المذبحة التى راح ضحيتها 13 مسيحياً قبطياً
فى قرية المنشية - قرية ويصا - ديروط محافظة أسيوط 4 /5/1992 م
تقرير المنظمة المصرية حقوق الإنسان
المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والتى يرأسها السيد / محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية الأسبق , ويشغل السيد نجيب فخرى السفير السابق منصب نائب الرئيس ويتولى بهى الدين محمد حسن الصحفى بالجمهورية الأمانة العامة أصدرت تقريرها التالى : -
رويت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بأنباء بأنباء المذبحة الطائفية التى جرت فى 4/5/1992 م فى قرية المنشية - قرية ويصا - ديروط محافظة أسيوط والتى أدت وفقا للبيانات المعلنة إلى مقتل 14 مواطناً على الأقل بينهم 13 مسيحياً وإصابة 4 آخرين على الأقل بجراح .
لقد تابعت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أحداث العنف الطائفى فى القرية , وخاصة منذ إشتعالها فى مارس الماضى , من خلال الشكاوى التى تلقتها فأوفدت إلى القرية بعثة لتقصى الحقائق فى أوائل أبريل , ثم اوفدت مندوباً آخر إلى مدينة اسيوط لإستكمال تحقيق الأحداث مع قادة الجماعات الإسلامية فى المحافظة ومناقشة الأمر مع مسئولى النيابة , والإطلاع على تحقيقاتها .
وخلال ذلك خاطبت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان السلطات المركزية بالقاهرة ثلاث مرات , تناشدها التدخل السريع لوضع حد أعمال العنف الطائفى الذى يتعرض له المسيحيون فى القرية ولقطع الطريق على ما أسمته المنظمة فى رسائلها - جولة جديدة من العنف الطائفى - لكن المنظمة لم تتلقى رداً .
وقد توصلت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان من خلال سلسلة تحقيقاتها المستقلة : إلى أن التظيم المسمى بالجماعة الإسلامية فى ديروط يمارس أعمال عنف طائفى منظم منذ عدة أعوام , تحت سمع وبصر السلطات المحلية , وخلال ذلك فرض هذا التنظيم أشكالاً من الإضطهاد الإقتصادى والإجتماعى , والإيذاء البدنى والمعنوى , الذى لم يفلت منه حتى المسلمون من غير انصار هذه الجماعة .
ويمكن إيجاز مظاهر ذلك فيما يلى : -
أولا : تحظر الجماعات الإسلامية على المسيحيين فى القرية إقامة شعائرهم الدينية جهراً , أو تشغيل شرائط القداس فى منازلهم بصوت مرتفع , وعندما حاول المسيحيون منذ نحو عامين ترميم أرضية الكنيسة , بنزع بلاطها المتهالك , وتركيب بلاط جديد محلة , هاجمت عناصر الجماعة الإسلامية العمال , وأجبرتهم بقوة السلاح على وقف اعمال الإصلاح , ثم قامت بتحطيم بعض نوافذ وأبواب الكنيسة وفى نفس الوقت أجبرت الجماعة الإسلامية بعض المسيحيين على التبرع لها , ولبناء مسجد بالقرية .
ثانيا : تحظر الجماعة الإسلامية على المسيحيين إقامة إحتفالات علنية بالمناسبات الإجتماعية أو الأسرية الخاصة - كلازوج - ويتعرض أطفالهم فى المدرسة الإبتدائية بالقرية للإيذاء المعنوى من أطفال أسر عناصر الجماعة الإسلامية , بما فى ذلك التحقير من شأن الديانة المسيحية وإهانة كتابها التعليمى .
ثالثــا : يتعرض من يعصى تعليمات الجماعة الإسلامية من المسيحيين , لعقوبة تكسير عظام الذراع الأيمن والساقين , بهدف التعجيز الكلى , ولكى تكون الضحية نموذجاً حياً رادعاً للآخرين - ويلاحظ أنها نفس العقوبة التى ابتكرها جيش الإحتلال الإسرائيلى فى مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية - ومثال ذلك : -
1 - المواطن بشرى خليل
قطعت عليه عناصر الجماعة الإسلامية الطريق بالأسلحة النارية صباح يوم 17/ ديسمبر 1991 م ثم أنهالوا عليه ضرباً بالمواسير الحديدية على ساقيه وذراعه الأيمن حتى غاب عن الوعى .
وتزعم المعلومات التى تلقتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان , أن الجماعة الإسلامية كانت قد أصدرت حكماً عليه يقضى بدفع 10 ألاف جنيه , بدعوى أنه سب أمير الجماعة , وعندما رفض الإمتثال للحكم طبقوا عليه العقوبة , ويقول التقرير المبدأى الصادر عن مستشفى ديروط والصادر فى نفس اليوم بوجود - أشتباه فى كسر بالساقين اليمنى واليسرى والذراع الأيمن , وسجعات بالذراع الأيسر والوجه , ونزيف وجروح رضية بالساقين اليمنى واليسرى .
وقد ـاكد الأطباء بعد ذلك من وجود كسور فعلية , وقاموا بتجبيس الساقين والذراع الأيمن , والذى أستلزم عملية جراحية خاصة .
وقد أضطر بشرى خليل إلى التوقيع على محضر صلح بتاريخ 26 يناير 1992 م بعد التهديدات التى تلقاها بأن أشقاءه سيلحقون بنفس المصير , إذا أصر على التمسك بإتهاماته للجماعة الإسلامية أمام النيابة .
وفى أبريل 1992 وجدت بعثة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الذراع الأيمن فى حالة عجز كامل عن الحركة .
2 - كامل عزمى سمعان
أمين صندوق الكنيسة - متزوج وله 6 أطفال , قطعت عليه عناصر الجماعة الإسلامية الطريق بالأسلحة النارية صباح 21 ديسمبر 1991 م ثم أنهالوا عليه ضرباً بالمواسير الحديدية حتى غاب عن الوعى .
ويقول التقرير المبداى الصادر عن مستشفى ديروط فى نفس اليوم - وجود كسر بعظمة الساعد الأيمن وجروح رضية , وسحجات باليد اليمنى , وتورم شديد بالساق اليسرى وعلامات قصور شديد بالدورة الدموية للساق اليمنى , وإحتمال حدوث غرغرينة بالساق اليمنى .
وعندما زارته بعثة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فى أبريل الماضى , وجدت أن ساقة اليمنى ما زالت فى الجبس , أما الساق اليسرى فكانت عاجزة كلية عن الحركة , بحيث أن تحريكه إلى دورة المياة , كان يستلزم أربعة أشخاص .
حقيقة الأمر .. أن مواطناً مسيحياً أتفق مع مواطن مسلم على أن يبيع له منزلاً بمبلغ محدد خلافاً لرغبة الجماعة الإسلامية , التى تريد أن يباع المنزل أقل إلى مواطن مسلم آخر , على أن تدفع لها جزية مقدارها 500 جنيه .
وقد أضطر المشترى الأول - المسلم التراجع خوفاً من بطش الجماعة الإسلامية , وعندما توجه المواطن المسيحيى هو وأسرته إلى الأرض , تعرضوا لرصاص الجماعة الإسلامية , وتدخلت الشرطة وأطلقت الرصاص , وأسفرت الأحداث التى جرت فى 9 مارس 1992 م عن مقتل 3 مواطنين .. مسيحى واحد وعضو بالجماعة الإسلامية , ومواطن مسلم لا صله له بالأحداث وذلك برصاصة طائشة .
ويستلفت النظر أن البيانات الصادرة حينذاك عن وزارة الداخلية قد أصرت على تصوير الأمر بإعتباره نزاعاً عائلياً حول منزل : ونفت أى شبهة طائفية ... وهو ما كررته فى أحداث الرابع من مايو 1992 م
وقد أصدرت الجماعة الإسلامية فى ديروط حينذاك , إنذاراً توعدت فيه بقتل أربعة مسيحيين حددت أسماءهم - ثأراً لقتلها فى أحداث 9 مارس , وأنذرت المسيحيين فى القرية بملازمة بيوتهم وإلا عرض كل من يغادرها من الرجال للقتل
ومنذ ذلك الوقت , أصبحت القرية تحت حالة حصار وحظر تجول كاملين بقوة السلاح وأضطر الفلاحون المسيحيون للتوقف عن مباشرة أراضيهم الزراعية وتعريضها بذلك لخطر البوار , وإضطر الموظفون الإمتناع عن الذهاب لأعمالهم , معرضين أنفسهم لخطر فقدان وظائفهم , بينما قامت النساء بتدبير الإحتياجات اليومية لأسرهن , وبسط حالة من الرعب خيمت على سكان القرية مسلمين ومسيحيين وهو ما لمسته بعثة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بنفسها , حتى أن المواطنين المسلمين كانوا يرفضوا الحديث بأى كلمة تتعلق بشئون الجماعة الإسلامية .
وفى 14 أبريل 1992 م لقى مصرعه أول قائمة الأربعة من المطلوبين للقتل : .. وهو المواطن بدر عبدالله مسعود الموظف بمصلحة الطب الشرعى فى أسيوط والمقيم بها .
جرى ذلك فى وضح النهار فى شارع رياض , وهو من أكثر شوارع مدينة أسيوط إكتظاظاً بالحركة ويقول شهود عيان : " أن بدر تعرض أولاً لأطلاق الرصاص عليه ثم تقدم عليه آخرون وأجهزوا عليه بالسواطير .
وكان المسيحيون فى القرية قد بعثوا فى شهر مارس 1992 م بعدة برقيات تلغرافية ورسائل مفصلة إلى كافة السلطات المحلية المختصة فى ديروط وأسيوط , وكذلك للمركزية فى القاهرة - بما فى ذلك محافظ أسيوط ووزير الداخلية - تناشدهم التدخل لرفع حالة الحصار وإنقاذهم من الجوع وخطر الموت - ( وتحتفظ المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بصور من هذه البرقيات والرسائل )
وفى 12 أبريل 1992 م بعثت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برسالة إلى السلطات المركزية فى القاهرة - بالفاكس - تضع أمامها نتائج عمل بعثة المنظمة لتقصى الحقائق فى قرية منشية ناصر وتناشدها بالتدخل لوضع حد لأعمال الإضطهاد والعنف الطائفى المتفشية فى هذه القرية , وإنهاء حالة الرعب والحصار التى تعيشها بمسلميها ومسيحييها .
وفى 18 أبريل بعثت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان برسالة - تم تسليمها باليد فى وزارة الداخلية - تتناول تقاعس أجهزة الأمن المحلية من أداء واجبها فى حماية المواطنين وفى قطع الطريق على إحتمالات موجات جديدة من العنف الطائفى .
وفى 20 أبريل بعثت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى السلطات المركزية برسالة بالفاكس أوردت فيها المعلومات التى تلقتها حول قائمة المهددين الأربعة بالقتل , والتى كان أولهم قد قتل بالفعل , وناشدت الرسالة التدخل لقطع الطريق على جولة جديدة من العنف الطائفى .
وفى الأول من مايو بدأت أعمال الملتقى الفكرى السنوى الثالث للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان : والذى كرس أوراقة البحثية ومداولاته لقضية حرية الفكر والإعتماد والتعبير .
وفى كلمته الإفتتاحية , تناول الأمين العام للمنظمة عدداً من مظاهر إنتهاك حرية العقيدة الدينية , وخصص فقرة كاملة لوقائع الإضطهاد الطائفى فى قرية منشية ناصر كما تناولت بعض الأوراق البحثية ومداولات الملتقى الفكرى , مسئولية المناهج التعليمية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة فى التهيئة الفكرية لتقبل سموم التعصب الدينى وضيق الأفق الطائفى .
وفى صباح 4 مايو 1992 قامت عناصر مسلحة من الجماعة الإسلامية بهجوم موقوت فى عدة إتجاهات أسفر عن مقتل 12 مواطناً مسيحياً بالرصاص - 10 فلاحين أثناء عملهم فى المزارع ومدرس بينما كان يقوم بالتدريس لتلاميذه بالمدرسة الإبتدائية وطبيب عند خروجه من منزله إلى عمله .
كما لقى مواطن مسلم آخر مصرعة فى المزارع (برصاص الجماعة الإسلامية بطريق الخطأ وفقاً لما نشر بالصحف ) وأصيب 5 مواطنين آخرين بجراح , أحدهم طفل مسيحى كان مع أسرته بالمزارع , ولقى مصرعة فى اليوم التالى متأثراً بجراحه , وبذلك يبلغ مجموع القتلى 14 مواطناً وكانت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان - بمقتضى تقاليد العمل لديها والمتعارف عليها فى الحركة اعالمية لحقوق الإنسان قد امتنعت عن النشر الفورى لما جمعته من معلولمات وما حققته من وقائع قبل أن تتلقى إيضاحات من السلطات المعنية أو تمر مهلة مناسبة على تلقى السلطات لرسائل المنظمة على أمل ان تبادر السلطات بالتحرك الإيجابى لنزع الفتيل قبل فوات الأوان .
ويؤسف المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن تقرر إنها لم تتلقى رداً واجداً ولم ترصد أدنى مؤشراً يدل على إكتراث السلطات بفداحة الأخطار التى كانت تلوح فى الأفق ليسقط فى 4 مايو 1993 م 18 قتيلاً وجريحاً برصاص الجماعة الإسلامية وبلا مبالاه من أجهزة الدولة المعنية المحلية والمركزية والتى تعتبرها المنظمة شريكاً فى المسئولية عن هذه المذبحة .
وفى هذا الإطار تستعيد المنظمة ما جاء ببيانها عن العنف الطائفى الصادر فى 4 أبريل 1990 م والذى أكد أن الدولة مسئولة عن حماية مواطنيها إيذاء إنتهاك حقوقهم من قبل مواطنين آخرين غير أنه من الملاحظ أنها لا تتحرك إلا لمواجهة ما تعتقد أنه يشكل تهديداً لها كسلطة أو نظام للحكم بينما تقف متفرجة أمام إستخدام القسر والعنف لفرض تصورات معتقدية خاصة على الحياة الإجتماعية للمصريين وخاصة فى بعض المدن وقرى الصعيد وتخشى المنظمة من أن يكون مناخ التعصب الدينى وضيق الأفق قد نجح فى التسلل إلى بعض المواقع فى أجهزة الأمن .
أما ما جرى فى قرية منشية ناصر هو نموذج قابل للتكرار فى مدن وقرى أخرى وخاصة فى صعيد مصر وقد تلقت المنظمة معلومات غير مؤكده بعد تشير إلى ذلك .
تخشى المنظمة من أن تقاعس أجهزة الدولة عن القيام بواجبها قد ينشأ مبررا لقيام المواطنين بحمل السلاح دفاعاً عن النفس وهو ما يحمل معه نذر أخطار هائلة .
ومع ذلك فإن ما جرى فى 4 مايو 1992 م مهما كانت بشاعته - لا يبرر إتخاذ إجراءات لا تقوم على سند القانون ضد عناصر الجماعة الإسلامية وأنصارها بل تؤكد المنظمة أن العنف القانونى المخالف للقانون فى مواجهتها هو أحد أسباب إستشراء عنف الجماعات الإسلامية .
وأخيراً فإن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تود أن تؤكد على ما قررته مراراً فى مناسبات متعددة من أن الوضع يستلزم عملاً متكاملاً من كافة الجوانب وخاصة فى مجال إشاعة قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيان بمراجعة شاملة لمناهج التعليم وسياسة الإعلام لإستئصال جذور التعصب الدينى والكراهية الطائفية ( راجع جريدة وطنى 17 / 5/ 1992 م )