الفصل الأول
الله سر الأسرار
الله العلي المرتفع,,, الأزلي الأبدي,,,
الذي وسع كرسيه السموات والأرض,,,
ووسع كل شيء علماً,,,
الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار,, هو سر الأسرار,
وجوده الأزلي سر
ذاته العلية سر
صفاته الإلهية سر
قدرته اللانهائية سر
حكمته العالية سر
محبته الفائقة سر
وحين يريد الإنسان البشري أن يعرف بمجرد عقله,, وجود الله,, وذاته,, وقدرته,, وحكمته,, ومحبته,, يصاب بدوار,, فالعقل الإنساني يعجز تماماً عن فهم، واحتواء ذات الله,
تحدث أيوب، وهو نبي قديم عاش قبل موسى إلى أصدقائه أليفاز التيماني و بلدد الشوحي و صوفر النعماتي ,, فوصف الله بهذه الكلمات:
هُوَ حَكِيمُ الْقَلْبِ وَشَدِيدُ الْقُوَّةِ. مَنْ تَصَلَّبَ عَلَيْهِ فَسَلِمَ؟ الْمُزَحْزِحُ الْجِبَالَ وَلَا تَعْلَمُ. الَّذِي يَقْلِبُهَا فِي غَضَبِهِ، الْمُزَعْزِعُ الْأَرْضَ مِنْ مَقَرِّهَا فَتَتَزَلْزَلُ أَعْمِدَتُهَا، الْآمِرُ الشَّمْسَ فَلَا تُشْرِقُ وَيَخْتِمُ عَلَى النُّجُومِ. الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ. صَانِعُ النَّعْشِ وَالْجَبَّارِ وَالثُّرَيَّا وَمَخَادِعِ الْجَنُوبِ. فَاعِلُ عَظَائِمَ لَا تُفْحَصُ وَعَجَائِبَ لَا تُعَدُّ
أيوب 9:4-10 ,
**والنعش والجبار والثريا,,, كلها نجوم مصنوعة وموضوعة في الفلك بنظام عجيب,
وقال صوفر النعماتي في رده على أيوب:
أَإِلَى عُمْقِ اللّهِ تَتَّصِلُ، أَمْ إِلَى نِهَايَةِ الْقَدِيرِ تَنْتَهِي؟ هُوَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ، فَمَاذَا عَسَاكَ أَنْ تَفْعَلَ؟ أَعْمَقُ مِنَ الْهَاوِيَةِ، فَمَاذَا تَدْرِي؟ *
أيوب 11:7 و8 ,
وقال داود النبي في المزمور وهو يخاطب الله تبارك وتعالى:
يَا رَبُّ، قَدِ اخْتَبَرْتَنِي وَعَرَفْتَنِي. أَنْتَ عَرَفْتَ جُلُوسِي وَقِيَامِي. فَهِمْتَ فِكْرِي مِنْ بَعِيدٍ. مَسْلَكِي وَمَرْبَضِي ذَرَّيْتَ، وَكُلَّ طُرُقِي عَرَفْتَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ كَلِمَةٌ فِي لِسَانِي إِلَّا وَأَنْتَ يَا رَبُّ عَرَفْتَهَا كُلَّهَا. مِنْ خَلْفٍ وَمِنْ قُدَّامٍ حَاصَرْتَنِي، وَجَعَلْتَ عَلَيَّ يَدَكَ. عَجِيبَةٌ هذِهِ الْمَعْرِفَةُ فَوْقِي. ارْتَفَعَتْ، لَا أَسْتَطِيعُهَا. أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضاً تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ. فَقُلْتُ: إِنَّمَا الظُّلْمَةُ تَغْشَانِي . فَا للَّيْلُ يُضِيءُ حَوْلِي! الظُّلْمَةُ أَيْضاً لَا تُظْلِمُ لَدَيْكَ، وَاللَّيْلُ مِثْلَ النَّهَارِ يُضِيءُ. كَالظُّلْمَةِ هكَذَا النُّورُ
مزمور 139:1-12 ,
وقال بولس الرسول وهو يتحدث عن الله إلى رجال أثينا: الْإِلهُ الذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هذَا، إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِا لْأَيَادِي، وَلَا يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الْأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالْأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، لِكَيْ يَطْلُبُوا اللّهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. لِأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ
أعمال 17:24-28 ,
هذا الكائن الأزلي الأبدي,, الموجود في كل مكان,, العارف بكل شيء,, القادر على كل شيء,, هو سر الأسرار، وعلة ذلك أن:
اللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ
يوحنا 1:18 ,
وأنه جل جلاله يسكن في نور لا يُدنى منه,
مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الْأَرْبَابِ، الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِناً فِي نُورٍ لَا يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلا يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالقُدْرَةُ الْأَبَدِيَّةُ. آمِينَ
1 تيموثاوس 6:15 و16 ,
توسل إليه موسى النبي قائلاً :
أَرِنِي مَجْدَكَ
خروج 33:18 ,,
أي أرني وجهك,, فأجابه الله تبارك وتعالى قائلاً:
لَا تَقْدِرُ أَنْ تَرَى وَجْهِي، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَرَانِي وَيَعِيشُ
خروج 33:20 ,
كيف يمكن معرفة ذاك الذي لم يره أحد قط؟
ذاك الساكن في نور لا يُدنى منه؟
الله القدير,, الخالق,, الأزلي,, الأبدي,, الجبار,, هو سر الأسرار,, لأنه فوق متناول عقولنا,, ولا يمكن أن تراه عيوننا,
ولهذا عجز الإنسان البشري عن معرفته وإدراكه,,, لقد وصل الإنسان إلى مستوى رفيع من المعرفة، والفلسفة، والحكمة الإنسانية,, وغطت معرفته كل فروع العلم وما يقع عليه حسه وبصره في الحياة,,
ومع هذا كله لم يصل الإنسان بحكمته إلى معرفة الله,,
عجز الإنسان عن معرفة الله بحكمته البشرية,
لِأَنَّ حِكْمَةَ هذا الْعَالَمِ هِيَ جَهَالَةٌ عِنْدَ اللّهِ
1 كورنثوس 3:19 ,
قدماء المصريين كانوا حكماء, بنوا الأهرامات بحكمتهم, حنّطوا بعلمهم جثث موتاهم فبقيت تتحدى عناصر الفناء آلاف السنين, أنشأوا حضارة ما زالت آثارها تحكي قصة عظمة فنّهم وعلمهم وتقدمهم, ومع كل هذه الحكمة الإنسانية,, ضلّت عقولهم عن معرفة الله الحي الحقيقي، فعبدوا العجل أبيس، وصنعوا لأنفسهم آلهة بحسب تصورات عقولهم,,, وتعددت أصنامهم,
واليونانيون القدماء بلغوا في الفلسفة شأواً بعيداً, فظهر فيهم:
سقراط أستاذ الحوار وأفلاطون مؤسس المنطق وأرسطو الذي جمع في شخصيته الصفتين, ومع كل حكمتهم، وفلسفتهم، عاشوا يعبدون آلهة من صنع أيديهم, فعبدوا مارس إله الحرب وأفروديت إلهة الحب وفينوس إلهة الجمال وباخوس إله الخمر,,, وزفس، وهرمس وأرطاميس,,, وسجلوا حروب آلهتهم في ملحمتي الإلياذة والأوديسة,,
وفي عصرنا الحاضر وصل الإنسان إلى القمر,, واخترق بأشعته ظلمة الليل,, وطوَّع لنفسه الماء والهواء فطار بطائراته، وغاص في أعماق المحيطات بغواصاته,, ومع ذلك تردى إلى الحضيض في اعتقاداته وأخلاقياته,,
لم يستطع الإنسان أن يصل بقدراته العقلية إلى معرفة حقيقة الذات الإلهية,,,
وكيف يمكن للمحدود أن يحتوي غير المحدود؟
كيف يمكن احتواء مياه المحيط في كوب؟
كيف يستطيع الناقص أن يحتوي الذي لا حدّ لكماله؟
وكيف يمكن للعاجز أن يتصور قدرة القادر على كل شيء؟
لا طريق إلى معرفة الله,, سوى إعلان يأتي من الله تبارك وتعالى,