يونان
كنيسة السيدة العذراء بالفجالة
المقدمة
1. انتهى سفر عوبديا بهلاك أدوم (رمزاً لهزيمة الشيطان بالصليب) وإقامة صهيون (أي الكنيسة). وأن الكنيسة سترث الأمم وتمتد شمالاً وجنوباً، رمزاً لدخول الأمم للمسيحية. ويجئ سفر يونان ليعلن الله صراحة قبوله للأمم في شكل إرسالية أحد أنبيائه ليدعو الأمم للتوبة (نينوى).
2. يُظهر هذا السفر أن الله هو إله الجميع يهوداً وأمم، يحب الجميع ويريد أن الجميع يتوبون فيخلصون. والكتاب المقدس مكتوب أساساً لليهود، لذلك يركز على تعاملات الله مع الشعب اليهودي. إلا أننا ومن خلال الكتاب المقدس نلمح إهتمام الله وتعامله مع كل الشعوب، وأنه لم يَقْصِرْ تعاملاته على اليهود فقط. وهذا نراه [1] في إرسال يونان لشعب نينوى الوثني [2] الله يتعامل مع بلعام، وبلعام وثني، ولكنه يتنبأ عن المسيح [3] الله يكلم أيوب بل نرى أصدقاء أيوب (وكلهم ليسوا يهوداً) يروا رؤى سماوية [4] الله يتكلم مع أبيمالك ملك الفلسطينيين أيام أبونا إبراهيم [5] ملكي صادق كان كاهناً لله العلي، (بل وبارك إبراهيم). ولم يكن يهودياً [6]الله يكلم فرعون ونبوخذ نصر بأحلام. [7] لم يكن يونان هو النبي الوحيد الذي له تعاملات ورسالة موجهة للوثنيين بل إيليا كان له رسالة مع صيدون، وإليشع مع أرام.
3. بينما نجد اليهود يقاومون الأنبياء ويضطهدونهم إذ بأهل نينوى يقبلون كرازة يونان. وتكررت هذه الصورة، إذ رفض اليهود المسيح وقبله الأمم.
4. تنبأ يونان بن أمتاى في أيام يربعام الثاني ملك السامرة (2مل25:14) وقد تنبأ أن الله يرد حدود السامرة إلى مدخل حماة شمالاً وإلى بحر العربة جنوباً وكان نبياً لإسرائيل (مملكة الشمال) حوالي سنة 825-784ق.م. وعاصر عاموس النبي.
5. جاء في التقليد اليهودي أنه ابن أرملة صرفة صيدا الذي أقامه إيليا النبي (1مل18) ويرى البعض أنه كان مناسباً أن يرسل يونان للأمم حيث أن أمه أممية.
6. لا يوجد غيره بهذا الاسم ولا غير أبيه باسم أمتاى.
7. كلمة يونان في العبرية تعني حمامة وتعني أيضاً متألم. وكلمة أمتاى تعنى الحق. وبذلك يكون المعنى الرمزي للسفر أن المسيح المتألم (الذي حل عليه الروح القدس مثل حمامة ليمسحه فيصير رئيس كهنة ليقدم ذبيحة نفسه) والذي دفن في القبر ثلاثة أيام، كبقاء يونان 3أيام في جوف الحوت. والمسيح هو الحق. ثم كان خروج يونان من جوف الحوت رمزاً لقيامة المسيح.
8. قد لا توجد نبوة صريحة من فم يونان النبي عن المسيح في هذا السفر إلا أنه:
أ- صار يونان بنفسه نبوة عن عمل المسيح الفدائي أي موته وقيامته.
ب- إنذاره لنينوى بخرابها إن لم تتب كان نبوة، لكنها لتوبتها لم تهلك.
ت- ذهابه للأمم الوثنية (نينوى) كان نبوة عن قبول الأمم.
ث- نبوته في (2مل25:14). كل هذا يجعل منه نبياً عظيماً.
ج- هو من جت حافر في الجليل وهي تبعد مسافة ساعة سيراً على الأقدام عن الناصرة، فهو جليلي كما كان المسيح من الجليل.
9. نينوى عاصمة مملكة أشور. وهو على نهر دجلة مكان مدينة الموصل حالياً. وكان أهلها أغنياء ويعبدون الإلهة عشتاروت. وسماها ناحوم النبي مدينة الدمار ملآنة كذباً وأختطافاً. عُرف ملوكها بالعنف الشديد. وكانت تسليتهم جذع أنوف الأسرى وقطع أيديهم وأذانهم وعرضهم للسخرية والهزء أمام الشعب. وقد دمر نبوبلاسر ملك بابل نينوى.
10. نرى الله في هذا السفر سيداً على كل الخليقة فهو: [1] يرسل نوءاً عظيماً ثم يوقفه حين يريد [2] يعد حوتاً ليبتلع يونان ثم يلقيه حين يريد الله [3] ينبت يقطينة ثم يأمر دودة لتأكلها وتتلفها [4] يرسل ريحاً شرقية لتضرب يونان. وقد تبدو هذه الأفعال أنها عنيفة ولكنها كانت لتحقق مصالحة الله مع الإنسان وتعلن محبة الله. ولقد تاب يونان فعلاً وإستفاد من الدروس وهكذا تابت نينوى ولم يهلك شعبها. ربنا كان الدواء مراً لكنه يؤتي نتائج مبهرة.
11. غالباً فقد عاد البحارة إلى الميناء، إذ كانوا لم يبتعدوا عنه، وهم كانوا قد ألقوا بكل أمتعتهم في البحر. ونشروا قصة يونان، وإذا بيونان يظهر ويعرفون منه قصة الحوت ونجاته. وينتشر الخبر ويصل إلى نينوى، ثم يصل يونان إلى نينوى. وقد يكون هذا سر توبتهم العجيبة. حقاً كل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. لقد حول الله عناد وهرب يونان إلى سبب بركة لأهل نينوى وللبحارة الذين آمنوا. لقد أخرج الله من الجافي حلاوة.
12. مشكلة يونان هي نفس مشكلتنا، أننا نتذمر على الله حين نرى أن أفكار الله وخطته تختلف عن أفكارنا وخطتنا. فلنسلم بأن الله لا يخطئ في أفكاره قبل أن يهيج البحر من حولنا أو يبتلعنا حوت لو تخاصمنا مع الله.
13. عن إمكانية بقاء يونان ثلاثة أيام في جوف الحوت: نقاد الكتاب المقدس يريدون حذف الآيتين "أعد الرب حوتاً عظيماً ليبتلع يونان" و "أمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر". ولكن إلى هؤلاء أن يعرفوا أنهم لن يجنون فائدة من تحريف كلمة الله لتطابق معلوماتهم.
أ- أشار السيد المسيح لهذه القصة في (مت39:12-41)
ب- هناك أبحاث عن الحيتان ووجد أن هناك نوع يمكن أن ينطبق عليه هذه القصة. وفيه يكون الحوت ضخماً وبلا أسنان. وهو يسير في الماء فاتحاً فمه على مدى إتساعه. ثم يقفل فكيه ويضغط بلسانه على الماء خلال تجويف في فمه به ما يشبه الشبكة فيخرج الماء تاركاً الغذاء وراءه. ويبلغ طول هذا النوع (50-95قدم) وقد سد أحد حيتان هذا النوع قناة بنما. وتجويفه الأنفي أبعاده تصل إلى (14×7×7 قدم) وإذا ابتلع الحوت شيئاً ووجده كبيراً فإنه يقذفه إلى هذه الحجرة، وإذا شعر أن شيئاً كبيراً في رأسه فإنه يسبح إلى أقرب شاطئ ويقذفه هناك. وقد أخرجوا صياداً من هذا التجويف بعد 48ساعة من ابتلاع الحوت له. وكان حياً، ولكنه في حالة إغماء من تأثير الصدمة، وكان ذلك بعد أن اصطادوا الحوت بقنبلة، وسمى هذا الشخص يونان القرن العشرين. وكان ذلك في القنال الإنجليزي.
14. الله يكشف لنا خطأ النبي ليكون لنا رجاء. فإذ قبل الله هذا النبي بعد أن هرب منه رافضاً تنفيذ ما أمره به، فإن هذا يعطينا رجاء أن الله سبقبلنا إن قدمنا توبة. ولقد سطر النبي هذه القصة معترفاً بخطاياه. ولكن علينا أن لا نتمادي في اتهاماتنا له، بل نذكر ثقل المهمة التي كلفه الله بها، وهي أن يذهب ليكرز لشعب وثني وعدو.
15. نينوى المدينة العظيمة: تكرر هذا اللفظ في (1:1 + 1:3 + 3:3 + 11:4) ونفهم من (تك11:10،12) أن هناك عدة مدن أحاطت بمدينة نينوى هي رحوبوت عير وكالح ورسن بين نينوى وكالح. وفي سفر التكوين يسمى هذه المدينة المكونة من الأربع مدن المدينة الكبيرة (تك12:10) ويسميها هنا المدينة العظيمة وهذه كما نطلق الآن لفظ القاهرة الكبرى على القاهرة القديمة والجيزة وحلوان والقليوبية فكان هناك نينوى الأصلية
وغالبا فهذه كان لها سور ثم انضمت لها 3مدن وهي كالح ورحوبوت عير ورسن وبنوا حولهم كلهم سور واحد عظيم احتوى نينوى المدينة العظيمة أو نينوى المدينة الكبيرة كما يسميها سفر التكوين أو كما نسميها الآن نينوى الكبرى.
وفي يونان (3:3) نسمع عن نينوى العظيمة مسيرة ثلاثة أيام. وهذا يعني تحديد محيط المدينة الكبيرة، فهذه يقطعها السائر على قدميه في 3أيام أما نينوى الأصلية فمحيطها يقطعه السائر على قدميه في مسيرة يوم واحد إذاً القول مسيرة يوم أو مسيرة 3أيام هي طريقة لتحديد محيط المدينة.
الإصحاح الأول
آية (1،2): "وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً. قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي."
المدينة العظيمة: كان محيط نينوى 96كيلو متر وأبعادها 16 × 32 كيلو متر (وهذا معنى مسيرة 3 أيام 3:3) وارتفاع أسوارها 100قدم وسمك أسوارها بحيث تسير عليه من 3 إلى 4 مركبات حربية. وعلى الأسوار 1500 برج ارتفاع كل برج 200قدم. صعد شرهم أمامي= في الترجمة السبعينية صعد صراخ شرهم أمامي. وهذا يشبه "صوت دم أخيك صارخً إلىّ من الأرض" (تك10:4) وصراخ سدوم وعمورة قد كثر (تك20:18). وكانت دعوة يونان للكرازة والخدمة في نينوى من نوع فريد. فهو النبي الوحيد الذي دعي لخدمة مدينة أممية لا ليتنبأ عنها بالدمار بل يدعوها للتوبة. ونينوى كانت عاصمة أشور ألد أعداء إسرائيل. وهرب يونان بسبب هذه الصعوبة. لكن الله المحب إستغل حتى هروبه هذا في تحقيق مقاصده الإلهية. فقد آمن بحارة السفينة بالله. ونفس الشئ حدث مع بولس ومرقس، فلقد استغل الله خلافهما ليرسل مرقس ليبشر في مصر.
آية (3): "فقام يونان ليهرب إلى ترشيش من وجه الرب فنزل إلى يافا ووجد سفينة ذاهبة إلى ترشيش فدفع أجرتها ونزل فيها ليذهب معهم إلى ترشيش من وجه الرب."
لماذا هرب يونان من المهمة التي كلفه بها الله ؟ [1] هناك سبب مذكور في (2:4) وهو أنه عرف أن الله في رحمته سيقبل توبتهم فيصير يونان في أعينهم ككاذب. [2] يونان كان يتمنى هلاك أشور لأنها ألد أعداء إسرائيل، وليس الصفح عنهم، لذلك خرج بعد أن وجه أنذاره لنينوى وصنع له مظلة أمام المدينة منتظراً خرابها. [3] ربما خاف يونان من شر الآشوريين فهم دمويون وربما قتلوه لو أنذرهم. [4] ذهابه لآشور عدو إسرائيل يعتبر خيانة لملك إسرائيل، وربما اتهموه بالتجسس للعدو. [5] ذهابه لشعب وثني ضد فكر ومزاج شعب إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، وبذلك سيسقط من نظر شعبه وكهنة وأنبياء شعبه. ترشيش = ربما تكون في جنوب أسبانيا أو شمال غرب أفريقيا، وهي أبعد بلد معروفة وقتئذ. فهو يريد أن يهرب من الله لأبعد مكان ممكن، وهذا جهل بالله. وكلمة ترشيش تعنى بحر. وكلمة يافا تعني جمال. نزل.. نزل.. نزل = تتكرر كلمة نزل في هذه الآية مرتين ثم تأتي ثانية في آية (5). فهو نزل إلى يافا ثم إلى السفينة ثم نزل إلى جوف السفينة. وبهذا تكررت كلمة نزل 3مرات، وهكذا لأنه ترك الله وهرب منه نجده في نزول مستمر وبالخطية عموماً نكون في نزول مستمر. وهو نزل إلى يافا أولاً (هذه تشير لمن يترك الله وينجذب لجمال العالم فيافا تعني جمال) ثم نزل إلى السفينة والسفينة في البحر، وماء البحر مالح، من يشرب منه يعطش (وهذه تشير لمن ينجذب لجمال العالم ويبدأ يشبع شهواته من العالم) ثم نزل لقاع السفينة حيث نام نوماً عميقاً، ولم يوقظه هياج البحر (وهذه إشارة لمن عاش في الخطية، ففقد حواسه الروحية، أي أطفأ الروح القدس فيه، ولم يعد يسمع صوت تبكيت الروح وإنذاراته). مثل هذا الخاطئ ماذا يفعل معه الله؟ لا حل سوى تجربة صعبة. وهذا ما حدث فلقد رموه في البحر ومنه إلى جوف الحوت. ودفع أجرتها = إتكاله الآن على موارده الذاتية إذ إنفصل عن الرب أما من يكلفه الرب بعمل ما يقوم الرب بتسديد كل إحتياجاته. والخادم الذي يخدم الله بأمانة تجده يتكلم بكلمات هي من الروح القدس يعطيها له. أما الخادم المنفصل عن الله بسبب خطاياه تجده يتكلم من فلسفاته البشرية.
آية (4): "فأرسل الرب ريحا شديدة إلى البحر فحدث نوء عظيم في البحر حتى كادت السفينة تنكسر."
فأرسل الرب ريحاً شديدة = كان خطأ يونان أنه ظن أنه بهروبه سيهرب من الله، ولم يدري أن الله في كل مكان. هذا ما عبر عنه داود في مز139 وبالذات الآية (7،8) أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب.. (مز1:139-12) وبسبب هروبه من الله، وجهله بالله جلب على نفسه هذه العواصف. كان يليق به أن يهرب إلى الله، لا أن يهرب منه. هو هرب من الله، فما عاد يسمع صوت الله الهادئ المنخفض الخفيف الذي سمعه إيليا (1مل12:19) (فهذا لا يسمعه إلا من كان قريباً من الله. ولأن يونان إبتعد وهرب من الله حدثه الله بلغة أخرى هي لغة الضيقات المتوالية (ريح شديدة- نوء عظيم- حوت..) ليكشف عما في داخله من ريح عصيان عنيف واضطراب داخلي. هذا ما حدث أيضاً للإبن الضال، فحين ترك أبوه جاءت عليه المجاعة. فإنه متى يكون الرب غير راضٍ، لا يكون شئ في أمان. فحين صلب المسيح اضطرب نظام الكون وصارت هناك ظلمة. علينا إذاً أن نعرف سبب أي ضيقة تمر بنا فقد يكون وراءها خطية جعلتنا نبتعد عن الله فما عدنا نسمع صوت تبكيته المنخفض.
آية (5): "فخاف الملاحون وصرخوا كل واحد إلى إلهه وطرحوا الأمتعة التي في السفينة إلى البحر ليخففوا عنهم وأما يونان فكان قد نزل إلى جوف السفينة واضطجع ونام نوما ثقيلا."
خاف الملاحون: هم خبراء بالبحر، ولكن سبب خوفهم أنهم شعروا أن وراء العاصفة شئ غير عادي، فهي هبَّت فجأة وبدون مقدمات وكانت عنيفة جداً. وصرخوا كل واحد إلى إلهه = هم شعروا بأن هناك شئ غير عادي فلجأوا لآلهتهم بينما يونان نام نوماً ثقيلاً= كأنه لا يريد أن يرى أمواج غضب الله عليه، هو نوم الهروب وليس نوم السلام، هو يهرب من واقعه. وتضيف السبعينية أن غطيط نوم يونان هو الذي لفت أنظار الربان إليه. وطرحوا الأمتعة= لم تكن أمتعتهم مهما كانت عزيزة عليهم، أغلى من حياتهم، فهم رموا ما كان غالياً عليهم ليشتروا حياتهم الجسدية = هل نقبل أن نلقي ملذاتنا العالمية لنشتري حياتنا الأبدية وهي الأهم.
آية (6): "فجاء إليه رئيس النوتية وقال له ما لك نائما قم اصرخ إلى إلهك عسى أن يفتكر الإله فينا فلا نهلك."
هنا رئيس النوتية يوبخ يونان، بل يطلب إليه أن يصلي. وهذا شئ مخجل أن يطلب هذا الوثني من نبي الله أن يصلي. فبسبب هروبه فقد مركزه كنبي مرسل ليوبخ ملك أشور العظيمة وجلس يتلقى التعليم من هذا الوثني. عسى أن يفتكر الإله فينا = كانوا كوثنيين يشعرون أن إلهتهم الكثيرة هي واسطة بينهم وبين الإله الأعظم الذي لا يعرفونه. ومازال ليومنا هذا كثير من الناس يبحثون مضطربين وسط عقائد كثيرة ولا يعرفون أين يوجد. ولكن الله يتكلم محاولاً أن يصل صوته لكل واحد. فهو كلم يونان برؤيا ولما هرب منه كلمه بالطبيعة الثائرة. ثم ها هو يكلمه عن طريق بحار وثني. فياليتنا نسمع صوته ومن له أذنان للسمع فليسمع.
آية (7) : "وقال بعضهم لبعض هلم نلقي قرعا لنعرف بسبب من هذه البلية فالقوا قرعا فوقعت القرعة على يونان."
نلقي قرعة = الله يكلم كل واحد بحسب ما يفهمه. فالله كلم المجوس بالنجم مثلاً وهو لا يوافق على طريقتهم. وهنا الله لا يوافق على القرعة ولكنه كلمهم بها فهم لا يفهمون سواها. فوقعت على يونان = وربما كان في السفينة من هو أشر من يونان ولكن الله أرسل العاصفة قاصداً يونان، فالله يؤدب أولاده " الذي يحبه الرب يؤدبه".
آية (8): فقالوا له اخبرنا بسبب من هذه المصيبة علينا ما هو عملك ومن أين أتيت ما هي أرضك ومن أي شعب أنت.:
كل هذه الأسئلة ليريحوا ضمائرهم. كانت أسئلتهم بطريقة لطيفة وأثبتوا أنهم حكماء. وكانت أسئلتهم توبيخاً لطيفاً ليونان. ففيما هم يسألونه كان يليق بيونان أن يراجع نفسه في كل تصرفاته ويعترف بلسانه بخطيته وعصيانه. وهم في حكمتهم لم يشاؤوا أن يظلموه، لذلك ها هم يستفهون منه.
آية (9): "فقال لهم أنا عبراني وأنا خائف من الرب اله السماء الذي صنع البحر والبر."
هنا إجاباته على أسئلتهم. وعن سؤالهم ما هو عملك قال "أنا خائف من الرب. والرب الذي أعبده هو خالق البحر والأرض والسماء. وليس كما تظنون أن هناك آلهة كثيرة. وربما أخبرهم أنه نبي.
آية (10): فخاف الرجال خوفا عظيما وقالوا له لماذا فعلت هذا فان الرجال عرفوا انه هارب من وجه الرب لأنه اخبرهم."
فهم عرفوا أن إله البحر غاضب فخافوا خوفاً عظيماً فهم رأوا ماذا يستطيع هذا الإله أن يفعل. وكان سؤالهم "إذا كان إلهك هكذا قوياً وأنت نبياً له فلماذا صنعت هكذا.
آية (11): "فقالوا له ماذا نصنع بك ليسكن البحر عنا لان البحر كان يزداد اضطرابا."
وإذ عرفوا أنه نبي سألوه عن علاج لهذه المصيبة التي هم فيها، فإضطراب البحر بهذه الصورة يشهد عن غضب الله.
آية (12): "فقال لهم خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم لأنني عالم انه بسببي هذا النوء العظيم عليكم."
ربما قال يونان هذا بعد أن صلي وأرشده الله. وهو قال هذا الحل بصراحة وشجاعة، فهو لا يريد أن يهلك أحد بسببه. وقوله هذا يشير لتسليمه الكامل لحياته في يد الله.. فهو فهم أن الله يريد أن يؤدبه. وهنا يونان بإلقائه في البحر فيهدأ كان ممثلاً للسيد المسيح، الذي كان لابد أن يلقي به على الصليب ويسلم للقبر لينعم المؤمنون به الذين كانوا في اضطراب كالبحر، ينعمون بالسلام،هكذا نجا البحارة بإلقاء يونان في البحر، وهكذا نخلص بموت المسيح.
آيات (14،13): "ولكن الرجال جذفوا ليرجعوا السفينة إلى البر فلم يستطيعوا لان البحر كان يزداد اضطرابا عليهم. فصرخوا إلى الرب وقالوا آه يا رب لا نهلك من اجل نفس هذا الرجل ولا تجعل علينا دما بريئا لأنك يا رب فعلت كما شئت."
لم يرد هؤلاء البحارة الطيبون إلقاء يونان في البحر، بل حاولوا إنقاذه برجوعهم إلى البر فلم يستطيعوا. لاحظ تصرفاتهم الطيبة فهم لم يستعملوا خبرتهم أولاً بإلقاء الأمتعة، لكنهم صلوا أولاً. وهم بعد وقوع القرعة على يونان لم يوبخوه بكلمة ولا جرحوا مشاعره مع أنه السبب في كل خسائرهم. وهم لم يطرحوه مباشرة بل حاولوا إنقاذه. ألم تكن تصرفات هؤلاء لتخجل يونان الذي رفض أن يذهب لأمثالهم الوثنيين في نينوى!! لقد أظهر الله له أنه لا يوجد في إسرائيل إيمان مثل هذا ولا رقة مشاعر مثل هذه. بينما شعب إسرائيل ولهم الناموس والأنبياء يتمادون في خطاياهم. وكان تصرفهم مثل بيلاطس الذي غسل يديه قائلاً: " أنا برئ من دم هذا البار". لأنك يا رب فعلت كما شئت = أنت يا رب الزمتنا أن نفعل هكذا. وما نحن سوى أدوات في يدك. فلتكن مشيئتك.
آية (15): "ثم اخذوا يونان وطرحوه في البحر فوقف البحر عن هيجانه."
هم طرحوه بك احترام وإكرام = ثم أخذوا يونان. لنلق عنا خطايانا فتهدأ حياتنا.
آية (16): "فخاف الرجال من الرب خوفا عظيما وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذورا."
في التقليد اليهودي أن البحارة حينما عادوا للبر آمنوا بإله إسرائيل واختتنوا وإنضموا لشعب الله. فخاف الرجال من الرب = هذا معناه أنهم آمنوا به. وذبحوا ذبيحة للرب = هذا يرمز لتقديم الذبيحة الآن بعد موت المسيح. فلقد صار من حقنا تقديم ذبيحة المسيح بعد موت المسيح وقيامته. نذروا نذوراً = غالباً نذورهم كانت أن يؤمنوا بالله إله إسرائيل ويقدموا له ذبيحة لو نجوا من هذه العاصفة.
آية (17): "وأما الرب فاعد حوتا عظيما ليبتلع يونان فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال."
الأمور تسير بتدبير إلهي فها هو الحوت ينتظر يونان في الماء ليهبه مبيتاً آمناً لا موتاً. فالله لا يريد الانتقام من يونان بل أن يصلحه لكي يرسله من جديد. وهكذا كل تجربة يسمح بها الله لنا، هو أن ينصلح حالنا ونكمل عملنا الذي خلقنا الله لأجله (اف10:2) ونصلح لملكوت السموات. وكما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالي هكذا كان المسيح في القبر ثلاث أيام وثلاث ليالي. والمسيح مات يوم الجمعة وقام فجر الأحد أي أنه قضى في القبر جزء من يوم الجمعة ويوم السبت كاملاً وجزء من يوم الأحد. ولكن هذه المدة تحسب ثلاث أيام وثلاث ليالي.. لماذا؟ [1] يعتبر اليهود أجزاء اليوم يوماً كاملاً في حسابهم [2] يعبر اليهود عن اليوم بقولهم صباح ومساء (تك إصحاح 1 + دا 14:8 + تث19:9 + 1مل8:19).
الإصحاح الثاني
نجد هنا تسبحة يونان في جوف الحوت. وهي تسبحة حمد رائعة. لقد أجتاز يونان لحظات صعبة جداً، فقد كان وهو في جوف الحوت كمن دخل قبر. ولكن يبدو أن الله دفع يونان لكل هذه الضيقات حتى يصلى هذه الصلاة والتي يقدم فيها توبة فيتصالح مع الله. وهو لم يصلي وهو في جوف السفينة، ولكنه ها هو يصلي في جوف الحوت. هذه فائدة من فوائد التجارب، فحينما نبتعد عن الله يسمح لنا الله أن ندخل إلى عمق تجربة (بطن سفينة هائجة في بحر هائج) فإن ظل الحال كما هو عليه (نوم عميق كما نام يونان) يدخلنا الله إلى عمق تجربة أشد (جوف الحوت) حينئذ نصرخ مع داود "من الأعماق صرخت إليك يا رب" ونصرخ مع يونان بهذه الصلاة الرائعة التي يمتزج فيها الشكر والإيمان بل الشعور بالإستجابة ولذلك نجد الصلاة بصيغة الماضي. وربما يكون يونان حافظاً لكلمات مزامير داود فصلاته شبيهة بصلاة داود وهذه فائدة أن نحفظ أقوال الكتاب المقدس ونستخدمها في ضيقاتنا.
في نهاية الإصحاح السابق نجد الله عاد ليونان بمراحمه وأنقذه من الموت سواء في البحر أو في جوف الحوت. وهنا نجد يونان يعود لله بالصلاة. بل أن هذه الصلاة جاءت معبرة عن عمل السيد المسيح الخلاصي في لحظات موته على الصليب ودفنه في القبر، لذا تتغنى بها الكنيسة في بدء الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة العظيمة، بعد أن تنشد بلحن الحزن مراثي أرمياء. فإن كانت المراثي تعلن عن مرارة ما فعلته خطايانا بالسيد المسيح فتسبحة يونان تكشف عن نصرة الرب على الجحيم والموت وعمله الكفاري الذي يرفعنا للسماويات.
آية (1): "فصلى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت."
فصلى يونان.. من جوف الحوت = أخيراً جاء العلاج الذي استعمله الله بالشفاء ليونان.
آية (2): "وقال دعوت من ضيقي الرب فاستجابي صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي."
جوف الهاوية = كلمة جوف المستخدمة هنا هي غير كلمة جوف الحوت. لذلك نفهم أنه اعتبر نفسه وهو في جوف الحوت ميت، وأن هذا قبره، فهو يقول جوف الهاوية أي القبر. وبهذا التشبيه نرفع أعيننا لا ليونان بل للمسيح الذي في بطن القبر. فيونان كان رمزاً للمسيح. ولاحظ صيغة الماضي = وسمعت صوتي = كأن يونان شعر باستجابة الله لصلاته. ولو طبقنا هذه الصلاة على المسيح فهو قد صرخ وصلي ليقيمنا نحن من موت الخطية واستجيب له (عب7:5) فالمسيح نزل إلى حياتنا ليرفعنا معه.
آية (3): "لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار فأحاط بي نهر جازت فوقي جميع تياراتك ولججك."
أدرك يونان أن الله هو الذي طرحه وليس الملاحون = لأنك طرحتني وجازت فوقي جميع تياراتك ولججك = وهذا تعبير عن الآلام التي اجتازها المسيح في آلامه سواء في حياته أو على الصليب. ولججك تشير بالذات للموت، فلا حياة وسط اللجج والتيارات لأي إنسان. وعلى الرغم من آلامه أحاط بي نهر = النهر رمز للروح القدس المعزي (يو38:7،39). أي أن يونان وسط هذه الضيقة الرهيبة ملأه الرب من تعزياته بالرغم من ألامه " عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" كأن الله حَوَّل مياه البحر المالحة لنهر مياهه حلوة. كما أن المسيح بصليبه وهبنا نهر روحه القدوس يروي نفوسنا ويهبها ثماراً (كما حدث للفتية في أتون النار).
آية (4): "فقلت قد طردت من أمام عينيك ولكنني أعود انظر إلى هيكل قدسك."
كأنه واثق أنه سيخرج ويرى الهيكل ثانية. وكان اليهود يوجهون نظرهم للهيكل حينما يصلون. وكأن يونان في صلاته كان له نفس الشعور فهو وجه قلبه للهيكل. فقلت قد طردت. لكنني أعود أنظر هيكل قدسك = هو صورة لعمل المسيح فقد صار كمطرود إذ صرخ قائلاً "إلهي إلهي لماذا تركتني". ولكنه حملنا فيه ودخل إلى الأقداس السماوية "أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات " (أف6:2).
آية (5): "قد اكتنفتني مياه إلى النفس أحاط بي غمر التف عشب البحر برأسي."
طريقة الحوت في إبتلاع طعامه هي أن يجري فاتحاً فمه فيدخل الماء حاملاً معه كل ما فيه من طعام (أسماك) وأعشاب بحرية. ثم يدفع الماء من فتحة في رأسه ويتبقى الطعام لذلك وجد يونان نفسه محاطاً بالأعشاب والماء ولكن قوله قد اكتنفتني مياه إلى النفس = تشير لآلامه النفسية بجانب آلامه الجسدية. وهذه نبوة عن آلام المسيح في موته ونزوله إلى الجحيم فصار كمن اكتنفته المياه إلى النفس. ولكن كما نجا يونان ولم يغرق في هذه المياه هكذا قام المسيح ولم ينتصر الموت عليه. بل هو حَرَّرَ من أسرتهم المياه وأغرقتهم.
آية (6): "نزلت إلى اسافل الجبال مغاليق الأرض علي إلى الأبد ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب الهي."
أسافل الجبال = كان القدماء يعتقدون أن الأرض مؤسسة على عمق عظيم (مز2:24). وأنها مؤسسة على المياه. وهنا يتصور يونان أنه نزل إلى أعماق عظيمة، حتى وصل إلى أعماق المياه حيث أساسات أو أسافل الجبال. وأنه لا أمل له ثانية في أن يخرج كأن مغاليق الأرض = أي كل المغاليق التي في الأرض قد أغلقت عليه. إذاً لا أمل في الخلاص. هنا يشبه يونان المكان الذي هو فيه بهاوية أو غرفة تحت جبال الأرض ومغلقة بكل المغاليق = الترابيس التي لا يمكن فتحها أو الوصول إليها. وهذا وصف للهاوية التي يذهب لها البشر بعد الموت (قبل المسيح). ولا يستطيع إنسان الخروج من هذا المكان. فكان البشر قبل المسيح بلا رجاء. حتى جاء المسيح وكَسَّرَ هذه المغاليق وأصعدنا من هذه الهاوية التي كان لا رجاء لنا في الخروج منها. وهذا معنى صلاة يونان = ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي" والوهدة معناها الحفرة وفي هذه نبوة عن قيامة المسيح وهي توازي (مز10:16) " لا تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً". فالمسيح قام وأقامنا معه وأنقذنا من الهاوية.
آية (7): "حين أعيت في نفسي ذكرت الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك."
حين أعيت فيّ نفسي ذكرت الرب = فقد يونان كل رجاء في ذراع بشري يخلصه من جوف الحوت. وليس من يخلصه سوى الرب، فلجأ للرب. وهذه الآية تشبه قول المسيح " نفسي حزينة جداً حتى الموت" "إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس".
آية (8): " الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم."
الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم = ربما يقصد نفسه أنه في هربه بحثاً عن راحته وذاته ترك نعمته. وربما يقصد الوثنيين مثل شعب أشور الذين يعبدون أباطيل تاركين الله ويكون في هذا الكلام تبرير خفي لعدم ذهابه لنينوى. وفي هذه الآية نبوة عن اليهود الذي صدقوا كهنتهم وصلبوا المسيح. ومازالوا حتى الآن يراعون أباطيل كاذبة تاركين المسيح الحقيقي القادر أن يفيض عليهم من نعمته. وسيقبلوا ضد المسيح الباطل ليخسروا كل نعمة.
آية (9): "أما أنا فبصوت الحمد اذبح لك وأوفي بما نذرته للرب الخلاص."
كل مؤمن مملوء من الروح القدس، وكل تائب شاعر بغفران الله لا يستطيع إلا أن يعبر عن فرحه بالتسبيح بعد أن يملأه الروح فرحاً وتعزية.
آية (10): "وأمر الرب الحوت فقذف يونان إلى البر."
درس آخر ليونان في الرحمة. فها هو الحوت يلقيه دون أن يؤذيه. فكيف يرفض هو خلاص أهل نينوى. البحارة أعطوه درساً والحوت أعطاه درساً آخر. لكن هذه الآية نبوة عن قيامة المسيح. فما كان ممكناً للقبر أن يظل مغلقاً عليه " لأنك لا تترك نفسي في الهاوية ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز10:16) ويونان رمز للمسيح.
الإصحاح الثالث
الآيات (1-4): "ثم صار قول الرب إلى يونان ثانية قائلا. قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد لها المناداة التي أنا مكلمك بها. فقام يونان و ذهب إلى نينوى بحسب قول الرب أما نينوى فكانت مدينة عظيمة لله مسيرة ثلاثة أيام. فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد ونادى و قال بعد أربعين يوما تنقلب نينوى."
هذه إرسالية ثانية عاد بعدها يونان لوظيفته. كما حدث مع بطرس بعد إنكاره حين كرر له المسيح ثلاث مرات "إرع غنمي". وبعد أن ضيع يونان نقوده (3:1) إذ دفع أجرة السفينة. وضَّيع الوقت وتعب وتألم. ها هو يعود لنقطة البداية. ولاحظ أن الله لم يجرح مشاعره بسبب هروبه. وكما خرج يونان من بطن الحوت إلى الأمم (الوثنيين) هكذا قام المسيح من الموت وانتشرت المسيحية بين كل الأمم. نينوى المدينة العظيمة = هي عظيمة في بنائها وتعداد سكانها وقوتها ولكنها أصبحت عظيمة في توبتها (وراجع المقدمة ص3). لذلك ستقوم يوم الدين وتدين هذا الجيل، لأنها استجابت لتحذير الله. والله دائماً يحذر قبل أن يضرب، وطوبى لمن يستجيب للتحذير فهو ينجي نفسه من الضربات ويخلص. أما سدوم وعمورة فلم يستجيبوا لنداء لوط. والعالم لم يستجيب لنوح، وقايين لم يستجيب لصوت الله المباشر له. مدينة عظيمة لله = أي عظيمة أمام الله. هي مدينة عظيمة لله لكن الشيطان أغتصبها، ولكن الله مازال يتطلع إليها. وهكذا الإنسان خلقة الله العظيمة حتى إن أنحرف فالله يشتاق لتوبته ورجوعه إليه ليسكن فيه ويصير مدينة عظيمة ولاحظ أن الله يقدر نينوى ويحسبها مدينة عظيمة، ويونان لا يقدرها. إذاً علينا أن نسلم ولا نعترض على أحكام الله فاحص القلوب، فكم من شخص ندينه لكنه في نظر الله يكون عظيماً. مسيرة ثلاثة أيام = أنظر ملحوظة ص 24 بعد أربعين يوماً تنقلب المدينة = لاحظ أن الطوفان نزل لمدة أربعين يوماً والمسيح جربه إبليس لمدة 40 يوماً. وأن أورشليم خربت بعد المسيح بـ40سنة. وموسى وإيليا صاما 40 يوماً. فالأربعين هو رقم التجربة والإمتحان وبعده ننال مجداً أو عقاباً. هي فرصة يعطيها الله بعدها يقول "من يغلب يرث الحياة الأبدية" وقد جاهد المسيح 40يوماً وانتصر على إبليس.وهكذا حصل موسى على الشريعة ولكن من يهزمه إبليس يكون كأورشليم معرضاً نفسه لخراب شامل كالطوفان. ولذلك تفهم مدة الأربعين يوماً على أنها فترة حياتنا الزمنية التي فيها إن غلبنا نرث المجد. وهنا يعطي الله نينوى فرصة 40يوماً فإن تابوا نجوا أنفسهم وأن رفضوا إنقلبت عليهم المدينة.
آية (5): "فأمن أهل نينوى بالله و نادوا بصوم ولبسوا مسوحا من كبيرهم إلى صغيرهم."
مسوحاً = هي قماش غليظ خشن منسوج من شعر الماعز أو وبر الجمال وكان لبس المسوح علامة للحزن. وهنا هو علامة حزن على الخطية، أي علامة توبتهم. حقاً كانت توبة عظيمة. لقد آمنت نينوى أما إسرائيل فقاوموا غير مصدقين. هم قدموا توبة حقيقية عملية بصوم ومسوح وإشترك فيها الكل الكبار والصغار حتى البهائم. مع أن يونان لم يعط كلمة رجاء واحدة. ولم يكلمهم عن محبة الله وترفقه ولا علمهم شيئاً عن التوبة.
آية (6): "وبلغ الأمر ملك نينوى فقام عن كرسيه وخلع رداءه عنه و تغطى بمسح وجلس على الرماد."
عظيمة توبة نينوى فالملك يتواضع ويقدم توبة وهكذا العظماء. وهناك تأمل فإن شبهنا نينوى بالإنسان فيكون الملك ممثلاً لإرادته والعظماء يشيروا لمواهبه وقدراته. والبهائم يشيروا للجسد بطاقاته العضلية والشهوانية. وحينما يتقدس كل هذا لحساب الله. يصير هذا الإنسان عظيماً أمام الله.
آية (8) : "وليتغط بمسوح الناس والبهائم ويصرخوا إلى الله بشدة ويرجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة وعن الظلم الذي في أيديهم."
فيها توبة سلبية = تركهم للمظالم. وتوبة إيجابية = صاموا وصلوا. ونينوى كانت مدينة مشهورة بالظلم (راجع ناحوم إصحاحي 2،3).
آية (9): "لعل الله يعود ويندم ويرجع عن حمو غضبه فلا نهلك."
لاحظ توبة نينوى صاحبها رجاء في الرب. فلنقدم توبة مصحوبة برجاء.
آية (10): "فلما رأى الله أعمالهم انهم رجعوا عن طريقهم الرديئة ندم الله على الشر الذي تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه."
ندم الله هو تعبير بحسب مفهوم البشر معناه : ليس أن الله يغير رأيه ويندم بل أن الإنسان هو الذي يغير وضعه بالنسبة لله فيصير الحكم بالنسبة له مختلفاً. فعندما يعاند الإنسان يسقط تحت التأديب، وإذ يرتد عن شره ويرجع إلى الله، يجد الله فاتحاً أحضانه.
ملحوظة: مدينة عظيمة على مسيرة ثلثة أيام = أنظر المقدمة (أي محيط المدينة يقطعه السائر في ثلاثة أيام).
فابتدأ يونان يدخل المدينة مسيرة يوم واحد = أي دخل يونان إلى نينوى المدينة الأم مدينة الملك والعظماء والتي محيطها يمشيه السائر على قدميه في يومٍ واحد. هو دخل من أسوار المدينة العظيمة ووصل للمدينة الأم.
الإصحاح الرابع
الآيات (1-4): "فغم ذلك يونان غما شديدا فاغتاظ. وصلى إلى الرب وقال آه يا رب أليس هذا كلامي إذ كنت بعد في ارضي لذلك بادرت إلى الهرب إلى ترشيش لأني علمت انك اله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر. فالان يا رب خذ نفسي مني لان موتي خير من حياتي. فقال الرب هل اغتظت بالصواب."
الله رحم نينوى ولم يهلكها فأغتم يونان غماً شديداً = فهو غار لكرامته لئلا يحسب نبياً كاذباً، هو تنبأ بإنقلاب المدينة وها هي قد نجت. وربما هو غار على إسرائيل التي لم تقدم توبة شبيهة وليس أمامها فرصة للنجاة مثل نينوى. وصلى يونان هنا ولكن شتان الفرق بين صلاته هنا وصلاته وهو في جوف الحوت. فهو هنا برر نفسه في هروبه من الله أولاً حين أرسله، بعد أن كان قد دان نفسه أولاً في بطن الحوت حين قال "الذين يراعون أباطيل كاذبة.." وهو هنا يلوم الله أنه رؤوف ورحيم وبطئ الغضب. مع أنه لو كان غير ذلك لكان قد أهلكه هو نفسه فوراً. وكانت صلاته الخاطئة يا رب خذ نفسي = ولو فعل الله لهلك يونان وخلصت نينوى ولكن الله الحنون لا يتركه لضيقة نفسه بل يدخل معه في حوار ويعطيه درساً باليقطينة حتى يتصالح معه.
الآيات (5-9): "وخرج يونان من المدينة وجلس شرقي المدينة وصنع لنفسه هناك مظلة وجلس تحتها في الظل حتى يرى ماذا يحدث في المدينة قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة وناد عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي. فاعد الرب الإله يقطينة فارتفعت فوق يونان لتكون ظلا على رأسه لكي يخلصه من غمه ففرح يونان من اجل اليقطينة فرحا عظيما. ثم اعد الله دودة عند طلوع الفجر في الغد فضربت اليقطينة فيبست. وحدث عند طلوع الشمس أن الله اعد ريحا شرقية حارة فضربت الشمس على راس يونان فذبل فطلب لنفسه الموت وقال موتي خير من حياتي. فقال الله ليونان هل اغتظت بالصواب من اجل اليقطينة فقال اغتظت بالصواب حتى الموت."
اليقطينة = هي شجرة خروع وهي تنمو بسرعة وتجف بسرعة وورقها عريض. وهي نمت بسرعة وغطت المظلة التي صنعها يونان خارج نينوى منتظراً خرابها. ثم ضرب الله اليقطينة ففسدت وجفت. فحزن يونان على جفافها. وكان درس الله له: أنه حزن من أجل خراب يقطينة لم يصنعها هو ولا تعب فيها وهي ليست له، أفلا يشفق الله على شعب هو خلقه، وهو شعب له.
المعني الرمزي لليقطينة: اليقطينة تمثل إسرائيل التي ظلت إلى حين من خلال الشريعة والنبوات، تعهدها الله منذ خروجها من مصر فنمت وترعرعت مثل هذه اليقطينة، وظللت. ولكن بسبب خطاياها وعبادتها للأوثان إنفصل الله عنها فأكلها الدود وفسدت وجفت (كما لعن المسيح التينة فجفت، وكان هذا رمزاً لخراب إسرائيل). وفي نفس الوقت يخلص الأمم (نينوى). وهذا ما قاله بولس الرسول "بزلة اليهود صار الخلاص للأمم" (رو11:11،12). وربما فهم يونان هذا المعنى الرمزي فإغتم غماً شديداً، وبهذا فهو قد شابه الابن الأكبر الذي أغتم لفرح أبيه برجوع الابن الأصغر الضال" الذي كان ميتاً فعاش.
وهنا يطلب يونان الموت ثانية موتى خير من حياتي = وقد تكون هذه بروح النبوة إذ يعبر عن لسان حال المسيح الذي اشتهى أن يموت هو ولا يهلك البشر. كما عبر بولس عن هذا الموضوع وقال " وددت أن أكون أنا نفسي محروماً من أجل أخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو1:9-5). فيونان المملوء حباً لشعبه حينما فهم المعنى الرمزي لليقطينة اشتهى موته.
وقارن بين موقفين ففرح يونان من أجل اليقطينة فرحاً عظيماً.. فذبل وطلب لنفسه الموت. وهذا خطأ نقع فيه جميعاً، أن نفرح فرحاً شديداً بخيرات هذا العالم، ونغتم غماً شديداً إذا خسرنا شيئاً في هذا العالم. ولنلاحظ أن المشاعر المفرطة (في الفرح) هي أساس المتاعب المفرطة (أي الغم). فهو فرح باليقطينة كعطية مادية تنقذه من الحر، ولم يفرح بمراحم الله نحو نينوى. إذاً علينا أن نفرح بأي يقطينة عالمية (مال/مركز..) فلكل يقطينة دودة تأكلها (راجع 1كو29:7-31).
الآيات (11،10): "فقال الرب أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها اكثر من اثنتي عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة."
يونان بفكره اليهودي الضيق ظن أن الله هو إله إسرائيل وحدها. ولكن الله يعلن هنا أنه مسئول عن كل العالم. ورمزياً فيونان كان مكتفياً بإسرائيل، ولم يقبل أن تجف، ولا يقبل خلاص الأمم المتمثل في نجاة نينوى، هو مكتفٍ بناموس إسرائيل وشريعتها. ولكن الله يفتح عينيه على المستقبل. ففي آية (5) نجد يونان يجلس شرقي المدينة، قبل أن يشرح له الله رفض إسرائيل وقبول الأمم. والشرق يشير للمسيح شمس البر. فكأن الله يريد أن يقول له لا تكتفي بوضع إسرائيل الحالي، بل أن المسيح سيأتي ليخلص العالم كله. بل خراب إسرائيل (الممثل في جفاف اليقطينة) ليس هو النهاية. بل هم سيقبلوا ضد المسيح = الريح الشرقية المدمرة الحارقة. وآلام يونان منها تشير لآلام المؤمنين على يد ضد المسيح. إثنتي عشرة ربوة = والربوة = 10.000. إذاً العدد الكلي = 120.000. ولا يعرف يمينهم من شمالهم = أي لا يميزون الشر من الخير. فقالوا هذا عدد الأطفال. ويصبح عدد المدينة الكلي 600.000. وقد يشير هذا لأن نينوى شعب وثني بلا ناموس يعرفهم الخير والشر. ورمزياً 12 = شعب الله، ربوة = السمائيين. لا يعرفون = لبساطتهم. فنينوى التي نجت في مقابل اليقطينة التي هلكت، هي إشارة للكنيسة التي نالت الخلاص بالمسيح، في مقابل رفض اليهود. وهذه الكنيسة يعبر عنها رمزياً بـ 12ربوة.
12 = هو عدد التلاميذ في العهد الجديد وهو عدد الأسباط في العهد القديم إ ذاً هو إشارة لشعب الله.
12 = 3 × 4 [3 (المؤمنين بالثالوث)، 4 (في كل العالم)]
ربوة = 10.000 ورقم 1000 ورقم 10.000 هما إشارة للملائكة الذين هم ألوف ألوف وربوات ربوات. (دا 10:7)
لا يعرفون يمينهم من شمالهم = هذا إشارة للخليقة الجديدة. فإن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة (2كو17:5). وليس المقصود طبعاً عدم التمييز بل بساطة المؤمنين الذين لهم سلطان أن يرفضوا ويدينوا الخطية. وبهائم كثيرة = ليست كل الكنيسة على هذه الدرجة من البساطة، بل هناك من لازالت شهوته تحكمه، وهؤلاء كثيرون