أن أصحاب تلك الحالات لم يدخلوا الإسلام عن قناعة ذاتية أو رضاء تام,لذلك جاء عدولهم عنه ورغبتهم في العودة إلي عقيدتهم الأصلية نتيجة متوقعة لتسرعهم في الهروب من مشاكل تعرضوا لها أو مصالح دنيوية لاحقتهم,إذن لمصلحة من محاولة إرهابهم أو تعويق رغبتهم في العودة أو عرقلة تنفيذ أحكام القضاء بأحقيتهم فيما يطلبونه؟لا الإسلام ولا الأعداد الهائلة للمسلمين في العالم في احتياج للتشبث بهؤلاء لزيادة أتباعه.إذ أنشر هذه الرسالة,أنشرها لأعيد ترسيخ بعض الأمور التي سبق أن تعرض لها القضاء المصري وأوردتها حيثيات أحكامه,ويومها قلت إنني كنت أجهلها وتساءلت هل إخوتنا المسلمون يجهلونها أيضا؟...إن التوعية بتلك الأمور من شأنه إذابة الحساسية وعلاج الالتهاب المصاحب لحالات تغيير العقيدة فبالفعل هناك مساحة كبيرة من سوء الفهم مسيطرة علي عقول الجميع...إنني أعود إلي ملف الأمور المسكوت عنها لاستخراج الحلقة رقم(74) من سلسلة القراءات فيه وكانت منشورة بتاريخ 2004/5/16 تحت عنوان:
القضاء الإداري بمجلس الدولة يحسم مسألة الهوية الدينية,
وكان موضوع الحلقة حكم محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة بأحقية المدعية في الحصول علي بطاقة شخصية معدلة لإثبات عودتها إلي المسيحية بعد إشهار إسلامها,لكن ما استرعي انتباهي وحرصت علي نشره وقتها المبادئ التي أوردتها المحكمة في معرض تناولها لحيثيات الحكم وتتضمن الآتي:.
..حيث أن الجهة الإدارية ثد امتنعت عن تغيير اسم المدعية إلي الاسم الذي كانت تحمله وقبل دخولها الإسلام,وكذا تغيير الديانة في بطاقتها الشخصية إليمسيحية استنادا إلي أن تغيير الدين الإسلامي إنما ينطوي علي ردة-وإنه لا ردة في الإسلام- ولما كان الدستور المصري قد كفل مبدأ المساواة بين المواطنين,فلا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة وذلك بمقتضي المادة 40 من الدستور,كما قرر أيضا أن الدولة تكفل حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وذلك بنص المادة 46 من الدستور,وغني عن البيان أن ثمة علاقة بين إتاحة حرية العقيدة وبين الآثار التي قد تترتب علي تلك الحرية والتي لايمكن الفكاك منها,إذ القول بغير ذلك مؤداه إفراغ تلك الحرية من مضمونها وجعلها مجرد شعائر ولغو ودون مضمون حقيقي طالما أنه لم يقيد بثمة أثر قانوني أو واقعي يمكن أن ينتج من مباشرة تلك الحرية.وحيث إن الجهة الإدارية اعتبرت المدعيةمرتدة علي النحو السالف إيراده,وكان من المقرر فقها أن المسلم لايعتبر خارجا علي الإسلام ولايحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر وإطمأن قلبه به ودخل فيه بالفعل,وذلك حسبما ورد بكتاب فقه السنة(استفاضت حيثيات الحكم في سرد الأسانيد المرجحة في هذا الخصوص).وحيث إن هذا الموقف من جانب جهة الإدارة يعد تدخلا لا مبرر له ويشكل إجبارا منها للمدعية علي اختيار عقيدة ودين معين وهي ليست راغبة فيه,كما أن إثبات بياناتها الجديدة إنما هو مجرد إثبات الواقعة مادية بحتة تتعلق بحالتها المدنية في المستند المعد لذلك وهو بطاقة تحقيق الشخصية,وبالتالي فإنه حماية للغير ولجميع سلطات الدولة عند التعامل معها,لذلك يتعين إثبات الديانة الحقيقية لها وكذا اسمها الحقيقي حتي يكون المتعامل معها, علي بصيرة من أمره دون الوقوع في ثمة خطأ ومن ثم فإن هناك التزاما قانونيا علي جهة الإدارة أن تبادر وتثبت حقيقة الديانة التي تعتنقها المدعية حفاظا علي حقوق الغير.كما لايسوغ مجال من الأحوال أن تتخذ جهة الإدارة من سلطتها الإدارية المخولة لها قانونا وسيلة لإجبار المدعية علي الاستمرار في الإسلام....
***
إن المفاهيم التي انطوي عليها هذا الحكم وحيثياته تحمل تصحيحا
في غاية الأهمية لمفاهيم كثيرة مغلوطة إذا تمت التوعية بها
سوف تساهم في فك أسر حالات ليست قليلة استخدمت حقها الإنساني
والدستوري في حرية العقيدة,لكنها أجبرت علي الانزواء في الظل
بسبب سوء فهم السلطة الإدارية لدورها المناط بها قانونا
وانفلاتها في الانحياز بين الأديان.
لمزيد من التفاصيل راجع جريدة وطنى - يوسف سيدهم - بتاريخ 17/7/2005م عدد 2073