنفعك ورب عطية تكون مضاعفة الجزاء. 11 رب انحطاط سببه المجد ورب تواضع يرفع به الرأس. 12رب مشتر كثيرا بقليل يدفع ثمنه سبعة أضعاف. 13 الحكيم يحبب نفسه بالكلام ونعم الحمقى تفاض سدى. 14 عطية الجاهل لا تنفعك لان له عوض العينين عيونا. 15 يعطي يسيرا ويمتن كثيرا ويفتح فاه مثل المنادي. 16 يقرض اليوم ويطالب غدا أن إنساناً مثل هذا لبغيض. 17 يقول الأحمق لا صديق لي وصنائعي غير مشكورة. 18 أن الذين يأكلون خبزي خبثاء اللسان ما اكثر المستهزئين به واكثر إستهزاءاتهم. 19 فانه لا يدرك حق الإدراك ماذا يستبقي ولا يبالي بما لا يستبقي."

في (9 ، 10) هي دعوة لكي يستفيد الإنسان بحكمة من كل ظرف، فمن يغتر بنجاحه يتكبر فيخسر= رب نجاح يكون لأذى صاحبه. وربما وجدان (ضربة حظ) يكون لخسرانه= كل ما نحصل عليه ولا نشكر الله عليه يكون سبب خسارة إذ نظن بكبرياء أننا وبذكائنا وقدراتنا سبب هذا النجاح. أو إذا قال إنسان عن نجاح أصابه أنه ضربة حظ، ولم ينسب الفضل لله، ولا يشكر الله عليه، فهذا يكون سبباً لأن الله لا يعود يبارك "كل عطية بلا شكر هي بلا زيادة" (ماراسحق السرياني) وهذا معنى رب عطية تكون لمضاعفة الجزاء. رب إنحطاط سببه المجد= هذا يكون إذا دخل الإنسان الكبرياء من المجد الذي حدث له، ولم يشكر الله. كل ما تحصل عليه هو وزنة والله يرى كيف نستعملها وإما يزيدها وإمّا تضيع منا. ورُبَّ تواضع يُرفع به الرأس= التواضع يجعل الله يسكن فينا (إش15:57) فنرتفع + (لو52:1). وآية (12) هي نصيحة ينطبق عليها المثل العامي (الغالي ثمنه فيه) فلربما إشترى أحد شيئاً يظنه رخيصاً وهو غير صالح، ويظل يدفع في إصلاحه فترة طويلة فيزيد الثمن إلى سبعة أضعاف. وفي (13) كلام الحكيم الحلو يجعل الناس تحبه وتحب مجلسه. أما الأحمق فإن المواهب التي أعطاها له الله لا يستفيد منها أحد= تفاض سُدى.

وفي (14-19) دعوة لأن نعرف ونميز ممن نأخذ ما نأخذه. فالجاهل إذا أعطاك. فعطيته هو ينظر إليها بأضعاف قيمتها= لأن له عوض العينين عيوناً= كما يقول المثل العامي (يعطيك العطية وعينه فيها) ويطالبك بأن يحصل منك على الكثير في مقابل ما أعطاك. فهو أعطى اليسير ويطالب بالكثير= يَمتنُّ كثيراً= بل في كل مجلس يتكلم ويقول أنه أعطاك ويطالب بالمقابل= يفتح فاه مثل المنادي. وإذا لم يحصل على الكثير يشتكي بأنك لا تستحق أن تكون له صديقاً= يقول الأحمق لا صديقي لي وصنائعي (اليسير الذي أعطاه) غير مشكورة= لم تقابل منك بالكثير الذي يتوقعه. بل يشتم قائلاً إن الذين يأكلون خبزي خبثاء اللسان= إذا قلت مثلاً إن ما أخذته منه لا يستحق كل هذه الضجة. مثل هذا الإنسان يستهزئ به الجميع ويتخلى عنه أصدقاؤه، فهو لا يُدرك ماذا يستبقى= هو لم يستبق على صديق له، بل ولا يبالي بهذا، فكل ما يشغله هو ما يحصل عليه من فوائد مادية.

 

(20-25): "20 الزلة عن السطح ولا الزلة من اللسان فان سقوط الأشرار يفاجئ سريعا. 21 الإنسان السمج كحديث في غير وقته لا يزال في أفواه فاقدي الأدب. 22 يرذل المثل من فم الأحمق لأنه لا يقوله في وقته. 23 رب إنسان يمنعه إقلاله عن الخطيئة وفي راحته لا ينخسه ضميره. 24 من الناس من يهلك نفسه من الحياء وإنما يهلكها لأجل شخص الجاهل. 25 ومن يعد صديقه من الحياء فيصيره عدوا له بغير سبب."

آية (20) تعنى أن زلة اللسان أي خطأ يتفوه به إنسان دون قصد لهو أصعب وأطول أثراً من الزلة عن السطح التي تسبب كسوراً في العظام تحتاج شهور لتلتئم، أما زلة اللسان فقد لا يصلح أثرها العمر كله. وهذه دعوة أن نراقب ألسنتنا (يع3). فإن سقوط الأشرار يفاجئ سريعاً= الأشرار قد لا يفطن إليهم أحد، وفجأة بسبب لسانهم الشرير يسقطون فيما يورد عليهم الهلاك. وفي (21) فاقدي الأدب= كمن يحاول أن يعظ كبار السن متصوراً أنه يفهم أكثر منهم، أو من يتحدث بكلام غير لائق في مكان ووقت غير مناسبين. ومثل هذا يُرذل كلامه. و(23) تشير لمن يمنعه فقره أو ظروفه عن أن يخطئ فيظن مثل هذا أنه قديس ولا يُدرك أن الشهوة للخطية ومحبة الخطية كائنة في أعماقه، ولا ينخسه ضميره على حب الخطية الذي في أعماقه. وفي (24) نجد إنساناً قد يهلك بسبب حياءه أو قل ضعف شخصيته، فهو يخجل من أن يرفض طلباً لصديقه الجاهل، وهذا الطلب قد يكون سبباً في هلاكه لو نفذه. وفي (25) نجد إنسان يَعِدُ صديقه حياءً من تنفيذ ما لا طاقة له به، ثم إذا يفشل في تنفيذ ما وعد به يحول صديقه هذا إلى عدو له، والسبب حياء لا داعي له. كان الأولى أن يعد بما هو قادر عليه.

 

(26-28): "26 الكذب عار قبيح في الإنسان وهولا يزال في أفواه فاقدي الأدب. 27 السارق خير ممن يألف الكذب لكن كليهما يرثان الهلاك. 28 شان الإنسان الكذوب الهوان وخزيه معه على الدوام."

هذه الآيات عن الكذب. والسيد المسيح قال عن الشيطان "الكذاب وأبو الكذاب" (يو44:8). فكل كذب هو من الشيطان، فالكذاب صار إبناً لإبليس وضداً للمسيح، فالمسيح هو الحق (يو6:14). والكذب ينم عن ضعف في الشخصية. لكل هذا فهو عار قبيح. فالذي يشتهر عنه الكذب يحتقره الناس ولا يثقوا في أي كلمة يقولها. والحكيم يقول هنا أن السرقة خيرٌ من الكذب، لكن لاحظ أن كلاهما يورثان الهلاك.

 

(29-33): "29 الحكيم في الكلام يشتهر والإنسان الفطن يرضي العظماء. 30 الذي يفلح الأرض يعلي كدسه والذي يرضي العظماء يكفر الذنب. 31 الهدايا والرشى تعمي أعين الحكماء وكلجام في الفم تحجز توبيخاتهم. 32 الحكمة المكتومة والكنز المدفون أي منفعة فيهما. 33 الإنسان الذي يكتم حماقته خير من الإنسان الذي يكتم حكمته."

إذا وُجِدَ إنساناً حكيم فسريعاً ما تشتهر حكمته، ويحب الناس حتى العظماء أن يسمعوا أقواله. الذي يفلح الأرض يُعلِي كُدسه (مخازنه)= أي الفلاح الذي يعمل بجد في أرضه تزداد وخيراته فيعلى مخازنه. ولكن الآية هنا تشير لطالب الحكمة وأن هذا عليه أن يدرس كلمة الله ويقرأ في أقوال الآباء ويصير كفلاح يحرث ويدرس في كلمة الله فيزداد حكمة كما أن مخازن الفلاح تمتلئ. والذي يُرضي العظماء يُكفِّر الذنب= هذا الحكيم والمملوء حكمة هو قادر- حيث أن العظماء يحترمونه- أن ينصف المظلوم الذي حكموا عليه ظلماً أنه مذنب. يكفر الذنب جاءتا في ترجمة أخرى "يكفر الظلم". رأينا فيما سبق أهمية الحكمة. فما الذي يعطل الحكمة لو كان هناك إنساناً حكيماً؟ الرشوة= الهدايا والرشوة تُعمي أعين الحكماء وتغلق أفواههم عن قول الحق وتوبيخ الخطاة. فإذا كان لإنسان حكمة عطلتها الرشوة فهي مثل كنز مدفون بلا فائدة. الإنسان الأحمق إذا كتم حماقته فهذا جيد، ولكن إذا كتم حكيم حكمته بسبب الرشوة فهذا سئ لأن الله أعطاه وزنة وهو قام بدفنها فمصيره الظلمة الخارجية.


 

الإصحاح الحادي والعشرون

الآيات (1-11): "1 يا بني أن خطئت فلا تزد بل استغفر عما سلف من الخطاء. 2 اهرب من الخطيئة هربك من الحية فأنها أن دنوت منها لدغتك. 3 أنيابها أنياب أسد تقتل نفوس الناس. 4 كل إثم كسيف ذي حدين ليس من جرحه شفاء. 5 التقريع والشتم يسلبان الغنى وبمثل ذلك يسلب بيت المتكبر. 6 تضرع الفقير يبلغ إلى أذني الرب فيجرى له القضاء سريعا. 7 من مقت التوبيخ فهو في اثر الخاطئ ومن اتقى الرب يتوب بقلبه. 8 السليط اللسان بعيد السمعة لكن العاقل يعلم متى يسقط. 9 من بنى بيتا بأموال غيره فهو كمن يجمع حجارته في الشتاء. 10 جماعة الأثماء مشاقة مجموعة وغايتها لهيب نار. 11 طريق الخطاة مفروش بالبلاط وفي منتهاه حفرة الجحيم."

هنا تحذير من الخطية. فالخطية تدمر. كل إنسان يخطئ، فإن أخطأ فلا تتمادى بل تُب حتى تقل الأضرار. وإذا فهمت أن الخطية مدمرة فلا تسع وراءها. يبدو لها منظر جذاب كجلد الحية، لكن إذا إقتربت منها تلدغك وسمها يميت. وهي كسيف ذي حدين يقطع في كل إتجاه. ويذكر بعد ذلك بعض مضار الخطية فالتقريع والشتم يسلبان الغِنَى= إهانة الناس تسبب كراهية الناس لنا ويتحشانا الناس ويكون هذا سبب خسارة مادية. وبنفس المعنى فالمتكبر يُسلب ويُدمر بيته. وظالم الفقير هو خاطئ. والله ينتقم من هذا الخاطئ لظلمه الفقير (6). ومن يرفض التوبيخ فهو يسير في طريق الخطاة أي الخراب، فالتوبيخ مفيد في أن يصلح الإنسان من نفسه. السليط اللسان= أي من يخطئ بلسانه ويهين الآخرين فصيته الردئ يصل إلى بعيد، يعرف من على بعد سمعته الرديئة= بعيد السمعة. لكن العاقل يعلم متى يسقط= العاقل المتردي يعرف متى يخطئ فيعتذر ولا يكابر بلسان سليط، ويعرف متى يصيب ويكون دفاعه عن نفسه بعقل. وفي الآيات (9-11) نهاية طريق الظلم والإثم من بنى بيتاً بأموال غيره فهو كمن يجمع حجارته في الشتاء= وفي ترجمة أخرى "فهو كمن يجمع حجارة لقبره" وهذه أوضح والمعنى أن من يظلم أحداً فهو كمن يحكم على نفسه بالإعدام. والأثمة هم كمشاقة مجموعة أي فتائل للحريق وسريعاً ما تحترق، هي مادة سريعة الإشتعال (الوبر الخفيف الناتج من تمشيط الصوف). طريق الخطاة مفروش بالبلاط= أي سهل السير فيه لكن منتهاه حفرة الجحيم.

 

(12-27): "12 من حفظ الشريعة فطن لروحها. 13 وغاية مخافة الرب الحكمة. 14 من لم يكن ذا دهاء لم يؤدب. 15 ورب دهاء يكثر المرارة. 16 علم الحكيم يفيض كالعباب ومشورته كينبوع حياة. 17باطن الأحمق كإناء مكسور لا يضبط شيئا من العلم. 18 العالم إذا سمع كلام حكمة مدحه وزاد عليه أما الخليع فإذا سمعه كرهه ونبذه وراء ظهره. 19 حديث الأحمق كحمل في الطريق وإنما اللطف على شفتي العاقل. 20 فم الفطن يبتغى في الجماعة وكلامه يتأمل به في القلب. 21 الحكمة للأحمق كبيت مخرب وعلم الجاهل كلام لا يفهم. 22 التأديب للجهال كالقيود في الرجلين وكالوثاق في اليد اليمنى. 23 الأحمق يرفع صوته عند الضحك أما ذو الدهاء فيتبسم قليلا بسكون. 24 التأديب للفطن كحلية من ذهب وكسوار في ذراعه اليمنى. 25 قدم الأحمق تسرع إلى داخل البيت أما الإنسان الواسع الخبرة فيستحيي. 26 الجاهل يتطلع من الباب إلى داخل البيت أما الرجل المتأدب فيقف خارجا. 27 من قلة الأدب التسمع على الباب والفطن يستثقل ذلك الهوان."

لن يفهم حكمة الشريعة إلاّ من يحفظها، وغاية مخافة الرب أي تنفيذ الوصية أن يقتني الإنسان الحكمة. ومن ليس له دهاء (حكمة) هو لم يؤدب أي لم يدرس شريعة الله ولم يلزم نفسه بإتباعها. وهناك من هو كثير الحكمة وهذا يسبب له مرارة= فالناس ترفض أقواله، وعدو الخير يدبر لهذا الحكيم مشاكل كثيرة. وفي (16) علم الحكيم يفيض كالعباب= أي كالطوفان. ومشورته كينبوع حياة= أي من يلتزم بمشورته يحيا ولا يموت. أما باطن الأحمق كإناء مكسور لا يمكنه أن يضبط شيئاً من العلم= مهما تعلم لا يبقى في داخله شئ ويظل أحمق. والعالم يحب أن يستمع لكلام الحكمة ويمدحه ويزيد عليه فهو أيضاً حكيم. أمّا الخليع فلا يطيق سماع كلام الحكمة (18).

حديث الأحمق كحمل في الطريق= يريد الإنسان الذي سمعه أن يتخلص منه، فهو كلام فارغ يسبب متاعب للذهن. في حين يجلب حديث العاقل البهجة، ويظل من سمعه يفكر ويتأمل فيما سمعه بإعجاب. والأحمق يتصور كلام الحكمة كبيت مخرب= يريد الإنسان أن يهجره فهو سيسقط سريعاً. فالأحمق يتصور أن حكمة الحكماء هي بلا فائدة، بل ستجلب عليهم كساداً سريعاً وخسارة سريعة. وإذا تكلم الجاهل ستجد كلامه لا يُفهم. بل الجاهل يعتبر أن كلام الحكمة هو قيود له والتعليم يقيد حريته. وفي (23) نرى سلوك الأحمق غير المقبول فهو عندما يضحك يضحك بخلاعة وبصوت عالٍ. عكس الحكيم الذي يبتسم. وعكس ما رأيناه سابقاً فالتأديب للفطن يزيده جمالاً كحلية من ذهب تضعها عليه. والحياء سمة للعاقل الذي إذا وقف بباب بيت يستحي من الدخول إلى أن يُدعى للدخول، أما الأحمق يُسرع بالدخول، وليس في البيوت فقط بل عند الدخول لأي مجلس. وبنفس المفهوم فإن حب الإستطلاع هو عبادة للجهلاء التسمع على الباب أي التصنت على الأبواب. والتطلع من الأبواب للداخل. هو عيب خطير محاولة معرفة أسرار الناس.

 

(28-31): "28 شفاه الجهال تحدث بالخزعبلات وكلام الفطنين يوزن بالميزان. 29 قلوب الحمقى في أفواههم وأفواه الحكماء في قلوبهم. 30 إذا لعن المنافق الشيطان فقد لعن نفسه. 31 النمام ينجس نفسه ومعاشرته مكروهة."

الخزعبلات= الأشياء غير المنطقية. فالجاهل يصدق أي شئ ويردده من دون تروي. أما الفطن فيزن كلامه بالميزان (كما يقول المثل العامي كلامه موزون) هو يزن كل كلمة يقولها ليكون لها منطق. والقلب عند اليهود هو المشاعر والإرادة والقرار. والأحمق يتكلم بدون تفكير وتجد كلماته تقوده، مثلاً يصر على الإنتقام إذا قال سأنتقم= قلوب الحمقى في أفواههم والعكس فالحكيم يفكر ويفكر ثم يتكلم= أفواه الحكماء في قلوبهم.

إذا لعن المنافق (الشرير) الشيطان فقد لعن نفسه= فهو منقاد له، الشيطان هو الذي يضع الأفكار في عقله، وهو لا يستمع لصوت الله. ولاحظ أن الشيطان يخاطب الإنسان عن طريق عقله وهكذا الله. ولكن هذا المنافق إمّا أنه أطفأ الروح القدس داخله، أو هو قرر الإنقياد لشهوات جسده. وبهذا حدث تطابق بين المنافق وبين الشيطان.

النمام= هو ناقل كلام، يدين الناس، يتكلم عليهم بالشر، يسخر منهم أمام الآخرين. وهذا يقول عنه الحكيم هنا أنه ينجس نفسه. فمن يدين الناس يدينه الله، إذاً لا غفران له وبالتالي سيظل نجساً أمام الله. وأمام الناس هو مكروه.


 

الإصحاح الثاني والعشرون

الآيات (1-2): "1الكسلان أشبه بحجر قذر كل أحد يصفر لهوانه. 2 الكسلان أشبه بزبل الدمن كل من قبضه ينفض يده."

 الكسلان سيفتقر ويضطر للإستدانة أو الشخاذة ويهين نفسه= كل أحد يصفر لهوانه. والله خلق الإنسان لكي يعمل (تك5:2،15). وبولس الرسول طالب الكنيسة بأن لا تعطي من لا يعمل شيئاً ليأكل، فهذا ضد الطبيعة (2تس10:3). وإذا كان الإنسان لا يعمل، ففي ماذا سيقضي وقته؟ بالتأكيد سيتفرغ للنجاسة وكل فكر بطال (كالمثل العامي اليد البطالة نجسة) وهذا معنى قول الحكيم هنا أنه أشبه بزبل الدمن= شئ قذر (1تي13:5).

 

الآيات (3-5): "3 الابن الفاقد الأدب عار لأبيه والبنت إنما تعقب الخسران. 4 البنت الفطينة ميراث لرجلها والبنت المخزية غم لوالدها. 5 الوقحة تخزي أباها ورجلها وكلاهما يهينانها."

لأن الإبن الفاقد الأدب عار لأبيه، وهكذا البنت. إذاً على الوالدين الإهتمام بتربية أولادهما. ولنذكر ما حدث لعالي الكاهن إذ أهمل تربية أولاده.

 

آية (6): "6 الكلام في غير وقته كالغناء في النوح أما السياط والتأديب فهما في كل وقت حكمة."

هذه عن أهمية التأديب حتى لو كان كالسياط، وهذا لابد أن يكون في كل وقت (2تي2:4). أمّا الكلام العادي فلتكن كل كلمة في وقتها.

 

الآيات (7-18): "7 الذي يعلم الأحمق يجبر إناء من خزف. 8 وينبه مستغرقا في نومه. 9 من كلم الأحمق فإنما يكلم متناعسا فإذا انتهى قال ماذا. 10 إبك على الميت لأنه فقد النور وابك على الأحمق لأنه فقد العقل. 11 أقلل من البكاء على الميت فانه في راحة. 12 أما الأحمق فحياته أشقى من موته. 13 النوح على الميت سبعة أيام والنوح على الأحمق والمنافق جميع أيام حياته. 14 لا تكثر الكلام مع الجاهل ولا تخالط الغبي. 15 تحفظ منه لئلا يعنتك وينجسك برجسه. 16 اعرض عنه فتجد راحة ولا يغمك سفهه. 17 أي شيء اثقل من الرصاص وماذا يسمى إلا أحمق. 18 الرمل والملح والحديد أخف حملا من الإنسان الجاهل."

هذه عن الحمقى والحماقة. والحمقى في نظر الحكيم هم من يرفضون التأديب، والتأديب [1] بإتباع وصايا الرب (الشريعة) [2] إتباع وصايا الحكماء والأباء [3] قبول تأديب الرب بدون تذمر. وإذا أصَّرَ الأحمق على عدم التأدب يأتي وقت يستحيل فيه التأديب، حينئذ يكون الأحمق قد صار كإناء خزف مكسور يستحيل إصلاحه= الذي يعلم الأحمق يجبر إناء ومن خزف فالأحمق يشبهه الحكيم بالنائم، إذ لا يريد أن يسمع. بل هو متناعس، أي لا يريد أن يسمع. ويقول عنه أنه فقد العقل ويستحق البكاء. وألا يستحق الرثاء من يسمع أن نهاية طريق الخطية جهنم ويستمر فيها. النوح على الميت سبعة أيام= هذه كانت العادة (تك10:50) + (1صم13:31). ولكن النوح على الجاهل يكون كل أيام حياته فهو يجلب على نفسه التعاسة والشقاء، وعلى أهله يجلب العار. تحفظ من الجاهل والغبي لئلا يُعنِتَك= يتعبك ويسبب لك مشاكل. وينجسك برجسه= ستتعلم طرقه ومسالكه الخاطئة. فمثلاً لو وُجِدَ شاب يدخن وسط فصل دراسي، ففي وقت بسيط سنجد الفصل كله يدخن. هذا الأحمق يمثل عبء على من حوله، هو كثقل عليهم، كالرصاص، وهذا الثقيل يسمى أحمق. أن ترافق أحمق فكأنك تحمل حملاً ثقيلاً من كثرة المتاعب التي يسببها لك. وتتمنى أن تتخلص منه.

 

الآيات (19-23): "19عرق الخشب المربوطة في البناء لا تتفكك في الزلزلة كذلك القلب المعتمد على مشورة سديدة لا يخاف أصلاً. 20 القلب المستند على رأي عاقل كزينة من رمل على حائط مصقول. 21 كما أن الأوتاد الموضوعة في مكان عال لا تثبت أمام الريح. 22كذلك قلب الأحمق الخائف الأفكار لا يثبت أمام هول من الأهوال. 23 قلب الأحمق يخاف في أفكاره أما الذي يستمر على وصايا الله في كل حين فلا يخاف أبداً."

الذي يستند على مشورة الحكماء يكون ثابتاً، لا يخاف ولا يضطرب، عكس الأحمق الذي يحيا في  مخاوف مستمرة. عرق الخشب المربوطة في البناء لا تتفكك في الزلزلة= كانوا يضعون أحزمة من الخشب في الحوائط لتحمي المباني المبنية من الطوب اللبن، لتحمي المبنى من التفكك، وأيضاً لحماية المبنى من التمدد والإنكماش الناتجان عن الحر والبرد، وتحمي البيت من الزلازل. بإختصار فالحكيم يكون ثابتاً مثل هذا المبنى المدعم بالأخشاب، لأنه مدعم بآراء حكماء. ويشبه هذا العاقل بزينة من رمل على حائط مصقول= غالباً هي تشكيلات من الرمال وتتماسك عن طريق مادة لاصقة فتعطي أشكالاً جميلة. وبدون المادة اللاصقة يسقط الرمل لأن الحائط مصقول. والمادة اللاصقة تجعله في حالة ثبات وهكذا مشورات الحكماء تجعل القلب ثابتاً. والأوتاد الموضوعة في مكان عالٍ= إشارة للأوتاد التي تثبت خيام في أماكن عالية تكثر فيها الرياح وتشتد فتقلع الخيام. هكذا الأحمق فهو ينخلع قلبه أمام الأهوال. ولاحظ في التشبيه هنا أنه يقارن بين الوتد والقلب. والوتد هو الذي يثبت الخيمة، والقلب الهادئ المطمئن الواثق في الله هو الذي يثبت الإنسان في الأهوال. والقلب الهادئ هو المملوء سلاماً ناشئاً عن خبرات حلوة مع الله. وهذا لا ينشأ في القلب إلاّ من العشرة مع الله وتنفيذ وصاياه تاركين الخطايا (آية23).

 

الآيات (24-33): "24 من نخس العين أسال الدموع ومن نخس القلب ابرز الحس. 25 من رمى الطيور بالحجر نفرها ومن عير صديقه قطع الصداقة. 26 أن جردت السيف على صديقك فلا تيأس فانه يرجع. 27 أن فتحت فمك على صديقك فلا تخف فانه يصالح إلا في التعيير والتكبر وإفشاء السر والجرح بالمكر فانه في هذه يفر كل صديق. 28 ابق أمينا للقريب في فقره لكي تشبع معه من خيراته. 29 اثبت معه في وقت ضيقه لكي تشترك في ميراثه. 30 قبل النار بخار الأتون والدخان وكذلك قبل الدماء التقريعات. 31 لا استحيي أن ادفع عن صديقي ولا أتوارى عن وجهه ثم أن أصابني منه شر. 32 فكل من يسمع بذلك يتحفظ منه. 33 من يجعل حارسا لفمي وخاتما وثيقا على شفتي لئلا اسقط بسببهما ويهلكني لساني."

هنا يشرح الحكيم لنا كيف نحافظ على الصديق وكيف نخسره. فمن نخس (ضرب) العين أسال الدموع. ومن جرح مشاعر صديقه= نخس قلبه أبرز الحس= أي أهاج مشاعره. وتنقطع علاقتك بالصديق وينفر منك إذا عَيَّرته. ربما لو ضربته (جردت السيف عليه) أو فتحت فمك عليه لسامحك ويعود إليك= فإنه يصالح. ولكن ما يجعل الصديق يهرب ولا يعود التعيير (تفضحه بالنقائض التي عرفتها عنه) والتكبر= إذا تعاليت عليه. وإفشاء السر. والجرح بالمكر= حين يشعر الصديق بأنك عملت واحدة من هذه يفر منك. لا تترك صديقك في فقره وضيقه، حتى تستمتع معه بعد ذلك في فترة غناه وخيراته وفرحه، فهو سيظل ذاكراً لك أنك ساندته في ضيقته. والأسوأ في علاقات الناس أن يصل الإنسان لصراع دموي مع أحد، والسبب التقريعات فكما أن دخان الأتون هو علامة على أن النار ستشتعل، هكذا توقع صراع دموي إذا بدأت التقريعات بين شخصين أي الشتائم والإهانات. فإذا إمتنعنا عن الإهانات والشتائم لن نصل للصراع الدموي.

لا أستحي أن أدفع (أحامي) عن صديقي. ولا أتوارى عن وجهه في وقت شدته. وذلك حتى لا أخسره. ثم إن أصابني منه شر= إن أخطأ في حقي بعد أن ساندته= فكل من يسمع بذلك يتحفظ منه فكل من يسمع بأنني كنت أميناً معه، ومع هذا أصابني منه شر، سيتحفظون منه، ويلومونه. ولن يلقي أحد باللوم عليّ أنا.

وآية (33) هي صلاة أو طلبة ليحفظ الله شفتي فلا أنطق بحماقات تكون سبباً في هلاكي.


 

الإصحاح الثالث والعشرون

الآيات (1-6): "1 أيها الرب الأب يا سيد حياتي لا تتركني ومشورة شفتي ولا تدعني اسقط بهما. 2 من يأخذ أفكاري بالسياط وقلبي بتأديب الحكمة بحيث لا يشفق على جهالاتي ولا تهمل خطاياي. 3 لكي لا تتكاثر جهالاتي وتتوافر خطاياي فاسقط تجاه أضدادي ويشمت عدوي بي. 4 أيها الرب الأب يا اله حياتي لا تتركني ومشورة شفتي. 5 لا تدعني اطمح بعيني والهوى اصرفه عني. 6 لا تملكني شهوة البطن ولا الزنى ولا تسلمني إلى نفس وقحة."

هي صلاة إمتداداً للآية الأخيرة من الإصحاح السابق. الأب= في ترجمة أخرى أبو حياتي أي مصدر حياتي. لا تتركني ومشورة شفتيَّ ولا تدعني أسقط بهما (بسبب شفتيَّ) أي إضبط كلماتي حتى لا أسقط بسبب أخطاء فمي. بل أنا مستعد للتأديب ولو حتى بالسياط حتى لا أسقط بسبب جهالاتي. وأدبني يا رب على خطاياي حتى لا أستمر فيها فاهبط من سيئ إلى أسوأ فأهلك أبدياً، وفي هذه الحياة يكون لي العار أمام الناس= ويشمت عدوي بي. لا تدعني أطمح بعيني= أي أشتهي كل ما تراه عيني. ولا تملكني شهوة البطن= هي الأكل والشهوة الجنسية ولقد ترجمت "لا تملكني الشهوة الجنسية في ترجمة أخرى" ولاحظ قوله ولا تسلمني إلى نفس وقحة". فخطية الزنى تُسْلِم الإنسان في أيدي من يهينونه بوقاحة، بل تسلم الإنسان في يد الشيطان الوقح الذي يهينه ويذله.

 

الآيات (7-14): "7 أيها البنون دونكم أدب الفم فان من يحفظه لا يؤخذ بشفتيه. 8 انه بهما يصطاد الخاطئ وبهما يعثر القاذف والمتكبر. 9 لا تعود فاك الحلف. 10 ولا تالف تسمية القدوس. 11 فانه كما أن العبد الذي لا يزال يفحص لا يخلو من الحبط كذلك من لم يبرح يحلف ويسمي لا يتزكى. 12 الرجل الحلاف يمتلئ إثما ولا يبرح السوط من بيته. 13 وهوان لم يف فعليه خطيئة وان استخف فخطيئته مضاعفة. 14 وان حلف باطلا لا يبرر وبيته يملا نوائب."

رأينا أن الحكيم يصلى لله ليحفظ شفتيه فلا يفرط في كلام يسبب له مشاكل مع الناس، وهنا يتكلم عما هو أسوأ، أي أن يمتزج التفريط في الكلام بالحلف أي إستخدام إسم الله. وهذا فيه إهانة لإسم الله. وراجع (حز16:17-21) لترى بشاعة مصير من يزدري بالقسم الذي يقسم به. لذلك كانت وصية السيد المسيح هي أن الأفضل أن لا نقسم، فالإنسان معرض لأن يفرط بشفتيه ولو إمتزج هذا بالحلف، يكون غيظ الرب شديداً والضربات شديدة. ولاحظ أن الإنسان ضعيف جداً لا يملك حقيقة أن يكافئ أحداً أو يسيء إلى أحد، فلماذا يُقسم بأنه يفعل ذلك وهو غير قادر عليه. أيها البنون دونكم أدب الفم= أي "أيها البنون إسمعوا تعليم فمي" في ترجمة أخرى. ومن يحفظه أي من يزن كلامه قبل أن يقوله. فالكلام الذي يفرط به الخاطئ والمتكبر به يصطاده أعداءه. القاذف= الذي يقذف الشتائم. لا تألف تسمية القدوس= اليهود ما كانوا يستخدمون إسم يهوه بل يقولون "أدوناي" أي السيد. وكتاب الأسفار كانوا يغيرون القلم كلما جاء إسم الرب والمتشددون كانوا يستحمون قبل أن يكتبونه. ولكن من يستعمل إسم الرب بإستهانة ستأتي عليه ضربات = لا يتزكي مثل عبد بطال يضرب على أخطائه= يفحص= أي يضرب بالسياط (أع24:22). مثل هذا العبد تجد دائماً أثار الضرب في جسده= لا يخلو من الحبط. فمن يحلف ولم يستطع أن يوف لعجزه فهذا خطية. وإن إستهان ولم يَفِ بينما هو قادر أن يفعل فخطيته مضاعفة. وإن حلف باطلاً= وإن حلف وهو ينتوي ألا يفعل= لا يبرر وبيته يُملأ نوائب أي مصائب.

 

الآيات (15-20): "15 ومن الكلام كلام آخر يلابسه الموت لا كان في ميراث يعقوب. 16 أن هذه كلها تبعد عن الأتقياء فلا يتمرغون في الخطايا. 17 لا تعود فاك فحش الكلام فان ذلك لا يخلو من خطيئة. 18 تذكر أباك وأمك إذا جلست بين العظماء. 19 لئلا تنساهما أمامهم ويسفهك تعود معاشرتهم فتود لو لم تولد منهما وتلعن يوم ولادتك. 20 من تعود كلام الشتيمة لا يتأدب طول أيامه."

أمثلة لمن لا يدقق في كل كلمة تخرج من فمه. من الكلام كلام آخر يُلابسه الموت أي كل كلمة تقود لموت من يسمعها ويعمل بها، وقطعاً فهي سبب موت قائلها. هذه مثل التجديف والهرطقة والتشكيك في الله، وتجريح الناس للدرجة التي تصل الأمور فيها لصدامات دموية (سي30:22). والحكيم يتمنى أن لا يكون مثل هذا في إسرائيل= لا كان في ميراث يعقوب. إن هذه= لأن هذه ليست من طبيعة الأتقياء= تبعد عن الأتقياء. ومن الكلام السئ الذي يسبب الموت فحش الكلام= أي الكلام البذئ. تذكر أباك وأمك إذا جلست بين العظماء حتى لا تتكلم كلاماً ٍسفيهاً يسبب الحرج لهما فهما اللذان ربياك. ويسفهك تعود معاشرتهم= كلما عاشرت هؤلاء العظماء وأخطأت أمامهم وتعودت ذلك، سيكون هذا سبباً لأنهم يهينوا أباك وأمك= فتود لو لم تولد منهما= لأنك صرت سبباً لإهانتهما. وهناك معنى آخر أن الإنسان حين يعاشر العظماء يخجل من أصله المتواضع، فيدَّعي كذباً أنه يماثلهم في العظمة، ويظل يكذب حتى يكره أباءه وأصلهم البسيط، بل يلعن يوم ولادته. ومن تعود كلام الشتيمة= تصبح هذه عادة في فمه أن يسب ويلعن، ومثل هذا لا يتأدب طول أيامه.

 

الآيات (21-31): "21 من الناس صنفان يكثران من الخطايا وصنف ثالث يجلب الغضب. 22 النفس المتوهجة كنار ملتهبة فلا تنطفئ إلى أن تفنى. 23 والإنسان الزاني بنجاسة لحمه فلا يكف إلى أن يوقد النار. 24 لان الإنسان الزاني كل خبز يحلو له فلا يكل إلى أن يفرغ. 25 والإنسان الذي يتعدى على فراشه قائلا في نفسه من يراني. 26 حولي الظلمة والحيطان تسترني ولا أحد يراني فماذا أخشى أن العلي لا يذكر خطاياي. 27 وهو إنما يخاف من عيون البشر. 28 ولا يعلم أن عيني الرب اضوا من الشمس عشرة آلاف ضعف فتبصران جميع طرق البشر وتطلعان على الخفايا. 29 هو عالم بكل شيء قبل أن يخلق فكذلك بعد أن انقضى. 30 فهذا يعاقب في شوارع المدينة وحيث لا يظن يقبض عليه. 31 ويهان من الجميع لأنه لم يفهم مخافة الرب."

هذه الآيات عن خطايا الشهوة الجنسية ويقسمها لثلاثة أقسام:- صنفان (1،2) وصنف ثالث (3)

1.    الشهوة المشتعلة مع ما يصاحبها من أفكار رديئة شهوانية.

2.    العادات السرية.

3.    الزنى الكامل.

من الناس صنفان يكثران الخطايا= يقصد بهما من تشتعل شهوته ويصير داخله كنارٍ ملتهبة تفنيه، فهي تدمر كل طاقاته، فالطاقات الإنسانية تظهر مع النفس الهادئة التي تحيا في هدوء. والثاني هو من في السر يمارس عاداته السيئة= الزاني بنجاسة لحمه. ولكن هذا يظل يشعل ويوقد النار نار الشهوة إلى أن يصل للزنا الذي قال عنه صنف ثالث يجلب الغضب. وهذا الزاني يشتهي كل إنسان= كل خبز يحلو له= فلا يكتفي مثلاً الرجل بزوجته، وهو يخون صديقه مع زوجته أو إبنته، هو لا يهتم بالعلاقات الإنسانية من اجل أن يتمم شهوته. وهو يظن أن لا أحد يراه وأن العلي لا يذكر خطاياه. هو لا يخاف الله، لكنه يخاف من عيون البشر= الذين ينتقمون من زناه. ولكن عيني الرب تبصران، بل هو عالم بكل شئ قبل أن يخلق. وغضب الله يظهر في أن الناس تعاقب هذا الزاني علناً في شوارع المدينة وحيث لا يظن يقبض عليه= من حيث لا يتوقع يأتي العقاب والمهانة لأنه لم يخاف الرب.

 

الآيات (32-38): "32 هكذا أيضا المرأة التي تترك بعلها وتجعل له وارثا من الغريب. 33 لأنها أولا عصت شريعة العلي وثانيا خانت رجلها وثالثا تنجست بالزنى وأقامت نسلا من رجل غريب. 34 فهذه يؤتى بها إلى الجماعة وتبحث أحوال أولادها. 35 أن أولادها لا يتأصلون وأغصانها لا تثمر. 36 وهى تخلف ذكرا ملعونا وفضيحتها لا تمحى. 37 فيعرف المتخلفون أن لا شيء افضل من مخافة الرب ولا شيء أعذب من رعاية وصايا الرب. 38 أن اتباع الله مجد عظيم وفي قبوله لك طول أيام."

هذه عن زنا المرأة التي لم تصن كرامة زوجها وحملت نتيجة زنا فهي عصت شريعة العلي+ خانت زوجها + تنجست بالزنا+ تعاقب من الجماعة وتفضح + لا يكون بركة في أولادها ويلعنوا أولادها ولا يحترمهم أحد، فهي أساءت لنسلها.

والنصيحة التي يقدمها الحكيم للكل هي مخافة الرب.


 

الإصحاح الرابع والعشرون

الآيات (1-10): "1 الحكمة تمدح نفسها وتفتخر بين شعبها. 2 تفتح فاها في جماعة العلي وتفتخر أمام جنوده. 3 وتعظم في شعبها وتمجد في ملا القديسين. 4 وتحمد في جمع المختارين وتبارك بين المباركين وتقول. 5 أني خرجت من فم العلي بكرا قبل كل خليقة. 6 وجعلت النور يشرق في السماوات على الدوام وغشيت الأرض كلها بمثل الضباب. 7 وسكنت في الأعالي وجعلت عرشي في عمود الغمام. 8 أنا وحدي جلت في دائرة السماء وسلكت في عمق الغمار ومشيت على أمواج البحر. 9 وداست قدمي كل الأرض وعلى كل شعب. 10وكل أمة تسلطت."

نرى هنا عظمة الحكمة، وأن مصدرها هو الله، فمن أين يأتي إنسان بالحكمة، هي من الله. الحكمة تمدح نفسها= المعنى أن الحكمة حين تظهر في عمل الله أو في تصرف إنسان وهبه الله هذه الحكمة فإنها تنال المدح، فالله يمدح على خليقته التي خلقها بحكمته. فتمح نفسها تعني تتكلم عن نفسها، وهذا ما كان داود يعنيه حين قال "السموات تحدث بمجد الله" (مز1:19). وتفتخر بين شعبها= فأي عمل إنساني بدون حكمة يدعو للهوان، أما من يتصرف بحكمة فهذا مدعاة للإفختار. وإذا فهمنا أن الحكمة هي الأقنوم الثاني، الإبن الكلمة، خالق كل شئ (1كو24:1 + يو1:1-3). فكل خلقة في الكون كانت منه. وينتقل الحكيم ليشخص الحكمة، أي يجعلها شخص يتكلم في جماعة العلي ويفتخر أمام جنوده= هذا الشخص هو الأقنوم الثاني الذي خلق الكل وفرحت كل الخليقة بخليقته، وهكذا قال الله لأيوب "أين كنت حين أسست الأرض.. عندما ترنمت كواكب الصبح معاً وهتف جميع بني الله (جنوده)" (أي4:38،7). تعظم في شعبها وتمجد في ملأ القديسين= لا يقدر الحكمة سوى شعب الله، ومن ناحية أخرى لا يمجد المسيح سوى القديسين من شعبه. إني خرجت من فم العلي بكراً قبل كل خليقة= الحكمة لا مصدر لها سوى الله، والإبن هو بكر كل خليقة (كو15:1). خرجت= "خرجت من عند الآب" (يو28:16) وأول خليقة الإبن كان النور (تك3:1). وجاء بعد ذلك الضباب وهو بخار الماء والهواء كان فاصلاً بين مياه على الأرض والضباب أي المياه التي في السماء (تك6:1). سكنت في الأعالي= إشارة لأن الله قدوس منزه عن كل الأرضيات. وجعلت عرشي في عمود الغمام= أينما ظهر مجد الله كان السحاب يغشيه ليحجب مجده عن البشر، فلا أحد يرى مجده ويعيش (خر15:24 + خر34:40 + 1مل12:8 + 1مل11:8 + أع9:1 + خر20:33). ثم نرى الله في كل مكان في دائرة السماء وعمق الغمار. ومشيت على أمواج البحر (مت25:14) وفي كل أمة فهو ضابط الكل. وحيثما وُجِدَ توجد الحكمة.

 

الآيات (11-16): "11 ووطئت بقدرتي قلوب الكبار والصغار في هذه كلها التمست الراحة وبأي ميراث احل. 12 حينئذ أوصاني خالق الجميع والذي حازني عين مقر مسكني. 13 وقال اسكني في يعقوب ورثي في إسرائيل. 14 قبل الدهر من الأول حازني والى الدهر لا أزول وقد خدمت أمامه في المسكن المقدس. 15 وهكذا في صهيون ترسخت وجعل لي مقرا في المدينة المحبوبة وسلطنتي هي في أورشليم. 16 فتأصلت في شعب مجيد وفي نصيب الرب نصيب ميراثه وفي ملا القديسين مقامي."

هناك لفظان يطلقهما الكتاب عن الله [1] الله [2] الرب. وبينما أن الله تشير له كخالق ومالك لكل الخليقة يشير لفظ الرب لعلاقته الخاصة بشعبه. لذلك نسمع عن (الله) في (تك1) ونسمع لقب (الرب الإله) في (تك2) حين خُلِقَ آدم وصار له علاقة خاصة مع الله. وهنا نسمع أنه بينما هو موجود في كل مكان ويحكم كل مكان، نجده يسكن في يعقوب الذي له علاقة خاصة مع الله، فهو شعب الله وسط شعوب العالم كلها التي لا تعرفه. وتعنى الآيات أيضاً أن شعب الله الذي يعرف وصيته هو وحده الذي يستطيع أن يحوز الحكمة. والحكمة أزلية= قبل الدهر من الأول حازني، وهي أبدية= وإلى الدهر لا أزول.

في المسكن المقدس أمامه خدمت= المسكن المقدس هو الهيكل، ووجود الحكمة فيه إشارة للعبادة داخل الهيكل، والشريعة هي محور العبادة. ولكن الهيكل يشير لجسد المسيح (يو21:2) وفي جسده حل كل ملء اللاهوت (كو9:2). وخدمت تشير لخدمة الفداء، فإبن الإنسان أتى ليَخْدِم لا ليُخْدَم. وهنا نرى الله كأنه يبحث عن مكان لراحته= التمست الراحة آية (11). ثم إختار يعقوب ليسكن وسطه. وتجسد وجاء لأورشليم ليقيم فيها سلطنته أي ملكه وهو ملك بصليبه على شعب مجيد (16) هو شعب المسيح.

 

الآيات (17-31): "17ارتفعت كالأرز في لبنان وكالسروفي جبال حرمون. 18 كالنخل في السواحل وكغراس الورد في أريحا. 19 كالزيتون النضير في السهل وكالدلب على مجارى المياه في الشوارع. 20 فاح عرفي كالدارصيني والقندول العطر وانتشرت رائحتي كالمر المنتقى. 21 كالقنة والجزع والميعة ومثل بخور اللبان في المسكن. 22 أني مددت أغصاني كالبطمة وأغصاني أغصان مجد ونعمة. 23 أنا كالكرمة المنبتة النعمة وأزهاري ثمار مجد وغنى. 24 أنا أم المحبة البهية والمخافة والعلم والرجاء الطاهر. 25 في كل نعمة الطريق والحق وكل رجاء الحياة والفضيلة. 26 تعالوا إلىّ أيها الراغبون في واشبعوا من ثماري. 27 فان روحي أحلى من العسل وميراثي ألذ من شهد العسل. 28 وذكري يبقى في أجيال الدهور. 29 من أكلني عاد إلى جائعا ومن شربني عاد ظامئا. 30 من سمع لي فلا يخزى ومن عمل بإرشادي فلا يخطا. 31 من شرحني فله الحياة الأبدية."

إرتفاع شأن المسيح أمام كل العالم بعد ما عمله بصليبه كان كالأرز في سمو عمله فالأرز عالٍ جداً (والمسيح سماوي)، والأرز راسخ وخشبه قوي، وجميل. وكالسرو= شجرة عالية، يستخدم خشبه في الآلات الموسيقية، خشب فخم يستخدم للعظماء ويشير للعظمة والقوة وفداء المسيح كان بقوة. وكالنخل= الذي يرمز للصديقين، فهو ينمو مرتفع يثبت أمام الرياح، ثمره حلو، من الداخل أبيض إشارة للبر ولونه من الخارج أحمر إشارة للدم الذي يبرر. وإذا قذفت النخلة تلقي لك بثمارها الحلوة، والمسيح صلبوه فلم نجد منه سوى المحبة. كغراس الورد في أريحا= أريحا كان ينبت فيها أروع أنواع الورود، وهكذا كان عمل المسيح له رائحة عطرة في كل العالم.

كالزيتون النضير= صار مصدراً لسكنى الروح القدس فينا، فالزيتون مصدر للزيت والزيت يرمز للروح القدس. فهو زيت المسحة. الدُلب= شجرة عظيمة عريضة الورق وتعد من أجمل الأشجار وتزهر على مجاري المياه. إشارة للمسيح الرجل الذي بلا عيب، والأبرع جمالاً من بني البشر (مز3:1 + مز2:45). الدارصيني (كالقرفة). القندول (اللبان العطر). المر= كل هذه روائح عطرة وتستخدم في المسحة المقدسة (راجع إصحاح 30 من سفر الخروج ومقدمة خيمة الاجتماع من سفر الخروج تحت عنوان المواد المستخدمة في الخيمة) والمواد المذكورة هنا ذكرت عن المسيح (مز8:45).

عَرفي= رائحتي. ونحن رائحة المسيح الزكية (2كو15:2). وراجع القنة و الجزع والميعة أيضاً في المواد المستخدمة في خيمة الاجتماع. وبخور اللبان في المسكن= والبخور يشير للمسيح أيضاً برائحته الحلوة (راجع المواد المستخدمة في خيمة الاجتماع). ولقد أسس المسيح الكنيسة التي إنتشرت كالبطمة في مجد ونعمة. فالمسيح ليعطي للمؤمنين مجد ويملأهم نعمة. وشكل العلاقة بين المسيح والمؤمنين (الأغصان) هي كشكل الكرمة= ففي الكرمة لا تميز جذعاً مستقلاً عن الأغصان. فالكنيسة ككل هي جسد المسيح. وهذه الكرمة أي المسيح، الإلتصاق بها هو مصدر النعمة= المنبتة النعمة. وهو مصدر الروح القدس الذي يسكب المحبة (رو5:5). وهذه المحبة تسبب نوعاً مقدساً من المخافة، به نخاف أن نغضب الله الذي أحبنا كل هذا الحب، أو أن ننفصل عنه. والعلم= المسيح به عرفنا الله الآب، هو الذي إستعلن لنا الله "من رآني فقد رأى الآب" (يو9:14). والرجاء الطاهر= من أدرك محبة الله له سيكون له رجاء لا يخزى (رو5:5) وكل رجاؤنا هو في المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة (يو6:14). وحياة المسيح فينا هي التي تعطينا أن نحيا في الفضيلة. إذا كان المسيح لنا كل هذا فلنقبل دعوته= تعالوا إليَّ أيها الراغبون فيّ. ولنقل مع بطرس "إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك" (يو68:6). فإن روحي أحلى من العسل= وفي ترجمة أخرى "فإن ذكرى أحلى من العسل" من يذكر إسم يسوع يفرح ويكون له هذا لذة، وهذا ما إكتشفه من يردد صلاة يسوع "يا ربي يسوع المسيح إرحمني أنا الخاطئ" وفي (29) هذه الآية تشبه طوبى للجياع والعطاش إلى البر فإنهم يشبعون" (مت6:5) وآيات (30،31) هذه مثل "أما من عَمِلَ وعَلَّم، فهذا يُدعى عظيماً في ملكوت السموات" (مت19:5)= من عَمِل بإرشادي + من شرحني فله الحياة الأبدية= أي من عَلَّم الناس عني.

 

الآيات (32-47): "32 هذه كلها هي سفر الحياة وعهد العلي وعلم الحق. 33 أن موسى أمر بالشريعة وأحكام العدل ميراث آل يعقوب ومواعيد إسرائيل. 34 أن الرب وعد داود عبده أن يقيم منه الملك القدير الجالس على عرش المجد إلى الأبد. 35 هو يفيض الحكمة كفيشون ومثل دجلة في أيام الغلال. 36 ويملا فهما كالفرات ومثل الأردن في أيام الحصاد. 37ويبدي التأديب كالنور ومثل جيحون في أيام القطاف. 38 الحكمة لا يستوفي معرفتها الأول ولا يستقصيها الآخر. 39 لأن فكرها أوسع من البحر ومشورتها اعمق من الغمر العظيم. 40 أنا الحكمة مفيضة الأنهار. 41 أنا كساقية من النهر وكقناة خرجت إلى الفردوس. 42 قلت اسقي جنتي واروي روضتي. 43 فإذا بساقيتي قد صارت نهرا وبنهري قد صار بحرا. 44 فأني أضيء بالتأديب مثل الفجر وأذيعه إلى الأقاصي. 45انفذ إلى جميع أعماق الأرض وانظر إلى جميع الراقدين وأنير لجميع الذين يرجون الرب. 46 أني أفيض التعليم مثل نبوة واخلفه لأجيال الدهور. 47 فانظروا كيف لم يكن عنائي لي وحدي بل أيضا لجميع الذين يلتمسون الحكمة."

هذه كلها هي سفر الحياة.. إن موسى أمر بالشريعة= أي أن الحكمة موجودة في شريعة موسى. ولنلاحظ أن الكتاب المقدس بعهديه هو كلمة الله. والمسيح هو كلمة الله. والمعنى أن من يدرس وينفذ كلمة الله المكتوبة سيكتشف المسيح كلمة الله، وستكون له الحكمة الحقيقية. إن الرب وَعَدَ داود.. إلى الأبد= قوله إلى الأبد تجعل الكلام يخرج من داود إلى إبن داود أي المسيح. وبنفس المفهوم قوله عرش المجد. وبضم الآيات (32-34) نفهم أن عهد الله ووعوده في شريعة العهد القديم أن يأتي المسيح ليكون ملكاً على محبيه، تابعي وصاياه، فيكون لهم المجد. وفي (35) يفيض الحكمة كفيشون= لم يذكر نهر فيشون سوى في (تك2) وكان موجوداً في الفردوس، فالروح القدس الذي سكبه المسيح، روح الحكمة، أعاد للمؤمنين الحالة الفردوسية الأولى أي الفرح. (جنة عدن تعني جنة الفرح). والروح القدس روح الحكمة (إش2:11) يفيض حكمة وشبه الروح القدس الذي إنسكب على المؤمنين بفيضان الأنهار وقت إمتلائها أي أيام الغلال والحصاد وهو يعطي حكمة وفهماً وتأديب كالنور أي يبكت تبكيتاً واضحاً ويكشف الخطايا كالنور. ولا أحد يستطيع فهم أعماق حكمة الله (38،39) لا يستوفى معرفتها الأول في البشر (آدم) فهي أسبق منه، لأنها أزلية ولا يستقصيها الآخر في البشر فهي أبدية. أنا الحكمة هنا المسيح يتكلم. مفيضة الأنهار= قارن مع أرسل لكم الروح المعزي (يو26:15 + 7:16) والروح القدس هو الأنهار (يو37:7-39). أنا كساقية من النهر= هذا بفم الحكيم الذي إمتلأ بالروح وبدأ يفيض على الآخرين، وهذا عمل كل خادم. والساقية تأخذ من النهر وتفيض على الأرض فتصير فردوس= خرجت إلى الفردوس. وتصير جنة وروضة أي مملوء ثماراً من ثمار الروح القدس (غل22:5،23). وفي (43) هذه بلسان المسيح الذي فرح بخادمه الذي كان ساقية فخرج منه نهراً يُروى الناس "فاضت من بطنه أنهار" (يو37:7-39) وبنهري قد صار بحراً= المقصود أن الخادم ينمو مع خدمته "فالمروِي هو أيضاً يُروى" (أم25:11)= فإني أضئ بالتأديب= كلما قام الخادم الحكيم بدوره بأمانة في تأديب أي تعليم الآخرين يضئ أي يزداد حكمة= وأذيعه إلى الأقاصي= يصير الخادم الأمين منارة لكل إنسان. أنفذ إلى جميع أعماق الأرض.. جميع الراقدين= هم موتى الخطية الذين يعيشون في الظلام= وأنير لجميع الذين يرجون الرب= من يستجيب للحكيم هو الذي يرجو الرب وفي (46) نبوة= هي الوعظ والتعليم. ويختم في آية (47) بأنه لم يتعب في إقتناء الحكمة لفائدته هو نفسه فقط، بل لجميع الذين يلتمسون الحكمة.


 

الإصحاح الخامس والعشرون

الآيات (1-4): "1 ثلاث هن زينة لي وبهن قمت جميلة أمام الرب والناس. 2 اتفاق الاخوة وحب القريب والمصافاة بين المرأة ورجلها. 3 ثلاثة تبغضهم نفسي وتمقت حياتهم. 4 الفقير المتكبر والغني الكذاب والشيخ الزاني الفاقد الفهم."

الحكمة تتحدث فتقول أن ما يفرحها ويجعلها في صورة حلوة أمام الرب والناس أن يعمل الناس بها، وأهم صورة لمن تجاوب مع الحكمة هي المحبة، فالله محبة (مز133) وما تكرهه الحكمة أن يتخلى الناس عنها فيعيشوا في حماقة [1] فقير متكبر=فلو كان الكبرياء من غني فهو مقبول نوعاً ما أو قل له مبرر أما لو من فقير فسيكون مثار سخرية. [2] الغنى الكذاب= أي الذي له ويدعي العكس حتى لا ينفق [3] الشيخ الزاني= المفترض فيه الوقار بعد أن هدأ جسمه، وهذا يسميه الحكيم هنا الفاقد الفهم. وما الذي جعل هذا الشيخ هكذا؟ الإجابة في آيات (5-8).

 

الآيات (5-8): "5 أن لم تدخر في شبابك فكيف تجد في شيخوختك. 6 ما اجمل القضاء للشيب وحسن المشورة للشيوخ. 7 ما اجمل الحكمة للشيوخ والرأي والمشورة لأرباب المجد. 8 كثرة الخبرة إكليل الشيوخ ومخافة الرب فخرهم."

إن لم تدخر في شبابك= تدخر تقوي وحكمة وخبرات، وطاعة للشريعة فيكون لك حكمة في شيخوختك. وما أجمل أن نذهب للشيب لنحتكم ونستفيد بخبراته وحكمته. هذا طبعاً لو كان له حكمة. أمّا من أضاع شبابه وراء شهواته سيصبح بلا كرامة في مشيبه.

 

الآيات (9-16): "9 تسع خصال غبطتها في قلبي والعاشرة ينطق بها لساني. 10 مغبوط الإنسان الذي يفرح بالأولاد والذي يرى في حياته سقوط أعدائه. 11 مغبوط من يساكن امرأة عاقلة ومن لم يزلل بلسانه ومن لم يخدم من لا يستأهله. 12 مغبوط من وجد الفطنة ومن يجعل حديثه في أذن واعية. 13 ما اعظم من وجد الحكمة لكنه ليس افضل ممن يتقي الرب. 14 مخافة الرب أعلى من كل شيء. 15 الذي يحوزها بمن يشبه. 16 مخافة الرب اول محبته والإيمان أول الاتصال به."

تسع خصال غبطتها.. والعاشرة ينطق بها لساني فما هي التسع؟

1.    الإنسان الذي يُفرّح بالأولاد= الذي يربي أولاده حسناً فيفرح بهم كباراً أتقياء.

2.  الذي يرى في حياته سقوط أعدائه= في العهد القديم كان عدل الله بحسب فهمهم يظهر في سقوط الأعداء الأشرار الذين يضايقون الإنسان البار فهم ما كانوا يفرقون بين الخاطئ والخطية. أما في العهد الجديد فما صار لنا أعداء من البشر نفرح بسقوطهم بل نحن نحبهم بحسب أمر السيد الرب. وصار أعداؤنا هم إبليس والخطية وشهوات الجسد.

3.    من يساكن امرأة عاقلة= من له زوجة عاقلة.

4.    من لم يزلل بلسانه= من إستطاع أن يحفظ لسانه من الزلل.

5.    من لم يخدم من لا يستأهله= من لا يضطر لخدمة إنسان لا يستحق.

6.    من وجد الفطنة= أي من له حكمة تجعله يعرف كيف يتصرف حسناً في كل موقف.

7.    من يجعل حديثه في أذن واعية= أي يعلم من يستحق ومن هو قادر أن يستفيد.

8.    من وجد الحكمة= وهذا كمن إكتشف لؤلؤة كثيرة الثمن.

9.  التقوي= وهي أفضل من الحكمة لماذا؟ لو كانت الحكمة هي معلومات في الرأس بلا تطبيق لكان الإنسان غير قادر أن يستفيد منها. وأهم ما يستفيده الإنسان من الحكمة هو التنفيذ العملي لها بأن يتقي الله.

والعاشرة ينطق بها لساني= مخافة الرب أعلى من كل شئ. فمن يخاف الله ويتقيه فهذا هو كمال الحكمة، مثل هذا له العين المفتوحة التي ترى المكافأة على الأرض وفي السماء فيتقي الله ويتبع وصاياه فيزداد حكمة. ويرى أيضاً اللعنات التي تصيب الخاطئ على الأرض، وضياع أبديته "فيتمم خلاصه بخوف ورعدة" (في12:2)

وقوله تسع .. والعاشرة هو أسلوب ثقافي عبري يشير لكمال الشيء (مي5:5) + (أم16:6) + (جا2:11)

مخافة الرب أول محبته=لكي يصل الإنسان لمحبة الرب عليه أن يبدأ أولاً بأن يخافه وينفذ وصاياه. والمدخل للمخافة هو الإيمان بالله أولاً وبحياة الدهر الآتي والدينونة= الإيمان أول الإتصال به.

 

الآيات (17-36): "17 غاية الألم ألم القلب وغاية الخبث خبث المرأة. 18 كل ألم ولا ألم القلب. 19 وكل خبث ولا خبث المرأة. 20 وكل نائبة ولا النائبة من المبغضين. 21 وكل انتقام ولا انتقام الأعداء. 22 لا رأس شر من راس الحية. 23 ولا غضب شر من غضب المرأة مساكنة الأسد والتنين خير عندي من مساكنة المرأة الخبيثة. 24 خبث المرأة يغير منظرها ويرد وجهها اسود كالمسح. 25 رجلها يكمد بين أصحابه وإذا سمع تأوه بمرارة. 26 كل سوء بازاء سوء المرأة خفيف لتقع قرعة الخاطئ عليها. 27 مثل العقبة الكثيرة الرمل لقدمي الشيخ مثل المرأة الخبيثة اللسان للرجل الهادئ. 28 لا يعثرك جمال امرأة ولا تشته امرأة لحسنها. 29 غضب ووقاحة وفضيحة عظيمة. 30 المرأة التي تتسلط على رجلها. 31 المرأة الشريرة ذلة للقلب وتقطيب للوجه وألم للفؤاد. 32 التي لا تنشئ سعادة رجلها إنما هي تراخ لليدين وتخلع للركبتين. 33 من المرأة ابتدأت الخطيئة وبسببها نموت نحن أجمعون. 34 لا تجعل للماء مخرجا ولا للمرأة الشريرة سلطانا. 35 أن لم تسلك طوع يدك تخزيك أمام أعدائك. 36 فاقطعها عن جسدك لئلا تؤذيك على الدوام."

متى كانت المرأة تقية خائفة لله تصير مصدر فرح لرجلها ولأولادها، والعكس، فالمرأة التي لا تعرف الله فهي سبب مصائب لبيتها، فكما أن أصعب ألم هو ألم القلب أي جرح المشاعر، فإن أصعب خبث هو خبث المرأة فهي لضعفها تدبر بخبث، هي تلجأ للحيلة لا للمواجهة. وهناك نساء تستدرج الرجال بسبب الشهوة ثم يذلون الرجل ويقضوا عليه، ولكن هذا أيضاً لا يحدث إلاّ لرجل خاطئ إنجذب من شهوته. لذلك إستخدمت الدول النساء كجواسيس ناجحات. وكل نائبة (مصيبة) ولا النائبة من المبغضين= فالمصيبة التي تدبرها المرأة التي تبغض هي أصعب مصيبة بل يشبه الخبث والإنتقام من المرأة برأس الحية بما فيها من سم (22) والخبيثة الغاضبة يغير شكل المرأة إلى لون أسود. وهذه تحزن رجلها (25). والحكيم هنا يقول يا ليت الخاطئ يكون نصيبه إمرأة كهذه ليتأدب= لتقع قرعة الخاطئ عليها. وفي (27) فكما أن الرجل الشيخ يجد صعوبة كبيرة في تسلق تل من الرمل. هكذا يجد الرجل الهادئ صعوبة في معاشرة إمرأة خبيثة اللسان. وهنا يعطي الحكيم نصيحة للرجل أن لا ينجذب لمرأة بسبب جمالها:- [1] الجمال ليس عيباً ولكن فليسأل الرجل نفسه إن أراد الزواج.. ماذا عن عقل المرأة؟ وماذا عن علاقتها بالله؟ لئلا تكون من هذا النوع الخبيث [2] إن إنجذب لشهوته لإمرأة جميلة لفعل الخطية فليحذر من الخبث والفضائح والمصائب التي سيقع فيها، طبعاً بالإضافة لغضب الله، ولكن بسبب غضب الله سيتركه الله لهذه المصائب ليتأدب.

آيات (29،30) غضب ووقاحة.. المرأة التي تتسلط على زوجها أي التي تنفق عليه لأنه لا يعمل وهذا ضد الطبيعة، فبدلاً من أن يعول الرجل إمرأته تعوله هي فتتسلط عليه وتعطي لنفسها الحق أن تغضب عليه وتعامله بوقاحة وهذا فضيحة عظيمة. وهذا يصيب الرجل بذلة للقلب.. (31) بل يصل الرجل من ألمه النفسي لتراخ لليدين وتخلع للركبتين (32). وآية (33) إشارة لحواء. ويشبه الحكيم المرأة الشريرة بخزان ماء لو سمحت بأن يوجد فيه فتحة فسيتدفق منها كل ما فيه، هكذا لا تسمح للمرأة المعروف شرها وخبثها بفرصة حتى لا يخرج من فمها سيل من الكلام الجارح والأخطاء= مثلاً لا تسمح لها بأن تنفق عليك فلا يكون لها سلطان عليك. فإن لم يَكُنْ للرجل سلطان على إمرأته ستخزيه أمام أعداءه. وإذا لم يستطع الرجل السيطرة على إمرأته فليطلقها= إقطعها عن جسدك.

ملحوظة: الآية الأخيرة كانت في العهد القديم حيث كان الطلاق مسموحاً به. أما العهد الجديد حيث إنسكب الروح القدس، فالروح يرشد بالصلاة كلا الرجل والمرأة للإختيار الصالح وبالتالي لا يسمح بالطلاق. وشريعة العهد الجديد موضوعة لأناس مملوئين من الروح القدس. أما الذين أطفأوا الروح القدس وإختاروا شريكاً لحياتهم بحسب شهواتهم (مال/ جمال/ مراكز..) ولم يسمعوا لصوت الروح القدس، فهؤلاء يقعون في تجارب متنوعة وكثيرة.


 

الإصحاح السادس والعشرون

الآيات (1-9): "1 رجل المرأة الصالحة مغبوط وعدد أيامه مضاعف. 2 المرأة الفاضلة تسر رجلها وتجعله يقضي سنيه بالسلام. 3 المرأة الصالحة نصيب صالح تمنح حظا لمن يتقي الرب. 4 فيكون قلبه جذلا ووجهه بهجا كل حين غنيا كان أم فقيرا. 5 ثلاث خاف منهن قلبي وعلى الرابعة ابتهلت بوجهي. 6 شكاية المدينة وتألب الجمع. 7 والبهتان كل ذلك اثقل من الموت. 8 لكن المرأة الغائرة من المرأة وجع قلب ونوح. 9 ولسانها سوط يصيب الجميع."

هنا الحديث عن المرأة الصالحة، مغبوط هو رجلها، هي تجعله يعيش سعيداً فتزداد أيامه، ويقضي سنيه بالسلام، هي نصيب صالح للرجل التقي= تُمنح حظاً لمن يتقي الرب فيفرح بها ولذلك تطول أيامه. ثلاث خاف منهن قلبي وعلي الرابعة إبتهلت=الأسلوب العبري في التعبير (راجع الإصحاح السابق آية9) والثلاث هم [1] شكاية المدينة وفي ترجمة أخرى "إفتراء المدينة" أي هيجان في المدينة يخشى الإنسان على نفسه من القتل [2] تألب الجميع= يقوم الناس جميعهم ضد الإنسان [3] البهتان أي الكذب والغش والظلم. كل ذلك أثقل من الموت. والرابعة وهي الأسوأ من الثلاث (وهذا معنى التعبير اليهودي ثلاث والرابعة) المرأة الغائرة من المرأة= أي المرأة الغيورة من إمرأة أخرى، فهذه بسبب كثرة شكاويها وبكائها= وجع قلب ونوح (حزن لزوجها) نوح= مترجمة حزن وهي أوقع هكذا. ولسانها سوطٌ يصيب الجميع= لا تكف عن رشق الجميع بشتائمها وإفتراءاتها عليهم بسبب غيرتها. بل وتحيك المؤامرات ضد من تغير منها فتسبب مشاكل لا نهاية لها لزوجها. ولاحظ أن القاسم المشترك للأربعة هو اللسان، وأشرهم غيرة المرأة.

 

الآيات (10-15): "10 المرأة الشريرة نير قلق ومثل متخذها مثل من يمسك عقربا. 11 المرأة السكيرة سخط عظيم وفضيحتها لا تستر. 12 زنى المرأة في طموح البصر ويعرف من جفنيها. 13 واظب على مراقبة البنت القليلة الحياء لئلا تجد فرصة فتبذل نفسها. 14 تنبه لطرفها الوقح ولا تعجب إذا عقتك. 15 تفتح فمها كالمسافر العطشان وتشرب من كل ماء صادفته وتجلس عند كل جذع وتفتح الكنانة تجاه كل سهم."

بداية فساد المرأة عدم قناعتها بما قسم الله لها، فتبدأ تنظر للعالم بشهوة تدفعها لأن تبيع شرفها لتحصل على ما تريده= زنى المرأة في طموح البصر= لذلك لابد من مراقبة البنات والنساء خصوصاً من يبدو عليهن قلة الحياء. عموماً المرأة الشريرة نير= فالنير هو خشبة تربط بين حيوانين يجران محراث مثلاً. وهنا الإرتباط بمرأة شريرة كما يرتبط بعقرب. والسكيرة فضيحة لزوجها وعائلتها. تنبه لطرفها الوقح ولا تعجب إذا عَقَّتْكَ= في ترجمة أخرى "إذا قادتك للخطية". فمن لها العين الوقحة ستجذب الأبرياء للخطية، ولا تتعجب من هذا. بل هي ستعطي نفسها لأي إنسان (15).

 

الآيات (16-24): "16 لطف المرأة ينعم رجلها. 17 وأدبها يسمن عظامه. 18 المرأة المحبة للصمت عطية من الرب والنفس المتأدبة لا يستبدل بها. 19 المرأة الحيية نعمة على نعمة. 20 والنفس العفيفة لا قيمة توازنها. 21 الشمس تشرق في على الرب وجمال المرأة الصالحة في عالم بيتها. 22 السراج يضيء على المنارة المقدسة وحسن الوجه على القامة الرزينة. 23 العمد من الذهب تقوم على قواعد من الفضة والساقان الجميلتان على أخمصي ذات الوقار. 24 الأسس على الصخر تثبت إلى الأبد ووصايا الرب في قلب المرأة الطاهرة."

العكس فالمرأة اللطيفة المؤدبة نعيم لزوجها، وكذلك المحبة للصمت والتي ليست ثرثارة. وكذلك الحيية= من لها حياء، هي نعمة على نعمة. وهكذا النفس العفيفة= التي أشبعها الله فرحاً وقداسة، فلا تطمع وتشتهي الأرضيات. مثل هذه المرأة هي نور في بيتها كما الشمس في أعالي السماء. في عالم بيتها= جاءت في ترجمة أخرى "في بيتها المرتب". ثم يستعير الحكيم صورة من خيمة الإجتماع فكما أن المنارة داخل الخيمة لها قنديل منير على رأسها كذلك المرأة لها وجه حسن على قامة رزينة. والمقصود بالوجه الحسن ليس جمال الوجه فقط، بل الوجه المملوء نعمة وسلام الله مطبوع فيه "إرفع علينا نور وجهك يا رب" (مز6:4) وفي السبعينية جاءت الترجمة لهذا المزمور هكذا "قد أضاء (إرتسم) علينا نور وجهك يا رب". ولكن على من يرتسم نور وجه الله، على من لها قامة رزينة أي تسير بثبات في مخافة الله، بعفاف وتقوى. ويشبهها بتشبيه آخر من داخل الخيمة بأنها كأعمدة ذهبية تقوم على قواعد من الفضة= فهي عمود في بيتها، لا يستقيم البيت بغير وجودها، وهي ذهبية أي لها حياة سمائية. وتقوم على قواعد فضية. فما تسير عليه هو كلمة الله توجهها فالفضة رمز لكلمة الله (مز6:12). وهي لذلك لها ساقان جميلتان لأن كلمة الله كانت سراج لرجلها (مز105:119). "حاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام" (أف15:6) على أخمصي ذات الوقار= على عقبين يحركهم الوقار الناشئ من كلمة الله.

 

الآيات (25-28): "25 اثنان يحزن لهما قلبي والثالث يأخذني عليه الغضب. 26 رجل الحرب إذا أعجزته الفاقة والرجال العقلاء إذا أهينوا. 27 أما من ارتد عن البر إلى الخطيئة فالرب يستبقيه للسيف. 28 قلما يتخلص التاجر من الإثم والخمار لا يتزكى من الخطيئة."

إثنان.. والثالث= الأسلوب العبري للتعبير عن كمال الشئ، وهو هنا ما يحزن الحكيم [1] رجل الحرب إذا أعجزته الفاقة= فالشجاع الذي حارب في سبيل وطنه من المحزن أن ينحدر به الحال ويفتقر وتنساه البلد الذي دافع عنها [2] الرجال العقلاء إذا أهينوا= حينما لا يقدر الناس حكمتهم. [3] والأسوأ هو إرتداد البار للخطيئة فهذا مصيره الهلاك المعبر عنه هنا بالسيف. قلَّما يتخلص التاجر من الإثم (الغش والتحايل). فالمكسب السريع يغري التاجر بالإستمرار في الغش. والخّمار= أي البائع، وهذا يتحايل في الميزان، والله منع شعبه من إستخدام موازين غش أي موازين للبيع وأخرى للشراء (تث13:25-16 + لا36:19 + أم1:11).


 

الإصحاح السابع والعشرون

الآيات (1-4): "1 كثيرون خطئوا لأجل عرض الدنيا والذي يطلب الغنى يغضي طرفه. 2 بين الحجارة المتضامة يغرز الوتد وبين البيع والشراء تنشب الخطيئة. 3 وسيسحق الإثم مع الأثيم. 4من لم يحرص على الثبات في مخافة الرب يهدم بيته سريعا."

إستمراراً للآية السابقة يحذر الحكيم من الغش، وفي (1) يقول أن هناك من يخطئ أي يغش ويتصرف بدون أمانة لأجل عرض الدنيا= إكتناز أموال أكثر. فهو لأجل الغِنَى يغضي طرفه= أي يدير نظره كأنه لا يرى أن خطأ ما يحدث، بل قد يبرره. ويشبه الحكيم هنا أنه من السهل في عمليات البيع والشراء أن تدخل خطية الطمع والغش لزيادة الثراء، كما أنه من السهل أن يغرز الوتد بين الحجارة المتضامة. والنتيجة أن الله سيسحق الإثم مع الأثيم. والغشاش يُهدم بيته سريعاً.

 

الآيات (5-8): "5 عند هز الغربال يبقى الزبل كذلك كساحة الإنسان عند تفكره. 6 آنية الخزاف تختبر بالأتون والإنسان يمتحن بحديثه. 7 حراثة الشجر تظهر من ثمرها كذلك تفكر قلب الإنسان يظهر من كلامه. 8 لا تمدح رجلا قبل أن يتكلم فانه بهذا يمتحن الناس."

هذه عن أن كلام الناس يظهر معدنهم. في (5) عند هز الغربال يبقي الزبل أي القذارة وكذلك كساحة الإنسان أي عيوبه تظهر عند تفكره أي حينما تثيره فيفكر ثم يتكلم. أما الغربال الذي لا يهزه أحد فلا يبدو فيه سوى الحبوب أما الزبل فهو مختفي. وكذلك لن تظهر جودة إناء خزفي قبل أن يخرج من الفرن. ولن نعرف ثمار الحديقة، من أي نوع هي قبل أن تظهر الثمار، وسنعرف هل قام الفلاح بحرثها جيداً أم لا. لذلك لا تحكم على رجل قبل أن يتكلم.

 

الآيات (9-16): "9 إذا تعقبت العدل فانك تدركه وتلبسه حلة مجد وتسكن معه فيصونك إلى الأبد وفي يوم الافتقاد تجد سندا. 10 الطيور تأوي إلى أشكالها والحق يعود إلى العاملين به. 11 الأسد يكمن للفريسة كذلك الخطايا تكمن لفاعلي الإثم. 12 حديث التقي في كل حين حكمة أما الجاهل فيتغير كالقمر. 13 بين السفهاء ترقب الفرصة وبين العقلاء كن مواظبا. 14 حديث الحمقى مكروه وضحكهم في ملذات الخطيئة. 15 محادثة الحلاف تقف الشعر ومخاصمته سد الأذان. 16 مخاصمة المتكبرين سفك الدماء ومشاتمتهم سماع ثقيل."

آيات (9-11) تتلخص فيما قاله عوبديا "ما فعلته يفعل بك، عملك يرتد على رأسك" (عو15) فمن يحكم بالحق ويتبع الحق يُحكم له بالحق، كذلك من يسير في طريق الخطية، سيأتي عليه يوماً وترتد عليه، كأن أسداً كان كامناً ثم هاجمه. فمن يسير وراء العدل فإنك تدركه= سيُحكم لك أنت يوماً بالعدل وتلبسه حلة مجد= يشتهر عنك أنك عادل وهذا يكون مجداً لك. و(10) مثل المثل المعروف "الطيور على أشكالها تقع" فالعادل لا يجد في طريقه سوى من هم مثله. والخاطي لن يجد في طريقه سوى من هم مثله، ومن وضع نفسه في طريق الخطية لا يلومن إلاّ نفسه، فمن ضمن الأشرار أناس متوحشين كالأسود سيفترسونه، بل الشيطان الذي هو كأسد زائر سيلتهم من إبتعد عن الله ففقد الحماية الإلهية (1بط8:5)

وفي (12) حديث التقي في كل حين حكمة= فهو مستقر في كلامه، فكلامه هو صدي لكلام الله في كتابه المقدس، أمّا الجاهل فهو متلون متغير مثل القمر الذي يغير شكله كل يوم.

وفي (13) بين السفهاء ترقب الفرصة= إمّا أنهم مستعدون لكلمة عقل يسمعونها أو لتهرب تاركاً مجلس المستهزئين. والعكس حين تجد عقلاء عاشرهم فتستفيد منهم.

وفي (15) محادثة الحلاّف تُقِف الشعر= لأنه يستعمل إسم الله بتهاون وربما في الكذب. وربما في السخرية، وهذا مرعب يوقف الشعر، والأفضل أن تخاصمه وتسد أذنيك عما يقول. وفي (16) المتكبرين إذا تخاصموا فلا يهدأوا إلاّ إذا وصل الأمر لسفك الدماء، وشتائمهم قبيحة. والأفضل أن نتحاشى العقاب مع هؤلاء. أما المتواضعين فيسهل عليهم الإعتذار وتنتهي المشكلة بهذا.

 

الآيات (17-24): "17 الذي يفشي الأسرار يهدم الثقة ولا يجد صديقا لنفسه. 18 أحبب الصديق وكن معه أمينا. 19 لكن أن أفشيت أسراره فلا تطلبه من بعد. 20 فان من اتلف صداقة القريب كان بمنزلة من اتلف عدوه. 21 ومثل تسريحك للقريب مثل إطلاقك طائرا من يدك فلا تعود تصطاده. 22 لا تطلبه فانه قد ابتعد وفر كالظبي من الفخ. 23 أن الجرح له ضماد والمشاتمة بعدها صلح. 24 أما الذي يفشي الأسرار فشانه اليأس."

هذه عن إفشاء الأسرار، فمن يفشى سر صديق له يخسره، بل يحوله إلى عدو له ويصعب أن يستعيده كصديق مرة أخرى. فالجرح له حل هو الضمادات. وإذا تشاتمت مع صديقك وإعتذرت تنتهي المشكلة أما لو أفشيت سره فإستعادته كصديق أمر ميئوس منه= فشأنه اليأس وفي (20) كان بمنزلة من أتلف عدوه= فالصديق تحول إلى عدو.

 

الآيات (25-33): "25 الغامز بالعين يختلق الشرور وليس من يتجنبه. 26 أمام عينيك يحلو بفمه ويستحسن كلامك ثم يقلب منطقه ومن كلامك يلقي أمامك معثرة. 27 قد أبغضت أمورا كثيرة ولكن لا كبغضي له والرب سيبغضه. 28 من رمى حجرا إلى فوق فقد رماه على رأسه والضربة بالمكر تجرح الماكر. 29 من حفر حفرة سقط فيها ومن نصب شركا اصطيد به. 30 من صنع المساوئ فعليه تنقلب ولا يشعر من أين تقع عليه. 31الاستهزاء والتعيير شان المتكبرين والانتقام يكمن لهم مثل الأسد. 32 الشامتون بسقوط الأتقياء يصطادون بالشرك والوجع يفنيهم قبل موتهم. 33 الحقد والغضب كلاهما رجس والرجل الخاطئ متمسك بهما."

آيات (25-27) هذه عن إنسان خبيث= الغامز بالعين= هو يبتسم في وجهك ولكنه يغمز بعينيه لآخر ليدبر لك شراً، إنسان مرائي مثل يهوذا، هذا يختلق الشرور ضد الإنسان وليس من يتجنبه= لكن الله يحمي من أذاه، إذ أنت لا تعرف من أين يأتي أذاه. هو يتركك تتكلم بحريتك إذ أظهر صداقته لك، ثم يصطادك من كلامك. مثل هذا يبغضه الله والناس.

وآيات (28-30) إستمراراً للحديث عن الخبيث يقول ما معناه إن عمله سيرتد على رأسه (عو15). مثال لذلك (هامان). وبنفس المفهوم في (31) فإن الإستهزاء والتعيير هذا هو أسلوب المتكبرين، وسيعاملهم الآخرين بالمثل. فالإنتقام يكمن لهم مثل الأسد. وفي (32) الذي يشمت بأن أحد الأتقياء سقط في شرك سيصطاد هو نفسه بالشرك نفسه وسيفنى بالوجع. وفي (30) الحقد والغضب من أدوات الشر، والله يكرههما.


 

الإصحاح الثامن والعشرون

الآيات (1-9): "1 من انتقم يدركه الانتقام من لدن الرب ويترقب الرب خطاياه. 2 اغفر لقريبك ظلمه لك فإذا تضرعت تمحى خطاياك. 3 أيحقد إنسان على إنسان ثم يلتمس من الرب الشفاء. 4 أم لا يرحم إنساناً مثله ثم يستغفر عن خطاياه. 5 أن امسك الحقد وهو بشر فمن يكفر خطاياه. 6 اذكر أواخرك واكفف عن العداوة. 7 اذكر الفساد والموت واثبت على الوصايا. 8اذكر الوصايا ولا تحقد على القريب. 9 اذكر ميثاق العلي وأغض عن الجهالة."

هذه تعاليم السيد المسيح [1] إغفر ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً (مت12:6،14،15) [2] السيد الذي سامح عبده في 10.000وزنة ورفض العبد أن يسامح سيده في 100دينار (مت21:18-35) وتعليم بولس الرسول "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء.. " (رو19:12). وفي (6) أذكر أواخرك وأكفف عن العداوة= أذكر أن الله لن يغفر لك إذا لم تغفر فماذا تفعل يوم الدينونة. وفي (9) أذكر ميثاق العلي وأغضِ عن الجهالة= في ترجمة أخرى "الإهانة" حين يتصرف معك أحد بجهل.

 

الآيات (10-14): "10 امسك عن النزاع فتقلل الخطايا. 11 فان الإنسان الغضوب يضرم النزاع والرجل الخاطئ يبلبل الأصدقاء ويلقي الشقاق بين المسالمين. 12 بحسب الحطب تضطرم النار وبحسب قوة الإنسان يكون غيظه وبحسب غناه يثير غضبه وبحسب شدة النزاع يستشيط. 13 الخصومة عن عجلة تضرم النار والنزاع عن عجلة يسفك الدم.         14إذا نفخت في شرارة اضطرمت وإذا تفلت عليها انطفأت وكلاهما من فمك."

دعوة للإبتعاد عن النزاع والخصومات. فإذا بدأ إنسان نزاعاً لا يدري إلى أي مدى يصل هذا النزاع، فهو يضرم ناراً ويسعى لسفك الدم (13). أما لو تحاشي النزاع بكلام وديع ومتواضع يقلل الخطايا. فمن نفس الفم ينطلق كلام يهدئ النار وكلام يشعل النار= إذا نفخت في شرارة إضطرمت وإذا تفلت عليها إنطفأت وكلاهما من فمك. لذلك فالإنسان الغضوب يُضرم النزاع بكلامه الذي يثير الناس فيشتعل الموقف. عموماً فالمتواضع هو الذي يستطيع أن يهدئ الأمور، أما المتكبر فيهيج المواقف، لذلك فالقوي جسمانياً والغنى لا يعرفان كيف يهدئا الأمور فهما لهما حطب كثيرة (قوة ومال) يشعلان بهما النار (12).

الخصومة عن عجلة= أي التسرع في الفهم أو التسرع في الرد، أما الهدوء فيهدئ الأمور.

 

الآيات (15-22): "15 النمام وذو اللسانين أهل للعنة لإهلاكهما كثيرين من أهل المسالمة. 16 اللسان الثالث اقلق كثيرين وبددهم من أمة إلى أمة. 17 وهدم مدنا محصنة وخرب بيوت العظماء. 18 وكسر جيوش الشعوب وأفنى أمما ذات اقتدار. 19 اللسان الثالث طرد نساء فاضلات وسلبهن أتعابهن. 20 من أصغى إليه لا يجد راحة ولا يسكن مطمئنا. 21ضربة السوط تبقي حبطا وضربة اللسان تحطم العظام. 22 كثيرون سقطوا بحد السيف لكنهم ليسوا كالساقطين بحد اللسان."

هذه عن خطايا اللسان [1] النمام= من يدين الآخرين أمام الناس [2] ذو اللسانين= هو من يتكلم مع كل شخص بكلام مختلف، مثلاً يأتي لرجل ويؤيده ضد خصمه، ثم يذهب للخصم ويؤيده ضد الرجل الأول، يقول لكلاهما أن موقفه سليم والآخر خطأ [3] ذو اللسان الثالث هو المفتري كذباً وظلماً، فيشهر كذباً بشخص ويذكر عليه تهم وأخطاء لم يفعلها.

فالنمام وذو اللسانين= بسبب وشاياتهم تصارع كثيرين وأهلكوا بعضهم، مع أنهم كانوا في سلام لذلك فالله سيلعن هؤلاء. أما المفترين والذين يشيعون كذباً فكم بددوا مدناً. بل حينما يثيرون أخباراً كاذبة على نساء فاضلات فإنهم يخربون بيوتهن، بل قد يقتلهن أزواجهن. ولاحظ أنه كما أن ضربة السوط تترك علامات في جسد الإنسان= حبطاً. هكذا ضربة اللسان تحطم العظام= هذه ألامها أعمق وتصل للعظام. بل أن من سقطوا بحد السيف مصيبتهم أهون ممن سقطوا بحد اللسان، والسبب أن من سقط بحد السيف تنتهي مشكلته عند موته، أما من سقط بحد اللسان تسوء سمعته لأجيال بعد موته.

 

الآيات (23-30): "23 طوبى لمن وقي شره ولم يعرض على غضبه ولم يحمل نيره ولم يوثق بقيوده. 24فان نيره نير من حديد وقيوده قيود من نحاس. 25 الموت به موت قاس والجحيم انفع منه. 26 لكنه لا يتسلط على الأتقياء ولا هم يحترقون بلهيبه. 27 بل الذين يتركون الرب يقعون تحت سلطانه فيشتعل فيهم ولا ينطفئ يطلق عليهم كالأسد ويفترسهم كالنمر. 28 سيج ملكك بالشوك. 29 احبس فضتك وذهبك واجعل لكلامك ميزانا ومعيارا ولفمك بابا ومزلاجا. 30 وأحذر أن تزل به فتسقط أمام الكامن لك."

هذا اللسان الشرير على كل إنسان أن يتقيه= طوبى لمن وُقِى شره ولم يُعرض على غضبه (يتعرض لغضبه) ولم يحمل نيره= لم يرتبط معه. ولم يوثق بقيوده= طوبى للإنسان الذي تعف إذناه عن السماع للوشايات. إن أتاك أحد وقال.. هل تعرف ماذا حدث من فلان.. قل لا أريد أن أعرف.. فإن الإرتباط مع هؤلاء، أو الإهتمام بالوشايات يجعل الإنسان أسيراً لها، يحب أن يسمع كل ما هو جديد منها. يتعرض لغضبه= حين يغضب هذا اللسان الشرير فهو إمّا يذيع أخباراً عن الناس أو يشتم ويهين الناس. لذلك فتحاشى غضب هذا الإنسان بحكمتك، بل تحاشى معاشرته ولا ترتبط معه بنير. الموت به= يقصد الموت الأدبي أي ضياع سمعه الإنسان، لأنه قال أن الموت به موت قاسٍ والجحيم أنفع منه= فالجحيم هو مكان الموت الجسدي. أما الأتقياء لا يتسلط عليهم [1] هو لا يرتبطون مع الأشرار بنير [2] هو يرفضون سماع الوشايات [3] يتعاملون بتواضع إذا أهانهم صاحب اللسان الشرير [4] لا يتكلم كثيراً أمام الشرير فيتصيد عليه كلمة. ويشبه صاحب اللسان الشرير بالأسد والنمر في إفتراس سمعة الناس. ويطلب أن نسيج حولنا بالشوك أي لا نُعطيه فرصة لإقتحام حياتنا، حتى إذا شتمنا فلا ندخل الغضب إلى داخلنا فيفترس سلامنا.


 

الإصحاح التاسع والعشرون

الآيات (1-10): "1 الذي يصنع رحمة يقرض القريب والسخي اليد يحفظ الوصايا. 2 اقرض القريب في وقت حاجته واقضه ما له عليك في اجله. 3 حقق ما نطقت به وكن أمينا معه فتنال في كل حين بغيتك. 4 كثيرون حسبوا القرض لقطة فعنوا الذين أمدوهم. 5 قبل أن يقبض يقبل اليد ويخشع بصوته حتى ينال مال القريب. 6 فإذا أن الرد ماطل ونطق بكلام مضجر وشكا صرف الدهر. 7 أن كان الرد في طاقته لم يكد يرد النصف ويحسب ما رده لقطة. 8وإلا فيسلبه أمواله ويتخذه عدوا بلا سبب. 9 يجزيه اللعنة والشتيمة وبدل الإكرام يكافئه الإهانة. 10 كثيرون امسكوا لأجل خبث الناس مخافة أن يسلبوا بغير سبب."

موضوعها كن رحيماً، وإقِرض المحتاج. وكن أميناً فإذا إستدنت فأرجع ما إستدنته. وهنا نميز بين العطاء لفقير، هذا تعطيه دون إنتظار الرد. ولكن مع الغني الذي تقرضه لأجل التجارة، فهذا لابد أن يعيد ما أخذه، هذه هي الأمانة.

السخي اليد يحفظ الوصايا= فوصية الله أن نعطي المحتاج. إقضه ما له عليك في أجله= إن إستدنت إوفِ ما عليك في الموعد المحدد ولا تتوانى. فتنال في كل حين بغيتك= لن يتردد أحد في أن يعطيك في أي وقت ما تحتاجه فسمعتك حسنة. بل الله يبارك لك.

كثيرون حَسِبوا القرض لقطة= أي بلا صاحب عليهم أن يعيدوا له أمواله. فعنوا= أتعبوا صاحب المال وجعلوه في عناء. ولاحظ خبث هؤلاء، فهم يقبلون اليد ليحصلوا على القرض.

ويخشع بصوته. وحين يأتي وقت رد القرض يماطل، ويشتكي كذباً. صرف الدهر= أي أن الدهر صرف وجهه عنه، وهو لا يملك شئ يرد به القرض. وإن رد يرد جزء ويماطل في الباقي= لم يكد يرد النصف. والمقرض يحسب ما ردَّه لقطة= إذا حصل صاحب المال على نصف ماله يحسب ما حصل عليه لقطة (جيد أن حصل على شئ). أو يكون المعنى أن المقترض حين رد النصف يكون شاعراً بأنه منَّ على صاحب المال بما إعتبره لقطة له اي أموالاً وجدها وصارت له (وهذا الأقرب للتصور). والبديل لرد جزء من المال لصاحبه، أن لا يرد شئ أبداً ويسلب الأموال ويصير صاحب المال عدواً بلا سبب. بل بدلاً من أن يكافئ من أقرضه ويكرمه يبدأ يشتمه. لذلك فكثيرين إمتنعوا عن أن يقرضوا أحداً مخافة أن يُسلَبوا بغير سبب.

 

الآيات (11-18): "11 مع ذلك كن طويل الأناة على البائس ولا تماطله في الصدقة. 12 لأجل الوصية اعن المسكين وفي عوزه لا تردده فارغا. 13 اتلف فضتك على أخيك وصديقك ولا تدعها تصدا تحت الحجر وتتلف. 14 انفق ذخيرتك بحسب وصايا العلي فتنفعك اكثر من الذهب. 15 اغلق على الصدقة في اخاديرك فهي تنقذك من كل شر. 16 . . .. 17 . . .. 18 تقاتل عنك عدوك اكثر من ترس البأس ورمح الحماسة."

هنا على العطاء والصدقة للمسكين= لا تماطله في الصدقة= وأنت تملك لا ترده فارغاً. فهذه وصية الله (تث7:15-11). أتلف فضتك على المحتاج والأخ والصديق أفضل من أن تكنزها وتصدأ. وهذا يعود عليك بالبركة من الله، وبذلك تنفعك أكثر من الذهب بل تقاتل عنك عدوك. والسبب أن الله لا يبقي مديوناً فإن أعطيت الفقير فأنك تعطي الله، والله هو الذي يعطيك.

 

الآيات (19-27): "19 الرجل الصالح يكفل القريب والذي فقد كل حياء يخذله. 20 لا تنس نعم الكافل فانه بذل نفسه لأجلك. 21 الخاطئ يهرب من كافله واللئيم الروح يخذله. 22 الخاطئ يدمر خيرات الكافل وجاحد الجميل يخذل مخلصه. 23 من الناس من يكفل قريبه لكنه يفقد كل حياء فيخذله. 24 كثيرون كانوا في نجح فأهلكتهم الكفالة وأقلقتهم كأمواج البحر. 25ألجات رجالا مقتدرين إلى المهاجرة فتاهوا بين أمم غريبة. 26 الخاطئ الذي يتهافت على الكفالة ويصبو إلى المعاملات يقع تحت الأقضية. 27 امدد قريبك بقدر طاقتك وأحذر على نفسك أن تسقط."

هذه عن الكفالة أي أن يضمن إنسان مقتدر، إنسان آخر في ضيقته، يسدد عنه أو يقرضه حتى يسدد هو. لكن هذا الأمر يحتاج لحكمة كبيرة. فعلينا أن نساعد المحتاج الذي في ضيقة على أن  لا نتعرض نحن للفقر. آية (19) يجب أن نكفل المحتاج، أما من يخذله فقد فَقَدَ كل حياء آية (20) هذه لمن قبل الكفالة، وهذا عليه أن لا ينسى جميل من كفله. وفي (21) الخاطئ اللئيم من يهرب من كافله ولا يرد ما عليه إذا ما طالبه صاحب المال بالرد. وفي (22) الخاطئ يرى من كفله يخرب ويفتقر ولا يهتم بأن يعيد ما عليه، مثل هذا الذي يخذل من كفله هو فاقد لكل حياء (23). وفي (24) كثيرون كانوا في نجح= أي نجاح أي حالهم ميسور والكفالة جعلتهم يهربون. والخاطئ الذي يفعل هذا في من كفله سيدينه الله= يقع تحت الأقضية= إمّا هنا على الأرض أو في السماء. لذلك كله يلخص الحكيم الموضوع في آية (27) أمدد قريبك بقدر طاقتك وأحذر على نفسك أن تسقط (تفتقر) (راجع أم1:6-5).

 

الآيات (28-35): "28 راس المعيشة الماء والخبز واللباس والبيت الساتر للسوءة. 29 عيش الفقير تحت سقف من ألواح خير من الأطعمة الفاخرة في دار الغربة. 30 ارض بالقليل والكثير فلا تسمع تعييرا في أمر البيت. 31 بئس حياة الإنسان من بيت إلى بيت وحيثما ضاف لم يفتح فاه. 32 تطعم وتسقي جاحدين لجميلك وأنت ضيفهم ووراء ذلك تسمع أقوالا مرة. 33 أن قم يا ضيف جهز المائدة وان كان بيدك شيء فأطعمني. 34 انصرف يا ضيف من أمام شخص كريم أن أخا لي يتضيفني فأنا محتاج إلى البيت. 35 أمران يستثقلهما الإنسان الفطن الانتهار في أمر البيت وتعيير المقرض."

هذه عن أن يكتفي الإنسان بالقليل الذي عنده، هذا خيرٌ من التطفل على الأغنياء. رأس المعيشه= ما يحتاجه الإنسان ليعيش الماء والخبز واللباس والبيت الذي يستره. فإذا وُجِدَ هذا القليل فهذا أفضل من التطفل ليعيش الإنسان في بيت غني من أطعمته الفاخرة. فالغنى الذي تذهب إليه لابد وسيعيريك= يهينك. بئس حياة الإنسان المتنقل من بيت إلى بيت. وحيثما ضاف (أستضافوه) لم يفتح فاه= مهما أهين لا يستطيع أن يرد. بل يسمعونه أقوالاً مُرّه بينما هو يخدم أصحاب البيت= تُطِعم وتسقى. وهم جاحدين لجميلك. بل يعطون أوامر في كبرياء أن قم يا ضيف جهز المائدة. وإن كان في يدك طعام يأخذه= إن كان بيدك شئ فأطعمني. وإذا جاء لهم ضيف غني مثلهم طردوا الفقير= إنصرف يا ضيف من أمام شخص كريم. ويلخص الحكيم الأمر، في أن الإنسان الفطن يستثفل الوجود في بيت غرباء والإنتهار منهم وأيضاً أن يعيره من أقرضه.


 

الإصحاح الثلاثون

الآيات (1-13): "1 من احب ابنه اكثر من ضربه لكي يسر في أخرته. 2 من أدب ابنه يجتني ثمر تأديبه ويفتخر به بين الوجهاء. 3 من علم ابنه يغير عدوه ويبتهج به أمام أصدقائه. 4 إذا توفى أبوه فكأنه لم يمت لأنه خلف من هو نظيره. 5 في حياته رأى وفرح وعند وفاته لم يحزن. 6 خلف منتقما من الأعداء ومكافئا للأصدقاء بالجميل. 7 من دلل ابنه فسيضمد جراحه وعند كل صراخ تضطرب أحشاءه. 8 الفرس الذي لم يرض يصير جموحا والابن الذي لم يضبط يصير سفيها. 9 أن دللت ابنك روعك وان لاعبته حزنك. 10 لا تضاحكه لئلا يغمك وفي أواخرك يأخذك صريف الأسنان. 11 لا تجعل له سلطانا في صبائه ولا تهمل جهالاته. 12 احن رقبته في صبائه وأرضض أضلاعه ما دام صغيرا لئلا يتصلب فيعصيك فيأخذك وجع القلب. 13 أدب ابنك واجتهد في تهذيبه لئلا يسقط فيما يخجلك."

هذه عن تأديب الأبناء، والإهتمام بهذا حتى لو ضرب الأبناء (1) ومن يؤدب أبناءه سيجني ثمرة حلوة. وتأديب الأبناء ليس بالعصا فقط بل بالحزم والتوجيه. لذلك يقول بولس الرسول "لا تغيظوا أولادكم" (أف4:6). من عَلَّمَ إبنه يغير عدوه= العدو يريد أن يشمت في الأب، فإن أدب إبنه وكان ناجحاً لن يعطي فرصة لعدوه ليشمت فيه. إذا مات الأب ترك رجلاً مكانه (4). خلف منتقماً من الأعداء= هذه كانت تصلح أيام الحروب ضد أعداء الوطن ومازالت إن وُجِد أعداء للوطن، فأعدائنا الآن هم إبليس والخطية والجسد بشهواته الخاطئة. وهذا الإبن الصالح يرد الجميل لأصدقاء الأب. وفي آية (7) يرسم صورة للأب الذي يؤدب إبنه بعصا فيجرحه ثم يدلله بتضميد جروحه. وعندما يصرخ تضطرب أحشاء الأب والمعنى التأديب برفق وبمحبة وليس كإنتقام حتى لا يفشل الولد (كو21:3). والإبن الذي لا يؤدب يكون سفيهاً. والإبن المدلل يروع ويحزن أبيه. لا تضاحكه= المقصود لا تضحك له حينما يخطئ فيزداد في أخطائه. صريف الأسنان= أي جز الأسنان من الغيظ. وفي (11،12) أهمية تأديب الولد في الصغر فيشب على الأدب الصحيح، فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر، أما التعليم في الكبر فالنقش على الماء أي بلا فائدة، لن يترك أثر".

 

الآيات (14-21): "14 فقير ذو عافية وصحيح البنية خير من غني منهوك بالأسقام. 15 العافية وصحة البنية خير من كل الذهب وقوة الجسم افضل من نشب لا يحصى. 16 لا غنى خير من عافية الجسم ولا سرور يفوق فرح القلب. 17 الموت افضل من الحياة المرة أو السقم الملازم. 18 الخيرات المسكوبة على فم مغلق كالأطعمة الموضوعة على قبر. 19 أي منفعة للصنم بالقربان فانه لا يأكل ولا يشم. 20 هكذا من يرهقه الرب ويجازيه على آثامه. 21 يرى بعينيه ويتنهد كالخصي الذي يعانق عذراء ثم يتنهد."

أهمية الصحة الجسدية. وهنا تقال كلمة. فالصحة هي وزنة علينا أن لا نهملها، لكن إذا سمح الله بتجربة في الجسد فلنِسلم الأمر لله، فإن من تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط1:4) فالصحة أفضل من الغنى. ومن نَشبٍ لا يحصي= أي ثروة لا تقدر. وفي (18،19) الجسم العليل الذي لا يأكل ولا يشرب لمرضه كالصنم الذي وضعنا بجانبه مأكولات لا يأكلها. فلنشكر الله أننا مازلنا نأكل ونشرب، ولنشكر الله إذا سمح بمرض فإن هذا يؤول لخلاص أنفسنا، لكن على ألا يكون هذا نتيجة إستهتار بصحتنا كمن يدخن أو يدمن الخمر. الموت أفضل من الحياة المرة ومع أن هذا حقيقي فالحياة في السماء أفضل من الآلام على الأرض، لكن الله لا ينهي حياتنا إلاّ بعد أن يتم إعدادنا للسماء ببعض التجارب والأمراض التي يسمح بها لتنقيتنا. إذاً علينا ألاّ نطلب الموت في مرضنا، فهذا خطأ، هذا يدل على اليأس وعدم الفهم، فالله لا يأخذ نفوس أولاده إلاّ بعد أن يتم إعدادهم. الأطعمة الموضوعة على قبر= عادة يهودية، هم يضعون الأطعمة على قبور موتاهم ترحماً على الموتي، فيأكلها الفقراء، لكن الميت نفسه لا يستفيد منها. (20) هكذا من يرهقه الرب ويجازيه على أثامه= هذا فكر العهد القديم أن المرض عقوبة على الخطايا. أما فكر العهد الجديد فهو لتنقية المريض من أثار الخطية ومحبته لها. ويحسن أن نقول بدلاً من يرهقه، يجربه وبدلاً من يجازيه، يكمله بسبب آثامه. وفي (21) يرى بعينيه (المريض يرى الطعام) ويتنهد (إذ هو غير قادر على الأكل) كالخصي الذي يعانق عذراء ثم يتنهد.. فكلاهما يشتهي لكنه غير قادر.

 

الآيات (22-27): "22 لا تغم نفسك ولا تضيق صدرك بأفكارك. 23 سرور القلب حياة الإنسان وابتهاج الرجل طول الأيام. 24 أحبب نفسك وفرج عن قلبك وانف الحزن عنك بعيدا. 25 فان الحزن قتل كثيرين وليس فيه ثمرة. 26 الغيرة والغضب يقللان الأيام والغمة تأتى بالشيخوخة قبل الأوان. 27 القلب البهج الصالح لا يزال في الولائم ومآدبه معدة باهتمام."

هذه تساوي "إفرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضاً إفرحوا" (في4:4) أما من يحزن فليحزن على خطيته والرب يحول حزنه فرح (يو22:16)، أما من يحزن على خسارة مادية فهو سيعيش في هم ينهي حياته ويقصر أيامه. (2كو10:7)

القلب البهج الصالح لا يزال في الولائم= "القلب المسرور الطيب يساعد على الشهية ويهتم بمآكله" في ترجمة أخرى. لا تغم نفسك= هناك أشياء كثيرة تأتي بالهم، لكن كلها عبارة عن خسائر مادية. لكن إبتهاج الرجل طول الأيام= أي من يحيا في فرح تطول أيامه، إذ الحزن يقلل الأيام. أحبب نفسك= "روح عن نفسك" في ترجمة أخرى. هذا بأن تصلي وتسبح فتمتلئ بالروح القدس الذي من ثماره الفرح (غل22:5)


 

الإصحاح الحادي والثلاثون

الآيات (1-11): "1 السهر لأجل الغنى يذيب الجسم والاهتمام به ينفي النوم. 2 سهر الاهتمام يحرم الوسن والمرض الشديد يذهبه النوم. 3 يجد الغني في جمع الأموال وفي راحته يشبع من اللذات. 4 يجد الفقير في حاجة العيش وفي راحته يمسي معوزا. 5 من احب الذهب لا يزكى ومن اتبع الفساد يشبع منه. 6 كثيرون سقطوا لأجل الذهب فأضحى هلاكهم أمام وجوههم. 7 الذهب عود عثار للذين يذبحون له وكل جاهل يصطاد به. 8 طوبى للغني الذي وجد بغير عيب ولم يسع وراء الذهب. 9 من هو فنغبطه لأنه صنع عجائب في شعبه. 10 من الذي امتحن به فوجد كاملا به فليفتخر من الذي قدر أن يتعدى فلم يتعد وان يصنع الشر ولم يصنع. 11 ستكون خيراته ثابتة وتخبر الجماعة بصدقاته."

الإنسان الذي يسعى وراء الغني يذيب جسمه. والإهتمام به= في ترجمة أخرى أدق همه يبعد النوم. سهر الإهتمام يحرم الوسن= الذي يحمل الهم ويفكر في جمع الأموال يحرم من النعاس= الوسن وهذا الهم قد يتسبب في أمراض شديدة ولكن حين ينام الشخص يستعيد صحته= المرض الشديد يُذِهِبَه النوم. وفي (3،4) الغنى يجد ليزيد أمواله والفقير يجد لمجرد أن يجد لقمة العيش. وبينما الغني يصرف أمواله في اللذات، تجد الفقير في راحته أي في أحسن أحواله معوزاً. وهذا ما يتطلب من الغني أن يهتم بالفقراء. ومن أحب الذهب لا يزكى= الله ليس ضد الغنى، فالله خلق العالم لكي نستعمله، ولكن على ألاّ يكون هدفاً لنا، نحبه بل نعبده= يذبحون لهُ= (7). فمحبة العالم عداوة لله (يع4:4) لذلك قال الرب "لا يقدر أحد أن يخدم سيدين.. الله والمال" (مت24:6). فمن أحب المال لهذه الدرجة لا يزكى= ببساطة لأن قلبه سيتعلق بالمال تاركاً الله. ومن إتبع الفساد يشبع منه= في ترجمة أخرى "من إتبع الكسب يضل فيه" أي من إتبع الكسب الحرام يضل في طريق الحرام. وفي هذا الطريق كثيرون سقطوا لأجل إقتناء الذهب وبهذا هم بالتأكيد سائرون في طريق الهلاك= فأضحى هلاكهم أمام وجوههم. الذهب عود عثار= هو فخ عثرة للذين يذبحون له= يعبدونه. وكل جاهل (ينسى الله كإله ويعبد الذهب) يُصطاد به. طوبى للغنى الذي وُجِدَ بغير عيب= إذاً الله ليس ضد الغني، على أن لا يعبد أحد الذهب. فإبراهيم وإسحق ويعقوب وأيوب وإبراهيم الجوهري كانوا أغنياء. وإبراهيم الجوهري بماله صنع عجائب في شعبه. عموماً فالغنى الذي يتعفف عن السعي وراء الذهب ويخدم الله بماله هو مغبوط، ويعتبر هذا من العجائب، هذا شئ نادر. وسيتحدث عنه كل الناس أنه لم يتعدى بينما هو قادر بماله أن يتعدى. به فليفتخر= بمثل هذا فليفتخر الناس. وتخبر الجماعة بصدقاته= فما زال الناس تردد قصص إبراهيم الجوهري حتى الآن.

ستكون خيراته ثابتة= نصيبه السماوي أكيد، فهو صنع أصدقاء بمال الظلم.

 

الآيات (12-29): "12 إذا جلست على مائدة حافلة فلا تفتح لها حنجرتك. 13 ولا تقل ما اكثر ما عليها. 14 اذكر أن العين الشريرة سوء عظيم. 15 أي شيء خلق أسوأ من العين فلذلك هي تدمع من كل شخص. 16 حيثما لحظت فلا تمدد إليه يدك. 17 ولا تزاحمها في الصحفة. 18افهم ما عند القريب مما عندك وتأمل في كل أمر. 19 كل مما وضع أمامك كما يأكل الإنسان ولا تكن لهما لئلا تكره. 20 وكن أول من امسك مراعاة للأدب ولا تتضلع لئلا ينكر عليك. 21 وإذا اتكأت بين كثيرين فلا تمدد يدك قبلهم. 22 ما اقل ما يكتفي به الإنسان المتأدب ومثل هذا لا تأخذه الكظة على فراشه. 23 السهاد والهيضة والمغص للرجل الشره. 24 رقاد الصحة لقنوع الجوف يقوم باكرا وهو مالك نفسه. 25 وإذا أكرهت على الأكل فاعتزل من بين الجماعة فتستريح. 26 اسمع لي يا بني ولا تستخف بي وأخيرا تختبر أقوالي. 27 في جميع أعمالك كن نشيطا فلا يلحق بك سقم. 28 من سخا بالطعام تباركه الشفاه ويشهد بكرمه شهادة صدق. 29 من شح بالطعام تتذمر عليه المدينة ويشهد بلؤمه شهادة يقين."

هذه عن الشره ومساوئه، وضرورة التعفف عند الطعام. لا تقل ما أكثر ما عليها= أي أمامي فرصة لآكل كثيراً. العين الشريرة= "عين الشره" في ترجمة أخرى أدق. فالعين التي تشتهي قال عنها أنها ليس أسوأ منها. فلذلك هي تدمع (تتأثر) من كل شخص= أي لا تترك عينك تتأثر بالطعام فتشتهيه، فطبيعة العين أنها تنظر وتتأثر فتشتهي. إذاً ما العمل؟ لا تنظر كثيراً. وإذا لَحَظَتْ فلا تمدد يدك ولا تزاحمها في الصحفة= في ترجمة أخرى "حيثما نظر ضيفك فلا تمدد يدك ولا تزاحمه في الصحفة "فالموضوع ليس صراع، من يأخذ أكثر، أو من يأخذ قبل الآخر. إفهم ما عند القريب مما عندك= فصديقك مثلك فلا ترهقه بأن تأخذ كل ما عنده= تأمل في كل أمر أي تروى وليكن لك حياء وتعفف حتى لا ترهق من أضافك. كل مما وضع أمامك كما يأكل الإنسان= وليس كما تأكل الوحوش. لذلك أضافت ترجمة أخرى على كلمة الإنسان صفة المتأدب. ولا تكن لهماً لئلا تُكْرَه= لهماً هي إصدار أصوات من الفم أثناء الأكل للتلذذ بالطعام، وفي ترجمة أخرى "لا تعمل الفكين". وحاول أن تكون أول من يتوقف عن الأكل ولا تكن نهماً= لا تتضلع لئلا ينكر عليك= يستنكر الناس ما تعمله. والإنسان المتأدب يكتفي بالقليل (22) فلا تأخذه الكظة على فراشه= أي لا يلهث من ضغط الطعام على معدته. والشره يعاني من السهاد= لا ينام. والهيضة= التقيؤ. والعكس فمن يأكل قليلاً يستيقظ مبكراً في نشاط.

وإذا أكرهت على الأكل فإعتزل من بين الجماعة فتستريح= إعتزل في ترجمة أخرى تقيأ لتستريح وبالتالي تستطيع أن تأكل وتجامل مضيفك. لذلك من الأفضل عدم الضغط على أحد، حتى لا يحدث له هذا التعب.

ثم يوجه حديثه للمضيف بأن يكون سخياً= من سخا بالطعام تباركه الشفاه. والعكس فالذي يبخل في ولائمه يتذمر عليه الجميع ويشتهر بخله في كل المدينة= يشهد بلؤمه (بخله) شهادة يقين= بحق.

 

الآيات (30-42): "30 لا تكن ذا باس تجاه الخمر فان الخمر أهلكت كثيرين. 31 الأتون يمتحن الحديد الممهى والخمر تمتحن قلوب المتجبرين في القتال. 32 الخمر حياة للإنسان إذا اقتصدت في شربها. 33 أي عيش لمن ليس له خمر. 34 أي شيء يعدم الحياة الموت. 35 الخمر من البدء خلقت للانبساط لا للسكر. 36 الخمر ابتهاج القلب وسرور النفس لمن شرب منها في وقتها ما كفى. 37 الشرب بالرفق صحة للنفس والجسد. 38 الإفراط من شرب الخمر خصومة ونزاع. 39 الإفراط من شرب الخمر مرارة للنفس. 40 السكر يهيج غضب الجاهل لمصرعه ويقلل القوة ويكثر الجراح. 41 في مجلس الخمر لا توبخ القريب ولا تحتقره في سروره. 42 لا تخاطبه بكلام تعيير ولا تضايقه في المطالبة."

هذه عن الخمر. وكان اليهود مثلهم مثل من يعيش في بلاد باردة يشربون الخمر، وكانوا يستعملونها في أفراحهم (عرس قانا الجليل).

لا تكن ذا بأس تجاه الخمر= لا تدعي القوة تجاه الخمر فتشرب كثيراً ظاناً أن الخمر لا يؤثر فيك وذلك:-

1. قد تسكر وتفقد الوعي فيهزأ الناس بك.      2. تدمن الخمر فتفقد مالك وصحتك.

وهذا ما يعنيه بقوله= فإن الخمر أهلكت كثيرين. بل يقول كما أن الأتون (الفرن) يمتحن الحديد الممهي (الفولاذ) أي يصهره، هكذا الخمر تضيع إرادة الرجال الأقوياء= تمتحن قلوب المتجبرين في القتال= وتحول هؤلاء الأقوياء إلى جبناء يهربون من القتال. ثم ينادي الحكيم بالإعتدال في شرب الخمر= الخمر حياة للإنسان إذا إقتصدت في شربها= أي هي مصدر مسرة، وكانوا يستخدمونها كعلاج (السامري الصالح + 1تي23:5) الخمر من البدء خلقت للإنبساط لا للسكر= فالسُكر أفقد نوح كرامته وجعل هيرودس يقتل يوحنا المعمدان. ولأنهم إستخدموها كعلاج يقول الشرب بالرفق صحة للنفس والجسد. أمّا الإفراط في شرب الخمر فيتسبب عنه السُكْر وفقدان الوعي وبالتالي خصومة ونزاع. وبالتبعية مرارة للنفس= [1] بسبب الخصومات [2] إفلاس المدمن [3] خراب بيته وصحته. لذلك من يفعل ذلك فهو جاهل= السُكر يهيج غضب الجاهل وذلك يؤدي لمصرعه= دخوله في صراعات. ثم نصيحة أن لا نهزأ بالسكران فهذا عيب= في مجلس الخمر لا توبخ القريب السكران ولا تضايقه في المطالبة= كأن تطلب منه التوقيع على شئ وهو فاقد وعيه، وهذا ما حدث مع هيرودس.


 

الإصحاح الثاني والثلاثون

الآيات (1-17): "1 إذا جعلوك رئيسا فلا تتكبر بل كن بينهم كواحد منهم. 2 اهتم بهم ثم اجلس وبعد قضائك ما عليك اتكئ. 3 لكي تفرح بهم وتأخذ الإكليل زينة وتكرم بهداياهم. 4 تكلم يا شيخ فانك أهل ذلك. 5 لكن عن دقة علم ولا تمنع الغناء. 6 لا تطلق كلامك عند السماع ولا تأت بالحكمة في غير وقتها. 7 الحان المغنين في مجلس الخمر كفص من ياقوت في حلي من ذهب. 8 أنغام المغنين على خمر لذيذة كفص من زمرد في مصوغ من ذهب. 9اسمع وأنت ساكت فباحتشامك تنال الحظوة. 10 تكلم يا شاب لكن نادرا متى دعتك الحاجة. 11 أن سئلت مرتين فجاوب بالإيجاز. 12 معبرا عن الكثير بالقليل وكن كمن يعلم ويصمت. 13 في جماعة العظماء لا تساو نفسك بهم وبين الشيوخ لا تكن كثير الهذر. 14قدام الرعد ينطلق البرق وقدام المحتشم تسبق الحظوة. 15 إذا آن الوقت فقم لا تتأخر أسرع إلى بيتك لا تتهاون هناك تنزه. 16 واصنع ما بدا لك ولا تخطا بكلام الكبرياء. 17وعلى هذه كلها بارك صانعك الذي يسكرك من طيباته."

كانوا يقيمون ولائم في اليهودية يتخللها إحتفالات موسيقية، ويختارون رئيساً للحفل وظيفته تنظيم الحفل وراحة الضيوف ومنع مشاغبات الشباب. ونصيحة الحكيم هنا أن يتعامل الرئيس مع الناس بحكمة حتى لا يٌفسد الحفل الذي أقاموه ليفرحوا. وما يُفسد الحفل كبرياء هذا الرئيس (1) إذا تصرف كرئيس وليس كمن يخدم ليكون سبب سرور للناس. بل على الرئيس ألا يجلس ويرتاح ليأكل قبل أن يهتم بكل فرد (2). وكانوا في المقابل يُلبسون الرئيس إكليلاً من زهور ويعطونه هدايا، وهنا يقول له الحكيم فلتكن أهلاً لهذا كله (3). هذا الرئيس هو من قال عنه يوحنا في عرس قانا الجليل "رئيس المتكأ" (يو8:2). ويوصي الرئيس في هذا الإحتفال بأن يتكلم بحكمة ويوجه فلا تحدث مشاكل، فهذا عمله، هم إختاروه لهذا (4)، لكن على أن لا يتسلط ويفرض فكره على الناس فيمنع الغناء مثلاً، وكان هذا من المعتاد أن تكون في الولائم فقرة فنية. ولا تتكلم في كل وقت فيمل الناس (6) وكان من هؤلاء الرؤساء وحتى الآن من لا يعطي فرصة للآخرين للكلام، بل يقاطع من يتكلم. ويطلب من الشباب إحترام الكبار في مجلس الكبار، فإذا سئل الشباب عليهم أن يجيبوا بالإيجاز وليس كمن يعلم، فالكبار موجودين، وهذا لا يصح  أن يظن الشاب أنه يعلم الكبار (9-13). وفي (7،8) يقول للرئيس أن لا يمنع الغناء فهذا يدخل السرور في الحاضرين. المعنى لا تقف عائقاً في طريق سرور الجالسين الحاضرين لكونهم إختاروك رئيساً. أما إحتفالاتنا المسيحية فصار لها في عرس قانا الجليل مثالاً، أي علينا أن ندعو يسوع وأمه وتلاميذه، وإذا حضر يسوع فلنمجده بتسابيحنا وإذا حضرت أمه والقديسين لصارت شركة تسبيح مشتركة بين السمائيين والأرضيين لرب المجد الموجود وسط الجميع. وبينما أن أفراح العالم وغنائه وخمره يعطي فرحاً غاشاً، فهذا الفرح السمائي يعطي فرحاً حقيقياً لا يعرفه إلاّ كل من تذوقه "ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب" (مز8:34). وهناك قانون أن البرق يسبق الرعد وأيضاً هناك قانون أن قدام المحتشم (الشاب الذي يحترم وجود الشيوخ) تسبق الحظوة بمعنى أن الكل يقدرون ويعجبون بهذا الشاب. ثم دعوة للشيخ الرئيسي أن لا يطيل السهر، بل يذهب إلى بيته، فلا يخجل صاحب الحفل، بل هي دعوة أيضاً لكل المدعوين أن ينصرفوا مبكراً، فيعطوا فرصة لصاحب الحفل أن يستريح. هناك تَنَزَّه= إصنع ما بدا لك في منزلك فأنت حر في منزلك ولا تثقل على صاحب الحفل. ولا تقول كلام كبرياء وتخطأ في وجود أحد. وبارك صانعك على كل ما أعطاه لك. الذي يسكرك من طيباته= هنا يسكرك بمعنى يفرحك، فكل عطايا الله مفرحة، والمعنى إرضى بما أعطاه الله لك في بيتك ولا تستمر في الحفل كثيراً.

 

الآيات (18-28): "18 من اتقى الرب يقبل تأديبه والمبتكرون إليه يجدون مرضاته. 19 من ابتغى الشريعة يمتلئ منها والمراءي يعثر فيها. 20 الذين يتقون الرب يجدون العدل ويوقدون من الأحكام مصباحا لهم. 21 الإنسان الخاطئ يجانب التوبيخ ويجد حججا توافق مبتغاه. 22صاحب المشورة لا يهمل التأمل أما المتكبر ممن ليس كذلك فلا يأخذه الخوف. 23ولا بعدما عمل بهواه عن غير مشورة. 24 لا تعمل شيئا عن غير مشورة فلا تندم على عملك. 25 لا تسر في طريق الهلكة فلا تعثر بالحجارة لا ترم نفسك في طريق لم تختبره فلا تجعل لنفسك معثرة. 26 احترز حتى من بنيك وتحفظ من أهل بيتك. 27 في جميع أعمالك اقتد بضميرك فان ذلك هو حفظ الوصايا. 28 الذي يقتدي بالشريعة يرعى الوصايا والذي يتكل على الرب لا يخسر."

الإبن يقبل تأديب أبيه لأنه يثق في محبة أبيه له (عب5:12-11)= من إتقي الرب يقبل تأديبه. والمبتكرون إليه يجدون مرضاته= من يبكر ويسعي في طلب الرب يجده "الذين يبكرون إليّ يجدونني" (أم17:8). فلنطلب الله في بداية كل عمل ليبارك فيه. من إبتغى الشريعة= "أمعن النظر فيها "في ترجمة أخرى والمعنى يتأمل فيها بإهتمام يمتلئ منها أي يصبح لا يرتاح ولا يتلذذ سوى بكلمات الله في كتابه وشريعته. أمّا المرائي= هذا يّدعى أمام الناس أنه يهوى شريعة الله وفي داخله يهوى ملذات العالم. هذا يعثر في الشريعة لأنها تمنعه عن أهوائه. الذين يتقون الرب يجدون العدل= يهتدون إليه. من يحب الله سيعرف الحق ويهتدي إليه ويفرح به. ويوقدون من الأحكام مصباحاً لهم= هناك من يعترض على أحكام الله لأنه جاهل، عينه مقفولة بسبب الخطية أما من يتقي الرب فعينه مفتوحة، يرى حكمة أحكام الرب فيسبحه عليها، بل تكون نوراً له. يرى عقوبة المخطئ فيبتعد عن الخطية، ويرى كيف أن الله يكمل أحباءه بالألم فيسبح الله على التجربة. أما الإنسان الخاطئ يجانب التوبيخ= أي يرفض تأديب الله وتوبيخه، هو يحب نفسه أكثر من المسيح. ويجد حججاً توافق مبتغاه= يلتمس لنفسه الأعذار ويدافع عن مسلكه الشرير، والشيطان يساعده على ذلك، بأن يقدم له حججاً تبدو منطقية. صاحب المشورة= أي الإنسان الحكيم الذي يسمع لصوت الله ويشاور الكبار ويسمع النصحية لا يهمل التأمل في الكتاب المقدس، فهو تعلم وإختبر كيف يستمع لصوت الله ويكون هذا تعزية له وثباتاً له. أما المتكبر.. فلا يأخذه الخوف من الله ولا يبالي بل يستمر في خطاياه رافضاً طريق التقوى. ولا يخاف حتى بعد أن أخطأ وعَمِل بهواه عن غير مشورة= فهناك من أطفأ الروح (1تس19:5) فصار يشرب الإثم كالماء (أي7:34). لذلك ينصح الحكيم أن نشاور الحكماء والأباء قبل أن نسير في طريق ما. لا تسر في طريق الهلكة= فلماذا الإندفاع، إذا كان هناك طريق من المعروف أن نهايته سيئة فلماذا تسلك فيه، مثل طريق مرافقة الأشرار. فلا تعثر بالحجارة= الخطايا التي في الطريق إحترز حتى من بنيك= فالأبناء الشباب فيهم روح الإندفاع والتهور، فلا تندفع وراء أفكارهم بل عليك بإرشادهم بحكمتك ومنعهم من التهور. إقتدِ بضميرك= هناك صوت في الداخل يعترض على الخطأ ويصرخ حينما يخطئ الإنسان، فيجعل الإنسان في عدم راحة وسلام. لكن هذا لمن يعيش مع الله ولم يطفئ صوت الروح القدس بإصراره على الخطأ. وملخص (24) من يقتدي بالشريعة لا يخسر.


 

الإصحاح الثالث والثلاثون

الآيات (1-6): "1 من اتقى الرب لا يلقى ضرا بل عند التجربة يحفظه الرب وينجيه من الشرور. 2 الرجل الحكيم لا يبغض الشريعة أما الذي يراءي فيها فهو كسفينة في الزوبعة. 3 الإنسان العاقل يؤمن بالشريعة والشريعة أمينة له. 4 هيئ كلامك كما يفعل الصديقون في مسائلهم فتسمع انظم معاني علمك وجاوب. 5 أحشاء الأحمق كمحالة العجلة وفكره مثل المحور الخفيف الدوران. 6 الصديق المستهزئ كفحل الخيل الذي يصهل تحت كل راكب."

آية (1) هي نفس مفهوم الآية السابقة (28:32) فمن يتقي الرب يحفظه من الشرور وينجيه. الرجل الحكيم لا يبغض الشريعة= فحفظ الشريعة هو طريق الحكمة. هنا يشير لطريق التقوى الذي هو كل الحكمة ليحفظنا الله من الشرور (1). أمّا الذي يُراءي= هو موجود بجسده في الكنيسة وبقلبه في أماكن الخطية يشتهي الذهاب إليها، أمّا الذي يتقي الرب، فهو الذي قرر بقلبه أن لا يغضب الرب ولا يذهب لأماكن الشر. والمرائي يصير كسفينة في الزوبعة= لا يعرف معنى السلام والإطمئنان. هيئ كلامك= قبل أن تتكلم فكر في كلماتك وأنها بحسب فكر الكتاب المقدس= كما يفعل الصديقون. أنظم معاني علمك= فلتكن كلماتك بحسب ما تعلمته عن الكتاب والشريعة وجاوب. أما الأحمق فأحشائه= الأفكار والعواطف التي تحركه من داخله كمحالة العجلة= "عجلة المركبة" فهي تدور ومثل المحور الخفيف الدوران= له كل يوم رأي بحسب أهوائه. الصديق المستهزئي= أي كل إنسان تعرفه وله هذه الصفة في أنه لا يحترم كلمة الله، وهو بلا مبدأ واحد، فهو كفحل الخيل الذي يصهل تحت كل راكب= هذا الصديق كحصان يركبه شخص مختلف كل يوم فيسير بحسب هوي الراكب. والصديق المستهزئ هو مثل هذا الحصان يقوده كل يوم فكراً أو فلسفة خاطئة يظل يثرثر بها.

 

الآيات (6-18): "7 لماذا يفضل يوم على يوم ونور كل يوم في السنة من الشمس. 8 علم الرب ميز بينها إذ صنعت الشمس التي تحفظ الرسم. 9 وخالف بين الأزمنة فعيدت الأعياد في الساعة المعينة. 10 فمنها ما أعلاه وقدسه ومنها ما جعله في عداد الأيام وكذا البشر كلهم من التراب وآدم صنع من الأرض. 11 لكن الرب ميز بينهم بسعة علمه وخالف بين طرقهم. 12 فمنهم من باركه وأعلاه ومنهم من قدسه وقربه إليه ومنهم من لعنه وخفضه ونكسه من مقامه. 13 كما يكون الطين في يد الخزاف وتجري جميع أحواله بحسب مرضاته. 14كذلك الناس في يد صانعهم وهو يجازيهم بحسب قضائه. 15 بازاء الشر الخير وبازاء الموت الحياة كذلك بازاء التقي الخاطئ وهكذا تأمل في جميع أعمال العلي تجدها اثنين اثنين الواحد بازاء الآخر. 16 أني أنا الأخير قد استيقظت وورثت هذه كما كانت منذ البدء. 17 كمن يلتقط وراء القطافين أقبلت ببركة الرب فملأت المعصرة كالذي قطف. 18فانظروا كيف لم يكن اجتهادي لي وحدي بل أيضا لجميع الذين يلتمسون التأديب."

ملخص هذه الآيات أن الله بسابق علمه، الذي يعرف قلب كل إنسان، ميز بين إنسان وآخر "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة إبنه" (رو29:8). وأن الله كخزاف حكيم يعرف كيف يصنع كل إناء (رو21:9).

ففي الآيات (7-10) يرى الحكيم أن الأيام كلها متشابهة، كلها تنيرها الشمس صباحاً. ولكن الله بسابق علمه جعل بعضها أيام أعياد مقدسة، وبعضها أيام عادية. إذ صنعت الشمس التي تحفظ الرسم أي الشمس الذي بحسب بعدها وقربها من الأرض تتحدد الفصول وبالتالي الأعياد. وهكذا البشر كلهم من تراب، ولكن الرب ميز بينهم، فمنهم من رفعه ومنهم من خفضه، وذلك كخزاف حر أن يصنع ما يريده، لكن هذا الخزاف حكيم يريد أن يصنع كل الآنية جيدة، ولكن هو بسابق علمه يعرف كيف يكون كل إنسان، ولأن وضع كل إنسان سواء بالكرامة أو بالهوان هو في يد الإنسان، وليس الله هو الذي يصنعه كإنسان خاطئ لذلك فالله يجازيهم بحسب قضائه.

والطريق مفتوح بالتوبة لكل إنسان لكي يطهر نفسه فيتحول من آنية هوان لآنية كرامة (2تي20:2،21) ولأن الطريق مفتوح بالتوبة لكل واحد فالله له الحق أن يجازي. وفي (15) يقول هناك الشر وهناك الخير.. هناك الموت وهناك الحياة.. هناك إنسان تقي وهناك إنسان خاطئ.. فماذا تختار؟ هذه مثل قول موسى "قد جعلت اليوم قدامك الحياة والخير والموت والشر" (تث15:30-20) ويرد يشوع على هذا الكلام ويقول "وأما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش15:24) وكما قال يشوع بن نون، هنا يقول يشوع بن سيراخ في (16-18) إني أنا الأخير= أي يشوع بن سيراخ نفسه، قد إستيقظت وورثت هذه= كمن سهر ثم إستيقظ وتنبه على هذه الحقائق. كان هناك حكماء كثيرين قبله هو إلتقط منهم كمن يلتقط وراء الحصادين في حصاد الحقول، ولكن الحكمة التي إقتناها يشوع بن سيراخ كانت كثيرة حتى ملأت المعصرة. وهو إجتهد وإستفاد وإختار طريق الحكمة طريق الحياة، كما إختاره من قبله يشوع بن نون، وكان هذا لحياته وحياة كل من يسمعه= لجميع الذين يلتمسون التأديب.

 

الآيات (19-24): "19 اسمعوني يا عظماء الشعب وأصغوا إلى يا رؤساء الجماعة. 20 لا تول على نفسك في حياتك ابنك أو امرأتك أو أخاك أو صديقك ولا تعط لآخر أموالك لئلا تندم فتتضرع إليه بها. 21 ما حييت وما دام فيك نفس لا تسلم نفسك إلى أحد من البشر. 22 لأنه خير أن يطلب بنوك منك من أن تنظر أنت إلى أيدي بنيك. 23 في جميع أمورك احفظ لنفسك مزيتها. 24 ولا تجعل عيبا في كرامتك قسم ميراثك عند انقضاء أيام حياتك حين يحضر الموت."

هي نصيحة للأب أن لا يقسم ثروته على أولاده في حياته بل عند مماته أو في وصية [1] لا ينحرف الأولاد في شبابهم بالمال الكثير [2] وإذ ينفقون المال ربما يحتاج له الأب في كبره فلا يجده ويصبح هو وأولاده محتاجين.

إحفظ لنفسك مزيتك= كن سيد الموقف.

 

الآيات (25-33): "25 العلف والعصا والحمل للحمار والخبز والتأديب والعمل للعبد. 26 اشغل الغلام بالعمل فتستريح أرخ يديك عنه فيلتمس العتق. 27 النير والسيور تحني الرقاب ومواظبة العمل تخضع العبد. 28 للعبد الشرير التنكيل والعذاب أقسره على العمل لئلا يتفرغ. 29 فان الفراغ يعلم ضروب الخبث. 30 الزمه الأعمال كما يليق به فان لم يطع فثقل عليه القيود لكن لا تفرط في عقاب ذي جسد ولا تصنع شيئا بغير تمييز. 31 أن كان لك عبد فليكن عندك كنفسك فانك اكتسبته بالدم أن كان لك عبد فعامله كنفسك فانك تحتاج إليه احتياجك إلى نفسك. 32 أن أذيته ابق. 33 وإذا فر ذاهبا ففي أي طريق تطلبه."

هذه عن معاملة العبيد، وكان نظام العبيد معروفاً في العهد القديم. والله سمح بهذا، أنه إذا إستدان أحد ولم يستطع أن يوف فليخدم المدين كعبد وفي السنة السابعة يتحرر (خر20:21 + لا39:25) وكان هذا ليشرح الله أن البشر صاروا غير قادرين على تسديد ما عليهم من ديون إذ إفتقروا (رؤ17:3). وكان هذا العبد يظل عبداً للسنة السابعة أو إذا أتى قريب له يدفع ما عليه ويسمونه الفادي، وهذا بالضبط ما عمله المسيح.

وهنا يطلب الحكيم أن تجعل العبد يعمل بإستمرار وأن تجعله منشغل بالعمل وإلاّ يتراخى. وروحياً فالعبد يشير للجسد الذي يجب ألاّ نريحه ونجعله يأكل ويشرب ولا يعمل (فالمثل يقول اليد البطالة نجسة) أي سيفكر الإنسان مباشرة في النجاسة. على أن الحكيم يطلب أن لا يؤذي السيد عبده. وروحياً فهذا يعني أن لا يضغط الإنسان على جسده بشدة حتى لا يمل من الطريق الروحي. وفي (25) نرى لزوم تأديب العبد وإلزامه بالعمل لكن عدم حرمانه من الطعام، فإنك إن تركته بلا عمل سيطلب العتق، أي ترك الخدمة. أما العبد الشرير فليؤدبوه ولكن لا تفرط في عقابه (30) ولا تصنع شيئاً بغير تمييز= فكان للسيد الروماني أن يقتل عبده أو يفقأ عينه. ولاحظ الفرق إن كان لك عبد فليكن عندك كنفسك= وهذا تعليم بولس الرسول (كو1:4 + أف9:6 + فل10،12،16،17). فإنك إكتسبته بالدم= أي بنقودك التي تعبت وعرقت لتحصل عليها. إن أذيته أبَق= أي هرب منك، وإذ هرب فمن أين ترده ثانية.


 

الإصحاح الرابع والثلاثون

الآيات (1-8): "1 الآمال الفارغة الكاذبة لذي السفه والأحلام يطير بها الجهال. 2 مثل الملتفت إلى الأحلام مثل القابض على الظل والمتطلب للريح. 3 رؤيا الأحلام هي هذا بازاء هذا شبه الشخص أمام الشخص. 4 بالنجس ماذا يطهر وبالكذب ماذا يصدق. 5 العرافة والتطير والأحلام باطلة. 6 كخيالات قلب الماخض أن لم ترسل هذه من عند العلي في افتقاد منه فلا توجه إليها قلبك. 7 فان كثيرين أضلتهم الأحلام فسقطوا لاعتمادهم عليها. 8 الشريعة تتمم بغير تلك الأكاذيب والحكمة في الفم الصادق كمال."

دعوة ليعيش الإنسان على الواقع وليس الآمال الفارغة أو الأحلام. وكما أن الإنسان السفيه يمنى بنفسه بالآمال الفارغة هكذا الأحلام يفرح بها الجهال=الأغبياء، ويكادون يطيرون من الفرح. وقداسة البابا شنوده قسم الأحلام إلى ثلاث أقسام:-

1.    من الله كأحلام فرعون مع يوسف.

2.    من الشيطان فيضع صوراً كثيرة خاطئة.

3.  هي نتاج أفكار الإنسان وما هو مخزون في ذاكرته أو ما يتمناه. بينما هو مستيقظ وهذه هي الغالبية العظمى من الأحلام.

ولكن هناك من يصدق الأحلام ويفرح بما يراه فيها، بل هناك من يفسر الأحلام ويضع لها قواعد. والحكيم هنا يشبه هؤلاء بمن يقبض على الظل= إذ هي ليست بشئ حقيقي نضع آمالنا عليه. والمتطلب الريح= من يسعى وراء الريح ليمسكه. رؤيا الأحلام هي هذا بإزاء هذا. الشخص أمام الشخص= وفي ترجمة أخرى "أنها مجرد إنعكاس وشبه الوجوه أمام الناس"= أي إنعكاس لأفكارك وللوجوه التي تراها وأنت مستيقظ. والحكيم يرى أن الأحلام هي كذب وليست حق. فكما أن النجس لا يطهر شئ فكذلك الكذب لا يعطي شيئاً نصدقه، فالنجس ليس فيه ما يطهر، والأحلام كاذبة ليس فيها حق. يحلم الجائع بسوق العيش ويقوم وهو جائع. العرافة والتطير (رؤيا البخت والمستقبل) وهذه خرافات والحكيم يرى أن مثلها مثل الأحلام باطلة. كخيالات قلب الماخض= هو يرى أن العرافة والأحلام مثل الإضطرابات الفكرية التي تمر على عقل الأم التي تلد.

إن لم ترسل هذه من عند العلي في إفتقاد منه فلا توجه إليها قلبك= كان الله يكلم الناس بالأحلام قديماً في العهد القديم (حلم يعقوب ويوسف (فرعون) ونبوخذ نصر). ولكن هذه مرات نادرة. والآن الله يتكلم من خلال الكتاب المقدس (8) الشريعة تتمم بغير تلك الأكاذيب والحكمة في الفم الصادق كمال= ما الداعي لطلب المعرفة من الأحلام والحكمة موجودة ومتاحة لكل من يسلك بالشريعة. ولكن وإن حدث أن الله تكلم في حلم فيكون واضحاً من طهارة الحلم ووضوحه وتكراره ووضوح الرسالة التي أتي الحلم بسببها، وهذا نادر جداً. والنصيحة العامة ألا يعتمد أحد على الأحلام، فإن كثيرين أضلتهم الأحلام.

 

الآيات (9-20): "9 الرجل المتأدب يعلم كثيرا والكثير الخبرة يحدث بعقل. 10 الذي لم يختبر يعلم قليلا أما الذي جال فهو كثير الحيلة. 11 الذي لم يمتحن ماذا يعلم أما الذي ضل فهو كثير الدهاء. 12 أني رأيت في مطافي أمورا كثيرة واكثر أقوالي مما اختبرت. 13 وقد طالما خاطرت بنفسي في هذا الطلب حتى إلى الموت ثم نجوت. 14 روح المتقين للرب يحيا. 15 لان رجاءهم في مخلصهم. 16 من اتقى الرب فلا يخاف ولا يفزع لأنه هو رجاؤه. 17 من اتقى الرب فطوبى لنفسه. 18 إلى من يتوجه ومن عمدته. 19 أن عيني الرب إلى محبيه هو مجير قدير وعمدة قوية ستر من الحر وظل من الهجير. 20 صيانة من العثار ومعونة عند السقوط هو يعلي النفس وينير العينين يمنح الشفاء والحياة والبركة."

هو هنا يتكلم عن إكتساب الخبرات [1] الرجل المتأدب= بالشريعة [2] الكثير الخبرة= الذي شاخ وتأمل في أحداث الحياة [3] الذي جال وطاف في العالم ورأي عادات الشعوب وفلسفاتهم وتعرض لمخاطر ورأي كيف أنقذه الله منها. مثل هذا الإنسان يَعلَمْ كثيراً وحين يتحدث يتحدث بعقل وهو كثير الحيلة= له خبرة في التصرف في الأمور. أما الذي لم يختبر يعلم قليلاً. والذي لم يمتحن= أي الذي لم تصادفه تجارب كثيرة رأي يد الرب فيها وتعزيات الله. أمّا الذي ضَلَّ= يقصد كثير الأسفار كما في ترجمة أخرى فهو كثير الحيلة. وفي (12،13) تكرار لما إستفاده من أسفاره. وفي (14-20) نجد حصيلة خبراته من السفر والتجارب. أن من يتقي الله يحميه الله= روح المتيقن للرب يحيا= يحيا أي لا يموت ويهلك فالله ينقذه من المخاطر، فهم وضعوا رجاءهم في مخلصهم. وطوبى لمن يضع رجاءه في الله. فمن إتقي الرب وعرفه فلمن يلجأ لغير الرب= إلى من يتوجه ومن عمدته= على من يعتمد غير الرب. فالله قدير يمنح الشفاء والحياة والبركة ويصون من العثرة= صيانة من العثار.

 

الآيات (21-31): "21 الذابح من كسب الظلم يستهزأ بتقدمته واستهزاءات الإثماء ليست بمرضية. 22الرب وحده للذين ينتظرونه في طريق الحق والعدل. 23 ليست مرضاة العلي بتقادم المنافقين ولا بكثرة ذبائحهم يغفر خطاياهم. 24 من قدم ذبيحة من مال المساكين فهو كمن يذبح الابن أمام أبيه. 25 خبز المعوزين حياتهم فمن امسكه عليهم فإنما هو سافك دماء. 26من يخطف معاش القريب يقتله. 27 من يمسك أجرة الأجير يسفك دمه. 28 واحد بنى وأخر هدم فماذا انتفعا سوى التعب. 29 واحد صلى وأخر لعن فأيهما يستجيب الرب لدعائه. 30 من اغتسل من لمس الميت ثم لمسه فماذا نفعه غسله. 31 كذلك الإنسان الذي يصوم عن خطاياه ثم يعود يفعلها من يستجيب لصلاته وماذا نفعه اتضاعه."

من 21 حتى 27 ملخصها أن الله لا يقبل ذبائح إشتراها من يقدمها بمال حرام كالظلم والإثم أو من مال المساكين أو المعوزين أو أجرة أجير. وأكثر ما يسر الله من ذبائح هي القلوب المنسحقة. وفي العهد الجديد الذبائح هي ذبيحة التسبيح والتوزيع على الفقراء (عب 15:13،16) وتقديم الأجساد ذبائح حية (رو1:12). الذابح من كسب الظلم يستهزأ بتقدمته= فالمفروض أن تقديم الذبيحة إعلاناً عن التوبة. فأي توبة هذه وهو ظالم. وإستهزءات الأثماء ليست بمرضية= هنا يسمى عطايا الأثمة إستهزاءات فهم في الواقع يهزأون بالله، يدعون التقوى أمام الناس وفي داخلهم لا يهتمون برأي الله فيهم. فهو كمن يذبح الإبن أمام أبيه= الإبن هو الفقير الذي إغتصبت ماله وحرمته منه وهو قليل فربما مات جوعاً. والأب هنا هو الله. في (28) واحد بنى وآخر هدم. واحدٌ صلي وآخر لعن= هذا إستمرار للحديث السابق عن ضرورة رحمة الأغنياء للفقراء، فالغني يظلم ليبني ويذهب ليصلي شاكراً الله على البناء، والفقير المظلوم يلعن هذا الغني ويطلب أن ينتقم له الله، والله لن يبارك للغني وربما كل ما بناه يهدم. واللعنات عموماً لا يحب الله أن يسمعها حتى من الفقراء المتذمرين. والحكيم هنا يقول الغني يصلي ليزداد غني والفقير يصلي لاعناً الغني فأيهما يستجيب الرب لدعائه غالباً فالله حزين على كليهما ولكن قطعاً غضبه من الغني الظالم أكثر لذلك فهو لا يستفيد من كل ما بناه= فماذا إنتفعا سوى التعب= الغني إنهدم ما بناه، والفقير المتذمر فقد سلامه نتيجة تذمره، ومع كل صلواته يفقد تعزيات الله بسبب لعناته وتذمره.

وفي (30) ماذا ينتفع الإنسان الذي يقدم توبة ويعود للخطية ثانية، فالموت= الخطية. وهذه إسترسالاً لما مضى من حديث، فالذي يقدم ذبيحة ليتطهر وهو مازال يظلم الفقير ماذا ينتفع.


 

الإصحاح الخامس والثلاثون

الآيات (1-13): "1 من حفظ الشريعة فقد قدم ذبائح كثيرة. 2 من رعى الوصايا فقد ذبح ذبيحة الخلاص. 3ومن اقلع عن الإثم فقد ذبح ذبيحة الخطيئة وكفر ذنوبه. 4 من قدم السميذ فقد وفى بالشكر ومن تصدق فقد ذبح ذبيحة الحمد. 5 مرضاة الرب الاقتلاع عن الشر وتكفير الذنوب الرجوع عن الإثم. 6 لا تحضر أمام الرب فارغا. 7 فان هذه كلها تجرى طاعة للوصية. 8 تقدمة الصديق تدسم المذبح ورائحتها طيبة أمام العلي. 9 ذبيحة الرجل الصديق مرضية وذكرها لا ينسى. 10 مجد الرب عن قرة عين ولا تنقص من بواكير يديك. 11 كن متهلل الوجه في كل عطية وقدس العشور بفرح. 12 أعط العلي على حسب عطيته وقدم كسب يدك عن قرة عين. 13 فان الرب مكافئ فيكافئك سبعة أضعاف."

حفظ الشريعة وتنفيذ الوصية والتوبة والصدقة للمحتاج، هذا هو المقبول عند الله أكثر من الذبائح التي يصاحبها قلب أثيم، أما التقي الصديق فذبيحته مرضية أمام الله (9) فربما فقير ليس لديه ليقدم ذبيحة، هذا تكون تقواه كأنها ذبيحة.

في (2) ذبيحة الخلاص= هي ذبيحة السلامة (راجع سفر اللاويين). وفي (3) من قدم توبة فكأنه ذبح ذبيحة خطية. ولكن ليس معنى هذا أنه لا أهمية للعطايا. فالحكيم يقول لا تحضر أمام الرب فارغاً (6) ولكن تعبر عن شكرك لله قدم السميذ وتصدق (4). فالعطايا للكنيسة وللفقراء تُجرى طاعة للوصية (7). وإذا أعطيت الله فبسرور= عن قرة عين، وعطاياك لا تجعلك تنقص من بواكير يديك. فالله أعطاك. فإعط العلي على حسب عطيته. وثق فالله سيكافئك فالله لا يبقي مدينوناً لأحد. في (8) تدسم المذبح= تجعل العطايا أو الذبائح دسمة والمقصود أن الله يفرح بها، فالله يفرح حقيقة بقداسة الناس. ويفرح بأن يقدموا لله عن فرح وليس بتغصب. على أن من يبدأ بالتغصب ويرى بركة الله سيعطى بعد ذلك بفرح.

عموماً فالتقدمات والعشور والبكور، كل هذا تحتاجه الكنيسة في نفقاتها ومرتبات خدامها لذلك هو شئ مطلوب بجانب التوبة والقداسة.

 

الآيات (14-26): "14 لا تقدم هدايا بها عيب فان الرب لا يقبلها. 15 ولا تعتمد على ذبيحة أثيمة فان الرب ديان ولا يلتفت إلى كرامة الوجوه. 16 لا يحابي الوجوه في حكم الفقير بل يستجيب صلاة المظلوم. 17 لا يهمل اليتيم المتضرع إليه ولا الأرملة إذا سكبت شكواها. 18أليست دموع الأرملة تسيل على خديها أما هي صراخ على الذي أسالها. 19 أنها من خديها تصعد إلى السماء والرب المستجيب لا يتلذذ بها. 20 أن المتعبد يقبل بمرضاة وصلاته تبلغ إلى الغيوم. 21 صلاة المتواضع تنفذ الغيوم ولا تستقر حتى تصل ولا تنصرف حتى يفتقد العلي ويحكم بعدل ويجري القضاء. 22 فالرب لا يبطئ ولا يطيل أناته عليهم حتى يحطم صلب الذين لا رحمة فيهم. 23 وينتقم من الأمم حتى يمحو قوم المتجبرين ويحطم صوالجة الظالمين. 24 حتى يكافئ الإنسان على حسب أفعاله ويجزي البشر بأعمالهم على حسب نياتهم. 25 حتى يجري الحكم لشعبه ويفرج عنهم برحمته. 26 الرحمة تجمل في أوان الضيق كسحاب المطر في أوان القحط."

لا يليق أن نقدم هدية بها عيب لإنسان في العالم، فكم وكم حين نقدم لله (ملا8:1) وفي (15) يقول الحكيم لا تعتمد على ذبيحة أثيمة= [1] مصدرها ظلم [2] مصدرها خطية. فالله لن يقبل الظالم مهما كان مركزه، فالله رفض ملكاً (آخاب) لظلمه رجلاً فقيراً (نابوت اليزرعيلي) ويستجيب الله صلاة المظلوم واليتيم والأرملة. بل يعتبر أن الدموع التي تسيل على خد الأرملة صراخٌ يصعد إليه في السماء. والله لا يتلذذ بهذه الدموع، أي لا يحتملها بل هي تغيظه، فينتقم لهذه المظلومة. وليس كل من يتعبد يقبله الله، بل إن المتعبد يُقبل بمرضاة أي لو كانت تصرفاته ترضي الله، في هذه الحالة فإن صلاته تبلغ إلى الغيوم= تصل للسماء وصلاة المتواضع لها درجة أعلى فهي تنفذ الغيوم بل لا تستقر حتى تصل بل لا تنصرف حتى يفتقد العلي ويحكم بعدل ويجري القضاء للمظلوم. والرب لا يبطئ.. وينتقم .. ويحطم صوالجة جمع صولجان، أي حتى الملوك الظالمين ينتقم منهم الله. فالله يحب أن يستجيب للمسكين ولكن للمسكين المنسحق وليس المسكين ذو القلب المتعجرف المتذمر على الله، وهذا معنى صلاة المتواضع (21). وكونه يذكر الصوالجة= فهذا إشارة لأن الله ينتقم ليس من الأفراد فقط بل من الملوك الظالمين لشعبه. ويشبه رحمة الله بسحاب المطر في أوان القحط.


 

الإصحاح السادس والثلاثون

الآيات (1-19): "1 أيها الرب اله الجميع ارحمنا وانظر إلينا وارنا نور مراحمك. 2 والق رعبك على جميع الأمم الذين لم يلتمسوك ليعلموا انه لا اله إلا أنت ويخبروا بعظائمك. 3 ارفع يدك على الأمم الغريبة وليعرفوا عزتك. 4 كما قد ظهرت فينا قداستك أمامهم هكذا فلتظهر عظمتك فيهم أمامنا. 5 وليعرفوك كما عرفنا نحن أن لا اله إلا أنت يا رب. 6 أستأنف الآيات واحدث العجائب. 7 مجد يدك وذراعك اليمنى. 8 اثر غضبك وصب سخطك. 9 دمر المقاوم وأحطم العدو. 10 عجل الزمان واذكر الميثاق وليخبر بعظائمك. 11 لتأكل نار الغضب الناجي وليلق مضايقو شعبك الهلاك. 12 أهشم رؤوس قادة الأعداء القائلين ليس غيرنا. 13 اجمع كل أسباط يعقوب واتخذها ميراثا لك كما كانت في البدء. 14 أيها الرب ارحم الشعب الذي دعي باسمك وإسرائيل الذي أنزلته منزلة بكرك. 15 أشفق على مدينة قدسك أورشليم مدينة راحتك. 16 أملأ صهيون لكي تنادي بأقوالك أملأ شعبك من مجدك. 17 اشهد للذين هم خلقك منذ البدء وأيقظ النبوءات التي باسمك. 18 أعط الذين ينتظرونك الثواب وليتبين صدق أنبيائك استجب أيها الرب لصلاة المتضرعين إليك. 19 على حسب بركة هرون على شعبك فيعلم جميع سكان الأرض انك أنت الرب اله الدهور."

هي صلاة تضرع لإستمطار مراحم الرب على إسرائيل ليخلصها الله من الملوك الظالمين. هو في الإصحاح السابق آية (23) قال إن الله ينتقم من الأمم والملوك الظالمين. وفي هذه الصلاة يطلب أن ينفذ الرب وعوده وينقذ شعبه، ونحن علينا أن لا نعتمد على وعود الله فقط، بل علينا أن نصلي ونصرخ والله يستجيب. لذلك تصلي الكنيسة "أذكر يا رب كذا وكذا" والشعب يجيب بصراخ "يا رب إرحم". وإذا فهمنا أن إسرائيل كانت تصرخ للخلاص من حكم اليونان في ذلك الوقت، فلقد كان العالم كله كأنه في صراخ طلباً لظهور المسيح المخلص ويكون لفظ الأمم كناية عن الشيطان الذي أذل البشر. إرفع يدك على الأمم وليعرفوا عزتك= سواء اليونانيين أو الشياطين.كما قد ظهرت فينا قداستك أمامهم= قداسة الله تظهر في عدم قبوله الخطية وفي تأديب أولاده، وهذا ظهر في أن الله ترك شعبه في يد اليونانيين ليؤدبوهم، وترك العالم للشيطان يستعبدهم فيتأدبوا. هكذا فلتظهر عظمتك فيهم أمامنا= وهذا ما حدث من رعب الشياطين أمام المسيح (مت29:8 + لو28:8) ولاحظ سجود الرجل أو قل الشيطان، فالشيطان هو الذي كان يحرك الرجل في ذلك الوقت (هذه قصة مجنون كورة الجدريين). بل هي طلبة ليعرف الأمم الله (5). وطلبة أن يعيد الله معجزاته القديمة لينقذ شعبه (6-9). عجل الزمان= بالتأكيد يا رب أنت ستتدخل وتنقذ شعبك. لكن ليتك تسرع بهذا. هذه تساوي قول إشعياء (ليتك تشق السموات وتنزل" (1:64) هذه عن تجسد المسيح ونزوله للأرض.

وأذكر الميثاق= هذا كان وعد الله منذ البدء لحواء (تك15:3) وتكرر الوعد كثيراً بمجيء المسيح المخلص. وربما فهمها يشوع بن سيراخ عن خلاص إسرائيل من اليونان ورجوعها لمجدها.

لتأكل نار الغضب الناجي= نار غضبك فلتأكل من ينجو من أعداء إسرائيل، ونفهمها "إلقي يا رب الشيطان في البحيرة المتقدة بالنار". إجمع كل أسباط يعقوب= إجمع يا رب كل الشتات من أسباط يعقوب كدولة واحدة كما كانت أيام داود وسليمان. ونحن نصلي ليجمع الكنيسة تحت إيمان واحد. إشفق على مدينة قدسك أورشليم (الكنيسة الآن). إملأ صهيون= [1] لليهود تفهم على أن يملأ الرب أورشليم من الأسباط المشتتين أيام ظلم أنطيوخس أبيفانيوس لهم. [2] الكنيسة تفهمها أنها صلاة ليدخل غير المؤمنين للكنيسة ويعود الخطاة غير التائبين بالتوبة للكنيسة ويملأ الكل الكنيسة تسبيح= لكي تنادي بأقوالك.

إملأ شعبك من مجدك= هذه بحسب (زك5:2) تعني حل وسط شعبك فهذا مجد لشعبك. إشهد للذين هم خلقك منذ البدء= إظهر يا رب للعالم كله أن الكنيسة خليقتك الجديدة (2كو17:5) أنها مازالت عروسك. وأيقظ النبوات= فلتتحقق ويراها الناس. منذ البدء بالنسبة لليهود تعني من بدء إختيار الآباء. وبالنسبة للكنيسة تعني من بدء الخلاص بدم المسيح.

إعط kأ أنللذين ينتظرونك الثواب= إعط يا رب كل المؤمنين الواثقين بك أن يفرحوا بك وبمجدك وبتحقيق وعودك. وبركة هرون لشعبه تجدها في (عد24:6-27).

 

الآيات (20-22): "20 الجوف يتناول كل طعام لكن من الطعام ما هو أطيب من غيره. 21 الحلق يميز أطعمة الصيد والقلب الفهم يميز الأقوال الكاذبة. 22 القلب الخبيث يورث الغم والرجل الكثير الخبرة يكافئه."

على كل حكيم أن يميز بين كلام له قيمة وكلام تافه. فالإنسان يأكل أنواع كثيرة ولكن هناك طعام أفضل من طعام، بل هناك طعام لا يؤكل. فعلى الإنسان أن يكون له فضيلة الإفراز فيميز الكلام الذي يسمعه، وبنفس المفهوم علينا أن لا ننطق بكلمة قبل أن نميز هل هي كلمة بطالة أم كلمة جيدة. القلب الخبيث الذي يميل لسماع الكلام البطال الذي يتفق مع الخبث الذي داخله يورث الغم. فمن المستحيل أن تعطي الخطية سلاماً. أما القلب النقي للرجل الكثير الخبرة يكافئ صاحبه، إذ تكون قراراته صائبة لا تسبب له متاعب.

 

الآيات (23-28): "23 المرأة تتزوج أي رجل كان لكن في البنات من تفضل على غيرها. 24 جمال المرأة يبهج الوجه ويفوق جميع منى الإنسان. 25 وان كان في لسانها رحمة ووداعة فليس رجلها كسائر بني البشر. 26 من حاز امرأة فهي له راس الغنى وعون بازائه وعمود يستريح إليه. 27 حيث لا سياج ينتهب الملك وحيث لا امرأة ينوح التائه. 28 من ذا يأمن اللص المشدود الأزر الهائم من مدينة إلى مدينة هكذا حال الرجل الذي لا وكر له فيأوي حيثما أمسى."

في (23) المرأة تتزوج بمن يفرضه عليها أبواها (لكن كان هذا في الأزمنة القديمة) ولكن الرجل له ميزة في أنه يختار، من في نظره أفضل من الأخرى، في جمالها (24) والأهم إن كان في لسانها رحمة ووداعة. ولو جمعت زوجة بين الجمال والوداعة لكان زوجها ليس كسائر بنى البشر يفتخر بها لفرحه بها تكون له رأس الغنى= سبباً في نجاحه وغناه، وعمودٌ يستريح إليه= أي سند قوي له في تعبه. أمّا من لا إمرأة تسنده أو من له امرأة مشاكسة فينوح كالتائه= فليس من يسنده ويعينه. وهذا لا يأمن أحد جانبه (28) فالزواج الناجح يحمي الرجل من المسالك الشريرة وتكون إمراته له كسياج بدلاً من الإنحراف. وخلاصة هذه الآيات أن ينتقي الشاب زوجة يرتاح لشكلها ولا يهتم فقط بالشكل بل بالأخلاق والطباع، ويهتم بالزواج فيحميه الزواج من الإنحراف في طريق الزنى (1كو2:7).


 

الإصحاح السابع والثلاثون

الآيات (1-6): "1 كل صديق يقول لي مع فلان صداقة لكن رب صديق إنما هو صديق بالاسم إلا يورث الغم حتى الموت. 2 كل صاحب وصديق يتحول إلى العداوة. 3 أيها الاختراع الموبق من أين هبطت فغطيت اليبس خيانة. 4 رب صاحب يتنعم مع صديقه في السراء وعند الضراء يضحي له عدوا. 5 رب صاحب لأجل بطنه يجد مع صديقه ويحمل الترس في الحرب. 6 لا تنس صديقك في قلبك ولا تتغاض عنه وأنت موسر."

الصداقة ليست كلمة تقال (1) بل الذي تظنه صديق ويتحول إلى العداوة يورث الغم حتى الموت (2). أيها الإختراع الموبق من أين هبطت= لقد خلق الله الإنسان باراً طاهراً، فمن أين هبط عليه هذا الشر والخبث الذي يجعل صديق يخون صاحبه. ويسمى هذا الشر هنا إختراع موبق= فهو مستحدث على الإنسان وليس من طبعه، وفي ترجمات أخرى ترجمت "الميل الفاسد" و "الدافع الشرير" و "الخيال الخبيث" وهذا الشر يقول عنه هبطت فغطيت اليبس (الأرض) خيانة ويشير لنوعيات سيئة من الأصدقاء (4،5) ممن يعرفون أصدقاءهم وقت السراء أو لأنهم يستفيدون منهم لأجل بطنه يجد مع صديقه بل ما دام يستفيد من صديقه يحمل الترس في الحرب= أي يحارب عن صديقه، وإذا لم يعد يستفيد من صديقه، وصار صديقه في الضراء يضحي عدواً له هذا هو الشر والخبث. وآية (6) هي نصيحة أن لا يتخلى أحد عن صديقه.

 

الآيات (7-19): "7 لا تستشر من يرصدك واكتم مشورتك عمن يحسدك. 8 كل مشير يبدي مشورة لكن رب مشير إنما يشير لنفسه. 9 الحذر لنفسك من المشير واستخبر أولا عن حاجته فانه يشير بما ينفعه. 10 لئلا يلقي القرعة عليك ويقول لك. 11 سبيلك حسن ثم يقف تجاهك ينظر ماذا يحل بك. 12 لا تستشر المنافق في التقوى ولا الظالم في العدل ولا المرأة في ضرتها ولا الجبان في الحرب ولا التاجر في التجارة ولا المبتاع في البيع ولا الحاسد في شكر المعروف. 13 ولا الجافي في الرقة ولا الكسلان في شيء من الشغل. 14 ولا الأجير المساكن في إنجاز الشغل ولا البطال في كثرة العمل لا تلتفت إلى هؤلاء لشيء من المشورة. 15 لكن ائلف الرجل التقي ممن علمته يحفظ الوصايا. 16 ونفسه كنفسك وإذا سقطت يتوجع لك. 17 واعقد المشورة مع القلب فانه ليس لك مشير انصح منه. 18 لان نفس الرجل قد تخبر بالحق اكثر من سبعة رقباء يرقبون من موضع عال. 19 وفي كل هذه تضرع إلى العلي ليهديك بالحق في الطريق المستقيم."

هذه عن المشورة، فليس كل إنسان يمكن أن نستشيره، ويورد هنا قائمة بمن لا يحسن أن نستشيرهم. ويقول إستشر قلبك فهو أمين معك (17) والأهم إستشر الله بأن تتضرع إلى العلي (19) ليهديك بالحق. وفي العهد الجديد صار هذا عمل الروح القدس الساكن فينا، الذي يعطي الإستشارة= النصح (2تي7:1)

ففي (7) لا تتشاور مع من يكرهونك وهذه منطقية، وهناك من يشير عليك ليس لمصلحتك بل يشير لنفسه= لما فيه مصلحته هو. وإستخبر أولاً عن حاجة من تستشيره لتعرف أين مصلحته ولماذا أشار عليك بهذه المشورة. وهناك من يشير عليك بشئ يريد أن يجربه فيك= يُلقي القرعة عليك أولاً ثم يقف تجاهك ينظر ماذا يحل بك فلو نجحت لعمل مثلك ولو فشلت فلم يصبه ضرر (11) ولا تستشر المنافق في التقوى= فمن أين للخاطئ بمشورة صالحة. والمرأة معروف كراهيتها لضرتها. ولا الجبان= فسيلقي الخوف في قلبك. ولا التاجر= فهو سيشهد لتجارته ويشهد ضد منافسه. ولا المبتاع في البيع= فهذا سينزل بقيمة ما يشتريه ليدفع أقل. ولا الحاسد في شكر المعروف= "في عرفان الجميل" في ترجمة أخرى. أي لا تستشر حاسد في كيف ترد جميل من أحسن إليك، فهو لا يفهم في هذا فقلبه مملوء كراهية للجميع ولا يتمنى خيراً لأحد. ولا تستشر الجافي= فسيشير عليك بأن تكون غليظ القلب. ولا الأجير المساكن في إنجاز الشغل= المساكن مترجمة (موسمي) في ترجمات أخرى. فهذا يعمل يوماً لإنجاز عمل ما، وهو لا يهتم بالعمل، بل بأجرته لينصرف، فلا تستشيره بخصوص العمل. ولكن إستشر الرجل التقي الذي يحفظ الوصايا= هذا يكون له ضمير صالح وسيشير عليك كما لو كان يشير على نفسه= نفسه كنفسك يتألم لك لو سقطت.

dkأين

الآيات (20-29): "20 الكلام مبدأ كل عمل والمشورة قبل الفعل. 21 الوجه يدل على تغير القلب أربعة تصدر من القلب الخير والشر والحياة والموت والمتسلط على هذه في كل حين هو اللسان. 22 من الناس من هو ذو دهاء مؤدب لكثيرين لكنه لا ينفع نفسه شيئا. 23ومنهم من يدعي الحكمة وكلامه مكروه فمثل هذا يحرم كل قوت. 24 لأنه لم يؤت الحظوة من عند الرب إذ ليس من الحكمة على شيء. 25 ومنهم من حكمته لنفسه وثمار عقله صالحة في الفم. 26 الرجل الحكيم يعلم شعبه وثمار عقله صالحة. 27الرجل الحكيم يمتلئ بركة ويغبطه كل من يراه. 28 حياة الرجل أيام معدودة أما أيام إسرائيل فلا عدد لها. 29 الحكيم يرث ثقة شعبه واسمه يحيا إلى الأبد."

في (20-21) كما أن الكلام مبدأ كل عمل، فقبل أي عمل يحدث نوع من الإتفاق والتشاور= والمشورة قبل الفعل. هكذا اللسان يقود القلب (يع3) فيخرج من القلب إمّا خير وإمّا شر، إما حياة وإمّا موت. وكل ما يفكر فيه القلب يظهر على الوجه= الوجه يدل على تغير القلب. (2مك30:14). إذاً المطلوب أن يختار الإنسان كلامه بعناية.

وفي (22) نجد إنساناً يعلم الآخرين ولا يعمل هو بما يقوله "أما من عَمِل وعَلَّمَ فهذا يُدعي عظيماً في ملكوت السموات" (مت19:5). وهناك من يَدَّعي الحكمة= يريد أن يصير معلماً وهو لا يعرف شيئاً، هذا يكتشفه الناس وينفضوا من حوله= كلامه مكروه. وهذا يظل في كبريائه لا يتعلم إذ يظن أنه المعلم. مثل هذا يُحرم كل قوت= أي لن يتعلم أبداً. لأنه لم يؤت الحظوة من عند الرب= في ترجمة أخرى "إذ ليس من الحكمة في شئ" فمن له الحكمة ويطلب أن يتعلم يعطيه الرب ويزيده، ولكن هذا المتكبر لن يأخذ شيئاً. وهناك من له حكمة ولكنه أبقاها لنفسه. وهذا مشكلته أنه يعلم ولكنه لا يُعَلِّم. لكنه في تصرفاته حكيم وأقواله في حكمة= ثمار عقله في الفم. والأفضل من كليهما من عمل وعَلَّمَ (مت19:5) وهذا يملأه الله من البركة ويغبطه كل من يراه= والناس تمدحه. ولو كانت أيامه قليلة أي يحيا لمدة قصيرة، لكن أيام إسرائيل فلا عدد لها= أي يظل إسمه محفوراً كحكيم طوال أيام إسرائيل، وهكذا كان يشوع بن سيراخ نفسه.

 

الآيات (30-34): "30 يا بني جرب نفسك في حياتك وانظر ماذا يضرها وامنعها عنه. 31 فانه ليس كل شيء ينفع كل أحد ولا كل نفس ترضى بكل أمر. 32 لا تشره إلى كل لذة ولا تنصب على الأطعمة. 33 فان كثرة الأكل تهيض الأكل والشره يبلغ إلى المغص. 34 كثيرون هلكوا من الشره أما القنوع فيزداد حياة."

على الإنسان أن يراقب نفسه ويعرف بالضبط الكمية التي تناسب معدته من الطعام، ولا يكن شرها ويأكل أكثر منها فيتقيأها (تهيض) وتمغص بطنه. إذاً على الإنسان أن يجري وراء شهوته بدون تعقل. بل هناك من ماتوا من الشره.


 

الإصحاح الثامن والثلاثون

الآيات (1-15): "1 أعط الطبيب كرامته لأجل فوائده فان الرب خلقه. 2 لان الطب آت من عند العلي وقد أفرغت عليه جوائز الملوك. 3 علم الطبيب يعلي رأسه فيعجب به عند العظماء. 4 الرب خلق الأدوية من الأرض والرجل الفطن لا يكرهها. 5 أليس بعود تحول الماء عذبا حتى تعرف قوته. 6 أن العلي الهم الناس العلم لكي يمجد في عجائبه. 7 بتلك يشفي ويزيل الأوجاع ومنها يصنع العطار أمزجة وصنعته لا نهاية لها. 8 فيحل السلام من الرب على وجه الأرض. 9 يا بني إذا مرضت فلا تتهاون بل صل إلى الرب فهو يشفيك. 10 اقلع عن ذنوبك وقوم أعمالك ونق قلبك من كل خطيئة. 11 قرب رائحة مرضية وتذكار السميذ وأستسمن التقدمة كأنك لست بكائن. 12 ثم اجعل موضعا للطبيب فان الرب خلقه ولا يفارقك فانك تحتاج إليه. 13 أن للأطباء وقتا فيه النجح على أيديهم. 14 لأنهم يتضرعون إلى الرب أن ينجح عنايتهم بالراحة والشفاء لاسترجاع العافية. 15 من خطئ أمام صانعه فليقع في يدي الطبيب."

عن الأمراض والأطباء. ويشرح الحكيم هنا أن الله أعطى الأطباء حكمة يداوون بها المرضى ( 2) ولذلك فالملوك يكافئون الأطباء على عملهم وبراعتهم (2) وبالتالي فلنكرمهم من أجل خدماتهم (1). والطبيب كلما إزداد علماً يُعلي رأسه. وليس من الخطأ في شئ أن نذهب للأطباء، فالرب هو خالق الطبيب ومعطيه العقل والحكمة وهو خالق الأدوية، لذلك فمن له حكمة لا يكرهها (4). والسيد المسيح أشار للأطباء "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى". واٌلإشارة في (5) عن حادثة إلقاء موسى لعود في الماء فصار عذباً. حتى تُعرف قوته= "خاصيته" في ترجمة أخرى. فالله لم يشفى الماء بدون شئ ملموس، هو العود. والله يشفي المرضي بشئ ملموس هو الطبيب والدواء، والكل من عنده. لكن الله يستخدم شيئاً ملموساً لأننا بشر ولسنا أرواحاً، فنحتاج لشئ نراه. ولكن قوله حتى تعرف قوة الرب فهي إشارة لأن العود رمز للصليب الذي ظهرت فيه قوة المخلص. وصارت هذه خاصية الصليب وقوته أنه يحول مر حياتنا لعذوبة. وفي (9) على المريض أن يبدأ بالصلاة لله وفي (10) عليه بالتوبة فكثير من الأمراض سببها الخطية. وهذا ما قاله السيد الرب لمريض بيت حسدا بعد أن شفاه "لا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر" (يو14:5). وحينما أراد أن يشفي المفلوج قال له "مغفورة لك خطاياك" (مت2:9) وفي (11) إعطِ للرب من عطاياك. كأنك لست بكائن= في ترجمة أخرى "بحسب ما في يديك" وأخيراً إذهب للطبيب. إذاً الله أولاً ثم الطبيب ثانياً. وفي الآيات (13-15) هذه عن ما نسميه الآن سر مسحة المرضى. فالأطباء هنا هم الكهنة الذين يصلون لمغفرة الخطايا وبالتالي شفاء المريض. إن للأطباء= هم من يصلون عن المريض (14) النجح= العافية والشفاء. ومن أخطأ ومرض فليذهب لهؤلاء (15). ونلاحظ أن كل صلوات سر مسحة المرضى هي طلبة لمغفرة الخطايا وطلبة للشفاء وهكذا.

 

الآيات (16-24): "16 يا بني اذرف الدموع على الميت واشرع في النياحة على ما يليق بذي مصيبة شديدة وكفن جسده كما يحق ولا تتهاون بدفنه. 17 ليكن بكاؤك مرا وتوهج في النحيب. 18 أقم المناحة بحسب منزلته يوما أو يومين دفعا للغيبة ثم تعز عن الحزن. 19 فان الحزن يجلب الموت وغمة القلب تحني القوة. 20 في الانفراد الحزن يتشدد وحياة البائس هي على حسب قلبه. 21 لا تسلم قلبك إلى الحزن بل اصرفه ذاكرا الأواخر. 22لا تنس فانه لا رجوع من هناك ولست تنفعه ولكنك تضر نفسك. 23 اذكر أن ما قضي عليه يقضى عليك لي أمس ولك اليوم. 24 إذا استراح الميت فاسترح من تذكره وتعز عنه عند خروج روحه."

لا يمكن أن نطلب من أقارب الميت أن لا يبكوا على ميتهم، فهذا ضد العواطف البشرية، والمسيح بكي على قبر لعازر، بل كان سيعلم أنه سيقيمه بعد دقائق. ولكن بكى حزناً على ما أصاب البشر من موت وعلى حال أحباء لعازر وأختيه وبكائهم . لكن حزن أولاد الله يكون فيه رجاء وليس يأس، رجاء بأننا سنتلاقي قريباً في السماء، لذلك يقول بولس الرسول "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم (1تس13:4). ففي (16) على أقارب الميت أن يدفنوا ميتهم بكل إكرام ودموع، هذا ليس خطأ. ليكن بكاؤك مراً= إبك كما تريد، لكن ليس بيأس فهذا لا يليق بأولاد الله المؤمنين بأن ميتهم في السماء. وإشرع في النياحة (16) أي المناحة. "بكاءً مع الباكين" (رو15:12). أقم المناحة بحسب منزلته= وهذه كانت تصل لثمانين يوماً، لكن يشوع بن سيراخ يرى أن هذا مبالغاً فيه، وهذا حق، فيقول يوماً أو يومين دفعاً للغيبة= حتى لا يتكلم الناس ويقولون أهملوا في حق ميتهم. ثم تعز عن الحزن وهذا عجيب، وربما بروح النبوة أن الحكيم يتكلم عن التعزية في اليوم الثالث الذي صار علامة للقيامة. الحزن يجلب الموت (19) هنا الكلام عن الحزن الذي يصاحبه يأس ويشجع عليه الشيطان. في الإنفراد الحزن يتشدد= إذ يعمل إبليس على زيادة المواجع. لكن أيضاً فالروح القدس المعزي يقوم بعمله في تعزية الحزانى، لكن كل واحد بحسب إختياره= حياة البائس هي على حسب قلبه= فلنرفع قلوبنا في هذه الأوقات الصعبة ونطلب الله، والرب يعطي التعزية، ولا نتجاوب مع همس إبليس بالتشكيك في محبة الله ومراحمه= ولا تسلم قلبك إلى الحزن المقصود الحزن الشديد الذي يصاحبه اليأس. وأذكر الآخرة= وأنك ستقابل المنتقلين. وأيضاً أذكر أنك ستدان من الله، ولا تقل كلاماً شديداً على الله فإنك بهذا تضر نفسك (22) وأنك ذاهب له وهو لن يأتي ثانية. إذا إستراح الميت= إذا كان الميت يحيا في توبة مع الله فلماذا الحزن الشديد عليه فهو ذهب إلى السماء فإسترح من تذكره= أي إرتاح من جهته فهو الآن في الراحة.

 

الآيات (25-39): "25 الكاتب يكتسب الحكمة في أوان الفراغ والقليل الاشتغال يحصل عليها. 26 كيف يحصل على الحكمة الذي يمسك المحراث ويفتخر بالمنخس ويسوق البقر ويتردد في أعمالها وحديثه في أولاد الثيران. 27 قلبه في خطوط المحراث وسهره في تسمين العجال. 28 كذلك كل صانع ومهندس ممن يقضي الليل كالنهار والحافرون نقوش الخواتم الجاهدون في تنويع الأشكال الذين قلوبهم في تمثيل الصورة بأصلها وسهرهم في استكمال صنعتهم. 29 وكذلك الحداد الجالس عند السندان المكب على صوغ حديدة ضخمة يصلب وهج النار لحمه وهو يكافح حر الكير. 30 صوت المطرقة يتتابع على أذنيه وعيناه إلى مثال المصنوع. 31 قلبه في إتمام المصنوعات وسهره في تزيينها إلى التمام. 32 وهكذا الخزاف الجالس على عمله المدير دولابه برجليه فانه لا يزال مهتما بعمله ويحصي جميع مصنوعاته. 33 بذراعه يعرك الطين وأمام قدميه يحني قوته. 34قلبه في إتقان الدهان وسهره في تنظيف الأتون. 35 هؤلاء كلهم يتوكلون على أيديهم وكل منهم حكيم في صناعته. 36 بدونهم لا تعمر مدينة. 37 لا يأوون المدن ولا يتمشون ولا يدخلون الجماعة. 38 ولا يجلسون على منبر القاضي ولا يفقهون فنون الدعاوي ولا يشرحون الحكم والقضاء ولا يضربون الأمثال. 39 لكنهم يصلحون الأشياء الدهرية ودعاؤهم لأجل عمل صناعتهم خلافا لمن يسلم نفسه إلي التأمل في شريعة العلي."

ملخص هذه الآيات إن التبحر في دراسة الشريعة تحتاج لوقت طويل لدراسة الشريعة والقراءة. وهذه تحتاج لوقت طويل، لا يجده المهندس والصانع والزارع، فهل هذا عيبٌ فيهم؟ قطعاً لا. فالبلد يحتاج لهم، كما يحتاج للكتبة. الناس تحتاج لهؤلاء كما تحتاج للكاتب وإلاّ تخرب البلد. فالفكرة أن هناك تكامل بين كل فئات المجتمع. في (29) يُصلِّب وهج النار لحمه= من شده وهج نار الفرن= الكير يتصلب لحم الحداد. كل المهن التي ذكرها، أصحابها كل منهم حكيم في صناعته. فليس الحكيم فقط هو الكاتب الفيلسوف المتبحر دارس الشريعة الذي يتأمل فيها (39). وهذا لا يتعارض مع أن كل صاحب مهنة عليه أن يتبع شريعة الله فيكون له نصيبه من الحكمة لكن إبن سيراخ يقصد هنا بالكاتب (25) الدارس المتبحر في الكتاب المقدس، وهذا غير متاح لكل إنسان. ولكن كل إنسان عليه فقط إتباع الوصايا فيصير حكيماً.


 

الإصحاح التاسع والثلاثون

الآيات (1-15): "1 فانه يبحث عن حكمة جميع المتقدمين ويتفرغ للنبوءات. 2 يحفظ أحاديث الرجال المشهورين ويدخل في أفانين الأمثال. 3 يبحث عن خفايا الأقوال السائرة ويتبحر في الغاز الاحاجي. 4 يخدم بين أيدي العظماء ويقف أمام الرئيس. 5 يجول في ارض الأمم الغريبة فيختبر في الناس الخير والشر. 6 يوجه قلبه إلى الابتكار أمام الرب صانعه ويتضرع إلى العلي. 7 ويفتح فاه بالصلاة ويستغفر لخطاياه. 8 فان شاء الرب العظيم يملاه من روح الفهم. 9 فيمطر بأقوال حكمته وفي الصلاة يعترف للرب. 10 يستهدي بمشورته وعلمه ويتأمل في خفاياه. 11 يبين تأديب إرشاده ويفتخر بشريعة عهد الرب. 12 كثيرون يمدحون حكمته وهي لا تمحى إلى الأبد. 13 ذكره لا يزول واسمه يحيا إلى جيل الأجيال. 14 تحدث الأمم بحكمته وتشيد الجماعة بحمده. 15 أن بقي خلف اسما اكثر من ألف وان دخل إلى الراحة أفاد نفسه."

إستمراراً لكلامه عن وظيفة الكاتب التي ذكرها في الإصحاح السابق، يتكلم عنهم هنا فهو يبحث عن حكمة الأباء السابقين= جميع المتقدمين. ويتفرغ للنبوءات يدرسها ويفسرها. يدخل في أفانين الأمثال= تشعباتها وإحتمالاتها. والأقوال السائرة يبحث عن خفاياها وحكمتها وهؤلاء الدارسين يستخدمهم العظماء والملوك ويرسلونهم كسفراء (5) فتزداد خبراتهم= فيختبر في الناس الخير والشر. وهو رجل مصلي= يوجه قلبه إلى الإبتكار أمام الرب صانعه ويتضرع= فهو لا يمكنه أن يفهم دون معونة من الله. هكذا قال السيد المسيح "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً" (يو5:15). فإن شاء الرب العظيم يملأه من روح الفهم (8) ويمطر الله عليه بأقوال حكمته وهو يرد بالشكر لله= وفي الصلاة يعترف للرب. وهو يعلم الناس ما تعلمه= يبين تأديب إرشاده ويفتخر بشريعة عهد الرب= ولا يفتخر بأي مجد عالمي. وإن دخل إلى الراحة= عند موته يخلص= أفاد نفسه .

 

الآيات (16-41): "16 أني استمر على بيان أفكاري لأني امتلأت كبدر تم. 17 اسمعوني أيها البنون الأصفياء أنبتوا كورد مغروس على نهر الصحراء. 18 وأفيحوا عرفكم كاللبان. 19وأزهروا كالزنبق انشروا عرفكم وسبحوا بترنيمكم باركوا الرب على جميع أعماله. 20 وعظموا اسمه اعترفوا له بالتسبيح بترانيم الشفاه وبالكنارة وقولوا هكذا بالاعتراف. 21 أعمال الرب كلها حسنة جدا وجميع أوامره تجرى في أوقاتها وكلها تطلب في أونتها. 22 بكلمته وقف الماء كربوة وقفت حياض المياه بقول فمه. 23 في أمره كل مرضاة وليس أحد يمنع تمام خلاصه. 24 أعمال كل ذي جسد أمامه ولا شيء يخفى عن عينيه. 25 ينظر من دهر إلى دهر وليس شيء عجيبا أمامه. 26 ليس لقائل أن يقول ما هذا أو لم هذا لان كل شيء خلق لفوائد تختص به. 27 فاضت بركته كنهر. 28 وروت اليبس كطوفان كذلك يورث الأمم غضبه. 29 كما حول المياه إلى يبس طرقه مستقيمة للقديسين كذلك هي معاثر للاثماء. 30 الصالحات خلقت للصالحين منذ البدء كذلك الشرور للأشرار. 31 راس ما تحتاج إليه حياة الإنسان الماء والنار والحديد والملح وسميذ الحنطة والعسل واللبن ودم العنب والزيت واللباس. 32 كل هذه خيرات للأتقياء وكذلك هي تتحول للخطاة شرورا. 33 من الأرواح أرواح خلقت للانتقام وهذه في غضبها تشدد سياطها. 34 وفي وقت الانقضاء تصب قوتها وتسكن غضب صانعها. 35 النار والبرد والجوع والموت كل هذه خلقت للانتقام. 36 أنياب السباع والعقارب والأفاعي والسيف تنتقم من المنافقين بإهلاكهم. 37 هذه تفرح بوصيته وعلى الأرض تستعد لوقت الحاجة وفي أزمنتها لا تتعدى كلمته. 38 فلذلك ترسخت منذ البدء وتأملت ورسمت في كتابي. 39 أن جميع أعمال الرب صالحة فتؤتي كل فائدة في ساعتها. 40وليس لقائل أن يقول أن هذا شر من هذا فان كل أمر يستحسن في وقته. 41 فالان سبحوا بكل قلوبكم وأفواهكم وباركوا اسم الرب."

هذه تسبحة للرب، فالحكيم في حكمته أدرك حكمة الله، الذي ظهرت للحكيم فسبحه. وهو هنا يبين أفكاره عن الله إذ صار ممتلئاً من حكمة الله ونور الله كبدرٍ تام وهو يدعو تلاميذه لينبتوا كورد مغروس على نهر الصحراء= هم كورد له رائحة المسيح الزكية على نهر الروح القدس (مز1) في وسط عالم كالصحراء. عَرْفكُم= الريح سواء طيبة أو نتنة (مختار الصحاح). أفيحوا عرفكم= لتكن سيرتكم كاللبان= البخور، فيها تقوى ورائحة زكية وسيرة حلوة.

إزهروا كالزنبق= ليكن شكلكم أمام الناس وأعمالكم تمجد الله. ويطلب التسبيح لله. أعمال الرب كلها حسنة جداً= حتى ما لا نفهمه منها. وكل أوامره محددة بأوقاتها= فالله لا يخطئ وفي (22) عن شق البحر ونهر الأردن. في أمره كل مرضاة= هو يصنع مرضاته وليس أحد يمنع تمام خلاصه= هو دائماً يسعى لخلاص الإنسان. كل ما خلقه له فائدة ولا حق لأحد أن يعترض لأن فهمنا محدود (26). يورث الأمم غضبه= كما حدث لسدوم وعمورة وغيرهما. حَوًَّل الماء إلى يبس= ليمر شعبه في البحر الأحمر، كذلك هي معاثر للأثماء= حين مر المصريون من البحر إنغلق عليهم. وفي (32) الماء قد يغرق الأشرار، والنار أحرقت سدوم وعمورة بينما هي خير لا يستغنى الإنسان عنه. من الأرواح أرواح خلقت للإنتقام= كلمة روح وريح هي كلمة واحدة. والمقصود هنا الريح التي تصبح زوابع مدمرة. أدوات الإنتقام هذه هي رهن إشارة الله= تفرح بوصيته= هو يصورها كأنها أشخاص تحب الله ورهن إشارته فتفرح بأن تنفذ إرادته في عقاب الأشرار. ولما أدرك إبن سيراخ حكمة الله في كل خليقة دون هذا وطلب أن نسبح الله.


 

الإصحاح الأربعون

الآيات (1-11): "1 جهد عظيم خلق لكل إنسان ونير ثقيل وضع على بني آدم من يوم خروجهم من أجواف أمهاتهم إلى يوم دفنهم في الأرض أم الجميع. 2 فان عندهم انزعاج الأفكار وروع القلب وقلق الانتظار ويوم الانقضاء. 3 من الجالس على العرش في المجد إلى المتضع على التراب والرماد. 4 من اللابس السمنجوني والتاج إلى الملتف بالكتان الخشن وزد على ذلك الغضب والغيرة والاضطراب والجزع وخوف الموت والحقد والخصومة. 5 وفي وقت الراحة على الفراش نوم الليل الذي يكدر خاطر الإنسان. 6 فهو في راحة قليلة كلا شيء وبعد ذلك في الأحلام كما في يوم المراقبة. 7 يرتعد من رؤيا قلبه كالمنهزم من وجه الحرب وعند نجاته يهب ويتعجب من زوال خوفه. 8 هذا حال كل ذي جسد من الإنسان إلى البهيمة وللخطاة من ذلك سبعة أضعاف. 9 الموت والدم والخصومة والسيف والنوائب والجوع والسحق والسوط. 10 كل ذلك خلق للاثماء ولأجلهم أتى الطوفان. 11 كل ما هو من الأرض فإلى الأرض يعود وكل ما هو من المياه فإلى البحر ينثني."

هذه عن شقاء حياتنا كبشر فكلها جهد عظيم= متاعب كثيرة (1) ونهايتها نعود للتراب (11) ولكن علينا أن نعترف أن كل هذا الشقاء والمتاعب هو بسبب الخطية "أنا إختطفت لي قضية الموت "ولكن الله في محبته"حول العقوبة لي خلاصاً". فلما فسدت طبيعتنا صارت هذه الآلام لتنقيتنا فنكمل ويكون لنا الخلاص. ولكن المشاهد للناس أن البشر في ألم. وكان ذلك منذ "أخضعت الخليقة للباطل" (رو20:8) ولكن كان هذا على رجاء، فهذه الصورة لن تستمر.

هناك إنزعاج الأفكار وروع القلب والخوف من الموت= يوم الإنقضاء. وهذا الخوف للملوك والفقراء (3). اللابس السمنجوني والتاج= أي الملوك (4) هو قلق من أفكاره على فراشه وقلق في أحلامه. فهو ينام قليلاً يأخذ فيها بعض الراحة لكن كأنها لا شئ لأن بعد ذلك أفكار مزعجة وأحلام مزعجة كما في يوم المراقبة= "كما في ضوء النهار" في ترجمة أخرى. ويرتعد من رؤيا قلبه كمن يهرب من وجه الحرب. وعندما يستيقظ= يهب= يكون كمن نجا ويتعجب من زوال خوفه الذي خافه في أحلامه. هذا حال كل إنسان وخوف الخاطئ أشد سبعة أضعاف (8) لأن الله يعطي سلاماً لأولاده. وفي (9،10) بعض نوائب الأثمة. والجسد المأخوذ من تراب سيعود للتراب. والماء الذي فيه يتبخر ويعود للماء (11).

 

الآيات (12-17): "12 كل رشوة ومظلمة تمحى والأمانة تبقى إلى الأبد. 13 أموال الظالمين تجف كالسيل وتدوي كالرعد الشديد عند المطر. 14 يفرح الظالم عند بسط يديه لكن المعتدين يضمحلون في الانقضاء. 15 أعقاب المنافقين لا يأتون بفروع كثيرة ولا الأصول النجسة التي على الصخر الصلب. 16 الخضر الذي على كل ماء وشط نهر يقلع قبل كل عشب. 17 النعمة كجنة بركات والرحمة تستمر إلى الأبد."

كل رشوة ومظلمة تمحى= بالرشوة والظلم نكسب بعض المال ولكنه مكسب ينتهي حين نموت فلن نأخذ معنا شيئاً. أما الأمانة تبقى إلى الأبد= مكافأة الأمانة أبدية. بل أن ما يحصل عليه الإنسان بالظلم سيختفي سريعاً كما يجف السيل وكما يدوي صوت الرعد وينتهي (13).

يفرح الظالم عند بسط يديه ليتلقى أموال الظلم، غير عالمِ أنها ستتبخر وتضيع معها أبديته= لكن المعتدين يضمحلون في الإنقضاء (14). أعقاب المنافقين= (أولاد الأشرار) لا يأتون بفروع كثيرة= لن يستمروا ويفرحوا أبائهم. ولا الأصول النجسة= أي هؤلاء المنافقين كأنهم زرعوا على صخر صلب فلن يكون لهم فروع ولا ثمار حلوة، بل يعيشوا قليلاً وينتهوا وينتهي ذكرهم.الخضر الذي على كل ماء وشط نهر= يقصد به نبات الحلفاء الذي يحتاج لمياه غزيرة، فعندما يجف النهر يكون هذا الحلفاء أول ما يقتلع قبل كل عشب بعكس الأعشاب التي يكفيها المياه السطحية أو الأمطار لأن لها جذور. أما الأبرار فلهم نعمة وبركات ورحمة تستمر للأبد.

 

الآيات (18-28): "18 حياة العامل القنوع تحلو لكن الذي يجد كنزا هو فوق كليهما. 19 النسل وابتناء مدينة يخلدان الاسم لكن المرأة التي لا عيب فيها تحسب فوق كليهما. 20 الخمر والغناء يسران القلب لكن حب الحكمة فوق كليهما. 21 المزمار والعود يطيبان اللحن لكن اللسان العذب فوق كليهما. 22 البهاء والجمال تشتهيهما عينك لكن خضر المزرعة فوق كليهما. 23 الصديق والصاحب لهما لقاء وفاق لكن المرأة مع رجلها فوق كليهما. 24 الاخوة والعون لساعة الضيق لكن نصرة الرحمة فوق كليهما. 25 الذهب والفضة يثبتان القدم لكن المشورة تفضل على كليهما. 26 الغنى والقوة يعزان القلب لكن مخافة الرب فوق كليهما. 27 ليس في مخافة الرب افتقار ولا يحتاج صاحبها إلى نصرة. 28مخافة الرب كجنة بركة وقد ألبست مجدا يفوق كل مجد."

حياة العامل القنوع تحلو= في ترجمة أخرى "حياة المكتفي بذاته والعامل" وهذه أدق لأن ما أتى بعدها لكن الذي يجد كنزاً هو فوق كليهما. وبربط هذه الآية بالسابقة نكتشف أن الكنز هو بركة الله إذا كان راضياً عن الإنسان. ما يفرح الإنسان أكثر من النسل وإبتناء مدينة أن تكون له زوجة صالحة. فالزوجة الصالحة تسعد زوجها وتربي أولادها حسناً. هكذا حب الحكمة يعطي سروراً أكثر من الخمر والغناء. فالغناء والخمر يعطيان سروراً وقتياً وإذا توقفا يعود الحزن، أما الحكيم فحكمته سبب سرور دائم له. واللسان العذب له لحن أجمل من المزمار والعود. والمزرعة الخضراء أجمل من المناظر الجميلة= البهاء والجمال فهذه لا تشبع ولا تعطي حياة أمّا المناظر الجميلة فتعطي سروراً وقتياً. نصرة الرحمة= هي عمل رحمة لإنسان في ضيقة لا يطلب من عمل هذه الرحمة مقابلاً لما عمله، أما الإخوة وكل من يعيش سيطلب المقابل. الذهب والفضة لهما فائدة، لكنهما إذا وجدا اليوم لن يوجدا غداً، وقد يضيعا. أما المشورة فهي تهدي وتعوض ما ضاع. والأهم مخافة الرب التي تجعل الله يستر ويحفظ الإنسان بقوة لا نهائية أفضل من غنى وقوة الإنسان المحدودة. بل مخافة الرب كجنة بركة وقد أُلبست مجداً يفوق كل مجد. فهي ليست فقط حماية للإنسان بل مجداً له.

 

الآيات (29-32): "29 يا بني لا تعش عيش الاستعطاء فان الموت خير من التكفف. 30 الرجل الذي يترصد مائدة الغريب عيشه لا يعد عيشا ونفسه تتنجس بأطعمة غريبة. 31 الرجل الأريب المتأدب يتحفظ من ذلك. 32 يحلو الاستعطاء في فم الوقح وفي جوفه تتقد النار."

هذه فيها رفض من الحكيم من التسول= الإستعطاء فالموت خيرٌ من ذلك التكفف= الإستعطاء. الرجل الذي يترصد مائدة الغريب= هي دعوة لأن لا يتطفل إنسان على مائدة أحد إذا إشتهى الأطعمة التي عليها. هي دعوة لضبط البطن. ويقول الحكيم لهذا الإنسان أن هذه الحياة ليست حياة كريمة= عيشه لا يعد عيشاً. وهو كمن نفسه تتنجس بأطعمة غريبة= فهو يأكل من مائدة شخص لا يريده، وكأنه يغتصب منه. الرجل الأريب= "المثقف" في ترجمة أخرى لا يفعل ذلك= يتحفظ من ذلك ويعيش في تعفف يحلو الإستعطاء في فم الوقح= يقول لمن يستعطي منه كلمات حلوة ليستدر عطفه وفي داخله كراهية شديدة لمن يستعطي منه وفي جوفه تتقد النار ضده. وإن لم يعطه ما يطلبه تظهر تلك النيران في شكل شتائم ودعاء عليه بالشر.


 

الإصحاح الحادي والأربعون

الآيات (1-7): "1 أيها الموت ما اشد مرارة ذكرك على الإنسان المتقلب في السلام فيما بين أمواله. 2 على الرجل الذي لا تتجاذبه الهموم الموفق في كل أمر القادر على التلذذ بالطعام. 3 أيها الموت حسن قضاؤك للإنسان المعوز الضعيف القوة. 4 الهرم الذي يتجاذبه كل هم القنط الفاقد الصبر. 5 لا تخش قضاء الموت اذكر أوائلك وأواخرك هذا هو قضاء الرب على كل ذي جسد. 6 وماذا ترفض مما هو مرضاة العلي عشر سنين كانت مرضاته أم مئة أم ألفا. 7انه ليس في الجحيم حساب على العمر."

هذه عن الموت بنظرة العهد القديم. فكانوا يعرفون أن هناك أبدية لكن كانوا يعرفون أنها الجحيم والآن صرنا نعرف أن بعد الموت راحة ونياح [1] راحة للجسد: فما عاد هناك ألم للجسد [2] راحة للنفس: فما عاد هناك آلام نفسية كالهم والقلق والخوف [3] راحة روحية: فالروح لا ترتاح سوى بجانب خالقها والآن بعد الموت ما عاد هناك خطية تفصلها عن الله. هناك يجتمع الأحباب ويعرفون بعضهم يعيشون في فرح وفي إنتظار يوم المجد الأبدي، يوم نلبس الأجساد الممجدة. وما إختبره القديسون كبولس الرسول جعلهم يشتهون الموت "لي إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً" (في23:1). ولكن لننظر لهذه الآيات وهي بمفهوم العهد القديم. أيها الموت ما أشد مرارة ذكرك على الإنسان المتقلب في السلام فيما بين أولاده= أي الذي يعيش في سلام وغني. وهذا صحيح حتى الآن. لذلك يسمح الله ببعض الآلام والتجارب تجعل الإنسان يشعر بتفاهة هذه الدنيا ويلتفت للسماء. وبعد أن كان فرحاً بالأرض تجده يفرح بالسماء بعد أن بدأ يتذوق تعزيات السماء أثناء تجاربه. وهكذا الرجل الذي بلا هم الموفق في عمله والمتلذذ بالطعام (2). أما المعوز الضعيف فيشتهي الموت، لذلك يسمح الله لأولاده الأقوياء والأغنياء ببعض الآلام فيشتهوا الموت. والهرم والمهموم وفاقد الصبر (4) يشتهون الموت. ثم يقول الحكيم لا تخشى الموت أذكر أوائلك أي الذين سبقوك وأواخرك= من يأتون بعدك. هذا هو قضاء الرب على كل ذي جسد= والذي يخشى الموت لا يعرف الحقيقة، ففي لحظة الموت عندما تغادر الروح الجسد يرى الملائكة الذين يأتون ليحملوا النفس إلى الفردوس (مثل أو قصة الغني ولعازر) ونحن نصلي للعذراء مريم الأم ونقول "وعند مفارقة نفسي من جسدي إحضري عندي" صلاة الغروب. فهي لحظة لقاء مع السمائيين ومع أحبائنا الذين سبقونا، وأين يكون اللقاء؟ في الفردوس مكان الراحة. وماذا ترفض مما هو مرضاة العلي= هل ترفض ما يرضى الله. وقطعاً فالله لا يحكم حكماً ظالماً عشر سنين.. أم مئة أم ألفاً= سواء عشت عشر سنين أو مئة أو ألف أكثر، هل تظن أن هذا فيه سعادة لك. أبداً فالنهاية موت، فآدم عاش قرابة الألف سنة ولكنه مات أخيراً. ولنتساءل وما هو المفرح في هذه الحياة؟ أهو المرض المنتشر أم الحزن أم الإضطهاد أم الحسد أم الظلم.. ولكن ما هو الأجمل أن نعيش في هذا الفرح. ولكن لماذا نخاف الموت؟ لأنه المجهول فنتشبث بما نعرفه. ولكن بولس الرسول يقول لنا أن هناك ما لم تره عين.. وكل ما هنا يعلنه لنا الروح القدس (1كو9:2) إذاً فلنصلي لنمتلئ بالروح، والروح يعلن لنا. وما يعلنه لنا سيكون كافياً جداً لأن نقول مع بولس "لي إشتهاء أن أنطلق.." إنه ليس في الجحيم حسابٌ على العمر= فهناك حياة أبدية بلا موت بلا نهاية حيث لا جوع ولا عطش ولا حر ولا برد ولا ألم ولا حزن.. (رؤ4:21+ 16:7،17).

 

الآيات (8-16): "8 بنو الخطاة بنو رجس وكذلك الذين يترددون إلى بيوت المنافقين. 9 بنو الخطاة يهلك ميراثهم ويلازم ذريتهم العار. 10 الأب المنافق يتشكى منه بنوه لأنهم بسببه يلحقهم العار. 11 ويل لكم أيها الرجال المنافقون النابذون لشريعة الإله العلي. 12 فإنكم إذ ولدتم إنما ولدتم للعنة ومتى متم فاللعنة هي نصيبكم. 13 كل ما هو من الأرض يذهب إلى الأرض كذلك المنافقون يذهبون من اللعنة إلى الهلاك. 14 الناس ينوحون على أجسادهم لكن اسم الخطاة يمحى. 15 ليكن اهتمامك بالاسم فانه أدوم لك من ألف كنز عظيم من الذهب. 16 الحياة الصالحة أيام معدودات أما الاسم الصالح فيدوم إلى الأبد."

هذه عن مصير الأشرار بنو الخطاة بنو رجس= في ترجمة أخرى "ممقوتون" فشر الإنسان يصيب أهل بيته ويلحقهم بسبب ذلك الضرر والعار. بل سيرث الأبناء من أبائهم الأشرار حب الخطية ويعلمونها فيكونوا بنو رجس أي صانعو رجس كأبائهم. وبنو الخطاة يهلك ميراثهم= لا يكون لهم بركة ويضيع ميراثهم. وفي (11) نرى السبب الحقيقي للفساد ألا وهو أنهم نبذوا شريعة الله. ولدتم للعنة= ليس أن الله خلقهم ليلعنوا، ولكن هم بحريتهم إختاروا الإنفصال عن الله، ومن إنفصل عن الله تلحقه اللعنة. ويقول الحكيم أنه كما أن الأجساد المأخوذة من التراب تعود للتراب، فهؤلاء تذهب أرواحهم للهلاك= من اللعنة التي كانوا فيها في الأرض إلى الهلاك. وقد ينوح الناس عليهم لكن سريعاً ما ينساهم الناس لشرورهم، والعكس فالقديسين يذكرهم الناس لأجيال لذلك ليكن إهتمامك بالإسم= إهتم بأن تكون سيرتك صالحة فيذكر الناس إسمك بالخير هذا أفضل من كنوز الذهب التي لن تأخذها معك ولن تنفعك سوى أيام قليلة معدودة على الأرض.

 

الآيات (17-28): "17 احفظوا التأديب في السلام أيها البنون أما الحكمة المكتومة والكنز المدفون فآية منفعة فيهما. 18 الإنسان الذي يكتم حماقته خير من الإنسان الذي يكتم حكمته. 19استحيوا مما أقول لكم. 20 فانه ليس بحسن الخجل من كل شيء ولا كل أمر مما يصنع برشد يعجب كل إنسان. 21 اخجلوا أمام الأب والأم من الزنى وأمام الرئيس والمقتدر من الكذب. 22 وأمام القاضي والأمير من الزلة وأمام المجمع والشعب من الإثم. 23 وأمام الشريك والصديق من الظلم وأمام بلد سكناك من السرقة. 24 ومن مخالفة حق الله وعهده ومن اتكاء المرفق على الخبز ومن الخيانة في الأخذ والعطاء. 25 ومن السكوت أمام الذين يسلمون عليك ومن النظر إلى المرأة البغي. 26 ومن أعراض وجهك عن نسيبك ومن سلب النصيب والعطاء. 27 ومن التفرس في امرأة ذات بعل ومن مراودة جاريتها وعلى سريرها لا تقف. 28 ومن كلام التعيير أمام الأصدقاء ومن الامتنان بعد العطاء ومن نقل الكلام المسموع وإفشاء ما قيل في السر."

يورد هنا بعض الخطايا المخجلة (21-28) وقبل ذلك يطلب الإيجابيات. إحفظوا التأديب في السلام= فلتسلكوا بأدب فتحيوا في سلام مع الناس. ولا تكتم حكمتك وعلمك، فأي منفعة للناس لو كتمتهم، بل أي منفعة لك. بعض الناس يظن أنه حينما يكتم معلومة يظل هو وحده المتميز، هذا لا يعرف أن الله أعطاه المعلومة ليعطيها للناس، وإذا فعل فسيعطيه أكثر "فالمُروِي هو أيضاً يُروى" (أم25:11) إن الأحرى بالإخفاء هو الحماقة (18) فإعلان الحماقة فيه متاعب للجميع. وقبل أن يورد قائمة الخطايا المخجلة يقول إستحيوا مما أقول= فليكن لكم حياء من فعل هذه الخطايا. وفي (20) يقول لا تخجلوا من كل شئ، فالإنسان الخجول بلا داعٍ ومن كل تصرف لا معنى له. ولا تتصور أن كل تصرف تعمله، حتى لو كان برشد أي بحكمة سيعجب كل الناس. وفي (21) إذا علم الأب والأم بأنك تزنى يحزنوا عليك وتفقد بركتهم. والكذب أمام الرئيس يجعله يحتقرك ولا يعود يثق فيك وإحترس من أن تخطئ أمام قاضي أو أمير فسيحكم عليك. والخطأ أمام المجمع والشعب سيكون مدعاة لتسليمنا للقضاة فيحكم علينا، إذ هناك شهود. والشريك والصديق هؤلاء يثقون فيك فهل تخون هذه الثقة، وهل تسرق بلدك الذي تعيش من خيراته. وإخش من مخالفة حق الله وعهده. ومن إتكاء المرفق على الخبز= كانوا يأكلون وهم متكئون على الموائد. وكلمة خبز جاءت مائدة في ترجمات أخرى. والمعنى فلتخجل من أن تخون من أكلت معه خبزاً، كما فعل يهوذا "أيضاً رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي رفع عليَّ عقبه" (مز9:41) ويكمل التحذير من الخيانة في الأخذ والعطاء (24). ومن المخجل أن نسكت ولا نرد على من يسلم علينا حتى لو كان هناك خصام وبنفس المفهوم من إعراض وجهك عن نسيبك. وعلينا أن نهرب من المرأة البغي فإطالة النظر فيها ستقود للسقوط. وكذلك التفرس في امرأة ذات بعل= فبهذا يسلب الواحد حق الآخر. وتجنب التعسير أمام الأصدقاء= لا تجرح أحداً أمام الناس. ومن الإمتنان بعد العطاء= لا تفرح بل إهرب من كلمات الإمتنان إذا أعطيت شيئاً لأحد أو قد مت له خدمة. وحاذر من إفشاء الأسرار ونقل الكلام الذي تسمعه فهذا يسبب لك خجلاً شديداً إذا عُرِف ما عملته. ويسبب متاعب كثيرة للآخرين.


 

الإصحاح الثاني والأربعون

الآيات (1-8): "1 حينئذ يكون خجلك في محله وتنال حظوة أمام كل إنسان أما هذه فلا تخجل فيها ولا تحاب الوجوه لتخطا فيها. 2 شريعة العلي والميثاق والقضاء بحيث لا يبرا المنافق. 3ودعوى صاحبك مع المتغربين واقتسام الميراث بين الأصدقاء. 4 وعدل الميزان والمعيار والمكسب كثر أم قل. 5 والاعتدال في البيع بين المشترين والمبالغة في تأديب البنين وضرب العبد الشرير حتى تدمي جنبه. 6 والختم على المرأة الشريرة أليق بها. 7 وحيث تكون الأيدي الكثيرة اقفل ومتى قسمت فبالعدد والوزن والعطاء والأخذ كل شيء ليكن في دفتر. 8 ولا تخجل في تأديب الجاهل والأحمق والهرم المتحاكم إلى الشبان حينئذ تكون متأدبا في الحقيقة وممدوحا أمام كل حي."

هذه عن الأمور التي يجب أن يجاهر بها الإنسان ولا يخجل، هذه عكس ما مضى في الإصحاح السابق الذي تحدث عن الأمور المخجلة الذي إذا إمتنعت عنها= حينئذ يكون حجلك في محله. أما ما يأتي فلا تخجل منه ولا تحابِ الوجوه فتخطأ فيها= فمن يخجل في الحق يخطئ. فلا تخجل من شريعة العلي ومن كلام الله والميثاق= العهد مع الله. والقضاء بحيث لا يبرأ المنافق= إذا عرفت أن شخصاً شريراً أو وثنياً أو أياً كان، وهو مظلوم أمام القضاء، فلا تقل هو يستحق لشروره، بل إشهد بالحق الذي يبرأه. ودعوى صاحبك مع المتغربين= جاءت المتغربين في ترجمة أخرى "رفيق السفر" ففي الغربة يحتاج الإنسان بالأكثر لمن يشهد لحقه. ولا تخجل من تأديب البنين وضرب العبد الشرير لئلا في تمرده يسئ إليك. والختم على المرأة الشريرة المسرفة فلا تترك لها حرية التصرف،  أو الثرثارة فإمنعها من الخروج. وإذا وجدت أيدي كثيرة فلا تخجل من أن تغلق على الأشياء الثمينة التي عندك. ولا تخجل من الهِرم الذي ينسى شيبته ويتنازع مع شباب في أشياء تافهة لا تليق بسنه.

 

الآيات (9-11): "9 البنت سهاد خفي لأبيها وهم يسلبه النوم مخافة من العنوس إذا شبت والصلف إذا تزوجت. 10 وفي عذرتها من التدنس والعلوق في بيت أبيها وفي الزواج من التعدي على رجلها أو العقم. 11 واظب على مراقبة البنت القليلة الحياء لئلا تجعلك شماتة لأعدائك وحديثا في المدينة ومذمة لدى الشعب فتخزيك في الملأ الكثير."

البنات يحتجن لمراقبة كثيرة، فالبنت إذا إنحرفت تصير عاراً لعائلتها. لذلك تحتاج لتأديب كثير وإهتمام كثير. والبنات يسببن قلق كثير للآباء وعدم نوم= سهاد خفي لئلا تتأخر في الزواج، أو الصلف إذا تزوجت= وهذه مترجمة في ترجمات أخرى "من النفور منها إذا تزوجت" وفي هذه الحالة سيعيدها زوجها إلى بيت أبيها. أمّا لو رباها أبوها حسناً لإعتبرها زوجها كنزاً لا يفرط فيه. وهناك خوف أن تسلك مسلكاً شائناً= التدنس وهي مازالت عذراء وبالتالي لا يتزوجها أحد إذ إشتهرت سمعتها السيئة= العلوق في بيت أبيها أي تعلق في البيت ولا تغادره لتتزوج. والأب أيضاً يخاف أن تتعدى على زوجها وتهينه أو تكون عقيمة فيعيدها زوجها لأبيها. خوف الأب وسهاده هنا راجع لخوفه من أن تنتهي حياته ويترك إبنته دون رجل يعولها، ولا يطمئن إلاّ بزواج إبنته فتنتقل لحماية رجل آخر، ويكون لها أبناء يرعونها في كبرها.

 

الآيات (12-14): "12 لا تتفرس في جمال أحد ولا تجلس بين النساء. 13 فانه من الثياب يتولد السوس ومن المرأة الخبث. 14 رجل يسيء خير من امرأة تحسن ثم تجلب الخزي والفضيحة."

الحكيم هنا يريد أن يبعد كل إنسان عن منابع الشر. فالتفرس في جمال النساء والجلوس وسطهن سيثير شهوته ويتسبب في سقوطه. فكما أن السوس يتولد في الثياب (العتة) هكذا من المرأة الخبث= قطعاً ليس كل إمرأة خبيثة، ولكن الشهوة ستتولد حتماً من معاشرة النساء الكثيرة والشهوة الردية هي الخبث وهي السوس. ثم يقول إن الرجل الجاف= الذي يسئ وغير الدبلوماسي في كلامه هو خيرٌ من إمرأة ناعمة في كلامها ثم تجذب رجل برئ للخطية= إمرأة تحسن= تتكلم بنعمة ثم تجلب الخزي.

 

الآيات (15-26): "15 أني اذكر أعمال الرب واخبر بما رأيت أن في أقوال الرب أعماله. 16 عين الشمس المنيرة تبصر كل شيء وعمل الرب مملوء من مجده. 17 ألم ينطق الرب القديسين بجميع عجائبه التي أثبتها الرب القدير لكي يثبت كل الخلق في مجده. 18 انه بحث الغمر والقلب وفطن لكل دهاء. 19 علم الرب كل علم واطلع على علامة الدهر مخبرا بالماضي والمستقبل وكاشفا عن آثار الخفايا. 20 لا يفوته فكر ولا يخفى عليه كلام. 21وقد زين عظائم حكمته وهو الدائم منذ الدهر والى الدهر ولم يزد شيئا. 22 ولم ينقص ولا يحتاج إلى مشورة. 23 ما أشهى جميع أعماله والذي يرى منها مثل شرارة. 24 كل هذه تحيا وتبقى إلى الأبد لكل فائدة وجميعها تطيعه. 25 كل شيء اثنان واحد بازاء الآخر ولم يصنع شيئا ناقصا. 26 بل الواحد يؤيد مزايا الآخر فمن الذي يشبع من النظر إلى مجده."

هذه الآيات تأمل وتمجيد لإسم الله على خليقته وتستمر هذه التسبحة في الإصحاح القادم. إني أذكر أعمال الرب= سأذكر لكم الآن أعمال الرب. إن في أقوال الرب أعماله= بأقوال الرب كانت الخليقة "قال الله ليكن نور فكان نور" (تك3:1). وأقوال الله تشير لكلمة الله الذي به كان كل شئ (يو1:1-3). من عظائم عمل الله الشمس المنيرة التي تبصر كل شئ= أي تنير العالم كله وكل أحد. عمل الرب هذا في خليقته مملوءٌ من مجده= يظهر فيه مجده وعظمته. وفي (17) القديسين الأمناء تأملوا في عمل الله ونطقوا بعظمة خلقته وعظمة مجده وعجائبه لكي يثبت كل الخلق في مجده. وهذا ما عمله داود (مز1:19-6). الله في حكمته يعرف أعماق البحر والقلب ويدرك كل دهاء البشر (18) فهو فاحص القلوب والكلى (رؤ23:2). عَلِمَ الرب كل عِلْمٍ= لكن الإنسان إذا عَلِمَ شيئاً فهو يعرف جزءاً من جزء. وإطلع على علامة الدهر= في ترجمة أخرى "نظره على علامات الأزمنة" هو يرى الماضي والحاضر والمستقبل كلوحة مرسومة واضحة= مخبراً بالماضي والمستقبل لذلك تقول الكنيسة عن الله أنه اللازمنى أي فوق الزمن ولا يحده زمن. زيَّن عظائم حكمته= كل خليقته وضع فيها جمال. هو الدائم منذ الدهر (منذ الأزل) وإلى الدهر (إلى الأبد) أي سرمدي، أزلي أبدي ولم يُزَد شيئاً= الله لا يزيد عليه شئ ولا ينقص منه شئ= ولم ينقص= هو ثابت لا يتغير لذلك تسميه الكنيسة "غير المتغير غير المستحيل" أي الذي لا يتحول إلى شئ آخر. ما أشهى جميع أعماله والذي يُرى منها مثل شرارة= كل هذا الذي نراه ما هو إلاّ شرارة بسيطة ضئيلة خارجة من نار ونور لا نفهمهم، لكنهم كافيين لإعلان مجد الله. وكل ما خلقه الله فهو لفائدة الإنسان وسيبقى إلى الأبد= أي ما بقى الإنسان لتفيد الإنسان. وجميعها تطيعه= هو ضابط الكل. كل شئ إثنان واحد بإزاء الآخر.. بل الواحد يؤيد مزايا الآخر= فالمريض يعلن كمال خلقة الله في السليم، ما كنا عرفنا ميزة أجزاء كثيرة في الجسم إلاّ حينما رأينا مساوئ نقصها في المرضي. وهذا مدعاة للسليم أن يشكر الله على صحته، والمريض قد يكتشف أنه فقد صحته بسبب خطيته لذلك سمح الله له بهذه التجربة، فيستفيد منها. ويرى السليم ألام المريض فيتحاشي الخطية. لم يصنع شيئاً ناقصاً= حتى ما هو ناقص فسيظهر سبباً لهذا النقص. فقصر زكا جعله يعرف المسيح، والأعمى المولود هكذا كان عماه سبباً في خلاص نفسه (يو9). ربما قال الناس عن هذا النقص "عيب خَلقي" لكنه بحكمة سمح الله به. فمن الذي يشبع من النظر إلى مجده= كلما نتأمل في خليقته نكتشف العجب من مجده.


 

الإصحاح الثالث والأربعون

"1 الجلد الطاهر فخر العلاء ومنظر السماء مرأى مجده. 2 الشمس عند خروجها تبشر بمرآها هي آلة عجيبة صنع العلي. 3 عند هاجرتها تيبس البقعة فمن يقوم أمام حرها الشمس كنافخ في الأتون لما يصنع في النار. 4 تحرق الجبال ثلاثة أضعاف وتبعث أبخرة نارية وتلمع بأشعة تجهر العيون. 5 عظيم الرب صانعها الذي بأمره تسرع في سيرها. 6 والقمر بجميع أحواله المؤقتة هو نبا الأزمنة وعلامة الدهر. 7 من القمر علامة العيد هو نير ينقص عند التمام. 8 باسمه سمي الشهر وفي تغيره يزداد زيادة عجيبة. 9 أن في العلاء محلة عسكر تتلألأ في جلد السماء. 10 هناك بهاء السماء ومجد النجوم وعالم متألق والرب في الأعالي. 11 عند كلام القدوس تقوم لأجراء أحكامه ولا يأخذها في محارسها فتور. 12 انظر إلى قوس الغمام وبارك صانعها أن رونقها في غاية الجمال. 13 تنطق السماء منطقة مجد ويد العلي تمدانها. 14بأمره عجل الثلج ورشق بروق قضائه. 15 وبه انفتحت الكنوز وطارت الغيوم كذوات الأجنحة. 16 بعظمته شدد الغيوم فانقضت حجارة البرد. 17 بلحظاته تتزلزل الجبال وبإرادته تهب الجنوب. 18 عند صوت رعده تتمخض الأرض عند عاصفة الشمال وزوبعة الريح. 19 يذري الثلج كما يتطاير ذوات الأجنحة وانحداره كنزول الجراد. 20 تعجب العين من حسن بياضه وينذهل القلب من مطره. 21 ويسكب الصقيع كالملح على الأرض وإذا جمد صار كأطراف الأوتاد. 22 تهب ريح الشمال الباردة فيجمد الماء يستقر الجليد على كل مجتمع المياه ويلبس المياه درعا. 23 تأكل الجبال وتحرق الصحراء وتتلف الخضر كالنار. 24 يسرع الغمام فيشفي كل شيء والندى الناشئ من الحر يعيد البهجة. 25 بكلامه طأمن الغمر وانبت فيه الجزائر. 26 الذين يركبون البحر يحدثون بهوله نسمع بآذاننا فنتعجب. 27 هناك المصنوعات العجيبة الغريبة أنواع الحيوانات خلائق الحيتان. 28 به ينتهي إلى النجاح وبكلمته يقوم الجميع. 29 أنا نكثر الكلام ولا نستقصي وغاية ما يقال انه هو الكل. 30 ماذا نستطيع من تمجيده وهو العظيم فوق جميع مصنوعاته. 31 مرهوب الرب وعظيم جدا وقدرته عجيبة. 32 ارفعوا الرب في تمجيده ما استطعتم فلا يزال ارفع. 33 باركوا الرب وارفعوه ما قدرتم فانه اعظم من كل مدح. 34 بالغوا في رفعه قدر طاقتكم لا تكلوا فأنكم لن تدركوه. 35 من رآه فيخبر ومن يكبره كما هو. 36 وهناك خفايا كثيرة اعظم من هذه فان الذي رأيناه من أعماله هو القليل. 37 أن الرب صنع كل شيء واتى الأتقياء الحكمة.

إستمراراً للإصحاح السابق يستمر الحكيم في تسبحة الله على خليقته. وفي (1) الجلد الطاهر= هناك جلد في (تك6:1) وهذا هو الهواء الذي يفصل بين السحاب ومياه البحار والأنهار. وهناك جلد في (تك15:1). وهو السماء العليا التي تسير فيها الكواكب. وقوله طاهر مترجمة "صافي". فخر العلاء= مترجمة "بهاء العلاء" أي أن الكواكب في السماء لها منظر بهي جميل. مرأي المجد= في هذه الخليقة الجميلة ندرك ونرى مجد الله. في (2) يقصد بداية شروق الشمس وفي (3) عند هاجرتها= من هجير أي شدة حرارة الشمس تيبس البقعة= تيبس الأرض. وهذا ما اشار إليه داود في (مز1:19). وفي (6) نرى القمر يتغير شكله، لكنه يحدد مواعيد الأزمنة فاليهود يتبعون التقويم القمري. وفي (7) العيد هو عيد الفصح الذي يعيدونه يوم الرابع عشر أي عند إكتمال القمر ثم بعد تمامه يوم العيد يبدأ ينقص. وفي (8) بإسمه سمِّى الشهر= فالشهر شهر قمري، ومع بداية الشهر يقول اليهود أنه القمر الجديد، فالقمر يولد جديداً وبه يبدأون الشهر. وفي (9،10) عن النجوم ويسميها محلة عسكر=هم أي النجوم وهي كجنود في نظامها، والله رب الجنود ضابط الكل يحكم كل الخليقة كضابط يضبط جنوده. وهي تأتمر بأوامر القدوس= تقوم لإجراء أحكامه بلا فتور أو تواني (11). فلا يتواني في تنفيذ أوامر الله سوى البشر. وفي (12) يتكلم عن قوس قزح ويسميه قوس الغمام فهو يظهر مع المطر تنطق السماء= تحيط السماء. منطقة مجد= بدائرة مجد. ويدا العلي تمدانها= يدا العلي فردت هذا القوس (13). وهو الذي يسقط الثلوج، وقبل المطر نرى البروق والله يستعملها ليضرب من أراد، لذلك أسماها بروق قضائه (14). والله يفتح كنوز السماء (يقصد سقوط الأمطار فينبت الزرع ويشرب الناس..). وتطير السحب كما لو كان لها أجنحة (15). ومنه تأتي حجارة البرد (19).

بلحظاته= عندما يراها الله أو يلحظها أو ينظر إليها تتزلزل الجبال. وبإرادته تهب الجنوب (17) يقصد ريح الجنوب. وفي (18) لننظر ما تعمله الزوابع من دمار. وفي (19) يتكلم عن نزول الثلج من السماء وفي (21) يتكلم عن صورة لا نعرفها في مصر، فبعد أن ينزل الثلج من السماء (SNOW) قد يسيل ثم تنخفض درجة الحرارة ثانية فيتحول هذا الماء إلى ثلج مدبب (ICE)= صار كأطراف الأوتاد. وعندما يبرد الجو عندما تهب ريح الشمال الباردة يجمد الماء، وحتى أسطح البحيرات يتجمد كما لو كانت تلبس درعاً (22). وفي (23) نرى صورة أخرى لهذه الثلوج، فهي تدمر كل شئ أخضر= تأكل الجبال وتحرق الصحراء وتتلف الخضر كالنار= أي كل ما هو أخضر في الحقول أو حتى في الجبال والصحراء. ويأتي الغمام والندى والأمطار فينقي الجو فيعيد البهجة (24). بكلامه طأمن الغمر (25)= طأمن أي أعطى طمأنينة في القلب. والمعنى أن الله أعطى طمأنينة للناس وسط البحر إذ يجدوا جزراً، أي جعل في الغمر ما يطمئن الناس. وفي (28) به ينتهي إلى النجاح= بفضل الرب ننجح ونتحرك ونحيا ونوجد. وبإختصار بكلمته يقوم الجميع= ينتظم كل شئ بحسب إرادته فهو خالق ومدبر الكل. وفي (29-37) طلب الحكيم أن نسبح الله على أعماله التي أدركناها وهي القليل والتي لم ندركها. ومهما قلنا ومهما سبحنا لن نعطي الله حقه.


 

الإصحاح الرابع والأربعون

"1 لنمدح الرجال النجباء آباءنا الذين ولدنا منهم. 2 فيهم أنشا الرب مجدا كثيرا وأبدى عظمته منذ الدهر. 3وقد كانوا ذوي سلطان في ممالكهم رجال اسم وباس مؤتمرين بفطنتهم ناطقين بالنبوءات. 4 أئمة الشعب بمشوراتهم وبفهم كتب أمتهم. 5 قد ضمنوا تأديبهم أقوال الحكمة وبحثوا في الحان الغناء وانشدوا قصائد الكتاب. 6 رجال غنى واقتدار فاعلي سلامة في بيوتهم. 7 أولئك كلهم نالوا مجدا في أجيالهم وكانت أيامهم أيام فخر. 8 فمنهم من خلفوا اسما يخبر بمدائحهم. 9 ومنهم من لا ذكر لهم وقد هلكوا كأنهم لم يكونوا قط وولدوا كأنهم لم يولدوا هم وبنوهم بعدهم. 10 أما أولئك فهم رجال رحمة وبرهم لا ينسى. 11 الميراث الصالح يدوم مع ذريتهم وأعقابهم يبقون على المواعيد. 12 تثبت ذريتهم وبنوهم لأجلهم. 13 إلى الأبد تدوم ذريتهم ولا يمحى مجدهم. 14 أجسامهم دفنت بالسلام وأسماؤهم تحيا مدى الأجيال. 15 الشعوب يحدثون بحكمتهم والجماعة تخبر بمدحتهم. 16 اخنوخ أرضى الرب فنقل وسينادي الأجيال إلى التوبة. 17 نوح وجد برا كاملا وبه كانت المصالحة في زمان الغضب. 18 فلذلك أبقيت بقية على الأرض حين كان الطوفان. 19وأقيمت معه عهود لكي لا يهلك بالطوفان كل ذي جسد. 20 إبراهيم كان أبا عظيما لأمم كثيرة ولم يوجد نظيره في المجد وقد حفظ شريعة العلي فعاهده عهدا. 21 وجعل العهد في جسده وعند الامتحان وجد أمينا. 22 فلذلك حلف له أن الأمم سيباركون في نسله وانه يكثر نسله كتراب الأرض. 23 ويعلي ذريته كنجوم ويورثهم من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقصى الأرض. 24 وكذلك جعل في اسحق لأجل إبراهيم أبيه. 25 بركة جميع الناس والعهد ثم اقرهما على راس يعقوب. 26 أثره ببركاته وورثه الميراث ميز حظوظه وقسمها على الأسباط الاثني عشر. 27 وأقام منه رجل رحمة قد نال حظوة أمام كل بشر."

في الإصحاح السابق طلب أن نسبح الله لعظمته التي ظهرت في خليقته في الطبيعة. وإذا كانت الطبيعة عظيمة هكذا، فكم وكم يكون خالقها. وهنا يقول لقد رأينا عبر التاريخ أناسٌ عظماء، فمن عمل هؤلاء؟ الله الجدير بأن نسبحه. وقطعاً فالإنسان أروع بعقله وحكمته من الطبيعة والله صنع هذا وذاك. ويبدأ يذكر الآباء القديسون من أول أخنوخ وحتى سمعان رئيس الكهنة المعاصر لإبن سيراخ. وهو كان يمجدهم بمنطق، إن إستحق هؤلاء الآباء أن نمجدهم على عظمتهم فنحن نمجد الله الذي صنعهم. الله أعطى لهؤلاء العظماء مواهب متعددة، فكان منهم من له سلطان (3) ومن هم من كان ذو إسم وكان منهم رجال بأس (أقوياء في الحروب). وكان منهم أنبياء يعرفون المستقبل. ومنهم حكماء ومنهم موسيقيين أنشدوا قصائد ولحنوها ورتل الناس بها. وتركوا أسماً لهم يشهد بعظمتهم، وتحيا أسماءهم مدى الأجيال. والعكس فهناك من مات إسمهم معهم لأعمالهم الرديئة. وهذا شاهد أن الأباء القديسين تجاوبوا مع نعمة الله أما الآخرين فهم تكبروا وإغتروا وساروا وراء شهوات أجسادهم. وفي (16) أخنوخ سينادي الأجيال إلى التوبة= حياته ورضى الله عليه وإختطافه للسماء هم عظة لكل الأجيال، تنادي الجميع للتوبة وفي (17) نوح وُجِدَ براً كاملاً= أي باراً. وبه كانت المصالحة في زمان الغضب= أي بواسطته ولبره سمح الله أن توجد حياة مرة أخرى ويستمر الإنسان ولا يهلك هلاكاً نهائياً، بينما هلك الأشرار، وجاءت كلمة به كانت المصالحة في ترجمة أخرى "صار فسيلة" أي شتلة أو بقية وفي (21) كان العهد في جسد إبراهيم بالختان وفي (22) الأمم سيباركون في نسله= سيأتي المسيح من نسله ليبارك كل الأمم. وفي (24) كذلك جعل في إسحق= كذلك جعل الله إسحق بركة للأمم أي يأتي من نسله المسيح لأجل محبة الله لإبراهيم أبيه. وإستمرت هذه البركة في يعقوب. ميز حظوظه وقسمها على الأسباط= قسم أرض الميعاد على أولاد يعقوب. وأقام منه رجل رحمة= أتى من نسل يعقوب موسى العظيم الذي كان مخلصاً لشعب إسرائيل من عبودية فرعون= رجل رحمة= وموسى هو موضوع الإصحاح القادم.


 

الإصحاح الخامس والأربعون

"1 موسى كان محبوبا عند الله والناس مبارك الذكر. 2 فاتاه مجدا كمجد القديسين وجعله عظيما مرهوبا عند الأعداء بكلامه أزال الآيات. 3 ومجده أمام الملوك أوصاه بشعبه واراه مجده. 4 قدسه بإيمانه ووداعته واصطفاه من بين جميع البشر. 5 اسمعه صوته وادخله في الغمام. 6 أعطاه الوصايا مواجهة شريعة الحياة والعلم ليعلم يعقوب العهد وإسرائيل أحكامه. 7 أعلى هرون القديس نظيره أخاه من سبط لاوي. 8 جعل له عهد الدهر وأعطاه كهنوت الشعب أسعده في البهاء. 9 ونطقه حلة مجد البسه كمال الفخر وأيده بأدوات العزة. 10 السراويل والثوب السابغ والأفود وجعل حوله الرمانات من ذهب مع جلاجل كثيرة من حوله. 11ليرن صوتها عند خطوه ليسمع الصليل في الهيكل ذكرا لبني شعبه. 12 وأعطاه الحلة المقدسة من ذهب وسمنجوني وأرجوان صنعة نساج حاذق صدرة القضاء التي فيها النور والحق. 13 نسيجها من قرمز مشزور صنعة عامل حاذق وعليها حجارة كريمة كنقش الخاتم مرصعة في الذهب صنعة نقاش الجوهر منقوش عليها أسماء أسباط إسرائيل ذكرا. 14 وكان على العمامة إكليل من ذهب منقوش عليه عنوان القداسة وكان زينة كرامة صنعة براعة تعشقها العيون لحسنها. 15 كل هذه كانت في غاية الجمال ولم يكن لها مثيل في الدهر. 16 لم يلبسها إلا من هو من عشيرته بنوه وأعقابه في كل عهد. 17 ذبائحه تحرق بالنار كل يوم مرتين بلا انقطاع. 18 كرس موسى يديه ومسحه بالدهن المقدس. 19 فصار ذلك عهدا أبدياً له ولذريته ما دامت السماء ليخدم للرب ويمارس الكهنوت ويبارك شعبه باسمه. 20 اصطفاه من بين جميع الأحياء ليقرب التقدمة للرب البخور والرائحة الطيبة ذكرا وتكفيرا عن شعبه. 21 أقامه على وصاياه وأعطاه سلطانا على عهود الأحكام ليعلم يعقوب الشهادات وينير إسرائيل بشريعته. 22 اجتمع عليه الغرباء وحسدوه في البرية رجال داتان وابيرام وجماعة قورح بالحدة والغضب. 23 نظر الرب فلم يرض فأبادهم بحدة غضبه. 24 أجرى بهم عجائب وأفناهم بنار لهيبه. 25 وزاد هرون مجدا وأعطاه ميراثا جعل لهم بواكير ثمار الأرض. 26 وهيا لهم قبل غيرهم شبعهم من الخبز فهم يأكلون من ذبائح الرب التي أعطاها له ولذريته. 27إلا انه لم يرث في ارض الشعب ولم يكن له نصيب فيما بينهم لأنه هو نصيبه وميراثه. 28 وفنحاس ابن العازار هو الثالث في المجد لجل غيرته في مخافة الرب. 29 ولأنه قام عند ارتداد الشعب بصلاح نشاط نفسه وكفر عن إسرائيل. 30 لذلك أعطاه الرب عهد سلامه لكي يكون أمام شعبه في الأقداس وتبقى له ولنسله عظمة الكهنوت مدى الدهور. 31 وعاهد داود بن يسى من سبط يهوذا على ميراث الملك من ابن إلى ابن في ذريته كالميراث لهرون ونسله ليعطكم الحكمة في قلوبكم لكي تحكموا بالعدل في شعبه فلا تزول خيراتهم ومجدهم مدى أجيالهم."

هذه عن موسى مخلص الشعب وهرون بكهنوته الذي يكفر عن الشعب وكلاهما معاً يمثلان عمل المسيح المخلص رئيس كهنتنا الذي كفر عن خطايانا لا بدم ذبائح حيوانية بل بذبيحة نفسه.

ومازال موسى بالنسبة لليهود أعظم رجل في تاريخهم (1). مجد كمجد القديسين= أي الملائكة. بكلامه أزال الآيات= كان بكلمة منه تأتي الضربة وبكلمة تتوقف الضربة. أعلى هرون= ليعلي من شأن الكهنوت ويحفر في ذهن الناس أهمية الكفارة بالدم. جعل له عهد الدهر= أي عهد الكهنوت. وجعل له ملابس (راجع سفر الخروج). ليسمع الصليل.. ذكراً لبني شعبه= ليذكروا أهمية الإستماع لشريعة الله. وفي (12) التي فيها النور والحق=المقصود الأوريم والتميم اللذان كان هرون ورؤساء الكهنة من بعده يعرفون بهما إرادة الله. وفي (13) قرمز مشزور= أي مفتول. وفي (14) عنوان القداسة= كان منقوشاً على صفيحة ذهب "قدس للرب" أي مكرس للرب. وفي (21) أقامه على وصاياه= ليعلمها للشعب ونرى في (22-24) رفض الله للتعدي على الكهنوت. وكان الله نصيبهم فلم يعطهم نصيباً وسط الأرض. ويستمر الحديث عن فينحاس والمعنى إستمرار الكهنوت، فالكهنوت لم يتوقف بموت هرون بل إستمر في أولاده وأولاد أولاده. والله أعطاه هذا العهد لأمانته. وفينحاس هذا ظهرت أمانته في قتل زمري رئيسي بيت الشمعونيين فإمتنع الوبأ. وقاد جيش من 12.000 وهزم المديانيين، وذهب ليتحقق من أن أسباط شرق الأردن لم يقيموا هيكلاً مستقلاً مخالفين أوامر الرب (راجع عد1:25-15+ عد1:31-12 + يش13:22-22). وبعد أن تكلم عن عهد الكهنوت إنتقل لعهد الملك مع داود وأبنائه. وفي نهاية الكلام يتمنى أن يعطي الله الحكمة للكهنة في أيامه وللأبد= ليعطكم الحكمة في قلوبكم لكي تحكموا بالعدل. وكذلك للملوك والرؤساء الذي يملكهم الله على شعبه. وهكذا تصلي الكنيسة للملوك والرؤساء.


 

الإصحاح السادس والأربعون

"1 كان يشوع بن نون رجل باس في الحروب خليفة موسى في النبوءات. 2 وكان كاسمه عظيما في خلاص مختاريه شديد الانتقام على الأعداء المقاومين لكي يورث إسرائيل. 3 ما اعظم مجده عند رفع يديه وتسديد حربته على المدن. 4 من قام نظيره من قبله ان الرب نفسه دفع إليه الأعداء. 5 الم ترجع الشمس إلى الوراء على يده وصار اليوم نحوا من يومين. 6 دعا العلي القدير اذ كان يهزم الأعداء من كل جهة فاستجاب له الرب العظيم بحجارة برد عظيمة الثقل. 7 أغار على الأمة بالقتال وفي المنهبط اهلك المقاومين. 8 لكي تعرف الأمم كمال عدتهم وان حربه أمام الرب لأنه منقاد للقدير. 9 وفي أيام موسى صنع رحمة هو وكالب بن يفنا اذ قاما على العدو وردا الشعب عن الخطيئة وسكنا تذمر السوء. 10 وهما وحدهما ابقيا من الست مئة ألف راجل ليدخلاهم إلى الميراث إلى ارض تدر لبنا وعسلا. 11 واتى الرب كالب قوة وبقيت معه إلى شيخوخته فصعد إلى ذلك الموضع المرتفع من الأرض الذي نالته ذريته ميراثا. 12 لكي يعلم جميع بني إسرائيل إن الانقياد للرب حسن. 13 والقضاة كل منهم باسمه الذين لم تزن قلوبهم على الرب ولم يرتدوا عنه. 14 ليكن ذكرهم مباركا ولتزهر عظامهم من مواضعها. 15 وليتجدد اسمهم وليمجدهم بنوهم. 16صموئيل المحبوب عند الرب نبي الرب سن الملك ومسح رؤساء شعبه. 17 قضى للجماعة بحسب شريعة الرب وافتقد الرب يعقوب. 18 بإيمانه اختبر انه نبي وبإيمانه علم انه صادق الرؤيا. 19 دعا الرب القدير عندما كان أعداؤه يضيقون من كل جهة واصعد حملا رضيعا. 20 فارعد الرب من السماء وبقصيف عظيم اسمع صوته. 21 وحطم رؤساء الصوريين وجميع أقطاب فلسطين. 22 وقبل رقاده عن الدهر شهد أمام الرب ومسيحه أني لم اخذ من أحد من البشر مالا بل ولا حذاء ولم يشكه إنسان. 23 ومن بعد رقاده تنبأ واخبر الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة لمحو إثم الشعب."

خليفة موسى في النبوءات= المقصود خليفة موسى النبي. وفي (3) عند رفع يديه= المقصود إعلان الحرب على المدن. وكان يشوع وكالب هما الجاسوسين اللذان شهدا بأمانة الله وأنه لن يتخلى عن شعبه وحاولا أن يهدئا الشعب. ثم يمدح الحكيم القضاة الأمناء الذين لم يخونوا الله. لتزهر عظامهم من مواضعها (14) هي صيغة لطلب مكافأتهم على أمانتهم. ليتجدد إسمهم= ليرسل الله لشعبه قادة أمناء مثلهم، وحين يحدث تزهر عظامهم= كأنهم يفرحون بهذا. (كما قيل الخبر الطيب يُسمِّن العظام أم30:15) وعن صموئيل (18) بإيمانه عُلِمَ أنه صادق الرؤيا= إذا حدث كل ما أخبر به عالي الكاهن مما سمعه من الله، ولقد تحقق ما قاله، فعرف أنه نبي. وآية (23) تشير أن صموئيل هو الذي ظهر لشاول الملك عندما ذهب للعرافة، ليس بأوامر من العرافة، ولكن الله أرسل صموئيل كإنذار أخير ليتوب قبل موته.


 

الإصحاح السابع والأربعون

"1 وبعد ذلك قام ناتان وتنبأ في أيام داود. 2 كما يفصل الشحم من ذبيحة الخلاص هكذا فصل داود من بين بني إسرائيل. 3 لاعب الأسود ملاعبته الجداء والادباب كأنها حملان الضان. 4 ألم يقتل الجبار وهو شاب ألم يرفع العار عن شعبه. 5 إذ رفع يده بحجر المقلاع وحط صلف جليات. 6 لأنه دعا الرب العلي فأعطى يمينه قوة ليقتل رجلا شديد القتال ويعلي قرن شعبه. 7 فأعطاه الرب مجد قاتل ربوات ومدحه ببركاته إذ نقل إليه تاج المجد. 8 فانه حطم الأعداء من كل جهة وافنى الفلسطينيين المناصبين وحطم قرنهم إلى يومنا هذا. 9في جميع أعماله اعترف للقدوس العلي بكلام مجد. 10 بكل قلبه سبح واحب صانعه. 11 أقام المغنين أمام المذبح ولقنهم الحانا لذيذة السماع. 12 جعل للأعياد رونقا وللمواسم زينة إلى الانقضاء لكي يسبح اسمه القدوس ويرنم في قدسه منذ الصباح. 13 الرب غفر خطاياه وأعلى قرنه إلى الأبد عاهده على الملك وعرش المجد في إسرائيل. 14 بعده قام ابن حكيم وعلى يده استراح في الرحب. 15 ملك سليمان أيام سلام وأراحه الله من كل جهة لكي يشيد بيتا لاسمه ويهيئ قدسا إلى الأبد. 16 ما اعظم حكمتك في صبائك وفطنتك التي طفحت بها مثل النهر فان قريحتك عمت الأرض. 17 فملأتها من أمثال الاحاجي بلغ اسمك إلى الجزائر البعيدة وأحببت لأجل سلامك. 18 أعجبت الآفاق بما لك من الأغاني والأمثال والألغاز والتفاسير. 19باسم الرب الإله الموصوف باله إسرائيل. 20 جمعت الذهب كالقصدير والفضة كالرصاص. 21 أملت فخذيك إلى النساء فاستولين على جسدك. 22 جعلت عيبا في مجدك ونجست نسلك فجلبت الغضب على بنيك لقد صدعت قلبي جهالتك. 23 حتى قسم السلطان إلى قسمين ونشا من افرائيم ملك متمرد. 24 لكن الرب لا يترك رحمته ولا يفسد من أعماله شيئا لا يدمر أعقاب مصطفاه ولا يهلك ذرية محبه. 25 فأبقى ليعقوب بقية ولداود جرثومة منه. 26 واستراح سليمان مع آبائه. 27 وخلف بعده ذا سفه عند الشعب من نسله. 28رحبعام السخيف الرأي الذي بعث بمشورته الشعب على التمرد. 29 وياربعام بن ناباط الذي إثم إسرائيل وسن لافرائيم طريق الخطيئة فكثرت خطاياهم. 30 جدا حتى أجلتهم عن أرضهم. 31 والتمسوا كل شر حتى حل بهم الانتقام."

ناثان هو من بكت داود على خطيته مع زوجة أوريا، وهو الذي وافقه على أن يبنى الهيكل أولاً ثم عاد وقال لا بل الله يقول إبنك يبنيه. والشحم هو أفضل ما في الذبيحة، فشبه ِإبن سيراخ هنا داود بالشحم فهو أفضل رجال إسرائيل، لذلك إختاره الله ليكون ملكاً. وهو إنتصر في الحروب وهو الذي نظم المزامير التي كانوا يصلون بها في الهيكل فجعل للأعياد رونقاً (12). وإبن سيراخ هنا إعتبر أعظم حكماء العالم أي سليمان بن داود جاهلاً (22) لأنه زاغ وراء النساء. وكان هذا سبباً في شق المملكة (23).


 

الإصحاح الثامن والأربعون

"1 وقام ايليا النبي كالنار وتوقد كلامه كالمشعل. 2 بعث عليهم الجوع وبغيرته ردهم نفرا قليلا. 3 اغلق السماء بكلام الرب وانزل منها نارا ثلاث مرات. 4 ما اعظم مجدك يا ايليا بعجائبك ومن له فخر كفخرك. 5أنت الذي أقمت ميتا من الموت ومن الجحيم بكلام العلي. 6 وأهبطت الملوك إلى الهلاك والمفتخرين من أسرتهم. 7 وسمعت في سيناء القضاء وفي حوريب أحكام الانتقام. 8 ومسحت ملوكا للنقمة وأنبياء خلائف لك. 9 وخطفت في عاصفة من النار في مركبة خيل نارية. 10 وقد أكتتبك الرب لأقضية تجرى في أوقاتها ولتسكين الغضب قبل حدته ورد قلب الأب إلى الابن وإصلاح أسباط يعقوب. 11 طوبى لمن عاينك ولمن حاز فخر مصافاتك. 12 أنا نحيا هذه الحياة وبعد الموت لا يكون لنا مثل هذا الاسم. 13 وتوارى ايليا في العاصفة فأمتلأ اليشاع من روحه وفي أيامه لم يتزعزع مخافة من ذي سلطان ولم يستول عليه أحد. 14 لم يغلبه كلام وفي رقاد الموت جسده تنبأ. 15 صنع في حياته الآيات وبعد موته الأعمال العجيبة. 16 ومع هذه كلها لم يتب الشعب ولم يقلعوا عن الخطايا إلى أن طردوا من أرضهم وتبددوا في كل الأرض. 17 وأبقى شعب قليل ورؤساء لبيت داود. 18 بعضهم صنعوا المرضي وبعضهم اكثروا من الخطايا. 19 حزقيا حصن مدينته وادخل إليها ماء جيحون حفر الصخر بالحديد وبنى آباراً للماء. 20 في أيامه صعد سنحاريب وبعث ربشاقا فاقبل ورفع يده على صهيون وتنفخ بكبريائه. 21 حينئذ ارتجفت قلوبهم وأيديهم وتمخضوا كالوالدات. 22فدعوا الرب الرحيم باسطين إليه أيديهم فالقدوس من السماء استجاب لهم سريعا. 23 وافتداهم على يد اشعيا. 24 ضرب محلة أشور وملاكه حطمهم. 25 لان حزقيا صنع المرضي أمام الرب وجد في السلوك في طرق داود أبيه التي أوصاه بها اشعيا النبي العظيم الصادق في رؤياه. 26 في أيامه رجعت الشمس إلى الوراء وهو زاد على عمر الملك. 27 بروح عظيم رأى العواقب وعزى النائحين في صهيون. 28 كشف عما سيكون على مدى الدهور وعن الخفايا قبل حدوثها."

إيليا أنزل النار ثلاث مرّات من السماء. مرتين أكلت الجنود (2مل10:1-14) ومرة أكلت الذبيحة (1مل30:18-40). وهو حكم على أخزيا الملك بالموت لأنه أرسل يستشير بعل زبوب إله عقرون وهو مريض ليشفى (2مل2:1-17). وفي (7،8) هذه عن إقامة ملوك لسوريا ولإسرائيل بدلاً من الموجودين وإليشع بدلاً منه هو (1مل15:19-17). والله حدد وظيفة أخرى لإيليا في نهاية الزمان (ملا5:4،6) وهي المذكورة هنا في (10). طوبى لمن عاينك= من رآك. ولمن حاز فخر مصافاتك= تمثل بك في حياته. (11) فإننا نحيا ولا يكون لنا مثل هذا الإسم= لأننا لم نحيا مثله. وعن إليشع في رقاد الموت جسده تنبأ= فعظامه أقامت ميت (2مل20:13،21). ولأن إسرائيل لم يستمع لكلماته أُخِذَ إلى سبي أشور.


 

الإصحاح التاسع والأربعون

"1 ذكر يوشيا مزاج طيب قد عبئ بصناعة العطار. 2 في كل فم يحلو كالعسل وهو كالغناء في مجلس الخمر. 3 أقيم ليتوب الشعب على يده فرفع أرجاس الإثم. 4 وجه قلبه إلى الرب وفي أيام الأثماء وطد التقوى. 5كلهم أجرموا ما خلا داود وحزقيا ويوشيا. 6 تركوا شريعة العلي ارتد ملوك يهوذا. 7 دفعوا قرنهم إلى غيرهم ومجدهم إلى أمة غريبة. 8 احرقوا بالنار مدينة القدس المختارة وخربوا طرقها على يد ارميا. 9فانهم أساءوا إليه وهو قد قدس في جوف أمه نبيا ليستأصل ويسيء ويهلك وأيضاً ليبني ويغرس. 10وراى حزقيال رؤيا المجد التي أراه إياها بمركبة الكروبين. 11 انذر الأعداء بالمطر ووعد المستقيمين في طرقهم بالإحسان. 12 لتزهر عظام الأنبياء الاثني عشر من مكانها فانهم عزوا يعقوب وافتدوهم بإيمان الرجاء. 13كيف نعظم زربابل انه كخاتم في اليد اليمنى. 14 كذلك يشوع بن يوصاداق فانهما في أيامهما بنيا البيت ورفعا شان الشعب المقدس للرب المهيأ لمجد ابدي. 15 ونحميا يكون ذكره طول الأيام فانه أقام لنا السور المنهدم ونصب الأبواب والمزاليج ورم منازلنا. 16 لم يخلق على الأرض أحد مثل أخنوخ الذي نقل عن الأرض. 17 ولم يولد رجل مثل يوسف رئيس اخوته وعمدة الشعب. 18 عظامه افتقدت وبعد موته تنبأت. 19سام وشيت ممجدان بين الناس وفوق كل نفس في الخلق آدم."

يوشيا ملك قديس. مزاج طيب= أطياب ممزوجة معاً. قد عبئ بصناعة العطّار= العطّار هو الروح القدس الذي يملأ الإنسان فضائل كأنه يمزج طيباً. ويضرب بيوشيا المثل في التقوى. وفي (5) يذكر أفضل ملوك يهوذا داود وحزقيا ويوشيا. هو كالغناء في مجلس الخمر= في الولائم التي يشربون فيها خمر يحلو الغناء والموسيقي وهكذا يحلو دائماً ذكر يوشيا. ولكن أتى أبناء يوشيا الأشرار وكانوا سبباً في تسليم أورشليم ليد بابل لتدمرها على يد إرمياء= إرمياء كان قد أخبرهم بنتيجة شرورهم، وكان شاهداً على صدق رسالته، ورثاها في مراثيه. خربوا طرقها= فما عاد أحد قادراً أن يعيش في هذه المدينة. ويأتي الدور على حزقيال الذي أنذر الأعداء بالمطر= ليس المطر بمعنى الأمطار التي تروي الزروع، ولكن إنهمار الويلات على الأشرار. وبقية الآية تشرح المقصود= ووعد المستقيمين في طرقهم بالإحسان. وقد تعني أنذر الأعداء بالمطر أي أنذر الأشرار بإمتناع المطر وبالتالي المجاعة (حز16:4،17 + 16:5،17 + 11:6،12 + 15:7) وحزقيال أيضاً هدد بمطرٍ جارف مدمر (11:13،13)

لتزهر عظام الأنبياء= (راجع تفسير 14:46). أما زربابل ويشوع بن يوصاداق= هما من قاموا ببناء الهيكل ثانية بعد العودة من السبي.

وفي نهاية حديثه في هذا الإصحاح يرسل إبن سيراخ تحية للآباء الأوائل سام وشيث ثم آدم.


 

الإصحاح الخمسون

"1 سمعان بن اونيا الكاهن العظيم رم البيت في حياته ووثق الهيكل في أيامه. 2 وأسس سمكا مضاعفا تحصينا شامخا حول الهيكل. 3 في أيامه استنبطت آبار المياه وكالبحر تناهت في الفيضان. 4 هو الذي اهتم بشعبه لئلا يهلك وحصن المدينة لئلا تفتح. 5 ما أمجده في تصرفه بين الشعب وفي خروجه من وراء حجاب البيت. 6 مثله مثل كوكب الصبح بين الغمام أو البدر أيام تمامه. 7 أو الشمس المشرقة على هيكل العلي. 8 أو القوس المتلألئة بين سحب البهاء أو زهر الورد في أيام الربيع أو الزنبق على مجاري المياه أو نبات لبنان في أيام الصيف. 9 أو النار أو اللبان على المجمرة. 10 أو أناء الذهب المصمت المزين بكل حجر كريم. 11 أو الزيتون المثمر أو السرو المرتفع إلى السحب إذ كان يأخذ حلة مجده ويلبس كمال زينته. 12 ويصعد إلى المذبح المقدس كان يزيد لباس القدس بهاء. 13 وإذ كان يتناول أعضاء الذبيحة من أيدي الكهنة وهو واقف على موقد المذبح كان يحيط به إكليل من الاخوة إحاطة الفروع بارز لبنان. 14 والشطب بالنخل وكان جميع بني هرون في مجدهم. 15 وتقدمة الرب في أيديهم أمام كل جماعة إسرائيل وكان هو عند إتمام خدمته على المذبح لتزيين تقدمة العلي القدير. 16 يمد يده على المسكب ويسكب من دم العنب. 17 يصبه على أسس المذبح رائحة مرضية أمام العلي ملك الجميع. 18 حينئذ كان بنو هرون يهتفون بالأبواق المطروقة ويسمعون صوتا عظيما ذكرا أمام العلي. 19 وكان عند ذلك كل الشعب يبادرون معا ويخرون على وجوههم إلى الأرض ساجدين لربهم القدير لله العلي. 20 وكان المغنون يسبحون بأصواتهم ويسمعون في البيت المعظم ألحانهم اللذيذة. 21 وكان الشعب يتضرعون إلى الرب العلي بصلاتهم أمام الرحيم إلى أن يفرغ من إكرام الرب وتتم خدمته. 22 ثم كان ينزل ويرفع يديه على كل جماعة بني إسرائيل مباركا الرب بشفتيه ومفتخرا باسمه. 23 ويكرر سجوده ليظهر أن البركة من لدن العلي. 24 فالان يا جميع الناس باركوا الله الذي يصنع العظائم في كل مكان ويزيد أيامنا منذ الرحم ويعاملنا على حسب رحمته. 25ليمنحنا سرور القلب والسلام في إسرائيل في أيامنا وعلى مدى الدهور. 26 مقرا علينا رحمته ومفتديا لنا في أيامه. 27 أمتان مقتتهما نفسي والثالثة ليست بأمة. 28 الساكنون في جبل السامرة والفلسطينيون والشعب الأحمق الساكن في شكيم. 29 قد رسم تأديب العقل والعلم في هذا الكتاب يشوع بن سيراخ الأورشليمي الذي أفاض الحكمة من قلبه. 30 طوبى لمن يواظب على هذه فان الذي يجعلها في قلبه يكون حكيما. 31 وإذا عمل بها يقدر على كل شيء لان نور الرب دليله."

هنا يكتب عن سمعان بن أونيا الكاهن الأعظم الذي عاصره، ولكنه كان قد مات وقت كتابة هذا الكلام (آية3). وواضح أنه أحبه محبة خاصة إذ أفرد له إصحاحاً بكامله. فهو قد رآه رؤية العين ورأي أعماله وقداسته وخدماته لشعبه. وسمعان هو سمعان الثاني إبن أونيا الثاني (220-195ق.م). وقد إمتدح المؤرخين سمعان هذا كثيراً لحكمته وإصلاحاته فهو رمم الهيكل. ورمم سور المدينة= رَمَّم البيت. ووثق الهيكل= وطَّد الهيكل والمعنى إهتم بكل مرافق الهيكل. وحفر أبار للمياه والله أفاض فيها ببركته (3). ومن إعجاب إبن سيراخ به وضع له أوصاف جميلة (5-12). ثم يصف جماله وهو يقدم الذبيحة. ويصور الكهنة حوله كإكليل، كما تحيط الفروع بأرز لبنان وكإحاطة جذوع النخل بالنخلة= والشطب بالنخل. وفي (23) بعد أن يبارك الشعب تجده يسجد ثانية ويكرر سجوده ليعلن أن البركة ليست من عنده إنما هي من عند العلي. ثم يدعو الشعب أن يباركهم منذ الرحم= منذ بداية تكوين الأمة.

ونأتي للآيات (27،28) أمتان مقتتهما نفسي والثالثة ليست بأمة. الساكنون في جبل السامرة والفلسطينيون والشعب الأحمق في شكيم. وفي ترجمة أخرى وهي الأصح "أمتان مقتتهما نفسي والثالثة ليست بأمة "الساكنون في جبل سعير، الفلسطينيون والشعب الأحمق الساكن في شكيم" والترجمة الأولى فيها خطأ لأن الساكنون في جبل السامرة هم الساكنون في شكيم= فهي مكررة. وواضح أن الثانية هي الأدق لأن أعداء إسرائيل التقليديين هم أدوم والفلسطينيين والسامريين بحسب الترجمة الثانية. وفي (29) نرى يشوع بن سيراخ يسجل إسمه ككاتب لكتاب الحكمة هذا ويقول طوبى لمن يواظب عليه فيحيا سعيداً. وأنها ليست حكمته الخاصة بل الله أنار عليه بها= وإذا عمل بها يقدر على كل شئ لأن نور الرب دليله= الرب سيصير لمن يريد ويقرر أن يتبع هذه الوصايا نور يدله على الطريق أي يعينه على أن يتبع طريق الحكمة.


 

الإصحاح الحادي والخمسون

الآيات (1-17): "1 صلاة يشوع بن سيراخ اعترف لك أيها الرب الملك واسبح الله مخلصي. 2 اعترف لاسمك لأنك كنت لي مجيرا ونصيرا. 3 وافتديت جسدي من الهلاك ومن شرك سعاية اللسان ومن شفاه مختلقي الزور وكنت لي ناصرا تجاه المقاومين. 4 وافتديتني برحمتك الغزيرة واسمك من زئير المستعدين للافتراس. 5 من أيدي طالبي نفسي ومن مضايقي الكثيرة. 6 من الاختناق باللهيب المحيط بي ومن وسط النار حتى لا أصلى.  7من عمق جوف الجحيم ومن اللسان الدنس وكلام الزور وسعاية اللسان الجائر عند الملك. 8 دنت نفسي من الموت. 9 واقتربت حياتي من عمق الجحيم. 10 أحيط بي من كل جهة ولا نصير التفت لإغاثة الناس فلم تكن. 11 فتذكرت رحمتك أيها الرب وصنيعك الذي منذ الدهر. 12 كيف تنقذ الذين ينتظرونك وتخلصهم من أيدي الأمم. 13 فرفعت من الأرض صلاتي وتضرعت لأنقذ من الموت. 14 دعوت الرب أبا ربي لئلا يخذلني في أيام الضيق في عهد المتكبرين الخاذلين لي. 15 أني اسبح اسمك في كل حين وأرنم له بالاعتراف لأن صلاتي قد أستجيبت. 16 فانك قد خلصتني من الهلكة وأنقذتني من زمان السوء. 17فلذلك اعترف لك وأسبحك وأبارك اسم الرب."

هذا هو ما يجب أن نصلي به دائماً أن نعترف لله ونشكره ونسبحه (1). فهو الذي ينصرنا ولنذكر لله دائماً أعماله السابقة، ولنذكر في ضيقاتنا كم وقف الرب بجانبنا (2). وفي (3) نجده قد تعرض لمخاطر صعبة ووشايات كادت تؤدي به للموت= إفتديت جسدي. وكانت هذه الوشايات عند الملك (7). ولا نصير (10) هذه خبرة مهمة. إذ لن ينقذنا بشر من يد الأعداء. اله وحده هو المنقذ= إلتفت لإغاثة الناس فلم تكن (10). وهنا خبرة مهمة يذكرها، أنه تذكر أعمال الله مع الآخرين، سواء في هذه الحياة، أو من خلال شخصيات الكتاب المقدس، فصار له رجاء أن الله لن يتركه. وحين تذكر عمل الله بدأ يصلي (13) وفي (14) تعبير ينتمي للعهد الجديد دعوت الرب أبا ربي. هذه مثل "قال الرب لربي" (مز1:110) ومثل قول المسيح ثم بولس الرسول تعبير "آبا الآب" (غل6:4) + (مر36:14). وغالباً هو يعني بها "يا أبويا الذي أنت هو ربي". ولاحظ في (15) أنه يسبح لله لأنه صلاته قد إستجيبت، وهذا التسبيح قد يكون بعد الإستجابة، وقد يكون قبلها بروح الثقة في أن الله لابد وسيستجيب.

الآيات (18-30): "18 في صبائي قبل أن آتيه التمست الحكمة علانية في صلاتي. 19 أمام الهيكل ابتهلت لأجلها والى أواخري التمسها فأزهرت كباكورة العنب. 20 ابتهج بها قلبي ودرجت قدمي في الاستقامة ومنذ صبائي جددت في أثرها. 21 أملت أذني قليلا ووعيت. 22فوجدت لنفسي تأديبا كثيرا وكان لي فيها نجح عظيم. 23 أن الذي أتاني حكمة أوتيه تمجيدا. 24 فأني عزمت أن اعمل بها وقد حرصت على الخير ولست أخزى. 25 جاهدت نفسي لأجلها وفي أعمالي لم ابرح متنطسا. 26 مددت يدي إلى العلاء وبكيت على جهالاتي. 27 وجهت نفسي إليها وبالطهارة وجدتها. 28 بها ملكت قلبي من البدء فلذلك لا اخذل. 29 وجوفي اضطرب في طلبها فلذلك اقتنيت قنية صالحة. 30 أعطاني الرب اللسان جزاء فبه أسبحه."

هذه قصيدة مرتبة على حسب الحروف الأبجدية العبرية. ونرى فيها أن إبن سيراخ إشتهى الحكمة= في صبائي= شبابي. وقبل أن أتيه= أتجول في العالم. فماذا فعل؟ التمست الحكمة علانية في صلاتي (18) أمام الهيكل إبتهلت لأجلها ولما بدأ يعرف الحكمة فرح بها إبتهج قلبي بها فإزداد تمسكاً بشريعة الله= درجت قدمي في الإستقامة (20) وجددت في إثرها فتش في الكتاب المقدس وسأل الشيوخ والحكماء. أملت أذني قليلاً (21) لينفذ ما سمعه وبدأ نجاحه (22) فمجد الله الذي أعطاه الحكمة (23). وعزم على أن يعمل بها، فلا تظل معلومات (24). وفي أعماله لم أبرح متنطساً= (إبتعتها بكل دقة) (25). لم يفرح بما وصل إليه وتهلل كما يقول البعض، بل بكيت على جهالاتي= "خطيتي أمامي في كل حين" ومن يقترب من الله تائباً وبدون يأس يجد الله أكثر وتصير عينيه أكثر وضوحاً إذ صار قلبه أكثر نقاء. بها ملكت قلبي= القلب هو المشاعر والإرادة والإدراك، فصار هو بحكمته يتحكم في مشاعره ولا تحكمه مشاعره. وجوفي إضطرب في طلبها= هو طلبها بجدية وليس بإستهانة.

الآيات (31-38): "31ادنوا مني أيها الغير المتأدبين وامكثوا في منزل التأديب. 32 لماذا تتقاعدون عن هذه ونفوسكم ظامئة جدا. 33 أني فتحت فمي وتكلمت دونكم كسبا بلا فضة. 34 اخضعوا رقابكم تحت النير ولتتخذ نفوسكم التأديب فان وجدانه قريب. 35 انظروا بأعينكم كيف تعبت قليلا فوجدت لنفسي راحة كثيرة. 36 نالوا التأديب كمقدار كثير من الفضة واكتسبوا به ذهباً كثيراً. 37 لتبتهج نفوسكم برحمته ولا تخزوا بمدحته. 38 اعملوا عملكم قبل الأوان فيؤتيكم ثوابكم في أوانه."

هو فتح مدرسة لتعليم الحكمة منزل التأديب (31) وهو يدعو لها الجميع ليتعلموها فيعيشوا سعداء، وهو سيعلم من يأتي مجاناً بلا فضة (23). إخضعوا رقابكم تحت النير ولتتخذ نفوسكم التأديب= ربما كان يعاقب المهمل في الدراسة أو يكون المعنى خذوا موضوع الدراسة بجدية مهما كان فيها من مشقة، ونفذوا الوصايا مهما كان فيها من تغصب وستجدوا الحكمة= فإن وجدانه قريب (34). وليتمثلوا به فهو تعب لكنه نال الحكمة فإستراح (35). ومن يفعل سيكسب كثيراً

 

الصفحة الرئيسية