البابا شنودة الثالث
طبيعة المسيح
المشيئة الواحدة والفعل الواحد |
مقدمة الكتاب
موضوع طبيعة المسيح موضوع هام جداً ، كان سبب انقسام خطير في الكنيسة في منتصف القرن الخامس (سنة 451م) . ولما بدأ الحوار اللاهوتي الخاص بوحدة الكنائس ، كان لابد من طرق هذا الموضوع . وكان لابد لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية أن يكون لها كتاب يعبر عن عقيدتها في هذا الشأن ، بلغة تصلح للحوار اللاهوتي .
وقد قمت بتدريس هذا الموضوع لطلبة الكلية الإكليريكية في سنة 1984 في محاضرات ألقيناها في دير القديس الأنبا بيشوى ببرية شيهيت ضمن مادة اللاهوت المقارن ، وقدمت للطلبة كمذكرات تداولوها ، ولم تخرج عن هذا النطاق .
ثم ترجمت هذه المذكرات إلى اللغة الإنجليزية في أوتوا عاصمة كندا سنة 1985 ، وبقيت متداولة باللغة الإنجليزية فقط لمدة ست سنوات …
وكان لابد أن نطبعها باللغة العربية ليدرسها طلبة الكلية الإكليريكية بفروعها المتعددة ، ولمنفعة من يحب الدراسة اللاهوتية من الخدام ومن أفراد الشعب أيضا … وكذلك لمن يريد أن يتعرف على عقيدتنا في ألchristology من الكنائس الأخرى …
وكان أول حوار لاهوتي لنا في الموضوع في فينا بالنمسا في سبتمبر سنة 1971 م في اجتماع نظمته هيئة Pro Oriente . ووصلنا إلى اتفاق على صيغة لاهوتية وافق عليها اخوتنا الكاثوليك ، واخوتنا من الكنائس الأرثوذكسية الشرقية القديمة : السريان والأرمن والأثيوبيون والهنود . وبخاصة لأنه كان الخلاف منذ القرن الخامس قد شوه مفهوم كل كنيسة عن الأخرى . وحاليا أصبح الجو ممهداً لمفهوم مشترك …
بعد ذلك تم اتفاقنا رسمياً مع الكنائس الكاثوليكية، بعد 17 عاماً (سنة 1988) على أساس ما اتفقنا عليه من قبل ، في وثيقة مختصرة ننشرها في الصفحة الأخيرة من هذا الكتاب …
وكان لنا حوار آخر مفصل جداً مع اخوتنا من الكنائس الأرثوذكسية البيزنطية في اجتماع حضره علماء اللاهوت في عشرين من الكنائس الأرثوذكسية في العالم ، وذلك في دير الأنبا بيشوى ببرية شيهيت سنة 1989 م ، أعقبه اجتماع آخر لممثلي الكنائس الأرثوذكسية من رجال الكهنوت في شامبزى بجنيف سنة 1990 .
ولما كان من الصالح أن يعرف شعبنا ما هي تفاصيل وأثباتات معتقدنا في طبيعة المسيح ، ولما كانت جماعة Pro Oriente . ستعقد مؤتمراً دينياً لممثلي جميع الكنائس لإطلاعهم على المعتقد ،في أواخر اكتو بر من هذا العام (1991 م) . وقد طلبوا منا ورقة نقدمها للحاضرين ، ونلقيها كمحاضرة عليهم …
لذلك كله رأينا طبع مذكرات الاكليريكية في سنة 1984 لتصدر في كتاب يوزع على ذلك المؤتمر ، ويكون في متناول الجميع باللغة العربية إلى جوار الترجمة الإنجليزية .
البابا شنودة الثالث
السيد المسيح هو الإله الكلمة المتجسد ، له لاهوت كامل ، وناسوت كامل ، لاهوته متحد بناسوته اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ، اتحاداً كاملاً أقنومياً جوهرياً ، تعجز اللغة أن تعبر عنة ، حتى قيل عنه إنه سر عظيم "عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد" (1 تى 3 : 16).
وهذا الاتحاد دائم لا ينفصل مطلقا ولا يفترق . نقول عنه في القداس الإلهي "إن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين" .
الطبيعة اللاهوتية(الله الكلمة) اتحدت بالطبيعة الناسوتية التي أخذها الكلمة (اللوجوس) من العذراء مريم بعمل الروح القدس . الروح القدس طهر وقدس مستودع العذراء طهارة كاملة حتى لا يرث المولود منها شيئاً من الخطية الأصلية ، وكون من دمائها جسداً اتحد به ابن الله الوحيد . وقد تم هذا الاتحاد منذ اللحظة الأولى للحبل المقدس في رحم السيدة العذراء .
وباتحاد الطبيعتين الإلهية والبشرية داخل رحم السيدة العذراء تكونت منهما طبيعة واحدة هي طبيعة الله الكلمة المتجسد .
لم تجد الكنيسة المقدسة تعبيراً أصدق وأعمق وأدق من هذا التعبير . الذي استخدمه القديس كيرلس الكبير (عامود الدين ) والقديس أثناسيوس الرسولى من قبله، وكل منهما قمة في التعليم اللاهوتي على مستوى العالم كله .
حتى أنني حينما اشتركت في حوار أعدته جماعة Pro Oriente في فيينا بالنمسا في سبتمبر 1971 م بين الكاثوليك الرومانيين والكنائس الأرثوذكسية الشرقية القديمة عن طبيعة المسيح ، كان موضوع هذا الحوار هو قول القديس كيرلس "طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد"
وبعد الشقاق الذي حدث سنة 451 م، حيث رفضنا مجمع خلقيدونية و تحديداته اللاهوتية ، عرفنا بأصحاب الطبيعة الواحدة Monophysites .
وتشترك في هذا الإيمان الكنائس السريانية ، والأرمنية ، والأثيوبية ، والهندية ، وهى الكنائس الأرثوذكسية غير الخلقيدونية .
بينما الكنائس الخلقيدونية الكاثوليكية واليونانية (الروم الأرثوذكس )فتؤمن بطبيعتين للسيد المسيح وتشترك في هذا الاعتقاد أيضاً الكنائس البروتستانتية. ولذلك تعرف كل هذه الكنائس باسم أصحاب الطبيعتين .
وكنائس الروم الأرثوذكس ، أو الأرثوذكس الخلقيدونيين فتشمل كنائس القسطنطينية واليونان ، وأورشليم ، وقبرص ،وروسيا ، ورومانيا ، والمجر ،والصرب ،وكنائس الروم الأرثوذكس فى مصر ، وفى سوريا ولبنان ، وفى أمريكا ،وفى دير سانت كاترين بسيناء …الخ
وتعتبر أصحاب الطبيعة الواحدة Monophysites أسئ فهمه عن قصد أو غير قصد خلال فترات التاريخ ، فاضطهدت بالذات الكنيسة القبطية والكنيسة السريانية اضطهادات مروعة بسبب اعتقادها ، وبخاصة في الفترة من مجمع خلقيدونية سنة 451 حتى بدء دخول الإسلام مصر وسوريا (حوالي 641 م) .
واستمر المفهوم الخاطئ خلال التاريخ ، كما كنا نؤمن بطبيعة واحدة للمسيح وننكر وجود الطبيعة الأخرى .
هل هي الطبيعة اللاهوتية . وقد كانت كنيستنا أكثر كنائس العالم دفاعاً عن لاهوت المسيح ضد الأريوسية في مجمع نيقية المسكونى المقدس سنة 325 م وفيما قبله وما بعده . أم هي الطبيعة الناسوتية وأقدم كتاب وأعمق كتاب شرحها هو كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الإسكندري !
إنما عبارة " طبيعة واحدة " المقصود بها ليس الطبيعة اللاهوتية وحدها ، ولا الطبيعة البشرية وحدها ، إنما اتحاد هاتين الطبيعتين في طبيعة واحدة هي (طبيعة الكلمة المتجسد) .
وذلك مثلما نتحدث عن الطبيعة البشرية وهى عبارة عن اتحاد طبيعتين هما النفس والجسد . فالطبيعة البشرية ليست هي النفس وحدها ، ولا الجسد وحدة ، إنما اتحادهما معاً في طبيعة واحدة تسمى الطبيعة البشرية . وسنتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد .
والقديس كيرلس الكبير علمنا أن لا نتحدث عن طبيعتين بعد الاتحاد .
فيمكن أن نقول أن الطبيعة اللاهوتية اتحدت أقنومياً بالطبيعة البشرية داخل رحم القديسة العذراء ولكن بعد هذا الاتحاد لا نعود مطلقاً نتكلم عن طبيعتين في المسيح . فتعبير الطبيعتين يوحي بالانفصال و الافتراق . ومع أن أصحاب الطبيعتين يقولون باتحادهما ، إلا أن نغمة الانفصال كما تبدو واضحة في مجمع خلقيدونية ، مما جعلنا نر فضة … ونفى القديس ديسقورس الإسكندري بسبب هذا الرفض …
وإلى أن نشرح بالتفصيل موضوع الطبيعة الطبيعتين في المسيح ، نود أن نتعرض قبل ذلك لشرح نقطة هامة وهى :
أشهر الهرطقات حول طبيعة المسيح :
1 – هـــــرطقة آريوس :
كان آريوس ينكر لاهوت المسيح ، ويرى أنه أقل من الآب في الجوهر ، وأنه مخلوق . ومازالت جذور الأريوسية قائمة حتى الآن . حتى بعد أن شجبها مجمع نيقية المسكونى سنة 325 م ، ظل أريوس والأريوريوسيون من بعده سبب تعب وشقاق وشك للكنيسة المقدسة …
2 – هرطقة أبو ليناريوس :
وكان ينادى بلاهوت المسيح ، ولكن لا يؤمن بكمال ناسوته . إذ كان يرى أن ناسوت المسيح لم يكن محتاجاً إلى روح ، فكان بغير روح ، لأن الله اللوجوس كان يقوم بعملها فى منح الحياة. ولما كان هذا يعنى أن ناسوت المسيح كان ناقصاً ، لذلك حكم مجمع القسطنطينية المسكونى المقدس المنعقد سنة 381 م بحرم أبوليناريوس وهرطقته هذه .
3 – هرطقة نسطور :
وكان نسطور بطريركاً للقسطنطينية من سنة 428 م حتى حرمه مجمع أفسس المسكونى المقدس سنة 431 م .
وكان يرفض تسمية القديسة العذراء مريم بوالدة الإله OEOTOKOC ، ويرى أنها ولدت إنساناً، وهذا الإنسان حل فيه اللاهوت . لذلك يمكن أن تسمى العذراء أم يسوع . وقد نشر هذا التعليم قسيسه أنسطاسيوس ، وأيد هو تعليم ذلك القس وكتب خمسة كتب ضد تسمية العذراء والدة الإله .
ويعتبر أنه بهذا قد أنكر لاهوت المسيح .
وحتى قوله أن اللاهوت قد حل فيه لم يكن بمعنى الاتحاد الأقنومى ، وإنما حلول بمعنى المصاحبة .
أوحلول كما يحدث للقديسين .
أي أن المسيح صار مسكناً لله ، كما صار في عماده مسكناً للروح القدس . وهو بهذا الوضع يعتبر حامل الله (صفحة 10 ) كاللقب الذي أخذه القديس أغناطيوس الانطاكى
وقال أن العذراء لايمكن أن تلد الإله ، فالمخلوق لا يلد الخالق ! وما يولد من الجسد ليس سوى جسد .
وهكذا يرى أن علاقة طبيعة المسيح البشرية بالطبيعة اللاهوتية بدأت بعد ولادته من العذراء ، ولم تكن اتحاداً وقال صراحة " أنا أفضل بين الطبيعتين" .
وبهذا الوضع تكون النسطورية ضد عقيدة الكفارة .
لأنه إن كان المسيح لم يتحد بالطبيعة اللاهوتية ، فلا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة تكفى لغفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور .
والكنيسة حينما تقول أن العذراء والدة الإله ، إنما تعنى أنها ولدت الكلمة المتجسد ، وليس أنها كانت أصلاً للاهوت ،حاشا .
فالله الكلمة هو خالق العذراء ، ولكنه في ملء الزمان حل فيها ،وحبلت به متحداً بالنا سوت وولدته
والأثنا عشر حرماً التي وضعها القديس كيرلس Anathemas ، فيها ردود على كل هرطقات نسطور . فقد حرم من قال أن الطبيعتين كانتا بطريق المصاحبة ، ومن قال إن الله الكلمة كان يعمل في الإنسان يسوع ، أو أنه كان ساكناً فيه . كما من فرق بين المسيح وكلمة الله ، وأنه ولد كإنسان فقط من إمرأة .
4 – هرطقة أوطاخى :
كان أوطاخى (يوطيخوس) أب رهبنة ورئيس دير بالقسطنطينية . وكان ضد هرطقة نسطور . فمن شدة اهتمامه بوحدة الطبيعتين في المسيح – وقد فصلهما نسطور- وقع في بدعة أخرى . فقال إن الطبيعة البشرية ابتلعت وتلاشت في الطبيعة الإلهية ، وكأنها نقطة خل في المحيط . وهو بهذا قد أنكر ناسوت المسيح .
أوطاخى هذا حرمه القديس ديسقورس . وعاد فتظاهر بالإيمان السليم ، فحالله القديس ديسقورس على أساس رجوعه عن هرطقته . ولكنه بعد ذلك أعلن فساد عقيدته مرة أخرى فحرمه مجمع خلقيدونية سنة 451 م كما حرمته الكنيسة القبطية أيضاً .
مجمع خلقيدونية :
على الرغم من أن مجمع أفسس المسكونى المقدس قد حرم نسطور ، ألا أن جذور النسطورية قد امتدت إلى مجمع خلقيدونية الذي ظهر فيه انفصال الطبيعتين حيث قيل فيه أن المسيح اثنان إله وإنسان : الواحد يبهر بالعجائب والآخر ملقى للشتائم و الإهانات .
هكذا قال (ليو) Leo أسقف رومه في كتابه المشهور بطومس لاون الذي رفضته الكنيسة القبطية . ولكن أخذ به مجمع ما يختص بها ، وطبيعة ناسوتية تعمل ما يختص بها .
قال نسطور أن هاتين الطبيعتين منفصلتان . وقال مجمع قرطا جنة أنهما متحدتان ولكنه فصلهما بهذا الشرح . وكما قرر أن المسيح له طبيعتان ، قرر أن له مشيئتين وفعلين .
ومن هنا نشأت مشكلة الطبيعتين والمشيئتين ، وبدأ صراع لاهوتي ، وانشقاق ضخم في الكنيسة، نحاول حاليا إنهاءه بالوصول إلى صيغة إيمان مشترك يقبله الجميع …
أتحاد بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا استحالة :
المقصود أن وحدة الطبيعة هي وحدة حقيقية . ليست اختلاطاً مثل اختلاط القمح بالشعير ، ولا امتزاجاً ، مثل مزج الخمر بالماء أو مزج اللبن بالماء . كما لم يحدث تغيير مثل الذي يحدث في المركبات ، فمثلاً ثاني أكسيد الكربون فيه كربون وأكسجين ، وقد تغير طبع كل منهما في هذا الاتحاد وفقد خاصيته التي كانت تميزه قبل الاتحاد ، بينما لم يحدث تغيير في اللاهوت ولا في الناسوت باتحادهما .
كذلك تمت الوحدة بين الطبيعتين بغير استحالة .
فما استحال اللاهوت إلى ناسوت ، ولا استحال الناسوت إلى لاهوت ، كما أن اللاهوت لم يختلط بالنا سوت ، ولا امتزج به ، إنما هو اتحاد ، أدى إلى وحدة في الطبيعة .
وقد استخدمه القديس كيرلس الكبير ، واستخدمه أيضاً القديس ديسقورس . ففي حالة الحديد المحمى بالنار ، لا نقول هناك طبيعتان : حديد ونار ، إنما نقول حديد محمى بالنار ، كما نقول عن طبيعة السيد المسيح إله مستأنس ، أو إله متجسد ، ولا نقول إنه إثنان إله وإنسان
وفى حالة الحديد المحمى بالنار لا توجد استحالة . فلا الحديد يستحيل إلى نار ، ولا النار تستحيل إلى حديد .
ولكنهما يتحدان معاً بغير اختلاط ولا امتزاج . وإن كان هذا الحال ليس إلى دوام ، وهنا نقطة الخلاف . غير أننا نقصد التشبيه بالحديد فى حالة كونه محمى بالنار ، وله كل خواص النار وكل خواص الحديد .
وكذلك كانت طبيعة الكلمة المتجسد واحدة ، ولها كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت
وقد استخدم هذا التشبيه القديس كيرلس عامود الدين ، والقديس أوغسطينوس ، وعدد كبير من علماء اللاهوت القدامى والحديثين .
وفى هذا المثال تتحد طبيعة النفس الروحانية ، بطبيعة الجسد المادية الترابية ، ويتكون من هذا الاتحاد طبيعة واحدة هي الطبيعة البشرية .
هذه الطبيعة التي ليست هي الجسد وحده ، ولا النفس وحدها ، وإنما هما الاثنان معاً متحدين بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا استحالة . فما استحالت النفس إلى جسد ، ولا استحال الجسد إلى نفس ، ومع ذلك صار الاثنان واحداً في الجوهر وفى الطبيعة ، بحيث نقول إن هذه طبيعة واحدة وشخص واحد .
فإن كنا نقبل مثال اتحاد النفس والجسد في طبيعة واحدة ، فلماذا لا نقبل اتحاد اللاهوت والناسوت في طبيعة واحدة ؟!
هنا ونطرح سؤالاً هاماً بالنسبة إلى تعبير طبيعة واحدة وتعبير طبيعتين :
ألا نعترف كلنا أن هذه التي نسميها طبيعة بشرية ، كانت فيه قبل الاتحاد طبيعتان : هما النفس والجسد . ومع ذلك فالذين يستخدمون تعبير (الطبيعتين) اللاهوتية والبشرية ، لا يتكلمون عن طبيعة النفس وطبيعة الجسد ، إنما عن طبيعة واحدة بشرية فى المسيح . فإن كان لابد من التفصيل ، فإن هذا سيؤدى إلى أن فى المسيح ثلاث طبائع !!! هي اللاهوت ، والنفس ، والجسد ، وكل من هذه الطبائع له كيانه الخاص وجوهره الخاص … وطبعاً لا يقبل أحد هذا الكلام ، لا هذا الجانب ولا ذاك .
أما إن قبلنا اتحاد النفس والجسد في طبيعة واحدة في المسيح ، واستخدمنا هذا التعبير لاهوتياً، فإنه يكون من السهل علينا أذن أن أن نستخدم عبارة طبيعة واحدة للمسيح أو طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد …
وكما أن الطبيعة البشرية يمكن أن يقال عنها أنها طبيعة واحدة من طبيعتين ، كذلك نقول عن الكلمة المتجسد أنه طبيعة واحدة من طبيعتين .
فإن قيل إن طبيعة اللاهوت مغايرة لطبيعة الناسوت ، فكيف يتحدان ، نقول أيضاً أن طبيعة النفس هي كذلك مغايرة لطبيعة الجسد ، وقد اتحدت معه في طبيعة واحدة هي الطبيعة الإنسانية .
ومع أن الإنسان تكون من هاتين الطبيعتين ، إلا أننا لا نقول عنه مطلقا أنه اثنان ، بل إنسان واحد . وكل أعماله ننسبها إلى هذه الطبيعة الواحدة .
وليس إلى النفس فقط ، ولا إلى الجسد فقط . فنقول أكل فلان أو جاع أو تعب أو نام أو تألم ولا نقول إن جسد فلان هو الذي أكل أو جاع أو تعب أو نام أو تألم . والمفهوم طبعاً أنه جاع أو نام بالجسد … لكننا ننسب هذا الأمر إلى الإنسان كله ، وليس إلى جسده فقط …
كذلك كل ما كان يفعله المسيح كان ينسب إليه كله ، وليس إلى لاهوته وحده أو إلى ناسوته وحده .
كما قال لاون في مجمع خلقيدونية . وسنشرح هذه النقطة بالتفصيل فيما بعد إن شاء الله …
إن اتحاد النفس والجسد ، هو اتحاد ذاتي جوهري حقيقي ، اتحاد أقنومى ، كذلك اتحاد الطبيعة الإلهية للمسيح بالطبيعة البشرية في رحم العذراء ، هو اتحاد أقنومى ، ذاتي جوهري حقيقي . وليس مجرد اقتران أو مصاحبة كما يزعم نسطور .
ومع أن مثال وحدة النفس والجسد في الطبيعة البشرية هو مثال شامل في أوجه شتى ، هي التي قصدناها وحدها ، إلا أن هذا التشبيه فيه نقطة نقص ، هي إمكانية انفصال النفس عن الجسد بالموت ، وعودتها إليه بالقيامة . أما وحدة الطبيعة بين اللاهوت والناسوت في المسيح ، فهي وحدة بغير انفصال . فلم ينفصل لاهوته عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين .
من الذي ولدته العذراء ؟ هل ولدت إلهاً فقط ؟ أم إنساناً فقط ؟ أم ولدت إلها وإنساناً؟ أم ولدت الإله المتجسد ؟
من المستحيل أن تكون قد ولدت إلهاً فقط ، لأنها ولدت طفلاً رآه الكل . ولا يمكن أن تكون ولدت إنساناً فقط ، لأن هذه هي هرطقة نسطور ! ثم ما معنى قول الكتاب "الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو35:1) ؟ وما معنى أن ابنها يدعى عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا (متى 23:1) : وما معنى قول اشعياء النبي "لأنه يولد لنا ولد ، ونعطى ابناً ، وتكون الرئاسة على كتفه ، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلها قديراً ، أباً أبدياً رئيس السلام " (اش6:9) . إذن هو لم يكن مجرد إنسان ، وإنما كان ابن الله وعمانوئيل وإلهاً قديراً .
والعذراء أيضاً لم تلد إنساناً وإلهاً ، وإلا كان لها ابنان : الواحد منهما إله ، والآخر منهما إنسان . لم يبق إلا أنها ولدت الإله المتجسد .
إن المسيح . ليس ابنين ، أحدهما ابن لله المعبود، والآخر إنسان غير معبود .
ونحن لا نفصل بين لاهوته ناسوته . وكما قال القديس أثناسيوس الرسولى عن السيد المسيح "ليس هو طبيعتين نسجد للواحدة ، ولا نسجد للأخرى ، بل طبيعة واحدة هي الكلمة المتجسد ، المسجود له مع جسده سجوداً واحداً " .
ولذلك فإن شعائر العبادة لا تقدم للاهوت وحده دون الناسوت ، إذ لا يوجد فصل ، بل العبادة هي لهذا الاله المتجسد .
إن السيد المسيح هو الإبن الوحيد المولود من جوهر الآب قبل كل الدهور ، وهو نفسه ابن الإنسان الذي صار بكراً وسط اخوة كثيرين (رو29:8) . وكما قال عنه أحد الآباء إنه ولد من الآب قبل كل الدهور بغير أم ، وولد من العذراء ، في ملء الزمان بغير أب .
ولذلك قال الرسول "لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس" (غل40:4) .
إذن الذي ولد من العذراء هو ابن الله ، وفى نفس الوقت هو ابن الإنسان كما قال عن نفسه.
إن الابن (اللوجوس) قد حل في بطن القديسة العذراء ، وأخذ له ناسوتاً منها ، ثم ولدته . وليس مثلما يقول نسطور إن العذراء قد ولدت إنساناً عادياً ، وهذا الإنسان سكن فيه الله فيما بعد ، أو حل فيه ، أو صار حاملاً لله دون اتحاد طبيعي أقنومى .
ولذلك فنحن نقدم العبادة لهذا المولود .
ونقول له في تسبحة الثلاثة تقديسات " قدوس الله ، قدوس القوى ، قدوس الحي الذي لا يموت، الذي ولد من العذراء ارحمنا " . كما قال الملاك " القدوس المولود منك يدعى ابن الله .
لقد اتحدت في المسيح الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية في بطن العذراء .
لذلك حينما زارت العذراء اليصابات قالت لها تلك القديسة العجوز .
من أين لي هذا ، أن تأتى أم ربى إلى " (لو 43:1) .
وكانت مريم حبلى لم تلد بعد ، ودعيت أم الرب .
ويقول قانون الإيمان عنه "نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد ، المولود من الآب قبل كل الدهور … الذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس وصلب عنا … وتألم وقبر وقام …
إذن ابن الله الوحيد هذا هو الذي نزل من السماء وتجسد ، فالمركز الأصلي له هو لاهوته الذي نزل في بطن العذراء وتجسد .
وليس كما يقول نسطور أن أصله إنسان ثم سكن فيه الله بعد ولادته !! الذي تجسد هو أصلاً ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور .
ولذلك استطاع أن يقول " قبل أن يكون ابراهيم أنا كائن " (يو58:8) . والذي قال هذا هو يسوع المسيح وهو يكلم اليهود . ولم يقل لاهوتي كائن قبل ابراهيم ، وإنما قال أنا كائن مما يدل على وحدة الطبيعة فيه .
بل إن أحد الآباء فيما تأمل في قول الكتاب " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه " (1 كو9:2) . وهى عبارة تقال عن النعيم الأبدي …هذا الأب قال هذا الذي لم يخطر على قلب بشر ، أن يصير الله إنساناً ويصلب ويموت ، لكي يفتدينا ويشترينا بدمه .
وقال أب آخر إن حضور الله في خليقته يكون بثلاثة أنواع : إما حضور عام بحكم وجوده الإلهي في كل مكان ، أو حضور بنعمته في قديسيه . أما النوع الثالث الفريد الذي لم يحدث سوى مرة واحدة، فهو وحدته باقنومه في المسيح ، حينما اتحدت طبيعته الإلهية بطبيعة بشرية في رحم العذراء .
إنها طبيعة واحدة ولكن لها كل خواص الطبيعتين :
كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت . فيها الناسوت لم يصر لاهوتاً ، بل ظل ناسوتاً ، ولكنه ناسوت الله الكلمة . والكلمة لم يتحول إلى ناسوت ، بل بقى كما اللاهوت مع الناسوت في الجوهر وفى الاقنوم وفى الطبيعة ، بدون انفصال .
ولم يحدث انفصال بين اللاهوت واللاهوت الناسوت في موت المسيح .
وكما نقول في القسمة السريانية عن موته " انفصلت نفسه عن جسده . ولاهوته لم ينفصل قط عن نفسه ولا عن جسده . وهكذا نفسه وهى متحدة باللاهوت ذهبت إلى الجحيم ، لتبشر الراقدين على الرجاء … وتفتح لهم باب الفردوس وتدخلهم فيه . وبقى جسده في القبر متحداً باللاهوت .
وفى اليوم الثالث أتت نفسه المتحدة بلاهوته ، لتتحد بجسده المتحد بلاهوته وهكذا صارت القيامة .
وأمكن للإله المتجسد القائم من الأموات ، أن يخرج من القبر وهو مغلق وعلية حجر عظيم . وأمكن أن يدخل التلاميذ والأبواب مغلقة (يو19:20) .
فهل دخل من الأبواب المغلقة بلاهوته أم بناسوته ؟ أليس هذا دليلاً على وحدة الطبيعة . ومن هذا الذي خرج من القبر ؟ أهو لاهوته أم ناسوته ، أم هو المسيح الكلمة المتجسد ؟
إننا لا نتحدث هنا عن طبيعتين منفصلتين : إله ، وإنسان . فهذا التعبير يدل على اثنين لا
واحد . وتعبير اثنين لا يدل مطلقاً على اتحاد .
فالاتحاد لا يقسم إلى اثنين .
وأنا أحب أن استخدم عبارة الاتحاد للتكلم عن الذي حدث في بطن العذراء . أما بعد ذلك فنسميها وحدة الطبيعة . كذلك تعبير اثنين يوحي بالانفصال أو إمكانيته .
إن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد ، هو أمر لازم وجوهري وأساسي للفداء . فالفداء يتطلب كفارة غير محدودة ، تكفى لمغفرة خطايا غير محدودة ، لجميع الناس في جميع العصور.
ولم يكن هناك سوى تجسد الله الكلمة ليجعل بلاهوته الكفارة غير محدودة .
فلو أننا تكلمنا عن طبيعتين منفصلتين . وقامت الطبيعة البشرية بعملية الفداء وحدها . لما كان ممكناً على الاطلاق أن تقدم كفارة غير محدودة لخلاص البشر. ومن هنا كانت خطورة المناداة بطبيعتين منفصلتين ، تقوم كل منهما بما يخصها .
ففي هذه الحالة ، موت الطبيعة البشرية وحدها لا يكفى للفداء .
ولذلك نرى القديس بولس الرسول يقول :
" لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو8:2).
ولم يقل لما صلبوا الإنسان يسوع المسيح . إن تعبير رب المجد هنا يدل دلالة أكيدة على وحدة الطبيعة ولزومها للفداء والكفارة والخلاص . لأن الذي صلب هو رب المجد .
طبعاً صلب بالجسد ولكن الجسد كان متحداً باللاهوت في طبيعة واحدة . وهنا الأمر الأساسي اللازم للخلاص .
ويقول القديس بطرس الرسول لليهود " أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل . ورئيس الحياة قتلتموه " (أع3 :14،15) .
وهنا أشار إلى أن المصلوب كان رئيس الحياة ، وهذا تعبير ألهي ، فلم يفصل الطبيعتين مطلقاً في موضوع الصلب لأهمية وحدتهما من أجل عمل الفداء .
ويقول القديس بولس الرسول أيضاً في رسالته إلى العبرانيين " لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل ، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ، أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام " (عب10:2) .
وهنا في مجال آلامه ، لم ينس مطلقاً لاهوته ، إذ أنه من أجله الكل ، وبه الكل . هذا الذي قال عنه في موضع آخر " الكل به وله قد خلق " (كو16:1) .
والسيد المسيح نفسة حينما ظهر ليوحنا الرائي قال له :
" أنا هو الأول وآلا خر والحى وكنت ميتاً" .
" وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين . ولى مفاتيح الهاوية والموت" (رؤ1 : 17،18) . فهذا الذي كان ميتاً هو الأول والآخر ، وبيده مفاتيح الهاوية والموت .
وهكذا لم يفصل لاهوته عن ناسوته هنا وهو يتحدث عن موته .
إذن فالذي مات هو رب المجد ، ورئيس الحياة ، ورئيس الخلاص ، هو أيضاً الأول والآخر.
إنها خطورة كبيرة على خلاصنا أن نفصل ما بين الطبيعتين أثناء الحديث عن موضوع الخلاص . ولعل البعض يقول : ومن هذا الذي فصل ؟! أليس مجمع خلقيدونية يقول بطبيعتين متحدتين ؟! نعم يقول هذا . ويقول معه طومس لاون أيضاً : إن المسيح اثنان إله وإنسان ، الواحد يبهر العجائب ، والثاني ملقى للإهانات والآلام ..!
فإن كان هذا الإنسان وحده هو الملقى للآلام، فأي خلاص إذن نكون قد أخذناه ؟! هنا ونفحص موضوع :
حقا إن اللاهوت غير قابل للآلام . ولكن الناسوت حينما وقع عليه الألم ، كان متحداً باللاهوت .
فنسب الألم إلى هذه الطبيعة الواحدة غير المحدودة . ولذلك نرى أن قانون الإيمان الذي حدده مجمع نيقية المقدس يقول إن ابن الله الوحيد ، نزل من السماء ، وتجسد وتأنس وصلب عنا على عهد بيلاطس وتألم وقبر وقام … فرق كبير بين أن نقول إن الناسوت وحده منفصلاً عن اللاهوت قد تألم ، وبين أن نقول إن نقول إن الابن الوحيد تجسد وصلب وتألم وقبر وقام . هنا فائدة الإيمان بالطبيعة الواحدة التي تعطى الفداء فاعلية غير المحدودة .
فهل تألم اللاهوت إذن ؟
نقول إنه بجوهره غير قابل للألم … ولكن المسيح تألم بالجسد ، وصلب بالجسد . ونقول فى قطع الساعة التاسعة " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة …" .
مات بالجسد ، الجسد المتحد باللاهوت . فصار موته يعطى عدم محدودية للكفارة .
وقد قدم لنا الآباء مثالاً جميلاً لهذا الموضوع وهو الحديد المحمى بالنار .
مثال اللاهوت المتحد بالنا سوت : فقالوا إن المطرقة وهى تطرق الحديد إنما تضرب الحديد المحمى بالنار فتقع على الاثنين . ولكن الحديد يتثنى ( يتألم ) بينما النار لا يضرها الطرق بشيء.
ومع ذلك فهي متحدة بالحديد أثناء طرقه .
وفى صلب المسيح يقدم لنا الكتاب آية جميلة جداً في حديث القديس بولس الرسول مع أساقفة أفسس حيث قال " لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " (أع28:20) .
ونسب الدم هنا إلى الله ، بينما الله روح ، والدم هو دم ناسوته . ولكن هذا التعبير يدل دلالة عجيبة جداً على الطبيعة الواحدة للكلمة المتجسد ، حتى أن ما يتعلق بالنا سوت يمكن أن ينسب في نفس الوقت للاهوت ، بلا تفريق إذ لا يوجد انفصال بين الطبيعتين .
إن انفصال الطبيعتين الذي ناد به نسطور لم يستطع أن يقدم حلاً لموضوع الكفارة والفداء . وقد حرصت الكنيسة على تعبير الطبيعة الواحدة من أجل أهمية هذا الموضوع ، كما لباقي النتائج أيضاً المترتبة على وحدة الطبيعة .
ونحن في التعبيرات العادية نقول فلان مات ، ولا نقول أن جسده فقط قد مات ، إن كانت روحه على صورة الله وهبها الله نعمة الخلود … والروح لا تموت .
وإن كان الهدف الأول من التجسد هو الفداء . والفداء لا يمكن أن يتم عن طريق الطبيعة البشرية وحدها ، إذن الإيمان بطبيعة واحدة للكلمة المتجسد أمر جوهري لا يستطيع أحد أن ينكره . ولا يمكن أن يتم الفداء إن قلنا أن الناسوت وحده هو الذي له الآلام والصليب والدم والموت . انظر إلى الكتاب كيف يقول عن الله الآب :
" الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين " ( رو 32:8 ) .
وقوله أيضاً " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به "
( يو16:3 ) . ويقول أيضاً " هو أحبنا أرسل ابنه كفارة لخطايانا " (1يو 10:4) .
إذن فالذي بذله الآب هو الابن ، والابن الوحيد ، أي الاقنوم الثاني ، الكلمة … ولم يقل بذل ناسوته أو أي شيء من هذا القبيل ، مع أنه مات على الصليب بالجسد ولكن هذا دليل كبير على وحدة طبيعة الله الكلمة ، وأيضاً أهمية هذه الوحدة من أجل عمل الفداء .
ويقول أيضاً في هذا المجال عن الله الآب ، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا ، الذي هو صورة الله غير المنظور …"
(كوا:13-15) .
حينما يتحدث عن مغفرة الخطايا بدم المسيح ، ينسب هذا إلى الابن الذي هو صورة الله غير المنظور الذي له الملكوت . وهذا دليل آخر على وحدة الطبيعة واهتمام الكتاب بها في موضع الفداء .
ومثال آخر مشابه ، ظهر في حديث المسيح عن الكرامين الأردياء . يقول إن صاحب الكرم أرسل أخيراً ابنه لهؤلاء الكرامين .
فلما رأوا الابن … أخذوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه " (متى 21 : 37-39) .
وهنا ينسب الموت إلى الابن ، ولم يقل إلى ناسوته . فما أعمق هذا الكلام عن الطبيعة الواحدة . ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الأمثلة . نكتفى بهذا الآن .
في كل هذه الأمثلة نرى أن الكتاب – وعلى لسان السيد المسيح نفسه – لا يفصل مطلقاً بين طبيعة المسيح ناسوتياً أو لاهوتياً ، إنما يتكلم عنها كطبيعة واحدة ما يقوله عن ابن الله ، هو ما يقوله عن ابن الإنسان .
استخدام عبارة ابن الإنسان في مناسبات تدل على اللاهوت :
لاشك أن عبارة ابن الإنسان تعبر عن ناسوت المسيح ، كما أن عبارة ابن الله تدل على لاهوته . ومع ذلك فإن السيد المسيح استخدم عبارة ابن الإنسان في مواضع كثيرة نذكر منها :
1- شرح أن ابن الإنسان موجود في السماء وعلى الأرض :
وذلك في قوله لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو13:3 ) .
فمن هو هذا ابن الإنسان الذي نزل من السماء ؟ والذي هو من السماء ويكلم نيقوديموس على الأرض ؟ أهو الطبيعة الإلهية أم الطبيعة البشرية ؟ لا يمكن أن يكون هو الكلمة المتجسد . فهذه العبارة واضحة جداً في اثبات الطبيعة الواحدة .
2- وقال " إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى 8:12 ) .
فإن كان تعبير ابن الإنسان يعنى الطبيعة البشرية ، وفى نفس الوقت هو رب السبت أي الله ، إذن فقد اجتمع اللاهوت والناسوت معاً في تعبير واحد . وهذا دليل على وحدة الطبيعة .
3- قال إن ابن الإنسان له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا ( متى 6:9 ) .
بينما لا يغفر الخطايا إلا الله وحده . فهل الذي قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " هو الناسوت أم اللاهوت ؟ أليس حسناً نقول إنه الكلمة المتجسد .
4- قال إن ابن الإنسان هو الذي سيدين العالم .
فهل الطبيعة البشرية هي التي ستدين العالم أم اللاهوت ؟ يقول إن ابن الإنسان سوف يأتى في مجد أبيه مع ملائكته . وحينئذ يجازى كل واحد بحسب عمله (متى 27:16). نلاحظ هنا أنه
يقول ابن الإنسان وفى نفس الوقت يقول . " في مجد أبيه " .
أي يجمع بين كونه ابن الإنسان وابن الله في عبارة واحدة ، مما يدل على وحدة الطبيعة . ويقول ابن الإنسان مع ملائكته بينما تعبير ملائكته يدل على لاهوته .
وهكذا نرى هنا أن تعبير ابن الإنسان ، لايمكن أن يدل على الطبيعة الإنسانية وحدها ، ولا على الطبيعة اللاهوتية وحدها .
وإنما على وحدة الطبيعة أي الطبيعة الواحدة التي للكلمة المتجسد .
5- ونفس التعبير نجده في ( متى 25 :31-34) " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده ، وجميع الملائكة والقديسين معه ، فحينئذ يجلس على كرسى مجده .. ويقيم الخراف عن يمينه ، والجداء عن اليسار . ثم يقول الملك للذين عن يمينه . تعالوا إلى يا مباركي أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم " .
هنا ابن الإنسان ، وأبى في عبارة واحدة .
أي أن المتكلم هو ابن الإنسان ، وهو ابن الله في نفس الوقت . وابن الإنسان هو الذي سيدين العالم ، بينما الدينونة هي للابن ابن الله ( يو22:5) . وهنا وحدة الطبيعة واضحة .
6- وقال لرئيس الكهنه ( في محاكمته ) " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة ، وآتياً على سحاب السماء " ( متى 26:63-65) . وفى ذلك قال القديس اسطفانوس وقت استشهاده " ها أنا أنظر السماء مفتوحة ، وابن الإنسان قائم عن يمين الله "
( أع 56:7) .
فمن هذا القائم عن يمين الله ؟ والجالس عن يمين القوة والآتي على سحاب السماء ؟ هو الطبيعة البشرية أم الطبيعة اللاهوتية ؟
لا نستطيع هنا أن نفصل أو نميز ، بل نقول أنها الطبيعة الواحدة طبيعة الكلمة المتجسد .
7- وهو كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته والمختارين مختاريه .
إذ يقول " يبصرون ابن الإنسان آتيا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير ، فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختاريه …" (متى 24: 29-31) .
وهنا كابن الإنسان يتصرف كإله ولا نستطيع في هذه العبارة أن نقول هنا الطبيعة البشرية وهنا الطبيعة الإلهية. فالمتكلم هو يسوع ابن مريم ، والمتكلم في نفس الوقت هو ابن الله ديان الأرض كلها ، الذي له سلطان على الملائكة يرسلهم . وله سلطان على البشر يجمع مختاريه من أقصاء السماوات إلى أقصائها . إنها طبيعة واحدة لا فصل فيها .
8- قال السيد المسيح أيضاً في حديثه مع تلاميذه :
" فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً حيث كان أولاً " (يو 62:6) .
المهم هنا في عبارة ( حيث كان أولاً ) . أي أنه كان أولاً في السماء . والمعروف طبعاً أن الذي كان في السماء هو اقنوم الابن . ولكن هنا لوحدة الطبيعة يقول عن ابن الإنسان ، ما يقوله عن اقنوم الكلمة ، لأنه هو الكلمة المتجسد .
وهذا يطابق أيضاً قوله لنيقوديموس عن ابن الإنسان ، إنه هو الذي نزل من السماء (يو13:3) ، بينما الذي نزل من السماء هو اقنوم الابن أي اللاهوت .
وبنفس هذا المعنى يقول بولس عن السيد إنه " الرب من السماء" ( اكو 47:15) .
( يمكن الرجوع إلى كتابنا : سنوات مع اسئلة الناس ج2 لقراءة المزيد عن هذه النقطة الخاصة بابن الإنسان ) .
آيات كثيرة من الكتاب تثبت الطبيعة الواحدة :
1- شهادة من الله الآب نفسه يقول عن يسوع الذي يعمده يوحنا المعمدان " هذا هو ابني الوحيد الذي به سررت " (متى 17:3) .
وطبعاً لم يقل هذا هو ناس ، لأن ناسوته غير منفصل عن لاهوته لحظة واحدة ولا طرفة عين .
وعبارة (هذا) لا تطلق على اثنين ، بل على مفرد . وهنا تطلق على الطبيعة الواحدة التي للكلمة المتجسدة .
2- ونفس التعبير قاله القديس يوحنا المعمدان ، إذ أشار إلى المسيح وقال " هذا الذي قلت عنه إن الذي يأتى بعدى صار قدامى ، لأنه كان قبلي " ( يو1: 15،30) .
فكيف يكون بعده وقبله ؟ إنه بعده في الميلاد الجسدي ، وقبله باللاهوت . ولكن المعمدان لا يفصل بين الناسوت واللاهوت ، وإنما يقول (هذا) الذي أمامي (الكلمة المتجسد) كان قبلي . واضح هنا وحدة الطبيعة . إن الذي يعمده هو نفسه الذي كان قبله .
3- يقول القديس يوحنا الإنجيلي " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب خبر " ( يو18:1) .
والابن الوحيد هو الله الكلمة ، الاقنوم الثاني ، فكيف أنه أعطانا خبراً عن الآب ؟ لاشك حينما تجسد . فهل الذي خبر هنا هو الناسوت ، إنه يقول عنه " الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب " بينما خبرنا ناسوته . وهذا دليل على وحدة الطبيعة .
4- ونفس الكلام يقوله نفس الرسول في رسالته الأولى " الذي كان من البدء ، الذي سمعناه الذي رأيناه الذي شاهدناه ولمسته أيدينا " ( 1يو1:1) . وإنه يقول عن هذا الذي رأوه ولمسوه إنه الذي كان من البدء أي الله : فكيف رأوا الله ولمسوه ، إلا إن كان هو الكلمة المتجسد . لأن الكلام هنا ليس عن الناسوت وحده ولا يلمس بالأيدي .
5- وبنفس المعنى نأخذ حديث السيد المسيح مع الرجل الذي ولد أعمى ومنحه الرب البصر . إنه يسأل من هو ابن الله ، فيقول له الرب " قد رأيته . والذي يتكلم معك هو"
( يو9 :35-37) .
وابن الله هو الله الكلمة أي اللاهوت . والذي يتكلم معه أهو الناسوت ؟ لا يمكن أن يكون الناسوت وحده لأنه يقول له إنه هو ابن الله . إذن فهو الله المتجسد ، الذي ظهر في الجسد ( 1تى 16:3) .
6- يقول القديس بولس الرسول عن بنى إسرائيل حينما كانوا في برية سيناء " وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم ، والصخره كانت المسيح " ( 1كو 4:10) .
والمعروف أن بنى إسرائيل هؤلاء ، كانوا في برية سيناء قبل ميلاد المسيح بأربعة عشر قرناً . فكيف يكون معهم يرتوون منه ؟إلا لو كان يتكلم عن الطبيعة اللاهوتية التي هي الله الكلمة . والله الكلمة لم يصر اسمه المسيح إلا بتجسده . ولكن نظرا للطبيعة الواحدة ، لم يستطع الرسول أن يفصل . فتكلم عن أزلية المسيح ووجوده قبل مولده .
ويتابع الرسول كلامه بنفس المعنى فيقول " ولا تجرب المسيح كما جرب أناس منهم فأهلكتهم الحيات " ( 1كو 9:10).
7- من الذي سجد له المجوس (متى 11:2) ؟
هل سجدوا للاهوت وحده ؟ كلا ، إنهم سجدوا لطفل في مزود وقدموا له هدايا . أم تراهم
سجدوا للناسوت ؟ إن الناسوت لا تقدم له العبادة .
إذن لا جواب سوى أنهم سجدوا للإله المتجسد ، كما المولود أعمى فيما بعد .
وكما سجد الذين كانوا في السفينة لما انتهر الرب الرياح ومشى على الماء لقد سجدوا له ليس مجرد احترام . وإنما " جاءوا وسجدوا له قائلين : بالحقيقة أنت ابن الله "
( مت 23:14) .
8- كذلك نسأل : من الذي مشى على الماء وانتهر الريح ؟ أهو اللاهوت أم الناسوت ؟ لا شك أنه الكلمة المتجسد .
إذن ما معنى عبارة " كان يضع يده على كل واحد فيشفيه" ( لو40:4) .
وما معنى أن نازفة الدم لمست هدب ثوبه فشفيت ( مر5غ 29 ) . وفى شفاء المولود أعمى . من الذي تفل على الأرض وضع من التفل طيناً ، وطلى بالطين عيني الأعمى
( يو6:9) ؟ لا شك أن الذي صنع هذه المعجزات كلها وشبيهاتها كثيرات هو السيد المسيح " الكلمة المتجسد " ويقول القديس يوحنا الإنجيلي " وآيات أخرى صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب " ( يو30:20) . لاحظ هنا عبارة
( يسوع ).
نكتفى بهذه الأمثلة الآن ، لأننا لو تابعنا ما في الكتاب ، فلن ندخل تحت حصر ، لأن لغة الطبيعة الواحدة شاملة فيه .
لذلك ننتقل حالياً من الحديث عن الطبيعة الواحدة ، إلى موضوع يتصل بها وهو المشيئة الواحدة .
هل السيد المسيح له مشيئتان وفعلان ، أي مشيئة إلهية ومشيئة بشرية . وفعلان أي فعل باللاهوت ، وفعل بالناسوت . إننا الذين نستخدم تعبير طبيعة واحدة للكلمة المتجسد كما استخدمه من قبل القديس كيرلس الكبير :
نؤمن أن له مشيئة واحدة وفعل واحد .
وطبيعي أنه مادامت الطبيعة واحدة ، تكون المشيئة واحدة ، وبالتالي يكون الفعل واحداً.
إن ما يختاره اللاهوت ، لا شك أنه هو نفسه ما يختاره الناسوت ، لأنه لا يوجد تناقض مطلقاً بينهما فى المشيئة والعمل .
والسيد المسيح قد قال " طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله ( يو34:4)
وهذا دليل على أن مشيئته هي مشيئة الآب . وقد قال عن نفسه في ذلك " لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمله . لأنه مهما عمل ذاك ، فهذا يعمله الابن كذلك " ( يو19:5) .
وهو لا يطلب لنفسه مشيئة خاصة غير مشيئة الآب ، لذلك يقول " لأني لا أطلب مشيئتي
بل مشيئة الذي أرسلني" ( يو38:6) .
واضح أن الآب والابن في الثالوث القدوس لها مشيئة واحدة ، لأنه قال " أنا والآب واحد " ( يو30:10) .
ومادام هو واحداً معه في اللاهوت ، فبالضرورة يكون واحداً معه في المشيئة . والابن كان في تجسده على الأرض ينفذ مشيئة الآب السماوي ، إذن لابد كانت له ولناسوته مشيئة واحدة.
لأنه ما هي الخطيئة سوى أن تتعارض مشيئة الإنسان مع الله .
والسيد المسيح لم تكن فيه خطيئة البتة ، حاشا … بل قال لليهود متحدياً " من منكم
يبكتني على خطية " ( يو46:8) وإذن كانت مشيئته هي مشيئة الآب .
إن البشر القديسين الكاملين في تصرفاتهم ، يصلون إلى اتفاق كامل بين مشيئتهم ومشيئة الله : بحيث تكون مشيئتهم هي مشيئة الله ، ومشيئة الله هي مشيئتهم .
وكما قال القديس بولس الرسول " وأما نحن فلنا فكر المسيح " ( 1كو16:2) .
ولم يقل صارت أفكارنا متمشية مع فكر المسيح ، بل لنا فكر المسيح . وهنا الوحدانية.
فإن كان قد قيل هذا مع الذين يعمل الرب معهم وفيهم ، فكم بالأكثر تكون الوحدة بين الكلمة وناسوته في المشيئة والفكر والعمل ، وهو الذي قد اتحد اللاهوت فيه بالناسوت اتحاداً أقنومياً جوهرياً ذاتياً ، بغير افتراق ، لم ينفصل عنه لحظة واحدة ولا طرفة عين …
إن لم تكن هناك وحدة بين لاهوت المسيح ناسوته في المشيئة ، فهل يكون هناك تعارض إذن أو صراع داخلي ، حاشا . وكيف إذن يكون المسيح قدوة لنا ومثالاً ، حتى كما سلك ذاك نحن أيضاً ( 1يو 6:2) .
البر الكامل الذي عاش فيه المسيح القدوس كان مشيئة ناسوته كما هو مشيئة لاهوته .
وكذلك كان خلاص البشر ، أي الرسالة التي جاء من أجلها المسيح وقال " ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك " (متى11:18) . وهذه نفس مشيئة الآب الذي " أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا " ( 1يو10:4) . إذن فالصلب اختاره اللاهوت والناسوت . ولو لم تكن مشيئة واحدة ، ما كان يقال أن المسيح مات بإرادته عنا .
ومادامت المشيئة واحدة ، لابد أن يكون الفعل واحداً :
وهنا لا نفرق بين الطبيعتين .
الاتفاقية المشتركة مع الكاثوليك
نؤمن أن ربنا ألهنا ومخلصنا يسوع المسيح ، الكلمة ( اللوجوس) المتجسد ، هو كامل في ناسوته . وأنه جعل ناسوته واحداً مع لاهوته ، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير . وأن لاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين وفى نفس الوقت نحرم تعاليم كل من نسطور و أوطاخى .
Agreed Statement on Christology
“ We be jieve that our lord, God and Saviour Jesus Christ, the Incarnate-Logos is perfect in his Divinity and perfect in his Humanity 0 He made His Humanity One with His Divinity without Mixture, Nor Mingling , Nor confusion. His Divinity was not separated from His Humanity even for a moment or twinkling of an eye 0
At the same time, we anathematize the Doctrines of both
Nestorius and Eutyches”0
Signatures: