الفصل السابع
تجسد الله في المسيح لفداء البشرية
حقيقة رابعة لم يستطع محمد فهم معناها الصحيح، هي حقيقة تجسد الله في المسيح,
إن أشد ما يزعج المسلم ويثير غضبه، هو أن يسمع أن المسيح هو الله المتجسد,, أو هو ابن الله,
ذلك لأن القرآن قد حصَّنه ضد هذا الإيمان,
ذكر القرآن في سورة المائدة:
لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * سورة المائدة 5: 17 ,
لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * سورة المائدة 5: 72 ,
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ * يشابهون في الكفر قَوْلَ الذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * كيف يُصرفون عن الحق؟ * سورة التوبة 9: 30 ,
والذي يقرأ هذه النصوص القرآنية بتدقيق يرى أن المسيحيين في عصر محمد آمنوا بأن المسيح هو الله,, وآمنوا أنه ابن الله وهذا واضح تماماً فيما ذكره القرآن,
فالإيمان بلاهوت المسيح ليس بدعة جديدة,, وإنما هو إيمان المسيحيين الأمناء منذ قبلوا المسيح رباً وفادياً ومخلّصاً قبل ظهور محمد، وبعد ظهور محمد وإلى هذا اليوم,, وإلى يوم عودة المسيح,
إن محمداً لم يستطع وهو محاط بتيارات العقائد المتضاربة التي سادت في عصره أن يعرف المعنى الصحيح لتجسد الله في المسيح وبالتالي لم يعرف حقيقة المسيح,
وبالقطع فإن الاعتراف بأن المسيح هو الله لا يمكن أن يأتي بمجهود عقلي,, بل لا بد أن يأتي بإعلان سماوي,
كتب بولس الرسول للمسيحيين في كورنثوس قائلاً:
لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلَّا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ * 1 كورنثوس 12: 3 ,
هذا الحق يظهر في الحوار الذي دار بين المسيح وتلاميذه,,
ذات يوم اجتمع المسيح مع حوارييه في قيصرية فيلبس,, سألهم المسيح: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابنُ الْإِنْسَانِ؟ فَقَالُوا: قَوْمٌ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُونَ إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ . قَالَ لَهُمْ: وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟ فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابنُ اللّهِ الْحَيِّ . فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، ل كِنَّ أَبِي الذِي فِي السَّمَاوَاتِ * متى 16: 13-17 ,
لم يقبل المسيح الشهادة بأنه واحد من الأنبياء,
كان الاعتراف الصحيح الذي قبله المسيح وبارك من نطق به أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابنُ اللّهِ الْحَيِّ * متى 16: 16 ولم يأت هذا الإعلان لبطرس الحواري من ذاته,, وإنما جاءه من الآب الذي في السموات,
لكن محمداً رفض حقيقة تجسد المسيح وحاربها بضراوة وعنف منادياً قائلاً: مَا اتَّخَذَ * الله صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً * سورة الجن 72: 3 ,, وكان موضع الخطأ في رسالته أنه ربط أبوة الله للمسيح بالتنازل الجسدي الذي يتطلب علاقة جنسية بين الرجل والمرأة,, لم يدرك محمد أن هناك أبوة وبنوة أسمى بكثير من تلك التي تأتي ثمرة للعلاقة الجنسية,
ونعجب كثيراً إذ نقرأ في القرآن أن الجن هو مصدر الإعلان بان الله لم يتخذ ولداً,, الجن هو الذي نطق بهذا الإعلان وسجل القرآن هذا الإعلان على أنه وحي من الرحمن,, فقد جاء في سورة الجن:
قُلْ أُوحِيَ إِليَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَا مَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا * أي تعالت عظمته وجلاله وسلطانه مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً * سورة الجن 72: 1 و2 و3 ,
الجن الذي أمر الله بني إسرائيل بلسان موسى النبي أن لا يلتفتوا إليهم,, قال جماعة منهم أن الله ما اتخذ صاحبة ولا ولداً,, وسجل القرآن قول جماعة الجن على أنه كلام موحى به من الله,, وهو أمر يثير الدهشة,, ويدعو إلى التفكير, تعال معي لنقرأ ما قاله الله لبني إسرائيل:
لَا تَلْتَفِتُوا إِلَى الْجَانِّ وَلَا تَطْلُبُوا التَّوَابِعَ، فَتَتَنَجَّسُوا بِهِمْ. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ * لاويين 19: 31 ,
مَتَى دَخَلْتَ الْأَرْضَ التِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ، لَا تَتَعَلَّمْ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ رِجْسِ أُول ئِكَ الْأُمَمِ. لَا يُوجَدْ فِيكَ,,, مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلَا عَائِفٌ وَلَا مُتَفَائِلٌ وَلَا سَاحِرٌ، وَلَا مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلَا مَنْ يَسْأَلُ جَانّاً أَوْ تَابِعَةً، وَلَا مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذ لِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ * تثنية 18: 9-12 ,
يقول الله في التوراة التي أوحى بها لموسى النبي أن الالتفات إلى الجن نجاسة وأن من يسأل جاناً مكروه عند الرب ,
والقرآن يقرر أن نفراً من الجن مالوا إلى محمد يستمعون القرآن، ومنهم تلقى محمد الكلمات التي ذكرها القرآن:
مَا اتَّخَذَ * الله صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً * سورة الجن 72: 3 ,
ويذكر القرآن في سورة الأنعام:
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * سورة الأنعام 6: 101 ,
إن فهم محمد لأبوة الله للمسيح، لم يكن فهماً على أساس إعلانات الكتاب المقدس الموحى به من الله,, بل تلقى علمه في هذا الأمر الخطير من نفر من الجن,, ومن التفكير الجسدي,, ومن الغناطسة، والآريوسيين، والأبيونيين,, فظن أن بنوة المسيح، وهي بنوة روحية أزلية، ما هي إلا بنوة جسدية لا بد لها من صاحبة,
ومن عجب أنه بعد أن يشهر القرآن حربه ضد الإيمان بأن المسيح هو ابن الله,, فإنه يذكر هذا النص الخطير:
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَانِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ * سورة الزخرف 43: 81 ,
وهذا النص القرآني يعطي للمسلم الحق,, إن ثبت من كلام الله الموحى به في التوراة والانجيل أن المسيح ابن الله,, أن يكون أول العابدين له,, الساجدين عند قدميه,,
إن أبوة الله صفة من صفاته الأزلية، ومن أسمائه في التوراة والإنجيل اسم الآب ,, لذا تحتم أن تكون أبوته للمسيح أزلية,,
حدثنا الدكتور ديهان عن أحد خدام الإنجيل ,, كان يتكلم عن لاهوت المسيح,, وإذا بشخص من الحاضرين في الاجتماع يقاطعه ويقول له بصوت عالٍ: أنت لا تستطيع إثبات أن المسيح هو ابن الله الأزلي, إن الآب أزلي والآب منطقياً يسبق ابنه في الوجود,, وعلى هذا لا يكون الابن أزلياً كأبيه,, وإذا لم يكن المسيح أزلياً,, فليس هو الله ,
ورد خادم الإنجيل على هذا المعترض قائلاً: لقد صدقت يا صديقي في قولك أن الآب أزلي ,, والآن دعني أسألك, كيف يكون الله الآب الأزلي؟ دون أن يكون معه في وحدته الجامعة الابن الأزلي؟ إن أزلية الأبوّة في الآب تحتم أزلية وجود الابن ، إذ لا بد أن يكون للآب الأزلي، ابناً أزلياً,, وإلا ما كان هو الآب الأزلي,, إن الأبوة الأزلية تحتم وجود البنوة الأزلية ,
يقول القرآن للمسلم:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَِليٌّ مِنَ الذُّلِّ * أي ولا ولي يواليه المعونة من أجل مذلة يدفعها عنه وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً * سورة الإسراء 17: 111 ,
وَيُنْذِرَ الذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً * سورة الكهف 18: 4 و5 ,
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * منكراً فظيعاً تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ * يتشققن ويتفتتن من شناعته وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَداً وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * سورة مريم 19: 88-92 ,
هنا يتبلور الخطأ في مفهوم القرآن لمعنى بنوة المسيح,,
إن المسيح الذي يتحدث عنه الكتاب المقدس ليس
ولد الله بل ابن الله ,,
الله لم يتخذ ولداً,
لأنه لو كان المسيح ولد الله لكان الله سابقاً له في الوجود كما يسبق الأب ابنه,,
لكن المسيح هو ابن الله وتعبير الابن يعني المساواة في الأزلية وفي الذات,
نقرأ في العهد القديم عن أمصيا ملك يهوذا أنه: كَانَ ابنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ * 2 ملوك 14: 2 ,
ونقرأ عن عزريا بن أمصيا أنه كَانَ ابنَ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ * 2 ملوك 15: 2 ,
ونقرأ عن حزقيا ملك يهوذا أنه كَانَ ابنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ * 2ملوك 18: 2 ,
وكلمة ابن في الآيات السابقة تعني المساواة في الوجود الزمني,
فالملك أمصياً كان عمره خمس وعشرين سنة,
والملك عزريا كان عمره ستة عشر سنة,
والملك حزقيا كان عمره خمس وعشرين سنة,
فكلمة ابن هنا لا تعني التبعية في الوجود الزمني بل تعني بالقطع المساواة في الوجود,
الله لم يتخذ لنفسه ولداً في الزمان,, حاشا له,
المرة الوحيدة التي قال فيها الكتاب المقدس في نبوة عن ولادة المسيح لأنه يولد لنا ولد ذكرت في سفر إشعياء النبي بالكلمات:
لِأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابناً، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ السَّلَامِ * إشعياء 9: 6 ,
والقراءة المدققة لهذه النبوة ترينا أن المتكلم هنا ليس الله الآب وحده,, بل الله الجامع في وحدانيته,, المتكلم في النبوة هو الثالوث العظيم لذلك يقول:
لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابناً ,
فالوليد ليس وليد الآب وحده,, إنه وليد الثالوث,, وهو موجود فيه منذ الأزل,, لكن النبوة تتحدث عن تجسده في الزمان,, الرحمن لم يتخذ ولداً سبحانه,, إن المسيح هو ابنه الأزلي,, لكنه صار ولداً حين تجسد بمعنى أنه صار ابناً ذكراً,, ووجود المسيح الأزلي دليل قاطع على حقيقة لاهوته,
اسمعه يخاطب الآب في صلاته إليه بعد تجسده فيقول:
وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الْآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِا لْمَجْدِ الذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ * يوحنا 17: 5 ,
أَيُّهَا الْآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلَاءِ الذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي الذِي أَعْطَيْتَنِي، لِأَنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ * يوحنا 17: 24 ,
وقد قال المسيح لليهود:
الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ * يوحنا 8: 58 ,
قبل كون العالم,, المسيح كائن,
قبل إنشاء العالم,, المسيح كائن,
قبل أن يكون إبراهيم أبو الأنبياء,, المسيح كائن,
و الكائن هو اسم يتفرد به الله تبارك وتعالى,
وتحليل دقيق لنبوة إشعياء يظهر لنا أن الأسماء التي أعطيت لهذا الوليد,, كلها أسماء إلهية لا يمكن أن تُطلق على مجرد إنسان,
فالنبوة تقول عن هذا الوليد:
ويُدعى اسمه عجيباً مشيراً
إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام ,
وهذه كلها أسماء إلهية للإله الجامع في وحدانيته,
فهو وحده الذي اسمه عجيب * قضاة 13: 18 ,
وهو وحده المشير الذي لا مشير له * رومية 11: 34
وهو الإله القدير * تكوين 17: 1
وهو الأب الأبدي * ملاخي 2: 10
وهو الذي حل بملء لاهوته في المسيح * كولوسي 1: 19 ,
المسيح مساوٍ للآب في الأزلية,
والآن لنأت إلى مساواته في الذات الإلهية,
بعد أن أبرأ المسيح الرجل الذي كان به مرض منذ ثمان وثلاثين سنة بكلمة منه إذ قال له قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَا مْشِ * يوحنا 5: 8 ,, وقام الرجل في الحال، وحمل سريره ومشى,,
كان ذلك في يوم سبت,,
واعتبر اليهود أن شفاء الرجل يوم السبت هو انتهاك لقدسية هذا اليوم المقدس,, وطاردوا المسيح طالبين أن يقتلوه,
فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الْآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ * يوحنا 5: 17 ,
وإذ قال هذا القول كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ السَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ اللّهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِا للّهِ * يوحنا 5: 18 ,
لقد فهم اليهود، وهم أهل كتاب، من قول المسيح أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ,, إنه يعادل نفسه بالله, فالبنوية كانت في مفهومهم تعني المساواة بالله,, وهو مفهوم صحيح,
لم تكن هذه آخر مرة أكد فيها المسيح معادلته لله,, ففي يوحنا 10: 30 قال أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ ,
ولما قال له فيلبس أحد الحواريين يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الْآبَ وَكَفَانَا . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هذهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ أَرِنَا الْآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الْآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلَامُ الذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الْآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الْأَعْمَالَ * يوحنا 14: 8-10 ,
وفي مناسبة أخرى قال المسيح وهو الصادق الأمين:
كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الا بْنَ إِلَّا الْآبُ، وَلَا أَحَدٌ يَعْرِفُ الْآبَ إِلَّا الا بْنُ وَمَنْ أَرَادَ الا بْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ * متى 11: 27 ,
كلمات كهذه لا يمكن أن ينطق بها إنسان,, إن المسيح يعلن بكلماته في وضوح يغني عن أي شرح إن أحداً لا يعرفه في حقيقة لاهوته إلا الآب ,, وأن أحداً لا يعرف الآب في لاهوته إلا الابن فالعلاقة في الذات الإلهية بين الآب والابن علاقة ليس في مقدور العقل البشري معرفتها,,, إن الابن وحده هو الذي باستطاعته أن يعلن عن صفات الآب لمن يريد,, تماماً كما قال بفمه المبارك:
أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالحَقُّ وَالحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي * يوحنا 14: 6 ,
لقد أغلق المسيح الباب أمام كل مدعٍ,, هو وحده الطريق إلى الآب وليس سواه,
ومرة أخرى قال المسيح لسامعيه:
لِأَنَّ الْآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِا بْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الا بْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الْآبَ. مَنْ لَا يُكْرِمُ الا بْنَ لَا يُكْرِمُ الْآبَ الذِي أَرْسَلَهُ * يوحنا 5: 22 و23 ,
إكرام المسيح ابن الله, ,هو إكرام للآب الذي أرسله,, ومن لا يكرم الابن,, لا يكرم الآب الذي أرسله,, كلام خطير يسترعي الانتباه الشديد ويستدعي التفكير,
وحين ذكر القرآن:
لَقَدْ كَفَرَ الذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * سورة المائدة 5: 17 ,
أعلن بهذا النص القرآني عدم إكرامه للمسيح ابن الله,, وبالتالي عدم إكرامه للآب الذي أرسله,
الله تبارك اسمه لم يتخذ له ولداً,, فهو غني بذاته عن مخلوقاته,, وتصور اتخاذ الله ولداً، هو تصور لا وجود له في كل معطيات الكتاب المقدس، أو في تعاليم المسيحيّة الكتابية,
وقول القرآن لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَا صْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * سورة الزمر 39: 4 ,
قول يهز الكيان العقلي للإنسان,, لأن أحداً من خلق الله لا يمكن أن يسمو إلى مقام عزته وجلاله حتى يتخذه الله ولداً,,,
إن علاقة البنوة بين المسيح والله علاقة فريدة لا يمكن أن يرقى إليها الملائكة أو البشر,, فهو ابن الله الوحيد الذي لا مثيل له ولا شبيه,
ونحن هنا نعود إلى الكلمة الموحى بها من الله في كتابه الكريم، ونقبلها بغير قيد ولا شرط، وبغير أن يعترينا من جهتها أي شك, نقرأ في إنجيل يوحنا الكلمات:
لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ * يوحنا 3: 16 ,
وبقول يوحنا الرسول:
بِه ذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللّهِ فِينَا: أَنَّ اللّهَ قَدْ أَرْسَلَ ابنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ * 1 يوحنا 4: 9 ,
هذه بنوية فريدة,, من يؤمن بموت المسيح ابن الله على الصليب لن يهلك بل تكون له الحياة الأبدية,, والله الآب قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به,, هذه قضية مصيرية,
مَنْ لَهُ الا بْنُ فَلَهُ الْحَيَاةُ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ابنُ اللّهِ فَلَيْسَتْ لَهُ الْحَيَاةُ * 1يوحنا 5: 12 ,
كلمات لا يمكن أن يبتدعها بشر,, بل هي وحي إلهي صريح,, ونرى لزاماً علينا أن نذكر هنا الفرق بين بنوية الملائكة، وبنوية البشر، وبنوية المسيح,
الملائكة أبناء الله بالخلق
هذه حقيقة أكدها سفر أيوب:
وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللّهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ * أيوب 1: 6 ,
وبنو الله في هذه الآية هم الملائكة,,
وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقارن بين المسيح والملائكة ويقرر أن أحداً من الملائكة مهما سمت رتبته لا يمكنه أن يرقى إلى عظمة ابن الله,, فيقول:
لِأَنَّهُ لِمَنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ قَطُّ: أَنْتَ ابنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ ؟ وَأَيْضاً: أَنَا أَكُونُ لَهُ أَباً وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابناً ؟ وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللّهِ . وَعَنِ الْمَلَائِكَةِ يَقُولُ: الصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ لَهِيبَ نَارٍ . وَأَمَّا عَنْ الا بْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا اللّهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ * عبرانيين 1: 5-8 ,
هذه الآيات المنيرة تعلن لنا عظمة المسيح وأفضليته عن الملائكة,
فالله لم يقل حتى لرئيس الملائكة أنت ابني فكل الملائكة صنعة يديه,
والآيات تعلن لنا أن الله أمر الملائكة بالسجود للمسيح حين دخل العالم,
وَأَيْضاً مَتَى أَدْخَلَ الْبِكْرَ إِلَى الْعَالَمِ يَقُولُ: وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلَائِكَةِ اللّهِ * عبرانيين 1: 6 ,
لم يأمر الله تبارك اسمه الملائكة بالسجود لآدم يوم خلقه ,, فآدم ليس هو الله حتى تسجد له الملائكة,, بل إنّ آدم حين خُلق,, خُلق في درجة أقل من الملائكة كما يقول داود النبي في المزمور:
فَمَنْ هُوَ الْإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَا بْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ! وَتَنْقُصَهُ قَلِيلاً عَنِ الْمَلَائِكَةِ، * مزمور 8: 4 و5 ,
الملائكة أرواح,, خلقهم الله من نار,
الصَّانِعُ مَلَائِكَتَهُ رِيَاحاً وَخُدَّامَهُ نَاراً مُلْتَهِبَةً * مزمور 104: 4 ,
أما آدم فقد خلقه الله من تراب,, ولم يأمر الله جلّت حكمته الملائكة بالسجود له,, أولاً لأنه حرّم السجود لغيره تحريماً مطلقاً للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد * متى 4: 10 ,, وثانياً لأن الأعلى لا يسجد للأدنى,, والإنسان خُلق في درجة أقل من الملائكة,, وثالثاً لأن سجود الملائكة لآدم,, تأليه لآدم,, وتأليه آدم شرك بالله,
ولكن حين دخل المسيح ابن الله الأزلي إلى العالم صائراً في شبه الناس، صدر الأمر الإلهي إلى الملائكة اسجدوا * مزمور 97: 7 سجد الملائكة لابن الله الأزلي عندما تجسد في الزمان,
إن الملائكة هم أبناء الله بالخلق, وما قاله القرآن عن خلق الملائكة من نار مأخوذ من الكتاب المقدس فالقرآن لم يأت بجديد,
المؤمنون بالمسيح هم أبناء الله بالتبني
المؤمنون بالمسيح يعطيهم الله امتياز البنوية عندما يقبلون المسيح مخلصاً ورباً كما يقول يوحنا الرسول:
إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. وَأَمَّا كُلُّ الذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلَادَ اللّهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلَا مِنْ مَشِيئَةِ رَجُلٍ، بَلْ مِنَ اللّهِ * يوحنا 1: 11-13 ,
ويقول بولس الرسول:
لِأَنَّكُمْ جَمِيعاً أَبْنَاءُ اللّهِ بِالْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ * غلاطية 3: 26 ,
وفي كتاب العهد القديم أطلق الله على بني إسرائيل لقب ابني البكر فقال لموسى النبي:
فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ: هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِسْرَائِيلُ ابنِي الْبِكْرُ. فَقُلْتُ لَكَ: أَطْلِقِ ابنِي لِيَعْبُدَنِي، فَأَبَيْتَ أَنْ تُطْلِقَهُ. هَا أَنَا أَقْتُلُ ابنَكَ الْبِكْرَ * خروج 4: 22 و23 ,
وجدير بالملاحظة أن نقول أن كل علاقات البنوية المذكورة هنا - سواء بنوية الملائكة، أو المؤمنين بالمسيح، أو بني إسرائيل,, لا علاقة لها بالتناسل الجسدي، بل هي تعبير عن علاقة خاصة بمن تذكرهم,
فالبنوية حين ترتبط بالملائكة تعني أنهم خليقة الله وصنعة يديه, وحين ترتبط بالمؤمنين بالمسيح تعلن عن مركزهم الجديد في المسيح,
وحين ارتبطت بإسرائيل أعلنت أن بني إسرائيل هو أول شعب اختاره الله وأفرزه للشهادة له,, كما أعلنت عن أفضلية هذا الشعب على العالمين لأن المسيح ابن الله كان سيأتي منهم,
أما بنوية المسيح فهي فريدة,, لأنها أزلية ولا مثيل لها,
لقد غابت عن محمد هذه الحقائق الأربع بمفهومها الصحيح,
حقيقة قداسة الذات الإلهية وبغض الله التام للمعصية والخطية، وقدرته وحده للتكفير عن السيئات التي اقترفتها البشرية,
حقيقة كمال الصفات الربانية,
حقيقة الفهم الصحيح لفساد الطبيعة الإنسانية ووراثة الخطية,
حقيقة تجسد الله في المسيح في شخصية إنسانية لفداء البشرية,
ونتيجة لجهله بهذه الحقائق الجوهرية وقع محمد في خطأ جسيم إذ أنكر وحدانية الله الجامعة، ولم يستطع إدراك كمال الحق الإلهي,