الفصل التاسع

وحدانية الله الجامعة

في التوراة وأسفار العهد القديم

قلنا في فصل سابق أن الله سر الأسرار، وأنه لا يخضع بحال من الأحوال لمقاييس البشر,, فالله تبارك وتعالى فوق مقاييس المسافات، والأوزان، والمخابير المعملية,, إنه فوق الكم والكيف، لا يحده زمان ولا مكان,, يعجز العلم بكل ما وصل إليه عن إدراك حقيقة ذاته,

كيف نعرف الله وليس في مقدورنا كبشر أن نعرفه بمقاييسنا العلمية أو العقلية؟

الجواب الصحيح هو أن الله تسامت حكمته عرَّفنا بذاته وصفاته في إعلانه عن نفسه في كلمته,, وبدون إعلانه عن ذاته ما عرفناه,

وكلمة الله هي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، والذي ثبت بالدليل العلمي، والدليل النبوي، والدليل التاريخي، والدليل الأثري، والدليل الاختباري,, إنه بكل يقين كلام الله الموحى به بالروح القدس لأنبيائه,

في هذا الكتاب الذي تؤكد وحدته العجيبة، أن الموحي به واحد، وهو الله,, فقد كتبه أربعون كاتباً على مدى ألف وخمسمئة سنة، ومع ذلك فوحدته تثير العجب وتؤكد حقيقة وحيه,

في هذا الكتاب المقدس أعلن الله عن وحدانيته الجامعة، فهو إله واحد في ثالوث عظيم,, وسنبدأ أولاً بذكر إعلانات الله تبارك اسمه عن ذاته في التوراة وأسفار العهد القديم,, واضعين نصب أعيننا أن الله أعلم بما يدل على ذاته وآثاره وصفاته، وإن علينا أن نؤمن بما أعلنه عن ذاته في كلمته,

إعلانات الله عن ذاته في العهد القديم

وأول إعلان: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في غرّة سفر التكوين:

فهناك نقرأ الكلمات فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ * تكوين 1: 1 ، وفي الأصل العبري جاءت كلمة خلق بالمفرد، بينما ورد اسم الله بالجمع، إذ تقول الآية في الأصل العبري في البدء خلق إلوهيم السموات والأرض وكلمة إلوهيم هي جمع للاسم العبري إلوه أي إله, وتؤكّد الصيغة اللفظية للآية وحدانية الله في ثالوث عظيم هذا واضح من كلمة خلق التي تؤكد الوحدانية و إلوهيم التي تؤكد وجود الثالوث في هذه الوحدانية,

الإعلان الثاني: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم خلق الله الإنسان:

بعد أن أعد الله الأرض للسكنى، فأنبت فيها النبات، وخلق الحيوان، حان وقت خلقه للإنسان فقال جلّ شأنه: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا * تكوين 1: 26 ، وأمام ألفاظ هذه الصيغة يدور في الذهن أكثر من سؤال: مع من كان الله يتحدث حين قال نعمل ؟

وهل هناك من يعادله حتى يستشيره فيم يعمل، وهو المكتوب عنه من صار له مشيراً * رومية 11: 34 ؟!

وكيف يمكن أن يكون الإنسان على صورة الله وشبهه، والله لا شبيه له كما قال إشعياء النبي فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللّهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ * إشعياء 40: 18 ,

وما دلالة النون في نعمل و نا في صورتنا وفي كشبهنا ؟

وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً، ويكون في ذات الوقت على صورة الله مع أننا نقرأ أن اللّهُ رُوحٌ. وَالذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا * يوحنا 4: 24 ؟!

ولا يمكننا أن نجد إجابة شافية عن هذه الأسئلة إلاّ إذا وضحت أمامنا حقيقة وحدانية الله الجامعة ففيها نرى الآب والابن والروح القدس في حديث واحد يبدو في كلمة نعمل ، ونرى الثالوث العظيم يقرر الصورة التي سيخلق عليها الإنسان، وهي ذات الصورة التي كان المسيح سيأتي بها متجسداً، ولقد قيل عن المسيح ا لَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * كولوسي 1: 15 , وقيل أيضاً: وَل كِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِل هُ هذا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ * 2 كورنثوس 4: 3 و4 , وعلى هذا يكون الإنسان قد خلق على صورة الله باعتبار أن المسيح هو صورة الله غير المنظور، وهو في ذات الوقت الله الابن الذي تجسد في ملء الزمان,

وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم لغة التعظيم فتكلم كما يتكلم الملك فيقول نحن,, ملك لكن القائل بهذا القول يعلن عن جهله بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة التكلم بلغة الجمع أي بلغة التعظيم, ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ * تكوين 41: 41 ولم يقل قد جعلناك على كل أرض مصر وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً يتمتّع بكل جبروت الحكم الأوتوقراطي، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِا لْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً * دانيال 2: 5 ولم يقل الملك العظيم قد خرج منا القول فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من واقع الكتاب المقدس والتاريخ القديم,

الإعلان الثالث: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم سقط الإنسان:

بعد أن سقط آدم وحواء بعصيانهما الله بالأكل من شجرة معرفة الخير والشر نقرأ الكلمات: وَقَالَ الرَّبُّ الْإِلهُ: هُوَذَا الْإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفاً الْخَيْرَ وَالشَّرَّ * تكوين 3: 22 وهنا تظهر الوحدانية في ثالوث إذ تؤكد الكلمات وقال الرب الإله وحدانية الله، وتعلن الكلمات قد صار كواحد منا الثالوث في الوحدانية وإلاّ فما معنى قول الله هوذا الإنسان قد صار كواحد منا ؟ ومع من كان الله يتحدث بهذا الحديث؟

الإعلان الرابع: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم بدأ الناس في بناء برج بابل:

يرينا سفر التكوين صورة للبشرية بعد الطوفان تتحدث بلسان واحد ولغة واحدة، وتفكر في الاستقلال عن إله السماء، وتعلن التمرد على أمره الإلهي أَثْمِرُوا وَا كْثُرُوا وَا مْلَأُوا الْأَرْضَ * تكوين 9: 1 , وعن هذا نقرأ الكلمات: وَقَالُوا: هَلُمَّ نَبْنِ لِأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لِأَنْفُسِنَا اسْماً لِئَلَّا نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الْأَرْضِ . فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالبُرْجَ اللَّذَيْنِ كَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا. وَقَالَ الرَّبُّ: هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهذَا ابتِدَاؤُهُمْ بِالْعَمَلِ. وَالآنَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا يَنْوُونَ أَنْ يَعْمَلُوهُ. هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لَا يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ * تكوين 11: 4-7 ,

هنا أيضاً نجد الوحدانية في ثالوث فالوحدانية تظهر في الكلمات وقال الرب والثالوث يظهر في الكلمات هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم , ونكرر السؤال مع من كان الله يتكلم إذا لم يكن جامعاً في وحدانيته؟

الإعلان الخامس: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في قصة بلعام وبالاق:

فبعد أن بنى بالاق لبلعام سبعة مذابح وهيأ له سبعة ثيران وسبعة كباش نقرأ الكلمات فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: قِفْ عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ، فَأَنْطَلِقَ أَنَا لَعَلَّ الرَّبَّ يُوافِي لِلِقَائِي، فَمَهْمَا أَرَانِي أُخْبِرْكَ بِهِ . ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى رَابِيَةٍ. فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * عدد 23: 3 و4 ,

ولم يلعن بلعام بني إسرائيل كما أراد بالاق بل باركهم، وهنا نقرأ الكلمات فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: مَاذَا فَعَلْتَ بِي؟ لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي أَخَذْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمْ . فَأَجَابَ: أَمَا الذِي يَضَعُهُ الرَّبُّ فِي فَمِي أَحْتَرِصُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ؟ فَقَالَ لَهُ بَالَاقُ: هَلُمَّ مَعِي إِلَى مَكَانٍ آخَرَ تَرَاهُ مِنْهُ. إِنَّمَا تَرَى أَقْصَاءَهُ فَقَطْ، وَكُلَّهُ لَا تَرَى. فَالْعَنْهُ لِي مِنْ هُنَاكَ . فَأَخَذَهُ إِلَى حَقْلِ صُوفِيمَ إِلَى رَأْسِ الْفِسْجَةِ، وَبَنَى سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ. فَقَالَ لِبَالَاقَ: قِفْ هُنَا عِنْدَ مُحْرَقَتِكَ وَأَنَا أُوافِي هُنَاكَ . فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ وَوَضَعَ كَلَاماً فِي فَمِهِ وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى بَالَاقَ وَتَكَلَّمْ هكَذَا * عدد 23: 11-16 ,

وفي هذه المرة الثانية لم يلعن بلعام الشعب وتضايق بالاق فَقَالَ بَالَاقُ لِبَلْعَامَ: لَا تَلْعَنْهُ لَعْنَةً وَلَا تُبَارِكْهُ بَرَكَةً .,, فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالَاقَ: ابْنِ لِي ههُنَا سَبْعَةَ مَذَابِحَ وَهَيِّئْ لِي ههُنَا سَبْعَةَ ثِيرَانٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ . فَفَعَلَ بَالَاقُ كَمَا قَالَ بَلْعَامُ، وَأَصْعَدَ ثَوْراً وَكَبْشاً عَلَى كُلِّ مَذْبَحٍ.,, وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاًّ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * عدد 23: 25-30 و24: 2 ,

ويثبت النص الإلهي ثلاث تسميات للإله الواحد جاءت في هذه العبارات:

فَوَافَى اللّهُ بَلْعَامَ * عدد 23: 4

فَوَافَى الرَّبُّ بَلْعَامَ * عدد 23: 16

فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللّهِ * عدد 24: 2

ويسأل المرء أمام هذا الوضوح: ما معنى هذه التسميات الثلاث للإله الواحد؟ أليس الله هو الرب وهو روح الله؟

ونجيب أن النص يُظهر الثالوث بصورة أكيدة، ونحن نرى فيه - في نور العهد الجديد - أن الله هو الآب وأن الرب هو المسيح ، وأن روح الله هو الروح القدس ، وهكذا يظهر الله في وحدانيته الجامعة في هذه القصة من سفر العدد,

الإعلان السادس: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في سفر إشعياء:

وأول إعلان جاء في هذا السفر نراه في رؤيا إشعياء المجيدة، التي رأى فيها السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع واعترف أمام قداسة الله بنجاسة شفتيه، ونرى واحداً من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، قد جاء ومس بها فم إشعياء وقال إِنَّ هَذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ * إشعياء 6: 8 ، وبعد أن تطهر إشعياء من خطيته، وأصبح إناء للكرامة مقدساً نافعاً للسيد سجل هذه الكلمات المنيرة:

ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ: مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟ * إشعياء 6: 8 ,

ويرى القارئ أن وحدانية الله تظهر في كلماته التي جاءت بصيغة المفرد من أرسل ، وأن ثالوثه العظيم يظهر في صيغة الجمع من يذهب من أجلنا ؟

الإعلان السابع: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء مرة ثانية وبصورة باهرة في سفر إشعياء:

وهذا كلام الله في هذه الآيات الباهرات:

اِسْمَعْ لِي يَا يَعْقُوبُ. وَإِسْرَائِيلُ الذِي دَعَوْتُهُ. أَنَا هُوَ. أَنَا الْأَوَّلُ وَأَنَا الْآخِرُ، وَيَدِي أَسَّسَتِ الْأَرْضَ وَيَمِينِي نَشَرَتِ السَّمَاوَاتِ. أَنَا أَدْعُوهُنَّ فَيَقِفْنَ مَعاً. اِجْتَمِعُوا كُلُّكُمْ وَاسْمَعُوا. مَنْ مِنْهُمْ أَخْبَرَ بِهَذِهِ؟ قَدْ أَحَبَّهُ الرَّبُّ. يَصْنَعُ مَسَرَّتَهُ بِبَابِلَ، وَيَكُونُ ذِرَاعُهُ عَلَى الْكِلْدَانِيِّينَ. أَنَا أَنَا تَكَلَّمْتُ وَدَعَوْتُهُ. أَتَيْتُ بِهِ فَيَنْجَحُ طَرِيقُهُ. تَقَدَّمُوا إِلَيَّ. اسْمَعُوا هَذَا. لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنَ الْبَدْءِ فِي الْخَفَاءِ. مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَالآنَ السَّيِّدُ الرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ * إشعياء 48: 12-16 ,

عجيب هذا الإعلان الإلهي عن وحدانية الله الجامعة ففيه نجد الخالق يتكلم قائلاً:

أنا هو, أنا الأول وأنا الآخر, ويدي أسست الأرض ويميني نشرت السموات ,

وهذه الكلمات تنطبق تماماً على الرب يسوع المسيح الذي قال عنه يوحنا الرسول كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ * يوحنا 1: 3 ,

وقال عنه كاتب الرسالة إلى العبرانيين:

وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي الْبَدْءِ أَسَّسْتَ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ * عبرانيين 1: 10 ,

فالمسيح هو الخالق الذي يده أسست الأرض ويمينه نشرت السموات,

ثم يقول هذا الخالق العظيم أنا هو وهي ذات الكلمات التي قالها المسيح لليهود إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ .,, مَتَى رَفَعْتُمُ ابنَ الْإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِه ذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. وَالذِي أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ يَتْرُكْنِي الْآبُ وَحْدِي، لِأَنِّي فِي كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ * يوحنا 8: 24 و28 و29 ,

ويتابع هذا الخالق العظيم حديثه قائلاً: أنا الأول وأنا الآخر وهي ذات الكلمات التي قالها المسيح ليوحنا الرسول في جزيرة بطمس أَنَا هُوَ الْأَلِفُ وَاليَاءُ. الْأَوَّلُ وَالآخِرُ * رؤيا 1: 11 ,

ثم يقول منذ وجوده: أنا هناك وهذا دليل ساطع على أزلية المسيح، الذي عندما سأله اليهود ليس لك خمسون سنة بعد, أفرأيت إبراهيم؟ أجابهم قائلاً: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن * يوحنا 8: 57 و58 , وعبارة أنا كائن تؤكد أزليته,

وأخيراً يتكلم هذا الخالق الأزلي قائلاً: والآن السيد الرب أرسلني وروحه ومن يكون السيد الرب الذي ارسله؟

إنه يتحدث عن الله الآب كما قال في إنجيل يوحنا لِأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الذِي أَرْسَلَنِي * يوحنا 8: 16 ,

وعن من يقول وروحه إنه يقيناً يتحدث عن الروح القدس الذي اشترك في إرسالية المسيح كما نقرأ في سفر إشعياء رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لِأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لِأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالْإِطْلَاقِ. لِأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ * إشعياء 61: 1 و2 , وقد أكد الرب أن هذه الكلمات تمت في شخصه حين جاء إلى العالم ولذا نقرأ في إنجيل لوقا: وَدَخَلَ الْمَجْمَعَ حَسَبَ عَادَتِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَقَامَ لِيَقْرَأَ، فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لِأَنَّهُ مَسَحَنِي لِأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ,,, فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هذا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ * لوقا 4: 16-21 ,

في هذا النص يظهر الثالوث العظيم في وضوح وجلاء فنرى:

الآب مرسلاً للابن لإتمام مقاصده,

الابن متكلماً عن إرسال الآب والروح القدس له,

الروح القدس مشتركاً في هذه الإرسالية العظمى,

وقد ذكر كاتب الرسالة إلى العبرانيين أن المسيح قدم نفسه لله بالروح القدس فقال:

فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّهِ بِلَا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللّهَ الْحَيَّ! * عبرانيين 9: 14 ,

والآية الكتابية تؤكد أزلية الروح القدس إذ تذكر أنه روح أزلي ,

الإعلان الثامن: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء في سفر المزامير:

قرر القرآن أن سفر المزامير وهو الذي يسميه القرآن الزبور موحى به من الله,

,,, وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * سورة النساء 4: 163 ,

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * سورة الأنبياء 21: 105 ,

والنص القرآني يشير إلى ما جاء في مزمور 37:

أَمَّا الْوُدَعَاءُ فَيَرِثُونَ الْأَرْضَ، وَيَتَلَذَّذُونَ فِي كَثْرَةِ السَّلَامَةِ * مزمور 37: 11 ,

سفر المزامير وهو من أسفار العهد القديم,, وما زال كما هو بين يدي اليهود بغير عبث أو تحريف,, تماماً كما كان في أيام محمد,, يعلن هذا السفر الجليل بكلمات صريحة لا تحتاج إلى تأويل وحدانية الله الجامعة فيقول:

لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ فِي الْبَاطِلِ؟ قَامَ مُلُوكُ الْأَرْضِ وَتَآمَرَ الرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا .,,

إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ. قَالَ لِي: أَنْتَ ابنِي. أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ الْأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ الْأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَّزَافٍ تُكَسِّرُهُمْ ,,,

فَالْآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الْأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لِأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ * مزمور 2: 1-3 و7-12 ,

هذا المزمور كان وما زال في سفر المزامير، وهو كما قلنا موجود في كتاب العهد القديم,, وفي كتاب العهد القديم نقرأ الكلمات:

اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ * تثنية 6: 4 ,

ومع هذا التوكيد لوحدانية الله,, يسجل العهد القديم هذا المزمور,, فيصور لنا تفكير الشعوب في الباطل، وتآمرهم على الرب * الآب وعلى مسيحه * يسوع المسيح ,, ليتحرروا من قيودهما وربطهما,

ثم يعلن المزمور قضاء الرب من جهة ابنه الأزلي يسوع المسيح,, فيقول إني أخبر من جهة قضاء الرب, قال لي أنت ابني فالمسيح هو ابن الله الأزلي,, والآب يخاطبه بهذا الاعتبار قائلاً له أنت ابني ,, ثم يقول أنا اليوم ولدتك ,

وهذه الولادة حدثت في الزمان,, حدثت حين تجسد المسيح من مريم العذراء,, وكان هذا التجسد في خطة الله الأزلية,, كان قضاءً إلهياً,,,

والقرآن يقرر في سورة مريم أن ميلاد المسيح من عذراء كان قضاء إلهياً,, كان أمراً مقضياً فيقول:

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً * مطهراً من الخطية , قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * سورة مريم 19: 16 و17 و19 و20 و21 ,

وُلد المسيح من مريم العذراء مطهراً من الخطية، وولادة يسوع المسيح من عذراء كانت أمراً مقضياً,, كانت بقضاء إلهي تماماً كما قال كاتب المزمور إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ الرَّبِّ. قَالَ لِي: أَنْتَ ابنِي * منذ الأزل . أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ * في الزمان * مزمور 2: 7 ,

ولادة المسيح من مريم العذراء كانت ولادة معجزية, لا دخل لها في التناسل الطبيعي,, فالتناسل الطبيعي عمل من أعمال الجسد وحاشا لله أن يتناسل، لأن الله روح يملأ بلاهوته السموات والأرض ولا يُحد, وبهذا المفهوم يمكن أن نقول عنه تبارك وتعالى ما قاله القرآن في سورة الإخلاص:

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * أي واحد اللهُ الصَّمَدُ * مقصود كل حي لإمداده بما يحتاجه وجوده وبقاؤه لَمْ يَلِدُ وَلَمَ يُولَدُ * عن طريق التناسل الجسدي وَلَمُ يَكُنُ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ * أي ليس له مثيل * سورة الإخلاص 112 ,

لكن المسيح سُمِّي ابن الله في الكتاب المقدس,, وقال له الله تبارك اسمه في المزمور الثاني وفي أماكن أخرى أنت ابني لأن بنويته أزلية في وحدانية الله الجامعة,,

ونعود الآن إلى المزمور الثاني لنتأمل كلماته الختامية ومكان المسيح ابن الله فيه:

فَالْآنَ يَا أَيُّهَا الْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ الْأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِخَوْفٍ وَاهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. قَبِّلُوا الابْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ الطَّرِيقِ. لِأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ * مزمور 2: 10-12 ,

هذا نداء صريح من الروح القدس يوجهه إلى الملوك وقضاة الأرض الذين قاموا ليتآمروا على الرب وعلى مسيحه,, أن يتعقلوا,, ويتأدبوا,, ويُقَبِّلوا الابن, وفي القبلة معنى القبول الحبي,, فهو يدعوهم إلى قبول سيادة الابن بحب على حياتهم,, ثم ينذرهم من مغبة غضبه لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق ويعلن البركة العظمى للمتكلين على هذا الابن المبارك طوبى لجميع المتكلين عليه ,

وفي سفر رؤيا يوحنا نرى منظر ابن الله من الملوك والصعاليك وهم في رعب من غضبه العظيم عند مجيئه الثاني:

وَمُلُوكُ الْأَرْضِ وَالعُظَمَاءُ وَالأَغْنِيَاءُ وَالأُمَرَاءُ وَالأَقْوِيَاءُ وَكُلُّ عَبْدٍ وَكُلُّ حُرٍّ، أَخْفَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمَغَايِرِ وَفِي صُخُورِ الْجِبَالِ، وَهُمْ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ وَالصُّخُورِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا وَأَخْفِينَا عَنْ وَجْهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ غَضَبِ الْحَمَلِ، لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ يَوْمُ غَضَبِهِ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ؟ * رؤيا 6: 15-17 ,

وتؤكد الصلاة التي رفعها المؤمنون بالمسيح في أورشليم، وسجلها سفر أعمال الرسل أن المزمور الثاني هو نبوة عن المسيح ابن الله تمت جزئياً أيام الكنيسة الأولى وستتم كلياً عندما يأتي المسيح ثانية,

قال المؤمنون في أورشليم في صلاتهم:

أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الْإِلهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، الْقَائِلُ بِفَمِ دَاوُدَ فَتَاكَ: لِمَاذَا ارْتَجَّتِ الْأُمَمُ وَتَفَكَّرَ الشُّعُوبُ بِا لْبَاطِلِ؟ قَامَتْ مُلُوكُ الْأَرْضِ، وَاجْتَمَعَ الرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ. لِأَنَّهُ بِالْحَقِيقَةِ اجْتَمَعَ عَلَى فَتَاكَ الْقُدُّوسِ يَسُوعَ، الَّذِي مَسَحْتَهُ، هِيرُودُسُ وَبِيلَاطُسُ الْبُنْطِيُّ مَعَ أُمَمٍ وَشُعُوبِ إِسْرَائِيلَ، لِيَفْعَلُوا كُلَّ مَا سَبَقَتْ فَعَيَّنَتْ يَدُكَ وَمَشُورَتُكَ أَنْ يَكُونَ * أعمال 4: 24-28 ,

فالمزمور الثاني هو كلام الله ذاته,, أوحى به إلى داود النبي,, وهو يؤكد أن المسيح هو ابن الله ,, ومع أن اليهود لا يؤمنون بالمسيح الذي جاء في ملء الزمان وصُلب على الصليب، إلاّ أن هذا المزمور موجود في كتابهم مما يؤكد تأكيداً قاطعاً أن الكتاب المقدس لم تمتد إليه يد التحريف,

الإعلان التاسع: في العهد القديم عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء أيضاً في سفر المزامير,

ففي المزمور المئة والعاشر يقول داود النبي:

قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ * مزمور 110: 1 ,

ونقول مكررين أن وجود هذه الآية في هذا المزمور تؤكد تأكيداً باتاً أن الكتاب المقدس لم يحرفه أو يعبث بمحتوياته أحد,, لأنه لو أن اليهود حرفوا العهد القديم لكانت أولى الآيات التي حذفوها هي هذه الآية, فداود النبي، وهو يهودي يؤمن بوحدانية الله، يكتب بوحي الروح القدس فيقول قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك

كان داود النبي ملكاً ثيوقراطياً، لا تعلوه سلطة أرضية فعن من يقول قال الرب لربي ومن هو ذاك الذي يدعوه داود الملك ربي ؟

الجواب نجده في حوار المسيح مع الفريسيين:

وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ: مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟ قَالُوا لَهُ: ابْنُ دَاوُدَ . قَالَ لَهُمْ: فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبّاً قَائِلاً: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي اجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ؟ فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً، فَكَيْفَ يَكُونُ ابنَهُ؟ * متى 22: 41-45 ,

هذه الآيات المضيئة تعلن وحدانية الله الجامعة,, وتقرر أن المسيح ابن الله قد صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ * رومية 1: 3 ومع أنه صار من نسل داود، لكنه أصل داود ,, لأنه خالق داود,,, وقد قال المسيح عن نفسه:

أَنَا أَصْلُ وَذُرِّيَّةُ دَاوُدَ * رؤيا 22: 16 ,

ولأنّ المسيح هو ابن الله الأزلي,, يدعوه داود بالروح القدس ربّي

قال الرب الآب الأزلي

لربي الابن الأزلي

والكلام نطق به داود النبي بالروح الأزلي ,

هذه هي إعلانات كتاب العهد القديم عن الله,, لم يبتدعها اليهود أو المسيحيون، بل أوحى بها الروح القدس إلى أنبياء الله,,

والمسيحيون يقبلون إعلان الله عن ذاته بكل إيمان ويقين,, ومن يتهم المسيحيين بالشرك جاهل,, لا يعرف المسيحيّة الحقيقية، ولا ما يقوله الكتاب المقدس الكريم - كتاب المسيحيين - عن الله الواحد في ثالوثه العظيم,

ونرى لزاماً علينا ونحن في ختام الحديث عن إعلان الله عن ذاته في العهد القديم أن نذكر هنا كلمتين وردتا باللغة العبرية في كتاب العهد القديم للتعبير عن الوحدة,,,

الكلمة الأولى هي كلمة يَحَد وهي تعني الواحد البحت,

الكلمة الثانية هي كلمة احَد وهي تعني الوحدانية الجامعة,

ففي سفر التكوين نقرأ:

وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْماً وَاحِداً * تكوين 1: 5 ,

وكلمة واحداً المذكورة في الآية هي كلمة احَد وهي تعني أن المساء والصباح وهما متميزان لكنهما يكونان يوماً واحداً,, فكلمة احَد لا تعني هنا الواحد البحت,, بل تعني الوحدانية الجامعة , وفي سفر التكوين نقرأ أيضاً:

لِذ لِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً * تكوين 2: 24 ,

وكلمة واحداً هي هنا أيضاً كلمة احَد وهي ترينا بصورة بارزة أنها تعني وحدانية جامعة ,, فالرجل والمرأة متميزان الواحد عن الآخر لكنهما بالزواج يكوّنان وحدة جامعة,,,

أما الواحد البحت يحَد فقد ذكر في سفر التكوين في هذه الكلمات:

فَقَالَ: خُذِ ابنَكَ وَحِيدَكَ الذِي تُحِبُّهُ إِسْحَاقَ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الذِي أَقُولُ لَكَ * تكوين 22: 2 ,

وكلمة وحيدك في العبرية في هذه الآية هي كلمة يحَد التي تعني الواحد البحت,, كان اسحق هو الابن الوحيد الذي بقي مع إبراهيم بعد ذهاب إسماعيل,

عندما قال موسى لبني إسرائيل:

اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ * تثنية 6: 4 ,

جاءت كلمة واحد في العبرية احَد التي تعني الوحدانية الجامعة,,

ولعل القرآن حين ذكر في سورة الإخلاص قل هو الله أحد استعار ذات اللفظ العبري احَد ,, فالأرقام في العربية تبدأ بواحد وليس بأحد,, وقد استعار القرآن لفظ التوراة وهي كلمة عبرية,, كما استعار كلمة الإنجيل وهي كلمة يونانية، وفي القرآن كلمات كثيرة ليست عربية,

الصفحة الرئيسية

truth4islam@hotmail.com