تقرير منظمة حقوق الإنسان عن حرية النشر

المنظمة المصرية لحقوق الإنسان (1)

The Egyptian Organization for Human Rights

 

  دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع
" الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر"
تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان

 



القسم الأول : حرية الفكر والإبداع وبدايات المحاصرة

في عام 1926 وجد الشيخ علي عبد الرازق نفسه في ورطة حقيقية بسبب كتابه الصغير المؤثر "الإسلام وأصول الحكم" فقد كفره البعض وفصل من وظيفته وصودر كتابه ، وأجبر صاحبه على الصمت المطبق وتغيير وجهته حتى وافته المنية ، وفي عام 1927 تعرض طه حسين لنفس الموقف بسبب كتابه "في الشعر الجاهلي" وأجبرته الضغوط النفسية التي تعرض لها على أن يعدل في أجزاء من كتابه ، بل وقد اتهمه البعض بالكفر غير أن القضاء برائه ، وهوجم كتاب "ابن رشد وفلسفته" لفرح أنطون بضراوة لأنه أعتبر أن ما أتى به هذا الفيلسوف الإسلامي من أفكار يصلح لأن يكون أساساً للعلمانية ، وأدى الهجوم عليه إلى إغلاق مجلة "الجامعة" التي كان يصدرها أنطون . وتوالت سلسلة تكفير التفكير ومصادرته في كتاب " مقدمة في فقه اللغة العربية" للويس عوض وكتاب " الحسين ثائراً وشهيداً لعبد الرحمن الشرقاوي و"سوسيولوجيا الفكر الإسلامي" للدكتور محمود إسماعيل، وقد وصل الأمر إلى حد المطالبة داخل أروقة مجلس الشعب عام 1978 بإحراق كتاب "ألف ليلة وليلة" وكتاب "الفتوحات المكية" للصوفي الكبير محي الدين بن عربي .
وقد شهدت فترة الثمانينات مصادرات عدة للعديد من الكتب والأعمال الأدبية والفنية سواء من قبل أجهزة الدولة أو مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر ، ففي عام 1989 صودر كتاب "الله الواحد في الثالوث " الذي جرى تداوله منذ عام 1965 ، وخلال نفس العام صودر من معرض القاهرة الدولي للكتاب ، كتاب " الانتخابات الطلابية في الجامعات المصرية".
أما بالنسبة للأزهر ، فبرغم أن القانون 102 لسنة 1985 قد حصر دور مجمع البحوث الإسلامية في مراقبة ما يطبع وينشر من القرآن والسنة فقط ، إلا أن هذا الدور قد توسع عملياً ليشمل عدداً من الكتب التي تتعرض بالمناقشة لقضايا تاريخية وفكرية في الإسلام من مواقع مخالفة لموقع القائمين على شئون الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية ، ومن الأمثلة البارزة ، ما حدث لكتاب "الإسلام والقرن الهجري الخامس عشر" الذي صودر بناء على طلب الأزهر ، ثم حكم القضاء ضد المصادرة ، بعد أن تبين أن حيثيات طلب المصادرة لا صلة لها بالأمور الدينية بل لأسباب فكرية وسياسية .
وفي فبراير عام 1988 أصدرت إدارة البحوث والترجمة والنشر بمجمع البحوث الإسلامية قراراً بمصادرة عدة كتب من المعرض الدولي للكتاب المقام بالقاهرة حينذاك ومنع تداولها وهي:
1- مواجهة الفكر المتطرف في الإسلام .
2- قضية الحكم بما أنزل الله .
3- فتنة العصر الحديث -تطبيق الشريعة الإسلامية بين الحقيقة وشعارات الفتنة. 4- أبو هريرة (صادر في لبنان) .
5- المسلمون العلويون في مواجهة التجني (صادر في سوريا) .
وفي نفس العام ، توجه ضابط بالأمن إلى ناشر كتاب" رسائل جيهمان العتيبي" لمصادرة الكتاب ومنعه من التداول ، بناء على قرار شفوي صادر من مجمع البحوث الإسلامية .
وجاء عقد التسعينيات من العقد المنصرم ليشهد موجة عارمة من مطاردة الفكر المختلف ومحاصرة أصحابه وتجريمهم ، فقد تزامن صعود التيارات الإسلامية المتطرفة مع تزايد الدور الرقابي لمؤسسة الأزهر، مما أدى إلى تصاعد حملات التكفير ضد الصحفيين والكتاب والمفكرين ، وكذلك تصعيد حملات العنف ضدهم بدئاً من اغتيال المفكر العلماني د.فرج فودة في يونيو1990 ، ووصولاً إلى محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ في أكتوبر 1994:
1 - فرج فودة:
يعد د. فرج فودة من أبرز المفكرين العلمانيين والذي ذهب في معظم كتاباته إلى الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة وحقوق الأقليات ودحض الأصول الفكرية لتيار الإسلام السياسي ، وجاء اغتياله في يونيو 1990 وذلك بعد أيام قلائل من انتهاء ندوة علماء الأزهر والتي استصدرت بيانا يعد بمثابة تحريض سافر على القتل حيث وصفته بأنه من إتباع اتجاه لا ديني وشديد العداوة لكل ما هو إسلامي وأعلن متحدث باسم الجماعة الإسلامية عقب حادثة الاغتيال أنهم نفذوا العقوبة الشرعية لعريضة الاتهام التي أعلنها الأزهر
2- نصر حامد أبو زيد:
تبدأ وقائع هذه الحالة عندما تم رفض ترقية الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي كان يعمل أستاذا مساعدا بقسم اللغة العربية بجامعة القاهرة إلى درجة الأستاذية وحرمانه منها بسبب آراؤه الفكرية المنشورة في أبحاثه العلمية ووصفها بأنها تنطوي على الردة ، وبدأت حملة تشهير ضده امتدت من الصحف إلى المساجد ثم إلى ساحات المحاكم ، عندما صدر حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته وإجباره على السفر للخارج .
3- نجيب محفوظ:
وقعت محاولة اغتيال الأديب الكبير نجيب محفوظ في أكتوبر 1994، عندما قام أحد العناصر المنتمية للجماعة الإسلامية بطعنه بسكين في رقبته ، وكان الأديب قد تعرض لحملة شرسة تؤيد استمرار الحظر على روايته المعنونة " أولاد حارتنا "، ووصلت الحملة إلى ذروتها عندما أصدر عمر عبد الرحمن فتوى بإهدار دمه باعتباره كافر لم يعلن توبته على الرواية التي كتبها وصودرت منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
بدايات تصاعد الدور الرقابي للأزهر :
ولم يكن الأزهر بعيداً عن هذه الحملات التي انتهكت الحقوق الأساسية للفكر والتعبير ، وبرغم أن قانون الأزهر - القانون 103 لعام 1961 -قد خول مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر حق مراقبة بعض الكتب ، إلا أنه قصرها على كتب القرآن والسنة ، ولم يمنحه حق القيام بالمصادرة بنفسه ، بل قصره على حق التوصية بذلك فقط ، غير أن لجنة من مجمع البحوث قامت بمصادرة ثمانية كتب بنفسها ، من معرض القاهرة الدولي الرابع والعشرون للكتاب ، مما يشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع الأدبي والفني والتي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ، واعتداء على الدستور والقانون ، بما في ذلك قانون الأزهر ذاته . وهذه الكتب هي :
1-كتب المستشار محمد سعيد العشماوي
قوبلت كتب المستشار العشماوي بهجوم شرس وصل إلى حد تكفيره من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة ، وفي السابع من يناير 1992 ، قلمت لجنة من مجمع البحوث الإسلامية ، بالتفتيش (1) على معرض الكتاب ، وصادرت بنفسها (!) خمسة كتب من جناح دار سينا للنشر بالمعرض دون إبداء أي أسباب ، وهذه الكتب جميعها من تأليف القاضي والمفكر المعروف المستشار سعيد العشماوي ، وهذه الكتب هي ( أصول الشريعة صدر في عام 1979 ، 3 طبعات ، والإسلام السياسي 1987 ، طبعتان ، والربا والفائدة في الإسلام 1988 ، والخلافة الإسلامية 1990 ، ومعالم الإسلام 1990 ) .
2-كتاب " قنابل ومصاحف " للكاتب والصحفي عادل حمودة
في 11 يناير 1992 ، قامت اللجنة بمصادرة كتاب" قنابل ومصاحف" من دار سينا للنشر بمعرض الكتاب للكاتب والصحفي عادل حمودة ، والذي صدر في عام 1985 ، ثلاثة طبعات .
3-كتاب" خلف الحجاب -موقف الجماعات الإسلامية من قضية المرأة" للكاتبة سناء المصري في 11 يناير 1992 ، قامت اللجنة بمصادرة كتاب "خلف الحجاب -موقف الجماعات الإسلامية من قضية المرأة" ، للكاتبة سناء المصري والذي صدر في عام 1989 .
وقبل مصادرة تلك الكتب ، قامت مباحث المصنفات الفنية في مارس 1990 بمصادرة رواية "مسافة في عقل رجل" للأديب علاء حامد ، بناء على مذكرة من مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر ، بدعوى أن الرواية "تحتوي الحاداً وكفراً وإنكاراً للأديان " ، وطالب الأمين العام للمجمع بمحاكمة مؤلفها .يذكر أن الرواية قد صدرت في أبريل 1988 وقامت مؤسسة الأهرام بتوزيعها .
وفي 25 ديسمبر 1991 أصدرت محكمة أمن الدولة (طوارىء) حكماً بسجن الأديب علاء حامد 8 سنوات وغرامة مقدرها 2500 جنيه مصري ، بعد أن أدانت روايته" مسافة في عقل رجل باعتبارها تشكل تهديداً لما سمي بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي ، وقد افتقدت المحاكمة للحد الأدنى من الضمانات القانونية ، حيث لم يتح القاضي للمحامين عرف دفاعهم وأصدر حكمه أيضاً ضد محمد مدبولي أحد موزعي الرواية ، وفتحي فضل المتهم بطبعها .
وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان قد أرسلت آنذاك التماس إلى د0 عاطف صدقي رئيس الوزراء تناشده استخدام سلطاته في عدم التصديق على الحكم الصادر ضد كل من الأديب علاء حامد ومحمد مدبولي وفتحي فضل ، باعتبار ذلك يشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير والإبداع الفني والأدبي.
وخلال عام 1990 ، قامت شرطة الرقابة على المصنفات بمصادرة كتاب "غريب في وادي الملوك" بناء على طلب الأزهر ، وقد تناول الكتاب بأسلوب التحقيق الصحفي، ما أثير حول العثور في مصر على الهيكل العظمى للبني يوسف (عليه السلام) .
وفى نفس الوقت الذي كانت تمتد فيه يد الأزهر للمصادرة على حرية الفكر والإبداع أو تتعالى فيه أصوات التيارات الإسلامية المتطرفة والمعادية للحرية تطاوئت أيضاً الأجهزة الأمنية، وقامت بمصادرة العديد من الكتب والأعمال الفكرية إما لأنها تمس نظام الحكم الذي تخشى السلطة من الاقتراب منه ، وإما إرضاء للتيارات الإسلامية المتعصبة والذي تكتسب الدولة منه الشرعية ، وهذه بعض الأمثلة :

1- كتاب "النبي المسلح" و "الاسلامبولى ورؤية جديدة لتنظيم الجهاد" للكاتب رفعت سيد أحمد ويرصد الأول تطور حركة الجماعات الإسلامية في مصر، أما الثاني فيتضمن تفصيلات عن محاولة اغتيال الرئيس السادات ، وقد طبع الكتابان في قبرص وحاول الناشر والمؤلف استصدار تصاريح لإدخالهما وعرضهما بمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، ولكن تم مصادرتهما ، ومنعا من التداول ، وكان ذلك في عام 1991.

2-" إسرائيل القوة الغاشمة " للمؤلف ملازم أول شرطة شريف محمد أبو الفتوح، والذي شرع في نشر هذا الكتاب من قبل مؤسسة مدبولى عقب تلقيه موافقة شفهية من القائمين عليها، إلا انه فوجئ بإحالته للتحقيق وإيداعه في مصحة نفسية في الفترة من 8/6/1994 وحتى 5/7/1994 وفى 8/8/1994 صدر قرار وزاري بإحالته إلى الاحتياط ، وعندما تقدم بتظلم حول إلى مجلس تأديب ووجهت إليه الاتهامات الآتية : الانضمام وتحبيذ فكر جماعة غير مشروعة " الإخوان المسلمين "، والسعي لدى بعض الجرائد لنشر مقاطع من الكتاب، وتقديم استقالة مكتوبة عبر فيها عن كراهيته للنظام الحاكم، وقد أيد مجلس التأديب قرار إحالته للاحتياط فيما ظل الكتاب مصادراً لدى مباحث أمن الدولة ، ومن جانبه أقام أبو الفتوح دعوى قضائية بطلب إلغاء قرار إحالته للاحتياط أمام القضاء الإداري ، في حين أن هذا الكتاب ما هو إلا دراسة تحليلية للقوى السياسية لإسرائيل والمجتمع الإسرائيلي .

3-كتاب " لماذا نقول لا لمبارك في الاستفتاء الرئاسي القادم " للدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين ، ففي أكتوبر 1993 صادرت السلطات المصرية ذلك الكتاب الذي يتضمن مجموعة من المقالات التي تنطوي على رفض ترشيح وانتخاب الرئيس مبارك لفترة رئاسة ثالثة ورصد لبعض عيوب الفترتين السابقتين ورفض الدعوة للاستفتاء الشعبي.

4-كتاب " عمر عبد الرحمن الزلزال الذي هز العالم " للمؤلف عصام كامل أحمد ، وذلك بتهمة تبنى أفكار متطرفة ومحاولة الترويج لها والإساءة لجهاز مباحث امن الدولة والتشكيك في وطنيته في حين أن الكتاب يتتبع ظهور الجماعة الإسلامية في مصر وعلاقتها بتنظيم الإخوان المسلمين منذ السبعينات وحتى الآن.

5-كتاب " من قتل المحجوب" للمؤلف منتصر الزيات ، ففي أكتوبر 1993 داهمت مباحث أمن الدولة المطبعة التي كان يطبع فيها الكتاب وتحفظت على النسخ والأوراق المستخدمة في الطبع وأفادت مباحث أمن الدولة المؤلف أن هذا قراراً صادراً عن النيابة العامة فتوجه إليهم فأفادوه بأنه لا يوجد مثل هذا القرار فقام بإعادة طبع الكتاب من جديد بإحدى المطابع فصادرته مرة أخرى فقام المؤلف بإرسال إنذار على يد محضر لوزير الداخلية فلم يتلقى إجابة. ويعرض الكتاب لوقائع محاكمة المتهمين في قضية اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت وعرض لأقوال المتهمين ودفاعهم ومرافعة النيابة وبعض الصور الشمسية للمحاكمة.

6-كتاب " حركة أل البيت " للمؤلف صالح الوردانى، ففي أغسطس 1992 داهمت مباحث أمن الدولة المطبعة وصادرت الكتاب الذي كان يعرض لحركة الخلافة الفاطمية في مصر وتطورها.

7-كتاب " لماذا نمقت اليهود " للكاتب احمد عبد العظيم إبراهيم والذي قبضت عليه مباحث أمن الدولة في أغسطس 1994 وصادرت الكتاب من المطبعة ووجهت إليه تهمة الانضمام لجماعة غير مشروعة وإحراز منشورات تحض على تعطيل الدستور، وكان هذا الكتاب يتضمن نقدا لاتفاقية كامب ديفيد واستعراض لتاريخ اليهود.

8- كتاب " هموم قبطية" للمحامي موريس صادق ، ففي أكتوبر 1994 أثناء طبع الكتاب حضر أحد ضباط الرقابة على المصنفات الفنية بوزارة الداخلية ونبه على المؤلف وصاحب المطبعة بعدم نشر الكتاب وطلب بعرضه على الرقابة على المصنفات الفنية لاتخاذ قرار لطبعه ، ويتناول الكتاب هموم الأقباط في مختلف المجالات من حيث ممارسة الشعائر الدينية والعمل السياسي وآراء لقداسة الباب شنودة الثالث .

9-حالة حقوق الإنسان في مصر سنة 1993 صادر عن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، ففي 19/9/1994 تلقت المنظمة المصرية من مؤسسة أخبار اليوم والأخبار إخطاراً بأنها قد تلقت تعليمات شفوية من أجهزة الأمن بالامتناع عن طرح التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسان في مصر في الأٍسواق .

وهناك أمثلة أخرى كثيرة ، ففي معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1994 تمت مصادرة العديد من الكتب بمعرفة جهاز الرقابة على المصنفات الخارجية بوزارة الثقافة ، حيث نقلت من مقر دار الهدف داخل المعرض إلى مقر الرقابة بالعتبة ، ولم يتم إعادتها للدار بعد ذلك أو إعادة تصديرها للخارج

*************************************************************************

دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع
" الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر"
تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان

 

القسم الثاني : الأزهر والمزيد من القيود على الحياة الفكرية

بمراجعة النصوص القانونية المنظمة لدور الأزهر وإدارته في الرقابة على حريات الإبداع ، نجد أنه لا يوجد نص صريح وواضح يكفل للأزهر القيام بمراقبة الإبداع الأدبي والفني ، فكل ماله هو تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسٍلامي من بحوث ودراسات لينتفع بما فيها من رأي صحيح أو يواجه الرأي الخاطىء بالتصحيح ، وهي مهمة فكرية بالأساس ، ولا علاقة لها بإبداء الرأي أو طلب المصادرة أو غير ذلك ، فعلى سبيل المثال نصت المادة 15 من القانون رقم 103 لسنة 1961 والخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها دور الأزهر في الرقابة على الكتب والمصنفات الفنية على " "أن مجمع البحوث الإسلامية هو هيئة إسلامية عليا يقوم بدراسة كل ما يتصل بالبحوث والدراسات والشئون الإسلامية ، كما يعمل على تجديد ثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب، كما يختص ببيان الرأي الشرعي في كل ما يستجد من قضايا ومشكلات مذهبية أو اجتماعية تتصل بالعقيدة الإسلامية" وقد جاء نص المادة "17" من اللائحة التنفيذية للقانون المذكور الصادرة بقرار رئيس الجمهورية رقم 250 لسنة 1975 ليؤكد ويحدد دور مجمع البحوث الإسلامية - خاصة في الفقرة السابقة في المادة سالفة الذكر - في تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي من بحوث ودراسات في الداخل والخارج للإنتقاع بما فيها من رأي صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد ونص المشرع في عجز هذه المادة على أن المجمع في سبيل تحقيق أهدافه وفي حدود اختصاصه أن يصدر توصيات إلى العاملين في مجال الثقافة الإسلامية من الهيئات العامة والخاصة والأفراد . وتشير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في هذا الصدد إلى حكم محكمة النقض الصادر في 5/12/1982 رقم 2062 لسنة 51حكم والذي أدان بشدة طلب مجمع البحوث الإسلامية التحفظ على كتاب مهما كان وأياً كان موضوعه .

وبرغم صراحة النص ، فإن القائمين على مجمع البحوث الإسلامية يرون أن من حقهم "فحص بعض الكتب والمؤلفات ذات الإطار أو الفكر المرتبط بالإسلام كدين سماوي والتراث الإسلامي المرتبط بالعقيدة الإسلامية ومكوناتها من قرأن وسنة ورصد كل ما يرد فيها ويكون مخالفاً للإسلام أو يتعارض مع نصوص القرآن والسنة وإعداد تقارير تفصيلية بملاحظاتها في هذا الشأن لإرسالها إلى الجهات المختصة والتي غالباً ما تنحصر في الأجهزة الأمنية والنيابة العامة موضحاً فيها التوصيات التي انتهت اللجنة إليها سواء بإجازة الكتاب أو العمل أو بعدم إجازته وذلك في حالة قيام المؤلف أو الكاتب أو المبدع من وجهة نظر أمين عام مجمع البحوث الإٍسلامية بتلفيق الاتهامات ولي أعناق النصوص وتوظيفها في سياقات لم ترد فيها أصلاً تحت شعار"حرية الإبداع" أو تزييف الحقائق الإسلامية ومهاجمة السنة النبوية والصحابة والنبي (ص) باسم حرية الإبداع والمساس بقيم الإسلام وتعاليمه وتقاليد المجتمع والطعن في الثوابت أو خلق الفتن بين إبتاع الأديان والمذاهب المتعددة .

فتوى مجلس الدولة تشعل فتيل الأزمة :
وفي واقع الأمر ، فإنه لم يكن للأزهر دور قانوني في الرقابة على المصنفات السمعية والبصرية ، حتى قام شيخ الأزهر آنذاك في يناير1994 بإرسال خطاب إلى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة يطالب باستصدار فتوى قانونية حول تحديد اختصاصات كل من الأزهر الشريف ووزارة الثقافة في التصدي للأعمال الفنية والمصنفات السمعية أو السمعية البصرية التي تتناول قضيا إسلامية أو تتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر أو التوزيع والتداول إعمالاً للصلاحيات المخولة لكل منهما بمقتضى القوانين واللوائح .

وفى 10 فبراير 1994 أصدرت الجمعية العمومية برئاسة المستشار طارق البشرى فتوى تؤكد أن الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأي الملزم لوزارة الثقافة في تقدير الشأن الإسلامي للترخيص أو رفض الترخيص بالمصنفات السمعية و السمعية البصرية .

وقالت الفتوى التي اعتبرها البعض في ذلك الوقت مساهمة من مجلس الدولة في هدم أسس الدولة المدنية ومحاولة بعث الدولة الدينية من جديد " أن الأزهر هو الهيئة العليا التي أناطها المشرع الوضعي حفظ الشريعة والتراث ونشرهما وحمل أمانة الرسالة الإسلامية إلى كل الشعوب ، وشيخ الأزهر هو صاحب الرأي فيما يتصل بالشئون الدينية ، كما أن مجمع البحوث الإسلامية بما يتبعه من لجان أو إدارات ، ومنها إدارة البحوث والتأليف والترجمة والنشر هو من له ولاية مراجعة المصحف الشريف ، ومن له حق التصدي لفحص المؤلفات والأعمال الفنية التي تتعرض للإسلام وإبداء الرأي فيها ، الأمر الذي يجعل هذه الهيئة هي صاحبة التقدير فيما يتعلق بالشئون الإسلامية، ومن ثم يكون إبداء الأزهر بواسطة هيئاته رأيه في تقدير هذا الشأن ملزماً الجهات التي نيط بها إصدار القرار".

وفي حقيقة الأمر أن هذه الفتوى -التي مازالت تطبق حتى هذا اليوم- تشكل انتهاكاً لحرية الرأي والتعبير ، فهي خالفت المواد 47-48-49 من الدستور المصري والتي تقر حرية الرأي و التعبير بكافة صورها وأشكالها ، وكذلك حرية الإبداع الفني والأدبي والثقافي ، وجاءت الفتوى أيضاً مناقضة تماماً للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والذي أصبح جزء من القانون المصري بعد التصديق عليه .

ومن ناحية ثانية ، قامت الفتوى على أساس التفسير المغرض لقوانين الأزهر ، فلم يرد في قانون الأزهر أية إشارة إلى حقه في المنع ، إلا فيما أوردته المادة 102 وتتعلق بحق الأزهر في الترخيص أو عدم الترخيص بطبع المصحف الشريف والأحاديث النبوية فقط دون أية مصنفات أخرى .

ضوابط ومعايير جديدة بهدف المصادرة :
وبتولي الشيخ محمد سيد طنطاوي رئاسة الأزهر ، شهد مجمع البحوث الإسلامية في ذلك الوقت تحولاً جديداً تمثل في ممارسته لدور الضابط أو المنظم لحريات التعبير في مجال الكتابة والفنون ومحاولة تقنين إجراء فحص الأعمال الإبداعية في الكتب والأعمال الفنية، ففي عام 2002 -2003 قام أحد أعضاء مجمع البحوث الإسلامية بوضع عدة ضوابط ومعايير لفحص الكتب وتم إقرارها بالإجماع وإرسالها وتوزيعها على جميع أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر والفاحصين الذين تستعين بهم اللجنة من الخارج ومناشدتهم ضرورة الالتزام بها عند الفحص .

وقد جاءت المعايير الجديدة متضمنة عدة نقاط سبقتها مقدمة تؤكد على أن دين الدولة هو الإسلام وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع وأن الأزهر هو الهيئة المنوط بها حراسة الشريعة الإسلامية ومراجعة المواد الفكرية والفنية والأدبية المقرؤة والمسموعة والمرئية في هذا الشأن وانه إيماناً من المجمع بازدهار منظومة القيم الإيمانية التي اتفقت فيها الفطرة السوية مع الديانات السماوية في عقل الأمة ووجدانها، فان المجمع يضع للأساتذة القائمين على فحص الكتب والأعمال الفنية التي تحال إليه لفحصها هذه المعايير الفكرية التي يحسن أن تراعى عند أداء المهمة :

1-ليس من اختصاص المجمع مصادرة الكتب ، فالمصادرة منوطة بالسلطة القضائية بنص القانون ومهمة المجمع هي إبداء الرأي الشرعي فيما يحال اليه .

2- اختلاف المجمع في الرأي أو المذهب مع مؤلف الكتاب لا يمكن أن يكون مبررا للتوصية بحجب الكتاب عن الطبع أو التوزيع فالاختلاف الفكري سنة من سننن الله وكذلك الحال مع الاختلافات المذهبية بين مذاهب الأمة التي استقرت أدلتها في تراث الإسلام فمن حق المذاهب المختلفة أن تعرض أفكارها ورؤاها بعيدا عن القلق والشذوذ
3-أن الأمة بمذاهبها المعتمدة قد اتفقت على أن هناك معلوم من الدين بالضرورة لم تختلف فيه الفطر السليمة لذلك فان المجمع حريص على عدم قبول أي فكر ينقض أو يخالف هذا المعلوم وهو على وجه التحديد ثوابت الإيمان وأركان الإسلام وهى : الأيمان بالله ، وبصفاته وكماله وأسماء الله الحسنى ، والإيمان بالوحي الإلهي والكتب السماوية جميعها والإيمان بجميع أنبياء الله ورسله والإيمان بالغيب والحساب والجزاء وباركان الإسلام الخمسة . 4- أن لكل أمة مقدساتها ومنظومة قيمها وأخلاقيتها ورموزها الدينية والفكرية وبطولاتها التاريخية فإن الحفاظ في عالم الفكر والآداب والفنون على المكانة السامية لهذه المقدسات والقيم والرموز هو مقصد من المقاصد التي تمثل معياراً للقبول والرفض في عالم الثقافة والأفكار وكما أن للأمة ثوابتها الدينية فلها أيضاً ثوابتها الحضارية التي تمثل الجوهر الذي يميزها عن الأمم والحضارات الأخرى عبر الزمان والمكان وهو المعبر عنه بالهوية الحضارية والحفاظ على الهوية الحضارية للأمة احد المقاصد في عالم الثقافة والأفكار .

5-إن إقامة الدين تقتضى الحفاظ على وجود الأمة الإسلامية ونهوضها وتقدمها فان المجمع حريص على رفض كل فكر يشق صف الأمة ويهدد وحدتها سواء جاء هذا التهديد في صورة مذاهب تنتسب إلى الإسلام أو فكر وافد يسعى لتفريق صفوف المسلمين .

6-وان كان واردا في فكر أي مفكر وكتابات أي كاتب اختلاط الغث بالثمين فان ترشيد العمل الفكري موضوع الفحص مقدم على التوصية بحجبه فمهمة الفاحص تصحيح الأخطاء قبل الرفض الكامل للكاتب وذلك إنقاذاً للعمل الفكري وأخذاً بيد الكاتب إما إذا كان الكتاب قد طبع بالفعل فان الموقف يكون الموازنة بين ما في الكتاب من ايجابيات وسلبيات لها علاقة وثيقة بالثوابت يقينا لا ظنا فإذا رجحت كفة الايجابيات أجيز الكتاب وإذا رجحت كفة السلبيات كانت التوصية بعدم الإجازة .

وقد وردت في تلك القواعد العديد من المغالطات ، والتي تؤكد أن الأزهر حتى في عهد الشيخ سيد طنطاوى يرغب في السيطرة على ميادين حرية الفكر والتعبير ليس فقط فيما يتعلق بطريقة تناول الإسلام ولكن بطريقة تناول التاريخ ، وتكشف عبارات الفقرتين الرابعة والخامسة عن ذلك التوجه فمما لاشك فيه أن عبارات مثل ، لان لكل امة منظومة قيمها وأخلاقياتها ورموزها الفكرية وبطولاتها التاريخية ، فإن الحفاظ على عالم الفكر والآداب والفنون على المكانة السامية لهذه المقدسات والقيم والرموز هو مقصد من المقاصد التي تمثل معياراً للقبول والرفض في عالم الثقافة والأفكار ، وكما أن للأمة ثوابتها الدينية فلها أيضاً ثوابتها الحضارية التي تمثل الجوهر الذي يميزها عن الأمم والحضارات الأخرى عبر الزمان والمكان وهو المعبر عنه بالهوية الحضارية والحفاظ على الهوية الحضارية للأمة هو احد المقاصد في عالم الثقافة والأفكار " وتؤكد مثل هذه العبارات على أن الأزهر يمد سلطاته في الرقابة ليس فقط في الشأن الديني ولكن إلى كل ما يمس التاريخ أو الهوية الحضارية أو منظومة قيم الأمة يدخل في اختصاص الأزهر ومراقبته . ويضاف إلى ذلك طلب الأزهر في عهد الشيخ طنطاوى من مجلس الدولة استصدار تلك الفتوى الشهيرة التي تبيح له مد سلطته الرقابية الملزمة إلى المصنفات السمعية والسمعية البصرية ، مما يؤكد وجود رغبة عارمة لدى الأزهر والقائمين عليه - أياً كانوا وكانت درجة سماحتهم - تحكمهم في حريات التعبير وإعادة صياغة عقل الأمة على نحو يساعدهم على السيطرة الدينية عليه.

ومن بين الكتب والمطبوعات الممنوعة والمصادرة بأمر من الأزهر والتي تم رفضها في ضوء المعايير التي وضعها مجمع البحوث الإسلامية في شان فحص الكتب والأعمال الفنية ما يلي :
1 - كتاب " الإجهاض ضرورة قومية والاعتقاد ضرورة علمية " للدكتور " محمد عبد المعطى " والذي تم منعه في عام 2002 بحجة تحيز المؤلف لحرية التفكير دون التمسك بحدود وضوابط أخلاقية أو دينية مع الاعتداد بتغليب مبادئ المصلحة والمنفعة في التفكير والاعتقاد، وهو ما يتنافى مع أصول وأسس الإيمان الصحيح ومخالفته لما ورد في كتاب الله من عدم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق باعتبار أن دعوة المؤلف إلى إجهاض النساء الحوامل تتنافى مع صحيح الدين في هذا الشأن علاوة على تهديدها لأمن واستدامة العنصر البشرى في إعمار الكون وعبادة الله وهى الغاية التي خلق الناس من اجلها وعلى ضوء هذه الاعتبارات أوصى مجمع البحوث برئاسة د. محمد سيد طنطاوى بعدم إجازة توزيع الكتاب وتداوله بين الناس.

2- كتاب "الخطاب والتأويل" لـ د. نصر حامد أبو زيد ، ففي السابع والعشرين من شهر نوفمبر 2003 ، أصدر مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قرار يحض فيه على منع الكتاب الصادر في عام 2000 عن "المركز الثقافي العربي" (بيروت - الدار البيضاء)، وجاء في القرار أن أبو زيد طعن في ثابتين من ثوابت العقيدة الإسلامية، وهما التوحيد وحفظ القرآن الكريم، الأمر الذي يمنع تداوله لطعنه في صحيح العقيدة الإسلامية" . وتمثلت الفضيحة المتجددة في أن المجمع استند في قراره هذا إلى تقرير أعده عضو المجمع محمد عمارة والذي خصه أبو زيد في كتابه الممنوع بفصل كامل تناول فيه أعماله بالنقد العميق واللاذع. فإذا بمحمد عمارة هو الخصم والحكم في قضية دنيوية وفكرية، حوّلها الأزهر وعمارة تهمة تكفيرية جديدة في حق أبو زيد تحت حجة واهية تقول بطعنه"في ثابتين من ثوابت العقيدة".

3-كتاب " هذا قرأني " للكاتب محمد عبد الرازق عفيفي وقد رفض المجمع هذا الكتاب في عام 2003 بعد ورود عدة نسخ من الكتاب من قبل موظفي المجمع الذين أعطتهم الدولة حق الضبطية القضائية وقامت لجنة البحوث والتأليف والترجمة بفحصه ، وقررت عدم إجازته نظراً لاحتوائه على المساس بالمقدسات والقيم والرموز التي تمثل الثوابت الحضارية الإسلامية بالإضافة إلى إنكاره للوحي الإلهي وتشككه في سلوك أنبياء الله ورسله ومهاجمته الشرسة للمذاهب الإسلامية بما يتناقض مع مبادئ الإسلام .

4- كتاب " زواج المتعة حلال بين الدين والتطور " للكاتب أحمد محمد سالم فقد رفض مجمع البحوث الإسلامية هذا الكتاب في عام 2003 بسبب مطالبة مؤلفه بإباحة زواج المتعة ، وقال المجمع أن هذا يتعارض مع أسس الزواج الصحيح الذي يدعو إليه القران الكريم بعكس هذا النوع من الزواج الذي يشجع على انتشار قيم المنفعة والمتعة الحسية، مما يهدد استقرار المجتمع وكيانه

5- كتاب " سينمائية المشهد القرأني " للمؤلف ياسر أنور رفض هذا الكتب في عام2003 والذي حاول مؤلفه إثبات سبق القران الكريم السينما التي تعتمد في مخاطبة المشاهد على الصورة والإيقاع والوجدان، وأكد أن آيات القران الكريم تحمل في طياتها مشاهد سينمائية بالغة الدلالة ولكن جاء رفض مجمع البحوث لهذا الكتاب بحجة إساءة القران لجلال القرآن الكريم وهيبته والاستهزاء بالسلف الصالح .

6- وصايا في عشق النساء - ديوان شعر احمد الشهاوى
برغم من أن مجمع البحوث قد انتهى إلى إمكانية الاقتباس من القران الكريم وفقاً لشروط محددة، إلا أن المجمع طالب بمصادرة هذا الديوان بحجة أنه اقتبس من القران الكريم رغم أن الشاعر وضع النصوص المقتبسة بين هلالين . ففي نهاية عام 2003 وجه النائب عن جماعة "الأخوان المسلمين" مصطفى محمد مصطفى سؤالاً برلمانياً إلى رئيس مجلس الوزراء عاطف عبيد عن أسباب إنفاق الدولة على ديوان يستهين بالدين ويستفز مشاعر المسلمين، في إشارة منه إلى طبع هيئة الكتاب التابعة لوزارة الثقافة ديوان الشاعر أحمد الشهاوي، "وصايا في عشق النساء". وعلى الأثر، أصدر مجمع البحوث الإسلامية تقريره في حق الشاعر وطالب بمنع ديوانه وأوصى بعدم طباعته من خلال هيئة الكتاب. ووجّه الأزهر في هذا التقرير انتقادات عنيفة إلى مؤسسات الدولة المصرية، واستغرب أن تتبنى مؤسسة رسمية "نشر العبث بآيات القرآن وأحاديث النبي". وجاء في التقرير أن ديوان الشهاوي "يحتوي على وصايا كلها موجهة إلى المرأة تدعوها إلى الذوبان في العشق، وأن تسلّم نفسها وجسدها بغير تحفظ ولا تستحي من فعل خطر لها". ولفت التقرير إلى أن في الكتاب "تمجيداً للذة الجسدية ويسوق آيات القرآن في غير مواضعها ويستشهد بها مع عبارات الفجور والفسق والتعري، واستعمال أحاديث النبي وإخراجها عن معناها لتكون في نطاق الدعوة إلى الاستمتاع، واستعمال أوصاف الله تعالى في وصف المعشوقة وإسناد أفعال الله إليها ما يكاد يكون كفراً صريحاً... والاستشهاد بكلام أهل التصوف ونقل معناه إلى ما يدعو إليه من عشق الذكر والأنثى... والدعوة الفاضحة إلى الفسق والتجرد من الحياء... واستعمال الكنايات أحياناً لكنها فاضحة مفضوحة". وأضاف: "لا ندري أي قيمة أو دعوة نافعة أو فائدة وراء طبع هذا الكتاب ونشره، وهل مثل هذه المنشورات تنفع الأمة وتحمي شبابها من المزالق والمهالك، أم أنها تفتح باب الفسق والفجور والفاحشة أمام شباب محروم، عاجز عن أن يجد ما ينشئ به أسرة لها حقوق وعليها واجبات لتكون إحدى لبنات الوطن"؟ وخلص التقرير إلى "أن ما يشتمل عليه الكتاب من عبث بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأعظم والتجرؤ على أوصاف الله وخلعها على الأنثى المعشوقة وتحريف معان لدى المتصوفين واستعمال عباراتهم في غير ما قصدوه، ذلك كله يدعو المنصفين الذين يخافون على مستقبل هذه الأمة في شبابها إلى منع نشر هذا الكتاب وتداوله".

وبمعزل عن الوصاية التي يمارسها مجمع البحوث الإسلامية على من يسمّيهم " الشباب المحروم والعاجز عن أن يجد ما ينشئ به أسرة"، والذي لا يكلف المجمع نفسه عناء السؤال عن سبب حرمانهم وفقرهم، فإن منهج التفكير الذي يبني عليه المجمع تقريره حول ديوان الشهاوي والحجج التي يوردها في هذا السياق، كفيلة، إن هي طبقت على موروثنا الأدبي والديني، أن تمنع ليس فقط كتب أبو نواس وعمر بن أبي ربيعة والمتنبي وابن حزم والمعري و"ألف ليلة وليلة"، ولكن أيضا كتب ابن العربي وجلال الدين الرومي والحلاج، لما فيها من كلام عن العشق والتوحد والوله. وقد بلغ الأمر ذروته مع رواية " وليمة لأعشاب البحر" للأديب السوري حيدر حيدر التي نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة ، فما أن أصبحت الرواية التي سبق نشرها في بيروت مطلع الثمانينات من القرن العشرين بين أيدي القراء ، حتى كتب محمد عباس مقال تحريضي بصحيفة الشعب اتهم فيه الكاتب بالكفر لأنه تطاول على الذات الألهية وهاجم وزارة الثقافة لأن الكتاب صادر عن إحدى هيئاتها ، وعلى الفور اندلعت مظاهرات بالحرم الجامعي للأزهر وانتهت مشاهد الاحتجاج المتكررة المصحوبة بجدل واسع النطاق بين النخبة الفكرية حول حدود حرية التعبير والإبداع إلى إغلاق جريدة "الشعب " وتجميد نشاط حزب العمل ، ولم تمر سوى أِشهر قلائل حتى تفجرت أزمة أخرى سميت بـ" أزمة الروايات الثلاثة" التي صدرت عن هيئة قصور الثقافة وانتهى الأمر بإقالة رئيس الهيئة علي أبو شادي ومنع توزيع هذه الروايات وتقديم اثنين من المسئولين عن سلسلة "أصوات أدبية" التي صدرت الروايات في إطارها ، إلى المحاكمة وهما الروائيان إبراهيم أصلان وحمدي أبو جليل

*****************************************************************************

 

 دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع
" الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر"
تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان


القسم الثالث : حماية الدين وحرية الفكر ......إشكالية تبحث عن حل

تكفير الكتاب والباحثين والأدباء والفنانين عملية تواصلت في كل مراحل التاريخ الإسلامي، وارتبطت في العصر الحديث ، لا فحسب بجامعة الأخوان المسلمين وإنما بكل الحركات ، التي اتخذت لنفسها مرجعية دينية في السياسة ، وأسهمت بذلك في تعطيل نمو البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني ، ووضع قيود على حرية كل من العقل والخيال باسم الدين . ومنذ مصادرة كتاب طه حسين " في الشعر الجاهلي" في الثلث الأول من القرن العشرين ، خسرت عدة أجيال لاحقة من الباحثين والمفكرين ، إمكانية تطوير المنهج العلمي ، الذي اتبعه الباحث ونقده بهدف تجاوزه ، وأسهمت الحملة ضد راوية " أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ في الحد من قدرة المبدعين على التعامل بحرية مع الوقائع التاريخية المرتبطة بنشوء الأديان كافة ، بل إن تكفير د " فرج فودة" وصولاً إلى التحريض على قتله ثم قتله فعلاً قد ألقى بستر كثيفة على البحث العلمي في ميدان الإسلاميات .

ووصل الأمر ذروته بصدور قرار وزير العدل الأخير ، والذي قضى بمنح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر ، وجاءت ردود الفعل إزائه متبلورة في وجهتي نظر هما :
وجهة النظر الأولى :
ويرى أصحاب وجهة النظر هذه من رجال الدين ومشايخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية أن منح الضبطية القضائية للأزهر لا يعني عودة محاكم التفتيش أو مصادرة الإبداع ، ولكن الهدف من ذلك حماية الدين والثقافة الإسلامية وتجريدها من الشوائب والمدسوسات والخرافات ، مؤكدين أن منحهم الضبطية القضائية يعتبر حقاً أصيلاً لهم قد تأخر لسنوات طويلة ، وأنه وسيلة وليست غاية لتحقيق دور المجمع والأزهر في الدفاع عن الدين والحفاظ على التراث الإسلامي ، لاسيما بعد أن اجتاحت الأسواق موجة شرائط كاسيت ومؤلفات تحمل أخطاء جسيمة وكذلك مصاحف تحوي أخطاء في السور والآيات ، ويرون أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأن حصول أعضاء المجمع على الضبطية القضائية إضافة للدور الذي كان يلعبه المجمع في حظر المطبوعات التي تسئ للدين سواء كانت شرائط كاسيت أو مطبوعات، كما أن هذه الضبطية تعطي الحق لمفتشي المجمع في ضبط كل ما من شأنه أن يسئ للدين ، وأن يعرض على المجمع لفحصه ، وإعداد التقارير اللازمة حول المضبوطات التي تضبط في الأسواق وخاصة التي لا تحمل تراخيص من الأزهر، وبالتالي فإن قرار الضبطية القضائية يخص طباعة ونشر المصحف الشريف والأحاديث النبوية، وليس في مراقبة طبع ونشر القرآن الكريم ما يمس حرية الإبداع الفكري أو الفني على حد قولهم .

ويرى أصحاب هذا الرأي أن القانون رقم 103 لسنة 1961 الخاص بتنظيم شئون الأزهر قد حدد مسئوليات المجمع والذي جاء في مادته الخامسة عشرة "أن مجمع البحوث الإسلامية هو هيئة إسلامية عليا يقوم بدراسة كل ما يتصل بالبحوث والدراسات والشئون الإسلامية ، كما يعمل على تجديد ثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب، كما يختص ببيان الرأي الشرعي في كل ما يستجد من قضايا ومشكلات مذهبية أو اجتماعية تتصل بالعقيدة الإسلامية ، مع متابعة ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامي بمجالاته المختلفة ومواجهتها بالتصحيح والرد في حالة تجاوزها لما هو معلوم من الدين بالضرورة، بالإضافة إلى أن سلطات المجمع محددة بالقانون الذي ينظم كيفية التعامل مع ما يعرض عليه من مؤلفات أو مطبوعات والتي من واجباته بيان الرأي الشرعي والفقهي فيها، وللمجمع أن يصدر توصيات إلى العاملين في مجال الثقافة الإسلامية والهيئات العامة والخاصة والأفراد بالرأي الواجب اتخاذه ، وذلك بعد دراسة ومناقشة مستفيضة من قبل أعضاء المجمع".ولهذا فإن الأمر قد تغير وتطور بعد حصول مجمع البحوث الإسلامية على الضبطية القضائية التي أعطته الحق في مراجعة دور النشر فيما تطبعه من مطبوعات تتعلق بالنواحي الشرعية ، وضبط كل ماهو مخالف أو لم يحصل على تراخيص مسبقة من الأزهر في طباعة هذه الكتب ، حيث جاءت هذه الضبطية بعد الطلب الذي تقدم به أعضاء المجمع لوزارة العدل -بعد أن كان دورهم يقتصر على إبداء الرأي للهيئات والمؤسسات والجهات الرقابية والأفراد فقط- حتى يستطيعون أداء دورهم في تنقية التراث الإسلامي والمؤلفات والمطبوعات الدينية من الأخطاء التي تسئ للإسلام أو تنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، وذلك عن طريق النزول للأسواق للبحث والتفتيش عن هذه المطبوعات التي أغرقت الأسواق المصرية ، والتي اعتبرها المجمع خطراً يجب التصدي له، ولذلك فإن هذه الضبطية جاءت لمصلحة الإسلام والمسلمين ولكل الأديان الأخرى.

وفي ضوء ما سبق ، يؤكد أنصار هذا الرأي أن مجمع البحوث والدراسات الإسلامية هو الهيئة العليا للبحوث والدراسات الإسلامية، ومن حقه النظر فيها ومراقبتها وتصويبها، أو الحكم بفسادها طبقا للقانون 103؛ ولذلك لا يجوز منع مؤسسة تقوم بعملها طبقا للقانون؛ بحجة حرية الفكر أو ما يسمى لدى البعض إبداعاً، وهو يخلو من أي قيمة جمالية أو علمية على حد قولهم ، فمجمع البحوث لا يصادر، وهذا بنص القانون، وهو يقوم بدوره عند عرض أية كتب أو مؤلفات تأتيه من جهات عديدة، مثل إدارة المطبوعات أو النشر، أو مباحث أمن الدولة، ثم يقوم المجمع بدراسة هذه الكتب ويقدم توصية إذا ما وجد بالكتب ثَمة ازدراء أو إهانة لأركان الإسلام وثوابته، أو تهديدا للقيم الخلقية التي تعترف بها الأديان السماوية، ثم تقدم تلك التوصية للجهات صاحبة الشأن التي تقرر هي المصادرة أم لا. فالمجمع لا يحكم بالمصادرة. أما اللجنة الموكل إليها صلاحية الضبط القضائي فهي خاصة بالمصحف وكتب الصحاح أو الكتب التي تحوي نصوصا قرآنية أو أحاديث نبوية، ومهمتها مراجعة الضبط والنظم والهجاء، وهذا حق أصيل للمجمع .

ومن أنصار هذا الرأي المستشار طارق البشري -نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق، صاحب الفتوى القانونية التي أصدر بناء عليها وزير العدل السابق المستشار فاروق سيف النصر قراره بمنح عشرة من أعضاء مجمع البحوث صلاحية الضبطية القضائية- ويرى أن هذه القضية قد تم فهمها بشكل خاطئ؛ حيث إن المقصود بالرقابة هنا ليست الرقابة على الكتب والإبداع، ولكن على طباعة المصحف والأحاديث النبوية الشريفة، وهذا طبقا للقانون 1985 الذي يمكن الأزهر من تطبيق الرقابة على نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية.أما بخصوص قرار وزير العدل الأخير بمنح بعض رجال المجمع صفة الضبطية القضائية؛ فيؤكد البشري أنه آلية تنفيذية لمنطوق القانون، وهى تماثل ما يقوم به مفتشو التموين في إنفاذ السعر الجبري للسلع التموينية، أو مفتشو وزارة الصناعة الذين يقومون بالتحري على قواعد الأمان الصناعية ومراقبة الجودة؛ فالتفتيش يتم في إطار قانون معين يمكن الشخص ذا صفة الضبط من المراقبة على تنفيذ القوانين الموجودة، والتي أناطها المشرع الوضعي للجهة الموكل إليها تطبيق القانون، وهي تتم بضوابط محددة وتحت إشراف القضاء والنيابة، حتى لا يساء استخدامها. ومن ثم فالضبطية القضائية محددة لأعضاء بالمجمع، ولا علاقة لها بالمصنفات ولا الكتب، ومهمتها ضبط المصاحف والأحاديث التي بها أخطاء، وهناك جهة تحتكم إليها عند مراجعة المصحف الشريف ضبطاًونظماً.ويشير المستشار البشري إلى أن الأزهر ليس له سلطة المراقبة على المصنفات السمعية والبصرية، ولكن إذا كانت هذه الوسيلة تتضمن موادَّ إسلامية؛ فمعنى ذلك أننا في حاجة إلى فتوى من الأزهر تخص شأنا إسلاميا، وفي هذه الحالة يُستشار في هذا الشأن، ومن ثم فعلاقته هنا ليست مباشرة؛ فالرقابة في الأصل هي لوزارة الثقافة التي تستشير الأزهر عند أي أمر يخص الشأن الإسلامي.

ولكن في نفس الوقت ، أبدى بعض علماء الأزهر تخوفهم من تضرر سمعة الأزهر من منح مفتشيه هذه السلطة والتفتيش على الأسواق عن الكتب والتسجيلات التي تخالف مبادىء الإسلام ومصادرتها ، وحذروا من أن هذا القرار يعود بالأزهر إلى الوراء ويدفعه لممارسة دور يشبه محاكم التفتيش في القرون الوسطى . وأكد العلماء أنه لا يجوز أن يمنح علماء الأزهر سلطة الضبط والتفتيش لمصادرة الكتب والأعمال الفنية المخالفة ، لأن ذلك من سلطة الإدارة العامة لمكافحة جرائم النشر والمصنفات الفنية بوزارة الداخلية ، وأن سلطته فقط هي إبداء الرأي ، مؤكدين أن الطريقة الوحيدة لمواجهة الفكر هي الفكر .

ولكن يبقى السؤال : هل يجوز لأي وزير أن يمنح صفة الضبطية القانونية لأية جماعة دون مراعاة للآثار المترتبة على هذا القرار؟ وإذا كان بالفعل ما أفتى به المستشار البشري صحيحاً.. فلماذا لم يمارسه الأزهر منذ صدور هذه الفتوى؟! هل حدثت مستجدات ألزمت السلطة التنفيذية اقتراح هذه الآلية. الواقع يشهد أنه حتى لو كانت هناك مستجدات فليست مطردة أو منظمة أو تشكل ظاهرة اعتيادية توجب هذا التدخل، كما أن التاريخ الإسلامي لم يشهد هذا الأمر، وإذا قام به أحد فربما يكون الخليفة ذاته أو المحتسب، وليس معهداً علمياً تخصصه البحث والدراسة، وهذا ما يفزعنا بأن يتحول رجال العلم إلى رجال أمن؛ لأن هذا لن يؤذي الإبداع فقط بل سيؤذي العلم أيضا؛ فالخلط في السلطات سيحول تلك المؤسسات العريقة إلى محاكم تفتيش، وهو ما يعني أن الأزهر كمدرسة ومؤسسة، سيكون هو الضحية الكبرى لهذا الإجراء.

وجهة النظر الثانية :
ويمثل وجهة النظر هذه المفكرين والأدباء وناشطي حقوق الإنسان ، ومنذ البدايات الأولى للإعلان عن القرار أعربوا عن رفضهم له باعتباره قيد إضافي على حرية الفكر الإبداع وردة على فلسفة الدولة المدنية، وسيعطي دور للأزهر أوسع مما يقرره القانون الذي يقصر دوره علي البحث في القرآن والسنة والشريعة وما يتعلق بها، ويبقي رأيه استشارياً في مسألة المصنفات الفنية ومصادرتها ، مؤكدين أنه برغم تحديد قرار وزير العدل مهمة الأزهر في تنظيم طبع المصاحف والأحاديث النبوية، ولكنه ما هو الضمان أن لا يكون القرار وسيلة لانتهاك حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد التي فوق القانون نفسه وفوق النصوص الدستورية ، بمعنى آخر كيف نضمن عدم تدخل الدولة سواء كانت سلطة دينية أو غير دينية لضرب حرية الفكر والمعتقد ؟ .

ويؤكد أصحاب هذا الرأي أنه برغم كون قرار وزير العدل خاص بالمصاحف والأحاديث النبوية، إلا أنه بمراجعة نصوص المواد ( 21 ،22 ، 23) من قانون الإجراءات الجنائية التي تحدد ماهية صلاحيات مأمور الضبط القضائي ، يتضح أن الاختصاص أوسع مما هو مذكور بالقرار ، فالفقرة قبل الأخيرة من المادة (23) تنص على أنه " ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دوائر اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم" ، وبالتالي هذا النص هو أوسع ويحدد الاختصاص لمأموري الضبط القضائي وليس قرار وزير العدل، لأنه هذا معناه أن رجال الضبطية القضائية المكلفين من الأزهر الشريف من حقهم دخول أي مكتبة وضبط أي كتاب يتعلق بالشأن الديني وفقاً للاختصاص العام للأزهر ، واصفين القرار بأنه مسمار إضافي في نعش الدولة المدنية بالبلاد ، ومكمل للخطوات التي حدثت بالفعل على مدار السنوات الماضية ،والسكوت عنه سيمهد الطريق لنشأة الدولة الدينية ، ومن شأنه تشكيل قيداً إضافياً على حرية الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد حتى في المجال الديني .

في حين رأت بعض الآراء أن القرار أبعد من منح الضبطية القضائية للأزهر ، فالمسألة تتعلق بالتحالف بين النظم الاستبدادية والتيارات الأصولية الإسلامية لضمان استمرارها ، ففي لحظات اهتزاز السلطة وضعفها تحت حكم النظم الاستبدادية التي لا تأخذ شرعيتها من صناديق الانتخابات ، يحدث هذا التحالف والذي يرجع إلى حاجة كل طرف لآخر لحمايته ، ومثالاً على ذلك تحالف النميري مع الأخوان المسامين ، والذي أدى في النهاية للإطاحة بالنميري .

وأكد أصحاب هذا الرأي أنه لا خلاف من الناحية النظرية مع مضمون قرار وزير العدل بشأن تمتع مجمع البحوث الإسلامية بسلطة مراقبة المصحف الشريف ، ولكن عند التطبيق يتعدى القرار مسألة المصحف وحماية الدين ، فالأزهر لا يحافظ على الدين الإسلامي بل على تفسيرات فقهية، فالمشكلة الكبرى التي تواجه المجتمع الثقافي أنه عليه مواجهة أمرين في نفس الوقت أولهما، الأصولية الدينية داخل المؤسسة الدينية الرسمية وهي الأزهر، والتي أخطر بكثير من جماعات الإسلام السياسي أو حتى الجماعات الإرهابية ، بحكم أن تلك المؤسسة قريبة من السلطة ، وثانيهما تحالف السلطة المستبدة التي تشعر بالضعف مع هذا التيار الديني ، وبالتالي تثمر المحصلة النهائية عن سنوات قريبة من سنوات حكم النميري.

ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن من يطلع على نص القرار والغرض منه،يتصور أن مصر تعاني من مصيبة كبيرة ، بمعنى آخر أن هناك سيل مهول من المصاحف المزورة والأحاديث ، والدولة غير قادرة على مواجهته ، في حين أن مصر لا تعاني من ذلك ، بل العكس نوجد الآلاف من الكتب المليئة بالخرافات والخزعبلات التي تسئ للدين الإسلامي والمغذية للإرهاب والتطرف والذي دفعت له مصر ثمناً فادحاً خلال العشر سنوات الأخيرة منتشرة على أرصفة الشوارع ، بل وعلى الأرصفة المجاورة لمبنى مشيخة الأزهر ، بل ولا يقوم الأزهر بالتصدي لها ،ولكن يقوم بمواجهة الأعمال الفكرية الإبداعية ، مطالبين المعنيين في الأزهر بتقديم إحصائيات للرأي العام عما تم ضبطه من مصاحف مزورة خلال السنوات الماضية وعلى الأخص بعد صدور قانون عام 1985 ، بحيث تشكل لجنة تتولى الضبطية القضائية .

وفي هذا الإطار ، تؤكد المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه إذا كان الدور الرقابي للمجمع ينصب على ضبط المصحف الشريف والأحاديث والحفاظ عليهما فلا اعترض على ذلك ، لكن السنوات الأخيرة تكشف عن عشرات التقارير التي حررها أعضاء مجمع البحوث ضد روايات كثيرة ودواوين شعرية وأبحاث علمية وكتب في الفكر الديني وتجديد الخطاب الديني والأجتهاد ، الأمر الذي يخرج المجمع عن دوره في ضبط المصحف والحديث ، ويتحول إلى محكمة تفتيش تحاصر حرية الفكر والإبداع ، فليس من حق أي فرد درس علوم الدين أن يتدخل في إبداعات الفكر أو العقل أو العلوم لأنها مسألة تقف ضد حركة الفكر والمجتمع ، فلم يحدث مطلقاً في التاريخ أن تراقب جهة دينية إسلامي الفكر ، وعملية إعطاء هذا الحق إلى جهة دينية هي عملية غير شرعية أي بدون سند ديني أو شرعي .

وفي بداية شهر يونيه من العام الحالي 2004 ، قرر مجمع البحوث الإسلامية التوصية بمصادرة خمسة كتب دفعة واحدة، هي رواية "سقوط الإمام" للكاتبة نوال السعداوي، وكتاب "الماسونية ديانة أم بدعة" لاسكندر شاهين والذي اعتبرته لجنة الفحص أنه "يروّج للماسونية التي تحارب الأديان وفي مقدمها الإسلام" ، وكتاب "نداء الضمير"، والذي اتهم تقرير اللجنة مؤلّفه علي يوسف علي بأنه "يهاجم من خلال كتابه السنّة النبوية ويشكك في كتبها الصحيحة ومصادرها وفي مقدمها صحيحا البخاري ومسلم، بل أنه يدعو إلى هدم السنّة النبوية ذاتها"، والكتاب الأخير في قائمة المنع هو "مدينة معاجز الأئمة الأثني عشر ودلائل الحج على البشر"، لمؤلفه سيد هاشم البحراني لكونه "أورد معجزات الأنبياء ونسبها للأئمة الأثني عشر".

وفي القرار نفسه، أوصى المجمع بمصادرة كتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" لمؤلّفه الشيخ خليل رزق. وفي هذا السياق كتب عضو لجنة الفتوى السابق في الأزهر الشيخ عبد العظيم الحميلي تقريراً أوصى بمنع الكتاب كون "مادة الكتاب تبين بوضوح مذهب الشيعة في شأن الإمام المهدي وهو موضوع اختلفت حوله آراء العلماء ولم يظفر باتفاقهم عليه". أي أن المجمع الأزهري قرر أيضا منع تداول الكتب التي تخص الإمام المنتظر في المذهب الشيعي، لا لشيء إلا لأن آراء العلماء اختلفت حول هذا الموضوع ولم تتفق عليه. فكأن ليس في اختلافهم رحمة للناس وحافز للتفكير والتأمل والاجتهاد.

ومنعت مجلة "الحياة الطيبة"لا لشيء إلا لعرضها أفكار نصر حامد أبو زيد. فبحسب جريدة الحياة في عددها الصادر بتاريخ 5/8/2004 كلّف مجمع البحوث الإسلامية د.أحمد حسن غنيم الأستاذ في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر - فرع أسيوط بفحص مجلة "الحياة الطبية" الصادرة في بيروت، فأعد تقريراً اعتبر فيه أن على المجلة مآخذ كثيرة منها "عرضها أفكار نصر حامد أبو زيد الهدامة، ولم تناقشها وتبيّن زيفها وبطلانها، مما يجعلنا في شك من أمرها، كما جاء فيها ربط بين خواطر الشيخ سيد قطب، وبين مذاهب الهرمينوطيقا الغربية وغير ذلك من أخطاء علمية". ورأى التقرير أن المجلة "تروّج كثيراً من الأفكار التي تتعارض مع المنهج الإسلامي الصحي. ولا بد من منع العدد الثالث عشر من التداول والطبع والنشر حفاظاً على العقيدة الإسلامية الصحيحة".

وإذا كان من الممكن فهم مدى تحسس أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، وفي مقدمتهم محمد عمارة، من كل مطبوعة تحاول أن تعيد الاعتبار إلى عدوهم اللدود الدكتور نصر حامد أبو زيد وأفكاره التنويرية، فإن لمن المضحك المبكي أن يدخل السيد قطب وخواطره في دائرة القداسة، ويمنع على الدوريات الربط بين هذه الخواطر ومنهج الهرمينوطيقا، لأن في ذلك "خطأ علميا" وتهديدا لـ "العقيدة الإسلامية الصحيحة". في حين ان مصطلح الهرمونيطيقيا في الفلسفة الغربية الحديثة وخصوصا لدى الفيلسوف الألماني غادامر، يكاد يكافىء مصطلح التأويل في الفلسفة الإسلامية.

والمتتبع لتاريخ الفكر الإسلامي يدرك مركزية التأويل عند الطبري والجرجاني والسيوطي، الذين استعملوه ليس فقط في التعامل مع نصوص لا تقل منزلة عن خواطر سيد قطب، لكنهم أيضا استخدموا التأويل في تعاملهم مع النص القرآني نفسه! أفلا يجوز مع خواطر سيد قطب في عصرنا الراهن، ما جاز مع النص القرآني على مدى تاريخنا الفكري الطويلّ؟ .
 دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع

****************************************************************************************


" الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر"
تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان




القسم الرابع :نوال السعدواي و جمال البنا نموذجا
ً
اقترح مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر في شهر يونيه الماضي برئاسة شيخ الأزهر الإمام سيد طنطاوي- منع تداول رواية "سقوط الإمام" للكاتبة نوال السعداوي مؤكداً أنها "تتعارض مع ثوابت الإسلام" بعد فحصها. واعتبر المجمع أنها "قائمة على أحداث خيالية البطل فيها شخصية محورية، وأطلقت عليه الكاتبة صفة الإمام, وتضمنت إساءات بالغة للإسلام وتعاليمه"، لكن السعدواي نفت إن تكون روايتها "متعارضة مع الإسلام" مشيرة إلى أن أحداثها تدور "حول رئيس في بلد ما يتقمص شخصية الإله وهو مستبد ويحكم الشعب بقبضة من حديد ولكن يتم اغتياله في لحظة احتفاله بعيد نصره ، قائلة " أنها كتبت جزءاً من الرواية داخل السجن عندما اعتقلها السادات مع سياسيين وكتّاب ومفكرين في سبتمبر 1981"، وأنها قصدت بالإمام السادات نفسه كونه "كان يطلق على نفسه صفة الرئيس المؤمن ولم تكن ترى أنه بالفعل مؤمن ، كما قصدت فضح سلوك الحكام الفاسدين في الرواية".

وقد جاء قرار المنع الاعتباطي للرواية ، برغم أنها قد صدرت قبل عشرين عاماً عن دار المستقبل المصرية ولم تتعرض لأي قرار بمنعها من الأزهر أو من غيره ، وترجمت إلى 14 لغة من بينها الإنجليزية والألمانية والفرنسية والسويدية والاندونيسية ، وتم إعادة طبعها مرات عدة باللغة العربية .

وقد علقت السعدواي على مصادرة روايتها بقولها " طالما أن الحكومة تتحدث عن الإصلاح ولا تنفذه, وما دام هناك من ينافق الإسلاميين, ويسعى إلى تملقهم حتى داخل المؤسسات الرسمية ومن بينها الأزهر, فإن مطاردة المبدعين ستستمر"، ولم تستغرب السعداوي الحملة الجديدة ضدها, ولفتت إلى أن الرواية كان منع توزيعها في معرض القاهرة للكتاب قبل سنتين, قائلة " في كل سنة يخرجون عليّ بحملة جديدة لإلهاء الناس وتخويف المبدعين وموالاة المتطرفين تارة بالسعي إلى تطليقي من زوجي بدعوى خروجي على الإسلام, وتارة بمهاجمة موقفي من قضية ختان الإناث, وأخيراً الطعن في كتبي ورواياتي", واعتبرت أن التيار الإسلامي "متغلغل في السلطة ومخترق للأزهر وهناك من يسعى إلى تملق الإسلاميين لأسباب ودوافع مختلفة بينها كسب أصواتهم في الانتخابات أو اتقاء شرهم وتجنب عنفهم", ورأت السعداوي أن "المبدعين العرب صاروا الوسيلة التي تستخدمها الحكومات والجماعات الإسلامية في آن واحد لضرب بعضهم ببعض", وتوقعت استمرار الحملات "ضد أصحاب الفكر المتفتح ممن يسعون إلى إخراج مصر من الظلمات إلى النور", ووصفت موقف الأزهر الجديد منها بأنه "دعوة للقتل, وتحريض ضد حياتها " .

ومن جانبه ، أشاد بيان اتحاد الكتاب الذي حمل عنوان "إدانة واحتجاج" بالسعداوي لمكانتها الأدبية وريادتها لحركة الإبداع الأدبي في الوطن العربي . وجاء فيه لأن الكتابة وحرية التعبير مكفولتان في الدستور والقانون ، فإن لجنة الحريات في اتحاد الكتاب راعها العودة إلى مصادرة الكتب الأدبية التي لا يجوز الحجر على إبداعها ولا على أفكارها ، ففن الرواية لا يحكم عليه إلا من ذوي الخبرة والممارسة سواء في الإبداع أو النقد العلمي ، معتبرا ً قرار المصادرة صدر من دون وجه حق ولأسباب واهية ، فالرواية لم تمس قواعد الدين .

بالإضافة إلى منع تدوال رواية السعداوي، فقد خلص المجمع إلى أن هناك ثلاثة كتب تتداول في الأسواق تتضمن مخالفات صريحة للإسلام منها كتاب "الماسونية... ديانة أم بدعة"، تأليف اسكندر شاهين والذي اعتبرت "لجنة الفحص" أنه يروج للماسونية التي تحارب كل الأديان، وفي مقدمها الإسلام. أما الكتاب الثاني فهو "نداء الضمير" لمؤلفه علي يوسف علي الذي "يهاجم من خلاله السُنة النبوية ويشكك في كتبها الصحيحة ومصادرها وفي مقدمها صحيحا البخاري ومسلم, بل أنه يدعو إلى هدم السنة ذاتها". والكتاب الأخير هو "مدينة معاجز الأئمة الأثنى عشر ودلائل الحج على البشر"، لمؤلفه سيد هاشم البحراني لكونه "أورد معجزات الأنبياء ونسبها للائمة الأثنى عشر".

أما بالنسبة لجمال البنا شقيق مؤسس جماعة "الأخوان المسلمين" حسن البنا ، وذي الباع الطويل في الكتابات الدينية والاجتهاد الفقهي والفكر، فقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية في شهر أغسطس الماضي قراراً يقضي بمصادرة كتابه"مسؤولية فشل الدولة الإسلامية في العصر الحديث ".

وكان مجمع البحوث الإسلامية قد تلقى نسخة من كتاب البنا من مخفر الشرطة في محافظة كفر الشيخ لإبداء الرأي فيه وبيان هل يتوافق مع الشريعة الإسلامية أم لا ، وقد كلف المجمع د. أحمد حسن غنيم، الأستاذ في كلية أصول الدين والدعوة في جامعة الأزهر، فحص الكتاب وإعداد تقرير عنه، وقد جاء في التقرير أن "المؤلف يذكر قضية الزي الخاص بالمرأة المسلمة التي عليها أن تلتزم معه آداب الحشمة الإسلامية، وهذا لا يعني بالضرورة التمسك بالحجاب المألوف،وإذا أرادت أن تغطي شعرها فيمكنها أن ترتدي قبعة تحقق المطلوب". وأخذ كاتب التقرير على البنا إباحته زواج المتعة للمسلم المقيم في البلاد الأجنبية واستشهاده في هذا المعرض بأقوال غريبة لا أساس لها من الصحة، وأوصى بعدم التصريح بتداوله"حفاظا على العقيدة الإسلامية الصحيحة" على حد قوله .

لاوصاية على الفكر :
وقد تحدى البنا القرار سالف الذكر بإرساله ثمانية من كتبه إلى المجمع مطالباً من القائمين عليه إبداء الرأي فيها أو التخلي عن "دورهم البغيض في الرقابة على الفكر" . وجاء في رده على صاحب التقرير أن "حضرته لا يملك هو ولا أي مخلوق آخر وصاية على الفكر، لأن القرآن الكريم قرر حرية الفكر والاعتقاد صراحة ، وأن الإسلام اعترف بحرية الفكر على مصراعيه وتوجيهات القرآن الكريم للرسول وحديثه عن الإيمان والكفر يوضحان هذا جيدا، فالقرآن لم يعط الرسول وهو حامل الدعوة أي سلطة على الناس فليس هو جبارا ولا مسيطرا ولا حسيبا ولا حفيظا ولا حتى وكيلا عن الناس وإنما عليه أن يبلغ {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن ومَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، {فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} وهذه اللمسة الأخيرة تبين لنا أن القرآن الكريم لم يقرر فحسب حرية الفكر بل اعتبرها أمرا شخصيا لا دخل فيه للنظام العام {فَمَنِ اهْتَدَى فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ومَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} والأمر ليس فحسب هذه الآيات ولكنها في صميم طبيعة الإسلام، الإسلام معجزته كتاب والإيمان بهذا الكتاب يتطلب فكرا والفكر يتطلب حرية ومن هنا فإن حرية الفكر قد تكون أكبر مما تصوره الأستاذ العقاد رحمه الله عندما قال التفكير فريضة إسلامية على حد قول البنا مضيفاً إن التفكير آلية إسلامية بمعنى أن حرية التفكير هي السبيل للإيمان بهذا الكتاب الذي هو معجزة الإسلام ومن لا يفكر في هذا فإنه يدخل في عداد الغافلين الذين قال عنهم القرآن {أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ}، ويؤكد البنا أن الحرية تنبع في الحضارة الأوروبية من الإنسان ولكنها في الإسلام تنبع من الحق،ولكن هناك حرية لا وصاية للحق نفسه عليها لأنها هي السبيل لمعرفة الحق والتمييز ما بين الحق والباطل الأصل والخرافة هذه الحرية هي حرية الفكر،ومن هنا كان طبيعياً أن يفتح الإسلام باب حرية الفكر على مصراعيه لأن هذا جزء من طبيعة الإسلام، بالتالي فمن غير المتصور أن يكون لأي هيئة سواء كان من مجمع شيوخ ، مجمع ملائكة، رئاسة جمهورية علماء إلى أخره سلطة على حرية الفكر ، فهذا مرفوض تماماً .

وقد جاءت الآراء المعارضة لما ورد في كتاب البنا لتؤكد :
* أن زواج المتعة زواج باطل حتى وإن تمسك به الفقه الشيعي،لأنه يفقد ثمرة الزواج المثمر بالأبناء والاستمرارية في الحياة بين الزوج والزوجة ما لم يمت أحدهم ما أو يتم الطلاق لأسباب معينة وقد يري البعض أن في هذا الزواج ـ زواج المتعة ـ تخليصا للشباب المغتربين خارج بلادهم‏,‏ من الوقوع في الرذيلة ، إلا أن هذا الرأي يعد مبتورا حيث إننا لا يجوز أن نعالج خطأ بخطأ أفدح فالشباب مأمورون بالعفة والصبر حتي ينالوا الأجر من الله سبحانه وتعالي‏,‏ أما أن يتزوج الشاب مع علمه بأن هذا الزواج محكوم عليه بالنهاية سواء بالافتراق أم العودة‏,‏ إلي بلده فإن ذلك ينتج من المشاكل ما لا يحمد عقباه وأقلها تشريد الأبناء إن وجدوا‏.‏

* جواز خلع المرأة المقيمة بالغرب لحجابها وارتداءها القبعة علي أساس أن الضروريات تبيح المحظورات وحتي تستطيع المرأة المسلمة الانسجام مع المجتمعات الغربية فهو تشبه مذموم حيث إن القبعة لا تخفي محاسن شعر المرأة فمهمها حاولت من ستره سوف يظهر منه ولو القليل فعلي المرأة المسلمة أن تتمسك بالحجاب الإسلامي الذي أمد الله به وحدد له شروطا يجب استيفاها فقد قال في كتابه العزيز وليضربن بخمرهن علي جيوبهن ـ سورة النور آية‏30‏ ـ والخمار هو غطاء يوضع فوق الرأس ويسدل ليغطي الصدر والرقبة فكيف لهذه القبعة أن تفي بتلك الشروط؟ في حين رأت بعض الآراء الأخرى أن الحجاب لم ينزل به شكل معين أو زي بعينه وإنما أنزل الله له شروطا كما سبق وقيل فإذا تحققت هذه الشروط في أي شيء آخر غير الخمار لا مانع من ارتدائه فهي لا تري في القبعة شيئا إذا توفر فيها الستر المطلوب والمأمور به المرأة المسلمة.

ولما اختلفت الآراء في مدي استيفاء القبعة لشروط الحجاب‏,‏ جاء رأي البعض ليبطل جواز ارتدائها حتى لو استوفت الشروط المحددة واستند في ذلك إلي تحريم التشبه بالغرب في الأساس فهو يري أن هذا الاقتراح ـ أي ارتداء المرأة للقبعة بدلا من الحجاب‏.‏

يؤكد أن الغرب هم السادة وأن فعلهم هو الأعقل وأن تعاليم الدين شيء متخلف لا يليق بالحداثة والمعاصرة ولا يليق بتطور البشر‏,‏ فالقبعة تتلاءم مع حضارة تلك البلاد وثقافتهم‏,‏ أما أمة الإسلام فقد حدد الله لها شخصيتها ومميزاتها المستقلة في كل شيء فلها كتابها وقبلتها ولغتها وكذلك رأيها فيجب ألا نقوم بالتقليد الأعمى للغرب لمجرد المسايرة أو لأنه مجتمع متحضر لما وصل إليه من اختراعات فليس معني هذا أنهم علي حق دائما فأخلاقياتهم تنصح بالخروج علي كل التعاليم والآداب والتقاليد والعادات الطيبة‏.‏

وفي رده على تلك الأراء ، أوضح البنا أن كتابه احتوى على عشرة مباحث، منها مبحث بعنوان "بين التقوقع والتمتع" يعالج وضعية وحالة الأقليات الإسلامية في الدول الأوروبية وغيرها، وقال: "في رأيي فإن هذه الأقليات عجزت عن التكيف داخل مجتمعات الهجرة، لأن فهمها لتقاليدها ودينها حال دون ذلك، فحدث للبعض التقوقع، وانتشرت بينهم ثقافة الغيتو، كما حدث مع الجالية التركية في ألمانيا، وعلى العكس، حاولت الجاليات المغاربية الاندماج في المجتمع الفرنسي، ففقدوا خصوصياتهم ومميزاتهم العربية الإسلامية، ولم يعترف بهم المجتمع الفرنسي، فحدثت لهم حالة تمييع، وفي الحالتين التركية والمغاربية، فإن السبب هو العجز عن التكيف السليم".

وأضاف البنا: "إن كتابي عالج في هذا المبحث، ما يتعلق بمسائل الطعام، والزيّ، والعلاقات الجنسية، وخلص إلى أنه لا توجد مشكلات بخصوص الأطعمة، فهناك اتفاق حول تحريم لحوم الخنزير، وشرب الخمور، وهناك عدد من الأوروبيين لا يأكلون لحم الخنزير ولا يشربون الخمر، ومن ثم لا مشكلة في أن يمتنع عنهما المهاجر المسلم، وبخصوص الزي فلا أزمة حقيقية في أن يرتدي المسلم المقيم في غير موطنه ما يريد، لكن تبقى مشكلة حجاب المرأة، وهل ترتدي الحجاب الكامل أم تكتفي بما يغطي شعرها؟", يضيف البنا: "إن الشيخ محمد عبده أفتى لعمال جنوب أفريقيا بأن يرتدوا ما يحافظ على الحشمة"، وهي في رأيه- أي البنا- لا تشترط الخمار الكامل الذي كان الرداء الرسمي والشعبي في الجاهلية، إنما يكفي أن تغطي المرأة شعرها بالقبعة أو ما شابهها.

أما سبب الأزمة الرئيسية في كتاب البنا، فكانت ما ذكره عن "العلاقات الجنسية في دول المهجر"، فاعتبر أن الزواج في أوروبا علاقة أبدية لها أوضاع معينة، وإذا حدث الطلاق فإن من حق المرأة أن تأخذ نصف ثروة مطلقها، ومن ناحية فإن الشباب المهاجرين لا يريدون الدخول في علاقات غير شرعية، ولذلك توصل في البحث إلى حل لهذه الأزمة، بالزواج محدود المدة، وهو ما يسميه علماء المسلمين، "زواج المتعة"، وقال البنا "إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- أمر به (زواج المتعة) وأحله في بعض الحالات، وهو أمر متفق عليه، وقيل إنه عاد وحرمه، وهو أمر مختلف عليه".

ويضيف : "إن زواج المتعة عمل به حتى بعد عهد الرسول، وطوال خلافة أبي بكر الصديق، وجزء من حياة عمر بن الخطاب، ويستدل على ذلك بقول عمر "متعتان كانتا على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنا أحرمهما، "النساء والحج", وهو ما يعتبره البنا "صيغة يفهم منها أن عمر هو الذي أمر بالتحريم واستخدم اجتهاده، وهو اجتهاد صائب، لكن مثل هذا الأسلوب يُساء استغلاله".

ويؤكد البنا: "أن عمر هو الذي حرم المتعة وليس الرسول"، وهو أمر يختلف معه فيه البنا مشيراً إلى وجود 100 مليون مسلم شيعي يؤمنون بهذا الزواج، كما أن شيخ الأزهر الأسبق الشيخ شلتوت أفتى بأن مذهب الاثنى عشرية يصح التعبد به، وهي فتوى سارية منذ ستينات القرن الماضي، وأكدها شيخ الأزهر الحالي محمد سيد طنطاوي. وفي رأيه "فإن هذه الصيغة من الزواج تحقق مصلحة المسلمين في المهجر، فالزواج الموقت تقبله المرأة الأوروبية، والمهاجر المسلم لن يستطيع الارتباط أبد الدهر بامرأة يختلف عنها عقائديا، وفي عاداتها وتقاليدها، ويبقى الزواج للمهاجر ضرورة اتقاء للغريزة، وللحصول على حق الإقامة الشرعية في البلد المهاجر إليه".
ويؤكد البنا أنه لا يدعو لهذا النوع من الارتباط إلا في بلاد المهجر، بالرغم من وجود أدلة شرعية على صحته, وطالب البنا من أوصى بمصادرة كتابه، بالرد عليه عبر البحث والدراسة، وليس عبر المصادرة والمنع 

*****************************************************************************

 

دفاعاً عن حرية الفكر والإبداع
" الضبطية القضائية للأزهر مطرقة على حرية الفكر"
تقرير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان




القسم الخامس : التوصيات

أكد الإسلام على ضرورة احترام العقل إيماناً بأن "التفكير فريضة إسلامية" وتقديراً لإنسانية الإنسان بوصفه "خليفة الله في الأرض" وعدم الافتئات على الإبداع البشري والتراكم المعرفي باعتبار أننا "أعلم بشؤون دنيانا" ، وبرغم ذلك فإن المؤسسة الدينية في مصر ، وفي أحيان عديدة تلعب دوراً يحول دون فتح نوافذ الإسلام على العصر بشكل يحفظ للدين الإٍسلامي دوره الحضاري ، فتلك المؤسسات حيال حرية الفكر والإبداع تنتج سلوكاً يكاد واحداً من خلال إجراءات مسبقة ومتزامنة ولاحقة على الجدل الفكري والعلمي في المجتمع ، فمسبقاً تضع هذه المؤسسات إطارها الحاكم لأي منتج فكري ، فما وافقه يصبح حلالاً وما خالفه يبقى حراماً ، وتحاول أن تصبغ على هذا الإطار طابعاً مقدساً رغم أنه قائم في الأساس على تفسير بشري للنص الإلهي التمثل في القرآن الكريم ، ومتزامناً تدخل هذه المؤسسات في جدل فكري مستمر مع ما تطرحه النخب المحدثة سواء كانت علمانية أم دينية مستنيرة حول قضايا الواقع وتصورات المستقبل ، ولاحقاً تلاحق هذه المؤسسات أي منتجات فكرية ترى فيها ما يخالف ما هو " معلوم من الدين بالضرورة "حسبما هو محدد سلفاً في ثنايا الفقه أو ما يخالف "نصاً صريحاً طبقاً لتأويل هذه المؤسسات له وإن كان هو كذلك بالفعل .

ودفاعاً عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع ، فإن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان توصي بالآتي :
-إطلاق حملة من أجل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والفكر والإبداع -التي لا يجب أن تخضع بأي شكل من الأشكال لرقابة المؤسسات الدينية ، وذلك أن القانون أناط بوزارة الثقافة مسئولية الرقابة على المصنفات الفنية والسمعية-تشارك فيها جميع مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ، وتتضمن إصدار سلسلة من الكتيبات والمطبوعات تحمل اسم "دفاعاً عن الحرية "، بهدف تعميق معنى الحرية وتجذيرها في المجتمع المصري، وتنظيم الندوات واللقاءات حول الحرية الفكرية في جميع محافظات مصر ، وإنشاء شبكة عمل مشتركة لمواصلة الدفاع عن مفهوم الدولة المدنية ونشره بين المواطنين وفض الاشتباك بين هذا المفهوم وبين الإلحاد، وإصدار دورية شهرية بعنوان"مرصد للدولة المدنية" .

- إلغاء قرار وزير العدل -والذي يعتبر مجرد قراراً إدارياً وليس قانونا-ً بمنح الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، وذلك لمخالفته لقانون الأزهر ولائحته التنفيذية، فالأخير لا يمنح سوى صلاحية الرأي لمجمع البحوث الإسلامية ، في حين أن الأمور الخاصة بحرية الفكر والأدب والإبداع لها مختصيها ، ولا علاقة لها برجال الدين ، وكذلك لمخالفته الصريحة لنصوص الدستور والمواثيق الدولية ، الأمر الذي يتطلب معه مواجهة قاطعة وحاسمة وجادة من قبل مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني ، لأن هذا القرار سيتلوه قرارات أخرى ، كما من المحتمل تقنينه إذا لم توجد حملة مضادة لوأد إمكانية تنفيذه على أرض الواقع. وفي نفس الوقت فأنه حتى لو كان قرار وزير العدل في الحدود الخاصة المصحف الشريف والأحاديث النبوية ، فإنه لا ينبغي أن نمنح امتياز الضبطية القضائية لأحد ما دام هناك قانون يسدل حمايته على هذا الأمر، فإعطاء الضبطية القضائية لهذه الجهة على هذا النحو هو نذير شؤم بالنسبة للمستقبل، وقد يتخذه البعض تكأة للهيمنة والسيطرة على كل عمل إبداعي.

- التزام الحكومة المصرية بالدستور فيما يخص الحق في حريات الرأي والتعبير والفكر والاعتقاد ، فقد نصت المادة (49) من الدستور على أن "تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الفني والثقافي ، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك" ، وضرورة تنقيح البنية التشريعية من النصوص التي تمثل انتهاكا للحق في حرية الرأي والفكر والاعتقاد ، وضرورة التزام الحكومة المصرية أيضاً بالمواثيق الدولية المعنية بحرية الفكر والتعبير والفكر والإبداع المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والذي أصبح جزء من القانون المصري بعد التصديق عليه.

- رفع أيدي أي هيئة سواء الأزهر أو غيره عن الوصاية عن الفكر الإسلامي الذي يجب أن يكون حراً فهو من مآثر الإسلام ، فالفكر لا يحارب إلا بالفكر ، فإذا كان رأيا خاطئاً لك أن تفنده، إذا كان رأيا صائبا فعليك أن تسلم به ، فعلى سبيل المثال عندما صدر كتاب في الأربعينات" لماذا أنا ملحد" لم يحاكم صاحبه ، وإنما تصدى له من قال لماذا هو ملحد ،وكتب كتاباً "لماذا أنا مسلم"، الرأي لا يحارب إلا بالرأي ، أما المصادرة فلا معنى لها ، لذا فإنه يستلزم على علماء مجمع البحوث الإسلامية الرد على الآراء المغايرة لأرائهم ، بآرائهم وبحوثهم المتعمقة والأصيلة والاجتهادية ، وليس عن طريق الحجر والمنع والمصادرة ، لأن ذلك سيؤدي إلى إقبال الجمهور على المواد المصادرة ، فلم يعد مجدياً اللجوء إلى المصادرات والمنع ، إنما الأكثر جدوى وكفاءة ، هو الحوار والتقويم النقدي ، فالحجة بالحجة، والرأي بالرأي ، والمعلومة تواجه المعلومة .

ومن ناحية أخرى ، إذا كان هناك عمل فني أو فكري فيه عدوان على الإسلام فيجب أن يناقش علناً؛ لأن مبدأ التصفية البوليسية غير صائب وغير إنساني، ويتسبب في تراكم القضايا والمشكلات، ولن يفيد في النهاية؛ فمن الواجب أن تُطرَح مثل هذه القضايا بشكل مفتوح، بل ويشارك فيها الرأي العام ، فلا مانع من أن ينشأ لجنة لمتابعة الإصدارات الدينية مثل المصاحف والأحاديث النبوية؛ فإذا وضعت هذه اللجنة يدها على أخطاء نبهت، فإذا رُفض تصحيحها قامت هذه اللجنة بإبلاغ النائب العام ، ولكن من المرفوض بشكل قاطع أن يكون له صلاحية الضبط القضائي؛ لأن منح الضبطية القضائية لرجال الدين أمر له دلالات خطيرة في الوقت الحالي وفي المستقبل أيضاً، فالأزهر لا يكون له دور إلا في حدود طبعات القرآن خوفاً من تحريفها أو تزويرها أو الإضافة إليها أو الحذف منها وكذلك الأحاديث النبوية ، أما أن يكون له دور بالنسبة لإبداع الأدب فذلك خروج على وظيفته ودوره.

- أن الأزهر جامعة وليس محكمة تفتيش ، فالأزهر ليس له أن يراجع الكتب الدينية حتى طبع المصحف ، فحرية الفكر مقدسة في الإسلام ، ولكنه قد يكون هناك مبرر من مراجعته لكل النسخ التي تطبع من المصحف بعد طبعه ، فإذا وجد الأزهر أخطاء بالمصحف فإنه من حقه أن يطالب بالتصحيح أو المصادرة ، أما قصر طبع المصحف على الأزهر أو اشتراط الحصول على ترخيص منه فهذا لا يملكه أحد ، لأن طبع المصحف هو في حقيقته نشر لكتاب الله ولا تملك أي جهة أن تحتكر هذا الحق .

- رفع وصاية رجال الدين على الفكر والأدب والفن في مصر ، وذلك في إطار ما سبق وإن طالبت به المنظمة المصرية لحقوق الإنسان مراراً من ضرورة إسقاط كل القيود على حريات الرأي والتعبير ، وإلغاء كافة صور الرقابة على الصحافة والنشر وتداول المطبوعات ، وكافة أشكال الإبداع الأدبي والفني   .
,

 

 

=======================================================================

(1) راجــــــــــع لمزيد من المعلومات

http://www.eohr.org/ar/report/2004/re1021-1.htm

http://www.eohr.org/ar/report/2004/re1021-2.htm

http://www.eohr.org/ar/report/2004/re1021-3.htm

http://www.eohr.org/ar/report/2004/re1021-4.htm

http://www.eohr.org/ar/report/2004/re1021-5.htm

 

الفهرس