الفصل الثامن ا لمواهب و الألسنـة
كثير من الأخوة البروتستانت ، يتمسكون بالمواهب ، ويسعون إليها ، ويعتبرونها من حقوقهم كأبناء وورثة . ويضعون أمامهم الآية التي تقول : {جدوا للمواهب الحسني } ولا يكملون باقيها { وأيضاً أريكم طريقاً أفضل}{1كو31:12}.
وهم يهتمون بالألسنة . وينسون أن الرسول قال مباشرة يعد هذه الآية السابقة { إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة . ولكن لي محبة ، فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن }{1كو1:13}.
ويشرح كيف أن المحبة افضل من جميع المواهب .
ثمار الروح أهم لخلاصكم من مواهب الروح :
تحدث القديس بولس عن ثمار الروح في { غل22:5} فقال إنها : { محبة ، فرح سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح ، إيمان وداعة ، تعفف }.
والثمرة الأولي { المحبة } قال عنها الرسول إنها أعظم من الإيمان والرجاء { 1كو13: 2،13}.بل أعظم من الإيمان الذي ينقل الجبال .. وقال الرب عن المحبة . أنه يتعلق بها الناموس كله والأنبياء { مت40:22}.
إن التلاميذ الذين فرحوا بالمواهب ، قال لهم الرب : { لا تفرحوا بهذا . بل أفرحوا بالحرى أن أسماء كم قد كتبت في ملكوت السموات }رلو20:10}.
كثيرون كانت لهم مواهب ، وفقدوا الخلاص وهلكوا ..
لم تنفعهم المواهب ، ولم تخلصهم . وفي ذلك يقول الرب : { كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم : يارب يارب . أليس باسمك تنبأنا ، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة . فحينئذ أصرح لهم أني لم أعرفكم قط .إذهبوا عني يا فاعلي الإثم }{مت7: 22،23}.
المواهب لا فضل لك فيها . ولذلك لا مكافأة لك عليها .
وأنت لا تخلص بها . لماذا إذن الصراع لأجل المواهب .
المواهب تحارب الذين يريدون أن تظهر ذواتهم وتتمجد . أما القديسون الكبار ، المحبون للاتضاع ، فكانوا يهربون من المواهب .
وعلي رأي الآباء : } إذا أعطاك الله موهبة ، فاطلب منه أن يعطيك إتضاعاً لكي يحمي هذه الموهبة . أو طلب من الرب أن ينزع هذه الموهبة منك { .
وبولس الرسول نال من الرب مواهب كثيرة . وقال بعدها : ولئلا أرتفع من فرط الاعلانات ، أعطيت شوكة في الجسد . ملاك الشيطان ليلطمني لكي لا أرتفع }{2كو 7:12}. هذا الرسول العظيم رجل النعمة الذي صعد إلي السماء الثالثة {2كو2:12} كان في خطر من جهة المواهب ! فإن كان هناك خوف علي القديس العظيم بولس الرسول من المواهب ، أفلا يخاف الشبان المساكين في هذه الأيام وهم يطلبون المواهب ويقولون إنها من حقهم ؟! ويصلي قادتهم من أجلهم ، ويضعون عليهم الأيادي لينالوا المواهب !
يعقوب أبو الآباء نال مواهب : أخذ البركة ، ورأي سلماً بين الناس والأرض وملائكة الله .. .. ورأي الله نفسه وتكلم معه . وصارع مع الله والناس وغلب {تك28:32}. وخوفاً علي يعقوب من المواهب ، ضربة الله علي حق فخذه ، فصار يخمع عليها .. أعطاه نوعاً من الضعف في الجسد ، يحميه من فكر الكبرياء بسبب المواهب ..
أما عبارة { جدوا للمواهب الروحي } فإنها لا تعني أن نطلبها . إنما إعداد القلب بالنقاوة والاتضاع ، كي يقبل هذه المواهب التي ليست كلها من نطاق القوات والعجائب ، وإنما منها أيضاً الحكمة والعلم والإيمان .. حسب تعليم الرسول { 1كو12: 8،9}.
إنم أردتم أن تطلبوا من الله عطية صالحة ، فإن الرب يعلمنا ماذا نطلب . الله يقول في عظته علي الجبل :{أطلبوا أولا ملكوت الله وبره . وهذه كلها تزاد لكم }{مت33:6}.
إن الصلاة الربية التي علمنا الرب إياها ، وهي صلاة نموذجية نلاحظ أنه ليس فيها طلب مواهب .
أصعب من المواهب في هذه الأيام ، أن يقول الشخص لآخر { اسلمك الموهبة } أو تعال أسلمك الاختيار . ويضع يده عليه ، ويصلي ، ليمنحه الروح القدس ، أو ليمنحه الملء . والعجب أنه حتي النساء ، يضعن أيديهن علي الناس لمنحهم الروح القدس ! المرأة قد يمنحها الله موهبة الشفاء .
ولكن منح الروح القدس هو عمل كهنوتي كان يمارسه الرسل أولا بوضع اليد ، ثم صار يمارسه الكهنه في سر الميرون .
ونحن ننال الروح القدس في سر المسحة المقدسة بعد المعمودية . قد تحدث الكتاب عن هذه المسحة {1يو2: 20،27}. كما تحدث عن وضع اليد بواسطة الرسل { أع8: 14-17}.
هذا السلطان الذي كان للرسل ، ثم لخلفائهم … يدعيه الآن الشبان والناس ويسلمون الناس الروح القدس ، لكي يمتلئوا ويتكلموا بألسنة !
في لاهوتنا الأرثوذكسي ، كان الذي يحصل علي موهبة يحاول إخفاءها ، كما حدث مع القديس الأنبا صرابامون أبي طرحة في الشفاء ومع غيره من القديسين .
نقطة أخري وهي : هل المواهب تطلب أم تمنح ؟
إن الله يمنح الموهبة التي يشاء ، لمن يشاء ، في الوقت الذي تحدده حكمته الإلهية { وملكوت الله لا يأتي بمراقبة }{لو20:17}. إنه كالريح التي تهب حيث تشاء { حسبما قسم الله لكل واحد نصيباً من الإيمان }{رو3:12}.. فلماذا إذن طلب المواهب ؟ ولماذا الألسنة بالذات .
المواهب لا يسلمها أحد لآخر ، بل هي مشيئة الله وعمل روحه القدوس .
ولكن موهبة الألسنة لمن يطلبها قد ترضي كبرياء الذي يحبون المظاهر ، إنها موهبة مغرية للإنسان العتيق ، وليس معرفة للإنسان الروحي . وأسوأ من هذا أن يحتقر هؤلاء غيرهم ممن لا يملكون الموهبة ويعلنون أ، مستواهم ضعيف ، بينما الكتاب يعلن أن الألسنة ليست للكل {1كو14}.
أليست هذه الكبرياء مدعاة للشك فيمن يدعون هذه الموهبة ؟
إن قال لك شخص : {تعال اسلمك هذا الاختيار } قل له {،ا لا أستحق هذه المواهب . وليس لي التواضع الذي يحتملها . أما إن أراد اله أن يعطني موهبة فسيعطيني دون أن أطلب . وحينئذ سأطلب منه أن يمنحني تواضعاً ليحميني من الكبرياء . وإن أعطاني الله موهبة ، فلن أتحدث عنها ، ولن أعلنها للناس ، حتي لا أعرض نفسي لحروب روحية أنا أقل من مستواها .
لهل ابرز ما يميز هذه الحركة ، إعتقاد الخمسينيين بمعمودية الروح القدس { غير معمودية الماء والروح }. هكذا ينادي الخمسينيون في مصر – كما هو اضح من كتبهم – وهكذا تنادي جماعة الكرزماتك ، والذين يتبعون الخمسينيين دون أن يعلنوا ذلك يسمون هذا الأمر حلولاً أو إمتلاء .
ويرون أن أهم ما يميز معمودية الروح ، أو أهم ما يميز هذا الحلول أو الإمتلاء أو الملء هو المتكلم بالسنة . فالألسنة في نظرهم هي العلامة الأولي علي أن الشخص قد حل عليه الروح . لذلك في ضم أي إنسان إليهم ، يجاهدون أن يجعلوه يتكلم بألسنة لكي يشابه الرسل في يوم الخمسين . ويهتمون بالألسنة كأنها كل شئ – كما علمهم أساتذتهم – أياً كانت هذه الألسنة كلاماً مفهوماً أو غير مفهوم ، وفي غالبية الحالات إن لم يكن في كلها ، تكون هذه الألسنة أصواتاً لا تعبر عن شئ .
التكلم بألسنة
فما هو تعليم الكتاب عن التكلم بألسنة .
نلاحظ النقاط الآتية من دراسة الكتاب وبخاصة { 1كو14} الذي يمكن أن نسميه أصحاح الألسنة .
1)* الألسنة هي الأخيرة في ترتيب المواهب :
عندما ذكر بولس الرسول مواهب الروح في رسالته الأولي إلي كورنثوس ، جعل التكلم بألسنة وترجمة الألسنة في آخر المواهب فقال :
{ فأنواع مواهب موجودة ، لكن الروح واحد فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم حسب الروح الواحد . ولآخر إيمان بالروح ، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد . ولآخر أعمال قوات ، ولآخر نبوءة ولآخر تمييز الأرواح . ولآخر أنواع الألسنة بمفرده كما يشاء }{1كو12: 4-11}.
وهكذا جعل التكلم بألسنة ، ترجمة الألسنة ، في آخر قائمة المواهب ، ويسبق الألسنة : الحكمة ، والعلم والإيمان ، ومواهب الشفاء ، وأعمال القوات ، والنبوءة وتمييز الأرواح ..
وقال الرسول أيضا : { فوضع اله أناساً في الكنيسة : أولاً رسلاً ، ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ، ثم قوات ، وبعد ذلك مواهب شفاء ، أواناً تدابير ، وأنواع ألسنة {1كو12: 28}.
وهكذا وضع التكلم بالسنة في آخر المواهب ….
وقال : ر جدوا للمواهب الحسني ، وأيضا أريكم طريقا أفضل}{1كو13:12}.وشرح أن هذا الطريق الأفضل هو المحبة {1كو13} وشرح كيف أن هذه المحبة أهم وأعظم من النبوءة وكل علم ،ومن كل الإيمان الذي ينقل الجبال ، ومن العطاء والنسك .
وشرح أن المحبة أهم من التكلم بالسنة الناس والملائكة .. وليس ألسنة الناس فقط . فقال : {إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة .. وليس ألسنة الناس فقط . فقال { إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ، ولكن ليس لي محبة ، فقد صرت نحاساً يطن أو صنجاً يرن {1كو1:13}.
2)* التكلم بألسنة ليس للكل :
رأينا فيما تقدم أن الله { قسم لكل واحد بمفرده كما يشاء }{1كو11:12}. { ولنا مواهب مختلفة بحسب النعمة المعطاة لنا }{رو6:12}. { وكما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان }{رو3:12}. ومن جهة التكلم بألسنة قال بصراحة :
{ ألعل الجميع رسل ؟ ألعل الجميع أنبياء ؟ ألعل الجميع معلمون ؟ ألعل الجميع أصحاب قوات ؟ ألعل للجميع مواهب شفاء ؟ ألعل الجميع يتكلمون بألسنة ؟ ألعل الجميع يترجمون }{1كو12: 29،30}.
وواضح من هذا أن الموهبة ليست للجميع .
إذن فحتى في العصر الرسولي لم يكن من الضروري أن ينال كل مؤمن موهبة التكلم بألسنة التي لم تكن علامة ضرورية لاثبات حلول الروح في الإنسان . فقد يكون الإنسان قديساً ولا يتكلم بألسنة .
إن الله يعرف متي يعطي المواهب ، ولماذا يعطيها . وقد منح التكلم بألسنة في عهد الرسل بوفرة شديدة في بداية الكرازة ، من أجل البنيان ، إذا كانت لأزمة جداً في ذلك الزمان .
ولكن الألسنة ليست لازمة لكل زمان ، وفي ذلك يقول الكتاب : { أما اللسنة فستنتهي }{1كو8:13}.
وحتى في زمن الرسل ، ماذا كانت شروط التكلم بألسنة ؟ إننا بقراءة {1كو14}. نري شروطاً منها :
3)* يجب أن تكون الألسنة لبنيان الكنيسة :
إن أهم عبارة تميز أصحاح الألسنة {1كو14}، هي كلمة { للبنيان } ذكرها الرسول مرات عديدة ، وأصر عليها جداً.
وقال في صراحة : { فليكن كل شئ للبنيان }{1كو26:14}. وقال أيضاً : { هكذا أنتم أيضاً ، إذ أنكم غيورون للمواهب الروحية اطلبوا لأجل بنيان الكنيسة أن تزدادوا }{ع12}.
ومن أجل بنيان الكنيسة ، ذكر أن { من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة }{ع5}.لأن { من يتكلم بلسان يبني نفسه ، وأما من يتنبأ فيبني الكنيسة }{ع4}. وكانت كلمة التبوء تعني قديماً التعليم أيضاً . وقد فضل الرسول هذا التنبوء { لأن من يتنبأ ، يكلم الناس ببنيان ووعظ وتعزية }{ع3}.
4)* شرط أساسي للألسنة هو ترجمتها :
قال الرسول : رمن يتكلم بلسان ، فليصل لكم يترجم }{ع13}وأضاف : { ولكن إن لم يكن مترجم ، فلصمت في الكنيسة }{ع28}.
والسبب عند الرسول واضح ، وهو بنيان الكنيسة . وفي البنيان فلصمت . وعبارة { يصمت }هي أمر رسولي .
إذن : إما بنيان الكنيسة بالترجمة ، وإما الصمت .
إن وجود المترجم شهادة علي صحة التكلم بلسان . وهكذا تكون موهبة الألسنة لشخص في وقت واحد : أحدهما هم المتكلم والثاني هو المترجم وينطبق قول الكتاب : { علي فم شاهدين أو ثلاثة ، تقوم كل كلمة } إن كانت الألسنة بل ترجمة فما لزومها ؟وكذلك ما لزومها إن كان الحاضرين يفهمون اللغة ؟
5)* مت معني } يبني نفسه {؟
يبني نفسه ، أي يكون في حالة روحية خاصة ، حالة حلول الروح ، وهي نافعة لبيانه الشخصي . هذه الحالة عليها ملاحظتان ذكرهما القديس بولس وهما :
أ- يصمت ، كأي عمل روحي خاص ، بينه وبين الله .
وفي ذلك قال : { فليصمت في الكنيسة ، وليكلم نفسه والله }{ع28} أمر بينه وبين الله ، يليق به المخدع المغلوق ، وليس الكنيسة أمام الناس . حينئذ يكون التكلم بلسان ، كنوع من الصلاة ، وحتي علي هذه يوجد تعليق :
ب- يكون الذهن بلا ثمر ، مجرد عمل للروح :
وفي هذا يقول الرسول : {لأنه إن كنت أصلي بلسان ، فروحي تصلي وأما ذهني ويصلي بذهنه أيضاً . يرتل بروحه ، ويرتل بذهنه أيضاً { ع15}. لكي يكون بنيانه الروحي أثبت وأقوي .
علي الرغم من عبارة : { يبني نفسه } هذه التي ذكرها الرسول في حرص وبملاحظات ، وأظهر أنها بنيان ناقص ، فان الرسول ، لأجل البنيان أيضاً يقول :
{ أشكر إلهي أني أتكلم بألسنة أكثر من جميعكم . ولكن في الكنيسة أريد أن أتكلم خمس كلمات بذهني ، لكي أعلم آخرين أيضاً . أكثر من عشرة آلاف كلمة بلسان }{ع18،19}.
إذن لا داعي لأن يسعى الناس بكل قواهم للتكلم بألسنة ويظنوها نصراً عظيماً .
هذا إذا كانت الألسنة موهبة حقيقية ن الروح القدس فماذا نقول إذن إن كان البعض يدعون أنهم يتكلمون بالسنة ، ولا نضمن صحة هذا الإدعاء ..
6)* الألسنة آية لغير المؤمنين :
يقول الرسول عن التكلم بألسنة { إذن الألسنة آية لا للمؤمنين ، بل لغير المؤمنين ..}{1كو22:14}.
ولأجل هذا السبب منح الله هذه الآية للكنيسة في بدء العصر الرسول ، لأجل انتشار الكرازة ، ولكي يصل الإيمان إلي شعوب وأمم لا تعرف لغة الأباء الرسل { الأرامية – او العبرية } . فيبشرون بالألسنة ، كما حدث في يوم الخمسين
{ فبهت الجميع وتعجبوا ..}{وتحيروا لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته }{أع2: 7،6}.
ولكن ما منعي أن يقف شخص وسط أناس يتكلمون بنفس لغته ، لكي يكلمهم بلغة غريبة .. لهذا اشترط الرسول وجوب الترجمة { ولكن إن لم يوجد مترجم فليصمت }{1كو28:14}.
7)* الرسول اعتبر التكلم بألسنة تشويشاً ، إن لم يكن للبنيان .
فقال { إن كان الجميع يتكلمون بألسنة ، فدخل عاميون أو غير مؤمنين ، أفلا يقولون إنكم تهذون }{1كو23:14}.
{وهكذا أنت أيضاً إن لم تعطوا باللسان كلاماً يفهم .. فإنكم تكونون تتكلمون في الهواء }{1كو9:14}}فإن كنت لا أعرف قوة اللغة ، أكون عند المتكلم أعجمياً ، والمتكلم أعجمياً عندي }{1كو11:14}.
أقرأ كل الإصحاح لتثبيت من نفس المعني …..