المقدمة

1.  هو زكريا بن برخيا بن عدو (1:1). ولد في السبي، ومات والده في السبي بينما كان مازال صغيراً فتبناه جده، لذلك بنسبه عزرا لجده (عز1:5 + 4:6). وقول عزرا عنه زكريا بن عدو يعني سليل أو حفيد عدو، أو كان جده عدو أكثر شهرة من أبيه. وزكريا من سبط لاوي، وغالباً فهو كاهن.

2.  كان معاصراً وصديقاً لحجي النبي، وكان يحث على بناء الهيكل كاشفاً أمجاد الهيكل الجديد، الخاص بالعصر الماسياني، أي هيكل جسد المسيح مثل حجي النبي.

3.     يعتبر السفر التالي بعد أشعياء في الحديث عن العصر الماسياني.

4.  بدأ نبوته في السنة الثانية لداريوس هستاسب سنة 520ق.م. بعد حجي النبي بشهرين واستمرت نبوته 3سنوات تقريباً. وهذه المدة محسوبة بناء على آخر تاريخ يشار إليه في السفر (1:7) أي سنة 518ق.م. وإن كان كثير من الدارسين يرون أن الجزء الأخير من السفر (ص9-ص14) قد كتبه النبي في شيخوخته، أي بعد حوالي 30-40عاماً من كتابة الجزء الأول (ص1-ص8). وزكريا عاصر أيضاً زربابل الوالي ويهوشع الكاهن العظيم.

5.     جده غالباً هو عدو الكاهن المذكور في (نح4:12) وهذا غير عدو الرائي (2أي15:12).

6.  معنى إسمه زكريا= الله يذكر + براخيا= الله يبارك + عدو= في الوقت المناسب وما أكثرها مناسبة وموافقة بين اسم النبي وموضوع سفره، بل إن اسمه يحمل مفتاحاً للسفر، فمعناه أن الله يذكر شعبه ويذكر عهده وأنه سيبارك شعبه في حينه، وذلك بأن يقيم هيكل جسده في ملء الزمان. وما أكثرها تعزية أن نعرف أن الله يذكرنا حتى لو أخطأنا. ولذلك يسمى زكريا النبي بنبي الرجاء، فهو يعزي الشعب ويعطيهم رجاء في المستقبل، وذلك لشعب عاش تحت نير السبي.

7.  نجد في هذا السفر نبوات واضحة عن المسيح مثل دخوله أورشليم (9:9) وتسليمه بثلاثين من الفضة (2:11) وجراحاته (6:13) وطعنه (10:12) وكونه الراعي المتألم (7:13).


 

الإصحاح الأول

نجد في الإصحاحات الستة الأولى تسع رؤى.

 

آية (1): "في الشهر الثامن في السنة الثانية لداريوس كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عدّو النبي قائلاً."

قبل السبي كان الأنبياء يؤرخون كتاباتهم بمدة حكم ملوك يهوذا أو إسرائيل، ولكن كما يظهر هنا فبعد السبي أصبح التاريخ راجع للملوك الوثنيين وهذا نتيجة الخطية. ومن المحتمل أن يكون هذا النبي هو الذي أشار إليه السيد المسيح بأن اليهود قتلوه بين الهيكل والمذبح حين هرب إلى الهيكل منهم فقتلوه هناك. وهو لجأ للهيكل لأنه كان كاهناً (مت35:23).

 

آية (2): "قد غضب الرب غضباً على آبائكم."

غضب الرب= هو لم يذكر التفاصيل حتى لا يجرحهم وهم عائدون من السبي. خصوصاً أن موضوع نبوته يختص بالرجاء. ولكن كان في صورة خراب أورشليم والهيكل أمامهم درساً واضحاً عن آثار الخطية وعلامات غضب الله. غضب الرب غضباً= إعلاناً عن الغضب الشديد.

 

آية (3): "فقل لهم. هكذا قال رب الجنود. ارجعوا إليّ يقول رب الجنود فأرجع إليكم يقول رب الجنود."

رب الجنود= تكررت هنا 3 مرات، ربما إشارة للثالوث الأقدس. وقوله رب الجنود إشارة لأن الله له جنوده القادرين على تنفيذ أوامره. فكأنه يطمئنهم حتى لا يخافوا فهو المسئول عن العمل. إرجعوا إلىّ= هذا صوت نداء الروح القدس الذي سمعه الابن الضال فرجع. وكلمة إرجعوا إلىَّ تظهر أنهم هم أيضاً قد أخطأوا مثل آبائهم، وليس أبائهم فقط هم المخطئين، ومن أخطائهم إهمالهم بناء الهيكل. والرجوع ليس هو الرجوع من سبي بابل، بل هو الرجوع من سبي إبليس أي من الخطية بالتوبة (ار19:15).

 

الآيات (5،4): "لا تكونوا كآبائكم الذين ناداهم الأنبياء الأولون قائلين هكذا قال رب الجنود إرجعوا عن طرقكم الشريرة وعن أعمالكم الشريرة. فلم يسمعوا ولم يصغوا إليكم يقول رب الجنود. آباؤكم أين هم. والأنبياء هل أبدا يحيون."

لا تكونوا كأبائكم= أي لا تقسوا قلوبكم كما في الإسخاط. فالأباء قد ماتوا، والأنبياء قد ماتوا أيضاً. ولكن هؤلاء ماتوا في إيمانهم وأولئك في خطاياهم ولم يبقى بعد موت هؤلاء وأولئك سوى أعمالهم. وهذا القول ليحثهم على أن يتوبوا ويرجعوا لله، وأن يفهموا أن الحياة قصيرة، وها عمل جليل ألا وهو بناء الهيكل، مطلوب منهم فليعملوه.

 

آية (6): "ولكن كلامي وفرائضي التي أوصيت بها عبيدي الأنبياء أفلم تدرك آباءكم. فرجعوا وقالوا كما قصد رب الجنود أن يصنع بنا كطرقنا وكأعمالنا كذلك فعل بنا."

بينما أن الآباء والأنبياء قد ماتوا إلاّ أن كلمة الله وفرائضه لا تموت بل أن الحياة هي في الإلتصاق بفرائض الله. والأنبياء أخبروا أبائهم بنتيجة أعمالهم وتحقق ما قالوه، لقد أدركوا كلام الله الذي لا يموت، والمعنى أن كلام الله وفرائضه هي التي تحيا وليس البشر. فرجعوا وقالوا= هم عرفوا أن عقوبتهم كانت بحسب كلام الله، والله يقول هذا لهم كأنه يود أن يقول لماذا تعاندون أنتم أيضاً فتعاقبوا كأبائكم.

 

آية (7): "في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الحادي عشر. هو شهر شباط. في السنة الثانية لداريوس كانت كلمة الرب إلى زكريا بن برخيا بن عدّو النبي قائلاً."

الآن حل شهر شباط= فبراير. الذي تفرخ فيه أشجار الآس وتفوح رائحتها الطيبة. وربما كان النبي يقضي يومه راكعاً في ظلال هذه الأشجار مصلياً للرب "إلى متى يا رب لا ترحم" ناظراً للهيكل الخرب ومشتاقاً لممارسة كهنوته. فوهبه الله هذه الرؤيا لأشجار الآس. والآس هنا يشير لليهود فهو من شجر فلسطين المحلي، والشهر الحادي عشر= أي بعد 5 أشهر من البدء في بناء الهيكل.

 

آية (8): "رأيت في الليل وإذا برجل راكب على فرس أحمر وهو واقف بين الآس الذي في الظل وخلفه خيل حمر وشقر وشهب."

رجل راكب على فرس أحمر= هو الرب يسوع، ففي آيات (11،12) يسمى ملاك الرب (فهكذا يسمى المسيح في العهد ا لقديم يش13:5 + قض3:13) وفي آية (13) يسمى الرب صراحة. وقد رآه بين الآس. الذي في الظل= الرب يسوع وسط الآس فهو الحارس لشعبه، ومعه ملائكة يكلفهم ليعينوا شعبه. وكما عاد الآس للإزدهار بعد فترة الشتاء، عاد الشعب لأرضه مزدهرين بعد أن كانوا في السبي. وكون الأشجار في الظل فهذا إشارة لأن العهد القديم هو ظل للعهد الجديد (عب1:10). وكان المسيح مازال مختبئاً في ظلال نبوات العهد القديم. والظل هو ظل الجبال المحيطة، وهذه الجبال هي جبال العهد القديم، وهي جبال خصبة بسبب كثرة نصوص الكتاب عن المسيح المتجسد. ففكرة التجسد كانت مازالت في ظلال النبوات، غير واضحة. رأيت في الليل= أي خلال العهد القديم فلم يكن شمس البر قد ظهر بعد. وكان راكباً فرس أحمر= إشارة للدم والآلام التي سيقابلها لتدبير الخلاص. وخلفه خيل حمر وشقر وشهب= هؤلاء هو الملائكة الذين يرسلهم الرب ليساعدوا في تهيئة الجو العام لبناء الهيكل (كما سيأتي في آية11) مثل تهيئة جو ساكن وسلام عام وإقناع الملك بإصدار أمر بإعادة البناء. ونراهم هنا في صورة خيل، والخيل تستخدم في الحرب،فهم مستعدون للحرب في صف شعب الرب. والرب كان راكباً على فرس فهو أتى ليحارب إبليس. وهذا دائماً هو عمل الملائكة. (راجع دا 20:10) فهم يحاربون الشياطين التي تهاجم شعب الله وذلك لمعونة شعب الله، فهم أرواح خادمة (عب14:1). والألوان المتعددة للخيل تعني تعدد أنواع الخدمات والمواهب التي يقدمها هؤلاء الملائكة. فهناك حمر= إشارة للحرب، فنحن نجد أن ملاكاً واحداً أهلك 185.000من جيش أشور (أش36:37). وراجع (دا 13:10) لترى عمل الملاك ميخائيل. وهناك شهب= أي لونهم أبيض رمز للسلام، لنحن نرى الملاك جبرائيل رسول البشائر المفرحة. وهناك ملائكة تخطط لإنتشار السلام على الأرض (زك11:1) وهناك شقر= وفي ترجمات أخرى "منقطة" أو "أحمر مائل للسواد" وقد تشير هذه لحال وسط تتداخل فيه عناصر الإضطراب والنزاع لكنها تتسم عموماً بتحقيق السلام والإزدهار. هم ملائكة وهم جنود الرب، لذلك يقفون خلفه= فهو رب الجنود. عملهم عموماً تنفيذ تدبير الرب.

 

آية (9): "فقلت يا سيدي ما هؤلاء. فقال لي الملاك الذي كلمني أنا أريك ما هؤلاء."

الملاك الذي كلمه ملاك عادي أرسله الرب الجالس على الفرس الأحمر ليشرح للنبي.

 

آية (10): "فأجاب الرجل الواقف بين الآس وقال هؤلاء هم الذين أرسلهم الرب للجولان في الأرض."

للجولان في الأرض= أي للعمل على تنفيذ مشيئة الرب وخطته، فالرب هو ضابط الكل.

 

آية (11): "فأجابوا ملاك الرب الواقف بين الآس وقالوا قد جلنا في الأرض وإذا الأرض كلها مستريحة وساكنة."

الأرض مستريحة وساكنة= تعني أن الله دبر كل شئ وهيأ فرصة سلام عام في المملكة بعد فترة حروب، وجعل داريوس يصدر أمراً بإعادة البناء. وعليهم أن ينتهزوا هذه الفرصة ويقوموا بالبناء بدلاً من الاهتمام بتزيين بيوتهم وإهمال بناء بيت الرب، وكلمة الأرض مستريحة وساكنة هي كلمة عتاب لهم على خمولهم وراحتهم وعدم اهتمام، هم بلا عذر في إهمالهم.

 

آية (12): "فأجاب ملاك الرب وقال. يا رب الجنود إلى متى أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التي غضبت عليها هذه السبعين سنة."

فأجاب ملاك الرب وقال. يا رب الجنود= هذه تساوي "قال الرب لربي" (مز1:110 + مت44:22،45). فملاك الرب هنا هو الابن، ورب الجنود هنا هو الآب. إلى متى لا ترحم= هذا قول الابن المشتاق للتجسد ليخلص شعبه. هذه الآية نرى فيها سر الثالوث. ونرى فيها شفاعة المسيح الموجهة للآب.

 

آية (13): "فأجاب الرب الملاك الذي كلمني بكلام طيب وكلام تعزية."

هنا استجابة الشفاعة. فتجسد المسيح فيه رحمة لأورشليم وإنقاذها من السبي. هذا هو الكلام الطيب وكلام التعزية، الخلاص بالمسيح من سبي إبليس.

 

آية (14): "فقال لي الملاك الذي كلمني ناد قائلاً. هكذا قال رب الجنود. غرت على أورشليم وعلى صهيون غيرة عظيمة."

الغيرة= هي حب غير عادي وقد أثمر الصليب وبه بدأ بناء هيكل جسد المسيح.

 

آية (15): "وأنا مغضب بغضب عظيم على الأمم المطمئنين. لأني غضبت قليلا وهم أعانوا الشر."

مغضب بغضب عظيم= هذا يعبر عن استياء الله الشديد من أعداء كنيسته الذين يسميهم الأمم المطمئنين= فهم يهاجمون شعب الله، ولا يفتكروا في أن الله سيعاقبهم على هذا (وكان هذا فكر الشياطين). وهم تصوروا أن الله حين سمح بتأديب شعبه كان هذا تخلياً عن شعبه، لكن كان غضب الله على شعبه غضباً قليلاً لتأديبهم، وكان هذا بواسطة بابل لكنهم أعانوا الشر= بأن استغلوا محنتهم وزادوا في اضطهادهم.

 

الآيات (17،16): "لذلك هكذا قال الرب. قد رجعت إلى أورشليم بالمراحم فبيتي يبنى فيها يقول رب الجنود ويمد المطمار على أورشليم. ناد أيضا وقل. هكذا قال رب الجنود. أن مدني تفيض بعد خيراً والرب يعزّي صهيون بعد ويختار بعد أورشليم."

هنا 4 نبوات [1] بيتي يبني= تمت هذه النبوة بعد 4 سنين من هذه الرؤيا [2] يمد المطمار على أورشليم= المطمار هو خيط البناء، وهذه النبوة تمت بعد حوالي 70سنة حين بنى نحميا السور. [3] مدني تفيض خيراً= وهذه تمت أيام حكم المكابيين حين حرروا أورشليم من حكم اليونانيين [4] يعزي صهيون= وهذه تمت بتجسد المسيح وإرسال الروح القدس. إلا أن الأربع نبوات يمكن فهمهم على بناء هيكل جسد المسيح وهو في نفس الوقت بناء الكنيسة والبركات التي تملأ الكنيسة إذ يملأها الروح القدس.

 

الآيات (18-21): "فرفعت عينيّ ونظرت وإذا بأربعة قرون. فقلت للملاك الذي كلمني. ما هذه. فقال لي هذه هي القرون التي بددت يهوذا وإسرائيل وأورشليم. فأراني الرب أربعة صنّاع. فقلت جاء هؤلاء ماذا يفعلون. فتكلم قائلاً هذه هي القرون التي بددت يهوذا حتى لم يرفع إنسان رأسه. وقد جاء هؤلاء ليرعبوهم وليطردوا قرون الأمم الرافعين قرناً على أرض يهوذا لتبديدها."

قرون= القرون تشير للقوة لأن اليهود ألفوا رعاية الغنم ويعرفون قوة ضربات قرونها، وهنا يشبه ضربات أعداء الكنيسة بضربات القرون (مز21:22 + دا 21:7،22 + مي13:4) حيث نرى القرون إشارة للقوة والسلطان، وقد تكون هذه القرون الأربعة رمزاً لأشور وبابل والفرس واليونان، لكن رقم (4) يشير للعمومية فهو يشير للاتجاهات الأربعة أي لكل مكان فأعداء الكنيسة هم في كل مكان. ولكن ما يعزينا أنه بعدد القرون هناك صناع. فمقابل الأربعة قرون هناك أربعة صناع، فالصناع أيضاً في كل مكان. وهؤلاء وراء القرون يرعبونهم ويطردونهم= فالله بعد أن يسمح للقرون بتأديب كنيسته يرسل صناعاً وراء القرون ليرعبهم، ويطردهم، وكلمة صناع تترجم حدادين أو صاحب حرفة، وعمل الحداد أنه يستعمل مبرد ليأكل في الحديد. فهؤلاء الصناع يبردون القرون أي يجعلونهم يتآكلون= يطردونهم، بعد إنتهاء مهمة التأديب. ومن أمثلة ذلك كان فرعون قرناً ضد شعب الله، ولكن موسى كان صانعاً وراءه. وآريوس كان قرناً وأثناسيوس كان صانعاً وراءه. وقد يستخدم الله صناعاً ضد القرون من خارج شعبه، فالله استخدم بابل لطرد أشور واستخدم كورش لطرد بابل، فالله دائماً يخلص شعبه بإزالة هذه القرون التي تسبب الضيقات لشعبه بعد أن تنهي هذه القرون عملها التأديبي.


 

الإصحاح الثاني

الرؤيا الأولى ظهر فيها المخلص في الظل يعد طريق الخلاص بالتجسد، وفي الرؤيا الثانية ظهر تدبير الله بالصناع لتحطيم قرون الشر الروحية. وفي الرؤيا الثالثة يكشف الله خطة الخلاص من السبي الحقيقي بإقامة أورشليم الجديدة بمقاييس روحية تحمل سمات الساكن فيها.

 

الآيات (1،2): "فرفعت عينيّ ونظرت وإذا رجل وبيده حبل قياس. فقلت إلى أين أنت ذاهب. فقال لي لأقيس أورشليم لأرى كم عرضها وكم طولها."

يتقدم السيد المسيح بنفسه هنا كرجل بيده حبل قياس، وهذا يعطي لليهود الذين يبنون أورشليم راحة وإطمئنان، فالله هو الذي يبني ويحدد أبعاد مدينتهم أورشليم، وهذا تنفيذ للوعد في (زك16:1). ولكن هذه الآية تعني أيضاً أن الله هو الذي يبني بيته أي كنيسته، جسده، بروحه القدوس. وحبل القياس يعطي معنى أن الله يعرف كل واحد فينا ويعرفنا بالعدد "أعرف خاصتي" والبيت الذي يبني هو هيكل جسده "وبينه نحن (عب6:3). فرفعت عيني= جميل أن نرفع أعيننا لنرى الله ونتأمل في السماويات بدلاً من أن نخفضها لنتلذذ بالأرضيات.

 

آية (3): "وإذا بالملاك الذي كلمني قد خرج وخرج ملاك آخر للقائه."

الملاك الذي كلمني= هو المسيح الذي خرج ليقيس أورشليم. وخرج ملاك آخر= هو ملاك عادي.

 

آية (4): "فقال له إجر وكلم هذا الغلام قائلاً. كالأعراء تسكن أورشليم من كثرة الناس والبهائم فيها."

قال له إجر= المسيح أرسل الملاك الآخر ليشرح لزكريا. وكلم هذا الغلام= الغلام هو زكريا وسماه غلاماً فهو شاباً في الروح ومستعد أن يتلقى تعاليم الملاك. كالأعراء= أي مدينة بدون أسوار فهي بلا حدود وهذه تشير للكنيسة فعدد المؤمنين لا حدود له، وهي مفتوحة للجميع (أش19:49،20) وعدد سكانها كثير (رؤ9:7). وداخل الكنيسة هناك مؤمنين سماويين سالكين بالروح = الناس. وآخرين جسدانيين سالكين بالجسد وشهوانيين = البهائم. والمدينة أيضاً أعراء لأن الرب نفسه هو سور لها.

 

آية (5): "وأنا يقول الرب أكون لها سور نار من حولها وأكون مجداً في وسطها."

الله لنا سور من نار= فإلهنا نار آكلة (عد15:9،16) تلهب قلوبنا محبة وغيرة وتحرق خطايانا وهو نار تحرق أعدائنا إن اقتربوا أنا أكون مجداً= مجده لحساب الكنيسة. ولا مجد للكنيسة سوى بوجود ربها داخلها. وأي مجد بغير وجود الله هو لا شئ بل نفاية ستزول بل أن كلمة مجد لا معنى لها سوى بوجود الله.

 

الآيات (6،7): "يا يا اهربوا من أرض الشمال يقول الرب. فأني قد فرقتكم كرياح السماء الأربع يقول الرب. تنجّي يا صهيون الساكنة في بنت بابل."

أرض الشمال= هي بابل واليهود الذين مازالوا ساكنين فيها ولا يريدون العودة لأورشليم رغبة منهم في الحفاظ على ممتلكاتهم في بابل. وهؤلاء يدعوهم الله. يا يا= أي بلا أسم أمامه، لأنهم مازالوا في بابل بعيداً عن أورشليم وهذا إشارة للخطاة المصرين على إبتعادهم عن الكنيسة. ودعوة الله لهم هنا [1] ليهربوا من غضب الله الذي سينصب على بابل (أو العالم الشرير) [2] ليشتركوا في البركات التي يفيض بها الله على أورشليم (الكنيسة). وهذا موجه لكل منا حتى نهرب من وسط الخطية (أرض سبي الشيطان)= تنجي يا صهيون الساكنة في بابل هكذا ردد يوحنا في (رؤ4:18) وقال هذا إشعياء في (اش20:48).

 

آية (8): "لأنه هكذا قال رب الجنود. بعد المجد أرسلني إلى الأمم الذين سلبوكم لأنه من يمسكم يمسّ حدقة عينه."

بعد المجد= قال في آية (5) أكون مجداً في وسطها. أي بعد حلول الرب في وسط شعبه، وهذا حدث بعد أن أشترانا الرب بدم صليبه وردنا من سبي الشيطان وسكن فينا. أرسلني إلى الأمم= يقصد بالأمم هنا إما الأمم فعلاً الذين أذلوا شعب الله، أو الشياطين الذين استعبدوا أولاد الله= الذين سلبوكم= أي استعبدوكم. فبعد أن أقام الله بيته وأقام وسطه وفيه عاد ليعاقب من أذلوا شعبه. من يمسكم يمس حدقة عينه= وعينه هذه قد ترجع إلى الله، ويكون المعنى أن من يمس أولاد الله يكون كمن يمس حدقة عيني الله فلابد أن يؤدبه الله. أو يكون المقصود أن الشرير الذي يمس شعب الله يكون بذلك قد مس حدقة عينه هو أي تسبب في أذى نفسه. وعموماً فالشرير بصنعه الشر يزداد عماه، والشيطان كذلك أيضاً. والشرير بشره يفقد بصيرته الروحية. وكأن الشرير وهو قاصد بشره أن يؤذي جسد أخيه، إذ به يُصَوّب ضرباته لعيني نفسه الداخليتين فيمس حدقة عينه هو فلا يستطيع أن يعاين الله "فطوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله".

 

آية (9): "لأني هانذا أحرّك يدي عليهم فيكونون سلباً لعبيدهم. فتعلمون أن رب الجنود قد أرسلني."

تفهم سلباً لعبيدهم بأن الشياطين الذين سبق أن سلبوا شعب الله قد أصبحوا عبيداً لشعب الله، وشعب الله لهم سلطان عليهم. وتفهم أيضاً أن الأمم الذين أذلوا شعب الله سابقاً سيدخلون الإيمان بإختيارهم. والكارزين والمبشرين بالإنجيل يسلبونهم للرب.

 

آية (10): "ترنمي وأفرحي يا بنت صهيون لأني هانذا آتي وأسكن في وسطك يقول الرب."

سمة بر المسيح هي السلام الداخلي والتسبيح، وهذه عكس (مز137)، هنا كانوا في السبي والعبودية غير قادرين على التسبيح. فلا أحد يستطيع التسبيح إن لم يحرره المسيح.

 

آية (11): "فيتصل أمم كثيرة بالرب في ذلك اليوم ويكونون لي شعباً فأسكن في وسطك فتعلمين أن رب الجنود قد أرسلني إليك."

نبوة عن دخول الأمم وهي أيضاً تفسر آية (9) "سلباً لعبيدهم".

 

آية (12): "والرب يرث يهوذا نصيبه في الأرض المقدسة ويختار أورشليم بعد."

الرب يرث يهوذا= الله بقبوله الأمم لم يرفض يهوذا ولكن إن آمنت يهوذا يرثها الرب، في هذه الحالة ستكون جزءاً من كنيسة المسيح.

 

آية (13): "أسكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد إستيقظ من مسكن قدسه."

اسكتوا= ليصمت كل بشر أمام حكمة الرب فأمام موضوع قبول يهوذا والأمم حكمة متناهية لا نفهمها وهكذا عبر بولس الرسول (رو33:11-36) لأنه قد إستيقظ= الله لا ينام ولكن نحن نتصور أحياناً في ضيقاتنا أنه لا يبالي كمن هو نائم ونحن في ضيقاتنا نكون كالنيام، وحينما نستيقظ نحن نقول عن الله أنه استيقظ.


 

الإصحاح الثالث

في الرؤى السابقة نجد وعد بإزدهار عظيم لأورشليم (وللكنيسة) وهنا نرى أن هذا الوعد مشروط بالإصلاح الخلقي والروحي. ويهوشع هنا كرئيس كهنة يمثل ليس الكهنوت فقط بل الأمة كلها.

هنا نجد الرؤيا الرابعة وهي على هيئة محكمة ويقوم بدور القاضي فيها الرب نفسه. بينما يقوم الشيطان بدور المدعي، أما يهوشع فهو المُدّعَي عليه، والشكاية هي ضده كنائب عن الكهنة والشعب. ويخبرنا عزرا أنه قد عاد مع زربابل 428كاهناً كانوا في حالة يرثى لها، ولا وجه للمقارنة بينهم وبين حالة الكهنوت الأصلية. فهؤلاء قدموا على المذبح الأعرج والأعمى فإحتقروا اسم الله واعتبروا الخدمة الكهنوتية مشقة (راجع ملاخي الإصحاح الأول) ولذلك صيرهم الرب محتقرين (مل9:2). والله جعل الشعب لا يعطوهم أعوازهم وصارت صورتهم مزرية. وصورة يهوشع الكاهن العظيم في هذا الإصحاح هي صورة المسيح رئيس كهنتنا الأعظم. وكونه يلبس ملابس قذرة فهذا يشير لأنه حمل عنا خطايانا، فالثياب هي ثياب الخطية والسبي، ووهبنا المسيح نفسه لباساً للبر وتاجاً طاهراً "ألبسوا المسيح". (رو14:13).

 

آية (1): "وأراني يهوشع الكاهن العظيم قائما قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه."

يهوشع هو ابن يهوصاداق وحفيد سرايا، وقد ولد في بابل غالباً رمزاً للمسيح رئيس كهنتنا الذي ولد في العالم أرض العبودية. وكلمة يهوشع تعنى يشوع أو يسوع، وكما أدخل يشوع الشعب أرض كنعان، وكما أدخل يهوشع الشعب لأورشليم ثانية بعد السبي، هكذا سيدخل بنا يسوع لكنعان السماوية. فيهوشع هنا رمز للمخلص. والشيطان وقف هنا ليقاوم المسيح الذي غلبه لحسابنا. وهو أيضاً يقاوم الكنيسة، وذلك بأن يهجم على النقاط الضعيفة فينا ثم يشتكي علينا ويذيع نقائصنا الدفينة على الملأ، والشيطان يهاجم الخدمة عامة ويقاومها.

 

آية (2): "فقال الرب للشيطان لينتهرك الرب يا شيطان. لينتهرك الرب الذي أختار أورشليم. أفليس هذا شعلة منتشلة من النار."

لينتهرك الرب= نلاحظ أن الرب انتهر الشيطان دون أن يطلب يهوشع منه ذلك، فهو يجيب قبل أن ندعوه. وكلمة ينتهرك أي يكبح جماح ثورتك الخبيثة وينتقم منك. والذي يتكلم هنا هو المسيح الابن وقوله لينتهرك الرب مثل قول المزمور "قال الرب لربي". هذه مثل صلاة المسيح الشفاعية للآب وقوله للآب إحفظهم في إسمك (يو11:17). فحين ينتهر الله الشيطان فهو بهذا يحفظ شعبه من حروب إبليس. وقد صور بولس الرسول هذه المحكمة في (رو33:8،34) فالشيطان يشتكي علينا أمام القاضي، ومن هو القاضي؟ هو الديان أي المسيح ولكن في كل محاكمة يوجد محامي يشفع ويدافع ويحامي عن المتهم، وعن هو هذا المحامي بحسب رسالة رومية؟ هو أيضاً المسيح نفسه، إذاً قول الرب هنا "لينتهرك الرب" هي قول المسيح كشفيع وهو يقولها لله الديان؟ أليس هذا شعله منتشلة من النار= الشعلة المنتشلة من النار هي يشوع الكاهن الذي إنتشله الله من نار السبي وآلامها، وهي أمة اليهود التي إنتشلها الله من سبي بابل (الأتون البابلي) وهي الكنيسة التي إنتشلها الرب يسوع من نار سبي الخطية وسبي إبليس، وبهذا فهو قد إنتشلها من البحيرة المتقدة بالنار مصير إبليس ومن يتبعه. وما دام أن الله قد إنتشلنا فلنفرح بهذا فهو إذاً يريدنا.

 

آية (3): "وكان يهوشع لابساً ثياباً قذرة وواقفاً قدام الملاك."

ثياباً قذرة= ترمز لخطايا الشعب الذي يمثله.

 

آية (4): "فأجاب وكلم الواقفين قدامه قائلاً إنزعوا عنه الثياب القذرة. وقال له أنظر.قد أذهبت عنك أثمك وألبسك ثياباً مزخرفة."

فأجاب= لم نسمع أن زكريا سأل الله شيئاً!! ولكن الله يجيب عن شهوة قلبه دون أن يفتح فمه ويطلب. هبت عنك إثمك= هذا عمل الفداء فالمسيح الرب هنا يعلن عن نفسه وعن عمله، الذي قيل عنه "جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" وكيف ؟ دم يسوع يطهرنا من كل خطية. وألبسك ثياباً مزخرفة= كما لبس الابن الضال الحلة الأولى، والثوب المزخرف الذي لبسه المسيح هو كنيسته متعددة المواهب وكل منا خيط في هذا الثوب.

 

آية (5): "فقلت ليضعوا على رأسه عمامة طاهرة. فوضعوا على رأسه العمامة الطاهرة وألبسوه ثياباً وملاك الرب واقف."

عمامة= عمامة رئيس الكهنة، أو هي إكليل ليظهر عظيماً. والله وهبنا إكليل النصرة. وملاك الرب واقف= كأنه مسرور وراضٍِ بما يراه أي بتجديد عهد الكهنوت مع يهوشع. وقد تعني وقوف ملاك الرب أمامه، أن ما حدث له من تعظيم هو بشفاعة ملاك الرب الواقف أمام الآب يشفع في كنيسته. (عب24:9 +19:10،20).

 

آيات (6،7): "فأشهد ملاك الرب على يهوشع قائلاً. هكذا قال رب الجنود أن سلكت في طرقي وأن حفظت شعائري فأنت أيضاً تدين بيتي وتحافظ أيضاً على دياري وأعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين."

أشهد ملاك الرب= ملاك الرب يعلن له شروطاً، إن سار بموجبها تمتع بالكرامة الممنوحة له. ولكن إن كان يشوع الكاهن رمزاً للمسيح فلماذا توجه له هذه الوصايا؟ واضح أن هذه الوصايا موجهة لنا لأننا جسد المسيح، ولا يمكننا أن نلتزم بها بدونه "بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شئ" والإنسان مشكلته أنه لم يستطيع أن يطيع الله، لكن جاء المسيح ليتحد بنا ويقدم بالنيابة عنا الخضوع للآب (1كو28:15) والمسيح يعطينا إمكانية أن نطيع الله ونلتزم بوصاياه. تدين بيتي= أي ترأس شئون الهيكل ويكون الكهنة خاضعين لك وتحت إرشادك، بل الشعب كله يخضع لك، فشعب الله هو بيته (عب6:3). وأعطيك مسالك= الله يعطيه أن يقف بين الواقفين أمامه من الملائكة، وتكون خدمته مقبولة وصلاته مسموعة، وسيكون عاملاً مع الملائكة على إتمام مقاصد الله، وبعد الموت سينضم للملائكة في تسبيحهم ووقوفهم أمام الله، ألم يوحد المسيح السمائيين والأرضيين ويجعلهما واحداً، وهو رأس لكليهما (أف10:1+13:2-16).ويهوشع كرمز للمسيح كون أن يعطيه الله مسالك، فهذه تعني دخوله بالجسد لقدس الأقداس ليشفع فينا.

 

آية (8): "فإسمع يا يهوشع الكاهن العظيم أنت ورفقاؤك الجالسون أمامك. لأنهم رجال آية. لأني هانذا آتي بعبدي الغصن."

رجال آية= يهوشع كرئيس للكهنة، مع كهنته أقيموا ليكونوا علامات ورموز لكهنوت المسيح. وقد تعني الكنيسة التي جعلها الله ملوكاً وكهنة ولا يركضون وراء الخطايا بل يعيشوا كغرباء في العالم بعد أن طهرهم المسيح بدمه، فقد صاروا آية. عبدي الغصن= المسيح صار عبداً خلال التجسد (أش1:42+في6:2،7) وهو غصن لخروجه من شجرة داود الملكية التي قطعت في شخص صدقيا آخر ملوك يهوذا (أش2:4+ 1:11+ أر5:23). وكلمة غصن بالعبرية نازارت وهي نفس كلمة الناصرة، ومن هذه الآيات فُهم أن المسيح سيدعي ناصرياً.

 

آية (9): "فهوذا الحجر الذي وضعته قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعين.هانذا ناقش نقشه يقول رب الجنود وأزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد."

الحجر= قد يكون حجر أساس الهيكل أو حجر كريم على أفود أي ملابس رئيس الكهنة، وفي كل الأحوال فهو يشير للمسيح الحجر الذي رذله البناؤون. والكنيسة مبنية على أساس الرسل ويسوع حجر الزاوية (أف20:2). وقد يكون حجر أساس الهيكل الجديد، وربما يكون قد وضع بكل مهابة في حضور يهوشع الكاهن العظيم. على حجر واحد سبع أعين= السبع أعين هي أعين الرب (راجع زك10:4) فعين الله بنظراته الكاملة على المسيح وعلى كنيسته، هذا وعد أن الله لن يرفع عينيه لا عن المسيح حينما كان موجوداً بجسده على الأرض، ولا عن كنيسته (رقم 7 يشير للكمال، وهذا يعني أن الله بنظرته يعرف كل ما يدبر حتى في الخفاء) وبالتالي فالله سيحمي المسيح بينما كان بجسده على الأرض (لذلك هم حاولوا قتله مراراً وفشلوا، قبل الصليب) وسيحمي الكنيسة جسد المسيح للأبد.

وهناك تأمل: أن الأعين هي أعين الكنيسة المتجهة لمسيحها (الحجر) في شدائدها لكي يحميها. وبمقارنة آية(8) بآية (9) هأنذا آتى بعبدي الغصن. فهوذا الحجر فالمسيح هو الذي صار عبداً، وهو الغصن وهو الحجر.

ناقش نقشه= كان ينقش أسماء أسباط إسرائيل على الحجارة التي ترصع صورة رئيس الكهنة. والنقش هنا يعني حفر على هذا الحجر، والنقش أعمق من الكتابة ويدوم أكثر منها. وإذا فهمنا أن الحجر هو المسيح، فنحن منقوشين على كفه (أش16:49). ولن ينسانا. ولكن النقش يشير أيضاً ليوم الصليب الذي محا فيه إثمنا ونقشت على جسده أثار المسامير والحربة وإكليل الشوك لماذا؟ بأن أزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد. اليوم هو يوم الصليب الذي فيه نقشت آلامه على جسده، وبهذا رأينا نحن، كنيسته وجسده أننا منقوشين على كفه، فليس حب أعظم من هذا. هو فعل هذا ليزيل أثامنا ويتحد بنا.

 

آية (10): "في ذلك اليوم يقول رب الجنود ينادي كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة."

هذه دعوة الكرازة التي تدعو الجميع للكنيسة، ليستظل كل إنسان بالكنيسة ويرمز للكنيسة هنا بالتينة= رمز الحب الذي في طعمه حلاوة، الحب الذي يجمع كل أعضاء الكنيسة في جسد واحد كالبذور داخل غلاف التينة. والكرمة هذه رمز لآلام الكنيسة التي تجتاز معصرة آلام العالم مثل عريسها، ويكون خمرها فرحاً للمسيح. وهو أيضاً يفرحها "أراكم فتفرح نفوسكم" ومن ثمار الروح فرح، فهو فرح متبادل. المسيح يفرح بكنيسته المتألمة لأجله. وهو يملأها فرحاً روحياً إلى أن تكمل جهادها فيكون لها فرحاً أبدياً.


 

الإصحاح الرابع

لدى عودة اليهود من بابل داهمتهم صعوبات هائلة نشأت من مقاومة جيرانهم لهم، وإفتقارهم للموارد المالية، وعدم قدرتهم، وقدرة قادتهم على مواجهة هذه المشاكل. فيشوع يلبس ملابس قذرة، وزربابل متردد في البناء. وبعد أن وضع حجر الأساس يبدو أن يداه إرتختا في البناء. وقام التشاؤم كجبل وهكذا اليأس أيضاً. ولكن جاء هذا الإصحاح، فبعد أن كشف سابقاً عن دور السيد المسيح الكهنوتي وعمله الخلاصي يبرز هنا دور الروح القدس في إستنارة الكنيسة وقيادتها. في الإصحاح السابق كان يشجع يهوشع الكاهن العظيم للعمل، أما هنا فيسند زربابل الحاكم للعمل بروح الثقة في روح الله وليس بذراع بشري. هنا نرى دور الروح القدس في قيادة الكنيسة، كما رأينا دوره في سفر أعمال الرسل والذي يسمى أعمال الروح القدس. فالكنيسة كهنوت (وهذا دور يشوع) وإدارة (هذا الدور يقوم به زربابل) والروح القدس دوره أن يشدد عزم الرجال مثل زربابل. وقد بدأت أعمال صغيرة في البناء. وفرح الله بها، فالله يفرح بأي عمل لحسابه حتى لو كان صغيراً، وهو يشجعه وينميه بروحه فيصير عظيماً. هنا نجد الرؤيا الخامسة.

 

آية (1): "فرجع الملاك الذي كلمني وأيقظني كرجل أوقظ من نومه."

أيقظني= ربما نام النبي هرباً من الضيقات التي أتعبته وأتعبت زربابل. فكثيرون كان يعطلون العمل.

وكثيرون كانوا يسخرون منه، إلا أننا نلاحظ أنه قام من النوم ليرى المنارة، والمنارة تمثل الكنيسة (أو شعب اليهود) وهي مملوءة بزيت أي مملوءة من الروح القدس وكونها سباعية، فهي تمثل السبع كنائس (سفر الرؤيا) أي كل كنائس العالم، وأيضاً فعمل الروح القدس فيها كامل (يعبر عنه بسبع أرواح الله في سفر الرؤيا) ونلاحظ أن النبي لم يرى المنارة والزيت (عمل الروح) إلا بعد أن استيقظ من النوم (رمزاً للقيامة).والملاك هو الذي أيقظه. ونحن لا نمتلئ بالروح إلا باختبار قوة القيامة بعد ممارسة موت الجسد عن شهوات الجسد، فثمار الروح لا تظهر إلا فيمن صلب شهواته (ورمز هذا نوم النبي) (غل22:5-24). ومن يصلب نفسه يحيا (غل20:2) أي يختبر قوة القيامة (ورمز هذا قيام النبي من النوم) وهذا نفس ما حدث مع حزقيال (1:2،2).

 

آية (2): "وقال لي ماذا ترى. فقلت قد نظرت وإذا بمنارة كلها ذهب وكوزها على رأسها وسبعة سرج عليها وسبع أنابيب للسرج التي على رأسها."

المنارة= تمثل الكنيسة المملوءة بزيت النعمة الإلهية وعمل الروح القدس وهي تضئ للجميع، وهي مختلفة عن منارة الهيكل، فهذه قد أحاطت بها زيتونتان. ذهبية= أي سماوية روحية. وهي لها سبع سرج فنورها كامل، كما شبهت معرفة الله الكاملة بسبع أعين (9:3). إذاً المنارة هي الكنيسة جسد المسيح، الرب المخلص الذي استقر عليه الروح القدس على هيئة حمامة، وذلك لحساب الكنيسة. والروح القدس هو روح الحكمة والفهم.. (أش2:11). والكنيسة تحمل سمات عريسها، فهي منارة نورها هو نور عريسها، الذي أرسل لها روحه القدوس ينيرها وسط العالم. أما الأنابيب السبع فهي وسائط الخلاص التي يعمل خلالها الروح القدس في الكنيسة أي الأسرار السبعة، أو أن عمل الروح القدس في الكنيسة هو عمل كامل كوزها على رأسها= الكوز خزان للزيت لا ينقص منه الزيت أبداً فهو متصل بشجرتي الزيتون، الكوز يشير للمسيح رأس الكنيسة المذخر فيه جميع كنوز العلم والحكمة (كو3:2). وهو يعطي كنيسته من مصادره غير المحدودة، وما يحدد عطاءه لنا هو إمكانياتنا نحن على أن نستوعب، أي محدوديتنا هي التي تحدد عطاءه لنا. والمسيح يسكب لكل منا من هذا النبع على قدر ما يحتمل الإنسان، وعلى قدر ما يطلب، فنكون كالعذارى الحكيمات.

 

آية (3): "وعندها زيتونتان إحداهما عن يمين الكوز والأخرى عن يساره."

مصدر الزيت هو الزيتونتان، وهو مصدر إلهي وليس بشري، وهذا مصدر مستمر، فالله يمد كنيسته من هذا المصدر اللانهائي والذي لا ينضب.

 

الآيات (4-6): "فأجبت وقلت للملاك الذي كلمني قائلاً ما هذه يا سيدي. فأجاب الملاك الذي كلمني وقال لي أما تعلم ما هذه. فقلت لا يا سيدي. فأجاب وكلمني قائلاً هذه كلمة الرب إلى زربابل قائلاً لا بالقدرة ولا بالقوة بل بروحي قال رب الجنود."

الله يجيب الذين لهم اشتياق للمعرفة "اسألوا تعطوا" والآية (6) آية رائعة ومعزية. فروح الله القدوس هو الذي يدبر كل شئ، والأمر ليس راجعاً لقدراتنا وقوتنا وإمكانياتنا.

 

آية (7): "من أنت أيها الجبل العظيم.أمام زربابل تصير سهلا. فيخرج حجر الزاوية بين الهاتفين كرامة كرامة له."

تعني أن زربابل بعمل وقوة الروح القدس سيضع حجر الزاوية ويكمل البناء وسط هتاف الشعب الذين يسبحون الله على عمله ومساندته للبناء. ولقد كانت المقاومة لزربابل كالجبل، وهكذا الصعوبات أمام التلاميذ، ولكن التلاميذ كانوا يذكرون قول المسيح "ستنالون قوة من الأعالي" متى حل الروح القدس عليهم (أع4:1). فكانت الكرازة وسط اليهود عثرة ووسط الأمم جهالة، ولكن كل الصعوبات زالت بالروح القدس. بل هتف الناس كرامة للحجر. فعمل الروح القدس جعل كلا اليهود والأمم يقولون كرامة للمسيح، ولذلك تكررت كلمة كرامة لأنها صادرة من اليهود ومن الأمم. ولأن المسيح وحد السمائيين والأرضيين أيضاً فلذلك قد يكون تكرار الكلمة صادر من كليهما.

 

آية (8،9): "و كانت الي كلمة الرب قائلا. أن يدي زربابل قد أسستها هذا البيت فيداه تتمّمانه فتعلم أن رب الجنود أرسلني إليكم."

زربابل هنا يرمز للمسيح رئيس إيماننا ومكمله (عب2:12). فما يبدأه المسيح، فمن المؤكد أنه سيكمله.

 

آية (10): "لأنه من ازدرى بيوم الأمور الصغيرة.فتفرح أولئك السبع ويرون الزيج بيد زربابل. إنما هي أعمالكم الرب الجائلة في الأرض كلها."

يمكن إعادة صياغة الآية لتكون "تفرح أعين الرب السبع الجائلة في الأرض كلها حينما ترى الزيج في يد زربابل" أي أن الله الذي يرى كل شئ ويفحص القلوب والكلى، هو سيفرح بعملكم مهما كان صغيراً. فاليهود ازدروا بأساسات الهيكل الثاني ظانين أن الهيكل سيكون تافهاً. ولكن الله يفرح بأي عمل مهما كان صغيراً، فالله يفرح بالحب والغيرة التي في قلوبهم فيبارك هذا العمل الصغير فيصير كبيراً، لا يستطيع ن يزدري به أحد. (وكثيرين ازدروا بالإمكانيات المتوفرة وظنوها صغيرة وقليلة وأن البناء لن يقوم). فتفرح أولئك السبع= أي الله كلي المعرفة وهذه معبر عنها بأعين الرب السبع أي التي ترى كل شئ ولها كمال المعرفة حتى إلى فحص القلوب والكلى. وهي جائلة في الأرض كلها= [1] تشرف على كل الخليقة وعلى كل أعمالها. [2] وتعطي الحماية والتدبير والإرشاد والإلهام. وهي تفرح بكل من يعمل عمل الرب بأمانة. وهي تفرح بزربابل لأنها ترى الزيج بيد زربابل= الزيج هو خيط في آخره قطعة رصاص ويسمى المطمارويستخدم في البناء لضمان أن الحائط رأسي وغير مائل. وإذا كان زربابل ماسكاً الزيت، فهو إذاً يبنيفي بيت الرب، وهذا يفرح الرب.

 

آية (11): "فأجبت وقلت له ما هاتان الزيتونتان عن يمين المنارة وعن يسارها."

الزيتونتان= هما نعمة الله (الروح القدس) والأنابيب تحمل الزيت للكنيسة.

 

آية (12-14): "وأجبت ثانية وقلت له ما فرعا الزيتون اللذان بجانب الأنابيب من ذهب المفرغان من أنفسهما الذهبيّ. فأجابني قائلا أما تعلم ما هاتان. فقلت لا يا سيدي. فقال هاتان هما ابنا الزيت الواقفان عند سيد الارض كلها."

الأنابيب= هما زربابل (يمثل الملك والتدبير) ويشوع (يمثل الكهنوت) وكل منهما يكمل الآخر.فهما ممسوحان، الواحد لوظيفة الملك والقيادة السياسية وهو من نسل داود الملكي. والثاني لوظيفة الكهنوت. وهذان الوظيفتان إتحدتا في شخص المسيح الذي ملك على قلوبنا بصليبه الذي قدم نفسه عليه ذبيحة كرئيس كهنة. وعن طريق عمل المسيح هذا إنسكب فينا الروح القدس (الزيت) لذلك هما رمز للمسيح. وقوله المفرغان من أنفسهما= بالنسبة للمسيح فهي تشير أنه أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7:2). وتشير لأن القوة ليست في شخص زربابل أو يهوشع بل هي في عمل الروح القدس فيهما. والمنارة عموماً تشير للكنيسة ككل، والكنيسة تمتلئ بزيت النعمة إذا تواضعت وإنسحقت (أش15:57). هذه تشبه "تكفيك نعمتي فإن قوتي في الضعف تكمل". وكلمة الذهبي= في ترجمات أخرى "الذي ينساب منهما الزيت الذهبي. فهذا الزيت رمز للروح القدس وهو سماوي والذهب رمز للسماويات. عموماً المسيح حل عليه الروح القدس بالجسد ليملأنا نحن. فنحن من ملئه أخذنا، والشرط أن نمتلئ هو التواضع. الواقفان عند سيد الأرض كلها= كان المسيح لم يتجسد بعد ولا ظهر عمله الملوكي ولا عمله الكهنوتي، لكن قوله الواقفان إشارة لأنه كان مستعداً لهذا العمل أي تجسده.


 

الإصحاح الخامس

بعد أن أعلن الله عمله المفرح في الخلاص يعود فيحذرنا من التهاون مع الخطية.

 

الآيات (1-4): "فعدت ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بدرج طائر. فقال لي ماذا ترى. فقلت أني أرى درجا طائرا طوله عشرون ذراعا وعرضه عشر اذرع.فقال لي هذه هي اللعنة الخارجة على وجه كل الأرض.لان كل سارق يباد من هنا بحسبها وكل حالف يباد من هناك بحسبها. أني أخرجها يقول رب الجنود فتدخل بيت السارق وبيت الحالف باسمي زورا وتبيت في وسط بيته وتفنيه مع خشبه وحجارته."

هذه هي الرؤيا السادسة الدرج الطائر= الدرج أي الكتاب المخطوط. وهو يعلن هنا القضاء على الأشرار أي مكتوب فيه عقوبات من يتهاون مع الخطية. وهو طائر= ليراه كل إنسان، ويلفت نظر كل أحد فيهتم أن يقرأ ليعرف ما فيه. وهو طائر لأن الشر الذي نرتكبه يصعد أمام الله كرائحة فاسدة عكس الصلوات النقية فتصعد كرائحة البخور العطرة أمام الله. وهو طائر فالكل يراه فليس خفي إلا ويعلن. وهو طائر أيضاً لأن لعنة الخطية تطير فوق رؤوسنا وسيحل غضب الله علينا إذا لم نقدم توبة عنها. وفي (2) أبعاد الدرج 20ذراعاً × 10أذرع= وهذه هي أبعاد القدس في خيمة الاجتماع. والقدس يشير للكنيسة جسد المسيح، وهذه قدسها الله وملأها من الروح القدس (المنارة) وأعطاها جسده تأكله لتتحد به (مائدة خبز الوجوه) وهو يشفع فيها (مذبح البخور). ولكننا أفسدنا أنفسنا. والمعنى أن ما يرتكبه الإنسان يفسد مقدسات الله، ولأن الهيكل كان في طريقه للبناء كان عليهم أن لا يفرحوا بذلك بل يخافوا أن يدنسوه فتنصب عليهم اللعنات بالزيادة "فمن يفسد هيكل الله يفسده الله" (1كو17:3) وفي (3) اللعنة ضد الخطية تحلق في الهواء وتهدد سكان الأرض لمن يخون العهد. هي إنذار بغضب الله العادل. والخطايا المذكورة هي السرقة والحلف الباطل، هي خطايا التجار عادة. واليهود اشتهروا بالتجارة. وفي (4) هذه اللعنة تفسد كل شئ كما يفسد النمل الأبيض الأثاث. وستبيد هذه اللعنة كل ما حاولوا أن يقتنوه بالسرقة. عموماً فالخطية تفسد كل شئ صالح في حياتنا وتتحول البركة إلى لعنة.

 

الآيات (5-11): "ثم خرج الملاك الذي كلمني وقال لي.ارفع عينيك وانظر ما هذا الخارج. فقلت ما هو.فقال هذه هي الإيفة الخارجة.وقال هذه عينهم في كل الأرض. وإذا بوزنة رصاص رفعت.وكانت امرأة جالسة في وسط أليفة. فقال هذه هي الشر.فطرحها إلى وسط أليفة وطرح ثقل الرصاص على فمها. ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بامرأتين خرجتا والريح في أجنحتهما.ولهما أجنحة كأجنحة اللقلق فرفعتا أليفة بين الأرض والسماء. فقلت للملاك الذي كلمني إلى أين هما ذاهبتان بالإيفة. فقال لي لتبنيا لها بيتا في ارض شنعار.وإذا تهيّأ تقرّ هناك على قاعدتها."

هذه هي الرؤيا السابعة. الإيفة الخارجة= الإيفة هي وحدة للمكاييل عند اليهود، ومعنى أنها خارجة أنها مغشوشة وغير مضبوطة، وهكذا كل معاييرهم ومقاييسهم، واليهود مشهورين بالتجارة، ويبدو أنهم متهمين هنا بخطية الغش في التجارة. ولكن يبدو واضحاً أن هذه الرؤيا تنظر إلى أبعد من ذلك، وهي تشير لأن اليهود يغشون في تفسير كتابهم المقدس الذي يشهد للمسيح، لأنهم لا يريدوا أن يعترفوا بالمسيح حتى الآن. فتجارتهم الروحية مغشوشة مثل تجارتهم المادية. إذن هذه النبوة تتكلم عن رفض اليهود للمسيح مع أنه هو الذي تنبأ عنه كتابهم، وهذا سيؤدي إلى خراب أمتهم وتشتتهم عندما يكملون مكيال إثمهم بصلب المسيح واضطهاد شعبه وإنجيله. وقد جاءت عبارات هذه النبوة غامضة عن قصد، فهم الآن يقومون ببناء الهيكل والمدينة والسور، فلو كانت كلمات هذه النبوة واضحة وفهموا أن كل شئ يقومون ببنائه الآن مصيره الخراب لما كانوا قد بنوا شيئاً، ولكانت هذه النبوة مثبطة لهمتهم. ولاحظ أن النبي في الرؤيا السابقة كان يتأمل في لعنة تصيب الغشاشين واللصوص، عندما طلب منه أن يرفع عينيه وينظر خراباً أعم وأشد يصيب الأمة كلها بسبب غشها ورفضها للمسيح. هذه هي عينهم في كل الأرض= عينهم جاءت في ترجمات أخرى RESEMBLANCE أي شبه أو صورة. أي أن اليهود صاروا يشبهون هذه الإيفة المغشوشة. وفي (7،8) يشبه الشر هنا بامرأة (قارن مع أم1:5-5 +7:7-27) ومعنى التشبيه امرأة زانية تصطاد الأبرياء بكلامها المعسول وتغويهم على الرذيلة. وهي أي الشر المشبه بالمرأة التي تلد أولاداً أشراراً مثلها فالخطية تلد خطايا كثيرة. المرأة هنا هي شر الشعب كله، لذلك فالعقوبة عامة على الكل. وتشبيه الشر بالمرأة ليس ضد المرأة، فالفضائل أيضاً تشبه بالمرأة، فالحكيم يقول عن الحكمة "أحببت جمالها وأخذتها لتعيش معي" (حك2:8) إذاًَ المرأة الجالسة وسط الإيفة تمثل الأمة اليهودية الخاطئة في حالتها الأخيرة الفاسدة تماماً، وقال عنها هذه هي الشر. وإذا بوزنة رصاص رفعت= الإيفة تشبه سلة وكان لهذه السلة غطاء من الرصاص، ومقداره وزنة أي حوالي 47كيلو جرام أي ثقيل جداً. والرصاص عموماً ثقيل جداً. وهكذا الخطية على الخاطئ تشبه ثقل الرصاص الذي يجعل الخاطئ ملتصقاً بالأرضيات غير قادر على التحليق في السماويات وهذا الثقل يشير لأحكام الله الثقيلة بسبب الخطايا، وأحكام الله تتمثل في آلام وضيقات شديدة هنا على الأرض، وعذاب في الجحيم، وهذا الثقل من الرصاص يهبط بالخاطئ إلى أسفل الجحيم. "قد أخفى الآن عن عينيك ما هو لسلامك" وحينما رفع هذا الغطاء ظهرت المرأة. طرح ثقل الرصاص على فمها= الخطية تجعل فم الخاطئ ثقيلاً لا يستطيع أن يخرج أي صلاح أو تسبيح، وبلسانهم العاجز هذا لا يستطيعوا أن يعترفوا بالمسيح. قارن هذا الثقل الرصاص كتشبيه للخطاة مع تشبيه القديسين بالسحاب (أش1:19 + عب1:12). أما هؤلاء اليهود فشرهم في صلب المسيح أغلق أفواههم فما عادوا يسبحون ولا هيكل لهم وهم ملتصقين بالأرضيات ومنتظرين مسيحاً يعطيهم ملكاً أرضياً.

آية (9) اللقلق= حسب الشريعة هو طائر نجس يعيش على الجيف والقذارة، وله أجنحة واسعة وعريضة تحمله بسهولة من أورشليم (مكان أولاد الله) إلى بابل (مكان الشيطان). وهكذا كل نجاسة تحمل صاحبها إلى عبودية إبليس، وإلى الخراب. ومن له أجنحة اللقلق ينجذب للجيف أما من له أجنحة الحمام (الروح القدس) فهو ينطلق بهما للسماء. وإذا بامرأتين.. فرفعتا الإيفة= قد تكون المرأتين هما رذيلتين وربما هما السرقة والقسم الباطل (3:5) أي خديعة الإخوة وخديعة الله أو الاستهتار به. وهما عموماً يشيران لأن خطاياهم ستحملهم ثانية إلى خارج أرضهم. وقد يقصد بالمرأتين (وحش البحر ووحش الأرض) أي ضد المسيح وتابعه اللذن سيقبلهما اليهود في نهاية الأيام (رؤ1:13،11) وبسببها سيخربون نهائياً والريح في أجنحتهم= كلمة ريح في العبرية تعني روح، أي هما نفس الكلمة، وعلى هذا خروج النجاسة والخطية تحملهم. وهاتين المرأتين يناظران إبنا الزيت في الرؤيا السابقة، فهما في خدمة الشر تنفذان مقاصده. بين الأرض والسماء كأنها لا تستحق هذه ولا تلك، فهم غير مرضيين عند الله ولا عند الناس، وقد تعني أن اليهود برفضهم المسيح والمسيحية ديانة السماء، أصبحوا بديانتهم لا هم في السماء لأنهم لم يؤمنوا بالمسيح ولا هم في الأرض لأن كتابهم موحى به من الله. وفي (11) أرض شنعار= هي أرض بابل أي أرض السبي، وهذا يشير لخرابهم تماماً كما خربتهم بابل وهدمت هيكلهم وأخذتهم للسبي. وهذا ما فعله بهم الرومان تماماً بعد أن رفضوا المسيح وصلبوه. وبابل هي الأرض التي إتفق فيها البشر على الثورة ضد الله، واليهود مازالوا ثائرين على المسيح، لذلك فهم مازالوا في عبودية فالمسيح وحده هو الذي يحرر. وهناك أي في أرض العبودية تقر الإيفة على قاعدتها= أي أن بقائهم في هذه النكبة سيطول من جيل إلى جيل وليس لسبعين سنة فقط أيام بابل. وهذا ما حدث مع الرومان إذ شردوا اليهود في العالم واستمر ذلك لمدة 2000سنة وبقبولهم ضد المسيح ستخرب أورشليم ثانية وهم سيذهبون للجحيم حيث يستقروا هناك للأبد. فالنبوة هنا بخراب أيام الرومان ثم خراب نهائي في نهاية العالم.


 

الإصحاح السادس

ختم النبي القسم الخاص بالرؤى بهاتين الرؤيتين، وهما الرؤيا الثامنة والرؤيا التاسعة. والرؤيا الثامنة تكشف عن دينونة الشر، والرؤيا التاسعة تشير لتتويج يهوشع رمزاً لملك المسيح على شعبه بصليبه.

 

الآيات (1-8): "فعدت ورفعت عينيّ ونظرت وإذا بأربع مركبات خارجات من بين جبلين والجبلان جبلا نحاس. في المركبة الأولى خيل حمر وفي المركبة الثانية خيل دهم. وفي المركبة الثالثة خيل شهب وفي المركبة الرابعة خيل منمّرة شقر. فأجبت وقلت للملاك الذي كلمني ما هذه يا سيدي. فأجاب الملاك وقال لي هذه هي أرواح السماء الأربع خارجة من الوقوف لدى سيد الأرض كلها. التي فيها الخيل الدهم تخرج إلى ارض الشمال والشّهب خارجة وراءها والمنمّرة تخرج نحو أرض الجنوب. أما الشقر فخرجت والتمست أن تذهب لتتمشى في الأرض فقال اذهبي وتمشّي في الأرض.فتمشت في الأرض. فصرخ عليّ وكلمني قائلاً. هوذا الخارجون إلى أرض الشمال قد سكّنوا روحي في أرض الشمال."

رؤيا المركبات والخيل. هذه الرؤيا تشير لأن الله كملك على كل الأمم يهيمن على العالم بواسطة خدمة الملائكة. فكل شئوننا الزمانية خاضعة للتدبير الإلهي. ويبدو أن هذه الرؤيا إمتداد لرؤيا الإصحاح الأول. ولكن رؤيا الإصحاح الأول تشير لخطة الله الخلاصية بتجسد الكلمة القادم على فرس أحمر. أما هذه فتشير لخطة الله التأديبية ضد الشر وضد الأمم والشعوب الشريرة ومساندة الله للمؤمنين في حروب إبليس ضدهم، والله يستخدم الملائكة لتحقيق هذا. والملائكة هنا تسمى أرواح السماء. وكيفية العمل مشروحة هنا بطريقة بسيطة، فالله يستخدم الأمم والممالك لتنفيذ مشيئته، فالملائكة تساعد ملوك هذه الممالك لينتصروا على الممالك الأخرى (دا 20:10) وذلك لتنفيذ خطة الله الأزلية. أرواح السماء الأربع= أي الملائكة المكلفين بالعمل في كل أنحاء الأرض فرقم (4) يشير لكل الأرض. خارجة من الوقوف لدى سيد الأرض كلها= أي هم خدام لتنفيذ أوامره. والله قوى ملك بابل ليستخدمه في تأديب شعبه في أورشليم، وبعد أن انتهى دور ملك بابل أتي الله بكورش والملائكة ساعدته ودعمته حتى أسقط بابل، والملائكة شجعت كورش حتى أطلق شعب الله. وإذ بأربع مركبات= تشير لأربع ممالك (راجع دا 2:7) وتشير الخيل الحمر في (2) لبابل ولأنها كانت قد سقطت فهي لم تذكر بعد ذلك. واللون الأحمر كان لأن شعب الله ذاق ألاماً شديدة على يد البابليين وهم دمروا أورشليم والهيكل وبابل بالذات تشير لإبليس، وهذا كان دموياً قتالاً للناس منذ البدء (يو44:8) والخيل الدهم أي السوداء يشيروا للفرس وهؤلاء تحركوا نحو الشمال أي إلى بابل. والخيل الشهب (البيضاء) تشير لليونان وهذه خرجت ورائها لتحطيمها ثم المركبة ذات الخيل المنمرة الشقر فتشير للرومان التي خرجت واكتسحت العالم كله. وإمتدت للجنوب أي مصر. وتوالي ظهور المركبات يشير لقيام دولة في أعقاب سقوط دولة أخرى. ولأن رقم 4 هو رقم العمومية، فالمعنى يكون أن قيام وسقوط الدول عبر الزمان هو لتنفيذ خطة الله الأزلية (دا 20:10) فالممالك في يد الله. والملائكة تحرك رؤساء هذه الممالك لينفذوا أعمال مشيئته الإلهية "فقلب الملك في يد الرب كجداول مياه حيثما شاء يميله" (أم 1:21). وكثيراً ما قيل عن الملائكة مركبات الله (مز17:68 + حز إصحاح 1) أما تصرفات العناية الإلهية نحو الأمم والكنائس فتمثلها ألوان الخيل المختلفة. والمركبات خرجت من وسط جبلا النحاس= وهذا يشير إلى أن مشورات الله التي وراء الحوادث هي ثابتة وراسخة مثل جبل من نحاس، هي مشورة أزلية لابد وسوف تتم ولا يمكن لأحد أن يعطلها كما أنه لا يمكن لأحد تحطيم جبال من نحاس. والنحاس يشير للدينونة (راجع تفسير خيمة الاجتماع). والله سيدين هذه الممالك لوحشيتها. وقد يرمز الجبلان للعهد القديم والجديد اللذان يحملان لنا مقاصد الله التي لا تتغير. وكلمة الله تحمل الدينونة للخاطئ (يو48:12 + رؤ16:2) والله يتمم أوامره كملك منتصر يركب مركبة إلهية مظهراً للعالم مجده فهو خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6). وحزقيال رأى الرب على مركبة كاروبيمية أي من الملائكة وفي (7) الشقر تمشت في الأرض كلها= الشقر مترجمة منقطة، ومن آية (3) منمرة أي بها بقع سوداء كالنمر، وهذه البقع تشير للخطية. فهذه الخيل المنقطة تشير لغزو الجيش الروماني للعالم المعروف كله في الفترة ما قبل المسيح= تمشت في الأرض كلها. وكون بقع النمر السوداء تشير للخطية أنظر (ار23:13). وهذا فيه إشارة للإضطهاد العنيف الذي أثارته الدولة الرومانية ضد كنيسة المسيح. الخيل الدهم تخرج إلى أرض الشمال (6). هوذا الخارجون إلى أرض الشمال (8) أرض الشمال تعني بابل (هكذا يسميها الكتاب فهي شمال أورشليم، وكانوا يهاجمون أورشليم أتين من الشمال (راجع أر 20:13). والخيل الدهم هم الفرس الذين هاجموا بابل، وبابل هذه رمز للشيطان (رؤ1:17-6 + 2:18،3،4) وهذه أي بابل حطمت أورشليم وهيكلها وأخذت أبنائها للسبي، فصارت بابل رمزاً لإبليس فهو حطم الإنسان واستعبده. قد سكنوا روحي في أرض الشمال= فالله استراح حين تمت دينونة بابل على يد الفرس في أرض بابل، أرض الشمال، وإرتاح لله حقيقة حين تمت دينونة إبليس وتحرير أولاده من يده.

لكن لنلاحظ قول الكتاب الخيل الدهم تخرج إلى أرض الشمال والشهب خارجة وراءها الدهم أي السوداء، إشارة لسواد الخطية (أر23:13). فاللون الأسود هذا يشير للإنسان قبل المسيح، إذ كان في خطيته أسوداً، وهو حاول أن يجاهد ضد الشيطان بقدر إمكانياته، إلى أن أتى المسيح وبيض ثيابنا بدمه (رؤ14:7) وكان هذا وعد الله منذ زمان (أش18:1). وكانت هذه شهوة قلب الإنسان (مز7:51). والآن بعد أن بررنا المسيح وصرنا خيلاً بيض هو يقودنا (رؤ2:6) أصبح من السهل علينا أن نهزم إبليس، فهذا هو وعد المسيح (لو19:10) أن ندوس الحيات والعقارب، هذا ما سكن روح الله حقيقة.

 

الآيات (9-15): "وكان إليكم كلام الرب قائلاً. خذ من أهل السبي من حلداي ومن طوبيا ومن يدعيا الذين جاءوا من بابل وتعال أنت في ذلك اليوم وأدخل إلى بيت يوشيا بن صفنيا. ثم خذ فضة وذهبا واعمل تيجاناً وضعهاً على رأس يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم. وكلمه قائلاً.هكذا قال رب الجنود قائلا.هوذا الرجل الغصن أسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهناً على كرسيه وتكون مشورة السلام بينهما كليهما. وتكون التيجان لحالم ولطوبيا وليدعيا ولحين بن صفنيا تذكاراً في هيكل الرب. والبعيدون يأتون ويبنون في هيكل الرب فتعلمون أن رب الجنود أرسلني إليكم.ويكون إذا سمعتم سمعا صوت الرب إلهكم."

نجد هنا أن وفداً أتى من بابل، من أهل السبي الذين مازالوا في السبي، لكنهم حينما سمعوا بأخبار البناء أرسلوا هدايا وكلم الرب النبي أن يقبل منهم هديتهم ويتوج يهوشع، ويتوجهم هم أيضاً، هنا نرى أن يهوشع يرمز للمسيح الذي كلل على الصليب، وكللت الكنيسة معه وهذا يشير إليه تتويج هؤلاء العائدين من السبي. فمن ترك بابل أرض الخطية، وترك العبودية لإبليس، وذهب لأورشليم (الكنيسة) تائباً، فهذا يكلل. وعلاقة هذه الرؤيا بالسابقة واضحة. ففي الرؤيا السابقة رأينا نهاية بابل وسيادة أبناء الله على إبليس. وهنا نرى كيف حدث هذا، فنحن نسمع هنا عن تجسد المسيح وتقديم نفسه ذبيحة، لكي بدمه نَطهُر ونصير خيلاً بيض، وفي الرؤيا السابقة نسمع أن الرومان، الخيل المنمرة إنطلقت نحو الجنوب، إلى مصر، ولكن كان ذلك مروراً باليهودية وأورشليم، والمعنى أن زمن مجيء المسيح ليتجسد ويقوم بفدائه على الصليب، سيكون في أيام سيادة الدولة الرومانية على اليهود فأورشليم جنوب روما. وطبعاً ستكون لروما وقت مجيء المسيح سيادة على كل العالم، حيث أن الخيل المنمرة تمشت في الأرض (7:6). والعائدين من أرض السبي كانوا حلداي= ويسمى حالم (آية 14). وطوبيا ويدعيا. والله أمر النبي أن يجمع هؤلاء العائدين في بيت رجل اسمه يوشيا بن صفنيا. وهذا يرمز للمسيح، يوشيا= الذي يخلص. وصفنيا= يهوه الذي يخفى أو الذي يستر فالمسيح خلصنا بأن سترنا بدمه (هذا معنى الكفارة). وبيت يوشيا هو رمز للكنيسة التي يجتمع فيها ويدخلها العائدون من سبي الخطية. والنبي سيأخذ عطاياهم ويدخل لبيت يوشيا. وماذا سيأخذ؟ ذهباً وفضة= هذه تشير لطاقات الإنسان التي كان يستعملها في الشر وقت أن كان في السبي. لكن عند العودة تقدست هذه الطاقات في بيت الله، أي الكنيسة هيكل الرب. وكل التيجان وضعت على رأس يهوشع= والمعنى أن المسيح هو رأس الكنيسة (1كو27:12 + كو18:1) والرأس له التيجان، وهو الذي حارب وغلب، فهي حق له، بل حقيقة الآن حينما نغلب، فالمسيح هو الذي يغلب (رؤ2:6) والمسيح ملك علينا بصليبه وأصبح هو سيد على كل طاقاتنا ومواهبنا، وحينما تكون لنا أعمال صالحة، فهذا يمجد الله (مت16:5). ولاحظ أن زربابل كوالي مختفي من هذا المشهد، وأن الذي يكلل هو يهوشع، وذلك رمز لأن المسيح بصفته رئيس كهنة، وقد قدم نفسه ذبيحة على الصليب، قد تكلل وصار ملكاً علينا. وما يمجد المسيح في أعين العالم أن أتباعه يكون لهم الذهب والفضة أي لهم الحياة السماوية (الذهب)، وقد تقدسوا بكلمة الله (الفضة) وبهذا يظهر للعالم أن المسيح صار ملكاً علينا. يهوشع= يهوه يخلص، يهوصادق= يهوه برنا. فمعنى اسم رئيس الكهنة أن يهوه مسيحنا بصليبه سيبررنا وحتى لا يفهم يهوشع أن هذا التكريم هو لشخصه، بل هو مجرد رمز للمسيح كان على النبي أن يشرح له هذا.. هوذا الرجل الغصن اسمه.. (12) الغصن= كانت أسرة داود كشجرة قطعت ولم يبق فيها غير جذعها البالي، ومن هذا الأصل الوضيع إذا بالمسيح ينبت كغصن منها مرة أخرى (أش1:11،2 + 2:4 + أر5:23) ومن مكانه ينبت= الشجرة الأصلية هي عائلة داود الذي نشأ في بيت لحم، فالمسيح سينشأ ويولد في بيت لحم مكان داود، وسيحمل صفته كملك. وتشير أيضاً هذه الآية ضمناً إلى طلوع الكنيسة من المسيح أصل الشجرة. يبني هيكل الرب. يبني هيكل الرب= المسيح أتى ليؤسس الكنيسة لتكون هيكله (يو21:2)، وتكرارها مرتين، فلأنه كون جسده من اليهود والأمم ووحدهما فهو الذي جعل الإثنين واحداً. وتشير الآية لأن ما يبنى الآن بيد زربابل ما هو إلا رمز لهيكل جسد المسيح الذي سيبنيه المسيح (1بط5:2). وفي (13) يحمل الجلال= كان الصليب مجده، فحمله، فالرياسة كانت على كتفه (أش6:9) يجلس ويتسلط= فله سلطان مطلق وأعداؤه سيكونون عند موطئ قدميه. (راجع مز1:110 + في10:2) ويكون كاهناً على كرسيه= الكرسي هو كرسي الملك ولأول مرة منذ أيام ملكي صادق نسمع أن يجتمع الملك والكهنوت لأحد. وملكي صادق صار رمزاً للمسيح الذي جمع الملك والكهنوت. فهو كرئيس كهنة قدم ذبيحة نفسه وبهذا ملك على قلوبنا وجلس وتسلط ووضع أعداؤه عند موطئ قدميه. وتكون مشورة السلام بينهما كليهما= أي بين الوظيفتين اللتين جمعهما في نفسه، أي الكهنوت والملك. إذ بفضل هاتين الوظيفتين تحصل مشورة السلام، فهو ككاهن قدم ذبيحة نفسه صالحنا مع الله مصالحة أبدية وحين نملكه على قلوبنا، وإذ هو ملك السلام، يملأ قلوبنا سلاماً. وفي (14) هنا نرى تكليل من ملك المسيح على قلبه وأتى بالتوبة إلى الكنيسة تاركاً أرض الخطية. حين بن صفنيا= هو نفسه يوشيا بين صفنيا. فالمسيح يكلل، وأتباع المسيح يكللون. والكتاب استخدم هنا اسم حين لأن العادة اليهودية أن يكون للشخص أكثر من اسم. ولكن إسم حين= شفقة/ حنان/ عطف/لطف. فالمسيح من حنانه يسترنا ويغطينا ويكللنا معه. تذكاراً في هيكل الرب= هذه تمت بالفعل، فبعد أن صنع النبي تيجاناً للعائدين من السبي، وضعها في الهيكل كتذكار بوعد الله بمجيء المسيح ليعطي السلام. ويعني وضع التيجان في هيكل الرب أنه لا أكاليل لنا بالإنفصال عن الكنيسة هيكل الرب. وفي (15) البعيدون يأتون ويبنون= هذا يعبر عن إيمان الأمم البعيدين، بل أنهم سوف يساعدون في البناء، وسيأتون بتقدمات كما أتى حلداي وطوبيا ويدعيا بتقدمات. ويكون إذا سمعتم سمعاً صوت الرب إلهكم= هذه موجهة لنا وبهذا تشير لشهوة قلب الله أن يعطي أكاليل لأولاده ويمتعهم ببركات كثيرة، ويعطيهم فضائل لها أكاليل، يفرحهم في الأرض ويملأهم سلاماً، ويمتعهم بمجد أبدي. وهذه موجهة أيضاً لليهود لأن الله يعلم أنهم لن يطيعوا ولن يؤمنوا بالمسيح لذلك يقول = إذا سمعتم.. فهو جاء إلى خاصته ليسمعوا ولكن خاصته لم تقبله.


 

الإصحاح السابع

الإصحاحين السابع والثامن حديث عن الصوم، بدأ بسؤال من المسبيين الذين كانوا في السبي. والنبي يجيب على هذا السؤال. وكان الشعب في السبي قد وضعوا على أنفسهم صياماً حتى يرحمهم الله، ولم تكن هذه الأصوام مفروضة عليهم في الناموس، بل هم وضعوها. الآن سنة 518ق.م. وقد عادوا من السبي وبدأ بناء الهيكل جاءوا يسألون هل نستمر في تلك الأصوام التي فرضناها على أنفسنا أم نتوقف. وكانت هذه الأصوام التي فرضوها على أنفسهم.

1.     في الشهر الرابع في 17 يونيو تذكاراً لثغر وإقتحام أسوار أورشليم (أر2:39).

2.     في الشهر الخامس في 4 يوليو تذكاراً لحرق الهيكل (2مل9:25).

3.     في الشهر السابع في 3 سبتمبر تذكاراً لمقتل جدليا وبه إكتمل تشتتهم.

4.     في الشهر العاشر 10 ديسمبر تذكاراً لبداية حصار أورشليم (أر1:39).

وقد ذكرت هذه الأصوام الأربعة في (زك19:8)

وكان سؤالهم يعني أن الصوم يمثل لهم ثقلاً في حياتهم يودون الخلاص منه أو كان غاية في حد ذاته، فلم يمارسوه بروح التوبة. لذلك جاءت الإجابة توبيخاً. وكأن الله يريد أن يقول لهم أنه ليس في حاجة إلى أصوامهم التي يشعرون أنها ثقيلة على نفوسهم، هم حددوها ولهم أن يتوقفوا عنها دون سؤال. لكن إن أرادوا الصوم فليمارسوه بروح صادق وبروح التوبة والتذلل وشعورهم بأنهم أحزنوا قلب الله، وشعورهم بالإحتياج لمراحمه ومعونته وبهذا فهم حين يصومون يهزمون قوات الشر، وحينئذ يفرحون بمساندة الله لهم حين أعطاهم سلطاناً على أعدائهم.

 

آيات (1،2): "و كان في السنة الرابعة لداريوس الملك ان كلام الرب صار الى زكريا في الرابع من الشهر التاسع في كسلو. لما أرسل أهل بيت إبل شراصر ورجم ملك ورجالهم ليصلّوا قدام الرب"

لاحظ أن أسماء من في السبي قد تغيرت إلى أسماء غريبة. بيت إيل= بيت إيل كانت ضمن بلاد العشرة أسباط، ولكن بعد العودة من السبي عاد كل واحد لمكانه الذي كان منه أصلاً. فبعد السبي لم يكن هناك إنفصال بين يهوذا وإسرائيل.

 

آية (3): "وليكلموا الكهنة الذين في بيت رب الجنود والأنبياء قائلين أأبكي في الشهر الخامس منفصلاً كما فعلت كم من السنين هذه."

أأبكي= كان الصوم يصاحبه بكاء وتذلل. لكن صومهم كان مجرد ممارسات لتهدئة الضمير.

 

آيات (4،5): "ثم صار الي كلام رب الجنود قائلا. قل لجميع شعب الأرض وللكهنة قائلا.لما صمتم ونحتم في الشهر الخامس والشهر السابع وذلك هذه السبعين سنة فهل صمتم صوما لي أنا."

كان سؤالهم عن صوم الشهر الخامس، فأجابهم الله عن صوم الشهر الخامس والشهر السابع أيضاً. هل صمتم صوماً لي أنا= هنا الله يلجأ لضمائرهم لأنها تشهد ضدهم، أنهم لم يكونوا مخلصين في أصوامهم، فهم تمسكوا بشكليات الصوم بلا توبة حقيقية أو تذلل حقيقي. ونقرأ هنا عن مواصفات الصوم الحقيقي الذي يرضى الله (آيات 9،10). وراجع أيضاً (أش58).

 

آية (6): "ولما أكلتم ولما شربتم أفما كنتم أنتم الآكلين وأنتم الشاربين."

أنتم الآكلين= هنا الله يذكرنا أنه حتى في إفطارنا يجب أن نأكل بروح الشكر لله.

 

آية (7): "أليس هذا هو الكلام الذي نادى به الرب عن يد الأنبياء الأولين حين كانت أورشليم معمورة ومستريحة ومدنها حولها والجنوب والسهل معمورين."

لقد حذر الله عن طريق الأنبياء الأولين أن عواقب الخطية سيئة، وكان يجب أن يصدقوا الأنبياء وقت أن كانت بلادهم مستريحة ومعمورة بدلاً من عنادهم الذي أدى لخرابها. وآية (8) هي آية إعتراضية ففي آية (9) يذكر ماذا قاله لهم الأنبياء قبل خراب أورشليم. وسبب وجود هذه الآية الإعتراضية أن الله مازال يوجه لهم نفس الرسالة وهي أن يكفوا عن خطاياهم فيكون لهم الخير.

 

آيات (8-10): "و كان كلام الرب الى زكريا قائلا. هكذا قال رب الجنود قائلاً. أقضوا قضاء الحق وأعملوا إحساناً ورحمة كل إنسان مع أخيه. و لا تظلموا الارملة و لا اليتيم و لا الغريب و لا الفقير و لا يفكر احد منكم شرا على اخيه في قلبكم."

إقضوا قضاء الحق= بدأ كلامه للكبار أولاً، أي الذين في أيديهم القضاء، ويذكرهم الله هنا بواحدة من خطاياهم البشعة التي كالما أغاظته وهي ظلم المساكين.

 

آية (11): "فأبوا أن يصغوا وأعطوا كتفا معاندة وثقّلوا آذانهم عن السمع."

أعطوا كتفاً معاندة= أي عاندوا وصايا الله وإنذارات أنبيائه.

 

آية (12): "بل جعلوا قلبهم ماساً لئلا يسمعوا الشريعة والكلام الذي أرسله رب الجنود بروحه عن يد الأنبياء الأولين فجاء غضب عظيم من عند رب الجنود."

جعلوا قلبهم ماساً= الماس صلد جداً. والمشكلة في قساوة وعناد قلبهم داخلياً.

 

آيات (14،13): "فكان كما نادى هو فلم يسمعوا كذلك ينادون هم فلا أسمع قال رب الجنود. و اعصفهم الى كل الامم الذين لم يعرفوهم فخربت الارض وراءهم لا ذاهب و لا ائب فجعلوا الارض البهجة خرابا"

هم عاندوا الله ولم يسمعوا، فلم يسمع لهم الله في ضيقتهم وكانت خطاياهم سبب تشتتهم. وكأن هذا نبوة عن تشتتهم ثانية على يد الرومان لصلبهم المسيح.


 

الإصحاح الثامن

لأن هذا السفر هو سفر رجاء وتعزية، فبعد أن قدم لهم درساً مراً من واقع تاريخهم كشف فيه عن قساوة قلب آبائهم، عاد ليؤكد لهم غيرته من نحو أورشليم عروسه وإن كان قد سمح بالتأديب القاسي لها، فعاشت فترة في مرارة، لكنه يود أن يحول أحزانها أفراحاً وأصوامها أعياداً ويباركها ويقيمها بركة للأمم. إذاً هو حَوَّل سؤالهم ليكشف لهم عن محبته لهم ورغبته بحلوله فيهم وفي وسطهم كسر فرحهم الحقيقي.

 

آيات (1،2): "و كان كلام رب الجنود قائلا. هكذا قال رب الجنود.غرت على صهيون غيرة عظيمة وبسخط عظيم غرت عليها."

الغيرة العظيمة تنشأ من محبة نارية. والغيرة الصالحة تظهر في الكراهية الشديدة للشر، والمحبة الشديدة للخير. فكأن الله يجيبهم على سؤالهم بأن.. تلامسوا مع محبتي النارية ومن يتلامس مع محبة الله، لن يعود يهتم بأكل أو شرب أو غيره، بل يود لو صام العمر كله تاركاً ما يتلذذ به حباً في ذاك الذي أحبه وبذل نفسه لأجله، وأن أكل فهو يأكل بروح الشكر لمن أعطاه هذا الطعام (1تي3:4-5). لقد صار الله شريكاً له في كل شئ، نشترك في آلامه بترك ملذات العالم، ونشركه في كل شئ حتى في أكلنا وشربنا. غرت= الغيرة إذاً تساوي الحب. بسخط عظيم= ضد أورشليم ليؤدبها وضد أعدائها حين تابت عن زناها (أش21:1)، وإنتهى التأديب، حين تابت عاد الله لها عريساً محباً.

 

آية (3):" هكذا قال الرب قد رجعت إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم فتدعى أورشليم مدينة الحق وجبل رب الجنود الجبل المقدس."

قد رجعت إلى صهيون= كان الرب قد تركها زماناً إذا سلمها للسبي، لكنه رجع وسكن فيها. وبما أنه في وسطها فهي مدينة الحق. ولذلك يطلب الله منهم الحق، والحق الذي يطلبه الله منا تجاهه هو العبادة. والحق الذي يطلبه منا تجاه الناس هو العدل والرحمة والسلوك الصادق. كأن الله يريد أن يقول، يوجد أهم من سؤالكم عن الصوم أن تدركوا مركزكم الجديد، فإن صمتم أو فرحتم فإهتموا بأن أكون في داخلكم فتنعمون بسلامي. ومدينة الحق من الناحية الروحية تمثل النفس التي تتأمل في الأمور الأبدية غير المنظورة لأن أورشليم تعني رؤية السلام. هذا هو عمل عريسنا الغيور، يدخل لقلبنا فيجعله أورشليم مدينة الحق فتنعم برؤية السلام بين الله وبين أنفسنا، وندخل لأعماق الحق الإنجيلي، ويقيمنا على جبله المقدس (مز1:124). نرتفع للأعالي لا تزعزعنا العواصف.

 

الآيات (4،5): "هكذا قال رب الجنود.سيجلس بعد الشيوخ والشيخات في أسواق أورشليم كل إنسان منهم عصاه بيده من كثرة الأيام. وتمتلئ أسواق المدينة من الصبيان والبنات لاعبين في أسواقها."

الأسواق: حيث تجري المعاملات بين الأفراد، وهذه الأسواق ستمتلئ شيوخاً وصبياناً= التصوير هنا يعنى البركة تسود مع الفرح، الحكمة مع الحيوية والبساطة والبراءة. فالناس تعيش في سلام إلى حد الشيخوخة. والعمر الطويل هو بركة من الرب، والأطفال يرمزون للعيش في سلام وفرح. الشيوخ يرمزون للحكمة "كونوا حكماء كالحيات" والأطفال يرمزون للبساطة "كونوا بسطاء كالحمام". إذاً الأسواق أي المعاملات بين الناس ستسودها الحكمة والبساطة، أليس هذا هو عمل الروح القدس، بأن يعيد الكنيسة إلى صورة رأسها المسيح أقنوم الحكمة (ام20:1،21).

 

آية (6): "هكذا قال رب الجنود أن يكن ذلك عجيباً في أعمالكم بقية هذا الشعب في هذه الأيام أفيكون أيضاً عجيباً في عينيّ يقول رب الجنود."

قد يبدو هذا الكلام عن وصف الكنيسة، وسط الشر السائد أيام النبي، عجيباً في نظر الناس. ولكن هل يستحيل على الرب شئ، وراجع قصة تغيير القديس موسى الأسود.

 

الآيات (7،8): "هكذا قال رب الجنود.هأنذا اخلّص شعبي من أرض المشرق ومن أرض مغرب الشمس. وآتي بهم فيسكنون في وسط أورشليم ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً بالحق والبرّ."

تدل على إيمان الأمم واليهود، وأنهم سيكونون معاً جسد الكنيسة الواحدة يكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً= هذا هو وعد الله للكنيسة (أر33:31).

 

آية (9): "هكذا قال رب الجنود لتتشدد أيديكم أيها السامعون في هذه الأيام هذا الكلام من أفواه الأنبياء الذي كان يوم أسس بيت رب الجنود لبناء الهيكل."

من أفواه الأنبياء= كانت دعوة حجي وزكريا النبيين أن تتشدد أيادي الشعب ليبنوا بيت الرب= وبيت الرب هو جسده، أي الكنيسة. فلنستمع لكلمات الكتاب المقدس ونتشدد ونقدم توبة فنثبت في ذلك الجسد. يوم أسس بيت رب الجنوب= هو يوم التجسد والفداء وحلول الروح القدس على الكنيسة يوم الخمسين. والله يعطي لشعبه قوة لتتحول الوصية لحياة معاشة وبلا يأس.

 

آية (10): "لأنه قبل هذه الأيام لم تكن للإنسان أجرة ولا للبهيمة أجرة ولا سلام لمن خرج أو دخل من قبل الضيق وأطلقت كل إنسان الرجل على قريبه."

لقد أحاط بهم الضيق، فكان الإنسان مثل الحيوان، كلاهما بلا قيمة وإن عمل شيئاً فبلا أجرة. وقد يكون المعنى المباشر أنه في بداية بناء الهيكل، كانت أيام ضيق ومضايقات من الشعوب حولهم، وكان من يعمل لا يحصل على أجرة، فلا موارد لزربابل. ولكن الله يعدهم هنا بتحسن الأحوال، فكل هذا الضيق كان بسبب خطاياهم. ولكن المعنى الروحي أن الإنسان يشير لمن يحيا في بر، والحيوان يشير لمن يسلك وراء شهواته، وكان كلاهما بعد الموت يذهب للجحيم قبل المسيح أي بلا أجرة سماوية بعد الموت عن أي برٍ عَمِل. وكانوا في ضيقهم قد قاموا على بعضهم في صراعات= أطلقت كل إنسان الرجل على قريبه= أي تركهم الرب ليعملوا كما أرادوا أعمال ظلم وتشويش، فالإنسان بدون إلتقائه بمخلصه يكون كالحيوان يعمل بلا فهم، ولا يستحق أجرة.

 

آية(11): "أما الآن فلا أكون أنا لبقية هذا الشعب كما في الأيام الأولى يقول رب الجنود."

هذا وعد تشجيع من الرب لهم، فها هو يعود لهم لأنهم رجعوا إليه (زك3:1).

 

آية (12): "بل زرع السلام الكرم يعطي ثمره والأرض تعطي غلتها والسموات تعطي نداها واملّك بقية هذا الشعب هذه كلها."

حينما يعود الرب ويرجع تكون هناك بركة، وتكون الثمار ثلاثين وستين ومائة. زرع السلام= يكون هناك ثمر وسط أيام كلها سلام. ويكون هناك ثمر للخدمة. والسموات تعطي نداها= فيض الروح القدس على الكنيسة. وأي إنسان يرجع إلى الرب ويقدم توبة يمتلئ من الروح القدس وتصير أرضه أي جسده لها ثمار وأعضاؤه آلات بر للرب.

 

آية (13): "ويكون كما أنكم كنتم لعنة بين الأمم يا بيت يهوذا ويا بيت إسرائيل كذلك أخلصكم فتكونون بركة فلا تخافوا.لتتشدد أيديكم."

الإنسان إما أن يكون بركة أو لعنة. والله لا يقبل أنصاف الحلول. ولنذكر أنهم حين تخلى الله عنهم صاروا لعنة وخربت أورشليم. وقارن مع بركة آية (12).

 

الآيات (15،14): "لأنه هكذا قال رب الجنود كما أني فكرت في أن أسيء إليكم حين أغضبني آباؤكم قال رب الجنود ولم أندم. هكذا عدت وفكرت في هذه الأيام في أن أحسن إلى أورشليم وبيت يهوذا.لا تخافوا."

هذه هي وعود الله لتشجيعهم ومرة أخرى قارن مع (زك3:1).

 

آيات (17،16): "هذه هي الأمور التي تفعلونها. ليكلم كل إنسان قريبه بالحق.اقضوا بالحق وقضاء السلام في أبوابكم. و لا يفكرن احد في السوء على قريبه في قلوبكم و لا تحبوا يمين الزور لان هذه جميعها اكرهها يقول الرب."

وسط الوعود يعود ويذكرهم بالوصية، فحب الأخوة والعلاقة معهم بالحق حب عملي تقوم عليه حياتنا مع الله. وما هو الحق؟ هو تجلي المسيح فينا.

 

الآيات (18-22): "وكان إليكم كلام رب الجنود قائلاً. هكذا قال رب الجنود.أن صوم الشهر الرابع وصوم الخامس وصوم السابع وصوم العاشر يكون لبيت يهوذا ابتهاجاً وفرحاً وأعياداً طيبة.فاحبوا الحق والسلام. هكذا قال رب الجنود سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة. وسكان واحدة يسيرون إلى أخرى قائلين لنذهب ذهابا لنترضى وجه الرب ونطلب رب الجنود.أنا أيضاً اذهب. فتاتي شعوب كثيرة وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود في أورشليم وليترضوا وجه الرب."

هنا الرد على وفد بيت إيل، وهو رد محدد، ويقول فيه الرب أنه سيحول أصوامهم لأفراح على شرط أن يحبوا الحق والسلام. ففي (19) بعد أن حل الرب في وسطهم، فحتى الصوم يصير أيام فرح. والصوم الآن ليس بكاء ونحيب على خراب حدث، بل هو توقف عن الشر وموت مع المسيح عن العالم لنتمتع بالقيامة مع المسيح، فأيام الصوم هي أيام فرح، حتى ولو صاحبها حزن على الخطية، فهذا النوع من الحزن يحوله الله لأفراح (يو22:16 + 2كو8:7-11).

أما الآيات (20-22): فهي تنظر للكنيسة وليس للشعب اليهودي أو إقامة هيكل زربابل، فإن كان الله قد سمح بعودة اليهود كأمة، وبناء أورشليم، وبناء الهيكل، فكان هذا ليأتي المسيح وسطهم (مز2:110) "يرسل الرب قضيب عزك من صهيون" هذه الآيات لم تتحقق في عودة الشعب من السبي، فكل الذين عادوا كانوا نحو 40.000 أما هنا فيقول سيأتي شعوب بعد وسكان مدن كثيرة.. وأمم قوية ليطلبوا رب الجنود. وهذا لم يتحقق إلا بإنتشار الكنيسة وسط كل العالم أنا أيضاً أذهب= هذه إن كانت بلسان النبي فهي تعني أنه حين رأي إنتشار الكنيسة إشتهى أن يكون وسطها. وإن كانت بلسان الرب فهي تعني وجوده الأبدي وسط كنيسته (مت20:28).

 

آية (23): "هكذا قال رب الجنود.في تلك الأيام يمسك عشرة رجال من جميع ألسنة الأمم يتمسكون بذيل رجل يهودي قائلين نذهب معكم لأننا سمعنا أن الله معكم."

التصوير هنا أساساً لرجل يهودي مسافر لأورشليم ليحضر عيداً. ويسمع الأمم البركات الحالة في أورشليم، فيترجونه هؤلاء الأمم أن يذهبوا معه. والرجل اليهودي= هو شخص المسيح الخارج من سبط يهوذا. والعشر رجال هم المؤمنين الذين يمثلهم في مثل السيد المسيح العذارى العشر. والرجل اليهود أيضاً هو أي مؤمن يحيا المسيح فيه ويرى غير المؤمنين البركة التي في حياته فينجذبوا للإيمان بالمسيح (مت16:5 + 1بط12:2 + 15:3)


 

الإصحاح التاسع

نأتي الآن للقسم الأخير من سفر زكريا. فالقسم الأول كان يحدثنا عن أحوال اليهود في زمان تجديد وبناء الهيكل. وفيه تحريض على العمل والإنذار والتشجيع وبه بعض الرؤى. والقسم الثاني (ص7،8) كان عن الصوم. أما هذا القسم الثالث (ص9-14). لا نجد فيه ذكر لزربابل ولا يهوشع. ولكن هذا القسم يتحدث بوضوح عن العصر الماسياني. ونبوات ضد بعض الأمم وهذه تشير طبعاً لأعداء شعب الله، ولكن أعداء شعب الله الحقيقيين هم الشياطين. والإنتصارات على الأمم هي رمز على إنتصار المسيح على إبليس. ونجد فيها أيضاً نبوات عن مجد أورشليم، وهو يشير لمجد الكنيسة.

 

الآيات (1-8): "وحي كلمة الرب في أرض حدراخ ودمشق محلّه.لأن للرب عين الإنسان وكل أسباط إسرائيل. وحماة أيضاً تتاخمها وصور وصيدون وان تكن حكيمة جداً. وقد بنت صور حصنا لنفسها وكوّمت الفضة كالتراب والذهب كطين الأسواق. هوذا السيد يمتلكها ويضرب في البحر قوّتها وهي تؤكل بالنار. ترى أشقلون فتخاف وغزة فتتوجع جداً وعقرون.لأنه يخزيها انتظارها والملك يبيد من غزة وأشقلون لا تسكن. ويسكن في أشدود زنيم واقطع كبرياء الفلسطينيين. وأنزع دماءه من فمه ورجسه من بين أسنانه فيبقى هو أيضاً لإلهنا ويكون كأمير في يهوذا وعقرون كيبوسيّ. وأحلّ حول بيتي بسبب الجيش الذاهب والآئب فلا يعبر عليهم بعد جابي الجزية.فأني الآن رأيت بعينيّ."

كان شعب الله يشعر بخوف من المدن القوية المحيطة بهم من الشمال كأرام وصور، ومن الجنوب كأشقلون وغزة وعقرون (أي فلسطين) وهذه كانت تمثل ضغطاً عليهم. لذا يحدثهم هنا عن غزو كاسح قادم عليهم غير أن قادة هذا الغزو سيرفقون بأورشليم وكل اليهود. وهذا قد تم تحقيقه تماماً في غزو وفتوحات الإسكندر الأكبر. وقد هزم الإسكندر عدداً من مدن سوريا منها حدراخ= كانت مدينة باسم حدراخ بجوار دمشق وحماة، وحدراخ قد يكون اسم ملك أرامي أو إله أرامي. والامس مشتق من حَدَر وهو اسم عام لملوك أرام. وحين سمع اليهود بسقوط مدن سوريا وقع الرعب في قلوبهم لأن الدور آت عليهم، فرفعوا عيونهم لله يطلبون العون والرب يطمئن شعبه بأنه رأى وسمع صلاتهم= للرب عين الإنسان. أي يستجيب لمن يرفع عينه له وحي كلمة الرب= هي كلمة ثقيله (وحي تعني ثقل) فهي تحمل الخراب والدمار وتسقط على دمشق بثقلها. ودمشق محله= أي دمشق محل هذه الدينونة التي يتكلم النبي عنها. وفي (2) ثم سقطت حماة وبعدها صور الغنية جداً بتجارتها والمشهورة بحكمتها وغناها حتى كانت الفضة لها كالتراب والذهب كالطين.

صور وصيدون= هما أكبر مدن فينيقية. ففينيقية كلها ستسقط.

(3) وصور كانت مدينة ساحلية وأمامها جزيرة، وهم نقلوا تجارتهم للجزيرة لأسباب دفاعية، وحينما سقطت المدينة الساحلية هدمها الإسكندر وردم بحجارتها الممر بين الساحل والجزيرة، وأسقط الجزيرة أيضاً= يضرب في البحر قوتها (4) وقد قام الإسكندر فعلاًُ بهدم وحرق صور= وهي تؤكل بالنار. وفي (5) أتي الدور الآن على فلسطين، وهي سمعت ما حدث فإرتعبت وأصبحت تنتظر خرابها في خزي. ترى أشقلون= ترى سقوط صور فتخاف لأن صور أكثر تحصيناً. يخزيها إنتظارها= أشقلون كانت تتوقع وتنتظر أن صور توقف زحف الإسكندر لكها خزيت إذ سقطت صور. وفي "(6) يسكن في أشدود زنيم= أي أن الإسكندر سيمتلك أشدود. وكلمة زنيم تعني ابن زنى، وهو الإسكندر نفسه، الذي اعترفت أمه بأنها ولدته من زنا، لكنها إدعت أنها ولدته من جوبيتر إله آلهة الرومان. وفي (7) أكل اللحم مع الدم حرام عند اليهود، لكنه هو عادة وثنية، وكانت هذه عادة الفلسطينيين. والمقصود أن الله سينزع من هذه الأمم خطاياهم وقساوتهم وعباداتهم الوثنية التي فيها يأكلون الدماء وهذه نبوة بأن تأديب الفلسطينيين بيد الإسكندر سينزع عنهم وثنيتهم وأنهم سيندمجوا في شعب إسرائيل كما إنضم اليبوسيون لهم (ومنهم أرونة اليبوسي) والتاريخ يؤيد أن هذا قد حدث، ولكن الآيات تنظر لدخول الأمم مستقبلاً للكنيسة. وقد آمن بالرب يسوع فعلاً هذه الشعوب أو كثير منها على الأقل. ومن فلسطين آمن أيضاً بقية. ومن آمن أصبح كأمير في يهوذا= هذه تشبه أجعلكم ملوكاً وكهنة في الكنيسة، فيهوذا إشارة للكنيسة. وشعب الله المؤمن هو أمراء وملوك إذ لا سلطان لإبليس ولا للخطية عليه. وعقرون كيبوسي عقرون من فلسطين واليبوسيون هم أهل أورشليم الأصليين، وأخذها منهم داود (2صم16:24). وهناك من سكانها من صار من أهل اليهود مثل أرونة اليبوسي. فكل من يؤمن ينضم لشعب الله ويكون الكل واحداً في المسيح.

وفي (8) نبوة بأن الله وسط حروب الإسكندر سيحمي شعبه= وأحل حول بيتي. وقد حدث هذا فعلاً فلم يضر الإسكندر اليهود لا وهو ذاهب ولا وهو آئب، بينما أذل باقي الشعوب. وحينما قابله رئيس الكهنة لابساً عمامته المكتوب عليها، على صفيحة ذهبية، قدس للرب. سجد الإسكندر له وحينما سألوه عن سبب تصرفه، قال أنه رأى هذا في حلم، وبالذات منظر الصفيحة المنقوش عليها اسم الله. ودخل الإسكندر لأورشليم وقدم ذبائح للرب. وكان يعبر على أورشليم في غزواته دون أن يجمع منها جزية أو يضطهدها. أني الآن رأيت بعيني= هذه قد تعني أن الله ينظر نظرة عطف على حال شعبه وسيتحنن عليه (مز18:33). وقد تعنى أن النبي قد رأى كل شئ مسبقاً، فكل ما كان، كان مرتباً بعناية الله.

 

الآيات (9-12): "ابتهجي جداً يا ابنة صهيون إهتفي يا بنت أورشليم.هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان. وأقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب.ويتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. وأنت أيضاً فأني بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء. إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء.اليوم أيضاً أصرّح أني أرد عليك ضعفين."

ينتقل الآن النبي لذكر ملك أعظم من الإسكندر، وسيدخل أورشليم ليس على مركبة حربية كالعظماء من ملوك العالم بل وديعاً على حمار وجحش إبن أتان وهو عادل ومنصور= ليس كملوك الأرض يظلمون، وهو دائماً منتصر. فهو انتصر على الشيطان في معركته التي قدم نفسه فيها ذبيحة، ليستوفي عدل الله وبذلك ملك على قلوب عبيده. ولئلا يظن أحد أن المقصود هو الخلاص في العصر المقدوني إنتقل للمسيح المخلص الذي يأتي وديعاً كأفقر الناس. وبمجيء المسيح فلتبتهج صهيون وتهتف بنت أورشليم= وهذا ما حدث عند دخول المسيح لأورشليم إذ إبتهجت صهيون، وسبحت الكنيسة بنت أورشليم. وكلمة صهيون تعنى ملاحظ الوصايا ومنفذها، وأورشليم تعنى رؤية السلام. إذاً من يبتهج هو من يلاحظ الوصايا ويرى السلام الذي سيعطيه المسيح. وفي (10) وأقطع المركبة من أفرايم= أي شعب المسيح لن يعودوا يتكلون على الجيوش والسلاح أو قوة ذراعهم بل على الرب. وإذ يدخل الرب القلب يحل السلام بنزع قوس الحرب. ويكون المؤمنون من البحر للبحر= البحر ماؤه مالح ويقتل من يشربه، والبحر يشير للأمم الذين كانوا بدون الله كمن يشرب من البحر. ومن البحر للبحر تعنى كل الأمم في كل العالم الوثني. ومن النهر إلى أقاصي الأرض= فاليهود كان لهم الناموس والأنبياء، لذلك كانوا يشربون من النهر، والمؤمنون إذاً يشملون من كانوا يشربون من هذا النهر أي اليهود والأمم الذين هم في أقاصي الأرض.

وفي (11) كان الفلاحين اليهود يحفرون في الصخور جباً ليمتلئ بماء المطر وحين ينقطع المطر يصبح هذا الجب جافاً، وكان يتحول الجب عادة لمكان للهرب من الأعداء وقت الحروب، طبعاً في حالة جفاف هذا الجب. وكانوا يلقون في هذه الجباب المجرمين حتى يموتوا، وقد فعلوا هذا مع أرمياء النبي. وكأن النبي يرى الشعب هارباً في هذه الجباب، وهذه الجباب تشير للجحيم الذي بلا ماء الحياة الأبدية، محكوماً على كل من فيه بالموت والهلاك، إلى أن أتى المسيح فخلص الأبرار من هذا الجب (الجحيم). ومن المعروف أنه قبل المسيح كان كلا الأبرار والأشرار يذهبون إلى الجحيم، لكن الأبرار كان لهم رجاء في الخلاص بالمسيح لذلك يسميهم هنا أسرى الرجاء (12). وكان الشيطان يقبض على أرواح كل المنتقلين ويأخذهم للجحيم، أي يذهب بهم للجب فيكونوا أسرى إبليس. كان هذا حتى جاء المسيح الذي قال "رئيس هذا العالم يأتي (وقت موت المسيح) وليس له فىّ شئ (أي سيجدني بلا خطية، وطالما لست مديوناً له فلن يستطيع أن يأخذني لهذا الجب) (يو30:14). بل أن المسيح هو الذي قبض عليه وقيده 1000سنة، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب لينقذ كل الأبرار، ويحرر أسرى الرجاء (أف9:4 + 1بط19:3). لقد كان الجميع يذهبون أسرى لإبليس إذ ليس أحد بلا خطية حتى جاء المسيح الذي قال عن نفسه من "منكم يبكتني على خطية". بدم عهدك أطلقت أسراك= في العهد القديم كان الدم هو دم الذبائح الحيوانية، وهذا لم ينقذ أحد من الجحيم، ولكن في العهد الجديد فإن دم المسيح أطلقنا من أسر إبليس من الجب الذي ليس فيه ماء= لذلك طلب الغني من إبراهيم أن يرسل له لعازر ليبلل شفتيه بالماء. أما السماء فهي مكان نهر صافي من ماء الحياة (رؤ1:22)

وفي (12) كانوا في الجب وذلك في العهد القديم لكن كان لهم رجاء فهم أسرى الرجاء، وهؤلاء أطلقهم المسيح. وهنا دعوة لهؤلاء المفديين أن يرجعوا إلى الحصن ومن هو الحصن الذي نلجأ إليه ونحتمي سوى المسيح. ومن يثبت فيه فله مكافأة ضعفين= والضعفين هي إشارة لنصيب البكر، ونحن في المسيح صرنا أبكاراً. وأيوب إسترد ما فقده مضاعفاً، فهو في آلامه كان رمزاً للمسيح.

 

الآيات (13-17): "لأني أوترت يهوذا لنفسي وملأت القوس إفرايم وأنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان وجعلتك كسيف جبّار. ويرى الرب فوقهم وسهمه يخرج كالبرق والسيد الرب ينفخ في البوق ويسير في زوابع الجنوب. رب الجنود يحامي عنهم فيأكلون ويدوسون حجارة المقلاع ويشربون ويضجون كما من الخمر ويمتلئون كالمنضح وكزوايا المذبح. ويخلصهم الرب إلههم في ذلك اليوم كقطيع شعبه بل كحجارة التاج مرفوعة على أرضه. ما أجوده وما أجمله.الحنطة تنمي الفتيان والمسطار العذارى."

أوترت يهوذا.. وملأت القوس أفرايم= هذه نبوة بما حدث بعد ذلك. فمن جاء بعد الإسكندر إضطهد اليهود جداً. ولكن الرب دبر قيام المكابيين لهزيمة اليونانيين (في القرن الثاني قبل الميلاد). فهذه الآيات إشارة لانتصارات المكابيين، والتصوير هنا أن يهوذا مشبه بقوس وإفرايم بسهام، وهذه يستعملها الله في حربه ضد اليونان. ولكن لماذا أتت هذه الآيات بعد الأخبار المفرحة السابقة والتي تحدثت عن الخلاص؟ والسبب بسيط أنه بالصليب لم تنتهي المعركة مع إبليس، فما زال إبليس يحارب شعب الله ولذلك قيل عن المسيح أنه خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ2:6) وهو يغلب بواسطتنا، فنحن في يده، كقوس وسهام، أوترنا لنفسه ليضرب بنا الشيطان. نحن الآن كسيف في يد المسيح الجبار ضد إبليس. وبهذا نستطيع أن نضع تصور لهذا الإصحاح بتقسيمه كالتالي.

1.     الشعب في حالة ذعر من دمشق وفلسطين.. الخ = الشعب في حالة ذعر من الشياطين.

2.     نبوة بهزيمة هذه الأمم بواسطة الإسكندر = هزيمة الشياطين بواسطة المسيح.

3.     نبوة واضحة عن المسيح الذي يملك بوداعته وصليبه على اليهود والأمم.

4.     استمرار المعارك مع الشيطان ولكن بوعد أن نغلب = حروب المكابيين.

أنهضت أبناءك يا صهيون على بنيك يا ياوان= هذه تساوي "أعطيتكم سلطاناً أن تدوسوا على الحيات والعقارب. الله أعطى للمؤمنين سلطاناً على إبليس.

وفي (114) يرى الرب فوقهم= أي قائدهم المحارب عنهم. سهمه يخرج كالبرق=لآ هو ينير لأولاده ويصرع أعدائه وينفخ في البوق= كان النفخ في البوق وظيفة الكهنة في الأعياد وأيضاً في الحروب للتنبيه ضد الخطر القادم. والله الآن بروحه القدوس ينذرنا بأننا مازلنا في حرب حتى ننتبه ونغلب به وهو يسير في زوابع الجنوب= وهذه تكون ساخنة (رمز للحرارة الروحية). وهرب الحارين بالروح ضد إبليس حرب رهيبة وبقوة مثل زوابع الجنوب الشديدة جداً (هي تأتي من بلاد العرب الحارة جداً). وفي (15) لأن رب الجنود يحامي عنهم فهم أصبحوا يأكلون= كأسد لا ينام أن لم يأكل فريسته. ويدوسون حجارة المقلاع= فإن الشيطان لن يكف عن أن يرسل ضرباته وتجاربه ويرسل ألاماً شديدة ضد شعب الله، وهذه كحجارة المقلاع.ولكن النصرة في المفهوم المسيحي ليس أن يتخلص المؤمن من التجربة، بل أن يدوسها، يدوس الآلام أي لا ترهبه ولا تفقده فرحه أو سلامه. والله يستخدم الشياطين (أو اليونانيين بالنسبة لليهود) كحجارة المقلاع يصوبها الله ضد شعبه لتأديبهم، وبعد رجوعهم إليه يرجع لهم ويعطيهم أن يدوسوا هذه الحجارة، فهذا وعد المسيح "تدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو" ولنطمئن فإن الشياطين ما هم إلا حجارة مقلاع ولكن المقلاع نفسه في يد الله،هو الذي يسمح بالألم، وبقدر يحدده هو، ولصالح أولاده، كما حدث في قصتي أيوب وبولس الذي ضربه ملاك الشيطان (راجع أي12:1 + أي6:2 + 2كو7:12). ولم يعد لنا سلطان فقط على إبليس بل صار في الإنتصار عليه فرح. فالمؤمنين يفرحون بالنصرة عليه. وهذا يصوره هنا بأن الشيطان صار فريسة للمؤمنين يأكلونها= ويأكلون. والفرحة يعبر عنها كمن يشرب كأس الإنتصار= ويشربون ويضجون= يشرب الشعب المنتصر كأس الفرح والبهجة لنصرته على أعدائه الشياطين. ويمتلئون كالمنضح= المنضح هو الوعاء الذي يملأونه من دم الذبيحة ويسكبونه على زوايا المذبح= هنا نرى إبليس وقد صار كذبيحة يملأون المنضح من دمه ويسكبونه على المذبح. سر الفرح هو هزيمة إبليس. ويضجون= أي يسبحون، وهذا هو عمل المؤمنين. فما يعطل المؤمن عن التسبيح هو عبوديته لإبليس (مز1:137-4) ولكن الآن هو قد تحرر منه، بل إفترسه، فإنطلق يسبح. ومن كثرة المسبحين= يضجون.

ولكن كلمة يأكلون ويشربون= قد تشير للتناول كسر فرح المؤمنين، خصوصاً إذا قارناها بأية (17) الحنطة تنمي الفتيان والمسطار العذارى= فالتناول هو سر نمو وفرح وتسبيح. وفي (16) كقطيع شعبه= وهو الراعي الذي يفرح بقطيعه كما لو كانوا حجارة تاج لهم قيمتهم الثمينة ومحروسون بحراسة قوية مرفوعة على أرضه= كما يرفع العلم الملكي علامة الانتصار ويراه الجميع ويمجدوا الرب. ما أجمله وما أجوده (17)= هذا قول الرب حين ينظر شعبه بجمال قداسته، وهم فرحين بانتصارهم على إبليس. وهذه هي تسبحة الشعب في هيكل الرب وهم ناظرين جماله، يشبعون روحياً من جسده ودمه. عموماً جمال الشعب هو في كونه أصبح عروساً للمسيح "أنا سوداء وجميلة" (نش5:1).


 

الإصحاح العاشر

الآيات (1،2): "اطلبوا من الرب المطر في أوان المطر المتأخر فيصنع الرب بروقاً ويعطيهم مطر الوبل. لكل إنسان عشباً في الحقل. لأن الترافيم قد تكلموا بالباطل والعرافون رأوا الكذب وأخبروا بأحلام كذب. يعزّون بالباطل. لذلك رحلوا كغنم. ذلوا إذ ليس راعٍ."

وعد الرب شعبه بالبركات، وهنا يذكرهم بأن يطلبوها منه هو وليس من أي أحد آخر، وهنا يطلب منهم أن لا يطلبوا من الترافيم= وهذه تماثيل على صورة الإنسان يقيمونها في البيوت لتحرسها ويستشيرونها في كل تصرف. والمطر المتأخر= هو الذي يسقط قبل تمام نضج المحصول فيساعد على نضجه أما المطر المبكر فيسقط بعد البذار فيساعد على تفتحها. والمطر يشير للروح القدس الذي سكبه الله على البشر يوم الخمسين بفيض= ويعطيهم مطر الوبل أي المطر الغزير (يؤ28:2). ولاحظ أهمية الصلاة حتى ينكسب الروح القدس ويملأ الكنيسة ويملأ النفس فيكون لها ثمار= أطلبوا من الرب (لو13:11") عشباً في الحقل= إشارة للثمار. وكل من يستشير أحد غير الله يضل، فهم أي الشياطين يعزون بالباطل= [1] يعطون لمن يمشي وراءهم لذات عالمية وهذه باطلة. [2] يعطون وعوداً كاذبة بالسلام مع وجود الخطية كما يفعل الأنبياء الكذبة. وهذا وذاك باطل ومن يخدع بهما يتشتت بعيداً. لذلك رحلوا كغنم، أي شعب الله الذين ضلوا وراء خداعات الشياطين. والنتيجة= ذلوا فالمسيح وحده يعطي بسخاء ولا يعير أما الشيطان فيعطي لذات للجسد ثم يذل الإنسان الذي أخذ منه وترك المسيح الراعي الصالح= إذ ليس راعٍ.

 

آية (3): "على الرعاة إشتعل غضبي فعاقبت الأعتدة.لأن رب الجنود قد تعهد قطيعه بيت يهوذا وجعلهم كفرس جلاله في القتال."

يبدأ الله بعقاب الأعتدة= والكلمة مترجمة عظماء في (أش9:14). إذن قد يكونوا هم رؤساء الأمة أو رعاتها وولاتها أو الأنبياء الكذبة أو هم الشياطين الأقوياء الذين أذلوا شعب الله، وخدعوا أعتدة الشعب من الرعاة فصاروا على شاكلتهم. والله حين وجد الرعاة قد إنحرفوا تعهد هو قطيعه= لذلك قال السيد المسيح "كل من جاءوا قبلي هم سراق ولصوص. فهو الراعي الحقيقي الذي قدم ذاته عن خرافه. وجعلهم كفرس جلاله= فالمؤمنون هم الفرس الأبيض الذي يركبه ويقوده المسيح (رؤ1:6،2). هم كفرس في مركبات فرعون (نش9:1). فبعد أن كانوا كغنم مشتتة حولهم لخيل قتال يقودهم في معركة النصرة.

 

الآيات (4،5): "منه الزاوية منه الوتد منه قوس القتال منه يخرج كل ظالم جميعاً. ويكونون كالجبابرة الدائسين طين الأسواق في القتال ويحاربون لأن الرب معهم والراكبون الخيل يخزون."

منه الزاوية ومنه الوتد= المسيح هو حجر الزاوية الذي يسند البناء (كنيسته). وهو الوتد الذي إتكال الجميع عليه. والوتد هو الخطاف الذي يثبت في جدار البيت وتعلق عليه أواني المنزل أو أدوات الحرب عادة. إذاً لفظ الوتد يوحي هنا بشئ جدير بأن يُعوّل عليه. منه قوس القتال= أي القوة لمقاومة الشر والشرير إبليس. ومنه يخرج كل ظالم= تفهم أن الله سيطرد كل ظالم من أمامه، أو لو كان هناك ظالم لشعبه مثل إبليس فهو بسماح منه وذلك لتأديب شعبه فهو ضابط الكل مصدر كل قوة ومدبر كل الأشياء. ويكونون كالجبابرة= هذه تشبه "أنت مرهبة كجيش بألوية" فنحن بالمسيح نصير جبابرة ندوس طين العالم= أي نعتبر العالم بأمجاده الفانية كنفاية وطين، لأن عيوننا تنظر للسماء. والراكبون الخيل= هناك فرق بين راكب الخيل والفارس، لأن المسيح هو الفارس، والخيل هي نحن المؤمنين (رؤ2:6). نحن فرس القتال (آية3) أما راكب الخيل فهو الذي يعتمد على قوته البشرية ليحارب وهذا سوف يخزى، والله لا يحب هذا النوع (مز10:147).

 

آية (6): " وأقوي بيت يهوذا وأخلّص بيت يوسف وأرجعهم لأني قد رحمتهم ويكونون كأني لم أرفضهم لأني أنا الرب إلههم فأجيبهم."

بيت يهوذا وبيت يوسف= هؤلاء هم العائدين من السبي، إشارة لمن حررهم المسيح. ويهوذا وإسرائيل كانا مملكتين متحاربتين وبعد السبي عادا أمة واحدة، وفي المسيح يجتمع الجميع في وحدة. والمسيح خرج بالجسد من بيت يهوذا وقدم نفسه غذاء للعالم كما فعل يوسف، وبهذا وحد الجميع في جسد واحد وماذا يعطي المسيح لهذا الجسد، قوة= وأقوى وخلاص = أخلص وميراث سماوي = وأرجعهم. فنحن بالخطية صرنا ضعفاء، معرضين للسقوط، والمسيح أعطانا قوة، فلم يعد للخطية سلطان علينا (رو14:6). وأعطانا الخلاص فما فقدناه من أمجاد وميراث سماوي أرجعه لنا المسيح ثانية.

 

آية (7): "ويكون إفرايم كجبار ويفرح قلبهم كأنه بالخمر وينظر بنوهم فيفرحون ويبتهج قلبهم بالرب."

كان أفرايم أقوى أسباط إسرائيل والمحرض على الشر. ولكن قوة دم المسيح غيرت طبيعته؟ "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو17:5) ولاحظ تكرار كلمة الفرح، فالفرح صار سمة الخليقة الجديدة (في4:4).

 

آية (8): "أصفر لهم واجمعهم لأني قد فديتهم ويكثرون كما كثروا."

أصفر لهم= كما يصفر إنسان ليجمع نحله، وكما يصفر الرعاة ليجمعوا قطعان الغنم هكذا يفعل المسيح ليجمع خرافه فهو الراعي الصالح، وخرافه تسمع صوته وتعرفه (يو3:10-5). والصفير قد يكون صوت التلاميذ الذين خرجوا ليكرزوا بالإنجيل ليجمعوا الشعوب الذين فداهم الرب. ويكثرون= نبوة عن كثرة المؤمنين.

 

آية (9): "وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة ويحيون مع بنيهم ويرجعون."

أزرعهم بين الشعوب= كأن المؤمنين والرسل بذار ألقيت في العالم وأتت بمحصول. والشهداء كانوا بذار أيضاً. وبنيهم= أولادهم الروحيين الذين آمنوا بكرازتهم.

 

آية (10): "وأرجعهم من أرض مصر وأجمعهم من أشور وآتي بهم إلى أرض جلعاد ولبنان ولا يوجد لهم مكان."

أرض مصر وأرض أشور= هي أرض العبودية وأرض التشتت وهذه ردنا منها المسيح حين حررنا وجمعنا فيه. أرض جلعاد= أرض مراعي فنحن غنم رعيته وهو يرعانا في مراعٍ خضراء. ولبنان= إشارة لدخول الكثيرين فتمتد الأرض لتشمل لبنان. ولكن لبنان تشير للجمال والسمو، بجبالها العالية الخضراء. وهذه سمات الحياة مع المسيح. ولا يوجد لهم مكان= من الكثرة فهم سيمتدون شرقاً وغرباً.

 

آية (11): "ويعبر في بحر الضيق ويضرب اللجج في البحر وتجف كل أعماق النهر وتخفض كبرياء أشور ويزول قضيب مصر."

يعبر في بحر الضيق= "في العالم سيكون لكم ضيق" وسيقابل المؤمنين إضطهادات وضيقات، ولكن الله سيذلل كل شئ كما شق البحر الأحمر وجفف الأردن من قبل= ويضرب في اللجج= الله يضرب في الضيقات كما شق البحر الأحمر. وتجف كل أعماق النهر= إشارة لنهر الأردن والمعنى أن الله سيزيل كل المعوقات. ولن تقوى محاربات إبليس أي مصر وأشور على وقف عمل الله فينخفض كبرياؤهما لفشلهما في مقاومة الله وشعبه.

 

آية (12): "وأقويهم بالرب فيسلكون بأسمه يقول الرب."

وأقويهم بالرب= سيرسل روحه القدوس ليقويهم فيتكلوا على الرب وحده يسلكون بأسمه= مسلك المؤمنون سيكون بمتقضى مشيئة الله.


 

الإصحاح الحادي عشر

ينتقل النبي من عصر إنتصارات المكابيين بذراع الله للعصر الروماني الذي ظهر فيه المسيا واهب النصر، لكن اليهود رفضوه كراعٍ لهم، وإتهموه بأنه خائن ضد الوطن وضد قيصر، ومضلل ونبي كذاب وقالوا "ليس لنا ملك إلا قيصر" ثم سلموه بثلاثين من الفضة (بشاعة الخيانة). ومازال حالهم هكذا حتى الآن لذلك وفي آخر الأيام سينتهي بهم الأمر بقبول ضد المسيح راعياً لهم. هذا هو موضوع هذا الإصحاح وهذا الإصحاح يأتي بعد إصحاح (10) الذي يعد الله فيه اليهود بالبركات. كأن الله يقول لهم أن المسيح آتٍ ليهبكم بركات ولكنكم سترفضونه فتخربون بيد الرومان ولاستمرار رفضكم الإيمان بالمسيح ستقبلون ضد المسيح وسيكون هذا خراباً للعالم كله.

 

الآيات (1-6): "افتح أبوابك يا لبنان فتأكل النار أرزك. ولول يا سرو لأن الأرز سقط لأن الأعزاء قد خربوا.ولول يا بلوط باشان لأن الوعر المنيع قد هبط. صوت ولولة الرعاة لأن فخرهم خرب.صوت زمجرة الأشبال لأن كبرياء الأردن خربت. هكذا قال الرب الهي إرع غنم الذبح. الذين يذبحهم مالكوهم ولا يأثمون وبائعوهم يقولون مبارك الرب قد أستغنيت.ورعاتهم لا يشفقون عليهم. لأني لا أشفق بعد على سكان الأرض يقول الرب بل هانذا مسلّم الإنسان كل رجل ليد قريبه وليد ملكه فيضربون الأرض ولا أنقذ من يدهم."

هي نبوة بخراب أورشليم بيد الرومان حين قتل الرومان أكثر من مليون يهودي. والآيات (1-3) هي رثاء للهيكل المصنوع من أخشاب الأرز والسرو والبلوط (كان الهيكل مشغى بهذه الأخشاب). ويستخدم هنا اسم لبنان كناية عن إسرائيل [1] أورشليم بالذات لجمالها ولهيكلها المغشى بالخشب مشبهة بلبنان المشهور بجماله [2] الله لا يريد الآن أن يقول صراحة أن إسرائيل وهيكلها سيتم تدميرهما ثانية، وهم الآن يبنون الهيكل ويبنون أورشليم، فلو فهموا تماماً المقصود من النبوة ما بنوا شيئاً. لذلك استخدم الله اسم شفري وهو لبنان بينما المقصود هو إسرائيل. إفتح أبوابك يا لبنان= فالغزو الروماني أتى عن طريق لبنان، كانت لبنان هي الطريق التي يدخل منها العدو لأورشليم الجميلة كلبنان ليحرقها ويخربها. وقد يشير الأرز والسرو والبلوط= للجماعات اليهودية الرافضة للمسيح. وقد تشير للخطايا. فالأرز يشير للكبرياء (لعلوه) (أش12:2،13). والسرو يشير للخاضعين للعظماء والمتكبرين (لحكماء في أعين أنفسهم) وسالكين في تيارهم، فالسرو شجر هزيل سهل الإحتراق. وبلوط باشان= هم من يستخدمون قوتهم في عنف ضد الأبرياء. لأن الوعر المنيع قد هبط = هي إشارة للهيكل المستخدم فيه كل أنواع الخشب فصار كغابة (وعر) والهيكل تم هدمه = قد هبط ولول يا سرو لأن الأرز سقط= الأرز لقيمته الغالية الثمينة يستخدم في الأماكن المقدسة من الهيكل، فإن كان العدو قد وصل لهذه الأماكن وأحرقها، فمن المؤكد أنهم سيحرقون الأماكن الخارجية المغشاة بالسرو والبلوط. لأن الوعر المنيع قد هبط= الهيكل كان منيعاً طالما كان في حماية الله، ولكن إذ غادره الله وفارقه (حز18:10،19 + 23:11) لم يعد منيعاً، فأمكن هدمه وإحراقه. وتفهم الآيات أنه إذا كان العظماء (كالأرز) والأقوياء كالبلوط هلكوا، فليولول الضعفاء الذين كالسرو فتأكل النار أرزك= إذاً هي ضربة جماعية وفيها وصف لخراب أورشليم وأمة اليهود وهيكلهم. بل أن هذا تحقق حرفياً، فلقد استخدم الأعداء الأشجار التي كانوا يقتلعونها ليحرقوا بها المدن. ولماذا سمح الله بهذا لأنهم صاروا كالوعر= أي غابات بلا ثمر، فالشعب اليهودي إذ رفض الله صاروا بلا ثمر.

وفي (3) صوت ولولة الرعاة= أي الكهنة. لأن فخرهم خرب= أي الهيكل الذي أحترق صوت زمجرة الأشبال= المفروض أن يكونوا رعاة. فصاروا أشبال يلتهمون خراف القطيع. وكانوا سابقاً يزمجرون ضد القطيع المسكين وهم ينهبونهم، كانوا سابقاً يزمجرون في كبريائهم، ولكنهم الآن يزمجرون من الرعب لأن كبرياء الأردن خربت أي خربت أورشليم التي كانت كغابات على شاطئ الأردن، ولكن كان رعاتها كسباع ربضت فيها (غابات إما لأن عظماءها مشبهين هنا بأشجار غير مثمرة أو لأن هيكلها مغطى هو وقصور عظمائها بأخشاب الغابات). كانوا كسباع في أيام عزهم. في (4) هنا يطلب الرب من النبي أن يقوم بدور المسيح كراعٍ للشعب أي كرمز له. وكان الشعب وقت المسيح قد فسدوا جداً بسبب محبتهم للعالم ورياء قادتهم ولم يريدوا أن يشفوا. ولذلك تركهم الرب للخراب والدمار ولذلك يسميهم هنا غنم الذبح. ويبدو أن النبي قد حقق هذا بأن قام فعلاً برعاية قطيع للغنم لحساب أحد التجار. آية (5) يصور هنا حالة البؤس التي وصلت لها الأمة اليهودية تحت ظلم رؤسائها، فنجد أن رؤساء الكهنة والشيوخ وهم المالكين للغنم يلتهمون بيوتهم، فم ذبحوا الغنم وباعوها لمصلحتهم ولا يأثمون= أي أنهم ظنوا أنه لا ضرر في ذلك وأن الله لن يحاسبهم على ذلك. بل كان رعاتهم حين يظلمونهم وينهبونهم يظنون أن هذا حقهم الشرعي المرتب لهم من قبل الله فيقولون مبارك الرب لقد استغنيت= كأن الله صار نصيراً لهم في مظالمهم. ولقد   ضلل رعاة اليهود شعبهم وأقنعوهم برفض المسيح وصلبه، لذلك هم جعلوهم كغنم للذبح من يذبحهم ويعاقبهم (أي الرومان) لا يأثم بهذا. وهؤلاء الرعاة جعلوا شعبهم كغنم للذبح إذ أهملوا رعايتهم روحياً. وفي (6) لا أشفق بعد= لقد رفضوا الراعي الحقيقي الصالح فأسلمهم الرب لرعاة لا تشفق عليهم. وهنا يسميهم الله سكان الأرض= فهم تركوا السمائي أي المسيح وأسلمهم ليد الظالمين= ها أنذا مسلم الإنسان كل رجل ليد صاحبه= وهذا حدث قبل أن يسقطوا في يد الرومان، ففي أثناء الحصار، كانوا داخل أورشليم عدة جيوش متحاربة مع بعضهم، وكانت فترة رهيبة من التشويش والإضطرابات، بلا راعٍ وبلا ملك، فهم قد رفضوا الراعي الحقيقي. ويسلمهم الله ليد ملكه= أي لإمبراطور روما.

 

آية (7): فرعيت غنم الذبح. لكنهم أذل الغنم. وأخذت لنفسي عصوين فسميت الواحدة نعمة وسميت الأخرى حبالاً ورعيت الغنم."

فرعيت غنم الذبح= هنا النبي يقوم بدور راعٍ لقطيع من الغنم رمزاً للمسيح الذي قام برعاية قطيع صغير من الذين قبلوه. لكنهم أذل الغنم= كان من قَبِل المسيح مثل التلاميذ هم من أفقر الناس "إختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء" (1كو27:1) عصوين= كان من عادة الرعاة أن يستعملوا عصوين، واحدة لطرد الوحوش التي تهاجم القطيع والأخرى لقيادة القطيع حتى لا ينحرف عن الطريق (يسميهما داود عصاك وعكازك مز23) وأسماها نعمة= جمال. (هذا يشير لأن الله أعطى شعبه اليهودي نعمة وبركة) وحبال= إتحاد (وهذا يشير لأن الله سمح بإتحاد بين الشعبين يهوذا وإسرائيل ثانية) والمسيح راعينا يقودنا بنعمته في مراعيه السماوية ننعم بجماله ويقودنا للإتحاد به ويربطنا فيه بروح الحب الإلهي.

 

آية (8): "وأبدت الرعاة الثلاثة في شهر واحد وضاقت نفسي بهم وكرهتني أيضاً نفسهم."

وأبدت الرعاة الثلاثة= يبدو أن النبي حين تسلم الرعاية كان هناك ثلاثة رعاة، وقام هو بفصلهم غالباً لعدم أمانتهم. وهذا يدل على رعاية المسيح الحقيقية لشعبه فهو يهتم بطرد الرعاة غير الأمناء. وكلمة أبدت= تعني فصلت أو طردت. وإذا فهمنا أن النبي يقوم بدور المسيح، فالمعنى يصبح أن المسيح أبطل وظائف الرعاية اليهودية، فهو جاء كراعٍ حقيقي لهم، ولأنهم كانوا سراق ولصوص (يو8:10). ويشير الثلاثة رعاة بهذا لطوائف كهنة اليهود. وقد يكون فعلاً في أيام أورشليم الأخيرة قبل خرابها بيد تيطس ثلاث رعاة وبنهايتهم إنتهى الكهنوت اليهودي وقد تم فعلاً عند صلب المسيح شق حجاب الهيكل. وشهر واحد= هي مدة قصيرة تشير لمدة خدمة المسيح. وهم كرهوا المسيح، وهو أيضاً ضاقت نفسه منهم فلم يعد لرعايتهم. ويبدو أن ما حدث مع زكريا أنه إكتشف عدم أمانتهم وكراهيتهم فضاق هو بهم وهم كرهوه فطردهم.

 

آية (9): "فقلت لا أرعاكم. من يمت فليمت ومن يبد فليبد والبقية فليأكل بعضها لحم بعض."

فقلت لا أرعاكم= ونتيجة عدم الرعاية فهو لن يشفيهم، بل سيعاقبهم ومن يمت فليمت، أي من أصر على رفضه للمسيح سيعرض نفسه للموت ويكون هو المسئول عن نفسه. هذه تشبه "من نجس فليتنجس بعد" (رؤ11:22).

 

الآيات (10-14): "فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لانقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط. فنقض في ذلك اليوم وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي أنها كلمة الرب. فقلت لهم أن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا.فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب إلقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به.فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب. ثم قصفت عصاي الأخرى حبالاً لأنقض الإخاء بين يهوذا وإسرائيل."

قد يكون هذا المشهد تم في الهيكل بين النبي كممثل لله. وهو يقوم بدور الراعي وبين من تقلدوا الخدمة الكهنوتية بعد يهوشع. وهناك تصور لما حدث، فبعد أن طرد النبي الرعاة الثلاثة يبدو أنه قد رُفِض من التجار أصحاب الغنم. وهؤلاء يبدو أنهم كانوا أصحاب للكهنة، فذهب لهم في الهيكل. وقصف عصاه نعمة= علامة رفضه في أن يستمر في رعاية القطيع، وكرمز للمسيح تكون علامة لقطع نعمته ورحمته وعنايته عن اليهود وبذلك تجردت الأمة اليهودية من أمجادها (مت43:21). وفي (11) فنقض في ذلك اليوم= أي يوم رفض المسيح نقض العهد بين الله والأمة اليهودية عَلِم أذل الغنم= هم قطيع المسيح الصغير "لا تخافوا أيها القطيع الصغير فإن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت" بعد أن حرم اليهود منه. وشعب المسيح وهم أذل الغنم فهموا أن اليهود قد رفضوا، أما اليهود أنفسهم فلم يفهموا بعد. وفي (12) حينما حدث الخلاف بين النبي والتجار وذهب للهيكل فهو طلب منهم أن يقيموه كراعٍ خدم قطيعهم، فاستهتروا بالنبي وقيموه بثلاثين من الفضة= ثمن العبد كأنهم يقولون له، خدماتك لنا كانت بلا قيمة، وهكذا قيموا الرجل الذي خدمهم بأمانة، وكان قلبه يبكي لأجلهم، وهو طرد الرعاة الثلاثة لمصلحتهم.و بنفس هذا المبلغ قيموا المسيح الذي أخلى ذاته أخذاً صورة عبد من أجلهم، وجاء ليطرد لهم رعاتهم غير الأمناء الذين نهبوهم، ولكنهم أهانوا المسيح الذي بكي لأجلهم وفي (13) إلقها إلى الفخاري= الله يأمر النبي أن يلقي هذا الثمن المهين في حقل. الثمن الكريم= هي كلمة تهكم على الثمن الذي قيموا به النبي، والذي سيقيموا به المسيح بعد ذلك. وقد يكون فيه إشارة أنه ثمن لدمٍ كريم (1بط19:1). وواضح طبعاً التطابق مع ما حدث مع المسيح ووضوح النبوة. وقد قام زكريا النبي بإلقاء الثلاثين من الفضة للفخاري في الهيكل. ولاحظ أن الفخاري يتعامل مع الطين وهذا هو طبيعة قلبهم الترابي. وبالنسبة لما حدث مع المسيح فإنهم بهذا الثمن أي الثلاثين من الفضة أي ثمن دم المسيح اشتروا حقلاً (حقل الدم) لدفن الغرباء (مت7:27). وهذا يشير لقبول الأمم حيث ندفن مع المسيح بثمن دمه لنقوم معه. وفي (14) قصفت العصا حبالاً= أي نتيجة عملهم أصبح لا وحدة بينهم وبين بعضهم ولا بينهم وبين الله، وهذا يشير لتشتتهم في كل أنحاء الأرض بعد صلبهم للرب ولاحظ أن المسيح أتى ليجعلنا واحداً ومن يرفض المسيح يفقد الوحدة (يو21:17).

 

الآيات (16،15): "فقال لي الرب خذ لنفسك بعد أدوات راع أحمق. لأني هانذا مقيم راعيا في الأرض لا يفتقد المنقطعين ولا يطلب المنساق ولا يجبر المنكسر ولا يربّي القائم ولكن يأكل لحم السمان وينزع أظلافها."

النتيجة الطبيعية لرفض المسيح هي قبول ضد المسيح. فالقلب إما أن يملك عليه الله أو الشيطان، والراعي الأحمق هنا يشير أولاً لأنطيوخس إبيفانيوس الذي هو رمز لضد المسيح الذي يأتي في نهاية الأيام ويقبله شعب اليهود على أنه المسيح الحقيقي. ولاحظ أنهم اتهموا المسيح أنه راعٍ مضلل. وكأن الله حين طلب من النبي أن يأخذ لنفسه أدوات راعٍ أحمق= يريد أن يقول لهم أتريدون أن تعرفوا نتيجة رفضكم للراعي الحقيقي، فأنتم ستقبلون راعٍ أحمق "فالرب يعطك حسب قلبك مز20" ويشرح بعد ذلك ماذا سيفعله بهم هذا الراعي الأحمق، وكأن الله يقول لهم وأن هذا سيكون عقابكم. فالمسيح الراعي الصالح يحفظ وحدانية الروح برباط الصلح والسلام (أف3:4) وهو يبذل نفسه عن الخراف. أما الراعي الأحمق و ضد المسيح فهم يأكلون لحم الرعية تماماً. وينزعون عنها أظلافها= أي أظافرها، بمعنى يأكلونها تماماً. وفي (16) مواصفات ضد المسيح.

 

آية (17): "ويل للراعي الباطل التارك الغنم. السيف على ذراعه وعلى عينه اليمنى. ذراعه تيبس يبساً وعينه اليمنى تكلّ كلولاً."

السيف على ذراعه= له ذراع قوى في صنع المعجزات(رؤ13) وأيضاً في البطش بأولاد الله (مت21:24،22). وعلى عينه اليمنى= تشير لخداعاته الفكرية، فهو سيدعى المعرفة الكاملة. وهكذا كان عليم الساحر رمزاً له فهو كان يخدع بأعماله السحرية وأكاذيبه للناس. فالعين تشير للمعرفة، ويقال عن الكاروبيم أنهم مملوئين أعيناً لمعرفتهم العميقة بالله، وهذا له أعين لكنها كسيف، إذ أن معارفه السحرية وخداعاته العقلية هي كسيف يخدع فيهلك المؤمنين البسطاء. ولكن كما حدث مع عليم الساحر إذ أصيب بالعمى وأصبح لا يبصر (أع11:13) سيحدث مع ضد المسيح ويعجز ذراعه وعينه = ذراعه تيبس وهينه تكل كلولاً. وقد تعني أنه لمضايقاته لشعب الله (السيف الذي على ذراعه) سيفقده الله قوته= ذراعه تيبس حتى يعطي الله فرصة لنجاة شعبه. بل سيفقد تماماً رؤيته الصحيحة= عينه تكل كلولاً. فيتخبط بلا حكمة في قراراته.


 

الإصحاح الثاني عشر

بعد أن تنبأ عن مجيء ضد المسيح وقبول اليهود له، والعجز الذي سيصيب هذا الراعي الأحمق، سيكتشف اليهود غالباً (بعضهم فقط) أن هذا المضل كان هو غير المسيح المنتظر، فيؤمنوا بالمسيح الحقيقي. وهؤلاء ما يسميهم الكتاب "البقية" وهنا نرى وعود لحمايتهم من الاضطهاد الذي سيقع عليهم، بل حماية كل الكنيسة، فهذه البقية حين آمنت بالمسيح صاروا أعضاء في الكنيسة الواحدة، والكنيسة هي أورشليم الجديدة، وإسرائيل الله (غل16:6) وهي بيت يهوذا، وكما هاج الشيطان على المسيح هكذا سيهيج على الكنيسة خلال مركزها الروحي الجديد وذلك بأن يثير الأمم ضدها. ولكن بهذه الثورة يُكمِل الشرير كأس غضب الله عليه، وبهذه الآلام ينقي الله كنيسته، ويتجلى الرب أخيراً في نصرة كنيسته.

 

آية (1): "وحي كلام الرب على إسرائيل. يقول الرب باسط السموات ومؤسس الأرض وجابل روح الإنسان في داخله."

وحي= إذاً ما سيأتي هو كلام ثقيل ضد أعداء الكنيسة= إسرائيل الله وهو أيضاً سيكون ثقيلاً على الكنيسة التي ستواجه اضطهادات وضيقاً لم يكن مثله (دا 1:12 + مت21:24،22). ولكن الله ينقذ كنيسته (سواء المؤمنين الأصليين أو البقية التي آمنت من اليهود. فنحن نرى هنا الضيقات ونرى نصرة الكنيسة عليها في كل زمان، خصوصاً وقت الضيقة العظمى. الرب باسط السموات إذا كان الرب سيتكلم عن بعض الآلام لشعبه يصور نفسه في هذه الصورة المقتدرة ليظهر أنه قادر أن يفي بما وعد به. جابل روح الإنسان= إذاً هو لم يخلق روحاً حية خالدة ليتركها تموت وتهلك، فلماذا الخوف. والخالق قادر أن يحمي أيضاً.

 

آية (2): "هانذا اجعل أورشليم كأس ترنّح لجميع الشعوب حولها وأيضاً على يهوذا تكون في حصار أورشليم."

كأس ترنح= هذا يحدث عندما يرى الأعداء أن الله وسط أورشليم يدافع عنها، ويرعبهم فيتحيرون ويضطربون كمن شرب كأس خمر. فهم كانوا يمنون أنفسهم بأن أورشليم لقمة سائغة في أيديهم، أو هي كأس خمر يشربونها بلذة. فكانت لهم كأس ترنح. وهذه تشير لغضب الله المصوَّر هنا بكأس يشربه الإنسان فيفقد وعيه ويصير كمن هو في عدم إتزان (أش17:51 + أر15:25).ولنعلم أن أورشليم الأرضية يمكن تدميرها وهدمها أما الكنيسة، أورشليم الروحية فأبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت18:16)

وأيضاً على يهوذا – تكون في حصار أورشليم= هكذا تنقسم الآية ولها معنيين :

    أ‌-    أن الرب يقول وأيضاً على يهوذا تكون عيني (كما في آية 4 "وأفتح عيني") في أثناء حصار أورشليم. وربما تعني يهوذا الكنيسة كلها، وأرشليم تعنى البقية المؤمنة من اليهود، والمعنى أن الله سيحمي الجميع. وحصار أورشليم يعني الضيقات التي تواجهها البقية المؤمنة في أورشليم.

   ب‌-   أن الرب يقول وأيضاً على يهوذا (الكنيسة كلها في كل العالم) تكون ضيقات في أثناء الضيقة التي تواجهها البقية (حصار أورشليم). وهذا التفسير ينطبق مع آية (3) "ويجتمع عليها كل أمم الأرض".

وبجمع كلا التفسيرين يتضح المعنى، أن الكنيسة كلها ستكون في ضيق سواء البقية المؤمنة في أورشليم أو كل المؤمنين في كل العالم. ولكن عين الله ستكون على الكنيسة في كل مكان.

 

آية (3) : ويكون في ذلك اليوم أني أجعل أورشليم حجراً مشوالاً لجميع الشعوب وكل الذين يشيلونه ينشقون شقاً. ويجتمع عليها كل أمم الأرض."

حجراً مشوالاً= أي حجراً مشالاً. وهو حجر كبير وثقيل يتعب في حمله أو "شيله" الذين يحملونه لبناء الأدوار العليا، مثل أحجار الأهرامات وكثيرون من العمال قتلوا لسقوط هذه الأحجار عليهم" (مت44:21). من سقط على هذا الحجر يترضض ومن سقط هو عليه يسحقه". ومعنى الآية أن الأشرار المقاومين للكنيسة، يحملون الكنيسة لكي يلقونها لأسفل لكي تتحطم، فإذا بها والمسيح فيها "حجر" بل حجر الزاوية لها، تسقط على أعدائها وتسحقهم= وينشقون شقاً ويجتمع عليها كل أمم الأرض= أي كل أمم الأرض تهيج ضد الكنيسة.

 

آية (4): "في ذلك اليوم يقول الرب أضرب كل فرس بالحيرة وراكبه بالجنون.وأفتح عينيّ على بيت يهوذا وأضرب كل خيل الشعوب بالعمى."

الله المتسلط على الجميع ويعطي الشجاعة لمن يريد، ويرعب من يريد، يوقع ذعراً على جيوش الأعداء فتجفل خيل الجيش ولا يقدر ركابها من أن يضبطوها. وأفتح عيني على بيت يهوذا= أي الرب يرضى عنهم ويعينهم وهو يرى الاضطهاد الواقع عليهم، وسيعاقب الأشرار.

 

الآيات (5،6): "فتقول أمراء يهوذا في قلبهم أن سكان أورشليم قوة لي برب الجنود إلههم. في ذلك اليوم أجعل أمراء يهوذا كمصباح نار بين الحطب وكمشعل نار بين الحزم فيأكلون كل الشعوب حولهم عن اليمين وعن اليسار فتثبت أورشليم أيضاً في مكانها بأورشليم."

في أيام زكريا كانت أورشليم مازالت محروقة وأسوارها منهدمة. لكن أمراء يهوذا سسيشعرون بقوة الله حين تبنى الأسوار وسيشعرون أن الله كان هو العامل مع سكان أورشليم. ومن ناحية الكنيسة فالمسيا هو الملك الروحي لها والتلاميذ هم أمراء يهوذا، وهؤلاء سيمتلئون قوة إذ يشعرون بعمل الله بقوة في أولادهم الذين كرزوا لهم. فالخادم يمتلئ قوة حين يرى عمل الله المثمر فيمن يعلمهم ويكرز لهم، ويشعر بضعف وإلتهاب في قلبه إذا ضعفوا (2كو29:11) والله يهبهم قوة إلهية تحرق أعدائهم المشبهين هنا بالحطب وحزم القش. وأمراء يهوذا مشبهين بمصباح نار فهم ينيروا ليس من ذواتهم بل من شعلة النار الإلهية التي فيهم. فالكنيسة يهوذا الجديد دعيت بالقطيع الصغير، لكنه يحمل نار الروح، وبها يحرقون كل قوات الشر، وكذلك الإرادة العقيمة والجسدانية والنيات والأعمال الشريرة للنفس والجسد. وقد تشير كلمة أمراء يهوذا للمؤمنين عامة فالله جعلنا ملوكاً وكهنة (رؤ6:1) وتسمية أمراء لأن الأمير هو ابن الملك ونحن صرنا أبناء لله ملك الملوك. عن اليمين وعن اليسار= هذا ما يسميه الآباء بالضربات اليمينية (البر الذاتي) والضربات اليسارية (النجاسات والشهوات) وتثبت أورشليم في مكانها= هذه نبوة بثبات الكنيسة فهي ثابتة لثبات عريسها فيها، فهي جسده ولن يقوى عليها أبواب الجحيم (مت18:16). أورشليم الأرضية           ذهبت للسبي أيام بابل ثم في أيام الرومان، والسبي إشارة للعبودية، أما الكنيسة حين حررها المسيح فتكون حرة لا تذهب بعيداً للسبي ثانية (يو36:8) أما من يترك الكنيسة ويترك الإيمان، فهو ليس من القطيع الصغير، ليس من الكنيسة، بل هو أوراق صفراء في الشجرة (عصافة) تسقطها الريح أي التجارب التي يثيرها إبليس (رؤ13:6).

 

آية (7): "ويخلص الرب خيام يهوذا أولاً لكيلا يتعاظم أفتخار بيت داود وأفتخار سكان أورشليم على يهوذا."

الريح التي تسقط الأوراق الصفراء هي نفسها تعطي قوة وحيوية لباقي الأوراق الخضراء فتزداد ثباتاً. هذه طبيعة التجارب التي يسمح بها الله لأولاده أنها تثبتهم في الإيمان "ولكننا في هذه جميعها يعظم إنتصارنا بالذي أحبنا" (رو37:8).وهذا يعبر عنه هنا بأن المساكين والضعفاء= خيام يهوذا هؤلاء يخلصهم الرب. خيام يهوذا هي بلا سور يحميها كأورشليم، لكن الله يكون للكل سور من نار. أما بيت داود مع سكان أورشليم= فهذا إشارة للأقوياء الذين لهم أسوار، هم محصنين فيها. والمعنى أنه لا داعي لأن يفتخر الأقوياء بقوتهم، فالله قوة للجميع ويسند ويحمي الجميع (1كو7:4). عموماً على المؤمن مهما كان قوياً روحياً أو مادياً، محصناً روحياً أو مادياً أن ينسب القوة لله.

 

آية (8): "في ذلك اليوم يستر الرب سكان أورشليم فيكون العاثر منهم في ذلك اليوم مثل داود وبيت داود مثل الله مثل ملاك الرب أمامهم.

أي أن أضعف واحد من المؤمنين = العاثر منهم= أي سكان القرى والحقول الذين بلا أسوار تحميهم. يكون مثل داود= هذا لأن الله يسند هذا الضعيف فيكون كداود في قصره المحصن. وبيت داود مثل الله= بيت داود هو الكنيسة جسد المسيح نسل داود بالجسد، هذه الكنيسة يصورها الروح القدس لتكون صورة المسيح "يا أولادي الذين أتمخض بكم إلى أن يتصور المسيح فيكم")غل19:4). المسيح سيحيا في الجميع، في كنيسته (غل20:2) فيعمل الكل أعمالاً عظيمة بالمسيح الذي فيهم (يو12:14). والله يرفع المتضعين (لو52:1).

 

آية (9): "ويكون في ذلك اليوم أني ألتمس هلاك كل الأمم الآتين على أورشليم."

الله يعطي نفسه لأولاده كسر قوتهم ويكون ناراً آكلة لأعدائهم الشياطين.

 

آية (10): "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليكم الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره."

إذ يملك الرب على بيت يهوذا يفيض بروحه القدوس على كنيسته ليهبها كل نعمة ويسندها في جهادها= فينظرون إلىَّ الذي طعنوه= حين يؤمن البقية بالمسيح سيبكون على ما فعله أبائهم بالمسيح الذي صلبوه وطعنوه. وسيبكون على عدم إيمانهم السابق، وعلى كل كلمة شريرة قالوها على المسيح. بل أن كل خاطئ تائب حين يكتشف ما قدمه له المسيح، وكيف أنه طعن لأجله، وصلب لأجل خطاياه، ستكون توبته بنوح مقدس على الخطية التي سببت كل هذه الآلام للمخلص، هذا هو الحزن المقدس. وهذه الآلام تلهب في القلب محبة شديدة نحو المخلص تزيد من الإحساس بالألم لما سببناه له بخطايانا. ولاحظ أنه بعد عظة بطرس (أع37:2) نخسوا في قلوبهم حينما علموا أن الذي صلبوه كان هو المسيح الذي طالما إنتظروه. وقد تعنى الآية أن من لا يقبل المسيح الآن سيبكي بمرارة يوم الدينونة، ويكون بكاؤه كمن فقد بكره. فهم سيدركون أن غضب الله سيحل عليهم إلى الأبد.

 

آية (11): " في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشليم كنوح هدد رمون في بقعة مجدّون."

بقعة مجدون= حيث قتل يوشيا الملك الصالح، فحزن عليه الشعب، إذ قيل لهم أنه مات بسبب خطاياهم، وصرخوا "سقط إكليل رأسنا. ويل لنا لأننا قد أخطأنا" (مراثي16:5). وكان حزنهم شديداً لم يكن مثله منذ قيام إسرائيل حينما حملت المركبة الملكية جثة يوشيا في شوارع أورشليم ورثاه المرنمون والمرنمات، وكان يوشيا الملك إشارة للمسيح الذي مات فناح عليه الجميع، وهو فعلاً مات لأجل خطايا الجميع. وكل مؤمن يتأمل في صورة المسيح المصلوب فليبكي على خطاياه التي سببت هذا للمسيح. وقد يكون هذا البكاء هو بكاء البقية التي آمنت بالمسيح على ما فعله الآباء بصلب المسيح، وعدم إيمانهم السابق.

 

الآيات (12-14): "وتنوح الأرض عشائر عشائر على حدتها عشيرة بيت داود على حدتها ونساؤهم على حدتهنّ. عشيرة بيت ناثان على حدتها ونساؤهم على حدتهنّ. عشيرة بيت لاوي على حدتها ونساؤهم على حدتهنّ. عشيرة شمعي على حدتها ونساؤهم على حدتهنّ. كل العشائر الباقية عشيرة عشيرة على حدتها ونساؤهم على حدتهنّ."

سيكون هناك حزناً مقدساً على الخطايا لأننا كنا السبب في زيادة آلام المسيح، وقد يكون الحزن على طول المدة في الخطية ورفض المسيح. والحزن سيكون عاماً وفردياً. وهذا الحزن سيدفع المرء أن يكون وحيداً لا يقبل أي تعزية من إنسان= على حدتهن= وسيكون الفكر محصوراً في موضوع الحزن، حتى لن يطيق الفرد أحداً بجواره. وناثان= قد يكون هو أصغر أبناء داود. أي الحزن سيشمل الجميع من الكبير إلى الصغير، ومن العظيم حتى أصغر واحد. وربما تحقق هذا في حائط المبكى، وحالة الحزن التي سادت اليهود بعد الصليب، وتشتتهم. وقد تتحقق في نهاية الأيام حين يؤمنوا بالمسيح ويكتشفوا كم أحزنوا قلبه بقبولهم لضد المسيح. وسيبكي الرجال لوحدهم والنساء وحدهن، وكأن الرجل لن يطيق تعزية حتى امرأته. وهذا سيكون وضع كل من رفض المسيح في الأبدية. فكل من رفض المسيح على الأرض مخلصاً له سيكون حزيناً هكذا في الأبدية وبلا عزاء.

ولقد رأي البعض في الأسماء المذكورة أنها تمثل قيادات إسرائيل. بيت داود= يمثل القيادات، أي الفئات القيادية في الأمة. عشيرة بيت ناثان= يمثلون النسل الملكي أو الأنبياء، فناثان كان النبي أيام داود الملك (2صم1:12). ولكن هنا يتكلم عن الأنبياء الكذبة الذين يضللون.[1] بيت لاوي= هم الكهنة ورجال الدين. عشيرة شمعي (شمعون)= وهؤلاء خرج منهم الكتبة والمعلمون.

وبهذا يكون كل المذكورين هم القادة الذين يوجهون الأمة، وهؤلاء كانوا سبباً في ضلال أمة اليهود، فهؤلاء هم الذين أشاروا بصلب المسيح، وهم كقادة مسئولين عبر العصور وحتى الآن عن موقف إسرائيل الرافض للمسيح، وهؤلاء القادة، إذ يكتشفوا في الأبدية أن من رفضوه كان هو مخلص إسرائيل، الذي جاء إلى خاصته ورفضته خاصته، يكون حزنهم بلا عزاء. فكلما زادت المراكز علواً، كلما زادت المسئولية، وكلما زادت المسئولية زاد حزن من خانوا هذه المسئولية في أبديتهم.


 

الإصحاح الثالث عشر

يتكلم هنا عن جراحات الراعي، ونجد نبوة عن آلام المسيح وتشتت تلاميذه يوم الصليب، وتخريب الأمة اليهودية لذلك. ويتكلم عن تطهير وتقديس البقية المؤمنة. ومن هنا نرى علاقة إصحاح (12) بإصحاح (13) فهناك رأينا بكاء ودموع. وهنا نجد جراحات الراعي، وبدم الراعي مصحوباً ببكاء وتوبة المؤمن، يتطهر المؤمن ويتقدس. فالنوح على الخطية لابد وسيعقبه تطهير.

 

الآيات (1-6): "في ذلك اليوم يكون ينبوع مفتوحاً لبيت داود ولسكان أورشليم للخطية وللنجاسة. ويكون في ذلك اليوم يقول رب الجنود أني أقطع أسماء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد وإذا الأنبياء أيضاً والروح النجس من الأرض. ويكون إذا تنبأ أحد بعد أن أباه وأمه والديه يقولان له لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب.فيطعنه أبوه وأمه والداه عندما يتنبأ. ويكون في ذلك اليوم أن الأنبياء يخزون كل واحد من رؤياه إذا تنبأ ولا يلبسون ثوب شعر لأجل الغش. بل يقول لست أنا نبياً.أنا إنسان فالح الأرض لأن إنساناً اقتناني من صباي. فيقول له ما هذه الجروح في يديك.فيقول هي التي جرحت بها في بيت أحبائي."

تشير لتقديس الأرض وسكانها ورفض الأنبياء الكذبة. وسر التقديس أنه في ذلك اليوم، يوم الصليب، يكون ينبوع خارجاً من جنب المطعون لتطهير الخطية، خرج من جنب المسيح حين مات وطعن دم وماء، الماء يشير لفعل المعمودية والدم يشير للتكفير والتقديس، وموت المسيح على الصليب كان السبب في هذا الينبوع "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مز51 + رؤ14:7) وكل من يحزن على خطاياه يفيض عليه الرب من ينبوع النعمة. وفي آيات (2،3): يشير أنه لن توجد أصنام بعد ذلك، وسيفضل الآباء موت أبنهم عن أن يكون نبي كذاب. لا يعيش= فهذا حكم الناموس على الأنبياء الكذبة. وأقطع أسماء الأصنام= فكان عباد الأوثان يظنون أن ترديدهم لاسم الأوثان فيه بركة لهم ويطرد عنهم كل شر. وفي (4) ثوب الشعر= هو الذي كان يلبسه الأنبياء الصادقون إقتداء بإيليا. ثم قلدهم في هذا الأنبياء الكذبة. لكنهم أي الأنبياء الكذبة سيخزون في ذلك اليوم ولا يعودون يلبسوا ثوب الشعر وفي (5) ينكر الأنبياء الكذبة أنهم أنبياء ويقولون أنهم فلاحين إقتناهم صاحب الأرض. وفي (6) كان من عادة الأنبياء الكذبة أن يجرحوا أنفسهم عندما يسألون ألهتهم (1مل28:18) ويصنع هذا أنبياء الأوثان خاصة أنبياء البعل. فإذا سأل أحد هؤلاء الأنبياء الكذبة عن هذه الجروح قالوا من خزيهم أنا جرحت في بيت أحبائي= أي سوف ينكرون جرحهم أثناء ممارساتهم في عبادة الأوثان. ولاحظ أن هذه الآية وردت مباشرة بعد موضوع الطعن لذلك فهي إشارة لجرح المسيح في بيت أحبائه. ولاحظ أن الكلام عن الأنبياء الكذبة وهذا لأن المسيح قد إعتبره رؤساء الكهنة مضللاً، وهكذا دعوه، بينما هو سر أن يدعوهم أحباؤه. ثم يكمل الكلام عن الراعي المجروح.

 

آية (7): "أستيقظ يا سيف على راعيّ وعلى رجل رفقتي يقول رب الجنود.أضرب الراعي فتتشتّت الغنم وأرد يدي على الصغار."

إستيقظ يا سيف= سماح الله بأن يقدم إبنه ذبيحة (أش4:53،10). راعيَّ= إذاً هو ليس راعي مثل باقي الرعاة، بل له صفة خاصة وهو مميز عنهم. وهو رجل رفقتي= كلمة رفيق في العبرية تعني فكرة الشركة بين متساويين فالمسيح لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، وهو كائن معه منذ الأزل. إضرب الراعي فتشتت الرعية= هذا ما أعلنه مخلصنا ليلة صلبه وهرب على يد تيطس. وأرد يدي على الصغار= هذا وعد بتجميع الصغار والمتواضعين والمتكلين على الرب وضمهم. وبعد هروب تلاميذ المسيح يوم الصليب، عاد الرب وجمعهم، بل هم أسسوا الكنيسة.

 

آية (8): "ويكون في كل الأرض يقول الرب أن ثلثين منها يقطعان ويموتان والثلث يبقى فيها."

الجيش الروماني خرب البلاد وقتل على الأقل ثلثي اليهود.

 

آية (9): "وأدخل الثلث في النار وأمحصهم كمحص الفضة وأمتحنهم إمتحان الذهب.هو يدعو بأسمي وأنا أجيبه.أقول هو شعبي وهو يقول الرب إلهي."

الثلث هم الذين آمنوا وكان الله ينقيهم بنار الآلام والأضطهادات بعد أن هربوا من القتل على يد تيطس. والله كان ينقيهم كالفضة والذهب فهم أشياء ثمينة عنده.


 

الإصحاح الرابع عشر

نرى في هذا الإصحاح خراب الأمة اليهودية وأورشليم في أيام النهاية وما يصاحب ذلك من تدخل الله ليساند الذين آمنوا به من شعب اليهود أي البقية، وما يصاحب هذا من ظواهر عجيبة. ثم كلمة ختامية عن بركات الكنيسة، وحرمان غير المؤمنين من هذه البركات،

 

آية (1): هوذا يوم للرب يأتي فيقسم سلبك في وسطك."

هوذا يوم= لا يعني هذا يوم محدد بأربعة وعشرين ساعة، ولكن يفهم هذا بأن الأحداث الآتية ستتحقق حتى وأن طال الإنتظار، ولكن هناك وقت محدد لهذه الأحداث في علم الله. وفي هذا اليوم يكون سقوط رهيب لأورشليم فيقسم سلبك في وسطك= دلالة نهايتها التامة، فعادة يقتسم الجنود ما سلبوه خارج المدن حتى لا يهاجمهم أهل المدينة، ومعنى في وسطك أن الشعب في المدينة إما قتل أو في حالة لا تخيف أحد، وهذا ما ذكره في الإصحاح السابق من أن الثلثين يقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها لكن يدخل إلى النار. وقد أنتهت أمة اليهود كهنوتياً يوم الصليب يوم إنشق حجاب الهيكل وأنتهت كدولة سنة 70م على يد تيطس، لكن يبدو أن قصة خراب أورشليم ستتكرر.

 

آية (2): "واجمع كل الأمم على أورشليم للمحاربة فتؤخذ المدينة وتنهب البيوت وتفضح النساء ويخرج نصف المدينة إلى السبي وبقية الشعب لا تقطع من المدينة."

في الأيام الأخيرة سيتكرر مشهد سقوط أورشليم، وكأن سقوطها بيد تيطس كان رمزاً لما سيحدث في الأيام الأخيرة، حين يجتمع أمم كثيرة ضد أورشليم (حز38،39). وبقية الشعب لا تقطع من المدينة= بالنسبة لأيام تيطس فقد هرب المسيحيين بمعجزة من حصار أورشليم حينما إنسحب الجيش الروماني لعدة ساعات، وتذكر المسيحيين الآيات (مت15:24،16) فهربوا. وبعد عدة ساعات عاد الجيش الروماني لحصار أورشليم حتى سقوطها المروع الذي قتلوا فيه ما يقرب من المليون يهودي بعد مجاعة رهيبة. وبالنسبة للأيام الأخيرة قد تعني الآية أن المؤمنين من اليهود (البقية) الذين سيؤمنون بالمسيح سينقذهم الله بطريقة خاصة. وروحياً فمن يؤمن بالمسيح يحيا وتكون له حياة أبدية ولا يقطع أما من يستمر في عناده يسقط في سبي إبليس.

 

آية (3):" فيخرج الرب ويحارب تلك الأمم كما في يوم حربه يوم القتال."

هذه الصورة متطابقة مع التفصيل الموجود في (حز38،39) وهي أن هناك ممالك كثيرة ستقوم بغزو أورشليم التي سيمتلكها اليهود في عدم إيمان بالمسيح، وسوف ينجح الغزو في بدايته فتؤخذ المدينة وتفضح النساء ثم يتدخل الله ويحارب تلك الأمم حينما يؤمن أغلبية اليهود بالمسيح الذي طعنوه. وسيعرف اليهود المسيح كما عرف إخوة يوسف أخوهم الذي باعوه.." أنا يسوع الذي بعتموه لبيلاطس وقد يكشف المسيح نفسه لهم فيؤمن الكثيرين كما أمن بولس بالمسيح حين ظهر له. والله قد حفظ اليهود هذه السنين كلها لأن له بقية ستؤمن به في هذه الأيام الأخيرة، ومن أجل وعوده لأبائهم.

 

آيات (4،5): "وتقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق فينشق جبل الزيتون من وسطه نحو الشرق ونحو الغرب وادياً عظيماً جداً وينتقل نصف الجبل نحو الشمال ونصفه نحو الجنوب. وتهربون في جواء جبالي لأن جواء الجبال يصل إلى آصل وتهربون كما هربتم من الزلزلة في أيام عزّيا ملك يهوذا ويأتي الرب الهي وجميع القديسين معك."


في تدخل الله الإعجازي لينقذ المؤمنين، قد تتحقق هذه الآيات حرفياً، وينشق جبل الزيتون، فمن نقل جبل المقطم يوماً قادر أن يشق جبل الزيتون. ومن شق البحر الأحمر لينجي شعبه، قد يصنع ذلك فعلاً لينجي شعبه، وليظهر لهم قوته ليؤمنوا به. وحين ينشق الجبل يهربون إلى جواء جبالي= أي وادي الجبال ويصلوا إلى آصل= أي مكان منعزل.

 وتهربون من الزلزلة= وربما تكون هذه الزلزلة هي التي أدت لشق جبل الزيتون، وبهذا يسهل الله لهم طريقاً للهرب من أعدائهم بينما أن هذه الزلزلة نفسها تكون دماراً على أعدائهم" (في بعض الزلازل تنشق الأرض وتبتلع مدناً بكاملها).

وهناك تأمل روحي في هذه الآيات: فجبل الزيتون هو الجبل الذي صعد منه الرب يسوع إلى السماء، وبعد المسيح زال السياج الذي كان يفصل بين اليهود وبين الأمم فأورشليم كانت محاطة بجبال، ومنها جبل الزيتون، كأن اليهود كانوا معزولين عن العالم، ولكن بعد صعود المسيح إنشق هذا الحاجز (اف14:2) المزمور له بشق جبل الزيتون. وأصبح هناك وادٍ أي طريق متسع يسمح للجميع بدخول أورشليم أي الكنيسة. والمؤمنين غرسوا كأشجار زيتون فهم مملوئين من الروح القدس (الزيت رمز للروح القدس). وهؤلاء المؤمنين كالعذارى الحكيمات أو كالعذارى الجاهلات. فالحكيمات آنيتهن مملوءة زيتاً منتظرين العريس القادم من الشرق، والجاهلات آنيتهن فارغة، وليس لديهم هذا الاشتياق فهم في الغرب، وهذا معنى أن الجبل إنشق ناحية الشرق والغرب أي المنتظرين المسيح بفرح والرافضين للمسيح. ونصف المؤمنين المنتظرين المسيح يكونون في حرارة روحية (يعبر عنها وجودهم في الجنوب الحار) والنصف الآخر في برودة روحية (يعبر عنها وجودهم في الشمال البارد). والمؤمنين الحقيقيين يهربون من شر هذا العالم إلى جواء جبالي (إلى وادي الجبال) أي كنيسة العهد الجديد كنيسة السماويات، وهذه الكنيسة تصل إلى آصل أي مكان منعزل فهم إذاً يحيون كغرباء في هذا العالم، فالمسيح دعا المؤمنين وأفرزهم لنفسه. وهؤلاء المؤمنين يهربون من الزلزلة أي من غضب الله على العالم. فالزلزلة التي حدثت أيام عزيا، كانت رهيبة، ولذلك ذكرها عاموس النبي (عا1:1) ولدرجة أن زكريا يذكرها بعدما حدثت بمئات السنين. وقد تكون هذه الزلزلة قد حدثت بسبب خطية عزيا وتعديه على الكهنوت. وأيضاً فقد أصاب البرص عزيا بسبب فعلته.

ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك= إيمان اليهود في الأيام الأخيرة علامة النهاية ومجيء المسيح الثاني الذي فيه يأتي مع ملائكته وقديسيه. ولنلاحظ أن بين المؤمنين الحقيقيين المملوئين زيتاً، والآخرين الفارغين هوة عظيمة يمثلها الوادي العظيم بين نصفي الجبل. فالمؤمنين الحقيقيين ينتظرون مجيء الرب يسوع قائلين آمين تعال أيها الرب يسوع، أما غيرهم فيهربون من مجرد ذكر هذا اليوم لرعبهم منه. وكون أن إيمان البقية من اليهود علامة على نهاية الأيام والمجيء الثاني للرب يسوع على السحاب نجدها في (رو15:11).

 

الآيات (6-11): "ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور.الدراريّ تنقبض. ويكون يوم واحد معروف للرب.لا نهار ولا ليل بل يحدث أنه في وقت المساء يكون نور. ويكون في ذلك اليوم أن مياها حيّة تخرج من أورشليم نصفها إلى البحر الشرقي ونصفها إلى البحر الغربي.في الصيف وفي الخريف تكون. ويكون الرب ملكاً على كل الأرض.في ذلك اليوم يكون الرب وحده وأسمه وحده. وتتحول الأرض كلها كالعربة من جبع إلى رمّون جنوب أورشليم.وترتفع وتعمر في مكانها من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزوايا ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك. فيسكنون فيها ولا يكون بعد لعن فتعمر أورشليم بالأمن."

هذه آيات كلها وعود بالبركة وإنتشار ملكوت الله، وكل هذا بدأ بيوم الصليب، ولكن كل ما حصلنا عليه حتى الآن، ما هو إلا عربون لما سوف نحيا فيه في الأبدية. وطالما كان الكلام السابق على المجيء الثاني، نفهم أن ما يتحدث عنه هنا هو أمجاد السماء، وما سيحدث بعد المجيء الثاني، حين يخضع الجميع للآب بعد أنتهاء صورة هذا العالم (1كو28:15).

لا يكون نور. الدراري تنقبض.. لا نهار ولا ليل.. وقت المساء يكون نور وهذا حدث يوم الصليب حيث صارت ظلمة على الأرض، وإنطفأت أنوار الدراري (أي النيرات وهي الشمس والقمر). فلم يكن هناك نهار لأن ظلمة كالليل جاءت، ولم يكن ليل فهو وقت نهار. وبالصليب إنتهى العهد القديم المشار له بالمساء، فظلمة العهد القديم إنقشعت بالصليب فكان نور العهد الجديد. وعموماً فالكنيسة تقابل إضطهادات كثيرة عبر الزمن، ولكن وسط ليل هذه الآلام هناك دائماً نور وتعزية ورجاء يغلب الضيقات، وهذه بعض بركات الصليب التي نحصل عليها في حياتنا على الأرض، لكن كل ما نحصل عليه ما هو إلا عربون لما سنحصل عليه في الأبدية. إذ يشرق نور الأبدية وقت مساء آلام هذا العالم، وفي نهاية حياتنا بالموت يكون هناك نور الحياة الأبدية. وفي الأبدية لا يكون شمس ولا قمر فالسماء والأرض تزولان (مت18:5 + رؤ1:21. وفي الأبدية لن نحتاج لنور الشمس، فالمسيح سيكون النور الذي نستنير به، ولن يكون ليل (رؤ5:21). وفي نهاية أيام هذا العالم الدراري تنقبض= أي أجرام السماء تنقبض diminish يبدأ نورها يقل ويتلاشى (وعملياً فمن المعروف أن الأرض كانت منيرة كالشمس ثم برد سطحها وتحولت لجسم معتم، وهذا ما سيحدث للشمس بعد وقت أيضاً). وإذا إنطفأت الشمس سينطفئ أيضاً القمر. ولكن وسط هذا الليل سيكون المؤمنين متمتعين بنور المسيح. وقد تعني الآية حدوث ظواهر طبيعية في الأيام الأخيرة مثل إختفاء النور فعلاً صباحاً وظهور نور سماوي وسط هذا الظلام. يوم واحد معروف للرب= يوم النهاية لا يعرفه أحد سوى الله.

وفي (8) المياه الحية تخرج من أورشليم= المياه الحية إشارة للروح القدس (يو37:7-39). والكنيسة لها سلطان أن تعطي الروح القدس بوضع يد الأساقفة أو في سر الميرون، فأورشليم هي كنيسة العهد الجديد (أع1:19-6). البحر الشرقي هو البحر الميت، والبحر الغربي هو البحر المتوسط. وهذه حدود أرض فلسطين.وفلسطين هنا إشارة لكل العالم، والعالم مشبه في الكتاب المقدس بالبحر لأن الذي يشرب منه يموت (أي يحيا ويجري وراء لذات العالم). والروح القدس فاض على العالم ليزيل ملوحة البحر فيعطي حياة للعالم (حز1:47-12). والحياة التي يعطيها الروح القدس للمؤمنين، هي حياة أبدية، وما نأخذه الآن ما هو إلا مجرد عربون لما سنحصل عليه في السماء. أما بالنسبة للحياة الأبدية فهناك صورة يرسمها يوحنا الرائي لنهر صافي من ماء حياة ليعطي حياة للمؤمنين (رؤ1:22). في الصيف والخريف= وفي الإنجليزية "في الصيف والشتاء" ففي الشتاء يجمد الماء، وفي الصيف تجف مجاري المياه، ولكن في الكنيسة فالروح القدس يفيض دائماً بلا عائق (رؤ16:7،17). وفي (9) في الأبدية سيملك الله تماماً على الأرض حين تكتمل الأيام وتنتهي هيئة هذا العالم (1كو28:15 + عب5:2-9). وفي (10) تتحول الأرض كلها كالعربة= العربة تعنى سهل مبنسط. وهذا ما سبق إشعيا وتنبأ عنه " قَوّمُوا في القفر سبيلاً لإلهنا، كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوج مستقيماً والعراقيب سهلاً فيعلن مجد الرب ويراه كل بشر (أش3:40-5). فالمرتفعات تشير لخطايا الكبرياء والمنخفضات تشير لخطايا النجاسة أو صغر النفس، والله سيزيل كل العقبات حتى يعطي فرصة للماء الخارج من أورشليم أن يفيض على الأرض كلها (آية 8) وترتفع وتعمر= أي أورشليم التي ستصير سماوية وأولادها مثمرين وتفيض الروح القدس على كل العالم، وهذه الصورة ستكتمل في أورشليم السماوية، في الحياة الأبدية إذ ستزال كل العقبات، فنحن سنكون بلا خطية تماماً في السماء جبع= شمال أورشليم ورمون= جنوب أورشليم. باب بنيامين= شرق أورشليم وباب الزوايا= غرب أورشليم= هذا يعني كل المدينة من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، أي الله يريد أن يعطي حياة، ويفيض من روحه القدوس على كل العالم، ويصل الماء الحي للجميع بلا موانع. وباب بنيامين= يشير لأن كل من يؤمن بالمسيح ويرتوي من الماء الحي يكون من أبناء اليمين أي وارث مع المسيح الجالس عن يمين الآب. وباب الزوايا= يشير لأن كل من يؤمن بالمسيح ويرتوي من المياه الحية يكون عضواً في جسد المسيح، الذي فيه المسيح هو حجر الزاوية وكل من المؤمنين هو حجارة حية في هذا البيت (1بط4:2-6). وحجر الزاوية رفضه البناؤون، فنحن حتى وأن رفضنا العالم سنكون مقبولين في المسيح. ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك=هذه حدود مراحم الله التي ستشملننا من برج حننئيل أي الله يتحنن (وبرج= فاسم الله برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع أي أن المؤمنين متحصنين في رحمة وحنان الله). ومعاصر الملك= هي إشارة للخمر الروحي أي الأفراح الأبدية المعدة لنا في السماء. فتعمر أورشليم بالأمن.. ولا يكون بعد لعن= في السماء ستنتهي الأرض القديمة التي نعيش عليها الآن، والتي سبق الله ولعنها بقوله "ملعونة الأرض بسببك" وننعم هناك بالأمن في أورشليم السماوية. وهذه الصورة الحلوة في السماء نأخذ عربونها ونتذوقها الآن جزئياً، فالكنيسة تنعم بمراحم الله وبفيض الروح القدس، والله جعل الطريق مستوياً أمام الكنيسة من جبع إلى رمون= وكلمة جبع تعني شهادة ورمون تعنى مكان مرتفع عالٍ، فمن يشهد للرب ويرتفع عن الأرضيات يتمتع ببركات الكنيسة.

 

الآيات (12-15): "وهذه تكون الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين تجندوا على أورشليم.لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم وعيونهم تذوب في أوقابها ولسانهم يذوب في فمهم. ويكون في ذلك اليوم أن اضطراباً عظيماً من الرب يحدث فيهم فيمسك الرجل بيد قريبه وتعلو يده على يد قريبه. ويهوذا أيضاً تحارب أورشليم وتجمع ثروة كل الأمم من حولها ذهب وفضة وملابس كثيرة جداً. وكذا تكون ضربة الخيل والبغال والجمال والحمير وكل البهائم التي تكون في هذه المحالّ.كهذه الضربة."

 بعد أن ينتهي الزمان الحاضر، هناك مكانين [1] السماء بأمجادها للأبرار من أبناء الله [2] العذاب الأبدي في جهنم للأشرار الذين رفضوا المسيح كمخلص. والآيات السابقة (6-11) رأينا فيها بركات وأمجاد الأبرار في السماء. وفي هذه الآيات (12-15) نرى فيها العكس أي دينونة الأشرار الذين طالما إضطهدوا الكنيسة (وهذا نراه في قول السيد المسيح يو28:5،29). وعلى رأس الأشرار طبعاً إبليس وجنوده (رؤ10:20). هنا نرى الأهوال التي ستقع على أعداء الكنيسة= الذين تجندوا على أورشليم. لحمهم يذوب.. عيونهم تذوب.. لسانهم يذوب= أجسادهم التي استخدموها في الشر وفي اضطهاد الكنيسة وعيونهم التي نظرت للكنيسة تدبر لها السوء، ولسانهم الذي نطق بتجاديف ضد المسيح. وما ذكر قد يكون أمراض فتاكة (فملاك واحد ضرب من أشور 185.000). وقد تكون هذه ضربة ضد أعداء أورشليم في الأيام الأخيرة مصاحبة للزلزلة. وهم واقفون= أي الضربات ستصيبهم وهم أحياء وقد تفسر على أن هذه الآيات هي صورة للعذاب في البحيرة المتقدة بالنار ويكون الأسلوب المستخدم هو أسلوب بشري على قدر ما نفهم. وهم واقفون أي أن عذاب الأبدية هو عذاب أبدي بلا نهاية. وفي (13) صورة لاضطراب الأمم ورعبهم وبلبلتهم= فيمسك الرجل بيد قريبه= من الخوف. ولكن ستكون هناك شقاقات وحروب بينهم = تعلو يده على يد قريبه= سيقومون بعضهم على بعض. وهذه صورة عجيبة، فبينما هم متماسكون إذ بهم يضربون بعضهم وهذا نوع من التخبط (قض22:7 + 2أي23:20). وفي (14) ويهوذا أيضاً تحارب أورشليم= هذه ترجمة في الإنجليزية Judah also will fight at Jerusalem فيهوذا هي الكنيسة عموماً، وغالباً أورشليم هي البقية المؤمنة في أورشليم فالكنيسة ستحارب (طبعاً بصلواتها ودموعها وأصوامها) مع أورشليم، حتى يسند الله البقية المتألمة من اضطهاد ضد المسيح لهم. وفي تأمل آخر فإن المسيح الخارج من سبط يهوذا يحارب عنا الحروب الروحية (فنحن أورشليم) عموماً هذه الحروب هي حروب الكنيسة التي يقودها مسيحها عبر الزمان (رؤ2:6) الكنيسة هي الفرس الأبيض، والذي يخضع للمسيح يقوده المسيح للخلاص. ولنعلم أننا في حروب روحية العمر كله (اف12:6) فإما نخضع للمسيح ليقودنا في هذه المعركة فنغلب ونصير آنية ذهب وفضة (2تي20:2،21) وبهذا تجمع الكنيسة كل هؤلاء المؤمنين كثروة لها من الأمم= تجمع ثروة كل الأمم فالمسيح يقود كنيسته في معركة ليغتصب الطاقات التي كانت تستخدم من قبل للشر كغنيمة للمسيح. والمسيح يحارب في كنيسته ليجمع إليها ثروة الأمم أي كل البشر، فثروة الأمم التي تفرح المسيح هم البشر المؤمنون (أش11:53-13). فالله يريد أن الجميع يخلصون، هو يحارب وكنيسته تحارب ليجمع كل إنسان إلى داخل أورشليم (الكنيسة). المسيح ملك حقيقي يحارب في كل نفس ومع كل نفس ومع الكنيسة ليهبها النصرة والغنى فتزين له كملكة سماوية. وفي (15) نرى العكس، نرى صورة من يرفض المسيح سالكاً وراء شهواته وهذا يصير كالبهائم فالخيل= تشير لاشتهاء الإنسان امرأة صاحبه (أر8:5) والبغال= تشير للعقم الروحي. والحمير= تشير لعدم الفهم يحملون أحمالاً ورؤوسهم منحنية للأرض، لا ينظرون للسماء. والجمال= تشير للدنس بحسب الناموس فهي ليست مشقوقة الظلف. يمكن أن تفهم الآية على أن الله سيضرب جيوش الأعداء المحيطين بأورشليم مع حيواناتهم، ولكن الأهم أن نفهم المعنى الروحي، أن من سلك وراء إبليس منخدعاً من شهوته (يع14:1) تاركاً عمل نعمة الله التي تغير طبيعته فيصير خليقة جديدة في المسيح (2كو17:5)، مثل هذا يُشبَّه بالحيوانات السالكة وراء شهوتها، هذا سيكون نصيبه البحيرة المتقدة بالنار مثل إبليس أبيه= كذا تكون ضربة الخيل.. كهذه الضربة هذه تسمى قيامة الدينونة (يو29:5 + رؤ10:20-15 + 1يو7:3-10)

في (12) أوقابها= الوقب هو تجويف العين. وفي (14). وملابس كثيرة جداً كانت الملابس تعتبر في ذلك الزمان غنيمة حرب وثروة، وكما فهمنا فالثروة الحقيقية هي المؤمنون. ولنرى صورة للمؤمن بالمسيح، فهو قد صار سماوياً= ذهب. ولقد تقدس بكلمة الله= الفضة، وخلع خطاياه أي ملابسه القديمة ليلبس المسيح.

 

الآيات (16-21): "ويكون أن كل الباقي من جميع الأمم الذين جاءوا على أورشليم يصعدون من سنة إلى سنة ليسجدوا للملك رب الجنود وليعيّدوا عيد المظال. ويكون أن كل من لا يصعد من قبائل الأرض إلى أورشليم ليسجد للملك رب الجنود لا يكون عليهم مطر. وإن لا تصعد ولا تأت قبيلة مصر ولا مطر عليها تكن عليها الضربة التي يضرب بها الرب الأمم الذين لا يصعدون ليعيّدوا عيد المظال. هذا يكون قصاص مصر وقصاص كل الأمم الذين لا يصعدون ليعيدوا عيد المظال. في ذلك اليوم يكون على أجراس الخيل قدس للرب والقدور في بيت الرب تكون كالمناضح أمام المذبح. وكل قدر في أورشليم وفي يهوذا تكون قدساً لرب الجنود وكل الذابحين يأتون ويأخذون منها ويطبخون فيها.وفي ذلك اليوم لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود."

وبعد أن رأينا في الصور السابقة البركات السماوية لمن يؤمن، والهلاك الأبدي لمن يقاوم المسيح. يعرض الله هنا صورة لما يجب أن تكون عليه الكنيسة (16). وفي (17) نرى صورة لمن يتمرد من الأمم رافضاً الإيمان فهذا سيحرم من بركات الروح القدس. وفي (18،19). نرى أن المتمرد يخسر كل البركات حتى البركات الزمنية. وفي (20،21).نفهم أن كل من في الكنيسة من مؤمنين بطاقاتهم وما يملكون هم مكرسون للرب.وفي (16) عيد المظال= كانوا يحتفلون به ثمانية أيام، 7أيام يعيشون في خيام ليتذكروا غربتهم وتوهانهم في البرية، وفي اليوم الثامن أفراح عظيمة، وكان هذا العيد مرتبط بالحصاد، فهم يفرحون ويسبحون الله على الحصاد الكثير الذي أعطاه لهم. ويذكرون فضل الله عليهم في غربتهم، وكيف أتى بهم إلى أرض مملوءة حصاداً. والمظال تشير لغربتهم وتنقلهم في البرية مع موسى النبي. وطبعاً فالله لا يريد من المسيحيين أن يحتفلوا بعيد المظال، بل الله يستخدم ألفاظ يهودية للتعبير عن مفاهيم كنسية. فالحصاد هم المؤمنين سواء من الأمم أو اليهود (لو2:10) وكما كان اليهود يذكرون فضل الله عليهم في غربتهم، فالمؤمنين لابد أن يذكروا بروح الشكر فضل الله عليهم في إيمانهم وخلاص نفوسهم، وكما كان اليهودي يعيش 7ايام في مظال (غربة)، فالمسيحي عليه أن يعيش بروح الغربة طالما هو في هذا الجسد، فالجسد الحالي يرمز له بمظلة أو خيمة (2كو1:5)، وذلك كل أيام العمر (7أيام تشير لكل أيام العمر)، وكما كان اليهودي يظل طوال السبعة الأيام بينما هو في المظلة يتطلع لليوم الثامن يوم الفرح العظيم، علينا أن نحيا متطلعين باشتياق لليوم الثامن أي يوم الأبدية ولسان حالنا يقول "أمين تعال أيها الرب يسوع" وعلى كل مسيحي أن يفهم أن مظلته أي جسده قد تقدس للرب فيأتي ويسجد للملك رب الجنود طوال أيام عمره، أي عابداً الرب ساجداً بالروح والحق (2كو1:5-4 + 2بط14:1 + يو23:4). جاءوا على أورشليم= آمنوا بالمسيح ودخلوا الكنيسة. وإذا كانت الآية تشير لأفراح الأبدية، فالمقصود أن كل مؤمن عاش بروح عيد المظال، سيكون له فرح في الأبدية، وسيتشبه بالسمائيين إذ يسجد ويتعبد إلى الأبد للرب الأله (رؤ9:4-11) (لاحظ سجود السمائيين) وفي (17) من لا يعيش بهذه الروح ولا يسجد ولا يتعبد للمسيح فهو يحرم نفسه من بركات الروح القدس= المطر. فالروح القدس يأتي من السماء كما يأتي المطر من السماء فيعطي ثمار للأرض (الجسد). ومن لا يؤمن بالمسيح فلا أفراح روحية هنا إذ هو بلا ثمار (ومن ثمار الروح الفرح). وبلا أفراح أبدية.

 

آيات (18،19): مصر تمثل الإنسان الذي له مصادر دخل ثابت (يمثلها نهر النيل) ولا يتكل على مصادر دخل متنوع كالمطر(تث8:11-12). وكما أن الله قادر أن يمنع المطر فهو قادر أيضاً أن يوقف هذه الخيرات المستمرة كأن يجفف نيل مصر (أش5:19). هنا مصر بنيلها وأرضها الخصبة تمثل الإنسان الذي أعطاه الله بركات وخيرات زمنية فتمرد على الله وجرى في كبريائه (مصر تمثل خطية الكبرياء) تاركاً الله، ساعياً وراء شهواته، مثل هذا الإنسان، الله قادر أن يحرمه من هذه الخيرات الزمنية. فالطريقة الوحيدة للحصول على بركات الله ونعمه أن نحيا بروح الغربة كل الأيام وبتواضع. ففي (17) رينا من يتمرد على الله يُحرَم من الخيرات الروحية أي الروح القدس وفي (18،19) نرى المتمرد المتكبر رافض الإيمان والسجود يُحرَم أيضاً من البركات الزمنية. وقطعاً فمثل هذا يُحرَم من الحياة الأبدية.

الآيات 20،21: كان محظوراً على اليهود أن يقتنوا خيلاً. إذ يقرر الكتاب بحزن عميق أن سليمان جلب خيلاً من مصر وإتخذها كعلامة لسقطته (1مل28:10 + 2أي16:1،17 + تث16:17 + مز10:147) فكانت الخيل تعبر عن اعتماد الملوك على قوتهم بكبرياء، والله كان يريد أن شعبه يعتمد عليه فهو سور من نار لهم (زك5:2) "هؤلاء بالخيل وأما نحن باسم الرب نغلب" (مز7:20). أما في الكنيسة فكل ما لنا وكل طاقاتنا وقوتنا هي مكرسة للرب، هي قدس للرب وتعمل لحساب الرب، كما كان رئيس الكهنة مكرس للرب ويوجد على رأسه صفيحة منقوش عليها "قدس للرب" هكذا يكون على أجراس الخيل قدس للرب= أي كل قوة لدينا هي مكرسة للرب. القدور هي نحن المؤمنين أي الآنية (2تي20:2 + 2كو7:4). فالمؤمن مكرس وطاقاته مكرسة للرب. أجراس الخيل= هي أدوات إنذار، فنحن نور للعالم بحياتنا المملوءة تقوي نعلن رسالة الإنجيل، كإنذار (أجراس) لكل رافض للإيمان. ويحيا المؤمنين كمناضح فالمنضح يملأ من دم الذبيحة ليسكب على المذبح. ونحن نحيا بدم المسيح الذي ذبح ليعطينا دمه عهداً جديداً وسر حياة "لي الحياة هي المسيح" (في21:1) لأن دمي مشرب حق.. من يشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه.. من يأكلني فهو يحيا بي (يو55:6-57). والدم هو الحياة (تك4:9). فالمسيح أعطانا حياته نحيا بها ونخلص بها (غل20:2 + رو10:5).ومن صار المسيح حياته يتشبه بالمسيح، ويكون مستعداً أن يسكب حياته لأجل المسيح، ويقدم نفسه ذبيحة حية أولاً، ويكون مستعداً أن يسكب دمه فعلاً لأجل ذاك الذي مات عنه (رو1:12 + رو36:8 + 2تي6:4). وهذا هو معنى القدور في بيت الرب (المؤمنين في الكنيسة) تكون كالمناضح (مملوءة دماً هو حياة المسيح) أمام المذبح (مستعدة لأن تنسكب في أي وقت وتمات من أجل المسيح. المذبح هنا هو صليب الاستشهاد والألم الذي يجب على كل مؤمن أن يحمله) ويشارك المسيح صليبه، فيصير له تلميذاً.

كل قدر في أورشليم= كل مؤمن في الكنيسة= تكون قدساً للرب أي مكرس للرب، ومقدس. وكل الذابحين= هؤلاء هم كهنة العهد الجديد الذين يقدمون ذبيحة الافخارستيا التي تقدس شعب الكنيسة، يأخذون منها= هذه تقدمات المؤمنين للكنيسة، والكهنة في القداسات يصلون فتتحول القرابين إلى جسد ودم المسيح الذي يقدس، والذي يعطي لغفران الخطايا (مت28:26). ولأن الصلوات في القداسات تكون لتحويل الخبز والخمر لجسد المسيح ودمه. وجسد المسيح ودمه أعطيا لنا ليكونا لنا مأكلاً ومشرباً فتكون لنا حياة. قيل هنا أن الذابحين (الكهنة) يطبخون. فيها= أي يأخذ المؤمنين هذا الجسد وهذا الدم ويأكلونه ليصير فيهم حياة. ونصير بالتناول آنية مقدسة= قدور تحمل جسد المسيح ودمه. ومن يتغذى على جسد المسيح ودمه تغفر خطاياه ولا يصير ملعوناً بعد = لا يكون بعد كنعاني في بيت رب الجنود= فالكنعانيون ملعونون (تك25:9) ولكن داخل الكنيسة لا توجد لعنة، وهذه الصورة ستكمل تماماً في السماء، التي لا يدخلها رجسين (رؤ27:21).

 


 

[1] لاحظ قبول اليهود للنبي الكذاب في آخر الأيام وهلاك هذا الكذاب (رو10:20، رؤ20:19)

 

الصفحة الرئيسية