الفصل السابع الحكم الالفي

الرأي البروتستانتي

يعتقد اخوتنا البروتستانت أن السيد المسيح سوف يأتي ويحكم ألف سنة علي الأرض .

ويعتمدون علي ما ورد في سفر الرؤيا ، الأصحاح العشرون { ورأيت ملاكا نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة علي يده . فقبض علي التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان ، وقيده سنه ، وطرحه في الهاوية ، وأغلق عليه وختم عليه ، لكي لا يضل الأمم قيما بعد ، حتي تتم الألف سنة . وبعد ذلك لابد أن يحل زماناً

يسيراً }{رو20: 1-3}{ متي تمت الألف السنة ، يحل الشيطان من سجنه ، ويخرج ليضل الأمم الذين .. وإبليس الذي كان يضلهم طرح في بحيرة النار والكبريت }{رؤ20: 7-10}.

ويرون أن الألف سنة ستكون أزمنة سلام .

ويعتمدون علي ما ورد في سفر اشعياء النبي { يسكن الذئب مع الخروف ، ويربض النمر مع الجدي .. ويلعب الرضيع علي سرب الصل ، ويمد الفطيم يده علي حجر الأفعوان .. لا يسؤوون ولا يفسدون في كل جبل قدسى . لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب }{أش11: 6-9}. وأيضا { فيعطبعون سيوفهم سككاً ، ورماحهم مناجل ، لا ترفع علي أمة سيفاً ، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد }{أش4:2}.

الردود

الرد الأول : أن مجيء المسيح سيكون للدينونة .

وهذا ما يقوله في قانون الإيمان { يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات ، الذي ليس لملكه انقضاء}ويبني هذا علي تعليم الكتاب المقدس إذ قيل في إنجيل { فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله }{مت27:16}{ويبصرون ابن الإنسان آتياً علي سحاب السماء بقوة ومجد كثير فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السموات إلي أقصائها }{مت24: 30، 31}.

وأيضاً { ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه . والجداء عن اليسار . فيمضي هؤلاء غلي عذاب أبدي . والأبرار إلي حياة أبدية }{مت25: 31-46}.

وأيضاً { هكذا يكون في انقضاء الدهر .. يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملائكته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ، ويطرحونهم في أتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان . حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم } {مت13: 40-42}.

ونفس الوضع نجده في مثل العشر العذارى ، وفي مثل أصحاب الوزنات الرب يجئ للدينونة .

فيقول لصاحب الخمس وزنات مثلاً { نعماً أيها العبد الصالح والأمين . كنت أميناً في القليل ، فأقيمك علي الكثير . أدخل إلي فرح سيدك }{مت21:25}. أما عن العبد البطال ، فيقول { اطرحوه إلي الظلمة الخارجية . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان }{مت30:25}. وبنفس أسلوب الدينونه حكم علي العذارى الجاهلات بينما دخلت معه الحكيمات {مت25: 10،11}.

وعن مجيء الرب للدينونه يقول الكتاب { يسمع جميع من في القبور صوته فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامه الحياة ، والذين عملوا السيئات إلي قيامة الدينونة }{يو5: 28،29}.

والسيد المسيح يؤيد هذه الحقيقة فيقول :

} وها أنا آتي سريعاً واجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما سيكون عمله {}رؤ12:22}.

فإن كان المسيح يأتي للدينونة ، فما معني مجيئه للحكم الألفي ؟!

في هذه الحالة ، سيكون للرب ثلاثة مجيئات !!

مجيء للتجسد والفداء ، ومجيء للحكم الألفي ، ومجيء للدينونة . والمناداة بثلاثة مجيئات أمر لا يقبله أحد . وضد التعليم المسيحي ، الذي ينتظر المجيء الثاني ، ومعه الدينونة وانقضاء الدهر {مت40:13}. أي نهاية العالم ..

ثم ما معني أن يملك علي الأرض ألف سنة يسودها السلام ، ثم يعقب ذلك خراب ؟!

ما معني أن يأتي الرب إلي العالم ، ويحكم ألف سنة غلي الأرض ، كلها سلام بين الناس ، بل ايضاً سلام بين الإنسان والحيوان ، ثم يكون نهايتها خراب هذا العالم كله : {السماء والأرض تزولان}{مت18:5}. وكما يقول القديس يوحنا الرائي { ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة . لأن السماء الأولي والأرض الأولي مضتا ، والبحر لا يوجد فيما بعد {رؤ1:21}. وكما قال القديس بطرس الرسول عن مجيء الرب :

{ ولكت سيأتي كلص في الليل ، يوم الرب الذي فيه نزول السماء بضجيج ، وتنحل العناصر محترقة ، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها }{2بط1:3}.

وما معني أن الألف سنة ، سنوات السلام ، يعقبها خراب روحي .؟!

فيخرج الشيطان من سجنه ليضل الأمم {رؤ20: 7،8}. ثم يأتي الارتداد العلام ، ويستعلن إنسان الخطية المقام والمرتفع علي ما يدعي إلها .. الذي مجيئه بعمل الشيطان ، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة {2تس2: 3-9}. { ويقوم مسحاء كذبة وأنبياء ، ويعطون آيات عظيمة وعجائب ، حتي يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً }{مت24:24}. حتي أن الرب يقول { ولم لم تقتصر تلك الأيام ، لم يخلص جسد . ولكن لأجل المختارين تقصر تلك اليام }{مت22:24}.

ما فائدة ملك ألفي ، يعقبه كل هذا الخراب المادي ؟!

وهل يعقل أن سنوات من السلام في ملك المسيح ، ألف سنة ، تكون نتيجتها هذا الضلال المريع ، الذي لو لم تقصر أيامه لا يخلص ؟!

وما الذي تكون الأرض قد استفادته من ملك المسيح ألف سنة ؟!

هل معقول أن بشراً يملكهم المسيح ألف سنة بكل تأثيره الروحي ، يستطيع الشيطان بعد ذلك أن يضلهم ، ويوصلهم إلي الارتداد العام ، ويهلك كل ملك المسيح فيهم . من يعقل هذا الكلام .؟!

نحن نعرف ايضاً أن المسيح قد رفض الملك الأرضي :
فلما دخل أورشليم في يوم أحد الشعانين ، ونادوا به كملك قائلين { أوصنا لابن داود ، مبارك الآتي بأسم الرب }{مت9:21}{ مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب }{مر11:11}.

وبعد معجزة الخمس خبزات يقول الكتاب { قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلي العالم . وأما يسوع ، فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوا ملكاً انصرف إلي الجبل وحده }{يو6: 14،15}. لقد رفض المسيح تجربة الملك . رفض جميع العالم ومجدها  كانت تجربة من

الشيطان }مت4: 8،9}.

لقد أراد ملكاً روحياً علي قلوب الناس ، لا سلطاناً عالمياً …

ولعل رفض هذا الملك العالمي يذكرنا بقصة يوثام في سفر القضاة :

{ اخبروا يوثام  فذهب ووقف علي رأس جبل جزريم ، ورفع صوته ونادي قائلاً لهم : اسمعوا لي يا أهل شكيم ، يسمع لك الله . مرة ذهبت الأشجار لتمسح عليها ملكاً . فقالت للزيتونة أملكي علينا ، فقالت الزيتونة { أأترك دهني

الذي به يكرمون بي الله والناس ، وأذهب لكي أملك علي الأشجار ؟! ثم قالت الأشجار للتينة تعالي أنت واملكي علينا . فقالت لها التينة أأترك حلاوتي وثمري الطيب ، وأذهب لكي أملك علي الأشجار ؟! فقالت الشجار للكرمة تعالي أنت واملكي علينا فقالت لها الكرمة أأترك مسطاري الذي يفرح الله والناس ، واذهب لكي أملك علي الأشجار ؟!

{قض9: 7-15}. وأخيراً عرضت الأشجار الملك علاي العوسج  فقبل …}

إن الملك الأرضي لا يغري الزيتونة ولا الكرمة .. قد يغري العوسج { الشوك }.

هل من المعقول إذن أن يقبله السيد المسيح ، الذي جاء لملكوت روحي ، وجاء يحدث الناس عن ملكوت السموات {مت5}. والذي قيل في بدء كرازته ، إنه جاء { يكرز ببشارة ملكوت الله . ويقول : قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله . فتوبوا وآمنوا بالإنجيل }{مر1: 14،15}. واقتراب الملكوت كان يعني اقتراب عملية الفداء ، التي بها يملك بها الله علي المفديين ، الذين كانوا من قبل يملك عليهم الموت …

وحينما نقول { ليأت ملكوتك } إنما نقصد الملكوت الروحي .

أي أن يملك الله علي كل قلب وفكر وإرادة ، ملكوتاً روحياً .

فلا يصبحون ملكاً للشيطان ، بل ملكاً للذي فداهم واشتراهم بدمه ..

ويكفي للرد علي الحكم الألفي ، قول السيد المسيح :

{ مملكتي ليت من هذا العالم }{يو36:18}.

{ نقطة آخري في الرد علي المسيح الإلفي علي الأرض وهي :

} لا يكون لملكة انقضاء { ..

أي أن السيد المسيح لا يكون ملكاً محدوداً بزمن معين ينتهي فيه ، ألف سنة وينتهي !! {رؤ7:20}. فنحن نقول في قانون الإيمان { يأتي في مجده ليدين الأحياء والأموات ، الذي ليس لملكه انقضاء }..

وهذه العبارة وردت في بشارة الملاك بميلاده { ويملك علي بيت يعقوب إلي الأبد ، ولا يكن لملكه نهاية }{لو33:1}.

وهذا ما ورد في نبوءة دانيال النبي { فأعطي سلطاناً ومجدا وملكوتاً ، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة . سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول . وملكوته ما لن ينقرض }{دا14:7} .

إذن ملكوته لا يحد بألسنة ، ولا بأي رقم من السنين ، بل هو ملكوت أبدي .

ما هذا الملك الأبدي ؟ وكيف ومعني بدأ ؟

هذا الملك بدأ علي الصليب ، حينما اشترانا الرب بدمه . بعد سقوط آدم . دخلت الخطية إلي العالم ، وبها دخل الموت { وملك الموت }{رو5: 16،17}. وأصبح لقب الشيطان { رئيس هذا العالم }{يو31:12}. وكنا جميعاً مبيعين تحت الخطية ، تحت حكم الموت . فجاء المسيح بفدائه ، دفع ثمن خطايانا ، واشترنا بدمه . وهكذا قيل :

{ الرب ملك علي خشبة }{ مز 95}.

وهكذا قال القديس بولس الرسول { اشتريتم بثمن }{1كو30:6}. وهذا الثمن هو الدم . ولذلك قال القديس بطرس الرسول { عالمين أنكم أفتديتم … بدم كريم ، كما من حمل بلا عيب ولا دنس ، دم المسيح }{1بط1: 18،19}. ومن ذلك الحين ، من وقت الفداء ، اصبحنا وكل المفديين ملكاً للرب . وبدأ ملك المسيح وبدأت تتحقق نبؤات المزامير ، التي تبدأ بعبارة { الرب قد ملك }{مز92: 96،98}. وتضعها الكنيسة في صلاة الساعة السادسة ، والساعة التاسعة ، منذ صلب المسيح حتي موته ..

وبدأ المسيح ملكه الألفي من علي الصليب .

كلمة} ألف سنة {هي تعتبر رمزي .

لا تؤخذ بالمعني الحرفي إطلاقاً . فرقم 10 يرمز إلي الكمال { انظر كتابنا : الوصايا العشر }. ورقم ألف هو 10* 10*10 أي  مضاعفات هذا الرقم . والقديس بطرس الرسول يقول { لا يخفي عليكم هذا الشئ الواحد أيها الأحباء : أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة ، وألف سنة كيوم واحد }{2بط8:3}. فالألف سنة هي فترة غير محدودة ، مثلها مثل أيام الخليقة الستة ، والقياس مع الفارق . وهي الفترة من الصليب ، حتي يحل الشيطان من سجنه {رؤ6:20}.

وهنا نتعرض لنقطة هامة في فترة الألف سنة وهي تقييد الشيطان :

تقييد الشيطان

قيل إن الملاك قيد الشيطان سنة {رؤ2:20}. وهنا يسأل البعض : كيف يكون الشطيان مقيداً ، بينما الشيطان يسقط عدداً لا يحص من الناس ، وفي خطايا لا تحصي ، فهل يتفق هذا مع تقييد الشيطان ؟! ونحن نقول :

تقييد الشيطان لا تعني إبادته أو إلغاء عمله ، إنما تعني أنه ليس في حريته الأولي .

مثلا نقول إن موظفاً مقيد في وظيفته ، فهذا يعني أنه يعمل ، ولكن ليس في حرية ، إنما عليه قيود في عمله ، وعدم حرية الشيطان عبر عنها بعبارة سجنه . فهو بلا شك ليس في الحرية التي كانت له قبل فداء المسيح للبشرية ، أعني الفترة التي قيل عنه فيها إنه { رئيس هذا العالم }{يو11:16}.

وما الدليل علي ذلك : الدليل هو علي الأقل أمران :

1)* حينما كان في حريته ، أوقع العالم في الفساد وعبارة الأصنام .

في حريته أضل العالم كله ، حتي أغرقه الله بالطوفان { وحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض ..}{تك6:6}. واختار الله أسرة نوح . ثم فسد أفراد هذه الأسرة ، فاختار إبراهيم ،ثم يعقوب وبنيه . وانتشرت عبادرة الأصنام في الأرض كلها ، حتي منع الله بني إسرائيل الذين يعبدونه من التزاوج من شعوب الأرض .

ومر وقت لم يكن يعبد الله سوي اثنين أو ثلاثة فقط .

فقال في أيام أرميا النبي { طوفوا في شوراع أورشليم ، وأنظروا واعرفوا وفتشوا في ساحاتها . هل تجدون إنساناً ، أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق ، فأصفح عنها !! { أر1:5}. نهعم لأن { الجميع زاغوا معاً وفسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد }{مز3:14}.

حتي سليمان الحكيم ، أحكم أهل الأرض .

نسمع عن خطية العظيمة في { 1مل11}.حيث بني مرتفعات لآلهة الأمم .. وكانت زوجاته يذبحن ويبخرون للأصنام . ولم يكن قلبه من نحو الرب .. وعاقبه اله ، وقسم مملكته ..

حتي تلاميذ المسيح ، قبل الصلب ..

فقال السيد لبطرس الرسول { هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة . ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفني إيمانك}{لو22: 31،32}. وفعلا حدث أن بطرس أنكر المسيح ثلاث مرات . وباقي الرسل وقت القبض عليه ولم يتبعه إلي الصليب سوي يوحنا . ويهوذا دخله الشيطان وسلم المسيح .

والنقطة الثانية أن الشيطان حينما يحل من سجنه ،سيضل الأمم ، ويسبب الارتداد العام .

ويحاول لو أمكن أن يضل المختارين أيضاً . ولو لم يقصر الله تلك الأيام ، ما كان يخلص أحد { مت24: 22،23}. كذلك يصنع آيات عظيمة وعجائب { مت24:24}. ويؤيد إنسان الخطية المسبب للارتداد { بكل قوة وبآيات وعجائب  كاذبة ، وبكل خدمة الإثم في الهالكين }{تس2: 9،10}.

نشكر الله أنه الآن مقيد .

مجرد ان الكنائس ممتلئة بالمصلين والملايين يتناولون كل أحد ، دليل علي أن الشيطان مقيد .

وفي أيامنا هذه ، عودة كثير من البلاد الشيوعية الملحدة إلي الله وإلي الإيمان ، بمئات الملايين دليل علي أن الشيطان مقيد .

في حريته يجعل المؤمنين يرتدون . أما الآن فملايين المرتدين يعودون إلي الإيمان . و ننكر أن هناك خطايا عديدة بأغراء الشيطان . ولهذا نقول إنه لا يزال يعمل ، ولكن ليس في حرية .

ليس في حريته التي كانت له قبل الفداء .

ولا في الحرية التي تكون بعد الألف سنة .

الصفحة الرئيسية