المقدمة
1. لا نعرف شيئاً عن هذا النبي سوى المدوَّن في نبوته والأرجح أن النبي سكن أورشليم وهو من سبط يهوذا. وأبوه فثوئيل غير معروف.. فثوئيل = فتح الله (مر24:7).
2. كلمة يوئيل في العبرية تعني "يهوة هو الله".
3. لا يوجد في نبوة يوئيل تحديد تاريخ زمنى لنبوته. فلم يذكر أسماء ملوك يهوذا أو إسرائيل المعاصرين له، لأن نبوته تركزت على الإنذار بأن يوم الرب آتٍ سريعاً. وكأن الوحي أراد أن يعلن أن هذه نبوة لكل الأجيال لتترقب كل نسمة يوم الرب بكونه قريباً للغاية.. ولتتأهل له بالروح القدس الساكن فيها، ولتقبل تبكيت الروح القدس لها فتدين نفسها فلا تدان. وتنعم بالمجد في ذلك اليوم.
4. الفكر السائد في هذه النبوة هو أن هناك ضربة تأتي وراء ضربة على الشعب بسبب الخطية، والآن فالبلاد تعاني من ضربة جراد أفنى كل ما هو أخضر. والنبي يعتبر أن هذا ما هو إلاّ مقدمة لضربات أخرى ستأتي وهو رأي أن جيش الجراد الذي أفنى كل ما هو أخضر وترك الحقول كما لو كانت محروقة هو رمز لهجوم جيوش الأعداء على بلاده في حالة إصرار الشعب على عدم تقديم توبة. لذلك يتسم هذا السفر بدعوته للتوبة.
5. يعتبر هذا السفر هو سفر إنسكاب الروح القدس على البشر ليهيئهم ليوم لقائهم مع الله للسكنى معه والتمتع بأمجاده. والروح القدس هو روح الفرح والبهجة والحكمة والتبكيت. وكان لازماً بعد ان شابهت أرواحنا، بسبب الخطية، الحقول المخربة بواسطة الجراد. فكما خَرَّب عدو الخير أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا ولم يبقي فينا شيئاً أخضر هكذا خَرَّب الجراد الأرض. ولذلك يَعِدْ الله بأن يهب شعبه الروح القدس لتجديد طبيعته.
6. هذا السفر يتحدث عن يوم الرب العظيم، يوم الدينونة وهو يرى في هذه الحروب دينونة خاصة للخطية تمهيداً للدينونة العامة في ذلك اليوم. ولذلك يدعو للتوبة.
7. اسم النبي يوئيل ابن فثوئيل متمشياً مع دعوته. والمعنى أن الروح القدس يفتح عيوننا الداخلية فنعرف الله (1كو9:2-13) والأمجاد المعدة لنا، ونعرف مشيئته وتعليمه (يو26:14 + عب11:8) وهو يفتح أذاننا فنسمع تبكيته على خطايانا فنتحاشى هذا الخراب.
الإصحاح الأول
الآيات (1-4): " قول الرب الذي صار الى يوئيل بن فثوئيل. اسمعوا هذا أيها الشيوخ وأصغوا يا جميع سكان الأرض.هل حدث هذا في أيامكم أو في أيام آبائكم.اخبروا بنيكم عنه وبنوكم بنيهم وبنوهم دورا آخر. فضلة القمص أكلها الزحّاف وفضلة الزحّاف أكلها الغوغاء وفضلة الغوغاء أكلها الطيّار."
اسمعوا هذا أيها الشيوخ = الشيخوخة تشير للحكمة، وعلى الحكماء أن يراقبوا طرق الله ويعلموا الأقل حكمة = اخبروا بنيكم. وهذا هو مفهوم التقليد في الكنيسة الأرثوذكسية (في9:4 + 2تي2:2) وماذا رأي هؤلاء الشيوخ ؟ هل حدث هذا في أيامكم. فضلة القمص أكلها الزحاف.. ألخ = والمعنى ان هذا لم يحدث من قبل أن الجراد أكل كل ما هو أخضر، وعلى الشيخ الحكيم أن يحلل لماذا حدث هذا الآن؟ والإجابة بلا شك هي الخطية التي تفشت. فالله يريد الخير للكل ولكل العالم وهو صانع خيرات، وهو لا يسمح بضربة مثل هذه إلا بسبب الخطية. ولاحظ قوله يا جميع سكان الأرض = فكما لم يحدد زمان لهذه النبوة فصارت نبوة كل زمان، هنا أيضاً يتضح أنها موجهة لكل إنسان في كل مكان. وضربة الجراد هذه كانت ضربة رباعية. القمص = هو الجراد عندما يخرج من بيضه عاجزاً عن الحركة. والزحاف هو الجراد عندما يبدأ في الحركة فيمشي والأدق أنه يزحف والغوغاء هو عندما ينبت له جناحان صغيران. والطيار = عندما ينطلق ليطير في الجو. ولأنهم أربعة أطوار ورقم 4 يشير للعمومية فهو يشير لأنحاء العالم الأربعة لذلك يمكن تفسير هذه الآية كما يلي:
1. ضربات الجراد بأربعة أنواعه أكلت كل خيرات أرض يهوذا، فهي ضربة شاملة عامة.
2. هذه المراحل من الجراد تشير لحرب الخطيئة ضدنا وغزوها للقلب. فهي تبدأ أولاً كالثعالب الصغيرة = كالقمص تتسلل إلى القلب والفكر والحواس وإذا استهان بها الإنسان تفسده وإذ يقوم القمص بدوره الخفي ينفتح الباب للزحاف حيث تزحف إلينا خطايا أخرى وهذه تجرنا إلى ما هو ابشع وهذه صورة الطيار التي تنطلق بنا إلى أعماق الهاوية (رؤ1:9-12).
3. الله أيضاً في تأديباته له نفس الأسلوب فهو يبدأ بتأديب بسيط فإن لم يتب الإنسان تأتي ضربة أكبر وهكذا. راجع قصة سدوم وعمورة فقبل خرابها النهائي سقطوا تحت الجزية فترة طويلة ثم هزموا في حرب ثم ضربوا بالعمى.
4. هذا ما حدث مع إسرائيل فقد ضربتها أشور عدة مرات قبل سقوطها النهائي.
5. وهذا ما حدث مع يهوذا فقد سقطوا في يد بابل ثم فارس ثم اليونان ثم أتى خرابهم النهائي ونهايتهم على يد الرومان (وهم أربعة ممالك) كأربع مراحل الجراد التي ذُكِرَتْ بل أن سبي بابل تم على أربع مراحل وكانت المرحلة الرابعة تدميراً كاملاً لأورشليم والمعنى أن الخطية تتسلل لتفسد الإنسان والله بسماح منه يؤدَّب بتدريج ليخلص الإنسان. ويجب أن نلاحظ أنه كلما إزدادت الخطية عمقاً كلما إزدادت حدة التأديب وهذا لأن الخطية تحمل في ذاتها فسادها ومرارتها فالمؤمن حين ينحرف نحو محبة العالم وشهوات الجسد يسمح الله أن يتركه لنتائجها ليتأدب.
الآيات (5-7): "اصحوا أيها السكارى وابكوا وولولوا يا جميع شاربي الخمر على العصير لأنه انقطع عن أفواهكم. إذ قد صعدت على ارضي أمة قوية بلا عدد أسنانها أسنان الأسد ولها أضراس اللبوة. جعلت كرمتي خربة وتينتي متهشّمة.قد قشرتها وطرحتها فابيضّت قضبانها."
السكاري= قد يكونون السكاري فعلاً بالخمر، وقد يكونون السكاري بمحبة الخطية فنسوا الله (أش9:29) وهنا دعوة لهم أن يبكوا لأن العصير قد انقطع عن أفواههم ولو هم سكارى بالخمر فسيأتي الجراد ويزيل كرومهم ولو هم سكارى بالخطية ومحبة العالم فسيأتي اليوم الذي تنتهي فيه هيئة هذا العالم (رؤ9:18). ولنلاحظ أنه كلما إزددنا في ملذات الجسد إزدادت مشاكلنا وآلامنا ومن يطلب خمر العالم أي أفراح الخطية يحرم نفسه من أفراح الروح القدس وفي (6) صعدت على أرضي أمة قوية = قد تكون هذه الأمة القوية هي جيش الجراد. وقد يكون النبي هنا قد انفتحت بصيرته فرأي جيوش الأعداء الآتية في المستقبل. وقد تكون هذه الأرض هي أنا أو أنت وقد قام عليها إبليس كجيش قوي. ولكن لم يكن إبليس ليكتسب قوته إن لم نسكر نحن أولاً بخمر هذا العالم. وإبليس فعلاً قال عنه الكتاب انه أسد زائر (1بط8:5) = أسنانها أسنان الأسد. ولكن حقيقته أنه جرادة يمكن أن يطأها الإنسان بقدميه " أعطيتكم سلطاناً أن تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو". وهذا السلطان نشعر به حينما ندوس العالم بأرجلنا. وهجمات الشياطين على أرض الله أي نحن كرمته وتينته يخربها ويهشمها = ولكن لك يكن لهم سلطان إلاّ لأننا تهاوننا مع الخطية وأحببنا عطايا الشيطان وتسهيلاته للخطية. والله يسمينا كرمة لأنه يفرح بنا ومن عصيرنا أي بقبولنا للآلام معه فندخل لقيامته. ويسمينا تينة = لأنها تضم عدد كبير من البذور فتشير لوحدة الكنيسة في محبة، والمحبة تعطي المذاق الحلو وقبولنا للخطية ينزع عنا المسيح ملجأنا = قشرتها وطرحتها = وهذا لن يحدث إلاّ برفضنا للمسيح. فأبيضت قضبانها = البياض هنا ليس بياض النقاوة فهذه النفس التي رفضت المسيح تصير برصاء والبرص يعطي لوناً أبيض للجلد لكنه نجاسة.
الآيات (8-13): "نوحي يا ارضي كعروس مؤتزرة بمسح من اجل بعل صباها.انقطعت التقدم والسكيب عن بيت الرب.ناحت الكهنة خدام الرب. تلف الحقل ناحت الأرض لأنه قد تلف القمح جف المسطار ذبل الزيت.خجل الفلاحون ولول الكرّامون على الحنطة وعلى الشعير لأنه قد تلف حصيد الحقل. الجفنة يبست والتينة ذبلت.الرمانة والنخلة والتفاحة كل أشجار الحقل يبست.انه قد يبست البهجة من بني البشر. تنطّقوا ونوحوا أيها الكهنة.ولولوا يا خدام المذبح.ادخلوا بيتوا بالمسوح يا خدام الهي لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدم والسكيب.."
معنى الآية (8) أن النفس التي إختارت ملذات الخطية فقدت عريسها الحقيقي المسيح فعليها أن تنوح لأنها أصبحت أرملة فقدت بعل صباها = الذي ارتبطت به وهي مازالت صبية. والآية (9) عمق آخر لحالة الترمل والإنفصال عن الله بسبب الخطية نكتشفه هنا = انقطعت التقدمة والسكيب في بيت الرب فالجراد أكل كل شئ، المزارع والكروم فانقطعت التقدمات وبالتالي توقفت العبادة. وقبول التقدمة والسكيب في بيت الرب علامة لاتحاد الله بشعبه المقدس ورضاه عليه " والله لا يسر بالمحرقات بل بالقلب المنكسر والمتواضع وهذا لا يرذله الله" وفي (2تي6:4) نجد بولس ينسكب أمام الله. والله قطعاً لم يرذله بل سكب في داخله فرحاً لا حدود له. إذاً تقديم التقدمات والسكائب لله يعني أفراحاً لمن يقدمها، وبالتالي فإن انقطاع التقدمة والسكيب في بيت الرب يعني ضمناً إنقطاع الأفراح والتعزيات عن الشعب، وحلول الكآبة عوضاً عن الفرح والكهنة يشتركون في هذه النكبة فعليهم أن ينوحوا فالكهنة هم خدام الرب وفشلهم في دعوتهم الشعب للتوبة يستوجب نوحهم. وفي (13) دعوة لهؤلاء الكهنة أن يقوموا بواجبهم وأن يبكوا وينوحوا ويلبسوا المسوح. وليس فقط بأن يدعوا الشعب بالكلام فقط بل عليهم أن يصلوا لأجلهم وينوحوا على شعبهم حتى لا يهلك (أر21:8 + 1:9) وفي الآيات (10-12) نجد أن الثمار قد تلفت أي انقطعت حتى موارد القوت الأساسية فإما أن ضربة الجراد أتت عليها، أو بعد الحروب والضربات التالية بواسطة جيوش الأعداء سيخرب كل شئ. وروحياً فحين يمتلك إبليس أي نفس تصبح بلا ثمر روحي. فالمؤمن هو حقل الرب (القمح- المسطار- الزيت) = القمح يشير للخبز الضروري للحياة والمسطار يشير للشراب الروحي الذي يعطي بهجة لذلك قد يبست البهجة من بني البشر. والزيت يشير للدواء. فأصبح الإنسان بلا شبع وعطشاناً وبلا علاج لآلامه الجسدية والنفسية، فمن يقدر أن يشفينا إذا أنفصلنا عن الرب الذي يقول "أنا هو الرب شافيك" وعكس هذه الصورة نجدها في (أش6:25،7) فالله هو الذي يشبع ويروي ويعطي الروح القدس الزيت الحقيقي الذي يعزي نفوسنا. ولا توجد حنطة ولا شعير. الحنطة أكل الإنسان الغني والشعير أكل الفقراء والحيوانات والمعنى أن المصيبة القادمة لن ينجو منها غني ولا فقير. والجوع الجسدي أيضاً يشير للفراغ والجوع الروحي وهذا لا يشبعه سوى الله. لذلك يقدم الله نفسه لنا خبزاً نحيا به وشراباً نفرح به وروحاً معزياً لشفاء الروح. ومن هم الفلاحون والكرامون الذين خجلوا حين رأوا حقولهم بلا ثمر وهم غير قادرين أن يقدموا طعاماً لأحد؟ هم الخدام والكهنة الذين أصبحوا في حالة غير قادرة أن يقدموا شئ، ففاقد الشئ لا يعطيه. والرمّانة تشير للنفس الهادئة الخجولة التي تخجل من خطيتها (نش3:4) والنخلة تشير لحياة الإستقامة "فالصديق كالنخلة يزهو. والتفاح يشير للتجسد (نش3:2) والمعنى أن النفس فقدت صورة المسيح المتجسد وفقدت البساطة والاستقامة. ونلاحظ في آية (13) قول النبي إلهي ثم قوله للكهنة إلهكم وفي هذا إشارة توبيخ لهم، فهو إلهه الذي يحبه من القلب، أما هم فهو لهم إله يعبدونه بمظهرية مكتفين بتقديم التقدمات والسكيب، كل له نظرة مختلفة لله.
الآيات (14-20): "قدسوا صوما نادوا باعتكاف اجمعوا الشيوخ جميع سكان الأرض إلى بيت الرب إلهكم واصرخوا إلى الرب. آه على اليوم لان يوم الرب قريب.يأتي كخراب من القادر على كل شيء. أما انقطع الطعام تجاه عيوننا.الفرح والابتهاج عن بيت إلهنا.عفّنت الحبوب تحت مدرها.خلت الإهراء.إنهدمت المخازن لأنه قد يبس القمح. كم تئن البهائم هامت قطعان البقر لان ليس لها مرعى حتى قطعان الغنم تفنى. إليك يا رب اصرخ لان نارا قد أكلت مراعي البرية ولهيبا احرق جميع أشجار الحقل. حتى بهائم الصحراء تنظر إليك لان جداول المياه قد جفّت والنار أكلت مراعي البرية"
قدَّسوا صوماً = بعد أن عرض صورة كئيبة عن حالة النفس التي تفقد عريسها المسيح ينادي بالتوبة (صوم وصراخ للرب) من الجميع لأن يوم الرب قريب (15) يوم الرب هم يوم خراب عظيم يراه النبي يقترب جداً لذلك ينادي بتوبة جماعية لأن الشر كان جماعياً وإلاّ يأتي كخراب. وعلى الشيوخ أن تجمع سكان الأرض = أي كل من له حكمة الشيوخ فعليه أن يدعو كل من إنساق وراء شهوات جسده حتى يعلم أن نهاية هذا الطريق هو الخراب والحل أن يلجأ الجميع إلى بيت الرب إلهكم. فهو وحده ملجأنا وفي (16) كانت مقدمة الخراب أما انقطع الطعام تجاه عيوننا = هذه الآية تثبت أن حادثة الجراد كانت حادثة حقيقية والنبي المفتوح العينين فهم أن هذا كان إنذار لو فهمه الناس وقدموا توبة لخلصوا [1] من ضربة أشد [2] في يوم الرب العظيم. ومن المظاهر الخطيرة أيضاً أن الفرح والابتهاج ينقطعوا = فالنفس التي تشعر بكآبة عليها أن تقدم توبة سريعاً وفي (17) عفنت الحبوب تحت مدرها = المدر هي قطع الطين اليابس التي يضعوا الحبوب تحتها. والحبوب عفنت من أثر القيظ الشديد. إذاً فلا أمل في المحصول القادم.
خلت الأهراء= أي المخازن وهذه كانت تمتلئ بالقمح. إنهدمت المخازن لأنه قد يبس القمح = حين ضاع المحصول لم يهتموا بصيانة المخازن فهدمت وخربت. وفي (18) الضربة عمت الحيوان فالأرض كلها ملعونة بسبب الخطية وقد يعني جوع الإنسان جوع النفس للأفراح الحقيقية أي الشبع بالله روحياً ونفسياً. وجوع الحيوانات هو جوع الجسد وحرمانه من احتياجاته وفي (19) يوئيل يتدخل كشفيع أو كرمز للشفيع الحقيقي يسوع المسيح. هنا النبي شعر بقسوة أثار الخطية. ونجده هنا هو نفسه يصرخ فلعلنا نصرخ معهُ. هو هنا شعر بآلام تشبه آلام المسيح الذي بكي من أجل ما أصاب البشر فصرخ للآب واستجيب لهُ (عب7:5) وهنا أصبح النبي مثل فم الرب "مثل فمي تكون" (أر19:15).
الإصحاح الثاني
إذ لم يستجب الشعب للإنذار الإلهي خلال غارات الجراد يبدأ الله إنذارات أخرى بلهجة أشد، وينتقل من التهديد بغارات الجراد إلى التهديد بغارات الأعداء، هذا أن لم يتوبوا وقد سبق الله وأنذرهم في (تث43:28) بلعنة الجراد الذي يأكل مزروعاتهم وقارن مع (عا9:4).
آية (1): "اضربوا بالبوق في صهيون صوّتوا في جبل قدسي.ليرتعد جميع سكان الأرض لان يوم الرب قادم لأنه قريب."
أضربوا بالبوق = كان الضرب بالبوق هو عمل الكهنة في الإعلان عن حرب وعند مسح ملك وفي الاحتفال بالأعياد وكان البوق فضياً والفضة تشير لكلمة الله (مز6:12) فيكون المعنى هو طلب الله للكهنة أن ينذروا الشعب بأن هناك حرباً قادمة، فضربة الجراد لم تأت بالتوبة المطلوبة. صوتوا في جبل قدسي = أو في جبلي المقدس، أو الذي كان مفروضاً أن تقدسوه بأعمالكم ولكنكم عملتم الشر فستأتي الضربات إعلاناً عن قداسة الله ورفضه للخطية ليرتعد جميع سكان الأرض = أمام إنذارات الله فأفضل ما تعمله الكنيسة هو التوبة مع الصلاة والدموع. يوم الرب قادم = هو يوم الحرب مع الجيش الذي يهدد به النبي وقد يكون أشور، وقد يكون هو يوم الموت لكل إنسان أو هو يوم القيامة.
آية(2): "يوم ظلام وقتام يوم غيم وضباب مثل الفجر ممتدا على الجبال.شعب كثير وقوي لم يكن نظيره منذ الأزل ولا يكون أيضا بعده إلى سني دور فدور."
يوم ظلام وقتام = هذا بالنسبة للأشرار أما للأبرار فهو لهم يوم فرح. هو للأشرار يوم ظلام لأنهم لن يستطيعوا فيه أن يعاينوا مجد الله وبهائه فسيكون يوماً محزناً، يوم محنة شديدة. وحدث مرّات عديدة في هجمات الجراد على عدة بلاد أن إظلمت مدناً بأكملها إذ حجب الجراد نور الشمس من كثرته (خر14:10،15). وسوف يتكرر هذا المنظر في هجوم جيوش الأعداء فسيظلم الجو من التراب الذي ستثيره كثرة جيوشهم، وهذا يشير أيضاً لما يحل بالنفس من هم وضيق فَتَسْوَّدْ عيني الإنسان ونظرته للحياة مثل الفجر ممتداً على الجبال = كما أن نور الفجر يظهر أول ما يظهر على قمم الجبال ثم يمتد ليغمر الأرض كلها، هكذا ضربة العدو ستمتد للأرض كلها. وكما أن الفجر يأتي بالتأكيد هكذا مجيء العدو. شعب كثير وقوى = قد يبدو التأديب قاسياً لكنه مطلوباً لخلاص النفس.
آية (3): "قدامه نار تأكل وخلفه لهيب يحرق.الأرض قدامه كجنة عدن وخلفه قفر خرب ولا تكون منه نجاة."
الخطية حولت الجنة إلى قفر. والعدو يُصوَّر هنا كأنه ينفخ ناراً وهو قادم، ويفترس من خلفه.
آيات (4،5): "كمنظر الخيل منظره ومثل الأفراس يركضون. كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون.كزفير لهيب نار تأكل قشا.كقوم أقوياء مصطفين للقتال."
هنا مقارنة بين الجراد وجياد العدو. وقيل أن رأس الجرادة يشبه رأس الفرس (أي19:39-20) والعدو هنا مرعب في شكله = مثل الأفراس يركضون = بلا تواني هم قادمين للقتل وهو مرعب في صوته= كصريف المركبات، كزفير نارٍ تأكل قشاً = هو صوت مرعب لكن لنعلم أن النار تأكل القش ولكنها لا تحرق الذهب بل تصفيه. أماّ نار الروح القدس فتلهب القلب بالمحبة وتحرق الخطية.
آية (6): "منه ترتعد الشعوب.كل الوجوه تجمع حمرة."
تجمع حمرة = قد يكون هذا الحَمَار في اللون من إنعكاس الحرائق على الوجوه ولكن الترجمة الإنجليزية جاءت تصفار حمرتها = أي أن وجوههم أصفر لونها من الرعب بعد أن كانت حمراء.
آيات (8،7): "يجرون كأبطال.يصعدون السور كرجال الحرب ويمشون كل واحد في طريقه ولا يغيّرون سبلهم. ولا يزاحم بعضهم بعضا يمشون كل واحد في سبيله وبين الأسلحة يقعون ولا ينكسرون.
هناك خطة محكمة للغاية وضعها العدو، ولكن بسماح من الله، ليأتي هذا العدو ويُدمّر كل شئ. وكما يأتي الجراد في أفواج منظمة هكذا ستأتي جيوش العدو. ولن تقف كل أسلحة إسرائيل ضدهم = بين الأسلحة يقعون ولا ينكسرون فلن ينكسروا قبل أن يحقق الله هدفه.
الآيات (9-11): "يتراكضون في المدينة يجرون على السور يصعدون إلى البيوت يدخلون من الكوى كاللص. قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء.الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها. والرب يعطي صوته أمام جيشه.أن عسكره كثير جدا.فان صانع قوله قوي لان يوم الرب عظيم ومخوف جدا فمن يطيقه."
يجرون على السور = الله سمح لهم بالهجوم، فلن يقف السور حائلاً دون تنفيذ خطة الله، لكن لأولاد الله، فالله لهم سور من نار، وهذه هي الحماية الحقيقية (زك5:2) يصعدون إلى البيوت يدخلون من الكوى = النبي رأى الجراد يهاجم كل شئ ويملأ المنازل ويدخل من الكوى أي الشرفات، فإمتد نظره لجيش الأعداء القادم الذي سيصل إلى داخل المنازل ولن يمنعه أي سور، ولا الإحتماء في أي مكان. ومن يكلفه الله بمهمة يعطيه القوة لتنفيذها. الشمس والقمر يظلمان= هذه هي العلامات التي أعطاها المسيح لمجيئه. لذلك نقول أن التاديبات الزمنية رمز ليوم الله الأخير ودينونته وأن لم نفهم التأديب سيجئ هذا اليوم ويكون لنا يوم رعب. والله هنا يسمى جيش الأعداء جيشه = فهو الذي استخدمه كعصاة تأديب. ولكن لماذا تظلم الشمس والقمر في ذلك اليوم؟ الإجابة كما حددها الآباء.. أن هذا سيكون بسبب ظهور نور شمس المسيح.
الآيات (12-14): "ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلى بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنوح. ومزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف رحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشر. لعله يرجع ويندم فيبقي وراءه بركة تقدمة وسكيبا للرب إلهكم."
هنا يطلب منهم الله أن يقدموا توبة. فكل هذا التأديب بسبب أن الله يطلب هذه التوبة، ولكي يقنعنا بخطايانا. وإذا رجعنا نجد الأحضان الأبوية التي لا تغلق قط امام الراجعين. وحين نرجع إلى الله نكتشف أن التأديب الذي فكرنا أنه كان شراً، كان خيراً لنا. ولكن الله يطلب أن تكون هذه التوبة من القلب = مزقوا قلوبكم = والقلب في الفكر العبري هو مركز الحياة الأدبية والقرار الأخلاقي ومركز الحياة الروحية والحياة العقلية ومعنى مزقوا قلوبكم أن الله يطلب توبة بحزن حقيقي على خطايانا وبصوم وبكاء لا ثيابكم = لا تكن توبتكم مظهرية، فمن كانت توبته مظهرية، إذا ما رُفِعَ الضيق يعود فوراً لشره الأوّل. يندم على الشر = ليس معناها أن فكر الرب يتغير بل عندما يتغير فكر الخاطئ فإن طريق الله نحوه يتغير، وتُزَال عن التائب لعنة الناموس، ويغير الله حكمه عليه. وقوله لعله يرجع ويندم = لا تعني عدم اليقين وإنماّ علامة الوقوف أمام الله بتذلل وإنسحاق كأننا لا نستحق أن الله يرفع عنا العقوبة. وفي عودة الله للتائب تنسكب عليه بركاته. فيبقي = يترك وراءه بركاته. وتعود ثمار الأرض والكروم التي منها يقدمون تقدمة وسكيب، وهذا في نظر النبي هو أعظم بركة تعود على الشعب، أن يعود ويقدم للرب تقدمة وسكيب فتنسكب أفراح الرب داخل نفس من يقدم. هذا أكثر ما يفرح التائب الحقيقي أن يعود يقف أمام الله وتعود علاقة المحبة بينه وبين الله (أش22:38).
الآيات (15-17): "اضربوا بالبوق في صهيون قدسوا صوما نادوا باعتكاف. اجمعوا الشعب قدسوا الجماعة احشدوا الشيوخ اجمعوا الأطفال وراضعي الثدي ليخرج العريس من مخدعه والعروس من حجلتها. ليبك الكهنة خدام الرب بين الرواق والمذبح ويقولوا أشفق يا رب على شعبك ولا تسلم ميراثك للعار حتى تجعلهم الأمم مثلا.لماذا يقولون بين الشعوب أين إلههم."
هنا الله يطلب منهم توبة جماعية يشترك فيها الكهنة والشيوخ والأطفال بل حتى العريس والعروس فهذا ليس وقت أفراح عالمية والخطر قادم حجلتها = الخيمة المخصصة للأعراس. مطلوب توبة من نوع توبة نينوى فلأن الخطية انتشرت بين الجميع فعلي الجميع ان يقدموا توبة بين الرواق والمذبح على الكهنة الذين كان عملهم تقديم الذبائح بين الرواق والمذبح أن يبكوا في هذا المكان. ويقدموا توبة حقيقية بدموع عوضاً عن العبادة الشكلية. وأن يقدموا توبة في هذا المكان بالذات حيث قتلوا زكريا، وبذلك لا تتسلط عليهم الأمم فيصيروا ضحكة وهزءاً = حتى تجعلهم الأمم مثلاً. أين إلههم = الني يغار على اسم الرب وهو لا يطيق أن يسمع الأمم يقولون ان الله غير قادر على حماية شعبه، والعيب ليس في عدم قدرة الله بل في خطية الشعب.
الآيات (18-20): "فيغار الرب لأرضه ويرقّ لشعبه. ويجيب الرب ويقول لشعبه هاأنذا مرسل لكم قمحا ومسطارا وزيتا لتشبعوا منها ولا أجعلكم أيضا عارا بين الأمم. والشمالي أبعده عنكم واطرده إلى ارض ناشفة ومقفرة مقدمته إلى البحر الشرقي وساقته إلى البحر الغربي فيصعد نتنه وتطلع زهمته لأنه قد تصلّف في عمله."
فيغار الرب = ما سمح به الرب لشعبه من آلام إنما لأجل غيرته على أرضه المقدسة واشتياقه لتوبتهم. لذلك حالما يقدمون توبة = يرق لشعبه ويعود يعطيهم قمحاً ومسطاراً وزيتاً فالنفس تدخل إلى حالة الجوع والعطش والمرض بسبب الخطية. والله في محبته أعطانا نفسه طعاماً وشراباً (الجسد والدم في التناول)وشفاءً روحياً (الروح القدس في سر الميرون) فالله قادر ان يشبع عواطفنا ويطيب جراحاتنا. وما موقف المسيح من عدونا؟ والشمالي أبعده عنكم = الله استخدم الجراد (الآتي من الشمال) واستخدم أشور (الآتية من الشمال) كأدوات تأديب ضد شعبه ولكن حينما انتهى التأديب سيرفع الله عصا التأديب. وهكذا سمح الله بوجود الشيطان كأداة تأديب. وحين جاء المسيح وبصليبه أعطانا أن ندوس على الحيات والعقارب (الشيطان). وهذا ما حدث فضربة الجراد أنتهت وجيش اشور سقط على أسوار أورشليم في يوم الـ185.000. بل سقطت أشور كلها بعد ذلك. وكان سبب سقوطها كبريائها فهي لم تدرك أن الله استخدمها كأداة تأديب، وظنت أنها لديها القدرة أن تذل شعب الله (أش12:10) ولأن أشور تعجرفت يشقها الرب ليحطم مقدمتها في البحر الشرقي أي البحر الميت او البحر الأحمر. وساقته إلى البحر الغربي = أي مؤخرته في البحر المتوسط وأطرده إلى أرض ناشفة فهو دمَّرَ الأرض وجعلها ناشفة وها هو الله يجعله في أرض ناشفة فيصير نتانة (اش13:10-18) وهذا الوصف لخراب العدو الآشوري مستمد من المنظر الذي رآه النبي في هلاك جيش الجراد أمام عينيه فنصف جيش الجراد سقط في البحر الميت والنصف الآخر سقط في البحر المتوسط.
الآيات (21-32): "لا تخافي أيتها الأرض ابتهجي وافرحي لان الرب يعظّم عمله. لا تخافي يا بهائم الصحراء فان مراعي البرية تنبت لان الأشجار تحمل ثمرها التينة والكرمة تعطيان قوتهما. ويا بني صهيون ابتهجوا وافرحوا بالرب إلهكم لأنه يعطيكم المطر المبكر على حقه وينزل عليكم مطرا مبكرا ومتأخرا في أول الوقت. فتملأ البيادر حنطة وتفيض حياض المعاصر خمرا وزيتا. وأعوض لكم عن السنين التي أكلها الجراد الغوغاء والطيّار والقمص جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم. فتأكلون أكلا وتشبعون وتسبّحون اسم الرب إلهكم الذي صنع معكم عجبا ولا يخزى شعبي إلى الأبد. وتعلمون أني أنا في وسط إسرائيل وأني أنا الرب إلهكم وليس غيري ولا يخزى شعبي إلى الأبد. ويكون بعد ذلك أني اسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضا وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام. وأعطي عجائب في السماء والأرض دما ونارا وأعمدة دخان. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم قبل أن يجيء يوم الرب العظيم المخوف. ويكون أن كل من يدعو باسم الرب ينجو.لأنه في جبل صهيون وفي أورشليم تكون نجاة.كما قال الرب.وبين الباقين من يدعوه الرب."
بعد أن هزم الله العدو الشيطان على الصليب، يعطى هنا الوعود بإزالة كل أثار عبودية شعبه لهذا الشيطان. فبعد أن سيطر الغم يقول الله ابتهجي وافرحي = وهذا من ثمار الروح القدس الذي أرسله المسيح لنا بعد صعوده وفي (22) لا تخافي يا بهائم الصحراء = بهائم الصحراء إشارة للجسد الذي قد صار بسبب الخطية كبهائم ترعي في صحراء خربة. لكن الروح القدس سيقدس هذا الجسد ويحوّل له الصحراء إلى مراعي بها ثمار وفي (23) المطر المبكر المتأخر = ما هو إلاّ الروح القدس الذي يروي النفس فيحول البرية لمرعي مملوء بالثمار. يحول بريتنا الداخلية لفردوس مفرح. والمطر المبكر ينزل عادة في بداية الزرع حتى يساعد على تفتيح البذور. والمطر المتأخر يسقط عادة قبل الحصاد ليساعد على النضج. وفي (24) الروح القدس سر شبعنا وفرحنا وهو شفائنا وتعزيتنا. وفي (25) هو يعوضنا عن كل خسائرنا ويغسل كل جراحاتنا. ويعطينا خيرات وفيرة. وفي (26) العالم لا يستطيع أن يشبعنا ولا يشبع أحاسيسنا وفكرنا وليس سوى الله قادر على هذا. ومن يشبعه الله فسوف يسبح الله = وتسبحون اسم الرب = على كل العجب الذي صنعه معنا بتجسده وحتى صليبه وقيامته وصعوده وإرساله لروحه القدوس. وإذا وُجِدَ الله في وسطنا = فلا يخزى شعبي للأبد. وفي (27) وتعلمون = ولكن كيف نعلم؟ بالروح القدس الذي يعلمكم ويذكركم بكل شئ وفي (28) هذه الآيات هي التي استخدمها بطرس الرسول (أع16:2-21) وهو استخدم الآيات (28-32) من هذا الإصحاح ليثبت لسامعيه أن حلول الروح القدس عليه وعلى باقي التلاميذ كان يوئيل النبي قد سبق وتنبأ عنه.فيتنبأ = معناها الآن أن نقبل إعلانات روحية جديدة لمنفعة كل الكنيسة. ونتكلم عن أسرار ملكوت السموات، وهذا ما لا يمكن إدراكه بالحكمة البشرية ويحلم شيوخكم = فالله يعلن ذاته للجميع. ولكن لاحظ:- يتنبأ بنوكم.. ويحلم شيوخكم = هذا ضد المنطق البشري. فالبنون صغار السن يحلمون بمستقبل زاهر وأيام سعيدة في المستقبل. والشيوخ كبار السن هم الذين يستطيعون التنبؤ وذلك بسبب خبرتهم وحكمتهم، ولكننا نسمع هنا العكس وذلك لأن الروح القدس يعطي حكمة للشباب، ويجدد حيوية الشيوخ فيحلمون. الله يهبننا روحه القدوس كسر تغيير داخلي، ويعطي الروح القدس للجميع بلا تمييز يعطيه للبنين والبنات الصغار فيملأهم حكمة ويعطيه بلا تمييز للجنس، البنات كالبنين ويعطيه للشيوخ فيتجدد شبابهم. وللعبيد = فيحررهم. بعد أن كان الروح القدس هو عطية للملوك والأنبياء ورؤساء الكهنة فقط في العهد القديم وفي (30) وأعطى عجائب = هنا يتكلم عن اليوم الأخير، وارتباط الآيات القادمة بما سبق، أن هذه العطية العظمى أي حلول الروح القدس غايتها الانطلاق بالكنيسة إلى يوم الرب العظيم، واعدادها لتكون عروساً للمسيح ليوم اللقاء هذا. وأن الروح القدس باقي في الكنيسة إلى هذا اليوم، الذي فيه السماء والأرض تزولان ولا يبقى سوى نور الله. والروح القدس الآن يلهب قلوبنا لنشتاق للاتحاد بالله وحده. وفي (32) الخلاص هو لكل من يقبل الله. والخلاص سيكون من داخل الكنيسة صهيون وأورشليم راجع (رو11:10-13) كل من يدعو باسم الرب ينجو = أي يخلص. فالله الآن فاتحاً ذراعيه لكل إنسان يريد أن يرجع إليه ويؤمن به. وبين الباقين من يدعوه الرب = هنا يتكلم عن إيمان "البقية" أي إيمان الشعب اليهودي في أواخر الأيام.
الإصحاح الثالث
الآيات (1-3): "لأنه هوذا في تلك الأيام وفي ذلك الوقت عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم. اجمع كل الأمم وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بدّدوهم بين الأمم وقسموا ارضي. والقوا قرعة على شعبي وأعطوا الصبي بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا."
ينطلق بنا النبي من الحديث عن التأديبات الإلهية إلى يوم الدينونة، يوم الرب العظيم، حيث يلقي إبليس ومن تبعه في البحيرة المتقدة بالنار. وقد بدأ القضاء على إبليس يوم الصليب (يو31:12) وهو الآن مقيَّد لمدة 1000سنة (رؤ2:20) ثم بعد هذه الألف سنة وفي نهاية الأيام يُطلق لمدة يسيرة وذلك حسب شهوات الناس "يعطيك الرب حسب قلبك" (مز20) ثم يأتي يوم الرب العظيم ويلقي في البحيرة المتقدة بالنار (رؤ10:20). ويرمز لإبليس وجنوده في هذه الأيام بالأمم = والأمم كلمة تعني الشعوب الوثنية أي التي كانت تسير وراء أوثانها التي يعمل فيها إبليس (رؤ8:21) عندما أرد سبي يهوذا = هذا بدأ بالفداء حينما حررنا الابن بعد ان اشترانا بدمه. ولكن في اليوم الأخير يكمل العمل بحصولنا على الجسد الممجد (رو23:8) ومكان الدينونة هو وادي يهوشافاط = وهذا في العبرية يعني وادي يهوه يقضي أو وادي الدينونة والقضاء. فكلمة يقضي تعني يدين. وهو وادي بجوار أورشليم، فبعد الدينونة يدخل الأبرار لأورشليم السمائية، أمّا الأشرار فيهلكون في هذا الوادي (راجع القصة في 2أي1:20-5) حقاً أن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع قوّات شر روحية لكن من معنا أقوى ممن علينا (كو15:2) إن الرب يتطلع لهذا اليوم "لأن يوم النقمة في قلبي وسنة مفدييي قد أتت" (أش4:63) والفداء بدأ بالصليب ولكنه سيكمل في اليوم الأخير. ولماذا النقمة على هذا العدو؟ قسموا أرضي وألقوا قرعة على شعبي = وكان جنود الأمم هكذا يفعلون بالسبايا ويوزعون البنات بالقرعة والأولاد يؤخذون كعبيد، والله سيدين ويقضي على استهزاء جنود الأمم بشعبه. وهنا جنود الأمم يرمزون لإبليس الذي سينتقم الله منه على ما فعله بأولاده. وإلقاء قرعة على شعب الله يذكرنا بما فعله الجند بثياب المسيح. وثياب المسيح هي شعبه (راجع قصة حلم الباب بطرس خاتم الشهداء عن آريوس حين حلم بأن آريوس مزق ثيابه أي فرق كنيسته) فكل الأمم تقاسموا أرض الله، أي الشياطين تقاسموا أولاد الله كأنهم يمتلكونهم. بل هم امتلكوهم وباعوهم باعوا الصبي بزانية = هكذا ضاعت كرامة الإنسان بسبب الخطية فصار أولاد الله يباعون بثمن بخس يساوي شهوة مع زانية وهم بددوا ميراث الرب = فحين علموهم الخطية تسببوا في تشتيتهم وعبوديتهم وسبيهم. بل قوله ألقوا قرعة = تشير للاستخفاف بأولاد الله. فكان جنود الجيوش في مراهناتهم في ألعابهم يلقون قرعة على أسرى شعب الله.
الآيات(4-8): "وماذا انتنّ لي يا صور وصيدون وجميع دائرة فلسطين.هل تكافئونني عن العمل أم هل تصنعون بي شيئا.سريعا بالعجل أرد عملكم على رؤوسكم. لأنكم أخذتم فضتي وذهبي وأدخلتم نفائسي الجيدة إلى هياكلكم. وبعتم بني يهوذا وبني أورشليم لبني الياوانيين لكي تبعدوهم عن تخومهم.هاأنذا أنهضهم من الموضع الذي بعتموهم إليه وارد عملكم على رؤوسكم. وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم للسبائيين لأمة بعيدة لان الرب قد تكلم."
ما أصعب على قلب الله أن يرى أولاده، ميراثه وخاصته، فضته وذهبه. نفائسه الجيدة يستعبدون ويدخلون في عبودية الشيطان = أدخلتم نفائسي الجديدة إلى هياكلكم = الهياكل هنا هي محبة العالم التي جذب الشيطان أولاد الله لها. وفي تأمل آخر فقد أعطانا الله فضته (كلمة الله) وذهبه (السمة السماوية) ونفائسه الجيدة (ثمار ومواهب الروح) فعلينا أن لا ندخلها لهياكل محبة العالم. وحينئذ لو دخلنا لهياكل محبة العالم سيبدد العدو الشرير كل ما لنا بأبخس الأثمان. وفي آية (8) يشير لصور وصيدون جيران إسرائيل فهم استغلوا محنة الشعب ربما بعد غزو الأعداء وانقضوا عليهم وسبوا أولادهم وبناتهم وباعوهم للياوانيين (اليونان) وهنا الله يوجه لهم اللوم هل تكافئونني عن العمل = أي لقد وهبتكم أنتم أيضاً كل شئ فلماذا تكافئونني بخطف أولادي والكلام موجه ضمنياً لإبليس الذي خلقه الله كامل الجمال (أش14 + حز28) ولكن من يغيظ الله سينتقم منه الله. فهنا صور وصيدون وفلسطين = بسبب عداوتهم التقليدية لشعب الله اتخذوا مثلاً للشيطان هأنذا انهضهم = ها هو فداء المسيح الذي يحررنا ماذا انتن لي = أي هل ظلمتكم حتى تفعلوا هذا بي. وأرد عملكم = لما أخذ الإسكندر مدينة صور باع 13.000من أهلها عبيداً. وفي آية (8) هذا حدث فعلاً أيام المكابيين. ولكنها تعني روحياً أن القديسين سيدينوا العالم (1كو2:6) فالشرير لن يستطيع الاعتذار بضعفه لأن القديس كان يشابهه في كل الظروف وبحريته اختار الله. أما السبائيين = فهم سكنوا في بلاد العرب.
الآيات(9-13): "نادوا بهذا بين الأمم.قدسوا حربا انهضوا الأبطال ليتقدم ويصعد كل رجال الحرب. اطبعوا سكّاتكم سيوفا ومناجلكم رماحا.ليقل الضعيف بطل أنا. أسرعوا وهلموا يا جميع الأمم من كل ناحية واجتمعوا.إلى هناك أنزل يا رب أبطالك. تنهض وتصعد الأمم إلى وادي يهوشافاط لأني هناك اجلس لاحاكم جميع الأمم من كل ناحية. أرسلوا المنجل لان الحصيد قد نضج.هلموا دوسوا لأنه قد امتلأت المعصرة.فاضت الحياض لان شرهم كثير."
الله هنا يسخر من الأمم التي إتكلت على ذاتها ويعلن ضعفها أمام أولاده الذين أعطاهم قوته (أش9:8،10). والله هنا يسأل الأمم أن يثيروا ما استطاعوا من حرب ضد أولاده، بل يحولوا سكاتهم (أسنان المحراث) إلى سيوف. والمعنى أن كل همهم هو الحرب، فليحولوا أدوات زراعتهم لأدوات حرب. وهذا عكس ما قيل في (أش4:2) ففي أشعياء يشير لسلام الكنيسة. قدسوا حرباً أي كرسوا كل طاقاتكم وإمكانياتكم للحرب. ليقل الضعيف بطل أنا = لقد ظن الشيطان الضعيف أنه بطل. وهو أدرك ضعفه في معركة الصليب. ولكن فليقل كل مؤمن أحس بضعفه أنه قوي بالمسيح (2كو9:12) وهذا الكلام موجه للشيطان وكل من يعمل فيه مثل سنحاريب وأنطيوخس وضد المسيح، وكل مقاوم للكنيسة. قارن مع (مز1:2،4) ولكن وسط هذه الاضطهادات يكون للرب خدّام وشهود وشهداء أبطال = إنزل يا رب أبطالك وفي اليوم الأخير سيأتي المسيح وسط الملائكة أبطاله. وفي (12) تنهض وتصعد = أي أن هذه الأمم ستفعل هذا بالتأكيد ويتحُّدوا الله، لتأتي عليهم الدينونة. وفي (13) قارن هذه الآية بـ (رؤ18:14 + رؤ11:19 + مت39:13) إذن هذه المعصرة هي معصرة غضب الله على الأشرار في اليوم الأخير.
الآيات (14-17): "جماهير جماهير في وادي القضاء لان يوم الرب قريب في وادي القضاء. الشمس والقمر يظلمان والنجوم تحجز لمعانها. والرب من صهيون يزمجر ومن أورشليم يعطي صوته فترجف السماء والأرض.ولكن الرب ملجأ لشعبه وحصن لبني إسرائيل. فتعرفون أني أنا الرب إلهكم ساكنا في صهيون جبل قدسي وتكون أورشليم مقدسة ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد"
جماهير جماهير = علينا أن لا نرتعب من إبليس حتى وأن ظهر كجماهير كثيرة وقوية أو عمل من خلال جماهير كثيرة وقوية فهو محكوم عليه. ومن يستجيب له في وادي القضاء. ولأن الرب من صهيون يزمجر = فهو الأسد في داخل كنيسته يُرعب من يضطهدها. ولأن الرب ملجأ لشعبه = فإذا كان الله هو الذي يحمينا فممن نخاف. ولأنه لن يدخل الغرباء في صهيون أي الكنيسة = ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد. فبعد أن ندخل لأمجاد السماء لن تكون هناك حروب أخرى ضدنا. ويتمجد الله في ذلك اليوم بخلاصه لأولاده فتعرفون.. جبل قدسي = في السماء ستثبت القداسة ولا حروب بعد ذلك فلن يوجد لنا جسد ضعيف قابل للسقوط ولن يدخل فيها شئ نجس = الغرباء ويكون الله نور هذا المكان = فتظلم الشمس والقمر أمام نوره.
الآيات (18-21): "ويكون في ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرا والتلال تفيض لبنا وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ومن بيت الرب يخرج ينبوع ويسقي وادي السنط. مصر تصير خرابا وأدوم تصير قفرا خربا من اجل ظلمهم لبني يهوذا الذين سفكوا دما بريئا في أرضهم. ولكن يهوذا تسكن إلى الأبد وأورشليم إلى دور فدور. وأبرئ دمهم الذي لم أبرئه والرب يسكن في صهيون."
تظهر هنا عطايا الله الأبدية والآن الله يملك ملكاً أبدياً وسنكون نحن خاضعين بالكامل لهُ خلال رأسنا المسيح (1كو28:15) وحينئذ تتفجر فينا ينابيع الروح القدس، فيظهر فينا ثمار كثيرة بل سنكون جبال وتلال وينابيع سنمتلئ ونفيض من العصير أي الفرح وسنكون كسكارى بحب الله واللبن = يشير للمعرفة فسنفيض من معرفة الله ووادي السنط = وادي جاف فبعد أن فاض علينا الله لن نعود للجفاف ثانية بل نصبح وادي مثمر. ومصر وأدوم رمز للشيطان عدو الله وعدو شعب الله سيكون نصيبهم الخراب. وأيضاً تشير لإنتهاء كل الجوانب السلبية في الإنسان الذي دخل إلى هذا المكان المقدس. هذه المواعيد تتم جزئياً الآن في الكنيسة وكلياً في السماء. وفي (20) وعد بأن يسكن الله أورشليم أبدياً. وفي (19) سبب آخر لدينونة مصر وأدم (الشيطان) فهم الذين أفسدوا يهوذا شعب الله وجعلوهم يسفكون دماً بريئاً في أرضهم هو دم المسيح ولكن في الأيام الأخيرة سيؤمن اليهود بالمسيح وهذا هو الطريق الوحيد ليبرئهم الله من الدم الذي قالوا عنه "دمه علينا وعلى أولادنا