الرد على بدعة أريوس
البابا شنودة الثالث
1- أبى أعظم منى
2- آيات ورد فيها كلمة أعطى أو أخذ
3- خضوع الإبن
4- مجد إبنك فيمجدك إبنك أيضا
5- أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم
6- لا يقدر الإبن من نفسه
أهم آية استخدمها الأريوسيون ضد لاهوت المسيح وهى قول السيد المسيح (لأن أبى أعظم منى) هذه الآية موجودة فى (يو 14: 28)
الكنيسة لم تخف أبداً من هذه الآية إنما جعلتها ضمن إنجيل الساعة الثالثة من النهار ويصليها كل مسيحى فى صلواتها اليومية فى الساعة الثالة وأيضاً فى القداس نصلى صلاة الساعة الثالثة، أى أن الكنيسة لم تكن تخاف من هذه الآية وتداريها، لا، هذه أول نقطة.
ثانى نقطة، لكى نفهم هذه الآية لابد أن نقرأ الفصل كله، ولابد أن نعرف المناسبة التى قيلت فيها هذه الآية ولماذا قيلت، وأيضاً مسألة (أبى أعظم منى) نرجع أيضاً إلى الآيات الأخرى الكثيرة التى توضع إلى جوار هذه الآية لكى تفهم منها، فلا نستخدم طريقة الآية الواحدة لأنه استخدام خاطئ ومدمر.
هذه الآية أثارت جدلاً كبيراً فى القرن الرابع، من الأريوسيين حتى فى الأسواق إذا اشترى شخص من مكان والتاجر يعطى له يسأله: (هل الآب أعظم من الابن أم يساويه) أى أن الجدل وصل لرجل الشارع ولم يقتصر فقط على اللاهوتيين.
هذه الآية قيلت فى يوم الخميس الكبير بعد غسل الأرجل وبعد الفصح والمسيح فى طريقه إلى جثسيمانى، ولذلك قال لهم: (قوموا ننطلق من ههنا) ومنه ذهب إلى بستان جثسيمانى ثم إلى الجلجثة لكى يصلب، فماذا يقوله للتلاميذ نقرأ الآيات: (سلاماً أترُكُ لكُم. سلامى أعطيكم. ليس كما يُعطى العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قُلُوبكُم ولا ترهب. سمعتُم أنى قلت لكُم أنا أذهب ثم آتى إليكُم. لو كُنتُم تحبُوننى لكُنتُم تفرحُون لأنى قُلتُ أمضى إلى الآب لأن أبى أعظمُ منى).
ما معنى هذا الكلام؟ المسيح قال هذه الآية وهو فى حالة إخلاء للذات، لم يقلها عن لاهوته مطلقاً، وإنما عن ناسوته، وإخلاء ذاته موجود فى (فى 2)
(لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد صائراً فى شبه الناس. وإذ وجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب) ففى حالة الإخلاء يقول: (أبى أعطم منى) لذاته، ولكن هذا الإخلاء هو إخلاء مؤقت لأجل إتمام عملية الصلب، وسوف نرى هذا الموضوع كله.
لهذا قال لهم أنا الأن فى حالة إخلاء ذات، وحالة إخلاء الذات هذه فيها كلام كثير صعب، قال إشعياء النبى، عن المسيح، أنه محتقر ومخذول من الناس، وقال: (لا صورة له ولا جمال ولا منظر فنشتهيه) وقال: (هو رجل أوجاع ومختبر الحزن) وقال عنه: (أنه كشاه تساق إلى الذبح) وقال: (انه ظلم أما هو فلم يفتح فاه) وقال المسيح أيضاً عن حالة إخلائه لذاته فى (مز 22) الذى تكلم عن صلبه الذى أوله: (إلهى إلهى لماذا تركتنى؟) أنه دودة لا إنسان، وقال إنه كشاة تساق إلى الذبح، وقيل فى إخلائه لذاته أنه أحتمل شتائم كثيرة وإنه أيضاً لم يكن له أين يسند رأسه، فيقول للتلاميذ أنه هذه الحالة من إخلاء الذات مؤقتة أنا سأخرج منها بالصلب فلو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون أنى أمضى إلى أبى لأن الحالة التى أصل إليها بعد الصلب وبعد الصعود ستكون أعظم من حالتى الأن أبى أعظم منى.
(أبى أعظم منى) ليس معناها أن الآب أعظم من الابن فى الجوهر أو أعظم من الابن فى الطبيعة، لا، أو أعظم من الابن فى اللاهوت، لا، لكن حالة الآب فى مجده أعظم من حالة الابن فى إخلائه لذاته، لهذا الآباء وبخاصة القديس أمبروسيوس والقديس أثناسيوس سألوا هذا السؤال: إن كان أبى أعظم منى ففى أى حال هو أعظم؟
هل هو أعظم فى حالة العمر أو السين؟
لا، الاثنين متساويان فى الأزلية، والابن موجود منذ الأزل وقبل أن يكون العالم والعالم به كُون، فليس أعظم فى السن ولذلك أتذكر لما زرت الفاتيكان وكان معى كاردينال كبير شاهد صورة فى أكبر كنيسة هناك، الآب والابن فوق الكرة الأرضية وابن لحيته سوداء والآب لحيته بيضاء، قلت للكاردينال: هذه الصورة صورة أريوسية، مباشرة، لأن إذا واحد لحيته بيضاء والآخر سوداء إذاً الذى لحيته سوداء أقل عمراً من الذى لحيته بيضاء، أى أنه مر وقت لم يكن موجوداً، إذاً معناها أنه مخلوق قيكون هذا فكر أريوسى.
أيضاً وجودهما بجانب بعض خطاً لاهوتى، لأنه يقول أنا فى الآب والآب فىٌ فكيف يكونان بجوار بعضهما؟ هو لم يعرف أن يرد، المفروض أن الفنانين قبل أن يرسموا لوحاتهم يكون لهم دراية بالأمور اللاهوتية، لهذا إذا أخذتم هذه الصورة من أى مكتبة ارفضوها لأنها أريوسية. الآب ليس أعظم من الابن فى الأزلية لأنهما أزليان
وفى المجد المسيح قال للآب فى (يو 17) المجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم أى أنه موجود قبل كون العالم ومُمجد.
هل هو أعظم منه فى القدرة؟ أو فى الخلق؟
فى الخلق لا، لأن المسيح قيل عنه (كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان)
وقيل عنه (كل شئ به قد خلق) هل فى القدرة؟ لا، فى (يو 5) يقول: (مهما عمل الآب فذاك يعمله أيضاً. إذا الاثنان لا فارق بينهما يدعو إلى العظمة، عظمة واحد عن الثانى ونقصد بالعظمة عظمة الطبيعة وليس عظمة الإرسالية، من جهة المسيح كخادم الآب وهو المرسل والابن هو المُرسل، طبعا المرسل أعظم من المرسل.
من جهة الأبوة الآب فى وضع من يشاء والابن فى وضع من يطيع، لكن الآب والابن من طبيعة واحدة، أى أب ممكن أن يكون له كرامة أكثر من الابن بحكم الأبوة، أعظم منه من ناحية كرامة الأبوة لكن الآب والابن من جنس واحد ومن طبيعة واحدة، ومن الجائز أن يكون من شكل واحد ومن لغة واحدة، ومن الجائز من فصيلة دم واحدة، لا يوجد عظمة من جهة الطبيعة، من جهة العمل هذا شئ مؤقت.
السيد المسيح قال: (أبى أعظم منى لما كان فى صورة العبد، أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار فى الهيئة كإنسان، أى فى حالة تجسده وليس فى طبيعته الإلهية الكائنة منذ الأزل، فى حالة تجسده أخذ شكل العبد وطبعاً السيد أعظم من العبد، لكن هذا وضع مؤقت إلى أن تتم عملية الفداء، لكن ليس وضع فى طبيعته، ولا هو وضع دائم، وهكذا نرى أن الكتاب يقول فى الصعود أنه صعد وجلس عن يمين العظمة فى الأعالى، كلمة يمين يعنى قوة، عن يمين العظمة أى فة قوة العظمة فى الأعالى
وفى المجئ الثانى يقول فى(لو 9) (سيأتى فى مجده ومجد أبيه) ويقول فى (مت 16: 27) (يأتى فى مجده ليجازى كل واحد حسب أعماله).
إذاً مجده كائن منذ الأزل، وسيكون إلى الأبد، لكن هناك فترة مؤقتة من أجل الفداء أخلى فيها ذاته وقال عن حالة الإخلاء أن أبى أعظم منى أى أن حالة أبى فى مجده أعظم من حالتى فى إخلائى لذاتى، مع أن الطبيعة واحدة.
هنا ونرجع إلى باقى الآيات، لا نأخذ هذه الآية ونقف عندها، باقى الآيات فى (يو 10: 30) (أنا والآب واحد) ما دام واحد إذا لا يوجد تمييز ولا يوجد عظمة واحد عن الثانى، الاثنان واحد، واحد فى اللاهوت واحد فى الجوهر واحد فى الطبيعة، لا يوجد عظمة واحد عن الآخر، لهذا لما قال أنا والآب واحد فى (يو 10: 30)، فى (يو 10: 31) الآية التالية مباشرة أن اليهود مسكوا حجارة ليرجموه وقالوا أنه تجديف لأنه يجعل نفسه معادلاً لله، أى مساوى له، لا يوجد أعظم أو أقل.
فى (يو 17: 10) يقول للآب: (كل ما لى هو لك وكل ما هو لك هو لى) إن كل ما للآب هو للابن إذا لا يوجد عظمة أكثر، لأن العظمة التى للآب هى أيضاً للابن، والمجد الذى للآب هو أيضاً للابن، كل ما هو لك فهو لى وأنا ممجد فيهم
وأيضاً الآيات الخاصة بالآب والابن معاً يقول فى (يو 14: 11) (أنا فى الآب والآب في َ) وفى (يو 17: 21) يقول: (أنت أيها الآب فيَ وأنا فيك) فإذا كان الابن فى الآب والآب فى الابن، إذا لا يوجد واحد أعظم من الثانى، هما الاثنان شئ واحد، أنا والآب واحد. من جهة القدرة وفى (يو 5: 19) يقول: (مهما عمل ذاك أى الآب فهذا يعمله الابن كذلك).
من جهة المعرفة يقول فى (مت 11: 27): (ليس أحد يغرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن يريد أن يعلن له) إذا هى معرفة متبادلة، أين العظمة هنا؟
وفى (1 كو 1: 23، 24) يقال عن المسيح أنه هو حكمة الله وقوة الله، إذا كان هو قوة الله لا يوجد شئ أعظم، عظمة الله فى قوته وهو نفسة قوة الله، عظمة الله فى حكمته وهو نفسه حكمة الله وهو بهاء مجده ورسم جوهره.
وفى (كو 2: 8، 9) (فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً) ما دام فيه كل ملء اللاهوت إذاً لا يوجد عظمة أكثر من هذا، إذاً من جهة الطبيعة البشرية شئ ومن جهة الطبيعة اللاهوتية شئ، فى الطبيعة اللاهوتية الآب والابن فى عظمة واحدة فى مجد واحد وفى طبيعة واحدة وجوهر واحد أما آية (أبى أعظم منى) فقيلت عن فترة التجسد وفترة إخلاء الذات، ومن الناحية الإنسانية فقط وليس غير.
والدليل على المساواة أيضاً أنه قيل فى (فى 2: 6) (أنه لم يحسب اختلاساً أن يصير مساوياً للآب) كون أنه يكون مساوياً للآب ليس اختلاساً وليس شئ ليس له، لكنه وضع ذاته وأخذ شكل العبد أى أنه تنازل وأخذ شكل العبد وتنازل.
وفيما يتكلم فى (يو 5) وقال: (أبى يعمل حتى الأن وأنا أيضاً أعمل) أراد اليهود أن يقتلوه لأنه جعل نفسه معادلا لله أى كون أنه مساوى له هذا ما فهمه اليهود أيضاً، وكلمة (أنا والآب واحد) كررها فى (يو 17: 22).
الآباء تعرضوا إلى هذا الموضوع وقالوا نقاط أخرى، قالوا للأريوسيين،
(أنتم تقولون أنه قال أبى أعظم منى) (قيل أكثر من هذا قيل فى (مز 8)(وضعته قليلاً عن الملائكة) أى أن الملائكة أعظم، ما معنى هذا الكلام، أى أنه فى حالة إخلاء الذات فى طبيعة بشرية أقل من طبيعة الملائكة طبعاً مع اتحاده بالطبيعة اللاهوتية هذا شئ أخر، الملائكة يصعدون وينزلون للسماء فى لمح البصر، وهم أرواح، وهو روح مع جسد، وضعته قليلاً عن الملائكة، مع أنك بالمجد توجته!! هذا المزمور عجيب جداً ونفس هذا المزمور يقابله ما ورد فى (عب 2) المزمور يقول: (فمَنْ هو الإنْسانُ حتى تذكُرهُ وابْنُ آدم حتى تفتقدهُ!
وتنقصه قليلاً عن الملائكة وبمجد وبهاء تكللهُ. تسلطهُ على أعمال يديك. جعلت كل شئ تحت قدميه. الغنم والبقر جميعاً وبهائم البر أيضاً وطيور السماء وسمك البحر السالك فى سبل المياه) فى نفس الوقت الذى يتكلم عن ناسوته يتكلم عن عظمته وقوته.
وعبارة (وضعته قليلاً عن الملائكة) يتحدث عن الجزء المؤقت الخاص بتجسده ومع ذلك قيل فى التجربة على الجبل فى (مر1) (وكانت الملائكة تخدمه)
وقيل فى العبرانيين (أن ملائكة الله تخدمه، وقيل أن الملائكة ملائكتة، فى المجئ الثانى (ابن الإنسان يرسل ملائكته ليجمعوا مختاريه من الأرض) فالملائكة ملائكته ويخضعون له وملائكة وقوات سمائية مخضعة له، وأيضاً الملائكة هم من خلقه فهو الذى خلقه كما ورد فى (كو1) أن كل جند السماء هو خلقهم، لكن وضع قليلاً ليس عن الآب فقط وإنما عن الملائكة لكى فى الجسد يمكن أن يموت وممكن أن يفدى العالم وممكن أن يخلصنا، هو وضع مؤقت ينتهى بالصعود والجلوس عن يمين العظمة فى الأعالى ويظهر تماماً فى المجئ الثانى بالمجد العظيم وأن هذا الإخلاء انتهى وضعه وانتهى الموضوع.
هناك نقطة قالها أيضاً القديس أمبروسيوس، نقطة لطيفة، فى (تكوين 22) فى موضوع تقدمة إبراهيم لاسحق ابنه لما عرف الرب مقدار محبته له يقول: (ونادى ملاك الرب إبراهيم ثانية من السماء وقال { بذاتى أقسمتُ يقول الرب أنى من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك ابنك وحيدك أباركك مباركة وأكثر نسلك تكثيراً كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاطئ البحر ويرث نسلك باب أعدائه ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض من أجل أنك سمعت لقولى })
وماذا فيها كلمة (بذاتى أقسمت)؟ فيها كثير فى (عب 6) يقول فأنه لما وعد الله إبراهيم، إذ لم يكن له أعظم يقسم به، أقسم بنفسه قائلاً: (إنى لأباركنك بركة وأكثرنك تكثيراً) القديس أمبروسيوس أن الذى قال هذا لإبراهيم هو المسيح هو الابن وليس الآب لأن إبراهيم لم يستقبل الآب ولم يقدم له شيئاً يأكله كما فى (تك 18) ولم يغسل رجليه، الآب لم يظهر لإبراهيم والآب لم يره أحد قط، فالذى كلم إبراهيم وقال له أقسمت بذاتى إذ لم يكن له قسم أعظم هو الابن، إذا لا يوجد آب أعظم، هو والآب واحد ومعروف أيضاً ولكم أن تأخذوها كقاعدة عامة كل ظهورات العهد القديم كانت ظهورات الابن وليس الأب لأن الآب لم يره أحد قط كما ورد فى (يو 1: 18) فالابن أقسم بذاته لأنه لم قسماً أعظم من هذا.
كل هذا عن حالة الإخلاء المؤقتة التى انتهت بالصعود وستظهر واضحة فى المجئ الثانى.
2- آيات ورد فيها كلمة أعطى أو أخذ
كنا بدأنا معكم فى الآيات التى يسئ الأريوسيون فهمها واعتبروها ضد لاهوت المسيح وأخذنا الآية (هل يعرف الابن تلك الساعة) وأخذنا الآية (لأن أبى أعظم منى).
عن الآيات التى نص فيها أن السيد المسيح (أعطى) شئ من الآب أو أنه (أخذ) شيئاً من الآب، فسنناقش هذه الآيات وما هو الفكر الأريوسى.
فى (مت28: 18) السيد المسيح يقول: (دُفع إلى كل سلطان مما فى السموات وعلى الآرض)
وهم يقولون ما دام دُفع إليه إذاً (لم له سلطان قبل ذلك).
فى (مت11: 47) (دُفع إلى كل سلطان من أبى) وفى (يو 3: 35) (الآب يحب الابن وقد دفع كل شئ فى يده) وفى (يو5: 22) (الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن) فاعتبرا أن الذى يعطى فى مركز أكبر من الذى يأخذ العطية.
وفى (يو 5: 26) يقول: (كما أن الآب له حياة فى ذاته كذلك أعطى الابن أن تكون له حياة فى ذاته) فإذا كان الحياة أخذها كعطية يكون غير مساو للآب، الفكر الأريوسى أن يقولوا كلمة (أخذ) أو (أعطى) معناها أنه أخذ شيئاً لم يكن له من قبل، أو أخذ شيئاً كان ينقصه، ما دام كانت تنقصه شئ إذا ليس له كل أسباب المجد، لان الله كامل فى كل شئ فكيف يكون الابن ينقص هذا الشئ؟ وأيضاً أخذ من الآب إذا ليس مساوياً للآب الذى يعطى!
نريد أن نرد على هذا الكلام.
طريقة الآباء أنهم يتكلمون أولا عن الرد الإيجابى من ناحية الآيات الموجودة فى الكتاب التى تدل على عكس هذا الكلام، فمن ضمنها مثلاً فى (يو 16: 15) يقول السيد المسيح: (كل ما للآب فهو لى) إذا ما دام (كل ما للآب هو له) إذا هو لم يأخذ شئ، وما دام كل ما للآب هو له إذاً لا ينقصه شئ.
آية أخرى فى (يو 5: 19) يقول المسيح عن الآب: (مهما عمل ذاك { أى الآب } فهذا يعمله الابن كذلك) مساواة فى القدرة والعمل.
ثم بعد ذلك يقول فى بعد التفاصيل فى (يو 5: 19) (كما أن الآب يقيم الموتى ويحيى كذلك الابن يحيى من يشاء) أى مثل الآب تماماً إذا كان الآب يقيم الموتى ويحيى كذلك الابن يحيى من يشاء، وهذا معناه أنه متساوى مع الآب فى القدرة وفى المشيئة، يقول: (من يشاء)، وطبعاً هنا يقيم من الموتى ويحيى لأن إقامة الموتى هى العمل السابق للدينونة، أى أنه بعد أن يقيمهم يدخلون الدينونة والحساب والدينونة له، كل الدينونة للابن كما ورد فى (يو 5: 22)، ثم أيضاً يقول:
(لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب) (يو 5: 22)، مساواة فى الإكرام بين الآب والابن، وهذا لا يمكن أن ينم إلا لو كان هناك مساواة فى اللاهوت.
هنا ونقول أن الاهوت كامل فة كل شئ، يمكن بعض الآيات تؤحذ عن الناسوت، أى عن حالة المسيح فى ناسوته، مثلا كما يقول (مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم) كما ورد فى (يو 17) (مجدنى أنت) أى مجد ناسوتى (بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم مجد اللاهوت) ما دام قبل كون العالم لا يوجد ناسوت، لم يكن متجسداً وقتها فهناك أشياء تؤخذ من الناحية الناسوتية هذا ممكن.
ثم ندخل فى مسألة أخرى، فى موضوع (يعطى) هناك نوعان من العطاء:
(1) عطاء حسب الطبيعة
(2) وعطاء حسب النعمة
العطاء الذى يكون حسب النعمة أن يُعطى لشخص شء لم يكن له، فيكون قد أ ُنعم عليه بهذا الشئ، لكن الذى بحسب الطبيعة يكون هو طبيعته كذلك، ونأخذ على ذلك ثلاثه أمثلة نشرحها
ومن له أدنان للسمع فليسمع:
(1) لما أقول الشمس تعطى أشعتها ضوءاً وحرارة، هل الشعاع لما خرج من الشمس لم يكن له ضوء أو حرارة والشمس أعطته فيما بعد؟ أم هو بطبيعته أن خرج من الشمس فيه ضوءاً وحرارة، عطاء حسب الطبيعة وينسب كذلك (فى اللغة).
(2) مثال آخر، العقل الذكى يعطى الفكر الخارج منه ذكاء، هل الفكر الخارج منه لم يكن له ذكاء ثم أعطى له ذكاء فيما بعد؟ لم يكن له ذكاء ثم بدأ أن يأخذه؟ أم أنه بطبيعته لابد أن يكون فيه هذا الذكاء لكن يُقال هذا الكلام: العقل أعطى الفكر الخارج منه ذكاء. أخذ الذكاء حسب الطبيعة وليس نعمة لأن هناك شيئاً كان ينقصه.
(3) مثال ثالث، الأب يعطى ابنه شكله أو فصيلة دمه، ملامحه، أشياء كثيرة بالوراثة فهل هذه الأشياء لم تكن للابن وبعد أن وُلد أعطى له هذه الأشياء، من لحظة ولادته وهذه الأشياء له، اسمه عطاء بالطبيعة وليس عطاء بالنعمة.
كذلك الابن، ابن الله بالنسبة للآب، له كل صفات الآب بالطبيعة.
نقطة أخرى قالها الآباء القديسون، قالوا أن الذى يأخذ شيئاً لم يكن له ممكن أن يفقده، نفرض أنك تأخذ عقار ليس لك، مال ليس لك، منصب، عمل... الخ، فالذى تأخذه وليس لك ممكن أن تفقده، ممكن تفقد المال والعقار والوظيفة وكل شئ لكن السيد المسيح لم يأخذ شيئاً وفقدها، لأنها كانت له منذ الأزل.
ونستطيع أن نقول أن السيد المسيح كل ما أخذه من مجد ومن قوة ومن سلطان كان له منذ الأزل فى طبيعته اللاهوتية، لماذا؟ لأن الكتاب يقول فى (كو 2: 8، 9) لأن فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً، أما موضوع الأخذ وغيره هذه ظهرت فى طبيعته الناسوتية أو أن الصفات التى فى لاهوته ظهرت فى ناسوته.
ثم نناقش بعض الآيات التى يقولونها، (الآب دفع كل شء للابن) لا نأخذها بالحرف، الحرف يشوش التفكير، لما نقول دفع كل شئ للابن أى أن الآب لم يعد عنده كل شئ، كل شئ ذهب إلى الابن!! لكن التفسير الصحيح هو أنه دفع كل شئ للابن وبقى كل شئ عنده أيضاً، الآب دفع كل شئ للابن وبقى كل شئ مع الآب، مثلما أقول لك أنا أعطيتك فكراً، ليس معناها أنه عندما أعطيت الفكر ضاع الفكر من عقلى! وأصبحت من غيره، لكن الفكر يخرج من العقل ويعبر قارات ومحيطات ومع خروجه من الذهن يبقى داخله، فلا تأخذه بحرفية.
القديس أثناسيوس يتكلم عن الآية التى تقول (دفع كل شئ للابن) ويقول أن معنى الآية أن الابن ليس ككل شئ، كل شئ دُفع إليه، فهو غير كل شئ، فهو غير كل المخلوقات الموجودة.
ويقول أيضاً أن الآب يمارس كل أعمال عن طريق الابن (عبارة مهمة)، ما معنى هذا الكلام؟ أى أن الله هو الخالق، فى البدء خلق الله السموات والأرض، لكن خلق بالابن، لأن الابن (كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان) وفى العبرانيين يقول: (هذا الذى به خلقت العالمين) ويقول: (كل شئ به وله قد خلق فالآب هو الخالق لكن يخلق عن طريق الابن).
ممكن هنا سؤال: ماذا يعنى أن الآب يخلق عن طريق الابن؟
تفسيرها بسيط، فى (1 كو 1) يقول: (المسيح الذى هو قوة الله وحكمة الله) فالله خالق كل شئ بقوته وحكمته، يكون إذاً خلقه بالابن لأن الابن هو قوة الله وحكمة الله، وأيضاً نقول الابن هو اللوغوس، (فى البدء كن اللوغوس واللوغوس كان عند الله) اللوغس التى ترجمها خطأ القديس جيروم وقال (الكلمة) وقال فى البدء كان، أنا لما أصلى هذه القطعة فى صلاتى أقول: فى البدء كان اللوغوس و اللوغوس كان عند الله... الخ.
اللغوس بالضبط تعنى نطق الله العاقل أو عقل الله الناطق، ومن كلمة اللوغوس جاءت كلمة Logic (المنطق) والمنطق ليس معناها (النطق) لكن معناها (النطق المعقول) أو العقل المنطوق به.
فمن جهة الخلق الآب يخلق بواسطة الابن، الآب يخلق بعقله الناطق، الله يخلق بقوته وحكمته والابن هو قوة الله وحكمته.
فمثلاً الآب يحيى من يشاء، كيف؟ بالابن، الله هو الذى يدين العالم كله كيف؟ بالابن لأن كل الدينونة للابن، الآب لا يدين أحد بل أعطى كل الدينونة للابن.
إذا لم يأخذ شيئاً ليس له إنما هو يمارس أعمال الآب.
آية أخرى نشرحها، (أعطى الابن أن تكون له حياة فى ذاته) فهل الابن لم تكن له حياة فى ذاته والآب أعطاه حياة فى ذاته؟ فى إنجيل يوحنا يقول: (فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس) والمسيح يقول: (أنا هو الطريق والحق والحياة) ويقول: (أنا هو القيامة والحياة) إذا كان هو الحياة وفيه الحياة فكيف أخذ حياة فى ذاته، هنا أخذ حياة بطبيعته، فلم تعطى له حياة خارجة عنه، هو حى بذاته وهو مانح الحياة وهو يحيى من يشاء، حتى أنه بعد موته أخرج الراقدين على الرجاء وأدخلهم إلى الفردوس، فهو كان حياً بعد موته، كان حياً بلاهوته وإن كان الموت قد لحق بالجسد، لكن كان حياً بلاهوته.
موضوع (دفع إلىً كل سلطان)، إذا كان المسيح فى تجسده دُفع إليه كل سلطان إذاً هو فى تجسده أعظم مما كان ذي قبل، لأنه بعد التجسد دًفع إليه كل سلطان!!! وهذا مستحيل، إنما السلطان كان فى لاهوته، ثم مارسه بناسوته، فممارسته بناسوته قيل عنها أنه دفع إلىً كل سلطان لأنه هو بلاهوته فيه السلطان، ليس فقط هكذا، أيضاً كان له سلطان فى شفاء المرضى وإخراج الشيطان وانتهار البحر والأمواج، له سلطان، ويضاف إلى ذلك أنه أعطى ذلك السلطان إلى تلاميذه، فالذى يعطى غيره السلطان ألا يكون له سلطان فى ذاته؟ إذاً السلطان الذى للاهوته مرسه بناسوته. نكتفى بهذه الأشياء.
كلمتكم عن: معرفة الابن لتلك الساعة، وعن الآية الخاصة ب (أبى أعظم منى) وعن الآية الخاصة ب (أعطاه وجعله) وأقدم لكم اليوم آية من الآيات التى يسئ الأريوسيون فهمها وهى (خضوع الابن) فى (1كو 15: 28) يقول: (ومتى أ ُحضع له الكل فحينئذ للابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل) الأريوسيون يقولون أنه ما دام أن الابن سيخضع للأب إذا الابن أقل من الأب، فيكون غير مساوي له فى الجوهر وهذا ما سنرد عليه فى هذه الليلة إن شاء الله.
أتذكر أن هذه الآية كانت موضع حوار بينى وبين شهود يهوه سنة 53، قبل رهبنتى، وأنا كنت أعرف صعوبتها، قالوا لى (1 كو 15: 28) وأنا أعرف الآية، ثم قرأت الآية (متى أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل).
فقلت لهم (حينئذ) أى وقت القيامة، سيخضع الابن؟ هل هو لم يكن خاضعاً قبل ذلك؟ وتعلقت بكلمة (حينئذ)، الابن الذى قال للأب: (لتكن لا مشيئتى بل مشيئتك) الابن الذى أطاع حتى الموت، موت الصليب، الابن الذى يفعل دائما ما يرضيه (يو 8: 28)، الابن الذى قال (لا كما أريد أنا بل كما تريد أنت)، الابن الذى قال: (لتكن مشيئتك) (مت 26: 39 42) الابن الذى قال: (طعامى أن أعمل مشيئة أبى وأتتم عمله) (يو 4: 34)، الابن الذى قال للآب: (العمل الذى أعطيتنى لأعمله قد أكملته)، هل لم يكن خاضعاً؟ لماذا إذا قال (حينئذ)؟ ولم يعرفوا أن يجاوبوا، وتركوا هذه الآية.
ثم بدأت أرجع إلى أقوال الآباء فى هذا الموضوع منذ سنة 53 لكى أبحث عن هذا الموضوع، الآباء دائما يقولون نقرأ الفصل كله ونرى مناسبته ونعلق عليه، الفصل يقول: (وبعد ذلك النهاية ُ متى سلم المُلك لله الآب متى أبطل كل رياسه وكل سلطان وكل قوة لانهُ يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه.
آخر عدُو يُبطل ُ هُو الموتُ. لأنهُ أخضع كل شىء تحت قدميه. ولكن حينما يقول { إن كل شىء قد أخضع } فواضح أنه غير الذى أخضع له الكل. ومتى أخضع له الكل فحيتئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للدى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل).
فمسكوا موضوع (متى سلم الملك لله الآب) ونحن يجب أن نفهم الكتاب المقدس بعمق ونفهم كلمة (ةمتى سلم الملك لله الآب) هل المُلك لم يكن فى يد الله الآب قبل ذلك لكى يبدأ أن يسلمه له فى النهاية؟، طبيعى أن الله الآب يملك كل شئ، هل هو فى النهاية سيسلم لله الآب كل شئ؟ ولما يسلم المُلك لله الآب، هل لا يبقى للمسيح مُلك؟ بعد أن يسلم المُلك لله الآب؟ بينما فى (دا 7: 14) يقول: (سلطانه سلطان ما لن يزول، وملكوته ملكوت ما لن ينقرض)
ما معنى سلم المُلك للآب؟
وما معنى خضوع الناس؟
وخضوع الكل؟
يجب أن نفهم هذا الموضوع.
الله يملك الأرض وما عليها ولكن عمليا ً ليس الكل خاضعاً، يوجد عصاة ويوجد خطاة، ويوجد جسد يشتهى ضد الروح، يوجد من يرتد ويوجد من يجدف، يوجد من يتوب، يوجد من يقاوم ملكوت الله، إذا نظريا الله يملك كل شئ، لكن عملياً ليس الكل خاضعاً له، متى يكون الكل خاضعاً له؟ فى نهاية العالم، لما تقوم القيامة ويبدأ الملكوت،
فى هذه الحالة سوف لا يوجد شيطان ولا يوجد جنود له، ولا يوجد خطاة، ولا توجد خطية، لأن كل هؤلاء سيطرحون فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، لهذا هو قال: (متى أبطل كل رئاسة وكل سلطان وكل قوة) فى هذا الوقت لا يزال يوجد سلطان وهناك قوة وهناك رئاسات، وهناك أشياء كثيرة تعمل ضد ملكوت الله، حتى الشيطان قيل عنه أنه حينما يحل من سجنه يخرج لكى يضل الأمم.
لما الكل ينتهى، تبطل كل قوة وكل سلطان ويبطل الشيطان والخطية، ويُطرح الكل فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت، لا يبقى إلا المفديون الغالبون، المفديون الغالبون الذين وعدهم الرب بوعود كثيرة فى (رؤ 2، رؤ 3) (من يغلب فسأعطيه إكليل الحياة)، (من يغلب فسأعطيه أن يلبس ثياباً بيضاً)، (من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة)، (من يغلب لا يقدر عليه الموت الثانى) أشياء كثيرة، هؤلاء الغالبون الذين قادهم الرب فى موكب نصرته هم الذين يقدمهم لله الآب خاضعين له.
فهذا الخضوع ليس خضوع أقنوم لأأقنوم، لأن الأقانيم متساوية فى الإرادة وفى القوة وفى العمل وفى المشيئة وفى كل شئ، لا يوجد أقنوم يخضع لأقنوم، وأيضاً يقول أنا والآب واحد ويقول: (ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد) فى (يو 17: 22) فلا يوجد خضوع أقنوم لأقنوم، كلهم متساوون، ولكن الخضوع هو خضوع البشر الذين غلبوا وانتصروا.
لماذا قال أن الابن يخضع؟
الابن هو رأس الكنيسة والكنيسة هى جسده، فالآباء يقولون أن خضوع الابن معناها أن الابن وهو رأس الكنيسة يقدم خضوع الكنيسة لله الآب، وهو ينوب عن الكنيسة فى كل شئ، هو صام عنا هو دخل فى معمودية التوبة لأجلنا، وناب عنا فيها، وهو مات على الصليب نيابة عنا، وهو أيضاً سيقدم خضوع الكنيسة نيابة عنا لأنه اتبع هذه السياسة، حينما قال لشاول الطرسوسى:
(لماذا تضطهدنى) كان يقصد الكنيسة لكنه هو ينوب عن الكنيسة ويعتبر أن ما يحدث للكنيسة هو يحدث له ولما قال:
(كنت عرياناً فكسوتمونى، وكنت عطشاناً فسقيتمونى، وكنت جوعاناً فأطعمتمونى) كان يتكلم أيضاً نيابة عن الكنيسة، فهو يعتبر الكنيسة هى شخصه، ويقول: (مهما فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى قد فعلتم) خضوعنا نحن ينسبه إلى نفسه، ففيه يمثل خضوع البشرية التى غلبت.
ما معنى هذا الخضوع؟
معنى هذا الخضوع أنه منذ الآن أيها الآب لا يثور عليك أحد، ولا يعصاك أحد، سواء من الذين فوق الأرض والذين تحت الأرض، والذين على الأرض، كل ركبة تجثو باسم يسوع المسيح، هذا يحدث بعد القيامة حينما يسلم الملك لله الآب.
وهذا الرأى الذى يقول أن الابن هو الرأس ويقدم خضوع الجسد هو الرأى الذى قاله القديس جيروم والرأى الذى قاله القديس أمبروسيوس.
والآباء يحاولون أن يربطوا بين (مز 8: 7، 8) و (عب 2: 8) يقول فى (عب 2: 8): ({ ما هُو الإنسانُ حتى تذكرهُ، أو ابنُ الإنسان حتى تفتقدهُ؟ وضعتهُ قليلاً عن الملائكة. بمجد وكرامة كللتهُ، وأقمتهُ على أعمال يديك. أخضعت كل شئ تحت قدميه }). ثم يقول بعدها: (لأنهُ إذ أخضع الكل لهُ لم يترك شيئاً غير خاضع لهُ على أننا الآن لسنا نرى الكل بعد مخضعناً له ُ) متى يكن الكل مخضعاً له؟ لما تقوم القيامة وينتهى عالم الأشرار وعالم الخطية ويبقى فقط الغالبون المفديون الذين يُقدمون للآب ويكونون الملك الخاص به.
ولهذا عن هذا الملك نرى أن السيد المسيح فى بداية بشارته فى إنجيل مرقس يقول: (قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل) ولم يقل ملكوت الله قد يم لأن ملكوت الله قد تم على الصليب حينما علق على خشبة، لكن قال قد اقترب الملكوت، ولكى تكونوا أبناء الملكوت يجب أن تتوبوا ولذلك أعطى الرسل خدمة المصالحة وينادوا ويقولوا اصطلحوا من الله فبهذا الصُلح وبهذه التوبة يتكون الملكوت.
ثم أن هناك ملاحظة يلاحظها أيضاً القديس جيروم، يقول أنه قال: (ومتى أخضع لهُ الكلُ فحينئذ الابن نفسهُ أيضاً سيخضع ُ للذى أخضع لهُ الكل كى يكون الله الكل فى الكل) لم يقل (يكون الآب الكل فى الكل) بل قال: (ليكون الله الكل فى الكل) لأن كلمة الله معنا أيضاً الثالوث القدوس.
مجدنى أنت أيها الآب:
الآية الأولى التى سنتكلم عنها الليلة هى (قد أتت الساعة مجد ابنك فيمجدك ابنك أيضاً) الأريوسيون يقولون ما دام الأب يمجد الابن فهل معقول أن الآب الذى يمجد مثل الابن الذى يطلب المجد له؟ فلا توجد مساواة فهذا ضد لاهوت المسيح!
لكننا نحاول أن نرد على هؤلاء وعلى فهمهم الخاطئ بما يأتى:
+ هذه الآيات تدل على لاهوت المسيح بالأكثر، يقول: (قد أتت الساعة مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً) ثم (أنا مجدتك على الأرض العمل الذى أعطيتنى لأعمله قد أكملته والأن مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم)
إذا أمامنا أمران واضحان فى هذه الآية، أمر منهما أنه يوجد تمجيد متبادل، (مجد ابنك ليمجدك ابنك أيضاً) (مجدنى أيها الآب وأنا مجدتك على الأرض) الآب يمجد الابن والابن يمجد الآب، ليس فقط هذه النقطة وإنما أيضاً يقول له: (مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم) إذاً الابن كان له مجد قبل كون العالم! كيف؟ لأن العالم به كان والعالم به كوُن، والمجد الذى كان له قبل العالم أنه خلق العالم، فالعالم به كان، عيب الأريوسييين أنهم يلتقطون جمله أو جزءاً من جملة ويتمسك بها، لكننا نأخذ الكل مع بعض.
ماذا كان المجد الذى للابن قبل كون العالم؟ (مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم)، المجد الذى كان للابن هو انه بهاء مجده ورسم جوهره، هو أنه كلمة الله (اللوغوس)، وكلمة اللوغوس أفضل من لفظ (كلمة الله) هى ترجمة غير دقيقة من القديس جيروم نيح الله نفسه فى فردوس النعيم لوغوس معناها عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، ليس مجرد كلمة، البعض يستخدمونها أنها مجرد كلمة، ومنها (كليم الله)، لا، كلمة (لوغوس) تعنى عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل، ومنها كلمة IOGiC (منطق) والمنطق ليس معناه النطق وإنما معناه النطق العاقل، أو العقل المنطوق به، وليس فقط هذا، بل فى (1كو 1: 23) يقول عن المسيح أنه حكمة الله وقوة الله، إذاً لما يقول له (مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم) ليس معناها أنه يطلب مجداً لم يكن له، وإنما مجد كان له فبل كون العالم، ثم هنا ندخل فى الموضوع وأريدكم أن تفهموا ما معنى كلمة يمجد، لما يقول له: (أنا مجدتك على الأرض) فهل الله كان ينقصه مجد ثم مجده الابن؟ ما معنى كلمة (أنا مجدك على الأرض)؟ وبالمثل لما يقول: (مجدوا الله) وفى التسبحة نقول: (مجدوه سبحوه زيدوه علواً إلى الأبد)، هل معناه أننا نعطيه مجداً؟ لا، هذا ليس معنى لغة الكتاب. تمجد الله تعنى أن تظهر مجده، أى نعلن مجده، نتحدث عن مجده وتشرح مجده، هذا هو تمجيد الله، أيضاً كما نقول: (باركوا الله ياجميع قديسيه)، هل عبارة (باركوا الله) أى نعطيه بركة؟ حاشا، وإنما يعترفون ببركته.
إذا مجدنى ليس معنى ذلك أن تعطينى مجداً، وإنما إظهار هذا المجد، وما معنى (اظهر هذا المجد)؟ أى أن المسيح قيل عنه فى (أش 53) (لا صورة له ولا جمال ولا منظر فنشتهيه ومخذول من الناس) وفى مزمور 22 يقول عنه: (دودة لا إنسان)، فمعناها أنى أنا حالياً أى الابن فى حالة الذات الموجودة فى (فى 2: 7) (أخلى ذاته وأخذ شكل العبد وصار فى الهيئة كإنسان) فمعناها (أظهر هذا المجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم)
نقطة أخرى، أن هذا الكلام يُقال عن الناسوت وليس عن اللاهوت، لأن اللاهوت لا يأخذ مجداً ولا ينقص مجداً، اللاهوت لا يزيد ولا ينقص، لما نقول مجدوا الآب، هل الآب يزيد مجداً؟ لا، هذا الكلام عن الناسوت. اللاهوت فى كمال المجد فهو لا يزيد مجداً وإنما الابن يقول: (هذا المجد الذى لى قبل كون العالم الذى احتجب ولم يظهر نتيجة إخلاء الذات)
متى قال هذا الكلام؟ فى (يو 17) يوم خميس العهد وبعد الفصح وبعد غسل الأرجل والحديث مع التلاميذ وفى طريقه إلى جثسيمانى ثم إلى الجلجثة، وفى طريق الصلب، هو يقول أنا الآن فى طريق الصلب، وهو طريق المجد الذى أريده، مجد الفداء، مجد الحب الذى يبذل ذاته لأجل الآخرين لا يوجد حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه. مجدنى بهذا المجد مجد الصليب مجد الألم، لأنه لا يمجد أن يتم الفداء إلا بالألم، فأعطنى مجد الصليب هذا الذى أتمم به عملك أنت نفسك. الذى هو مجد الكفارة كيف أن الرحمة والحق يتلاقيان معاً، وعلى الصليب يتمجد عدلك متحداً برحمتك وكلاهما يقدمان الفداء، وهذا مجد عظيم، ولذلك هناك آيات كثيرة قيلت فى هذا الموضوع فى (يو 12: 31) يقول: (الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه).
ثم هناك أمجاد أخرة كان الابن داخلاً فيها، مثل مجد القيامة، كيف يقوم فى مجد والقبر مغلق ويخرج منه والقبر مغلق ولا يشعر به أحد، كيف يدخل على التلاميذ والأبواب مغلقة، كيف يقوم بجسد ممجد يحدث معه كل هذا، ثم كيف يصعد بهذا الجسد إلى السماء لا تقوى عليه قوانين الجاذبية الأرضية لأنه جسد ممجد، لا مادة تخضع فيه لجاذبية الأرض، المسيح وهو فى طريق جثسيمانى وإلى طريق الجلجثة، فالصورة أمامه، صورة المجد، مجد الصليب، مجد الفداء، مجد القيامة، مجد الصعود، كل هذه الأمجاد، فيقول له: (مجدنى أنت أيها الآب لأنى داخل فى مرحلة تنتهى فيها إخلاء الذات) أنا الآن فى مرحلة إخلاء الذات لا صورة ولا جمال ولا منظر، لكننى داخل فى هذه الأمجاد، لذلك قال مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك، { أنت } لأن الناس لما ينظرونا الصليب والآلام لن يقولوا أنها دليل مجد، لكن أنت تعرف، مجدنى عند ذاتك بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم، أى بالمجد الذى كان قبل أن أخلي وأخذ شكل العبد وأصير فى الهيئة كإنسان. أى أنه يسترد مجده بعد الصليب ويسترده فى الصعود.
نلاحظ كلمة التمجيد هذه تدخل أيضاً فى علاقته بالروح القدس، فى (يو 16: 14) يقول عن الروح القدس: (ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم)، يمجدنى ليس معناها (يعطينى مجد) لأنه يأخذ مما لى، فالذى يأخذ مما لى (يعطى أم يأخذ)؟ لكن ذاك يمجدنى معناها أى يظهر مجدى وليس معناها (يعطينى مجداً)
وهكذا نرى أننا فى يوم الجمعة الكبيرة نقول له:
(المجد والقوة te 5 gom nem pi' wov (OWK لك المجد والقوة والبركة وأنت على الصليب، لأنه مجد الفداء لمحبتك وأيضاً نقول له فى يوم الجمعة الكبيرة (عرشك يا الله إلى دهر الدهور PekOronoc F5 2a ' eneh)) (أحياناً يترجمونها { كرسيك } لكن هى عرش، عرشك يا الله إلى دهر الدهور وقضيب الاستقامة هو قضيب ملكك، أنت على الصليب صرت ملكاً وملكت على خشبة، هذا هو مجدك، العالم الذى سباه الشيطان استرديته مرة أخرى، هذا هو المجد، أبصرت الشيطان ساقطاً من السماء مثل البرق).
الآية الثانية أيضاً فى يوحنا، فى الفصل الذى يقال فى عيد القيامة فى ظهور السيد المسيح لمريم المجدلية: (فظنت تلك انهُ البُستانى فقالت لهُ { يا سيدُ إن كُنت أنت قد حملتهُ فقل لى أين وضعتهُ وأنا آخُذُهُ }. قال لها يسوعُ: { يا مريم! }فالتفتت تلك وقالت لهُ { ربُونى } الذى تفسيرهُ يامعلمُ. قال لها يسوعُ: { لا تلمسينى لأنى لم أصعد بعدُ إلى أبى. ولكن اذهبى إلى إخوتى وقولى لهُم إنى أصعدُ إلى أبى وأبيكُم وإلهى والهكُم }).
الأريوسيون يقولون ما معنى (أبى وأبيكم وإلهى و إلهكم) فهى ضد لاهوته.
طبعاً السيد المسيح فى هذا الفصل يكلم فتاة ضعيفة شكت فى قيامته وظنت أنهم سرقوا الجسد ولا تعلم أين وضعوه، وشكت فى القيامة فيكلمها بحسب ضعف تفكيرها، على رأى القديس أغسطينوس فيقول: (أنه قال لها لم أصعد بعد إلى أبى أى لم أصعد بعد إلى مستوى أبى فى تفكيرك نظنينى كجرد إنسان يموت ويسرق جسده ولا يقوم) إيمان فى دور الحضانة لم ينضج بعد بينما مريم هذه لمسته قبل ذلك فى (مت 28) كانت هى ومريم الأخرى يقول: (وسجدتا له) على أى الحالات هو لم يكن يكلمها كإله لأنها لم تكن تحتمل هذا التفكير بعد ولذلك قال لها (اذهبى وقولوا لأخوتى).
على رأى القديس غريغوريوس أسقف نيصص يقول: (هنا لا يتكلم من جهة اللاهوت لأنه يقول قولى لإخوتى وهو من ناحية اللاهوت ليس له أخوة من جهة الناسوت.
والقديس إيلارى يتساءل أيضاً هل هم أخوته بصفته إلهاً؟ (مستحيل هذا الذى حل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً) لكن هو قال أخوتى من حيث أنه صار حسب الجسد بكراً وسط أخوة كثيرين، أخوته أيضاً قالها مرة عن تلاميذه ومرة قالها عن البشر عموماً ومرة قالها عن أقربائه، أولاد مريم زوجة كلوبا، وعن البشر قال: (من يصتع مشيئة أبى الذى فى السموات هو أخى وأختى وأمى) ولذلك القديسيون يقولون: (لما قال أبى و أبيكم قال أبى بمعنى وأبيكم بمعنى آخر، إلهى بمعنى وإلهكم بمعنى آخر) لذلك لم يقل: (إنى أصعد إلى أبينا والهنا) لكن هو فرق بين القولين، قال أبى وأبيكم، من ناحية أنه أبى لأنى أنا الابن الوحيد من الجوهر والطبيعة ومن ناحية أبيكم فهو أبوكم من ناحية الإيمان: (أما الذين قبلوه فأعطاهم سلطان أن يصيروا أولادا لله أى المؤمنون باسمه) أبوكم من جهة (انظروا أية محبة أعطاناً الآية أن نكون أولاداً لله) كما ورد فى (1يو 3: 1)، أو من جهة التبنى كما ورد فى (رؤ 8) فهو أبوكم من جهة التبنى ومن جهة المحبة ومن جهة الإيمان، لكن هو أبى من جهة الجوهر ومن جهة الطبيعة ومن جهة اللاهوت، لهذا فرق بين كلمة (أبى) و (أبيكم) وأيضاً قوله إلهى و إلهكم إلهى بمعنى وإلهكم بمعنى آخر، إلهى بمعنى (لاهوت ناسوتى) وإلهكم بمعنى (خالقكم).
لذلك يقول لها (اذهبى ةقةلى لإخوتى)، وإخوتى تعنى بالطبيعة البشرية وليس بالطبيعة الإلهية، الطبيعة الإلهية ليس له أخوة وكلمة لم يصعد بعد لم يقلها عن اللاهوت لأن اللاهوت لا يصعد ولا ينزل، لا يصعد من تحت لفوق، اللاهوت موجود فوق وتحت وما بينهما فكيف يصعد؟ اللاهوت أيضاً لا يتحرك ولا يمشى، لأن الذى يتحرك ينتقل من موضع إلى موضع، لكن الموجود فى كل مكان كيف يتحرك، فكلمة (لم أصعد بعد) أى من الناحية الجسدية لم أصعد، وهذا ما نقوله فى القداس الغريغورى (وعند صعودك إلى السموات جسدياً) لأن لاهوتياص أنت لا تصعد ولا تنزل، فتفسير الآية باختصار شديد إلى وأبيكم، أبى بمعنى وأبيكم بمعنى آخر، إلهى وإلهكم، إلهى بمعنى وإلهكم بمعنى آخر.
نأخذ حالياً الآية فى (يو 5: 19) (لا يقدرُ الابنُ أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظرُ الآب يعملُ) فالأريوسيون يقولون مادام الابن لا يقدر أن يعمل من ذاته شيئاً تكون ضد لاهوته وضد مساواته بالآب، ونحن كعادتنا فى كل مرة ندرس ما هى المناسبة التى قيلت فى هذه الآية ونفرأ الفصل كلة، وما بعده، هذه الآية قيلت فى (يو 5) وفى أوله كيف أن السيد المسيح شفى مريض بيت حسدا، متذ 38 سنة مريض، وشفاه وقال له احمل سريرك وأمش، وكان هذا يوم سبت، فاليهود تذمروا عليه لأن ذلك كان يوم سبت، كيف يشفى مريض فى يوم سبت وكيف يقول أحمل سريرك، فالسيد المسيح قال لهم: { أبى يعملُ حتى الأن وأنا أعملُ } فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً إن الله أبوهُ مُعادلا نفسهُ بالله فقال يسوعُ لهُمُ: { ألحق ألحق أقول لكم: لا يقدرُ الابنُ أن يعمل من نفسه شيئاُ إلا ما ينظر ُ الآب يعملُ. لأن مهما عمل ذاك فهذا يعملهُ الابنُ كذلك }، نأخذ الموضوع كله على بعض، إذا ما عبارة لا يقدر؟ أنا أريدكم أن تفهموا عبارة (لا يقدر) ليست عبارة (لا يقدر) تدل على الضعف، أبداً، فى كل حال. فى إحدى المرات مدرسة فى مدارس الأحد تقول للأولاد (الله قادر على كل شىء) فتلميذ من التلاميذ قال لها (لا) ربنا ليس قادر على كل شىء، قالت له: لماذا؟ فسألها: هل ربنا يقدر أن يخطئ، فارتبكت.
الله لا يقدر أن يخطئ ليس لأن هذا يدل على عدم قدرة، بل الخطية هى ضعف، الخطية هى عدم قدرة على عمل البر، إذا الخطية ضعف، فكلمة لا يقدر هنا لا تدل على ضعف، مثلاً شخص يقول: (أنا لا أقدر على مخالفة أب الاعتراف) فهل هذا ضعف؟ ليس ضعفاً، لا يقدر على شئ خطاً يكون نوع من القوة، بل أن ربنا استخدم هذا الأسلوب نفسه، فى (1يو3) يقول: (لا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله) هل عبارة (لا يستطيع أن يخطئ) تدل على ضعف أم على قوة؟ لا شك أنها تدل على قوة، لايستطيع أن يخطئ.
نقطة آخرى نقولها فى هذا الموضوع، هو أن السيد المسيح وُصف بأنه القادر على كل سئ كما ورد فى (رؤ 1: 8) وكما ورد فى (رؤ 19: 9) (القادر على كل شئ) ثم أيضاً ورد عن السيد المسيح فى (1كو 1: 24) أنه قوة الله وحكمة الله، فكيف وهو قدرة الله وهو قوة الله لا يقدر؟ يجب أن نأخذ الأمور مع بعض، إذاً يجب أن نعرف ما معنى عبارة (لا يقدر) (لا يقدر من ذاته أن يفعل شيئاً إلا ما ينظر الآب فاعله)
الآباء القديسون ناقشوا عبارة (ما ينظر الآب فاعله) فهل هو كل شئ عمله كان ينظر الآب يعمله قبل ذلك؟ فى مشيه غلى الماء كان نظر الآب يمشى على الماء قبل ذلك؟ لما خلق الكون (كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان) هل رأى الآب يخلق قبل 1لك وهو عمل مثله؟ يجب أن تفهم الآية ماذا تعنى.
المسيح لما قال: (لا يقدر الابن أن يعمل من ذاته شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمله) يقصد أن الابن لا يعمل بمفرده شيئاً إلا ما يعمله الآب أيضاً، افهموا هذا لأن هذا هو صلب الموضوع، يعنى هو والآب مشتركان معاً فى عمل واحد، لهذا قال لهم: (أبى يعمل حتى الأن وأنا أيضاً أعمل) وكلمة (حتى الأن) تأمل فيها الآباء القديسون فقالوا (حتى الأن) أى حتى فى هذا الوقت الذى شفيت فيه مريض بيت حسدا، كان أبى يعمل وأنا أعمل، ما معنى هذا الكلام؟ أى أن أبى هو الذى شفى المريض وأنا الذى شفيت المريض، نحن الأثنان شفيناه، أو كما قال القديسون، وقلته لكم فى محاضرة سابقة، أن الآب يعمل بواسطة الابن أو عن طريق الابن، الآب هو الخالق: (فى البدء خلق الله السموات والأرض) وكيف خلق؟ الكتاب يقول عن الابن: (هذا الذى به خلقت كل شئ) إذا خلق به كل شئ لهذا قلنا عن الابن: (كل شئ به كان) إذا فى عملية الخلق كان الآب يعمل والابن فى نفس الوقت.
فى إدانة العالم فى اليوم الأخير قيل عن الله فى (تك 18) أنه هو ديان الأرض كلها، وكيف يدين؟. يدين بالابن، الدينونة كلها للابن، إذاً الآب يدين العالم بواسطة الابن، والله خلق العالم بواسطة الابن، والله يخلص العالم بواسطة الابن، وهو يقول لهم الابن لا يعمل بمفرده شيئاً، ألا ما ينظر الآب يعمله، أى أن الآب هو الذى يعمل والآب يعمل بالابن، والآب يعمل فى ٌ ويعمل بواسطتى، ونعمل معاً، (أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضاً أعمل).
السيد المسيح كان أحياناً يرد رداً يعتقدون أنه بعيد عن الموضوع تماماً، لكن هو يعرف ما يقول، يسألونه كيف تشفى المريض يوم السبت، فيقول: (أبى يعمل حتى الآن وأنا أيضاً أعمل) ما معنى هذا الكلام؟ أى أن الله هو الذى شفى المريض فى يوم سبت، وهو الذى كان يعمل فة يوم سبت، فهل لما يعمل فى يوم سبت، هل هذا كسر للسبت؟ لا يمكن أن يكون الابن كاسراً للسبت لأنه فى (مت 12: 8) قيل أنه رب السبت أيضاً، الله نفسه يعمل فى يوم السبت، الوصية تقول: اذكر يوم السبت لتقدسه لأن الله استراح فيه خالقاً، وليس استراح بمعنى مطلق، أنه ما عاد الله يعمل إطلاقاً فى يوم السبت، هذا الكلام ليس معقولاً، الله يعمل كل حين، فى الأيام الستة انتهى من عملية الخلق واستراح خالقاً، وبقى يعمل فى أعمال الرعاية وفى أعمال التعليم وبقى يعمل فى بناء الملكوت وفى نشر الإيمان وفى إرسال الرسل والأنبياء، وفى هداية الناس، فربنا يعمل يوم السبت، هنا السيد المسيح أفهمهم الموضوع ليس فقط دافع عن يوم السبت، ولم يقل أنا أعمل يوم السبت، لكن قال لهم الآب نفسه يعمل فى يوم السبت، وليس أنا فقط الذى شفيت الرجل فى يوم السبت، لكن الآب نفسه شفاه، واخزوا، وافهموا ماذا تعنى عبارة (استراح الله)؟ ليست استراح راحة مطلقة، لو ربنا لم يعمل فى يوم السبت نحن نهلك فى يوم السبت، من ينقذنا إلا هو؟ ولا صلاة تستجاب لنا يوم السبت لأن استجابة الصلاة هى عمل، والله لا يرحمنا فى يوم السبت، لأن الرحمة عمل، فالمسيح قال لهم أنا أعمل يوم السبت، ولم أكسره، والأب أيضاً يعمل يوم السبت ولم يكسره، وسيظل يعمل وأبى يعمل حتى الأن وأنا أعمل، ونحن الأثنان نعمل، وكل ما يعمله الآب يعمله الابن أيضاً، هى الآيه التى بعد الآية التى نناقشها، إذاً كلمة لا يقدر لا تفهم على معنى عدم القدرة، وإنما معناها أنه لا يعمل بمفرده، وإنما تفهم أنه يعمل ومعه الآب، (أنا فى الآب والآب فيٌ) وأنا والآب واحد وما يعمله الآب يعمله الابن، وما يعمله الابن هو ما يعمله الآب عن طريق الابن.
القديسون قالوا كلاماً كثيراً فى هذا الموضوع، القديس باسيليوس يعلق على عبارة (لا يقدر الابن أن يعمل من ذاته شيئاً) أن أى مخلوق فى الدنيا يقدر أن يعمل من ذاته شيئاً فهل الابن لا يقدر وأى مخلوق من مخلوقاته يقدر، هو يخلق ناس أحراراً وهو ليس حراً أن يعمل من ذاته شيئاً، وإذا كان الابن لا يقدر من نفسه أن يعمل شيئاً فيكون غير مسئولاً عن أعماله وهذا غير معقول.
ويقول القديس أمبروسيوس عن الاتهام بكسر السبت أن مشيئة الابن هى مشيئة الآب فى يوم السبت، وعمل الابن هو عمل الآب فى يوم السبت.
ويقول القديسون كلمة لطيفة جداً، أن الأريوسيين يفصلون الآب عن الابن فى العمل، لكن المسيح لا ينفصل عمله عن عمل الآب أبداً، ففى نفس الوقت الذى كان يصنع فيه معجزة كان الآب يعمل وهو يعمل، نحن لا نفصل لاهوته عن ناسوته، ولا نفصل عمل عن عمل الآب، لذلك فى أمور كثيرة وليس فى كل الأمور، لأن هناك بعض الأشياء خاصة بأقنوم معين وليس بباقى الأقانيم، لكن اللاهوت واحد فى الكل، وأيضاً لا نقول (الآب اء ةالابن نفذ) هذا التعبير فيه خطأ، لأن هناك فرق زمنى بين المشيئة والتنفيذ، لكن فى نفس الوقت الذى الآب شاء فيه أيضاً الابن شاء وفى نفس الوقت الذى الابن ينفذ كان الآب ينفذ، هما الأثنان مشيئة واحدة وعمل واحد، مشيئة الآب يحولها الابن إلى عمل، وعمل الآب هو عمل الابن، وهو يقول: كل ما للآب هو لى، فعن القدرة كل ما للآب هى للابن أيضاً، القديس أمبروسيوس يقول: (الابن لا يقدر أن يعمل من ذاته شيئاً) لأن عمله ليس منفصلاً عن عمل الآب هما الأثنان يعملان عملاً واحداً.
القديس إيلارى يقول: هو يعمل من ذاته شيئاً لأن الآب فيه فأعماله مشتركة مع الآب،أقوال كثيره قالها الآباء.