الكهنوت

البابا شنوده الثالث  Priesthood (Vol. l)   by H.H. POPE Shenouda IIIالطبعة الثالثة يناير 1989

الفصل الأول : انكار الكهنوت وتأميمه

الفصل الرابع : وظائف الكهنوت وألقابه

الفصل السابع : الكهنوت وسلطان الحل والربط

الفصل الثانى : الكهنوت دعوة وإرسالية

الفصل الخامس : الكهنوت أبوة

الفصل الثامن : هل يغار الله من أولاده

الفصل الثالث : جماعة مميزة بأعمال مميزة

الفصل السادس : الكهنوت وخدمة المذبح

الفصل التاسع : الكهنوت خدمة

 

 

الفصل العاشر : أسئلة فى الكهنوت

قصة هذا لكتاب

بدأت القاء هذه المحاضرات على طلبة الكلية الاكليريكية ، ضمن مادة اللاهوت المقارن خلال سنة 1978م.

وكانت لنا عودة إليها وإكمال لموضوعها فى سنة 1981.

وبخاصة لأن البعض كانت قد حاربته كتب وضعتها طائفة " الأخوة " البلاميس لمحاربة سر الكهنوت من أساسه اعتماداً على أمرين :

1-الادعاء بأنه لا يوجد سوى كاهن واحد فى السماء و على الأرض ، هو يسوع المسيح

2-الفهم الخاطئ للآية التى تقول : " جعلنا ملوكاً وكهنة الله أبيه " ( رؤ 1 : 6 )

ومن أجل الرد على هاتين النقطتين ، كان هذا الكتاب.

تكلمنا فيه عن محاولة تأميم الكهنوت التى قام بها قورح وداثان وابيرام فى أيام موسى يقولون إن الأمة كلها أمة كهنوتية مقدسة ، ثم شرحنا كيف أن الله هو هو ، كما فى العهد القديم ، كذلك فى العهد الجيد ، بلا تغيير . وشريعة الكهنوت بقيت كما هى ، ولكن على طقس ملك صادق ، وليس على طقس هرون .

وحول إثبات سر الكهنوت ، وأنه لمجموعة معينة ، وليس لكل الشعب ، دار هذا الكتاب . وكان يمكننا أن نكتفى بقول الرسول :

" لا يأخذ أحد هذه الوظيفة ( الكرامة ) بنفسه ، بل المدعو من الله كما هرون " ( عب 5 : 4 ) .

ولكننا قدمنا إثباتات كثيرة : منها أن الكهنوت دعوة واختبار وإرسالية ، وهذا طبعاً ليست لجميع الناس ، وإنه يحتاج إلى شروط معينة ، وإلى وضع اليد ونفخه الروح القدس ، وهذا ايضاً ليست لجميع الناس . وذكرنا أيضاً ألقاباً واختصاصات للكهنوت ليست للكل ..

وتطرفنا من ذلك إلى علاقة الكهنوت بالمذبح و الذبيحة المقدسة ، وما أعطى له من سلطان الحل و الربط .

أما الذين يغارون للسيد المسيح ، ويرون أنه الكاهن الوحيد ، كما لو كان رجال الكهنوت قد سلبوا اختصاصاته له المجد ، فهؤلاء خصصنا بابا كاملاً لمناقشتهم.

تعرضنا بعد ذلك للكهنوت كخدمة ، ورجال الكهنوت كخدام .. ومع ذلك هم خدام

وو كلاء فى نفس الوقت .

وانتهينا إلى الإجابة عن بعض الأسئلة فى الفصل العاشر ، كما اشتملت الفصول السابقة على ذكر اعتراضات كثيرة والرد عليها ..

هذه الفصول العشرة تحوى الجزء الأول من كتابنا عن الكهنوت . أما الجزء الثانى فسوف يكون عن العمل الرعوى للكهنوت بمشئية الله ، وبعض الصفات التى يجب أن تتوافر فى رجال الكهنوت لتساعدهم على القيام برسالتهم .

وقد تقرر هذا الكتاب لتدريسه على طلبة الكلية الاكليريكية بكل فروعها .

البابا شنوده الثالث

1-منكرو الكهنوت وأدلتهم .

2-ما معنى الكهنوت الروحى أو العام ؟

3-تأميم الكهنوت ثورة قديمة أخمدها الرب .

4-هل لا يوجد سوى كاهن واحد ؟

الذين ينكرون الكهنوت ، يتخذون أحد طريقين متناقضين :

أ-إما أن يقولوا إنه لا يوجد سوى كاهن واحد فقط لا غير ، هو السيد المسيح له المجد ، ولا كهنوت للبشر ‍‍!

ب-وإما أن يقولوا إن جميع المؤمنين كهنة ، ولا تفريق أو تمييز بينهم فى هذه الناحية ! لا أحد أفضل من غيره . وأنهم جميعاً يشاركون فى كل الإمتيازات ، ويتحملون كافة المسئوليات فى حياة التكريس !

أما نصوص الكتاب المقدس التى تعتمدون عليها ، فهى :

أ-قول القديس بطرس الرسول " وأما أنتم فجنس مختار ، وكهنوت ملوكى ، أمة مقدسة ، وشعب اقتناء " ( 1بط 2 : 9 ) .

ويرون أن هذه الآية تدل على أن الشعب كله كهنوت . فلا يوجد أشخاص مميزون هم الكهنة !

ب-ما ورد فى سفر الريا ( 1: 6 ) " وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه " . وسنتناول الرد فى حينه على مفهومهم لآيات أخرى ، حينما نتعرض لذلك بالتفصيل فى الفصول القادمة .. و السؤال الآن هو :

هل الكهنوت هو لجميع الناس ؟ .. أم توجد جماعة مميزة لهذا العمل الكهنوتى ؟

فى الواقع أن العبارة التى قالها القديس بطرس الرسول " وأما أنتم فجنس مختار ، وكهنوتى ملوكى ، أمة مقدسة " ( 1بط 2 : 9 ) ، مأخوذة أصر من العهد القديم ، من قول الرب لليهود " وأنتم تكونون لى مملكة كهنة وأمة مقدسة " ( خر 19 : 6 )

و هى لا تعنى أن الشعب كله يمارس أعمال الكهنوت المعروفة ، كما ظن ذلك قورح وداثان وأبيرام " فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا لهما : كفاكما . إن كل الجماعة بأسرها مقدسة ، وفى وسطها الرب " ( عد 16 : 3 )

فعلى الرغم من أن الجماعة كلها مقدسة ، ومملكة كهنة ، إلا أن الله الله اختار له كهنة معينين . نفس الوضع فى العهد الجديد .

إذن عبارة ( مملكة كهنة ) أو ( كهنوت ملوكى ) لا تعنى أن الأمر مشاع بلا تفريق ولا تمييز . فقد استنخدمت نفس العبارة فى العهد القديم ، ولم يكن الكهنوت مشاعاً ، بل على العكس خصص الله لهذا العمل هارون وبنيه . وكل شخص غيرهم ، كان يتجرأ على مزاولة الكهنوت ، كان الرب يعاقبه بشدة تصل إلى القتل . وكان الكهنة وحدهم هم الذين يقدمون الذبائح ، وهم وحدهم الذين يرفعون البخور ، ويمارسون باقى أعمال الكهنوت . ولا يجرؤ أحد على ذلك ، ولا حتى الملك الذى يدعى " مسيح الرب " .

كل هذا المنع وشدة العقاب أمر به الرب ، على من أن الشعب كله كان " مملكة كهنة " حسب قول الرب .

إذن ما معنى عبارة " مملكة كهنة " ؟ .. وما هى معنى عبارة " جعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه " ؟ .. وهل يوجد كهنوت عام ؟ ..

طبعاً لا يمكن أن تؤخذ عبارة " كلنا ملوك وكهنة " بالمعنى الحرفى . لاحظو أنه لم يقل " كلنا كهنة " وإنما " ملوك وكهنة " . فإن كانت كلمة ملوك لا تؤخذ بالمعنى الحرفى ، فكلمة كهنة أيضاً لا تؤخذ بالمعنى الحرفى .

وواضح أن كلمة ملوك هنا ، لا يمكن أن تفهم حرفياً . فلا يمكن أن يكون جميع الناس ملوكاً : يلبسون التيجان ، ويجلسون على عروش ، ويحكمون شعوباً ، ويدعون أصحاب جلالة .. !

فما داموا ليسوا ملوكاً حرفياً ، فلا يكونون كهنة حرفياً .

إن هذا يدخلنا فى موضوع الكهنوت بالمعنى الروحى ..

ما هو المعنى الروحى لكلمة كهنوت ؟ إنه و لا شك كهنوت روحى ، يقدم فيه المؤمن ذبائح روحية ، وبخوراً روحياً ، دون أن يكون كاهناً بالمعنى الحرفى ؟ ويمكن أن ينطبق هذا على جميع المؤمنين ..

يقول المرتل فى المزمور " فلتستقم صلاتى كالبخور قدامك . وليكن رفع يدى ذبيحة مسائية " ( مز 141 ) .

هذا هو الكهنوت الروحى : بخور من هذا النوع ، وذبيحة من هذا النوع . وهذا متاح للجميع .. ويوقل القديس بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية : " أطلب إليكم أيها الأخوة برأفة الله ، أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة ، مرضية عند الله عبادتكم العقلية " ( رو 12 : 1 ) . هذه هى الذبيحة التى يمكن أن يقدمها كل مؤمن ، وبها يعتبر كاهناً بالمعنى الروحى : " صلب الجسد مع الأهواء " ( غل 5 : 24 ) ، أو باقى أعمال الإماتت المتنوعة للجسد ، كقول الرسول " نسلم دائما للموت " ، " الموت يعمل فينا " ، " حاملين فى الجسد كل حين إماته الرب يسوع " ( 2كو 4 : 1. – 12 ) .

كل هذه الذبائح الروحية ، داخلة فى أعمال العبادة و الصلاة .

ومن أمثلتها ايضاً ذبيحة التسبيح " فلنقدم به كل حين لله ذبيحة التسبيح .. أى ثمر شفاه معترفة إسمه " ( عب 13 : 15 ) ، أو ما ورد فى ( مزمور 116 ) " لك أذبح ذبيحة الحمد ( أو الشكر ) ، وكقول الرسول أيضاً " لا تنسوا فعل الخير و التوزيع ، لأنه بذبائح مثل هذه يسر الله " ( عب 13 : 16 ) ، ومثلها أيضاً ( فى 4 : 18 ) .

إن تقديم مثل هذه الذبائح ، هو المقصود بالكهنوت العام لجميع المؤمنين . وهذا لا يمنع مطلقا الكهنوت الخاص بتقديم الأسرار المقدسة ، الذى خص به الله أناسا معينين لخدمته .

الأمران موجودان معاً ، فى العهد القديم ، وفى العهد الجديد أيضاً . داود النبى كان صلاته ترتفع كالبخور قدام الله ، وكان رفع يديه ذبيحة مسائية ( 141 ) . ولكن هل كان يجرؤ داود وهو مسيح الرب ، ونبى ، أن يقدم ذبيحة كما يفعل اصغر كاهن من بنى هارون ؟! حاشاً ..

كذلك فى العهد الجديد : كل إنسان يستطيع أن يقدم ذبيحة الحمد ، وذبيحة التسبيح ،وذبيحة العطاء و التوزيع ، ويقدم جسده ذبيحة حية ، ويرفع يديه كذبيحة مسائية .. ولكن هل يجرؤ أحد أن يقدم الذبيحة التى هى جسد الرب ودمه فى سر الإفخارستيا ، و التى بها يدعى الكاهن كاهناً فى العهد الجيد ؟؟ مستحيل ..

هوذا القديس بولس الرسول يقول عن كهنوت العهد الجديد " لا يأخذ أحد هذه الكرامة من نفسه ، بل المدعو من الله ، كما هرون أيضاً " ( عب 5 : 4 ) .

إن كان المدعو من الله هو الكاهن ، إذن الكهنوت ليس للكل ، ولا يدعيه كل أحد .

على أن الرغبة فى تأميم الكهنوت مسأله قديمة ، فصل فيها الله بعقوبة رادعة ، و الله لا يتغير ..

مسألة الثورة على الكهنوت ، و الرغبة فى تأميمه ، أى يكون للأمة كلها ، على اعتبار أنها " أمة مقدسة " و" مملكة كهنة " هى ثورة قديمة كان أول من قام بها قورح وداثان وأبيرام ، وقصتهم معروفة فى الأصحاح 16 من سفر العدد ، حيث يقول الكتاب عنهم وعن 25. معهم ، امسكوا المجامر ليرفعوا البخور .

فاجتمعوا على موسى وهارون وقالوا لهما " كفاكما . إن كل الجماعة بأسرها مقدسة ، وفى وسطها الرب . فما بالكما ترتفعان على جماعة الرب ؟! " ( عد 16 : 3 ) .

وباقى القصة معروفة . لقد أمر الرب أ، تفتح الأرض فاها وتبتلع كل هؤلاء ، وثبت الرب الكهنوت لهارون وبنيه فقط وليس للكل . وهكذا أخمد هذه الثورة بحزم .

وقال الرب لهارون " أما أنت معك ، فتخفظون كهنوتكم ، مع ما للمذبح ، وما هو داخل الحجاب ، وتخدمون خدمة . عطية أعطيت كهنوتكم . والأجنبى الذى يقترب ، يقتل " ( عد 18 :7 ) .

وقد تكررت القصة بصور مختلفة ، وتكررت معها

أ-شاول الملك تجرأ أن يصعد المحرقة ، كما ورد فى سفر صمؤئيل الأول ( 1صم 13 : 9 ) فكانت النتيجة أن الرب رفضه ، وفارقه روح الرب وبغته روح ردئ من قبل الرب (1صم 16 : 14 ) . مع أن شاول لم يكن شخصاً عادياً ، وإنما كان مسيح الربل الرب ، وكان روح الرب قد حل عليه وتنبأ ( 1صم 1. : 1. ، 11 ) . ولكن كل هذا لم يعطه الحق فى أن يعمل عملاً من أعمال الكهنوت يمكن أن يعمله إبن بسيط من أبناء هرون .

ب-وعزيا الملك جرؤ أيضاً أن يمسك مجمرة ليرفع بخوراً كما ورد فى سفر أخبار الأيام الثانى ( 2أى 26 : 19-21 ) . وفكان النتيجة أن ضربه الرب بالبرص ، وأعتبر عمله خيانة ، طردوه ، قطعوه من بيت الرب ، وظل أبرص إلى يوم وفاته ..

هذه أمثلة خطيرة من الكتاب المقدس . ولكن البعض يحتج ويقول : كل هذا حدث فى العهد القديم . أما العهد الجديد فقد تغير فيه الوضع ، الغى كهنوت العهد القديم ، ولم تعد هناك واسطة يضعها الله بينه وبين الناس ! هنا ويحق لنا أن نطرح سؤالا هاماً :

يعترض البعض بأن الكهنوت أمر خاص بالعهد القديم فقط . وهذا يدعونا أن نطرح سؤالاً هاماً وهو :

4-هل الله فى العهد القديم غير الله فى العهد الجديد ؟

أقول هذا ، لأننا كلما نثبت عقيدة بآيات من العهد القديم ، يتجرأ البعض على العهد القديم ويحقرونه ! ويعتبرون أن مجرد ناموس بعيد عن النعمة ، ويتكلمون عنه بطريقة خالية من الإحترام اللائق بكلام الله . كما لو كانت تعاليم العهد القديم قد ألغيت ! أو أن العهد الجديد قد نسخ العهد القديم !!

وللأسف فإن بعض الذين يهاجمون العهد القديم يضعون فى أغلفة ومؤلفاتهم كليشيه كبير للآية المشهورة :

" كل الكتاب موحى به من الله .. فلماذا هذه الجرأة على العهد القديم ، وهو حزء من الكتاب ؟ ثم هل الله فى علاقته بالبشر قد تغير ؟

هل هو فى العهد القديم يقبل وسطاء بينه وبين الناس ، وفى العهد الجديد يرفض ؟ هوذا يعقوب الرسول يقول :

إن الله " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( يع 1 : 17 ) . بل هو أمس و اليوم وإلى الأبد .

و السيد المسيح نفسه حينما تعرض للعهد القديم ، فى العظة على الجبل ،قال كلمات جميلة جداً ، نذكر من بينها :

" لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ماجئت لأنقض بل لأكمل . فإنى الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء و الأرض ، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل .. " ( مت 5 : 17 ، 18 ) .

إذن لا نقول فقط إن العهد القديم لم يلغ ، بل أنه حتى حرف واحد أو نقطه منه لا يمكن أن تزول ..

ولعل البعض يسأل : هل نحن مطالبون بالعهد القديم ، من جهة السبت ، و الختان ، و الأعياد ، و الذبائح الدموية ، و النجاسات و التطهير .. التى قال عنها الرسول إنها " ظل الأمور العتيدة " ( كو 2 : 17 ) ؟

أقول لك إنك غير مطالب بحرفيتها . ومع ذلك ، فإن شيئاً من أوامر العهد القديم لم ينقض تسأل : وكيف التوفيق إذن ؟ تجيبك :

*خذ مثالاً لذلك : وصية حفظ السبت ..

وصية ( السبت ) مازالت قائمة ، فى جوهرها ، من حيث أن تقديس يوماً من الأسبوع للرب . لم تنقض هذه الوصية أبداً .

ولكن السبت يعنى الراحة . وكانت الأرض تسبت فى العام السابع أى تستريح ( لا 25 : 2 ) بغض النظر عن أيام الأسبوع هنا .

فمادام السبت يرمز للراحة ، نسأل إذن : متى استراح الرب ؟ كانت الراحة الحقيقية عندما أراح الناس من دينونة الخطية ، ومن ثمرة الخطية و نتيجتها أعنى الموت .

أراحنا من دينونة الخطية بصلبه فى اليوم السادس . وأراحنا من الموت بقيامته يوم

الأحد . وهكذا اصبح يوم القيامة هو اليوم الذى تمت فيه الراحة ، أى صار السبت الحقيقى ، بالمعنى الروحى للسبت وهو الراحة .

فالراحة كوصية فى الناموس لا تزال قائمة ، وتخصيص يوم للرب لا يزال قائما ، من جهة جوهر الوصية وروحها وقصد الرب منها .. أى الراحة .

لم ينقض الناموس هنا إطلاقاً ، ولا نقضت وصية السبت ، إنما أعطى للسبت مفهومه الروحى . وأصبحنا نعيد لراحة الرب ، لسبته فى الفداء ، بعد سبته فى الخليقة . وقد كانت راحة الرب يوم الأحد ، فصار يوم الأحد هو السبت الجديد ، المفهوم الروحى للسبت .

أذكر يوم السبت لتقدسه ، أو أذكر يوم الرب لتقدسه ، كلاهما بمعنى واحد . " الروح يحيى ، و الحرف يقتل " ( 2كو 3 : 6 ) .

*مثال آخر : موضوع الختان هل نقضه العهد الجديد ؟

إن الله لا يضع وصاياه عبثاً ، ولا يتغير فى تعليمه . وعندما وضع الختان ، قصد به معنى روحيا ، ربما لم يفهم الناس وقتذاك سوى ظاهرة ، أما باطنه فاحتاج إلى شرح

كان قطع جزء من الجسد وموته ، ويرمز إلى موت الجسد كله فى المعمودية " مدفونين معه فى المعمودية " ( رو 6 : 4 ) أنظرأيضاً ( كو 2 : 11 ، 12 ) .

إذن عملية موت الجسد ، المقصودة من الختان ، ظلت قائمة – و الوصية لم تنقض . إنما أخذ المعنى الروحى بدلاً من المعنى الحرفى .

والسيد المسيح لم ينقض الناموس ، إنما شرحه روحياً ..

لم ينقض السبت ، لكن شرحه بمعنى الراحة ، وكملت الراحة فى يوم الأحد. ولم ينقض موت جزء من الجسد عن طريق الختان ، إنما كمل هذا الموت روحياً فى المعمودية ، التى كان الختان رمزاً لها .. ( كو 2 : 11 ، 12 ) .

*الأعياد أيضاً لا تزال باقية ، فى الوضع الذى كانت ترمز إليه . كل عيد فى العهد القديم ، كان يرمز إلى عيد فى العهد الجديد . الفصح مازال فصحاً . ولكنه أخذ معناه الكامل فى السيد المسيح ، الذى كان يرمز إليه خروف الفصح " لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا " ( 1كو 5 : 7 ) .

وعيد الفطير الذى يلى الفصح ويتبعه مباشرة ، مازلنا نعيده فى مفهومه الروحى الذى كان الفطير رمزاً إليه " إذن فلنعيد ، ليس بخميرة عتيقة ، ولا بخميرة الشر و الخبث ، بل الفطير الإخلاص و الحق " ( 1كو 5 : 8 ) .

و عيد الخمسين ( لا 23 ) ، مازلنا نعيده يوم الخمسين من القيامة ( عيد العنصرة البند كستى ) .. وهكذا مع باقى الأعياد ، إنما تحول الرمز إلى المرموز إليه . وظلت الوصية قائمة لم تنقض ..

*هكذا الذبائح الدموية ، كانت ترمز إلى ذبيحة السيد المسيح .

مبدأ الذبيحة لم ينقض فى العهد الجديد ، بل ظل باقياً ، إنما أخذنا المعنى الروحى بدلاً من لمعنى الحرفى .

وهكذا المذبح ظل باقياً فى المسيحية ، إنما ليس لذبائح دموية ، بل بقى " لفصحنا الذى ذبح لأجلنا " .

*الكهنوت بالمثل لم يلغ ، إنما تغير من كهنوت هخارونى ، إلى كهنوت على طقس ملكى صادق ، من كهنوت يقدم ذبائح دموية إلى كهنوت يقدم الخبز و الخمر .

كما قال الكتاب " وملكى صادق ملك شاليم ، أخرج حبزاً وخمراً ، وكان كاهناً لله العلى " ( تك 14 : 18 ) . وقد شرح القديس بولس الرسول أن هذا الكهنوت أفضل من الكهنوت الهارونى . وأن ملكى صادق مشبه بابن الله ( عب 7 : 3 ، 11 ) . واستشهد بنبوءة المزمور " أنت كاهن إلى الأبد على رتبه ملكى صادق " ( عب 7 : 21 ، مز 11.)

وقال الرسول إن " الكهنوت قد تغير " ( عب 7 : 12 ) ولم يقل قد ألغى ، تغير من الكهنوت اللاوى إلى كهنوت على طقس ملكى صادق .

وهكذا لم تنقض المسيحية الناموس ولا الأنبياء . إنما ما كان من الناموس مقصوداً بحرفيته ، بقى كما هو . وما كان رمزاً ، فهمناه فى المرموز إليه . بقى العهد القديم . ولكن السيد المسيح خلع البرقع من على الأذهان ( 2كو 3 : 14 –16 ) وصار المؤمنون يرون بعيون روحية ..

إننى ارجو أن يعطينى الرب فيما بعد ، فرصة أكبر لشرح لكم أهمية العهد القديم ، ونظره العهد الجديد إليه .. لأنى للأسف الشديد ، قرأت شتائم كثيرة موجهة إلى الناموس و العهد القديم ، أى إلى كلام الله نفسه ! بل وشتائم موجهة إلى قديسى العهد القديم ، ووصفهم بأوصاف لا تليق إطلاقاً باحترام القديسين .. !

يبقى سؤال فى هذا الفصل عن الكهنوت وهو :

5-هل انتهى كهنوت البشر يذبيحة المسيح ؟

وأصبح هناك كاهن واحد هو المسيح ؟

طبعاً عبارة " إنتهى كهنوت البشر " ، تتعارض مع عبارة " كلنا ملوك وكهنة " . فإن كانت كلمة " كهنة " لها بالنسبة إلى البشر معنى خاص ، فما معنى الكهنوت بالنسبة إلى المسيح ؟

*هل المسيح كاهن بمعنى أنه " قدم نفسه ذبيحة عنا ؟

وإن كان كذلك فهل انتهى كهنوت المسيح هو ايضاً بتقديمه لنفسه ذبيحة ، حاشاً .. أم هو كما يقول الكتاب " كاهن إلى الأبد " ( عب 7 : 3 ، 21 ، 24 ) ، وهو يقول لنا باستمرار " خذوا كلوا ، هذا هو جسدى . خذوا إشربوا هذا هو دمى ، من يأكل جسدى ويشرب دمى ، يثبت فى وأنا فيه " ( يو 6 : 56 ) .

*وإن كان السيد المسيح يقدم جسده ودمه ، فى كل جيل ، لكل مؤمن ، فهل يفعل هذا بنفسه ، أم عن طريق رسله ووكلائه الذين يمتد فيهم العمل الكهنوتى ، و الذين قال لهم " إصنعوا هذا لذكرى " ( 1كو 11 : 25 ) .

إذن لا بد من كهنة يصنعون هذا لذكره ، ويقدمون جسده ودمه لسائر المؤمنين فى سر الإفخارستيا المقدس .

ثم من قال إن الكتاب لم يذكر كاهناً آخر سوى المسيح ؟!

هوذا القديس بولس الرسول يقول " .. حتى أكون مباشراً لأنجيل المسيح ككاهن ، ليكون قربان الأمم مقبولاً مقدساً بالروح القدس " ( رو 15 : 16 ) .

*إن كان بولس الرسول كاهناً ، فكيف يقال إن كهنوت البشر قد انتهى ؟ هل ننكر شهادة الكتاب هذه ؟

على أن الأخوة الإنجيليين يقولون إن عبارة ( ككاهن ) هنا ، معناها أنه يشبه نفسه بكاهن !! فهل تحمل العبارة هذا المعنى ؟!

أباشر عملى ككاهن ، أى بصفتى كاهناً .. كما تقول أحياناً " أنا كمسيحى عضو فى جسد المسيح " ليس أنك تشبه نفسك بمسيحى ، بل بصفتك مسيحياً .. أو كما تقول " أنا كإبن الله ، لى صورته ومثاله " فأنت هنا لا تشبه نفسك بإبن الله ، وإنما تقول هذا بصفتك إبناً لله .

وقد وردت ( الكاف ) فى الكتاب ، كثيراً بهذا المعنى ..

كما قيل فى الإنجيل " و الكلمة صار جسداً ، وحل بيننا ، ورأينا مجداً كما لوحيد من الآب " ( يو 1 : 14 ) .

فالكاف هنا ليست للتشبيه ، وإنما السيد المسيح باعتباره الإبن الوحيد للآب ، له هذا المجد ، وليس مشبهاً بابن وحيد!

أو كما يقول بولس الرسول لأهل رومية " أنهم لما عرفوا الله ، لم يمجدوه أو يشكرون كإله ( رو 1 : 21 ) ، أى باعتباره إلهاً ، وليس مشبهاً بإله !!

بل إن الرسول يقول أيضاً " إن كنت كإنسان حاربت وحوشاً فى أفسس ، فما المنفعة إن كان الموتى لا يقومون " ( 1كو 15 : 32 ) ، فهل بولس الرسول هنا ليس إنساناً ، بل يشبه نفسه بإنسان ، حينما يقول كإنسان ؟‍! أم هو يقول إنه بصفته إنساناً قد حارب وحوشاً ..

كذلك يقول " يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل لله " ( تى 1 : 7 ) أى باعتباره وكيلاً لله وليس كتشبيه ..

وهكذا حينما يقول " كخدام لله " ( 2كو 6 : 4 ) لا يشبه نفسه وزملاءه بخدام الله ، لأن خدمته ليست موضع مناقشة ..

والأمثلة عديدة فى الكتاب ، وعلى هذا النحو ، قال بولس الرسول إنه يباشر خدمته للإنجيل بصفته الكهنوتية ( 1كو 15 : 16 ) لأنه إن كان يشبه نفسه بكاهن ، فأى كاهن يشبه نفسه به ، ولم يكن الكهنة فى العهد القديم ، ولا فى الوثنية يباشرون خدمة الإنجيل ..؟!

*نقطة أخرى ، وهى أن السيد المسيح لم يقل الكتاب فقط عنه إنه " كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق " إنما قال الكتاب عنه فى مواضع عديدة إنه ( رئيس كهنة )

ومادام المسيح رئيس كهنة ، إذن هناك كهنة يرأسهم ،

أنظروا ماذا يقول يقول القديس بولس الرسول فى الرسالة إلى العبرانيين :

" من ثم أيها الأخوة القديسون ، شركاء الدعوة السماوية ، لاحظو رسول اعترافنا ، ورئيس كهنته يسوع المسيح " ( عب 3 : 1 ) .

" مدعواً من الله رئيس كهنة على رتبة ملكى صادق " ( عب 5 : 1. ) .

" .. إلى داخل الحجاب ، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا ، صائراً على رتبة ملكى صادق رئيس كهنة إلى الأبد " عب 6 : 2. ) .

" رئيس كهنة مجرب فى كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب 4 : 15 ) .

فإن كان المسيح بشهادة الكتاب رئيس كهنة ، فمن يكون الكهنة الذين يرأسهم سوى كهنة العهد الجديد ..

فى مثل الكرامين الأردياء ، الذين يمثلون الكهنة الأشرار فى العهد القديم ، لم يقل الكتاب إنه ألغى وظيفة الكرامين إنما " أولئك الأردياء يهلكهم .. ويسلم الكرم إلى كرامين آخرين " ( مت 21 : 41 ) ، " ملكوت الله ينزع منهم ، ويعطى لأمة تعمل اثماره " ( مت 21 : 43 )

نقطة أخرى ، وهى أن الكتاب تنبأ عن كهنوت الأمم ..

فى سفر ملاخى ، قال الرب لليهود " ليست لى مسرة بكم – قال رب الجنود – ولا أقبل تقدمة من يدكم . لأنه من مشرق الشمس إلى مغربها إسمى عظيم بين الأمم . وفى كل مكان يقربون لإسمى بخوراً وتقدمة طاهرة . لأن إسمى عظيم بينالأمم " ( ملا 1 : 11 ) .

فمن هؤلاء الذين سيقدمون للرب بخوراً وتقدمة من أهل الأمم ، سوى كهنوت العهد الجديد .. ؟

وقال لليهود فى سفر اشعياء النبى " ويحضرون كل إخوتكم من كل الأمم تقدمه للرب .. واتخذ ايضاً منهم كهنة ولاويين قال الرب " ( أش 66 : 19 – 21 ) . ولم نسمع إطلاقاً فى العهدالقديم أن الرب اتخذ له كهنة من بين الأمم " فيخبرون بمجدى نسمع إطلاقاً فى العهد القديم ن الرب اتخذ له كهنة من بين الأمم " فيخبرون بمجدى بين الأمم " . إنما كهنة الأمم هم كهنة العصر المسيحى بلا شك ..

*إذن الإدعاء بأن السيد المسيح هو الكاهن الوحيد للعهد الجديد ، أن هذا اللقب لم يطلق على أحد من البشر ، هو قول لا يسنده الوحى الإلهى ، بل هو ضد تعليم الكتاب

إختيار ، وإرسالية ،

مسحة مقدسة ، وسلطان من الروح ،

قدس للرب ، ونصيب للرب ،

وضع يد ، نفخة مقدسة .

هذه الدعوة واضحة تماماً فى كلا العهدين القديم و الحديث بمبدأ هام أعلنه القديس بولس الرسول فى ( عب 5 : 4 ) " لا يأخذ أحد هذه الكرامة بنفسه ، بل المدعو من الله كما هرون " . ومادامت هناك دعوة ، إذن العمل ليس للكل .

فلنحاول إذن أن نتتبع التدبير الإلهى فى موضوع الكهنوت منذ البدء ، من العهد القديم ، وسنرى أن الخطة الإلهية هى هى فى العهدين لن تتغير . الله " هو هو أمساً و اليوم وإلى وإلى الأبد " ( عب 13 : 8 ) ، " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( يع 1 : 17 ) . بل أن السيد المسيح إنتقد الأمور التى " لم تكن منذ البدء " ( مت 19 ، مر 1. ) مما يدل على محبة الله لهذا الذى كان منذ البدء .

[1]إختار الله الأبكار، ليكونوا له ، وقال فى ذلك " قدس لى كل بكر ، كل فاتح رحم إنه لى " ( خر 13 : 2 ) . ونلاحظ هنا ثلاثة أمور :

أ-الله يختار لخدمته من يشاء . هو يعين وليس نحن .

ب-هؤلاء الذين يختارهم هم له ، أى نصيبه ، تصيب الرب . ولذلك أطلق عليهم كلمة ( إكليروس ) ومعناها ( نصيب ) أى نصيب الرب .

ج-كان هؤلاء ايضاً ( قدس ) للرب ، مقدسين له .

[2]ثم اختار له هارون وبنيه لخدمة الكهنوت بدلاً من الأبكار ، الأشخاص تغيروا ، ولكن الكهنوت بقى هو هو نصيب الرب .

ولذلك لم يكن لهم نصيب فى تقسيم الأرض ، لأن الرب هو نصيبهم ، يأكلون مما يعطى للرب . إنهم له .

[3] ولم يكتف الله باختيار هارون وبنيه ، وإنما أمر موسى بأن يمسحهم بالدهن المقدس أمام كل الجماعة ( لا 8 )

وذلك فى محفل مقدس ، قدمت فيه ذبيحة للرب ، وألبسهم ثياباً مقدسة ، أمر الله بصنعها ، حسب اختيار الله فى كل تفاصيلها " صنعوا الثياب المقدسة التى لهرون ، كما أمر الرب موسى " ( خر 4. : 1 ) . وقال الرب لموسى :

" وتقدم هرون وبنيه إلى باب خيمة الإجتماع ، وتغسلهم ، وتلبس هرون الثياب المقدسة ، وتمسحه ، وتقدسه ، ليكهن لى . وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة ، و تمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لى . ويكون ذلك لتصير لهم مسحتهم كهنوتاً أبدياً فى أجيالهم " ( خر 4. : 12- 5 )

[4] صدقونى إنى أقف هنا منذهلاً ، أمام تكريم الله لوكلائه ! الله إختار هرون وبنيه ليكهنوا له ، ولكنم لم يمكنهم أن يقوموا بعمل الكهنوت ، إلا بعد أن مررهم على وكيله موسى " الأمين على كل بيته " ( عدد 12 : 7 ) . فقدسهم للرب ، ومسحهم بالدهن المقدس ، فصارت لهم هذه المسحة كهنوتاً أبدياً ..

هل تظنون أن هذا الأمر كان فى العهد القديم فقط ، بل هو فى العهد الجديد أيضاً كما سترون بعد قليل ..

[5]نلاحظ أيضاً أنهم صنعوا صفيحة من ذهب نقى ، ونقشوا عليها عبارة ( قدس للرب ) ووضعوها على عمامة هارون من قدام ، فتكون على جبهته دائماً ، للرضا عنهم أمام الرب " ( خر 28 : 38 ) .

أى مجرد رؤية هذا الذى صار ( قدساً للرب ) تجلب الرضاً عن الشعب أمام الله .. ما أعجب إكرام الرب لخدامه ..

نلاحظ ايضاً أنه قيل عن ثياب هرون وبنيه إنها مقدسة ، إنها للمجد و البهاء ، كما قال لرب لموسى " واصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك ، للمجد و البهاء . وتكلم جميع حكماء القلوب ، الذين ملأتهم روح حكمة ، أن يصنعوا ثياب هرون لتقديسه ليكهن لى .. ولبنى هرون تصنع أقمصة ، وتصنع لهم مناطق ، وتصنع لهم قلانس للمجد و البهاء " ( خر 28 : 2 ، 3 ، 4. ) .

هل تظنون أن الله يهتم بخدام العهد القديم كل هذا الإهتمام ن ويسر بلهم بالمجد و البهاء ، ولا يهتم بخدام العهد الجديد ، وهو أفضل ؟!

[6]هذه المسحة التى أخذها هرون وبنوه ، كان يصحبها حلول الروح القدس ، ويظهر ذلك من قول الكتاب " روح السيد الرب على ، لأنه مسحنى لأبشر المساكين " ( أش 61 : 1 ) فارتبطت المسحة بحلول الروح القدس .

فالمسحة إذن تعطى الروح ، وتعطى سلطاناً لممارسة خدمة الكهنوت .

وفى العهد الجديد حل محلها وضع اليد و النفخة المقدسة ( يو 2. : 22) .

وعملية المسحة ، تقابل طقس السيامة فى العهد الجديد ..

[7] خصص الله الكهنوت فى جماعة معينة هى هرون وبنوه . ولما احتج قورح وداثان وأبيرام ، وأرادوا أن يكون الكهنوت للأمة كلها ، على اعتبار أنها " أمة مقدسة " و " مملكة كهنة " قال لهم موسى " غداً يعلن الرب من هو له ، ومن المقدس ، حتى يقربه إليه . فالذى يختاره يقربه إليه " ( عد 16 : 5 ) .

لاحظوا هنا وصف موسى للكاهن : ( إنه للرب ، هو مقدس ، يختاره الرب ، يقرب إليه ) . واختار الرب كهنته ، وابتلعت الأرض المحتجين المطالبين بتأميم الكهنوت .. وكان درساً للأجيال كلها ..

[8] الكهنوت إذن مسحة وإرسالية :

يقول الكتاب " روح السيد الرب على ، لأنه مسحنى لأبشر المساكين ، أرسلنى لأعصب منكسرى القلب .. " ( أش 61 : 1 ) . قال " مسحنى وأرسلنى " فالمسحة تسبق الإرسالية ..

و الذى لا يرسلة الرب ، لا فائدة من عمله . أنظر قول الإلهى " .. وأنا لم ارسلهم ولا أمرتهم . فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب " ( أر 23 : 32 ) .

[9] فى العهد الجديد نفس الوضع :

الدعوة ، الإختيار ، المسحة ، الإرسالية :

يقول الكتاب عن السيد المسيح " ثم دعا تلاميذ الإثنى عشر " ( مت 1. : 1 ) . وهذه الدعوة شرحها الإنجيل بالنسبة إلى كل واحد على حدة . ثم ماذا ؟ يتابع البشير كلامه فيقول " هؤلاء الإثنا عشر ، أرسلهم يسوع ، وأوصاهم قائلاً .. " ( مت 1. : 5 ) .

إذن هنا دعوة ، لأشخاص معينين .. وهنا إرسالية لهم وليس لكل أحد .

" ودعا تلاميذه الأثنى عشر ، وأعطاهم قوة وسلطاناً .. وأرسلهم ليكرزوا .. " ( لو 9 : 1 ، 2 ) " وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً ، وارسلهم اثنين اثنين " ( لو 1. : 1 ) .

وقال الرب عن هذه الإرسالية " كما أرسلنى الآب ، أرسلكم أنا .. " ( يو 2. : 21 ) . . وقال فى صلاته للآب " كما أرسلتنى إلى العالم ، ارسلتهم أنا إلى العالم " ( يو 17 : 18 ) . وفى تأكيد الارسالية من الله قال : " اطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده " ( مت 9 : 38 ) .

وقال عن الإختيار " لستم أنتم اخترتمونى ، بل أنا اخترتكم ، و أقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر " ( يو 15 : 16 ) . والأختيار يدل على أنه ليس لكل أحد .

إذن هنا اختيار وإرسالية . ولا يستطيع أحد أن يعمل هذا العمل من ذاته ، بل المدعو من الله كما هرون .

[1.] و المسيح لم يرسل فقط ، وإنما أرسل ، وحدد مكان العمل ، ونوع العمل أيضاً .. لكى لا يعمل أحد من ذاته .

فى أول ألأمر قال لهم " إلى طريق أمم لا تمضوا ، ومدينة للسامريين لا تدخلوا . بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت اسرائيل الضالة " ( مت 1.: 5 ، 6 ) . ثم قال لهم أخيراً " تكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية و السامرة وإلى أقصى الأرض " ( أع 1 : 8 ) . وفى اختيار وارسال بولس قال له : " اذهب فانى سارسلك إلى الأمم بعيد " ومن جهة العمل ، قال لهم وتلمذوا جميع الأمم ، وهمدوهم باسم الآب والإبن و الروح ، علموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " ( مت 28 : 19 ، 2. ) . " إكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 15 ، 16 ) .

وهنا نجد رسالة معينة ، خاصة بهذه الإرسالية .. أن يكرزوا ، ويتلمذوا ، ويعمدوا ، ويسلموا ما تسلموه من الرب ..

إذن هناك إرسالية فى العهد القديم وفى العهد الجديد ، ليس للكل ، وإنما كانت لأشخاص معينين ، يرسلهم الرب برسالة خاصة .

[11] وحتى فى الفترة التى بين العهدين ، نقرأ عن يوحنا المعمدان ، الكاهن ابن زكريا الكاهن ، أنه قيل عنه فى الإنجيل " كان إنسان مرسل من الله إسمه يوحنا .

هذا جاء للشهادة ، ليشهد للنور ، ليؤمن الكل بواسطته " ( يو 1 : 6 ، 7 ) .

[12] نفس الوضع ، إرسالية لشخص معين ، برسالة معينة . نلاحظ هنا أن كهنوته كان للشهادة للنور ، ولا تركيز على تقديم الذبائح ..

كان عمل هذا الكاهن أن " يهيئ للرب شعباً مستعداً " ( لو 1 : 17 ) ويهيئ الطريق قدامه ، كارزاً بمعمودية التوبة ( مر 1 : 2 – 4 ) .

الله اختار يوحنا ، قبل أن يولد ، وقدسه وهو فى بطن أمه ، وملأه من الروح القدس ( لو 1 : 15 ) ، وأرسله ، وحدد له رسالة معينة يقوم بها ككاهن ، لم تكن تقديم الذبائح ، بل الكرازة بمعمودية التوبة ، وإعداد القلوب لاستقبال الرب ..

[13] مادام الكهنوت إذن دعوة واختيار وإرسالية من الله ، إذن ليس هو لجميع الناس ، وإنما لمن اختارهم الرب ودعاهم ..

فى مملكة الله ، مادام الله هو الملك ، فهو الذى يختار خدامه ، وهو الذى يدعو ويرسل . ولا يعمل أحد شيئاً من ذاته بل كل شئ حسب أمر الرب ( خر 39 : 43 ) " حسب المثال الذى صنعه الرب " ( خر 25 : 9 ) .

ليس هذا عن درجة الرسولية فقط ، بل عن خلفائهم الأساقفة أيضاً : إذ يقول الرسول لأساقفة أفسس " إحترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس عليها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه " ( أع 2. : 28 ) .

إذن الأساقفة خلفاء الرسل ، يقيمهم الروح القدس رعاة .

الروح القدس هو الذى يقيم وهو الذى الذى يرسل . لذلك يقول السيد المسيح " أطلبوا إلى رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده " ( مت 9 : 38 ) ..

كيف أعطى السيد المسيح للرسل الروح القدس وسلطان الكهنوت ؟ يقول الكتاب إن السيد المسيح ظهر لتلاميذه بعد القيامة ، والأبواب مغلقة عليهم بسبب الخوف " ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب . فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم . كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا . ولما قال هذا نفخ ، وقال لهم إقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 2. : 2. – 23 )

[15] نفخة الروح هذه مازالت قائمة يسلمها جيل لجيل .

ففى سيامة الكهنة ، يفتح المختار للكهنوت فمه ، وينفخ فيه رئيس الكهنة قائلاً إقبل الروح القدس . بينما يقول هذا الكاهن الجديد قول الروحى فى المزمور " فتحت فمى واجتذبت لى روحاً " ( مز 119 ) .

[16] و الرسل كانوا يمنحون الروح القدس بوضع اليد فى كل رتب الكهنوت ، أساقفة ، وكهنة ، وحتى الشمامسة أيضاً . ووضع اليد على أشخاص معينين ، دليل على أنه ليس للكل .

أنظروا إلى اختيار و سيامة الشمامسة السبعة ( أع 6 ) .

[17] إقامة الشمامسة بوضع اليد :

إحتاجت الكنيسة إلى شمامسة للخدمة ، فهل تطوع البعض للخدمة وخدموا ؟ أو هل تقدمت الكفاءات وخدمت ؟ كلا .

بل قال الرسل " إنتخبوا أياً الإخوة سبعة رجال منكم ، مشهوداً لهم ، مملوئين من الروح القدس و الحكمة ، فنقيمهم على هذه الحاجة " ( أع 6 : 3 ) .

يا أباءنا الرسل ، وجدنا هؤلاء المملوئين من الروح القدس و الحكمة ، فهل يخدمون إذن ؟ كلا ، بل نقيمهم نحن على هذه الحاجة ..

نضع عليهم الأيادى ، فيأخذون سلطاناً من الروح القدس للخدمة .

حتى هذه الدرجة ، لا يأخذها احد من نفسه ، بل المدعو من الله . " فحسن هذا الأمر أمام كل الجمهور . فاختاروا استفانوس رجلاً مملوءاً من الإيمان و الروح القدس .. " ( أع 6 : 5 ) . إنه ليس مملوءاً من الروح القدس و الحكمة فقط ، بل و الإيمان أيضاً . وماذا بعد " وأما استفانوس فإذ كان مملوءاً إيماناً وقوة ، كان يصنع عجائب وآيات عظيمة فى الشعب " ( أع 6 : 8 ) ..

[18] وهنا نرى عجباً ، يرينا أهمية الكنيسة كقناة شرعية بمر بها الخدام .

أمامنا شخص مملؤ من الروح القدس و الحكمة ، مملؤ من الإيمان و القوة ، يصنع عجائب وآيات عظيمة . ولكن كل هذه المؤهلات لا تكفى لأن يبدأ الخدمة من ذاته ، بل ترسله الكنيسة أولاً . يمر فى القنوات الشرعية التى قررها الإنجيل . توضع عليه اليد ، وحينئذ يأخذ وضعه الشرعى فى الكنيسة ، ويأخذ سلطاناً للخدمة . و حينئذ فقط يبدأ خدمته .

إذن الأمر ليس لمن يشاء ، ولا لمن يسعى ..

[19] ووضع اليد ، هل ناله استفانوس وباقى الشمامسة السبعة من الشعب الذى اختارهم ؟ كلا ، بل من الرسل ، من رئاسه الكهنوت ..

أقاموهم أمام الرسل . فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى " ( أع 6 : 6 ) .

هل استطاع أحد من هؤلاء المملوئين من الروح القدس و الحكمة أن يقول " كلنا ملوك وكهنة " ، كما يقولها حالياً أقل من أستفانوس فى المواهب ؟ كلا ، بل فى تواضع ، وتسليم للحق الكتابى ، أحنوا رؤوسهم جميعاً ، وأخذوا وضع اليد من رئاسة الكنيسة ، من الرسل الذين قالوا " نقيمهم نحن على هذه الحاجة " .

نقيمهم نحن ، على الرغم من أمتلائهم من الروح القدس ، وامتلائهم من الحكمة ومن الإيمان ومن القوة ، وعلى الرغم من صنع المعجزات .

[2.] إن المؤهلات شئ ، وسلطان الكهنوت شئ آخر ..

و المؤهلات وحدها ، بدون وضع اليد لا تكفى للقيام بالخدمة .

كان استفانوس كارزاً عظيماً بالكلمة . واستطاع أن يقف أمام كل المجامع التى التى حاورته فى الإيمان " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة و الروح الذى كان يتكلم به " ( أع 6 : 1. ) . ولكن هذه القدرة على عمل الكرازة لابد لها من إرسالية شرعية لكى تخدم " كيف يكرزون ، إن لم يرسلوا ؟! ( رو 1. : 15 ) .

لابد نقيمهم نحن على هذه الحاجة " . توضع عليهم اليد الرسولية ، فينالوا سلطاناً من الكنيسة للخدمة ، ولا يخدمون من تلقاء أنفسهم .

قال السيد المسيح للرسل " كما أرسلنى الآبب ،أرسلكم أنا " ( يو 2. : 21 ) ، و الرسل كما أرسلهم المسيح ، يرسلوا باقى الخدام ، يسلمونهم نفس السلطان ونفس الروح ، ويتتابع وضع اليد من جيل إلى جيل ..

وهنا نسأل : هل وضع اليد اقتصر على درجة الشماسية فقط ، أم على ما هو أعلى منها درجات أيضاً ..

نقول إنه اتبع حتى مع رسول عظيم مثل القديس بولس الرسول .

[21] وضع اليد على القديس بولس الرسول ( شاول الطرسوسى ) :

هذا الإناء المختار ، ظهر له السيد المسيح فى الطريق إلى دمشق ، وداعه بنفسه ، وقال الرب عنه لحنانيا " هذا لى إناء مختار ، ليحمل إسمى أمام أمم وملوك وبنى اسرائيل " ( أع 9 : 15 ) .

*ولم يدعه الإبن فقط ، بل الآب أيضاً . وهو نفسه قال عن هذا " لما سر الله الذى أفرزنى من بطن أمى ، ودعانى بنعمته ، أن يعلن إبنه فى لأبشر به بين الأمم ، للوقت لم استشر لحما ولا دماً .. " ( غل 1 : 15 ، 16 )

ولم يدعه الآب والإبن فقط ، بل الروح القدس أيضاً ( أع 13 : 2 ) ، إذن فقد دعى من الثالوث القدوس ..

ولكنه لم يباشر خدمته ، إلا بمرور على القنوات الشرعية فى الكنيسة ، فوضعت عليه اليد ، ليأخذ سلطاناً للخدمة .. ٍ

وهل نقول هذا من عندياتنا ؟ كلا ، بل هذا هو الحق الكتابى ، وهذا هو الحق الإنجيلى ، الذى أعلنه لنا الوحى الإلهى ..

ما هو هذا العجب العجاب الذى يسجله لنا سفر أعمال الرسل ؟

القصة هى هذه : الروح القدس دعا برنابا وشاول للخدمة ، ولكنه لم يشأ مطلقاً أن يرسلهما ، إلا بعد أن ينالا وضع اليد من الرسل أولاً الذين " بينما هو يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس : إفرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه " ( أع 13 : 2 ) .

يا رب مادمت قد دعوتهم ، فمن نحن ؟ نحن مجرد خدام الله قد دعوتنا كما دعوتهم . فما معنى عبارة " إفرزوا لى " .. ؟! من نحن حتى نفرز لك ؟ إرسلهم كما تشاء ، أنت يا الله .

كلا ، بل أنتم الذين تفرزوهما للخدمة ، حتى لو كنت أنا الذى دعوتهما . أنتم القنوات الشرعية التى اخترتها للخدمة . أنتم وكلاء سرائر الله ( 1كو 4 : 1 ) . وقد فوضتكم فى العمل ..

لابد لهذين الرسولين المدعوين من روح الله القدوس ، ، أن يمرا على الكنيسة أولا ، على الرغم من الدعوة الإلهية ، ولا بد لهما من ينالا وضع اليد من السلطة الرسولية ، من وكلاء الله ..

هل كان يجرؤ شاول الطرسوسى وقتذاك ، أن يقول : " كلنا ملوك وكهنة " .. ومن جهة الدعوة أنا مدعو من المسيح مثلكم ، وقد ظهر لى خصيصاً ، وقال إننى إناء مختار له . وقد دعانى الروح القدس ايضاً ، وأفرزنى الله من بطن أمى .. !؟

كلا ، بل أحنى راسه فى تواضع ، لينال وضع اليد الرسولية ، هو وبرنابا ، من هؤلاء الرسل الذين الذين كانوا قبله ، والذين أطاعوا الروح القدس " فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما الأيادى ، ثم أطلقوهما " ( أع 13 : 3 ) .

فلما أرسلتهما الكنيسة بهذا الوضع ، أعتبروا مرسلين من الروح القدس ، إذ بعد هذا مباشرة يقول الوحى الإلهى " فهذان إذ أرسلا من الروح القدس ، إنحدراً إلى سلوكية .. " ( أع 13 : 4 ) .

إن وضع اليد الرسولية ، هو للرسل كما للشمامسة ..

ونلاحظ أن وضع اليد هنا كان من الرسل لا من الشعب ..

و الروح القدس نفسه ، لم يخاطب فى ذلك الكنيسة كلها كجماعة المؤمنين .

[22] ونلاحظ أيضاً اليد صحبته صلوات وأصوام :

إنهم لم يضعوا اليد فقط ، وإنما " صاموا حينئذ وصلوا " و المقصود طبعاً صلاة طقسية " ليتورجية " . ونفس الوضع هو الذى حدث فى وضع اليد على الشمامسة السبعة " الذين أقاموهم أمام الرسل ، فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى " ( أع 6 : 6 )

وكذلك حدث نفس الأمر فى سيامة القسوس ، إذ يقول الكتابعن الرسولين بولس وبرنابا ، لما وصلا إلى نواحى لسترة وأيقونية وأنطاكية .. " و وانتخبا لهم قسوساً فى كل كنيسة .. ثم صليا بأصوام و استودعاهم الرب " (أع 14 : 23 ) . وإقامة القسوس تحتاج إلى صوم و إلى صلاة ( ليتورجية طبعاً ) . كما نأتى نحن إلى الكنيسة صائمين ، ونصلى الصلوات الخاصة بسيامة القسوس ، ثم نضع اليد ..

[23] ولا بد أن وضع اليد كان مصحوباً بنطق خاص بالرتبة .

فهذا أمر بديهى . و السيد المسيح نفسه ، لما أعطى الرسل الروح القدس و الكهنوت فى ( يو 2. : 2. – 23 ) ، كان ذلك أيضاً مصحوباً بنطق مقدس " كما أرسلنى الآب أرسلكم أنا .. من غفرتم خطاياه غفرت له .. " . وهكذا لما منحهم فى الكهنوت من قبل سلطان الحل و الرابط ( مت 16 : 18 ) و ( مت 18 : 18 ) .

[24] إن عبارة " إفرزوا لى تدل على أن عمل الكهنوت هو لمجموعة أفرزها الله لهذا العمل ، وليس الجميع كهنة متساوين فى عمل الكهنوت .

وهؤلاء الذين أفرزوا لهذه الخدمة ، نالوا الدعوة الإلهية ، والإختيار ، و الإرسالية ، ووضع اليد الذى يمثل المسحة المقدسة .

الرسل دعاهم الرب بنفسه ، وارسلهم بنفسه ، وأعطاهم السلطان بنفسه ، وترك لهم تدبير أمور الكنيسة . وهم أرسلوا غيرهم كما أرسلهم الرب ، وأعطوهم السلطان . لأن الكنيسة ما كان ممكنا أن تقف عند حدود العصر الرسولى وتنتهى !! .. واستمرارها معناه أن جيل الرسل يسلم الكهنوت بكل ما فيه من خدمة وكرازة وسلطان ووضع يد ، إلى الجيال التى تليه ، جيل يسلم جيلاً ، إلى أن وصل إلى أيامنا هذه .

بولس الرسول وضع اليد على كثيرين ، منهم تيموثاوس الأسقف ، وتيطس الأسقف . وقال لتلميذه تيموثاوس " أذكرك أن تضرم موهبة الله التى فيك ، بوضع يدى " ( 2تى 1 : 6 ) أى أن القديس بولس لما وضع يده على تيموثاوس ، سرت موهبة الله منه إلى تلميذه .

وتيموثاوس الذى أخذ وضع اليد من بولس ، كان يضع يده أيضاً على آخرين ، من القسوس . وفى ذلك نصحه القديس بولس قائلاً " لا تضع يدك على أحد بالعجلة ، ولا تشترك فى خطايا الآخرين " ( 1تى 5 : 22 ) ، أى ى تمنح الكهنوت – بوضع ولا تشترك فى خطايا الآخرين " ( 1تى 5 : 22 ) ، أى لا تمنح الكهنوت – بوضع يدك – فى عجلة لمن هو غير مستحق ، لئلا إذا أخطأ تكون مشتركاً معه فى خطيته ..

وبالمثل بالنسبة إلى كل رسول ، وفى كل بلد ، ظل وضع اليد يتتابع إلى أن وصل إلى جيلنا ، نفس الكهنوت ، الذى منحه الرب لرسله ، فى درجاته المتمايزة ..

سؤال هام نضعه أمام محاربى الكهنوت ، وهو :

هل جميع المؤمنين متساوون فى كل شئ ؟ أم أن هناك كهنوت ، لجماعة مميزة ؟

باشتراطات وصفات خاصة وبأعمال مميزة تقوم بها ، وبرسامة : وضع يد ، ونفخة الروح القدس ، ولرجال الكهنوت سلطان ، ولهم القاب ودرجات ؟؟

إننا سنثبت أن هناك جماعة مميزة ، كما كانت فى العهد القديم كذلك هى فى العهد الحديد ، فالله " ليس عنده تغيير ولا ظل دوران " ( يع 1 : 17 ) . هنا ويقوم ضدنا أعتراض من محاربى الكهنوت :

يقول المعترضون : كلنا متساوون . والكتاب يشهد على ذلك بآيات نذكر من بينها :

( غل 3 : 28 ) " ليس يهودى ولا يونانى . ليس عبد ولا حر . ليس ذكر وأنثى . لأنكم جميعاً واحد فى المسيح يسوع " .

( مت 2. : 25- 28 ) " فدعاهم يسوع وقال لهم : أنتم تعلمون إن رؤساء الأمم يسودونهم ، و العظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا فيكم بل من أراد أن يكون فيكم عظيما ، فليكن لكم خادماً . ومن أراد أن يكون فيكم أولاً ، فليكن لكم

عبداً . كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " .

ويرى أصحاب هذا الاعتراض أنه يفهم من هذه الآيات ، أن الكل متساوون ولا فارق بين مؤمن وآخر .

1-ونحن لا ننكر أن جميع المؤمنين متساوون فى البنوة لله ، وفى أنهم هياكل للروح القدس ، لا يتميز فيهم شعب على شعب ، ولا يتميزون من جهة الجنس أو اللون . وكلهم متساوون فى المسئولية الأدبية .

ولكن هذا كله ، لا يعنى مطلقاً أنهم متساوون فى الاختصاص ولا يعنى أنهم متساوون فى الكهنوت ..

2-وقد قيلت الآية الأولى ( غل 3 : 28 ) فى نتائج الإيمان و المعمودية ، من حيث البنوة لله بالإيمان و المعمودية ، ومن حيث الحياة الجديدة التى نلبسها فى المسيح يسوع . و هكذا قال القديس بولس الرسول :

" لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع . لأن كلكم الذين أعتمدتم بالمسيح ، قد لبستم . ليس يهودى ولا يونانى ، ليس عبد ولا حر ، ليس ذكر وانثى ، لأنكم جميعاً واحد فى المسيح يسوع " ( غل 3 : 26 – 28 ) .

إذن ليس فارق بين المؤمنين بالمعمدين ، من حيث البنوة لله . فى هذه البنوة لا يتميز يهودى على يونانى ، ولا حر على عبد ، ولا ذكر على أنثى .. ولا ذكر على انثى .. ولا فارق بين هؤلاء فى بركات المعمودية .

ومع هذه المساواة فى البنوة لله وميزاتها ، هناك فارق ‍‍!!

3- ليس ذكر وانثى فى البنوة لله وفى بركات المعمودية . ومع ذلك يقول الكتاب : " رأس المرأة هو الرجل " ( 1كو 11 : 3 ) .

ويقول أيضاً : " أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب . لأن الرجل هو رأس المرأى ، كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة " ( أف 5 : 22 ، 23 ) . " أيها النساء اخضعن لرجالكن ، كما يليق فى الرب " ( كو 3 : 18 ) " فإنه هكذا كانت قديماً النساء القديسات أيضاً .. خاضعات لرجالهن ، كما كانت سارة تطيع إبراهيم داعية إياه سيدها " ( 1بط 3 : 6 ) .

4-وعلى الرغم من المساواة بين العبد و الحر فى البنوة لله وفى بركات المعمودية، إلا أنه هناك أيضاً فارق :

يقول السيد المسيح : " ليس عبد أعظم من سيده " ( يو 13 : 16 ) . ويقول الرسول : " أيضاً العبيد اطيعوا سادتكم حسب الجسد ، بخوف ورعدة ، فى بساطة قلوبكم كما للمسيح فى كل شئ سادتكم حسب الجسد " ( كو 3 : 22 ، تى 2 : 9 ) .

فى الإيمان و المعمودية لا فارق بين فليمون وانسيموس . ولكن بولس الرسول كان لا بد أن يستأذن فليمون فى شأن انسيموس لأنه سيده . لذلك قال له : " بدون رأيك لم أرد أن أفعل شيئاً " ( فل 14 ) .

5- وحقاً فى البنوة لله لا فارق بين يهودى ويونانى . ومع ذلك قال الرسول عن انسبائه هؤلاء أنهم " لهم التبنى و المجد و العهود والاشتراع و العبادة و المواعيد ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد " ( رو 9 : 4 ، 5 ) .

أما فى المعمودية فيقول الرسول : " لأننا جميعاً بروح واحد ، اعتمدنا إلى جسد واحد ، يهوداً كنا أم نونانيين " ( 1كو 12 : 13 ) .

6-إذن قول بولس الرسول فى ( غل 3 : 28 ) لا نأخذه بالمعنى المطلق ، بل فى الحدود التى تكلم عنها الرسول . وفى غير هذه الحدود فوارق كما ذكرنا .

فى البنوة وبركات المعمودية ، كل المؤمنين متساوون ..

ولكنهم – فى الاختصاصات وفى الكهنوت – غير متساوين ..

7-هنا ونناقش ما ورد فى ( مت 2. : 25 – 28 ) " من أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن عبداً . كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم " .

السيد المسيح يتكلم هنا عن التواضع ، وليس عن الكهنوت . لا يريد أن يكون وسله لهم روح السيطرة و التعالى وحب العظمة .

8-ولقد ضرب فى هذا مثلاً بنفسه " ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم " فهل هذا التواضع الذى سلك به ، يعنى انه مساو لتلاميذ ؟‍ حاشا . إنه أتى ليخدمهم . ومع خدمته لهم هو سيدهم . ولذلك قال لهم بعد أن غسل ارجلهم :

" أنتم تدعوننى معلماً وسيداً . وحسناً تقولون لأنى أنا كذلك . فإن كنت وأنا السيد و المعلم قد غسلت أرجلكم ، فأتتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو 13 : 13 ، 14 ) .

9-أقوال السيد المسيح هذه لتلاميذه ، لا تعنى الغاء الكهنوت ،إنما تعنى الاتضاع فى كل أعمال الكهنوت التى هد بها إليهم .

ففى الكهنوت أيضاً : لا يجوز كاهناً يريد أن يكون عظيماً ، أو يريد أن يكون أولاً ( مت 2. : 26 ، 27 ) .

بل يكون كاهناً ومتواضعاً . لا يتسيطر على الناس ، ولا يتعاظم ، ولا يتعالى عليهم . وإن كان الله قد جعله أولاً ، فلا يصح أن هذه الأولوية ترفع قلبه ، بل يتعامل مع الشعب كأنه آخر الكل ، كأنه عبد لهم .

1.-هنا واتذكر قول الشيوخ لرحبعام الملك :

" إن صرت اليوم عبداً لهذا الشعب ، وخدمتهم و أحببتهم ، وكلمتهم كلاماً حسنا ، يكونون لك عبيداً كل الأيام . " ( 1مل 12 : 7 )

فإن كان الملك مطلوباً منه أن يكون خادماً وعبداً لشعبه ، هكذا الكاهن ايضاً مطلوب منه كذلك . ويبقى الملك ملكاً ، و لكاهن كاهناً .

11-يستشهد المعارضون بما ورد فى سفر يوئيل النبى : ( يؤ 2 : 28 ) " يكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر . فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويحلم شيوخكم أحلاماً ، يرى شبابكم رؤى . و على العبيد أيضاً و على الإماء ، أسكب روحى فى تلك الأيام "

ويقولون فى ذلك : هوذا الكل على قدم المساواة : البنون و البنات ، و الشيوخ و الشبان ، و العبيد و الإماء

12-و الرد بسيط . وهو أن هناك فرقاً بين المواهب و الكهنوت . المواهب يمكن أن تكون أحياناً للكل . بينما الكهنوت ليس للكل ومع ذلك فالكل ليسوا متساوين فىالمواهب ..

يقول القديس بولس الرسول فى أصحاح المواهب المشهور ( 1كو12 ) :

" لكل واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة . فإنه لواحد يعطى بالروح كلام حكمة ، ولآخر كلام علم .. ولآخر إيمان .. وللآخر مواهب شفاء .. ولآخر عمل قوات ، ولآخر نبوة ، ولآخر تمييز أرواح ، ولآخر أنواع السنة ، ولآخر ترجمة ألسنة .. قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء " ( 1كو 12 : 7 – 11 )

وقول أيضاً : " ألعل الجميع أصحاب قوات ؟‍ ألعل للجميع مواهب شفاء ؟‍ ألعل الجميع يتكلمون بألسنة ؟‍ ألعل الجميع يترجمون ؟‍ " ( 1كو 12 : 29 ، 3. ) .

13-إن كان الجميع يتساوون فى أنهم أبناء الله ، وصورة الله ، وهياكل لروحه لقدوس . ويتساوون من جهة المسئولية الأدبية .. إلا أنهم ليسوا متساوين من جهة لعمل والاختصاصات ، ومن جهة الكهنوت .

14-هذا هو التعليم الكتابى . وفيه يقول الرسول :

" وضع الله اناساً فى الكنيسة . أولاً رسلاً ، ثانيا أنبياء ، ثالثاً معلمين ، ثم قوات ، وبعد ذلك مواهب .. ألعل الجميع رسل ؟‍ ألعل الجميع أنبياء ؟‍ ألعل الجميع معلمون ؟‍ .. " ( 1كو 12 : 28 ، 29 ) .

إذن هنا لا مساواة . وليس العمل واحداً للكل .

فإن كان محاربو الكهنوت يبنون ادعاءهم على مبدأ المساواة ، تكون قضيتهم بلا شك قد سقطت ..

15-ونفس تمايز العمل يكرره الرسول فى رسالته إلى افسس ، فيقول عن الرب : " وهوأعطى البعض أن يكونوا رسلاً ، و بالبعض أنبياء ، و البعض مبشرين ، و البعض رعاة ومعلمين . لأجل تكميل القديسين ، لعمل الخدمة ، لبنيان جسد المسيح " ( أف 4: 11 ، 12 )

هو أعطى البعض ، وليس الكل .إذن لا مساوة ..

16-هو اختار أشخاصاً معينين ، لأعمال معينة كلفهم بها . وهذا الاختيار ليس هو طبعاً لجميع الناس . فليس الجميع متساوين فى الاختيار والارسالية . وليس الكل مختارين للخدمة التى كلف بها الرب رجاله ، وهى أعمال معينة ، نسميها أعمال الكهنوت . إذن رجال الكهنوت هم :

17-يقول الإنجيل فى ( لو 16 : 12 ، 13 ) انه قضى الليل كله فى الصلاة . ولما كان النهار دعا تلاميذ ، وأختار منهم اثنى عشر الذين سماهم رسلاً " ..

" وبعد ذلك عين الرب سبعين آخرين أيضاً ، وأرسلهم اثنين اثنين أمام وجهة " ( لو 1. : 1 ) .

إذن الكهنوت هذا وضع إلهى ، أسسه الرب بنفسه ، وبدأه بالرسل .

بأشخاص اختارهم بنفسه ، ورسم لهم عملهم ، وعين لهم المكان الذى الذى يعملون فيه ، وأعطاهم سلطاناً وبركة . كما قيل فى ( مت 1. : 1) : " ثم دعا تلاميذ الاثنى عشر وأعطاهم سلطاناً .." .

18-ووضع الرب بركة لمن يقبلهم ، وعقوبة لمن يرفضهم أويرذلهم :

وقال لهم : " من يقبلكم يقبلنى . ومن يقبلنى يقبل الذى أرسلنى " ( مت 1. : 4. ) " الذى يسمع منكم يسمع منى . و الذى يرذلكم يرذلنى . و الذى يرذلنى ، يرذل الذى أرسلنى " ( لو 1. : 16 ) . و جعل عقوبة الذين يرفضونهم أصعب من عقوبة سدوم ( لو 1. : 1. – 12 ) .

19-قال لهم : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الاب والابن و الروح القدس . وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " ( مت 28 : 19 ، 2. ) " اذهبوا إلى العالم أجمع ، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) ..

هؤلاء هم الذين أئتمنهم على خدمة الكلمة . ولم يعط هذه الخدمة لجميع الناس .

بل أعطاها لهؤلاء الذين قال لهم : " من يسمع منكم ، يسمع منى " ( لو 1. : 16 ) . ولم يقل الرب لجميع الشعب : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم " " اكرزوا بالإنجيل " .. لأن سلطان التعليم ليس للجميع ‍!

2.-وفى هذا الأمر يشهد القديس بطرس الرسول قائلاً :

" ليس لجميع الشعب ، بل لشهود سبق الله فانتخبهم . لنا نحن الذين أكلنا وشربنا معه .. وأوصانا أن نكرز للشعب ونشهد .. " ( أع 1. : 41 ، 42 ) .

ما أعجب عبارة : " ليس لجميع الشعب " .

إن خدمة الكلمة ، خدمة الكرازة ، ليست أمراً يتطفل عليه أى إنسان، إنما هى لأشخاص معينين أئتمنهم الرب على هذه الخدمة .. أما باقى الشعب فتنطبق عليهم عبارة : " كيف يكرزون إن لم يرسلوا "( رو 1. : 15 ) .

على أننا ستطرق هذا الموضوع بالتفصيل حينما نتكلم عن الكهنوت وخدمة التعليم . كذلك خدمة التعميد لم تكن لكل أحد ، إنما للذين قال لهم الرب " وعمدوهم " ثم لمساعديهم ، ولخلفائهم من بعدهم .

21-لم يعط الرب هذا السلطان لجميع الشعب ، وإنما أعطاه للرسل فى شخص بطرس ( مت 16 : 18 ) . ثم وجه الحديث لكل الرسل قائلاً : " الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء " ( مت 18 : 18 ) .

وبعد القيامة يقول الإنجيل أنه نفخ فى وجوهم وقال لهم : " اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 2. : 22 ، 23 )

22-قال لهم ، وليس لجميع الشعب : " هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم . اصنعوا هذا لذكرى " ( لو 22 : 19 ) . قال هذا للرسل وهم مجتمعون معه فى العلية يوم خميس العهد . ولهذا فإن بولس الرسول حينما يتعرض لهذا الأمر يقول :

" كأس البركة التى نباركها ، اليست هى شركة دم المسيح ؟ الخبز الذى نكسره ، أليس هو شركة جسد المسيح " ( 1كو 1. : 15 ) ..

فقال : " نبارك ونكسر " ولم يقل : تباركون وتكسرون .

لأن إقامة هذا الس ليست لكل أحد ، بل للكهنوت .

أما التناول منه فهو للكل ، لذلك قال : " لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين .. لا تقدرون أن تشتركوا فى مائدة الرب ومائدة شياطين " ( 1كو 1. : 21 ) . الرسل لهم اقامة هذا السر ، لأنهم باكورة الكهنوت .

23-كان وضع اليد لإقامة الخدام ، هو من عمل الرسل وحدهم ، ثم صار ايضاً من عمل خلفائهم الآساقفة .

1-ففى سيامة الشمامسة السبعة ، قال الرسول للمؤمنين : " انتخبوا أنتم سبعة رجال .. فتقيمهم ( نحن ) على هذه الحاجة .. الذين أقاموهم أمام الرسل ، فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى " ( أع 6 : 3- 6 ) ..

ولو كان كل الشعب كهنة ، ما كان هناك حاجة لإقامة هؤلاء السبعة أمام الرسل ليضعوا عليهم الأيادى .

ب-وبولس الرسول يقول لتميذه تيموثاوس الأسقف : " فلهذا السبب اذكرك أن تضرم أيضاً موهبة الله التى فيك بوضع يدى " ( 2تى 1 : 6 ) .

ج-وقال لهذا الأسقف : " لا تضع يدك على أحد بالعجلة ، ولا تشترك فى خطايا الآخرين " ( 1تى 5 : 22 ) .

ولو كان الكل كهنة ، فما لزوم وضع اليد هنا ؟!

د-كذلك أمر بولس الرسول تلميذه تيطس أسقف كريت قائلاً : " من أجل هذا تركتك فى كريت ، لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة ، وتقيم فى كل مدينة شيوخاً ( قسوساً ) كما أوصيتك " ( تى 1 : 5 ) .

ما معنى اقامتهم قسوساً ، مادام الكل كهنة فى عرفهم ؟!

هـ- أما العبارة التى قالها لتلميذه تيموثاوس : " لا تهمل الموهبة التى فيك ، المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدى المشيخة " ( 1تى 4 : 14 ) .

فبالاضافة إلى أن البروتستان يترجمون كلمة قسيس أو كاهن بكلمة شيخ كانت تطلق على الأساقفة أحياناً ، وعلى الرسل ايضاً ..

فبطرس الرسول يقول : " أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم ، أنا الشيخ رفيقكم و الشاهد لآلام المسيح " ( 1بط 5 : 1 )

ويوحنا الرسول يقول فى افتتاح رسالته الثانية و الثالثة : " الشيخ إلى كيريه " (2يو1 ) " الشيخ إلى غايس الحبيب " ( 3يو 1 ) .

إذن وضع اليد لإقامة الخدام فى كل رتب الكهنوت ، لم يكن لكل أحد ، إنما كان للرسل ولمساعديهم وخلفائهم من الأساقفة .

24-(أ) ففى قصة إيمان لسامرة ، كان أهلها قد تعمدوا ولم ينالوا الروح . وهنا يقول الكتاب ان الرسل : " أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا ، اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس .. حينئذ وضعا الأيادى عليهم ، فقبلوا الروح القدس " ( أع 8 : 14 –17 )

فلو كان الكل كهنة ، لكان ممكنا لأى أحد من المؤمنين أن يمنح أهل السامرة الروح القدس ، ولا حاجة إلى أن يرسل إليهم الرسل بطرس ويوحنا الرسولين .

(ب) نلاحظ نفس الوضع فى منح الروح القدس لأهل أفسس .

ما كانوا يعرفون شيئاً عن الروح القدس . ولكن " لما وضع بولس يديه عليهم ، حل الروح القدس عليهم .. " ( أع 19 : 6 ) .

إذن كان الرسل يمنحون الروح القدس ، سواء لرتب الكهنوت ، أو الناس ، الذى عرف فيما بعد بسر المسحة ( 1يو 2 : 2. ، 27 ) . ولم يكن هذا عمل عامة المؤمنين ، كما يعلمنا الكتاب .

وهذا الأمر أدركه حتى سيمون الساحر ، ولكنه أخطأ فى الوسيلة . ويقول الكتاب : " ولما رأى سيمون أنه بوضع أيدى الرسل يعطى الروح القدس ، قدم لهم دراهم " ( أع 8 : 18 ) .

فلو كان الكهنوت للكل ، لماذا كانت هناك حاجة أن يطلب الروح القدس من هؤلاء الناس بالذات ؟! .

25-يقول القديس بولس الرسول : " اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله " ( عب 13 : 7 ) " اطيعوا مرشديكم واخضعوا ، لأنهم سهرون لأجل نفوسكم ، كأنهم سوف يعطون حساباً .. " ( عب 13 : 7 ) .

وطبعاً هذا الكلام ليس للكل ، إنما للذين سيعطون حساباً عن الاهتمام بنفوس الآخرين

26-ويقول الرسول أيضاً : " نسالكم أيها الاخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ، ويدبرونكم فى الرب ، وبنذرونكم ، وأن تعتبروهم حميعاً فى المحبة " ( 1تس 15 : 12 ، 13 ) .

وعبارة : " تعرفون الذين .. يدبرونكم " معناها أنها ليست لكل أحد .

27-شرحت الاشتراطات الخاصة بالقس والأسقف فى ( 1تى 3 ) ، ( تى 1 : 5-9 ) . وشروط الشمامسة فى ( أع 6) وفى ( 1تى 3 : 8- 13 )

وهذه الاشتراطات فيها صفات روحية لازمة لجميع المؤمنين . ولكن فيها أيضاً اشتراطات خاصة ليست لازمة لكل أحد ، مثل أن يكون " بعل امرأة واحدة " ( 1تى 3 : 12 ) .9 ومثل عبارة : " ليختبروا أولاً ثم يتشمسوا ، إن كانوا بلا لوم ( 1تى 3 : 1. ) .

وبالنسبة إلى السقف ، عبارة أن يكون " صالحاً للتعليم " ، " غير حديث الإيمان " " له شهادة . حسنة من الذين من خارج " ( 1تى 3 : 2 ، 6 ، 7 ) . " ويكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين " ( تى 1 : 9 ) كل هذه صفات ليست للكل ..

وبالنسبة إلى قسيس يكون " بعل امرأة واحدة " ( تى 1 : 6 ) .

فلو كان الكل كهنة ، فما لزوم هذه الاشتراطات إذن ؟!

وأيضاً ما لزوم وضع اليد و الصلاة لاقامتهم للخدمة ؟

28-وذلك واضح فى ارسال شاول وبرنابا " فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ، ثم اطلقوهما بسلام " ( أع 13 : 3 ) .

وواضح وضع اليد و الصلاة فى سيامة الشمامسة " فصلوا ووضعوا عليهم الأيادى " ( أع 6 : 6 ) .

وإن كان الأمر لجميع الناس ، فما لزوم وضع اليد و الصلاة ، اختيار مجموعة معينة " انتخبوا أنتم سبعة رجال منكم " ( أع 6 : 3 ) .

ما لزوم هذا الطقس : صلاة – صوم – وضع يد . وطبعاً معه نطق خاص بالرتبة ويقام من شخص له سلطان ؟!

29- إن كان الكهنوت لكل أحد ، فهل يستطيع كل أحد من الشعب أن يعمد ، ويمنح الروح القدس للآخرين ، ويقيم الأساقفة و القسوس و الشمامسة ؟ ويعلم ويدبراً ؟!

وهل كل أحد له سلطان الحل و الربط ، وأن يغفر الخطايا أويمسكها ؟ وهل كل أحد له سلطان اقامة سر الافخارستيا .. وباقى الأعمال التى تميز بها الكهنة ؟

لم يحدث أن السيد المسيح أعطى السلطان على كل هذا لجميع الناس كما سبق وذكرنا

3.-لماشاء الله قبول كرنيليوس ، مع أنه كان رجلاً تقياً ، وقد صعدت صلواته وصدقاته إلى الله ، واستحق أن يرسل له الله ملاكاً يكلمة .. كان الارشاد الإلهى إليه هو : " ارسل إلى يافا رجالاً ، واستدع سمعان الملقب بطرس .. هو يقول لك ماذا ينبغى أن تفعل " ( أع 1. : 5 ، 6 ) .

وجاء بطرس الذى كان قد كلف بهذا العمل أيضاً من الله نفسه ( أع 1. : 2. ) .

إذن هناك أشخاص معينون لهذه الخدمة ، وليست هى لأى أحد أو للكل . وهذا بأمر من الله نفسه ، وبرؤى ، وبارشاد ملائكة ..

31-نفس الوضع نراه بالنسبة إلى شاول الطرسوسى ، الذى صار اسمه بولس الرسول فيما بعد ..

رأى اللمسيح شخصياً ، وآمن ، و اختاره الرب رسولاً للأمم ( أع 9 : 1- 18 ) ومع ذلك أرسله الرب إلى حنانيا فى دمشق ، الذى ظهر له الرب فى رؤيا يكلفه بهذه المهمة . بيد حنانيا نال شاول نعمة العماد ( أع 22 : 16 ) .

وقد حدث هذا التكليف الإلهى ، برؤيا مقدسة كلم فيها الرب حنانيا بالذات ، وكلفه بالعمل ..

هنا ونتذكر العبارة التى قالها القديس بولس الرسول عن الكهنوت المسيحى ، وهى شهادة فىالعهد الجديد :

" لا يأخذ أحد هذه الوظيفة ( الكرامة ) من نفسه ، بل المدعو من الله كما هارون ايضاً " ( عب 5 : 4 ) .

هذا هو الحق الإنجيلى ، أو الحق الكتابى ، لمن يريد أن يعرف الحق " ومن له اذنان للسمع فليسمع " ( مت 13 : 43 ) .

ولعله مما تجدر ملاحظته : آن الكهنوت فى العهد الجديد – كما فى العهد القديم – هو لجماعة مميزة ، وليس لجميع الناس .. جماعة مميزة بدعوة ، ومسحة ، واختيار ، وإرسالية ، ووضع يد ، وصلوات ، واشتراطات خاصة .. وجماعة لها درجات ، ولها ألقاب ، ولها اختصاصات ليست لجميع الناس .

أن هذه الجماعة التى يختارها الرب للكهنوت ، تقوم بأعمال مميزة لم يعهد بها الرب لكل الشعب . فلا يظن أحد أن الشعب كله كهنة ..!

وكذلك فإن أعضاء هذه الجماعة المدعوة من الله كما هرون ( عب 5 : 4 )

أعطاهم الرب سلطاناً خاصاً فى أمور معينة :

فلهم سلطان العماد ، ولهم سلطان التعليم ، ولهم سلطان الحل و الربط ،

ولهم تدبير الكنيسة ولهم وضع اليد لإقامة الخدام والإكليروس ، ولهم خدمة بيت الله

وهم وحدهم وكلاء سرائر الله ( 1كو4 : 1 ) ، وهم الذين يمنحون الروح القدس للمؤمنين ( أع 8 : 17 ، 18 ) ،

وليس عملهم مجرد تقديم الذبيحة ، بحيث يركز المعارضون للكهنوت على هذه النقطة وحدها ، كما لو كانت عمل الكهنوت الوحيد !!

* * *

1-وكــــلاء. 2-ســفراء. 3-مــلائكة 4-رعـــــاة. 5-آبـــــاء. 6-معلمون. 7-مرشدون 8-مدبرون. 9-كهنــــة.

الرسل – وخلفاؤهم الأساقفة القسوس الشمامسة .

إن كان جميع المؤمنين كهنة ، وإن كانوا جميعهم متساوين ، فلماذا إذن كل هذه الوظائف المميزة : وكلاء ـ سفراء – ملائكة – ورعاة –آباء – معلمين – مرشدين – مدبرين – كهنة . وواضح طبعاً أن كل هذه الوظائف لم تكن لجميع المؤمنين ، وإنما لمجموعة مميزة منهم .. ؟!

لأنه إن كان الجميع وكلاء ، فمن يكون باقى الناس إذن ؟ وإن كان الكل رعاة ، فمن يكون أفراد الرعية ؟! ولو كان الكل آباء ، فمن يكون الأبناء ؟! وإن كان الكل معلمين ، فمن الذين يتتلمذون عليهم ؟! وهكذا مع باقى الصفات .

وطبعاً هذا يدل على أن رجال الكهنوت كانوا مجموعة مميزة بوظائف ليست للكل . وهذا يرد على اعتراض المساواة ..

وبنفس الاسلوب نقول إنه واضح من الكتاب أن كل المؤمنين لم يكونوا أساقفة وقسوساً وشمامسة.

نحاول إذن فى الصفحات المقبلة أن نتناول كل لقب وكل وظيفة من هذه التسع التى ذكرناها ، ونورد النصوص التى تؤيدها من آيات الكتاب ، حتى يكون كل ما نقوله مؤسساً على الحق الكتابى أو الحق والإنجيلى .

1-السيد المسيح وصف الرسل الاثنى عشر بأنهم وكلاء .

وهذا واضح من مثل السهر والاستعداد . لأنه لما قال بطرس : " يا رب . النا تقول هذا المثل ، أم للجميع ايضاً؟" أجابه الرب : " يا ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم ، الذى يقيمه سيده على عبيده ، ليعطيهم فى حينة " ( لو 12 : 42 ) .

أمامنا فى هذه الآية : وكيل ، وعبيد . والوكيل مقام من السيد على هؤلاء العبيد و السيد نفسه هو الذى أعطاه هذه الصفة وهذه المسئولية ، وكلفه بأن يعطى عبيده طعامهم الروحى .

2-إذن هنا تمايز ، فليس الكل وكلاء ، وليس الكل متساوين ..

نقول هذا على الرغم من أن الوكيل هو أيضاً عبد كالباقين ، إذ يقول الرب عنه : " طوبى لذلك العبد ، إذا جاء سيده ووجده يفعل هكذا " ( لو 12 : 43 ) . ولكنه متميز عن باقى العبيد ، من جهة عمله و اختصاصاته ، ومسئوليته عنهم أمام سيد الكل الذى اقامة عليهم .

3-فإنكان هذا الوكيل يعطى الطعام الروحى لهذا الشعب فى حينه ، و الشعب باستمرار –عبر الأجيال كلها – يحتاج إلى الطعام الروحى ، إذن لابد من وكلاء يستمرون فى اعطاء الشعب طعامه ، إلى أن يأتى رب الكل – فى مجيئه الثانى – فيجدهم يفعلون هكذا ..

4-أيستطيع المؤمنون بعد كل هذا كل هذا ، أن يقولوا كلنا وكلاء ، ولا فارق ؟! لأننا كلنا ملوك وكهنة !! وهكذا يقومون بحركة ثورة وتمرد ، لا تتفق مع التعليم الإنجيلى ..! أم أنهم فى اتضاع قلب ، وفى تسليم لتعليم الرب نفسه فى كتابه ، يخضعون لهذا الوكيل ، الذى أقامة الرب على عبيده ، وكلفه بأن يعطيهم طعامهم فى حينه ، وقال عنه إن عقوبة شديدة تحل على هذا الوكيل إن هو أهمل العناية بالناس ..؟ ( لو 12 : 46) .

5-على أن الوكالة لم تكن فقط للرسل الاثنى عشر . إنما بولس الرسول وكل مساعديه كانوا أيضاً وكلاء.

قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملائه :

"هكذا فليحبنا الإنسان كخدام المسيح ، ووكلاء سرائر الله . ثم يسال فى الوكلاء ، لكى يوجد الإنسان امينا" ( 1كو 4 :1، 2 )

6-هنا سرائر الله . وخدام له وكلاء عليها ، على أسرار الكنيسة . وليس الكل وكلاء على السرائر الإلهية . بل قال الرسول هذا فى معرض الحديث عن نفسه وعن أبولس (1كو 4 : 6 ) .

7-على أن القديس بولس ، لم يتكلم عن نفسه كوكيل من جهة سرائر الله فقط وإنما من جهة التعليم أيضاً ، لأنه استؤمن فيه على وكالة .

فقال : إن كنت أبشر فليس لى فخر ، إذ الصرورة موضوعة على . فقد استؤمنت على وكالة ، فويل لى إن كنت لا أبشر " ( 1كو 9 : 16 ، 17 ) .

8-إذن لا يستطيع أحد أن يقول مع بولس الرسول : " ويل لى إن كنت لا أبشر " ، ما ما لم يكن قد استؤمن على وكالة .

تقول : وماذا أفعل فى الغيرة المقدسة التى فى قلبى ، من جهة أن يؤمن الناس ، فلابد أن اكرز لهم ؟

أقول لك : حسنة هذه الرغبة ومقدسة ، ولكن يجب أن تفعل هذا من خلال الكنيسة . هى ترسلك لتبشر ، بعد أن تمنحك إحدى درجات الشماسية ..

لعلك تتعجب وتستثقل الأمر ، وتريد أن تعمل من خارج الكنيسة بمفردات مستقلاً !! إذن اسمع الحق الكتابى :

" كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا ؟! " ( رو 1. : 14 ، 15 ) .

وأنت إذن كيف تكرز إن لم ترسل حسب قول الرسول ؟!

على كل نؤجل هذا الموضوع الآن ، ونرجع إلى صفة رجال الكهنوت كوكلاء فنقول :

9- لم يطلق لقب الوكلاء على الاثنى عشر فقط ، وإنما على بولس أيضاً ، و على مساعديه . وأيضاً على الأساقفة .

فقيل : " ليكن الأسقف بلا لوم كوكيل لله " ( تى 1 : 7 ) .

السيد المسيح هو صاحب الكرم ، أقام عليه وكلاء ( مت 2. :8 ) و الوكلاء هم الرسل ، كما وكل الأنبياء من قبل ( ار 1 : 1. ) . و الرسل أقاموا أساقفة ، سماهم الكتاب ايضاً وكلاء ( تى 1 : 7 ) . وهؤلاء الأساقفة أقاموا قسوساً وشمامسة

1.-هؤلاء كلهم يعملون باسم الله وسلطانه . لأن التوكيل الذى منحهم إياه ، يحمل تفويضاً منه لهم فى العمل .

هم يمثلونه على الرض . لذلك قال لهم : " الذى يسمع منكم ، يسمع منى . و الذى يرذلكم يرذلنى " ( لو 1. : 16 ) " من يقبلكم يقبلنى ´ مت 1. : 4. ) .

إنهم مفرضون منه ، ليكملوا العمل الذى بدأه . لذلك هم أيضاً يدعون سفراء .

يقول القديس بولس الرسول فى ( 2كو 5 : 2. ) :

"الله كان فى المسيح مصالحاً العالم لنفسه .. إذن نسعى كسفراء للمسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " . مع الله الذى "أعطانا خدمة المصالحة " ( 2كو 5 : 18 ) .

عمل المصالحة قام به السيد المسيح ، الذى أقام صلحاً بين الله و العالم ( 2كو5 : 19 ) . وعمل المصالحة مستمر ، لأن الإنسان دائماً يخطئ وينفصل عن الله . وعمل المصالحة هذا عهد به الرب إلى خدامه ، رجال الكهنوت ، وكلاء الله على الأرض ( تى 1 : 7 ) يسعون كسفراء للمسيح ، يقولون للناس : تصالحوا مع الله .

السفير يقوم بعمل المصالحة . و الفير أيضاً يوصل كلمة الله إلى الناس . وهذا العمل المزدوج قام به الرسول :

فقال : " لأعلم جهار بسر الإنجيل ، الذى لأجله أنا سفير فى سلاسل " ( أف 6 : 2. ) . و لا يزال هذا العمل المزدوج مستمراً

1-أطلق هذا اللقب على رجال الكهنوت ، وقد قيل هذا فى وضوح عن يوحنا المعمدان كاهن ما بين العهدين ، ابن زكريا الكاهن .

قال عنه الله : " ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكى ، الذى يهيئ طريقك قدامك " ( مر1 : 2 ، ملا 3 : 1 ) .

و الملاك هو رسول بين السماء والأرض . كما قال القديس بولس عن الملائكة : " أليسوا جميعاً أرواحاًَ خادمة ، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " ( عب 1 : 14 ) .. هكذا أيضاً الكهنة : شخصيات خادمة ، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص . انهم – كالملائكة – منفذو مشيئة الله على الأرض .

2-وأطلق لقب ملائكة على رعاة ( أساقفة ) الكنائس السبع التى فى آسيا ، فقيل إنهم ملائكة الكنائس . وهذا اللقب صدر من فم الرب نفسه ..

فقال لتلميذه القديس يوحنا : اكتب إلى ملاك كنيسة أفسس .. إلى ملاك كنيسة سميرنا .. إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا .. ( رؤ2 : 3 ) ..

وطبعاً لا يمكن أن يدعى كل المؤمنين أنهم ملائكة الكنائس ، وانهم وكلاء الله ، وسفراء المسيح . وإلا كان كل منهم " يرتئى فوق ما ينبغى .. " ( رو 12 : 3 )

3-ولكن لعل البعض يعترض قائلا:

كيف نسمى رجال الكهنوت ملائكة ، ولهم أخطاء ؟!

ونحن نجيب : هكذا السيد المسيح سمى كهنة كنائس آسيا ملائكة ، فى نفس الوقت الذى ذكر فيه أخطاءهم ..

قال الرب عن ملاك كنيسة أفسس : " اذكر من أين سقطت وتب " ( رؤ 2 : 5 ) فعلى الرغم من السقوط ، و لحاجة إلى التوبة ، وتركه لمحبته الأولى ، سماه ملاكاً ، لأن هذه وظيفته ككاهن .

وقال لملاك كنيسة ساردس : " أنا عارف أعمالك ، أن لك اسماً أنك حى وأنت ميت " ( رؤ 3 : 1 ) . انه ملاك الكنيسة ، حتى لو كان فى هذه الحالة المؤسفة جداً .

وبنفس الوضع كان ملاك كنيسة لاودكية يحمل لقب ملاك ، أو وظيفة ملاك ، على الرغم من قول الرب ل9 : " هكذا لأنك فاتر ،وليست حاراً ولا بارداً ، أنا مزمع أن أتقياك من فمى " ( رؤ 3 : 16 ) .

حياة الكاهن شئ . ومسئولياته وسلطاته شئ آخر . إن وضعه الكهنوتى لا يتغير بسبب خطيئته كإنسان . إننا لا نؤمن بعصمة الكاهن ، لكننا نعتقد بسلطانه .

4-إن العصمة لله وحده . و الفحص فى سلوك الناس وديونتهم ، أمور من اختصاص الله ، هو وحده الفاحص القلوب و الكلى ( رؤ 2 : 23 ) . فمن أنت أيها الإنسان يا من تدين غيرك ( رو 14 : 4 )

5-ومع ذلك إن حوربت بإدانه أحد الآباء الكهنة ، فتذكر قول الكتاب عن ايليا النبى العظيم الذى أغلق لسماء وفتحها : " إيليا النبى العظيم الذى أغلق السماء وفتحها :

" ايليا كان إنساناً تحت الآلام مثلنا " ( يع 5 : 17 ) .

6-واقرأ قصة " يهوشع الكاهن العظيم " الذى مع انه كان فى خطية ، لابساً ثياباً قذرة " إلا أن ملاك الرب إنتهر الشيطان من أجله قائلا : " لينتهرك الرب يا شيطان لينتهرك الرب .. أليس هذا شعلة منتشلة من النار " ( زك 3 : 2 ، 3 ) .

واستخدام الوحى الإلهى عبارة " الكاهن العظيم " على الرغم من خطيئته . وقال له : " قد أذهبت عنك إثمك ، وألبسك ثياباً مزخرفة " ( زك 3 : 4 ) .

وإن الكاهن هو ملاك الكنيسة بحكم وظيفته . و المفروض أن يكون كالملاك فى نقاوته . وترمز إلى هذا الثياب البيضاء التى يلبسها أثناء الخدمة . ومع ذلك ، فحتى إن أخطأ فلا يزال هو ملاك الكنيسة . وسنضرب مثالاً آخر ، ولو أنه بعيد عن الكهنوت ، ولكن نذكره من جهة الشبه .

7-مثال شاول الملك ، ولقبه " مسيح الرب " .

قام سموئيل النبى بمسح شاول ملكاً ، فصار مسيحاً للرب . ثم أخطأ شاول ، ورفضه الرب وقيل عنه : " وذهب روح الرب من عند شاول ، وبغته روحى ردئ من قبل الرب " ( 1صم 16 : 14 ) . وكان الشيطان يصرعه ويبغته . فيضرب داود له على العود ليهدأ ( 1صم 16 : 23 ) .

وشاول هذا اضطهد داود وظلمة ، وحاول قتله أكثر من مرة . ولما وقع فى يد داود ، نصحة رجاله أن يقتله ، قال داود موبخاً رجاله على نصيحتهم الخاطئة :

" حاشا لى من قبل الرب ، أن أعمل هذا الأمر بسيدى مسيح الرب ، فأمد يدى إليه ، لأنه مسيح الرب هو " ( 1صم 24 : 6 ) .

وكان يحترمه كمسيح للرب ، على الرغم من كل شروره . ولما مات شاول بكاه داود ورثاه . وعاقب الشخص الذى انهى عليه قائلاً له :

كيف لم تخف أن تمد يدك لتهلك مسيح الرب " ( 2صم 1 : 14 ) .

وهكذا ظل لقب " مسيح الرب " هو لقب شاول الملك ، حتى بعد موته ، على الرغم من رفض الرب له ، وعلى الرغم من أخطائه العديدة .. إننا هنا نتكلم عن الوضع السليم ، حسب تعليم الكتاب ، وحسب امثولة رجال الله القديسين ، كداود ..

نطرق نقطة أخرى من صفات رجال الكهنوت وهى :

وقد اطلق هذا اللقب على الآباء الرسل ، ثم أيضاً على الاباء الأساقف و حسب تعليم الكتاب المقدس .

قال السيد المسيح لبطرس : " ارع غنمى .. ارع خرافى " ( يو 21 : 15 ، 16 )

وقال القديس بولس الرسول لأساقفة أفسس : " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه " ( أع 2. : 28 ) .

وهذا الآية واضحة فى الربط بين الأسقفية وعمل الرعية .

وهذا الربط يظهر ايضاً فى قول القديس بطرس الرسول عن ربنا يسوع المسيح : " ارعى نفوسكم واسقفها " ( 1بط 2 : 25 ) .

ونفس الوضع فى حديث القديس بطرس الرسول إلى اساقفة الشتات حيث يقول لهم : " ارعوا رعية الله التى بينكم نظاراً (1) .. لا كمن يسود على الأنصبة ، بل صائرين أمثلة للرعية . ومتى طهر رئيس الرعاة تنالون إكليل المجد الذى لا يبلى " ( 1بط 5 : 2- 4 ) . وفى توزيع الرتب و المسئوليات ، قال القديس بولس إن الله :

" أعطى البعض أن يكونوا رسلاً ، و البعض أنبياء ، و البعض مبشرين ، و البعض رعاة ومعلمين .. لعمل الخدمة ، لبنيان جسد المسيح " ( أف 4 : 11 ، 12 ) .

رجال الكهنوت فى كل درجاتهم يدعون آباء .

ومع ذلك يعترض البعض على ذلك بقول الرب لتلاميذه : " ولا تدعوا لكم أباً على الأرض ، لأن أباكم واحد الذى فى السموات " ( مت 23 : 9 ) .

لذلك رأينا من الأفضل أن نخصص فصلاً خاصاً عن هذا الموضوع ، نتحدث فيه عن الأبوة الروحية التى للكهنوت ( انظر الفصل الخامس من هذا الكتاب ) .

ـــــــــــــــــــــــ

(1) كلمة أسقف ( ابسكوبس باليونانية ) تترجم أيضاً ناظر . فالأساقفة نظار. يشبهها قول الرب فى سفر حزقيال : " قد جعلتك رقيباً لبيت إسرائيل . فاسمع الكلمة من فمى ، وانذره من قبلى " ( حز 3 : 17 ، 23 : 7 ) .

ليس لكل أحد سلطان أن يعلم ، بل للذين أعطى لهم .

لذلك قيل فى ( رو 12 : 7 ) : " أم المعلم ففى التعليم " . وقال القديس بولس إن الله : " وضع فى الكنيسة أولاً رسلاً ، ثانياً أنبياء ، ثالثاً معلمين " ( 1كو 12 : 28 ) . وقال أيضاً : " إنه أعطى البعض أن يكونوا رسلاً ، و البعض أنبياء و البعض مبشرين ، و البعض رعاة ومعلمين " ( أف 4 : 11 ) .

وهذه الآية تربط بين الرعاية و التعليم . ولما كان الأساقفة هم الرعاة ، لذلك نجد من شروط السقف أن يكون " صالحاً للتعليم " ( 1تى 3 : 2 )

وفى الرسالة إلى تيطس ، يقول القديس بولس عن الأسقف ، إنه يجب أن يكون " ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم ، لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقصين " ( تى 1 : 9 ) .

ويوقول للقديس تيطس أسقف كريت : " وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين " ( تى 1 : 9 )

ويقول للقديس تيطس كريت : " وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح " ( تى 2 :1 ) .

ويقول للقديس تيموثاوس أسقف أفسس : " اكرز بالكلمة . اعكف على ذلك فى وقت مناسب وغير مناسب . وبخ انتهر عظ ، بكل أناة وتعليم " ( 2تى 4 : 2 ) " لاحظ نفسك و التعليم ، وداوم على ذلك .. " ( 1تى 4 : 16 ) .

وعمل التعليم مرتبط بالكهنوت منذ العهد القديم ( ملا 2 : 7 ) . وفى العهد الجديد صار للرسل ، والأساقفة وباقى رجال الكهنوت .

المسيح إلهنا المعلم الصالح ، عهد إلى الرسل بالتعليم ، حينما قال لهم : " اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " ( مر 16 : 15 ) " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم .. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " ( مت 28 : 19 ، 2. ) . و الرسل سلموا التعليم للأساقفة ، وأمروهم أن يعلموا الشعب .

وهؤلاء رسموا قسوسا وشمامسة ، ليكونوا أمناء على التعليم . وفى ( 1تى 5 : 17 ) يتحدث الرسول عن القسوس : " الذين يتعبون فى الكلمة و التعليم " .

وبقيت عبارة العهد القديم قائمة : " من فم الكاهن تطلب الشريعة " .

أو كما ورد فى سفر ملاخى النبى : " لأن شفتى الكاهن تحفظان معرفة . ومن فمه يطلبون الشريعة ، لأنه رسول رب الجنود " ( ملا 2 : 7 ) .

حقاً ، ما أعجب هذا الوصف الذى قيل هنا عن الكاهن إنه " رسول رب الجنود " .

ليس عمل الكاهن إذن مقتصراً على تقديم الذبائح ، إنما من أهم أعمالة : التعليم ..

لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة . و الشريعة موجودة كما فى العهد القديم ، كذلك أيضاً فى العهد الجديد ، تحتاج إلى من ينقلها إلى سماع وافهام الناس .

ولكن البعض يريدون أن يتعلموا من الروح القدس مباشرة! ويفهمون خطأ قول الكتاب : " ويكون الجميع متعلمين من الله " ( يو 6 : 45 ) .

إن كان الله يريدنا أن نتعلم منه مباشرة ، فلماذا إذن أعطى البعض أن يكونوا معلمين ( أف 4 : 11 ) ؟

ولماذا وضع فى الكنيسة معلمين ( 1كو 12 : 28 ) ؟ ولماذا أمر الساقفة بالتعليم ( 1تى 4 : 16 ) ؟ ولماذا أمر بالوعظ و الكرازة ( 2تى 4 : 2 ) ؟

عبارة " يكون الجميع متعلمين من الله " نفهمها بآية أخرى هى : " الذى يسمع منكم ، يسمع منى " ( لو 1. : 16 ) .

أى أن التعليم يكون مصدره هو الله ، وشريعته التى تخرج من فم الكاهن ، وليس من الهراطقة أو المبتدعين أو الأنبياء الكذبة ، أو مدعى العلم و المعرفة وليس من الحية التى تكلمت فى أذن الإنسان الأول ، وليس من الذات .. إنما إن تعلمت من وكيل الله ، يكون التعليم هو من الله ، الذى قال لوكلائه : " لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم " ( مت 1. : 2. ) .

أما أن ينتظر كل مؤمن أن يكلمة الله مباشرة فى كل صغيرة وكبيرة ، ويصبح كل واحد من رجال الوحى ، فهذه كبرياء مستترة ترفض سماع التعليم . وهؤلاء لا نضمن ما هو الروح الذى سيكلمهم !

هوذا يوحنا الرسول يقول فى صراحة كاملة : " لا تصدقوا كل روح ، بل امتحنوا الأرواح هل هى من الله .. " ( 1يو 4 : 1 ) .. العل الجميع – عل مختلف مستوياتهم . لهم موهبة تمييز الأرواح ؟!

على أن هذه النقطة تحتاج إلى شرح كثير. فكل الطوائف لها اجتماعات للوعظ و التعليم ، ولها رجالها المسئولون عن تعليم الشعب ..

هنا ونقف أمام آية تحتاج إلى شرح وهى قول الرب لتلاميذه القديسين :

" ولا تدعوا معلمين . لأن معلمكم واحد هو المسيح " ( مت 24 : 1. ) .

لا يقصد السيد المسيح اطلاقاً الغاء التعليم ، لأنه دعا إلى ذلك بقوله : " وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أو صيتكم به " ( مت 28 : 19 ) . ولا يتفق الغاء التعليم مع الحق الكتابى ، ولا مع نشر الإيمان ، ولا مع إرسال الله للأنبياء ، ولا مع قوله عن الكاهن إن " من فمه يطلبون الشريعة " ( ملا 2 : 7 ) .

إنما عبارة : " معلمكم واحد هو المسيح " قالها السيد لرسله فقط ، وليس لجميع الناس . وتنطبق ايضاً على خلفائهم .

وبنفس المعنى قال : لا تدعوا لكم أباً ، ولا تدعوا سيدى . أما باقى المؤمنين ، فلهم آباء روحيون ، ولهم معلمون ، فهكذا تعليم الكتاب بعهديه القديس و الحديث .

هناك كلام كان الرب يقوله لتلاميذه فقط ، وكلام آخر يقوله لجميع الناس . لذلك قال له بطرس فى مثل السهر والاستعداد :

" يا رب ألنا تقول هذا المثل أم للجميع أيضاً " ( لو 12 : 41 ) .

أما الذين يقدمون آية وواحدة ، لينشروا بها تعليماً ، تاركين باقى آيات الكتاب التى يتكامل بها المعنى ن فهؤلاء يوبخهم الرب قائلاً :

" لا تضلوا إذ لا تعرفون الكتب " ( مت 22 : 29 ، مر 12 : 24 ) .

فى كل تعليم إذن ، علينا لكى نفهم المعنى ، أو نتعمق فيه ، أن نجمع الآيات الخاصة بهذا الموضوع " قارنين الروحيات بالروحيات " ( 1كو 2 : 13 ) فى غير تحيز أو تعصب . ننتقل إلى نقطة أخرى من عمل رجال الكهنوت وهى انهم :

1-يتكلم القديس بولس الرسول فى ( عب 13 ) عن المرشدين فيقول :

"اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله . انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم " ( عب 13 : 7 ) ويقول أيضاً : " اطيعوا مرشديكم واخضعوا ، لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم ، كأنهم سوف يعطون حساباً ، لكى يفعلوا ذلك بفرح ، غير آنين أن هذا غير نافع لكم "( عب 13 : 17 ) .

2-وواضح هنا أنه لا يتكلم عن مرشدين عاديين ، وإنما عن أشخاص من رجال الإيمان ، وهم فى موضع المسئولية . ويجب لهم الخضوع والطاعة .

ليسوا هم أشخاصاً عاديين تأخذون منهم إرشاداً . لأنهم " يسهرون لأجل نفوسكم " ولأنهم يتصرفون بأسلوب من " يعطى حساباً " . وهم يئنون لم تستجيبوا للإرشاد .

وكل هذا يدل على أنهم فى موضع المسئولية ، أو فى موقف الآباء الروحيين ، الذين يتمثل المسترشدون وبإيمانهم . كما أن الطاعة و الخضوع هما لمن يكونون فى هذا المستوى .

3-ومن جهة عمل الكهنة كمدبرين ، يقول القديس بولس :

" أما الشيوخ ( أو القسوس ) المدبرون حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ، ولا سيما الذين يتعبون فى الكلمة و لتعليم " ( 1تى 5 : 7 ) . ويقول : " المدبر فباجتهاد .

و المدبر Hegwman أو ايغومانوس ، ويمكن أن تترجم قمص .

وهذا أيضاً ليس للكل . إنما للمجموعة الميزة التى ذكرناها . ولذلك يقول القديس بولس عن المدبرين :

" ثم نسالكم أيها الاخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم ويدبرونكم فى الرب وينذرونكم . وأن تعتبروهم كثيراً جداً فى المحبة " ( 1تس 5 : 12 ) .

وواضح أن هذا ليس للكل . و التدبير فى الرب ، هو التدبير الروحى أو الكنسى الخاص بعلاقة الناس بالرب ، ولذلك قال أيضاً : " وينذرونكم " .. يضاف إلى هذا أنه قال عن هؤلاء المدبرين فى ( 1تى 5 : 17 ) " " ولا سيما الذين يتعبون فى الكلمة و التعليم ". إذن هم ليسوا من العلمانيين ، وإنما من خدام الكلمة . تضاف كذلك عبارة " الشيوخ " وهى ترجمة لكلمة ( قسوس ) أيضاً .

1-رجال الكهنوت ، فى كل درجاته ، دعوا كهنة .

تماماً – كما فى الجيش – من القائد العام إلى العسكرى العادى ، كل منهم يلقب بأنه رجل عسكرى .

2-السيد المسيح دعى كاهنا ، ودعى أيضاً رئيس كهنة ، بصفته رئيسالكل كهنة العهد الجديد .

قيل إنه : " كاهن إلى الابد على طقس ملكى صادق " ( عب 7 : 21 ، مز 11. : 4 ) . وفى نفس الوقت قيل عنه إنه رئيس كهنة : " لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب 7 : 26 ) " رئيس كهنة مثل هذا ، قد جلس فى يمين عرش العظيمة فى السموات " ( عب 8 : 1 ) . انظر أيضاً ( عب : 14 ، 5 ، 1. ، 8 : 3 ) ..

3-بولس الرسول دعى كاهنا ( رو 1 : 16 ) .

وكلمة قسيس تكررت كثيراً فى العهد الجديد ، وكذلك كلمة كاهن ، ولكن الاخوة البرتستانت يترجمونها شيخاً . ولكنها فى الترجمة الكاثوليكية ليست كذلك .. وسنضرب امثله لذلك :

( 1تى 5 : 17 ) – الترجمة الكاثوليكية – " و الكهنة الذين يقومون بعملهم قياماً حسناً يستحقون اكراماً مضاعفاً " .

-الترجمة البروتستانتية – " أما الشيوخ المدبرون حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة " .

( 1تى 5 : 19 ) – الترجمة الكاثوليكية – " لا تقبل الشكوى على كاهن ، إلا بشهادة شاهدين أو ثلاثة " .

-الترجمة البروتستانتية – " لا تقبل شكاية على شيخ ، إلا على شاهدين أو ثلاثة شهود " .

" 1تى 1 : 5 ) – الترجمة الكاثوليكية – " تركتك فى اقريطش ، لتتم فيها تنظيم الأمور ، وتقيم كهنة فى كل بلدة كما أوصيتك " .

( يع 5 : 14 ) – الترجمة الكاثوليكية – " هل فيكم مريض ؟ فليدع كهنة الكنيسة ، ليصلوا عليه ، بعد أن يدهنوه بالزيت " .

-الترجمة البروتستانتية – " أمريض أحد بينكم ، فليدع شيوخ الكنيسة ، فيصلوا عليه ويدهنوه بالزيت " .

( 1تى 4 : 14 ) – الترجمة الكاثوليكية - ´لا تهمل الهبة الروحية التى فيك فقد أوتيتها بالنبوة حين وضع جماعة الكهنة أيديهم عليك " .

-الترجمة البروتستانتية – " لا تهمل الموهبة التى فيك ، المعطاة لك بالنبوة مع وضع ايدى المشيخة" .

نلاحظ أن الأخوة البروتستانت ، كما يترجمون كلمة قسيس أو كاهن إلى شيخ لمحاربة الكهنوت ، كذلك يعملون العكس ، فيترجمون كلمة شيخ إلى قسيس للخلط بين ربتة القسيس ورتبة الأسقف .

وسنضرب لذلك مثالين :

( أع 2. : 17 ، 28 ) – الترجمة الكاثوليكية – " فأرسل من ميليطس يستدعى شيوخ الكنيسة فى افسس .. " وهنا يترجمها البروتستانت " قسوس الكنيسة " ويكملون فى ( ع 28 ) " التى أقامكم الروح القدس عليها اساقفة " يترجمونها هكذا ليثبتوا أن الأسقف هو القس ، الأمر الذى سنرد عليه فى الصفحات المقبلة بمشيئة الرب .

كلمة كهنة تشمل كل درجات الكهنوت فى لغة الكتاب .

وكذلك الترجمة الخاصة بكلمة " شيوخ " فقد يكون الشيخ أسقفاً أو قساً ، أو رسولاً

و الرسل اطلق على بعضهم كلمة شيخ ، كبطرس ويوحنا .

1-مثل ذلك قول بطرس الرسول : " أطلب إلى الشيوخ الذين بينكم ، أنا الشيخ رفيقهم ، و الشاهد لآلام المسيح .. أرعوا رعية الله التى بينكم نظاراً .. " ( 1بط 5 : 1 ، 2 ) .

وعبارة ارعوا رعية الله ، تدل على انهم كانوا أساقفة ، لأن الأساقفة كانوا هم الرعاة ، كاتدل على ذلك أيضاً كلمة " نظاراً " .

ب-ويوحنا الرسول يقول فى مستهل رسالته الثانية و الثالثة :

"الشيخ إلى كيرية المختارة " ( 2يو 1 ) .

" الشيخ إلى غايس الحبيب " ( 3 يو 1 ) .

وفى الترجمة الكاثوليكية ( الحبر ) وهو لقب لرئيس الكنيسة .

1-ونقصد بها الدرجات التى تؤخذ بوضع اليد من الكنيسة ، بصلوات خاصة و أصوام ، ومعها موهبة من الروح القدس .

2-وكلها درجات كتابية ، ذكرت فى الكتاب المقدس ، ونعنى بها : الأسقفية ، و القسيسة، و الشماسية . وكلها وردت فى الإنجيل المقدس . وقد ورد فى الدسقولية إن الأساقفة رعاة ، و القسوس معلمون ، و الشمامسة خدام .

3-وأول أساقفة فى الكنيسة ، هم الآباء الرسل القديسون .

ولكنهم كانوا أساقفة بالمعنى المسكونى ، وليس بالمعنى المكانى . أم القديس يعقوب الرسول فكان أسقفاً لأورشليم .

4- وقد اطلق لقب " أسقف " على السيد المسيح نفسه ..

وفى ذلك قال معلمنا القديس بطرس الرسول : " لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعى نفوسكم وأسقفها " ( 1 بط 2 : 25 ) .

5-وحسناً ألأن ترتبط هنا الرعاية والأسقفية معاً .

و السيد المسيح هو الراعى الصالح ( يو 1. : 11 ) . وهكذا يكون هو أسقف نفوسنا . الأساقفة قد فوضهم السيد المسيح ، أن يقوموا بالعمل الرعوى الذى يعمله هو عن طريقهم .

ومن الآمثلة الأخرى التى اجتمع فيها اللقبان : الأسقف و الراعى ، قول بولس الرسول لأساقفة أفسس : " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه " ( أع 2. : 28 ) . و نلاحظ هنا أن الأساقفة الرعاة مقامون من الروح القدس .

6-و الرسل أيضاً كانوا رعاة أساقفة ، أو رؤساء اساقفة كما كان الرسل كذكلك كهنة ورؤساء كهنة .

هم أساقفة من جهة الكهنوت ، وهم رؤساء أساقفة من جهة علاقتهم بأبنائهم وخلفائهم الأساقفة .

وكذكك بنفس المعنى تماماً ، هم كهنة ورؤساء كهنة : كهنة من جهة عملهم الكهنوتى ، ورؤساء كهنة من جهة رئاستهم على كل درجات .

7-والأساقفة هم ايضاً وكلاء الله .

وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول إلى تلميذه تيطس أسقف كريت : " يجب أن يكون الأسقف بلا لوم ، كوكيل الله " ( تى 1 : 7 ) .

وبهذا المعنى يكون الرسل أيضاً أساقفة ، كوكلاء الله .

وفى هذا قال القديس الرسول عن نفسه وعن مساعدية العاملين معه : " هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ، ووكلاء السرائر الإلهية . ثم يسأل فى الوكلاء لكى يوجد الإنسان أميناً " ( 1كو 4 : 1 ، 2 ) .

إذن الرسل اساقفة باعتبارهم رعاة ، و باعتبارهم وكلاء الله ، وأيضاً من جهة طبيعة عمله الكهنوتى .

وجميع رؤساء الكهنة الحاليين ، ما هم إلا وكلاء لرئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع المسيح ، وهم كرعاة ووكلاء لرئيس الرعاة ( 1بط 5 : 4 ) . هم وكلاء للرب فى عمل الرعاية وباقى أعمال الكهنوت بما فى ذلك التعليم وخدمة السرائر الإلهية .

وطبعاً ليس جميع الناس وكلاء الله ، وليسوا جميعهم رعاة وأساقفة . و بالتالى لا يكون الجميع كهنة كمال يدعى البعض . يضاف إلى هذا :

8-إن الكتاب المقدس يشرح الشروط اللازمة لدرجة الأسقفية .

ويوقول من بينها إنه يجب أن يكون " صالحاً للتعليم " " غير حديث الإيمان لئلا يتصلف " " له شهادة حسنة من الذين هم من خارج " ( 1تى 3 : 2- 7 ) . ويقول عنه فى الرسالة إلى تيطس : " ملازماً للكلمة الصادقة التى بحسب التعليم ، لكى يكون قادراً أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين " ( تى 1 : 9 ) .

9-وهذه الصفات لا يشترط طبعاً أن تكون لجميع الناس .

ومن هذه الصفات أيضاً أن يكون " بعل امرأ واحدة " ( ( تى 1 : 6 ) . " يدبر بيته حسناً ، له أولاد فى الخضوع بكل وقار . وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته ، فكيف يعتنى بكنيسة الله " ( 1تى 3 : 4 ، 5 ) .

وهذا الصفات ليست لجميع من اختصاصهم العناية بكنيسة الله .

1.-وإن قال أحد إن الأساقفة حالياً غير متزوجين ..

نجيب بأنه فى العصر الرسولى ، ما كان يمكن أن يحرم من خدمة الكهنوت الأشخاص القديسون الذين سبق لهم الزواج ، قبل أن تنظم البتولية الخاصة بهذه الخدمة ، مثل بطرس الرسول مثلاً ..

ثم بدأ القديس بولس الرسول يشرح أهمية البتولية ويحث عليها بقوله : " ولكن أقول لغير المتزوجين وللأرامل : إنه حسن إذا لبثوا كما أنا " " أريد أن تكونوا بلا هم . غير المتزوج يهتم فيها للرب كيف يرضى الرب . وأما المتزوج فيهتم فى ما العالم كيف يرضى امراتة " ( 1كو 7 : 8 ، 32 ) وبالتدريج نمت مسالة البتولية فى الأساقفة ، حتى صارت عرفا متتبعاً ، ثم قررتها الكنيسة فى القرن الرابع ، فى المجمع المسكونى الأول المنعقد فى نيقية سنة 325 م .

11-وقد وردت كلمة " قسوس " فى ( أع 14 : 23 ) حيث قيل عن بولس وبرنابا ، إنهما فى تبشيرهما لسترة وايقونية وانطاكية :

" انتخبا لهم قسوساً فى كل كنيسة . ثم صليا بأصوام ، واستودعاهم للرب الذى كانوا قد آمنوا به " ( أع 14 : 23 ) .

ونلاحظ هنا ان اقامة القسوس صحبتها صلوات وأصوام ، لاشك انها الصلوات الطقسية الخاصة بالسيامة ، كما ورد نفس التعبير ( الصلاة و الصوم ) فى وضع اليد على برنابا وشاول ( أع 13 : 3 ) .

على أن كلمة قسيس يترجمها اخوتنا البروتستانت بكلمة شيخ . وكلمة شيخ هنا لا تعنى شيخاً بمعنى انه رجل كبير السن ، إنما بالمعنى الاصطلاحى . أما الكاثوليك فيترجمونها كاهناً كما ذكرنا .

وكلمة شيخ فى كثير من الأديان تعنى رجل الدين ، حتى لو كان صغير السن ..

12-ووردت درجة القسيسة فى قول بولس الرسول لتلميذه تيطس أسقف كريت : " تركتك فى كريت ، لكى تكمل الأمور الناقصة ، وتقيم فى كل مدينة قسوساً ( شيوخاً – كهنة ) كما أوصيتك " ( تى 1 : 5 ) .

ووردت أيضاً فى ( يع 5 : 14 ) " أمريض أحد بينكم فليدع قسوس الكنيسة ( شيوخ أو كهنة الكنيسة ) فيصلوا عليه ويدهنوه بالزيت باسم الرب . وصلاة الإيمان تشفى المريض . وإن كان قد فعل خطية تغفر له " .

13-فلو كان الجميع متساوين ، ولو كان الكل ملوكاً وكهنة بالمعنى الحرفى ، فلماذا يستدعى المريض هؤلاء القسوس أو هؤلاء الشيوخ ؟! أما كان ممكناً ن يستدعى أى مؤمن ليصلى عليه ويدهنه بالزيت . والكل مستاوون ولا فارق ..

14-ومادام اخوتنا البروتستانت لا يؤمنون اطلاقاً بوجود وسيط بشرى بين الله و الناس ن فلماذا يستتدعى هذا المريض وسيطاً ، كاهناً كان أوشيخاً ، ليصلى عليه ويدهنه بالزيت ؟! لماذا لا يصلى بنفسه ، ويدهن نفسه بالزيت ؟!

لاحظوا إنه لم يقل فى هذه الآية : " يستدعى أحد المؤمنين الذين لهم مواهب الشفاء " ( وإنما يستدعى قسوس ( شيوخ ) الكنيسة . فلم يتكلم هنا عن الموهبة ، إنما عن الوظيفة ..

15-انظر أيضاً ذكر القسيسة فى ( 1تى 5 : 17 ) .

أما القسوس ( الكهنة – الشيوخ ) المدبرون حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة ، ولا سيما الذين يتعبون فى الكلمة و التعليم " .

و التعليم – منذ العصر الرسولى – ما كان يؤتمن عليه أحد ، بل كان للرسل ولخلفائهم ومعاونيهم من رجال الاكليروس .

فهؤلاء الذين ذكرهم الرسول فى ( 1تى 5 : 17 ) ، كان معهوداً إليهم بأمرين : التعليم و التدبير ، فقيل إنهم مدبرون ، أى قمامصة ( هيغرمانوس ) ..

16-ومع انكار درجات الكهنوت ، نرى أن اخوتنا الانجيليين فى مصر ، يتمسكون بلقب قسيس أو قس ، ولا يحبون أن يكون لقبهم شيخاً، على الرغم من تمسكهم بالترجمة إلى شيخ فى الكتاب المقدس وفى نفس الوقت ، يرون أن لقب قسيس لا يعنى أى معنى من معانى الكهنوت .

وهكذا يفرفون عملياً بين كلمة قسيس وكلمة شيخ ، بينما لا يقدمون تفريقاً كتابياً بين اختصاص هذا وذاك .

هذا هو اعتقاد الكنيسة المشيخية على الرغم من لقب أى Presbeterians المشيخيين

أما الاخوة البلاميس |( البليموث ) فلا يستخدمون لقب قسيس اطلاقاً ، ويرون أن الجميع اخوة ، ولا فارق . فلقب كل واحد منهم هو ( أخ) .. أيا كان عمله فى الكنيسة . وحتى الرسل يدعونهم اخوة !!

أما نحن فنعتقد بكهنوت القسوس وبكهنوت الأساقفة ، بسبب الأعمال الكهنوتية التى عهد بها

أما نحن فتعتقد بكهنوت القسوس وبكهنوت الأساقفة ، بسبب الأعمال الكهنوتية التى عهد بها الرب إليهم ، كما شرحنا فى الفصل السابق ( الثالث ) فى هذا الكتاب .

إن الموضوع ليس هو مجرد خلاف فى الترجمة ، أن ندعو شخصاً قساً أو شيخا ، إنما الأمر الجوهرى هو العمل الكهنوتى الذى يقوم به ، فهو الذى يميزه ..

أهو الذى يدعوه المريض ليصلى عليه ويدهنه بالزيت ؟ أهو الذى تأتمنه الكنيسة على التعليم ، و على تدبير المؤمنين ؟ أهو الذى يقيم سر الأفخارستيا ؟ أهو الذى يعمد ؟ أهو المدعو من الله كما هرون ؟ .. إلخ

17-و البلاميس لا يفرقون بين الأسقف و القسيس كتابياً ، على الرغم من أنهم لا يستخدمون لقب هذا ولا ذاك !

18-الفرق الأول : ان الأساقفة لهم حق إقامة القسوس :

وفى هذا يقول القديس بولس لتلميذه تيموثاوس : " لا تضع يدك على أحد بالعجلة ، ولا تشترك فى خطايا الآخرين " ( 1تى 5 : 22 ) . ويقول ايضاً لتلميذه تيطس : " تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة ، وتقيم فى كل مدينة قسوساً (شيوخا ) كاأوصيتك " ( تى 11 : 5 ) .

وتذكر قوانين ان القس يقام من أسقف واحد . أما الأسقف فيضع عليه اليد ما لا يقل عن أسقفين أو ثلاثة

19-و الفرق الثانى أن الأسقف يمكن أن يحاكم القسوس :

وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس الأسقف فى وجوب العدل

فى أمثال هذه المحاكمات : " لا تقبل شكاية على كاهن ( شيخ ) إلا على شاهدين أو ثلاثة .. " ( 1تى 5 : 19 ) .

2.-كما أن للأسقف الحق فى مكافأة القسوس :

وعن ذلك يقول القديس بولس لتلميذه تيموثاوس فى نفس الرسالة : " أما القسوس ( الشيوخ ) المدبرون حسناً ، فليحسبوا أهلاً لكرامة أفضل ، ولا سيما الذين يتعبون فى الكلمة و التعليم " ( 1تى 5 : 17 ) . ننتقل بعد هذا إلى الحديث عن الشمامسة

21-ورد ذكرهم لأول مرة فى سفر أعمال الرسل ( أع 6 ) .

واشترطت فيهم اشتراطات تميزهم عن باقى المؤمنين ، منها :

أ-أن يكونوا مملوءين من الروح القدس و الحكمة .

ب-أن يقيمهم الرسل ، بوضع اليد عليهم ، مع الصلاة .

ج-أن يباشروا مسئوليات معينة فى الكنيسة

22-وكانت الخدمة الاجتماعية هى أولى مسئولياتهم . ونسمع عن القديس اسطفانوس انه كان يعمل أيضا بالكرازة و التعليم ( أع 6 : 1 ، 9 ، 1. ) .

23-وقد وردت درجة الأسقفية ، مع درجة الشمامسة فى بدء رسالة القديس بولس الرسول إلى هل فيلبى ، حيث قال :

" لواس وتيموثاوس عبدا يسوع المسيح ،إلى جميع القديسين فى المسيح يسوع الذين فى فيلبى ، مع أساقفة وشمامسة " ( فى 1 : 1 ) .

وهنا نراه قد وجه رسالته إلى الكل ، مميزاً الأساقفة و الشمامسة عن كل الشعب .

فلو كان الكل متساوين ، ولو كان الكل كهنة ، فلماذا إذن هذا التمييز فى مخاطبته للشعب ؟! حقاً إنهم كلهم قديسون فى المسيح يسوع ، ولكنهم ليسوا كلهم واحداً فى الاختصاصات ، وليسوا كلهم واحداً فى الكهنوت .

23-وقد وردت صفات مميزة للشمامسة فى ( اتى 3 : 8 – 13 ) .

إذ قال الرسول : " ليكن الشمامسة كل بعل امرأة واحدة ، مدبرين ألأودهم وبيوتهم حسنا ً " . وهذا الشرط هو احد الشروط اللازمة للأساقفة ايضاً ( 1تى 3 : 2، 4 ) وهذا يدل على عظم هذه الدرجة . وهكذا قال الرسول بعدها :

" لأن الذين تشمسوا ( أى صاروا شمامسة ) يقتنون لأنفسهم درجة حسنة وثقة كبيرة فى الإيمان الذى بالمسيح يسوع " ( 1تى 3 : 13 ) .

وهذا الوضع يميزهم بلا شك عن باقى المؤمنين .

ولهذا اشترط فيهم أيضاً أن يختبروا أولاً ، ثم يصيروا شمامسة إن كانوا بلا لوم ( 1تى 3 : 1. ) . وعبارة " بلا لوم " هى إحدى الصفات التى اشترطت فى الأسقف ( 1تى 3 : 2 ، تى 1 : 7 ) .

24-وهنا نرى شروطاً مشتركة بين الأسقف و الشماس :

إذ يجب أن يكون كل منهما بلا لوم ، بعل امرأة واحدة ، قد دبر بيته حسناً ، غير بعض الصفات الروحية الأخرى . وهذا كله يدل على عظم درجة الشماس وتمايزه عن باقى الشعب .

قبل أن نتكلم عن الأبوة الروحية التى للاباء الكهنة ، بكل درجاتهم ، من القس إلى رئيس الأساقفة ، يحسن بنا أولاً ، أن نذكر اعتراضاً يقدمه منكرو الكهنوت ونرد عليه

يقول منكرو الكهنوت : [ كيف ندعو القسوس والأساقفة آباء ، بينما السيد المسيح يقول لتلاميذه : " لا تدعوا لكم أباً على الأرض ، لأن أباكم واحد الذى فى السموات " ( مت 23 : 9 )

1-السيد المسيح قال : " لا تدعوا لكم أباً .. " كما قال ايضاً : " ولا تدعوا معلمين ، لأن معلمكم واحد المسيح " ( مت 3 : 1. ) . وقد شرحنا فى الفصل السابق اهتمام المسيح ورسله بالتعليم ، وكيف أن الله أعطى البعض أن يكونوا " مبشرين ومعلمين " ( أف 4 : 11 ) وان ذلك لازم " لأجل تكميل القديسين ، لعمل الخدمة ، لبنيان جسد المسيح " ( أف 4 : 12 ) . كما قال الرسول : المعلم ففى التعليم " ( رو 12 : 7 ) .

وخلصنا من ذلك أ، قول المسيح : " لا تدعوا لكم معلمين " قيلت للرسل وليس لباقى الشعب الذين لهم معلمون ومرشدون . وكما تنطبق هذه العبارة على الرسل وحدهم ، تنطبق من بعدهم على خلفائهم من رؤساء الكنائس

هل يجوز لنا أن نقول معلمنا بولس الرسول ، ملمنا بطرس الرسول أم لا ؟ وهل لو قلنا هذا ، نكون قد كسرنا وصية الرب ، لأن معلمنا واحد هو المسيح ؟!

أم أن عبارة : " لا تدعوا معلمين " خاصة بالرسل وحده ، الذين من جهة الواقع لم يكن لهم سوى معلم واحد هو المسيح ؟

ونفس الوضع نقوله عن عبارة : " لا تدعوا لكم أباً " . هذه العبارة للرسل و لخلفائهم ، الذين ليس لهم آباء على الأرض .

أما باقى الشعب ، فله آباء روحيون ، كما سنرى .

2-الأبوة الروحية موجودة منذ العهد القديم ، إذ قيل عن إبراهيم إنه أب لجميعنا . ( رو4 : 11 ) – ليس فقط للذين هم من الناموس ، ومن نسل إبراهيم ، إنما أيضاً لكل الذين هم من إيمان إبراهيم . كما هو مكتوب انى قد جعلتك أباً لأمم كثيرة ( رو 3 : 11 ، 12 ) .

إذن كان ابونا إبراهيم اباً لجميع الذين يؤمنون ، الذين على إيمانه ، سواء كانوا من الختان أو الغرلة .. أنها أبوة روحية .

أبوته للذين فى الختان ، ربما يحسبها البعض أبوة جسدية ، فماذا إذن عن أبوته للذين فى الغرلة ، وهم غرباء عنه ؟ ماذا عن أبوته لأمم كثيرة ؟ وماذا عن قول الرسول : " ليكون أبا لجميع الذين يؤمنون وهم فى الغرلة " ( رو 4 : 11 ) .

وحتى الذين فى الختان : ابوة إبراهيم لهم ليست مجرد أبوة جسدية . إذ يقول الرسول فى ذلك عن أبينا إبراهيم : " وأبا للختان ، للذين ليسوا من الختان فقط ، بل ايضاً يسلكون فى خطوات إيمان أبينا إبراهيم " ( رو 4 : 12 )

وعن هذه البوة الروحية التى لإبراهيم يقول الرسول أيضاً :

" كما آمن إبراهيم فحسب له براً ، علموا إذن أن الذين هم من الإيمان ، أولئك هم بنو إبراهيم " ( غل 3 : 6 ، 7 )

3-مثال آخر هو قول اليشع لايليا البتول عند صعوده : " يا ابى يا أبى ، يا مركبة إسرائيل وفرسانها " ( 2مل 2 : 12 ) .

إنها أبوة روحية ، لأن اليشع كان تلميذا لإيليا

ونفس الوضع نقوله عن يوآش الملك ، الذى لما مرض اليشع مرض الموت ، نزل إلى يوآش ، وبكى على وجهة وقال : " يا أبى يا أبى ، يا مركبة إسرائيل وفرسانها " ( 2مل 13 : 14 ) .

فهل كان اليشع النبى مخطئاً حينما دعا ايليا أبا له ، وحينما قيل أن يدعى أبا من يوآش ؟ وهل كان لا يدرك أبوة الله الذى فى السموات ؟!

أبوة الله كانت معروفة ، فهو الذى قال : " يا ابنى اعطنى قلبك " ( أم 23: 26 ) . ومنذ ما قبل الطوفان قيل إن " أولاد الله ( أى نسل شيث ) رأوا بنات الناس أنهن حسنات " ( تك 6 : 2 ) . وقد قال داود فى المزمور : " كما يترأف الأب على البنين ، يترأف الرب على خائفيه " ( مز 1.3 : 13 ) .

4-وهل أخطأ داود النبى حينما دعا شاول مسيح الرب اباً ؟!

وقال له : " انر ، طرف جبتك فى يدى " ( 1صم 24 : 11 ) . قال له هذا بحكم المركز و السن ، ولكونه مسيح الرب . فكم بالأولى الكهنوت .

5-وهل أخطأ أيوب الصديق حينما قال : " أب أنا للفقراء " ( أى 29 : 16 ) . و المثل هل أخطأ يوسف الصديق حينما قال : إن الله جعلنى أبا لفرعون وسيداً لكل بيته ( تك 45 : 8 ) ؟!

6-ولعل البعض يحتج بأن هذه أمثلة من العهد القديم !

فنرد عليهم بإجابتين : الأولى هى : لا تحتقروا العهد القديم ولا تنكروه واذكروا ان السيد المسيح لم ينقض الناموس والأنبياء ( مت 5 : 17 ) واذكروا أيضاً ان " كل الكتاب هو موحى به من الله ، ونافع للتعليم " ( 2تى 3 : 16 ) . أما الاجابة الثانية فهى :

7-ان الأبوة الروحية يذكرها العهد الجديد فى مواضع كثيرة : وقد تحدث بولس الرسول عن ابوة أبينا إبراهيم فى العهدين القديم و الحديث ونحن لا نستطيع أن نكذب هذا النص المقدس ، ونقول إنه لا يوجد سوى أب واحد فى السماء .

وكذلك الرسل ف العهد الجديد دعوا آباء

8-إن بولس يدعو كلا من تيموثاوس وتيطس و انسيموس ابناء . فيقول : " تيموثاوس الابن الصريح فى الإيملن " ( 1تى 1 : 2 ) .

ويقول : " تيموثاوس الابن الحبيب " ( 2تى 1 ك 2 ) . ويقول عن تيطس : " الابن الصريح حسب الإيمان " ( تى 1 : 4 ) . ويرسل إلى فليمون فيقول له : " اطلب إليك لأجل ابنى انسيموس الذى ولدته فى قيودى " ( فل 1. ) . ويقول لتيموثاوس : فتقوا أنت يا ابنى بالنعمة " ( 2تى 2 : 1 ) .

و المعروف ان بولس الرسول كان بتولاً ، وليس له أبناء حسب الجسد ، ولكنه كان روحيا لكل هؤلاء .

فهل يجرؤ تيموثاوس وتيطس وانسيموس أن يقولوا للقديس بولس : لست أبانا ، لأنه ليس لنا أب على الأرض ؟!

9-وعندما قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس الأسقف : "لا تزجر شيخاً ، بل عظه كأب " ( 1تى 5 : 1 ) . هل كان يستطيع هذا الأسقف أن يحتج على معلمه قائلا : كيف هذا ؟! ليس لى أب على الأرض ! مع انها أبوة سن .

1.-ان بولس الرسول لم يدع أفراداً فقط أبناء له ، إنما أيضاً دعا شعوباً لأولاداً له ، كأب روحى لهم ..

فقال لأهل غلاطية : " يا أولادى الذى اتمخض بكم أيضاً ، إلى أن يتصور المسيح فيكم " ( غل 4 : 9 ) . ويقول لأهل كونثوس : بل كأولادى الأحباء انذركم ، لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين فى المسيح ، لكى ليس آباء كثيرون ، لأنى أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل . لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس الذى هو ابنى

11-وعبارة : " ولدتكم بالإنجيل " تظهر لنا أبوة روحية ، هى أبوة فى افيمان ، وفى الكرازة و التعليم .

فالقديس بولس صار أباً لأهل كورنثوس ، لأنهم آمنوا على يديه ، وكذلك أهل غلاطية .. ولأنهم تلاميذه .

فهل ينكر أهل كورنثوس وأهل غلاطية أبوة القديس وبولس الرسول ، ويقولون له : " ليس لنا أب على الأرض ، لأن أبانا واحد الذى هو فى السماء " ؟!

12-ألا يدل هذا التفكير على خطأ فى فهم الكتاب المقدس ؟!

ألم يقل لنا الكتاب : الحرف يقتل ، ولكن الروح يحيى ( 2كو 3 : 6 ) .

كما يدل هذا التفكير على خطورة تطبيق الاية الواحدة ، دون النظر إلى باقى الآيات . ويدل ذلك أيضاً على الطريقة الخاطئة فى التفسير التى تطبق كل ىية على كل أحد ، دون معرفة من هو المقصود بالقول !!!

13-و القديس يوحنا أيضاً – كالقديس بولس – دعى أبا روحياً .

يوحنا الرسول البتول يقول : " يا أولادى ، أكتب إليكم هذا لكى لا تخطئوا " ( 1تى 2 : 1 ) ويقول : " ليس لى فرح أعظم من هذا ، أن اسمع عن أولادى أنهم يسلكون بالحق " ( 3يو4) .

وبطرس الرسول يقول عن مرقس انه ابنه .

فيقول : " تسليم عليكم المختارة التى فى بابل ، ومرقس ابنى " ( 1بط 5 : 13 ) . قال هذا من جهة فارق السن الكبير بينهما ، لأن المعروف هو أم مرقس ابن ارسطوبولس .

15-فهل أخطأ الرسل الكبار ، إذا دعوا أنفسهم آباء ؟!

هل أخطأ بولس وبطرس ويوحنا ، وارتأوا فوق ما ينبغى لهم ، إذ حسبوا أنفسهم آباء ، وكأنهم قد نافسوا الله فى أبوته ؟! أم أن عبارة : " لا تدعو لكم اباً " موجهة للرسل وحدهم ، الذين قالوا مرة للمسيح : " ألنا قلت هذا المثل أم قلته للجميع " ( لو 12 : 41 ) .

16-إن وصية المسيح ، لو فهمت على حرفيتها ، لكانت نتيجتها الغاء الأبوة الجسدية أيضاً ، لأنها أبوة على الأرض !!

لأن السيد المسيح لم يقل هنا أبوة روحية ، ولا أبوة جسدية ،إنما أطلق العبارة مرسلة.

وطبعاً لا يمكن أن يكون قد ألغى الأبوة الجسدية ، وإلا ما كان الرسول يقول : " ايها الأولاد أطيعوا والديكم فى الرب ، لأن هذا حق . اكرم أباك وأمك ، التى هى أول وصية بوعد " ( أف 6 : 1 ، 2 )

فان كنا نحترم الأبوة الجسدية ، فكم بالأولى الروحية ؟

17-إنما السيد المسيح قال هذه الوصية ، بل هذا الاصحاح كله ، فى مجال الغاء القيادات الدينية القديمة كالكتبة و الفريسيين ..

فالإصحاح كله تتكر فيه مرات عديدة " ويل لكم أيها الكتبة و الفريسيون المراؤون " ( مت 23 ) . وقد بدأ بذكر السيد المسيح لأخطائهم . حتى وصل إلى عبارة أنهم " يحبون المتكأ الأولى .. و التحيات فى الأسواق ، وأن يدعوهم الناس سيدى سيدى " ( مت 23 : 6 ، 7 ) . وبعدها قال مباشرة : " وأما أنتم فلا تدعوا سيدى .. ولا تدعوا لكم أباً على الأرض .. ولا تدعوا معلمين " .

18-إذن هى مهاجمة صريحة لأبوة الكتبة و الفريسيين ، وليس للأبوة الروحية التى للعهد الجديد .

إن السيد المسيح كان وقتها بصدد الغاء القيادات الدينية التى كانت مسيطرة على المجتمع وقتذاك ، حتى لا تصبح جماعة المؤمنين خاضعة لأبوتها و لا لسيادتها ولا لتعليمها .. وذلك لينشئ أبوة وسيادة وتعليماً من نوع جديد .

يكمل منكرو والكهنوت اعتراضهم ، فيقولون : كلنا أخوة متساوون ، لأن السيد المسيح يقول فى نفس المناسبة : " وأنتم جميعاً أخوة " ( مت 23 : 8 ) .

حقاإننا جميعاً أخوة . فكلنا أبناء آدم وحواء ، وكلنا أبناء نوح وإبراهيم . وكلنا ابناء إيمان واحد ، ومعمودية واحدة . وكلنا أبناء الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية

ولكن على الرغم من هذه الأخوة التى تشمل الكل ، يقف أمامنا سؤال وأقعى ولاهوتى وهو :

نقول بكل وضوح : ليس جميع الاخوة متساوين . وتعليم الكتاب ينادى بهذا وسنضرب أمثلة لذلك :

1-كان يعقوب أخا لعيسو . ومع ذلك قال له الرب : " كن سيداً لأخوتك . وليسجد لك بنو امك " ( تك 27 : 29 ) .

2-وعبارة كن سيداً لأخوتك ، تعنى أن الأخوة غير متساوين . وما ينطبق على يعقوب ، ينطبق على كثير من الأخوة .

فسبط لاوى ، كان أخا لباقى الأسباط الأحد عشر . ولكن كان فيه وحده الكهنوت . ولم يتساو معه باقى الأسباط فى هذا الأمر .

3-بل أكثر من هذا لم يكن كل بنى لاوى وهم اخوة متساوين من جهة الكهنوت الذى تخصص فيه بنى هرون .

إذن لا نأخذ عبارة لأن جميعكم أخوة بمعنى التساوى ، لأن الكتاب لا ينادى بهذا التساوى مطلقاً ولا يعلم به ، كما يعلم الاخوة البلاميس Brrtherns ، وباسم هذه الأخوة ربما يفقد الصغار احترامهم للكبار ، بل قد يفقدون أيضاً احترامهم للأنبياء و الرسل و القديسين .

وأمامنا مثل أكبر بما لا يقاس من مثال يعقوب وأخوته ، مثال لاوى واخوته ، وهرون واخوته وهو :

4-قيل عن السيد المسيح إنه شابه اخوته فى كل شئ ( عب 2 : 17 ) ولم يستح أن يدعوهم ( أى الرسل ) اخوته ( عب 2 : 12 ) .

وبكل اتضاع قال السيد المسيح لمريم المجدلية : اذهبى وقولى لاخوتى أن يمضوا إلى الجليل هناك يروننى ( مت 28 : 1. ، يو 2. : 17 ) . إنه له المجد سماهم اخوة له إتضاعاً ، ولكن هل يجرؤ أحد منهم أن يدعوه أخا ؟! حاشا .. ومع انه صار أخا للبشر إذ تشارك معهم فى اللحم و الدم ، فى هذه الطبيعة البشرية . ولكن ..

هل يجرؤ أحد من الرسل أن يدعى المساواة بالمسيح على اعتبار انه لم يستح أن يدعوهم اخوته ؟!

مع أن الرسل دعاهم المسيح اخوة ، إلا أنه قال لهم ايضاً : " أنتم تدعونى معلماً وسيداً ، وحسنا تفعلون لأنى أنا كذلك . فإن كنت وأنا المعلم و السيد غسلت أرجلكم ، فينبغى أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو 13 : 13 ، 14 ) .

بل حتى فى ذكر اخوته لهم يقول الكتاب : " ثم ينبغى أن يشبه اخوته فى كل شئ ، لكى رحيماً ، ورئيس كهنة أميناً فيما لله ، حتى يكفر عن الخطايا " .

كونه يشبه اخوته ، لا تمنع انه رئيس كهنة .

إذن الاخوة لا يمكن أن تعنى المساواة فى كل شئ .

5-ومع أن الجميع اخوة إلا أنهم ليسوا متساوين فى الاختصاصات .

وفى ذلك يقول الكتاب : " فوضع الله أناسا فى الكنيسة : أولا رسلاً ، ثانياً أنبياء ، ثالثاً معلمين ، ثم قوات . وبعد ذلك مواهب شفاء ، أعواناً تدابير وأنواع السنة " كصاحب المواهب ، كالشخص العادى ؟ طبعا لا ..

6-إذن المؤمنون الأخوة ليسوا متساوين فى المواهب ولا فى الاختصاصات ليس الرعاة مساوين للرعية ، ولا المعلمون مساوين الشعب ..

وانما نقول إن الله – كما قال الرسول – " أعطى البعض أن يكونوا رسلاً ، و البعض أنبياء ، و البعض مبشرين ، و البعض رعاة ومعلمين " ( أف 4 : 11 ) .

على كل واحد فى الاخوة أن يعرف طقسه وحدود رتبته ، " ولا يرتئى فوق ما ينبغى " ( رو 12 : 3 ) بل " حسبما قسم الله لكل واحد نصيبا من الإيمان " . هنا ونسأل سؤال هاماً جداً وهو :

7-هناك مساواة أمام الله فى البنوة و الخلاص و استحقاقات دم المسيح ، و المسئولية الأدبية لكل فرد حسب مواهبة . ولكن هل الاخوة ، هل الاخوة ، وهل المساواة ، تلغى الرئاسات فى الكنيسة ؟! بحيث يذكرنا هذا بماقيل فى سفر القضاة .

لم يكن هل الاخوة ، وهل المساواة ، تلغى الرئاسات فى الكنيسة ؟! بحيث يذكرنا هذا بما قيل فى سفر القضاء

لم يكن هناك ملك فى إسرائيل فى تلك الأيام . وكان كل واحد يعمل ما يحسن فى عينيه ( قض 17 : 6 ) .

إذن هل الأخوة تعنى عدم النظام فى الكنيسة ؟ وهل المساواة تعنى أن الكنيسة تسير بلا ترتيب ، بلا قيادة ، بلا أشخاص مسئولين أمام الله و الناس ؟ حاشا أن يحدث هذا ، فقد قال الكتاب :

" ليكن كل شئ بلياقة وبحسب ترتيب " ( 1كو 14 : 4. ) .

8-إن الكنيسة هى الوضع المثالى فى النظام ، لإنها جسد المسيح . ومع أن كل أعضاء الجسد اخوة ، إلا أن هناك رأساً ، وأعضاء .. بل فى كل أسرة : هناك زوج وزوجة وأولاد . ومع ذلك فالرجل رأس المرأة . والولاد يخضعون للأبوين .

ولا يمكن باسم المساواى أن تتمرد المرأة على رئاسة الرجل !

ولا يمكن باسم المساواة أن يتمرد الابناء ، ولا يخضعوا لوالديهم فى الرب لأن هذا الخضوع حق ( أف 6 : 1 ، 2 ) .

9-أما من جهة الرئاسات ، فإن الله هو الذى وضعها فى الكنيسة ، فى السماء أولاً بين الملائكة .

وهكذا قيل : " خلق الكل ما فى السموات وما على الأرض ، ما يرى وما لا يرى ، سواء كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين " ( كو 1: 16 ) . وقيل فى سفر دانيال النبى عن الملاك ميخائيل : " ميخائيل الرئيس العظيم " (دا 1. : 13 )

1.-كذلك أوجد الله رئاسات فى مجال الكهنوت .

فعين هرون رئيساً للكهنة ، وتتابع رؤساء الكهنة على مدى الأجيال .. وقيل عن يهوشع : " الكاهن العظيم " ( زك 3 : 1 ) . وعبارة " رئيس كهنة " ( وردت فى الكتاب مرات عديدة جداً .

11-بل سمح الله لموسى بإقامة رؤساء علمانين .

تخير أناساً ذوى قدرة خائفين الله أمناء واقامهم " رؤساء الوف ، ورؤساء مئات ، ورؤساء خماسين ، ورؤساء عشرات ، فيقضون للشعب كل حين .. و الدعاوى العسرة يجبيئون بها إلى موسى " ( خر 18 : 21 ، 25 ، 26 ، تث 1 : 15 ) .

12-ولعلهم يسألون : وما موقف المسيح من كل هذه الرئاسات ؟

السيد المسيح " هو رأس كل رياسة وسلطان " ( كو 2 : 1. ) .

وجود الرئاسات على الأرض لا تمنع رئاسيه .وجود ملوك على الأرض لم يمنع أنه " ملك الملوك ورب الأرباب " ( رؤ 19 : 16 ) . ووجود رعاة لا يمنع أن السيد المسيح هو راعى الرعاة ، وراعى الخراف العظيم ( عب 13 :2. ) 9

قال القديس أو غسطينوس للرب : أنا راع لهؤلاء ، ولكننى أمامك ، أنا معهم واحد من قطيعك . وأنا معلم لهم ، ولكننى أمامك أتعلم منك معهم .

13-الناس أمام الله أخوة . ولكنهم بالنسبة إلى بعضهم البعض ، ويوجد فيهم أبناء وآباء ، ورعية ورعاة ، و تلاميذ ومعلمون . وأيضاً فيهم علمانيون و كهنة .

هناك اعتراض آخر يقدمه البعض فى موضوع المساواة وهو :

قول السيد المسيح لتلاميذه " أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم ، و العظماء يتسلطون عليهم . فلا يكون هكذا . بل من أراد أن يكون فيكم عظيما ، فليكن لكم خادماً . ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً . كما أن ابن الإنسان لم يأت ليخدم ، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " ( مت 2. : 25 – 28 ) .

وواضح أن هذا الكلام عن التواضع ، وعدم التسلط ،وعدم محبة العظيمة وليس هو عن الغاء الرئاسات ، بدليل ابراز مثل السيد المسيح نفسه .. فهو سيد ورئيس ، مع انه جاء ليخدم ويبذل ( يو 13 : 13 ) .

و المقصود بالرئاسات فى الكنيسة وفى الكهنوت ، لنظام ، وتوزيع المسئولية و الأشراف على الخدمة ، وما إلى ذلك . وليس هدفة مطلقاً التسلط ، ومحبة العظمة ، الأمور الكائنة فى الجو العلمانى الذى انتقده الرب . وأيضاً محبة الكرامة التى كانت ظاهرة فى تصرفات الكتبة و الفريسيين وقد هاجمها الرب فى ( مت 23 : 5- 8 ) .

ـــــــــــــــ

مادام الكاهن إنساناً يخدم المذبح ، لذلك فالذين ينكرون الكهنوت ينكرون المذبح ايضاً .

ويقولون إن المذبح شئ كان فى العهد القديم ، ولا وجود للمذبح فى العهد الجديد . و بالتالى لا توجد ذبيحة . وهكذا لا يوجد فى اعتقادهم كهنوت يخدم المذبح ويقدم الذبيحة ..

ولذلك فإن كنائس البروتستانت لا يوجد فيها مذبح . وطبعاً لا توجد قداسات يصلونها لتقديس ذبيحة . و بالتالى لا يوجد أيضاً بخور ، ولا توجد أوانى للخدمة ولا ملابس للخدمة ، ولا كل ما يتعلق بتقديم الذبيحة المقدسة ..

وعملنا فى هذا البحث ، أن نثبت بنصوص من الكتاب المقدس أن المذبح موجود فى العهد الجديد ، وانه لم ينته بنهاية العهد القديم . فإنه له استمرارية فى المسيحية ، ، هو و الذبيحة المقدسة التى لم تكن مجرد رمز أو مثال أو ذكرى .

1-مما يثبت وجود المذبح فى العهد الجديد ، قول القديس بولس الرسول : " لنا مذبح لا سلطان للذين يخدمون المسكن أن يأكلوا منه " ( عب 13 : 1. ) .

و الذين يخدمون المسكن هم اليهود .. أى أن اليهود الباقين يهودا ، لا سلطان لهم أن يتناولوا من المذبح المسيحى .

2-وقد وردت نبوءة فى سفر إشعياء النبى عن وجود مذبح للرب وبالذات فى أرض مصر ، الأمر الذى لم يتحقق إلا فى العصر المسيحى .

2-قدوردت نبوءة فى سفر إشعياء النبى عن وجود مذبح للرب وبالذات فى أرض مصر ، لأمر الذى لم يتحقق إلا فى العصر المسيحى .

قال الوحى الإلهى : " فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر ، وعمود للرب فى مصر ، ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ، ويقدمون ذبيحة وتقدمة ، وينذرون للرب نذراً .. " ( إش 19 : 19 – 21 )

وواضح أن هذا المذبح ليس مذبحاً وثنياً أو فرعونياً .

وذلك لأنه مذبح للرب ، علامة وشهادة لرب الجنود ، وبه يعرف المصريون الرب ن ويكون عمود للرب عند تخم أرض مصر . وقد تكررت عبارة الرب فى هذه النبوءة عشر مرات ، وانتهت بقول رب الجنود : " مبارك شعبى مصر " ( إش 19 : 25 ) . وطبعاً لا يمكن أن ينطبق شئ من هذا على العصر الوثنى فى مصر .

وواضح أيضاً أن هذا المذبح ليس مذبحاً يهودياً .

لأن اليهود ما كانوا يذبحون للرب فى أرض غريبة . وإنما كانوا يعلقون قيثاراتهم على أشجار الصفصاف ويبكون ( مز 137 : 1-4)وقد أمر الرب فرعون أن يطلق الشعب من مصر ليمارسوا عبادتهم ( خر 8 : 2. ، 9 : 1) . ووعد فرعون قائلا : " أنا أطلقكم لتذبحوا للرب إلهكم فىالبرية " ( خر 8 : 28 ) . ثم قال موسى بعدها : " لا يعد فرعون يخاتل حتى لا يطلق الشعب ليذبح للرب " ( خر 8 : 29 ) .

إذن ما كان ممكناً أن يقام مذبح يهودى فى مصر .

وقد أمر الله أنه لا يقدم ذبيحة إلا فى المكان الذى اختاره هو ليكون اسمه فيه .

وهكذا ورد فى شريعة موسى : " وتذهب إلى المكان الذى يختاره الرب إلهك ليحل اسمه فيه " ( تث 26 : 2 ) . " فالمكان الذى يختاره الرب إلهكم ليحل اسمه فيه ، تحملون إليه كل ما أنا أوصيتكم به : محرقاتكم وذبائحكم وعشوركم .. " ( تث 12 : 11 ) . " وأما أقداسك التى لك ونذورك ، فتحملها وتذهب إلى المكان الذى يختاره الرب . تعمل محرقاتك ، اللحم و الدم على مذبح الرب إلهك " ( تث 12 : 26 ) .

وقد اختار الرب أورشليم ( زك 3 : 2 ) . وقال : " .. بل اخترت أورشليم ليكون اسمى فيها " ( 2أى 6 : 6 ) . ولم يكن للرب مذبح فى أرض مصر طوال العصر اليهودى .

إذن مذبح الرب الذى ذكر إشعياء النبى انه يكون فى مصر ، هو مذبح فى العصر المسيحى . وهو يثبت وجود مذابح فى المسيحية بوجه عام ..

3-وقد تنبأ ملاخى النى عن وجود أمثال هذه المذابح المسيحية فى المم

من مشارق الشمس إلى نغاربها تقرب عليها تقدمات للرب . فقال فى مجال سخط الرب على اليهود وذبائحهم المرفوضة :

" ليست لى مسرة بكم – قال رب الجنود – ولا أقبل تقدمة من يدكم . لأنه من مشارق الشمس إلى مغاربها ، اسمى عظيم بين الأمم . وفى كل مكان يقرب لاسمى بخوروتقدمة طاهرة " ( ملا 1 : 1. ، 11 ) .

ولم يحدث ذلك إلا فى المسيحية . لأن متى حدث فى كل زمن اليهودية ، ان كانت تقدم للرب تقدمات ، ويرفع لاسمه بخور ، فى كل مكان ، بين الأمم ؟!

4-وقد تحدث السيد المسيح عن المذبح و الصلح بين الناس ، فقال : فإن قدمت قربانك إلى المذبح . وهناك تذكرت أن لأجيك شيئاً عليك ، فاترك هناك قربانك قدام المذبح ، واذهب اصطلح من اخيك " ( مت 5 : 23 ، 24 ) .

وهىوصية لم يقصد بها ذلك العصر اليهودى فقط ، الذى كان سيزول بعد هذه العظة بحوالى ثلاث سنوات . وإنما هى تعليم عام عن ارتباط المذبح بالصلح فى المسيحية

5-مادام قد ثبت بهذه الأدلة الأربعة وجود مذبح فى المسيحية ، وإذن لا بد أن يوجد خادم المذبح وهو الكاهن.

6-سر الافخارستيار - تقديم جسد الرب ودمه – موجود فى الأناجيل الأربعة كلها ، وفى الرسالة إلى كورنثوس . وبالذات فى الشواهد الآتية :

متى 26: 26 – 28 . مرقس 14 : 22- 24 .

لوقا 22 : 19 – 2. . يوحنا 6 : 32- 58 .

1كو 1. : 16 – 21 . 1كو 11 : 23 – 3. .

وسنشرح هذا كله بالتفصيل إن شاء الله ، ونخرج من كل ذلك بحقائق لاهوتية هامة وهى :

7-الرب هو الذى أسس هذا السر :

هو الذى أخذ خبزاً وشكر وبارك وكسر ، واعطى التلاميذ قائلاً : خذوا كلموا هذا هو جسدى المسكور لأجلكم . اصنعوا هذا لذكرى ( مت 26 : 1كو11 )

وهو الذى أخذ الكأس ، وشكر وأعطاهم قائلا: " هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى " " هذا هو مى الذى للعهد الجديد الذى يسفك من أجل كثيرين " " اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى " ( مر 14 11 ، لو 22 ) .

وفى انجيل معلمنا لوقا : " هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم " " دمى الذى يسفك عنكم " ( لو 23 : 19 ، 2. ) .

8-و الرب هو الذى أمر بممارسة هذا السر :

فلم يكتف الرب بأنه أسس السر فى يوم خميس العهد ، إنما أمر تلاميذه قائلاً لهم : " اصنعوا هذا لذكرى " .

وعبارة " اصنعوا هذا لذكرى " تعنى استمرارية إقامة هذا السر .

" خذوا كلوا . هذا هو جسدى المكسور لأجلكم . اصنعوا هذا لذكرى " ( 1كو 11 : 24 ) . " هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم . اصنعوا هذا لذكرى " ( لو 22 : 19 )

" هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى . اصنعوا هذا كلما شربتم لذكرى ( 1كو 11 : 25 ) .

إذن نحن نخالف وصية الرب ، إن لم نمارس هذا السر .

9-عبارة " اصنعوه " تعنى معنى خاصاً . فلو كان الأمر مجرد تقديم خبز عادى ما كان يقول : " اصنعوه " . إنما هذه العبارة تعنى تحويل الخبز إلى جسده . وهذه تحتاج إلى الإنسان مختص ، له سلطان ، هو الكاهن .

1.-وإلى متى نمارس هذا السر ؟ الجواب هو إلى يوم مجئ الرب.

أى طوال هذا الدهر الذى نعيشه .. إلى يوم القيامة.

وهذا هو تعليم كتابى ، إذ يقول الرسول : " فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز ، وشربتم هذه الكأس ، تخبرون بموت الرب إلى أن يجئ " ( 1كو 11 ك 26 ) . إذن فهى ليست وصية إلى عصر من العصور ، أو إلى الرسل فقط ، إنما إلى كل الأجيال ، إلى مجئ الرب ..

هنا ونلاحظ ملاحظة هامة وهى :

11-الرب سلم هذا السر لتلاميذه :

لم يقل لكل الشعب : " اصنعوا هذا لذكرى " ، إنما قال هذا لتلاميذه . أما الشعب فإنهم يأكلون من الجسد ، ويشربون من الكأس ، ويخبرون بموت الرب إلى أن يجئ

وصنع هذا السر بواسطة التلاميذ ، يؤول بالطبع إلى خلفائهم ، لكى تبقى استمرارية إقامة السر ، إلى أن يجئ الرب ..

12-ونفهم هذا الأمر من تعليم القديس بولس الرسول .

السيد المسيح أقام هذا السر العظيم مع رسله القديسين فى يوم الخميس الكبير . ولم يكن بولس الرسول قد آمن بعد . فلما انضم إلى الرسل ، سلمه الرب هذا السر شخصياً لأهميته . ولم يتركه يستلمه بالتقليد من الرسل . ولذلك قال القديس بولس : " تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً : ان الرب يسوع فى الليلة التى اسلم فيها ، أخذ خبزاً فشكر وكسر . وقال خذوا كلوا هذا هو جسدى .. " ( 1كو 11 : 23 ) .

وفى حديثه عن هذا السر فى ( 1كو 1. ) قال :

كأس البركة التى نباركها ، أليست هى شركة دم المسيح ؟ الخبز الذى نكسره ، أليس هو شركة جسد المسيح ؟ ( 1كو 1. : 16 ) .

فقال : " نباركها " و " نكسره " ، لأنه أمر خاص بالرسل وخلفائهم . ولم يقل للشعب تباركونها ، وتكسرونه . أما عن التناول فقال للعشب : " لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين . لا تقدرون أن تشتركوا فى مائدة الرب وفى مائدة شياطين " (1كو 1. : 21 ) . وعبارة : "مائدة الرب " هنا ، تعنى المذبح .

ذلك لأن صنع السر هو الكهنوت . أما التناول فلكل الشعب .

هنا ونسأل عن هذا السر ما هو ؟

هل هو مجرد خبز ، وكأس خمر ، يشترك فيه المؤمنون ، لمجرد الذكرى كايعتقد البروتستانت ؟ أم هو جسد الرب ودمه حسب التعليم الإنجيلى ؟ لننظر ماذا يقول الكتاب فى ذلك ؟ وما هى الأدلة ؟

13-هذا السر ليس خبزاً عادياً :

إنما يصفه الرب بصفات عالية جدا حسبما ورد فى الأنجيل للقديس يوحنا ( يو6 : 32 –58 ) إنها 27 آية متتابعة ، أنصح بقراءتها لتلاحظوا العبارات لآتية :

الخبز الحقيقى الذى من السماء ( ع 32 )

خبز الله النازل من السماء ، الواهب حياة للعالم ( 33 ) أنا هو خبز الحياة ( ع35) ، ( ع 48 ) "

أنا هو الجبز الذى نزل من السماء ( ع 41 ) هذا هو الخبز النازل من السماء ، لكى يأكل منه الإنسان و لا يموت ( ع 5. ) أنا هو الخبز الحى الذى نزل من السماء (ع 51 ) إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد ( ع 51 )

وهنا نسأل : ها الخبز الذى يقدمه الأخوة البروتستانت للذكرى ، له كل هذه الصفات التى وردت فى ( يو 6 ) ؟!

هل هو خبز الحياة ؟ هل هو نازل من السماء ؟ هل هو الواهب الحياة للعالم ؟ هل كل من يأكل منه لا يموت ، بل يحيا إلى الأبد ؟ هل هذا الخبز هو الرب يسوع نفسه ، الذى قال : " أنا هو الخبز .. " ؟!!

إنما هذا الخبز ، يعبر عنه الرب بأنه جسده ..

14-هذا الخبز هو جسد الرب :

ليس هذا هو تعليمنا نحن ، إنما هو تعليم الرب القائل بعد كل هذه الصفات التى وصف بها هذا الخبز : " و الخبز الذى أنا اعطى ، هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم " ( يو 6 : 51) .

هل نستطيع أن نترك كلام الرب الواضح ، لكى نركن إلى مفاهيم بشرية ؟ ! أو هل يريد البعض أن يخضع كلام الرب لمفاهيمه هو ؟! إن الكلام واح وصريح . ولما احتج اليهود قائلين : " كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكل ؟" أجابهم بتأكيد :

" الحق الحق أقول لكم : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان تشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم " ( يو 6 : 53 ) .

فهل الذين ينفون عبارة " اصنعوا لذكرى " ( يتناولون ما يتناولونه مؤمنين أنه جسد الرب ودمه ، أم باعتبار أنه خبز عادى وخمر عادية ؟ وما هو موقفهم من الآية السباقة ، ومن قوله بعدها : " من يأكل جسدى ويشرب دمة ، فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه فى اليوم الأخير " ( يو 6 : 54 ) .

أى من يأكل ، وهو مؤمن تماماً ، أن هذا جسد الرب ، ويشرب وهو مؤمن تماماً ، أن هذا هو دم الرب .

هذا هو الذى ينال المواعيد الإلهية التى وعدنا بها الرب فى هذا الاصحاح من يوحنا ، و التى سنعود عليها بمعونة الرب بعد قليل ..

يأكل ويشرب ليس كرمز أو مثال وإنما كحقيقة :

فقد قال الرب بعد كلامه السابق : " لأن جسدى مأكل حق ، ودمى مشرب حق .. " ( يو 6 : 55 ) .

هذا الجسد وهذا الدم ، هما ما عناه من قبل بحديثه عن الخبز الحى النازل من السماء . ولذلك قال بعد هذا مباشرة عن جسده : هذا هو الخبز الذى نزل من السماء ( يو 6 : 58 ) .

لذلك نحن نقول فى صلوات القداس الإلهى عن هذا السر ، إنه جسد حقيقى ، ودم حقيقى .

وهذا التعبير ليس من عندنا ، ولا من علم اللاهوتيين فى الكنيسة ، إنما هو كلام الرب نفسه ، الذى نقبله ، ونصدقه ، ببساطة قلب ، كأشخاص روحانيين ، وليس كأشخاص عقلانيين ..

نقبله كما هو ، لأن الرب قاله هكذا ..

ونحن نؤمن بما قاله الرب . ولا نضيف عليه شيئاً من عندياتنا ، ولا من فهم بشرى يتعارض مع النص ..

كل من يقول إنه إنجيل ، ينبغى أن يتبع كلام الإنجيل . فماذا إذن قال الإنجيل ، وعلى فم المسيح نفسه ؟ قال :

15-هذا جسدى . هذا دمى :

هكذا قال الرب ، تبارك اسمه فى كل ما قال : " خذوا كلوا . هذا هو جسدى " ( مت 26 : 26 )

اشربوا منها كلكم . هذا هو دمى " ( 26 : 27 ، 28 ) " خذوا كلوا . هذا هو جسدى " ( مر 14 : 22 ) " هذا هو دمى الذى للعهد الجديد " (مر 14 : 24)

" هذا هو جسدى ، الذى يبذل عنكم " ( لو 22 : 19 ) " هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى " ( لو 22 : 2. ) .

وعبارة " جسدى " فى مجال لتناول ، وردت فى (يو 6 ) 5 مرات ، إحداها " جسد ابن الإنسان " عبارة " دمى " للتناول وردت بنفس الطريقة اربع مرات ( انظر يو 6 : 51 ، 53 ، 54 ، 55 ، 56 )

هل يمكن إنكار كل هذه النصوص الإلهية ، لأن العقل اتجه اتجاها آخر للفهم ؟!

ومما يؤكد تأكيد المعنى الحرفى لهذه النصوص الإلهية كما قيلت ، ثلاث حقائق هامة ، وهى :

16-بركات التناول :

إنها بركات روحية فائقة جداً ، لا يمكن أن تكون من خبز عادى . ومنها الحياة الأبدية ، الثبات فى الرب ، غفران الخطايا .

وفى هذا الموضع ، يصرح الرب بنفسه قائلاً :

" من يأكل جسدى ويشرب دمى ، فله حياة أبدية ، وأنا أقيمة فى اليوم الأخير ( يو 6 : 54 ) . " من يأكل جسدى ويشرب دمى ، ويثبت فى وأنا فيه " ( يو 6 : 56 ) . " من يأكلنى فهو يحيا بى " ( يو 6 : 57 ) . " هذا هو دمى الذى للعهد الجديد ، الذى يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " ( مت 26 : 28 ) . " جسدى الذى يبذل عنكم .. دمى الذى يسفك عنكم " ( لو 22 : 19 ، 2. ) .

أنستطيع أن تقول إن هذه البركات كلها ، تنبع من خبز عادى ، ومن خمر عادية ، تصنع للذكرى ؟ مستحيل ..

أيكون الخبز العادى سببا للحياة ، و الثبات فى الله ، من يصدق هذا ؟!

أما إن كانت هذه البركات من الجسد الذى بذل عنا ، ومن الدم الذى شفك عنا ، فهذا كلام يمكن فهمه لاهوتياً . ومن له اذنان للسمع فليسمع ..

هذا من جهة البركات . أ ما الحقيقة الأخرى المقابلة فهى :

17-عقوبات لمن يتناول بغير استحقاق :

وهذه يشرحها القديس بولس الرسول فى ( 1كو 11 ) قائلا :

" إذن أى من أكل هذا الخبز ، أو شرب كأس الرب ، بدون استحقاق ، يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه " ( 1كو 11 : 27 ) .

ويتابع الرسول كلامه فيقول : " ولكن ليمتحن الإنسان نفسه ، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس " .

هل الخبز العادى يحتاج إلى كل هذا الاستعداد ، و إلى أن يمتحن افنسان نفسه اولاً ؟!

وهل الخبز العادى نقول فيه استحقاق أو عدم استحقاق؟!

وهل الذى يأكل الخبز العادى للذكرى فى مناسبة مقدسة ، نقول عنه إنه يكون مجرماً إن أكله بغير أستحقاق تكون له هذه الخطورة ، إن كان الإنسان مجرماً فى جسد الرب ودمه ؟ هذا هو المفهوم السليم .

وهنا نجد أن الرسول يقول صراحة ، إن هذا الخبز ، وما تحويه هذه الكأس ، هما جسد الرب ودمه ولنسأل إذن ما هو لاستعداد لهذا السر ؟

قال الرسول : " ليمتحن الإنسان نفسه ، وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس " ( 1كو 11 : 28 ) . إذن يفحص الإنسان نفسه ليرى هل هو مستحق أم لا .

وعلامة الاستحقاق أن يكون تائباً بعيداً عن الشر ، وعن الشركة مع الشياطين .

وفى هذا قال الرسول : " لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين . لا تقدروا تشتركوا فى مائدة الرب وفى مائدة الشياطين " ( 1كو 1. : 21 ) .

ذلك لأنه " لا شركة للنور مع الظلمة ، ولا للمسيح مع بليعال " ( 2كو6 : 14 ، 15 ) . وبتابع الرسول كلامه عن التناول بغير استحقاق ، فيقول : " لأن الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق ، يأكل ويشرب دينونة لنفسه ، غير مميز جسد الرب " ( 1كو 11 : 29 ) .

وبذكر بين تفاصيل هذه الدينونة عقوبات صعبة منها قوله فى التناول بغيراستحقاق : " من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى ، وكثيرون يرقدون . لأننا لو حكمنا على أنفسنا ، لما حكم علينا " ( 1كو 11 : 3. ، 31 ) .

فهل أكل الخبز العادى ، تصل عقوباته إلى المرض و الموت ؟

وهل الخبز العادى الذى للذكرى ، من يتناوله بدون استحقاق ، يأكل ويشرب دينونة لنفسه ؟! اليس هذا ينطبق فى حالة ما إذا كان بغير استحقاق يتناول جسد الرب ، وهو غير مميز جسد الرب كما قال الرسول .. ؟

نلاحظ أن بولس الرسول ذكر عبارة جسد الرب 3 مرات .

وذلك فى نفس الاصحاح ( 1كو11 ) ، حيث يذكر أن الرب قال : " هذا هو جسدى الكسور لأجلكم " ( ع 24 ) وفى الكلام عمن يتناول بدون استحقاق يقول : " يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه " و " غير جسد الرب " ( 1كو 11 : 27 ، 29 ) .

ذكرنا الآن حقيقتين هما : بركات التناول ، وعقوبات من يتناول بغير استحقاق . أما الحقيقة الثالثة فهى :

18-خسارة من لا يتناول :

فى هذا يقول الرب : " الحق الحق اقول لكم : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، لا تكون حياة فيكم " ( يو 6 : 53 ) . وطبعاً الحرمان من الحياة ، لا يمكن أن يكون بسبب عدم أكل خبز عادى لأجل الذكرى .. إنما الحرمان من الحياة ، يأتى حقاً من عدم التناول من الدم الكريم الذى شفك عنا لأجل مغفرة الخطايا ( مت 26 : 28 ) وكذلك عدم التناول من خبز الحياة النازل من السماء ، أى جسد الرب ، المن الحقيقى .. تنتقل إلى حقيقة أخرى ، فنقول :

19-الدم المسفوك يعنى ذبيحة :

قال الرب لتلاميذ أثناء تقديمة هذا السر .. " هذا هو دمى الذى للعهد الجديد ، الذى يسفك من أجل كثيرين " ( مر 14 : 24 ) وقال : " .. دمى الذى يسفك عنكم " ( ( لو 22 : 2. ) . وكرر نفس العبارة فى ( مت 26 : 28 ) . ولا شك أن عبارة الدم المسفوك تعنى أن هناك ذبيحة . وكذلك عبارة " جسدى المكسور لأجلكم " ( 1كو 11 : 24 ) " جسدى الذى يبذل عنكم " ( لو 22 : 19 ) .

ومادامت هناك ذبيحة بدم مسفوك وجسد مكسور مبذول ، إذن لابد من وجود مذبح ، و المذبح يحتاج إلى خادم للمذبح ، أى إلى كاهن ، هو الذى يقدم الذبيحة .

على على أن هناك نقطة هامة جداً ، فى هذه الذبيحة وهذا الدم المسفوك ، وهى أن ذلك لمغفرة الخطايا .

20-دم مسفوك ، لمغفرة الخطايا :

" أخذ الكاس وشكر ، وأعطاهم قائلا : شربوا منها كلكم ، لأن هذا دمى الذى للعهد الجديد ، الذى يسفك من أجل كثيرين ، لمغفرة الخطايا " ( مت 26 : 27 ، 28 ) .

ومادام هذا الدم لمغفرة الخطايا ، إذن ليس هو لمجرد الذكرى .

وإذن ليس هو مجرد خمر ادى ، لأن الخمر العادية لا علاقة لها بمغفرة لها بمغفرة الخطايا ، لأنه " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( رو 9 : 22 ) .

إذن عبارة " مغفرة الخطايا " دليل على أن هذا الدم هو دم المسيح . ونحن فى القداسات الإلهية ، نتذكر هذه العبارة جيداً ، فيردد الكاهن نفس قول المسيح : " يعطى لمغفرة الخطايا " ..

21-ولذلك ارتبط هذا السر بالحياة :

وذلك لأن " أجرة الخطية هى موت " ( رو 6 : 23 ) . وبالمغفرة التى ننالها بهذا السر ، بالدم المسفوك ، نخلص من الموت الخاص بكل خطية فعلية نرتكبها ، و ننال الحياة . لذلك قال الرب : " من يأكل جسدى ويشرب دمى ، فله حياة أبدية " ( يو 6 : 54 ) " إن أكل أحد من هذا الخبز ، يحيا إلى البد . و الخبز الذى أعطى هو جسدى الذى أبذله من أجل حياة العالم " ( يو 6 : 51 ) . انه الخبز " الواهب الحياة للعالم " ( يو 6 : 33 ) . لذلك قال الرب : " من يأكلنى يحيا بى " ( يو 6 : 57 ) .

ومادام التناول يعطى حياة ، لذلك من ينفصل عنه ، وعن الإيمان به ، لا تكون له حياة . هكذا قال المسيح ( يو 6 : 53 ) .

22-هذا السر يذمرنا بكهنوت ملكى صادق :

لقد قال بولس الرسول فى وضوح تام ، عن كهنوت المسيح إنه : " على رتبة ملكى صادق ، لا يقال على رتبة هرون " ( عب 7 : 11 ) وإنه كان لابد " على شبه ملكى صادق يقوم كاهن آخر " ( ( عب 7 : 15 ) . ويركز الرسول على هذا الكهنوت المالكى صادقى فيقول فى المقارنة بين السيد المسيح وكهنة العهد القديم : " لأن أولئك بدون قسم قد صاروا كهنة . أما هذا فبقسم من القائل له : أقسم الرب ولن يندم أنك أنت هو الكاهن إلى الأبد على رتبة ملكى صادق " ( عب 7 : 21 ) . وقد اقتبس بولس الرسول هذا النص كله من البنؤة التى وردت فى المزامير عن المسيح ( مز 11. : 4 ) . فما هو هذا الكهنوت الذى كان لملكى صادق ؟

ملكى صادق لم يقدم ذبيحى دموية . إنما قدم خبزاً وخمراً ( تك 14 : 18 ) أوقل قدم الذبيحة الإلهية بشكل الخبز و الخمر ، كما فعل السيد المسيح فى يوم

الخميس الكبير . وهنا كان كهنوت المسيح على مثاله ، كما أنه لم يكم كهنوتاً عن طريق الوراثة كما كان هرون ، بل كان فى الكهنوت بلا أب بلا أم بلا نسب ( عب 7 : 2 ) .

إن ذبيحة الخمر و الخبز ، تذكرنا بالبركات التى نالها يعقوب : قال أبونا إسحق عن ابنة : " جعلته سيداً لاخوته .. وعضدته بحنطة وخمر " ( تك 27 : 37 ) . وفى مباركته ليعقوب قال له : " ليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض ، وكثرة حنطة وخمراً " ( تك 27 : 28 ) .. كان لابد أن يأتى من نسل يعقوب من تتبارك به جميع قبائل الأرض ، ومن يستخدم الحنطة و الخمر و الخمر حسب كهنوت ملكى صادق ، ويقول عنها : " هذا جسدى .. هذا دمى .. لمغفرة الخطايا " .

ملكى صادق اعتبر كاهناً ، مع أنه لم يقدم ذبيحة حيوانية ، وإنما قدم قدم ذبيحة الخبز و الخمر . و السيد المسيح جاء كاهناً على طقس ملكى صادق ..

إذن هناك كهنوت بتقديم ذبائح حيوانية ، وهو الكهنوت الهرونى . وكهنوت بتقديم الخبز و الخمر ، وهو كهنوت ملكى صادق المستمر معنا إلى اليوم ..

عبارة " كاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق " ، معناها أن تقديم ذبيحة الخبز و الخمر تظل قائمة ولا تنتهى ، طالما نحن على الأرض فى حاجة إلى مغفرة الخطايا .

سنرجع إلى هذه النقطة ، حينما نتعرض إلى اعتراضات من الطرف الاخر ونرد عليها

23-الأعتراض الأول : كيف يكون الشئ تذكاراً لنفسه :

فالسيد المسيح يقول : " اصنعوا هذا لذكرى " . فكيف يكون تذكار الذبيحة هو الذبيحة نفسها ؟

نقول لا مانع مطلقا فى أن يكون الشئ تذكاراً لنفسه ومثال ذلك المن الذى كان يرمز إلى المسيح المن الحقيقى : كان بنو إسرائيل يضعون فى تابوت العهد قسط المن ، يحتفظونه فيه ببعض المن ، تذكاراً للمن الذى أكلوه أربعين سنة فى البرية . وذلك حسب أمر إلهى ، اعلنه موسى التبى لرئيس الكهنة هرون ( خر 16 : 33 – 35 )

وهكذا كان المن الذى فى القسط ، تذكاراً للمن الذى أكلوه .

24-الاعتراض الثانى : كيف يكون طعاماً روحياً وهو مادة ؟

و الجواب إن عبارة " طعاماً روحياً " هى تعبير كتابى اطلق على المن ، وهو رمز للافخارستيا ، للسيد المسيح المن السماوى .

قال بولس الرسول عن بنى إسرائيل فى برية سيناء تحت قيادة موسى النبى : " وجميعهم أكلوا طعاماً واحداً روحياً ، وجميعهم شربوا واحداً روحياً ، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم ، و الصخرة كانت المسيح " ( 1كو 1. : 3 ، 4 ) إن الصخرة التى تفجر منها ( مز 78 : 2. ) كانت ترمز أيضاً إلى السيد المسيح .

إن الخبز هو مادة ، ولكنه إذ يتحول غلى جسد الرب ، يصبح طعاماً روحياً أى نافعاً لأرواحنا ، أوغذاء لأرواحنا . والمثل الخمر المتحولة إلى دم المسيح ..

25-الاعتراض الثالث : يقولون إن ذبيحة المسيح واحدة لا تتكرر .

نقول حقاً إنها واحدة ، ولكنها مستمرة ..

إنها ذبيحة مستمرة معنا إلى أن يجئ الرب ، والدليل على هذا ان الرب قال عن هذا السر المقدس : " اصنعوا هذا لذكرى " . فلو كان لا يريد له الاستمرار ، ما كان يقول : " اصنعوا هذا .. إلى أن أجئ " ، وما كان قد سلمه لبولس الرسول بعد سنوات من قيامته ( 1كو11 ) . وهذا السر يستمر ، لأن الرب كاهن إلى الأبد يقدم ذبيحته على طقس ملكى صادق ( مز 11. : 4 ، عب 7 : 21 ) .

إن عبارة : " أنت كاهن إلى الابد على طقس ملكى صادق " تعنى دلالة على استمرار كهنوته بهذا الطقس ( تك 14 : 18 ) .

كذلك لهذا السر بركات عظيمة شرحناها ، ووردت فى ( يو 6 ) . واستمرارها فائدة كبيرة للمؤمنين . كما أن بالحرمان منها " لا تكون لهم حياة " (يو 6 : 53 ) .

26-لماذا إذن التركيز عل عبارة : " اصنعوه لذكرى " وترك كل الآيات الأخرى المتعلقة بالموضوع ؟‍!

لماذا تجاهل الآيات التى وردت فيها العبارات الآتية :

هذا هو جسدى .. هذا هو دمى . جسدى المكسور عنكم .. دمى المسفوك عنكم .

يبذل عنكم .. يسفك عنكم وعن كثيرين . لمغفرة الخطايا .

الخبز الحى النازل من السماء . من يأكل جسدى ويشرب دمى .. يثبت فى وأنا فيه .. يحيا بى . الذى يأكل ويشرب بدون استحقاق ، يأكل ويشرب دينونة لنفسه . غير مميز جسد الرب . يكون مجرماً فى جسد الرب ودمه ..

هل ننسى كل هذه الآيات ، من أجل عبارة " لذكرى " ؟

نعم نحن نذكره فيما نتناول جسده ودمه :

نذكر الفداء العظيم الذى قدمه لنا . نذكر موت عنا . نبشر بموته الكفارى هذا إلى أن يجئ .. نذكر حبه الذى أصعده على الصليب محرقة وذبيحة خطية .. وهذه الذكرى كلها ، لا تمنعنا مطلقاً من الإيمان بقوله : هذا جسدى .. هذا دمى .

وأيضاً عبارة : " كلما أكلتم " و " كلما شربتم " تعنى استمرار هذا السر الذى قدمه يوم الخميس الكبير .

27-أما عملية استحالة الخبز و الخمر ، فتظهر فى قول المسيح : " هذا جسدى .. هذا دمى .. " . ولم يقل : هذا مثال جسدى ومثال دمى . ولم يقل : هذا يذكركم بجسدى وبدمى .

كذلك بولس الرسول لم يقل عمن يتناول بدون استحقاق : يكون مجرماً فى مثال جيد الرب ، بل قال يكون مجرماً فى جسد الرب .

أما الذى يقول مثال جسد الرب ، فهذا ينطبق عليه قول الرسول : " غير مميز جسد الرب " ..

إن كان أحد يهتم بالحق الكتابى ، فليسمع كل ما قلناه من آيات ، وكلها على فم السيد المسيح ، وعلى فم رسوله بولس .

إن الحق الكتابى هو كل الكتاب . فكل الكتاب موحى به من الله ، ونافع للتعليم ( 2تى 3 : 16 ) . ولا يجوز أن نأخذ التعليم من آية واحدة فقط !

إذن فالاعتراف على الله وحده ليس تعليما كتابياً .

فالكتاب يقول أيضاً : اعترفوا بعضكم على بعض بالزلات ( يع 5 : 16 ) نبدأ من هنا ، يشرح موضوع الاعتراف على الكاهن ، و اثباته بالأدلة الكتابية من العهدين ، ومن الفترة التى بين العهدين أيضاً :

4-كان الاعتراف على الكاهن أمراً معروفاً منذ بدء الشريعة المكتوبة ، ومنذ بدء شريعة الذبائح ..

فكان الخاطئ يذهب إلى الكاهن ، ويقر بخطيئته ، فيخبره الكاهن بنوع الذبيحة التى تقدم عنه . فيأتى بالذبيحة إلى الكاهن ،ويضع يده على الذبيحة ، ويقر بخطيئته لتحملها الذبيحة عنه ، وفى هذا يقول الوحى الإلهى :

" فإن كان يذنب فى شئ من هذه ، يقر بما قد أخطأ به ، ويأتى إلى الرب بذبيحة لإثمه عن خطيته التى أخطأ بها " ( لا 5 : 5 ، 6 ) .

وقيل أيضاً : " .. قد أذنبت تلك النفس ، فلتقر بخطيتها التى عملت وترد ما أذنبت به .."( عد 5 : 6 ، 7 ) .

وفى قصة خطيئة داود ، وتوبيخ ناثان له على خطيته :

5-نرى داود النبى يقول لناثان : " أخطأت إلى الرب " ( 2صم 12 : 13 ) .

ويسمع داود كلمة الحل مباشرة : " الرب قد نقل عنك خطيئتك . لا تموت " .

الاعتراف على الكهنة فى العهد القديم ، كان أمراً مستمراً متبعاً فى كل خطيئة تقدم عنها ذبيحة . واستمر طول ذلك العهد .

6-وفى فترة ما بين العهدين أيضاً ، حيث كان الشعب يعترفون على يوحنا

المعمدان الكاهن ابن زكريا الكاهن ، وهم يعتمدون منه . وفى ذلك يقول الإنجيل " اعتمدوا منه من الأردن ، معترفين بخطاياهم " ( مت 3 : 6 ) .

إذن فالاعتراف ليس شيئاً مستحدثاً فى العهد الجديد ، إنما هو استمرارية لشريعة موجودة منذ القدم ..

7-وفى العهد الجديد ، واستمر الاعتراف على الاباء الكهنة . وأعطى السيد المسيح سلطان الحل و الربط للرسل فى شخص بطرس قائلا له :

"واعطيك مفاتيح ملكوت السموات . فكل ما تربطه على الأرض ن يكون مربوطاً فى السموات . وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً فى السموات " ( مت 16 : 19 )

وهذا السلطان الذى سلمه الرب لبطرس ، لم يكن له وحده فقط كفرد ، إنما سلمه لجميع الرسل أيضاً قائلاً لهم : " الحق اقول لكم ، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماء " ( ( متى 18 : 18 ) .

8-و العجيب أن البعض ممن يتمسكون بكل حرف فى الأنجيل .. يحاولون أن يفسروا هذه الاية بتفسير من عندياتهم ، لا سند له من الكتاب اطلاقاً !!

فيقولون إن السيد المسيح أعطى هذا السلطان للتلاميذ لكى يعطوا بدورهم الحل بالأكل من الأطعمة التى كانت محرمة من قبل ، مثل أكل لحم الخنزير ..!

وهنا نرى عجباً ! هل مكافأة بطرس الرسول على اعترافاته بلاهوت المسيح ، الأمر الذى فى السموات .. أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابنى كنيستى .. " ( مت 16 : 17 ، 18 ) .. هل مكافأة كل ذلك ، أن يعطيه السلطان على محاللة الناس فى أكل لحم الخنازير ؟

وهل مفاتيح ملكوت السموات هى أكل لحم الخنازير ؟!

هوذا الرب يقول له : " واعطيك مفاتيح ملكوت السموات . فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً فى السموات . وكل وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً فى السماء " . فهل هذا السلطان العظيم كله ، يتلخص فى أكل لحم الخنازير ..

وحتى بطرس لم يفهم الحل بهذا المعنى اطلاقاً ، ولا الرسل :

ففى قصة إيمان كرنيليوس ، لما أعلن الرب قبول الأمم بطريقة رمزية بملاءة نازلة من السموات ، فيها من كل دواب الأرض و الوحوش و الزحافات ، وقيل لبطرس اذبح وكل .. أجاب بطرس قائلا : " كلا يا رب ، لانى لم آكل قط شيئا دنساً أو نجساً " ( أع 1. : 14 ) .

فلو أنه فهم الحل و الربط بهذا المعنى العجيب ، ما كان يقول : كلا يا رب ، لأنى لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً .

أما المحاللة فى أكل شتى الأطعمة ، فقد أتت فى قول الرب له هنا ثلاثة مرات : " ما طهره الله ، لا تدنسه أنت " ( أع 1. : 15 ) .

وفهم بطرس هذا الحل ، على أنه محاللة لقبول الأمم ، وليس لمجرد قبول أكل الخنازير و الجمال ! ( لا 11 : 4- 7 ) .

إن المحاللة لأكل الأطعمة ، يشرعها الله بتعليم بسيط واضح ، مثل قول الكتاب : " لا يحكم عليكم أحد فى أكل أو شرب .. " ( كو 2 : 16 ) . ولا يستدعى الأمر اعطاء الرسل سلطاناً يجولون به الأرض ، لكى يحاللوا الناس فى أكل لحم الخنزير فى شرق الأرض وغربها ، سواء كانوا يهوداً ..و تعبر هذه : " مفاتيح ملكوت السموات " !!

9-على أن الرب أوضح معنى الحل و الربط بقوله للرسل :

" اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . ومن امسكتم خطاياه امسكت " ( يو 2. : 22 ، 23 ) . و السلطان هنا صريح ، لا لبس فيه ولا خنازير ..

وقد مارس الآباء الرسل سلطان الحل و الربط بهذا المعنى . وهكذا نرى ان فهم ( متى 16 : 19 ، 18 : 18 ) يكمل بفهم ( يو 2. : 23 ) . وكل هذه النصوص الإلهية تسير معاً فى معنى واحد منسق . وكلها من فم السيد المسيح نفسه ..

1.- و الدليل الكتابى على أن الرسل وخلفاءهم مارسوا هذا السلطان ، و كانوا يتقبلون اعترفات الناس ، هو ما ورد فى سفر أعمال الرسل :

" وكان كثيرون من الذين آمنوا ، يأتون مقرين و مخبرين بأفعالهم " ( أع 19 : 18 ) فلو كان الاعتراف بالخطايا هو على الله وحده ، ما كان الآباء الرسل ، أعمدة الكنيسة يجرءون على تقبل الاعترافات ! وما كان يوحنا المعمدان يقبل ذلك ، بل كانوا كلهم يعلمون ضد هذا ..

11-ولو كان الاعتراف على الله وحده ، ما كان يعقوب الرسول يقول :

" اعترفوا بعضكم على بعض بالزلات " ( يع 5 : 16 ) .

وعبارة " بعضكم على بعض " تعنى بشر على بشر . وهذا لا يعنى أن الاعتراف هو لله وحده . ويفسر القديس اوغسطينوس هذه الآية بالاعتراف على من له الحق فى ذلك ، أى الكهنة . كما يقال علموا بعضكم بعضاً ، أى أن القادر على التعليم يقوم بتعليم طالب العالم ، ولا يعلم جاهل جاهلاً .

وحتى إن كان أى إنسان يمكنه أن يعترف على أى إنسان ، بحكم هذه الآية ، فإن الاعتراف على الكاهن هو من باب أولى .

وذلك باعتبار مركزه وأبوته ، وسلطته التى اعطيت له المغفرة الخطايا ، وبحكم كتمانه للسر قانوناً ، كل تلك الأمور التى لا تتوافر أحد من العلمانيين .

13-ونحب هنا أن نقول إن قبول الكاهن لاعترافات الناس ليس هو اغتصاباً لحقوق الله ، وإنما حقيقة الاعتراف هى :

أن يعترف الإنسان على الله ، فى سمع الكاهن . أو يدين الخاطئ نفسه ، أمام الله فى سمع الكاهن .

فالكاهن ليس شخصاً منفصلاً فى عمله عن الله ، إنما هو مفوض ليقوم بهذا العمل ، كوكيل لله ( تى 1 : 7 ) . و تعجبنى جداً فى هذا المجال ، عبارة قالها يشوع بن نون لعخان بن كرمى ، تنطبق على موقف المعترف من الكاهن . قال له :

" اعترف إلى الله ، واخبرنى الآن ماذا فعلت " ( يش 7 : 19 ) .

اخبرنى ، " لا تخف عنى " ( يش 7 : 19 ) . وهذا لا يمنع مطلقاً من أنك فى نفس الوقت ، تعترف لله ..

14-على أن أى شخص عادى تعترف عليه ، سيصالحك إن كان هو المساء إليه ، أو يرشدك إن كان مرشدا روحياً .

ولكنه لا يستطيع أن يحالك ، فهذا ليس من سلطانه .

إن منح الحل هو من عمل الآباء الكهنة الذين قيل لهم : " كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء " ( مت 18 : 18 ) ، و الذين قيل لهم أيضاً : " من غفرتم خطاياه تغفر له " ( يو 2. : 23 ) .

وهكذا يخرج الخاطئ من عند الكاهن مطمئناً واثقاً بالمغفرة .

وهذه الثقة تأتيه من وعود الله نفسه ، ومن السلطان الذى منحه لكهنته ، من أن هذا الحل على الأرض يصير به مجاللا فى السماء حسب قول الرب .

15-على أن البعض يقول يقول : كيف يجرؤ الكاهن أمام الله ان يغفر للناس ؟ بينما المغفرة هى من عمل الله ؟

16-الكاهن لا يتجاسر على هذا العمل من تلقاء نفسه ، غنما هو مفوض لذلك من الله الذى قال : " ما تحلونه على الأرض على الأرض .. من غفرتم خطاياه " ( مت 18 : 18 ) ( يو 2. : 23 )

17-وهذا الأمر مارسه ناثان الذى قال لداود النبى : " الرب نقل عنك خطيئتك . لا تموت " ( 2صم 12 : 13 ) .

18-وتحضرنى هنا قصة مناسبة ، هى قصة السارافيم مع إشعياء .

يرويها إشعياء النبى قائلا : " .. رأيت السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع ، وأذياله تملأ الهيكل . السارافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة .. وهذا نادى ذاك وقال : قدوس قدوس قدوس رب الجنود ، مجده ملء كل الأرض . فاهتزت أساسات العتب " . (ش 6 : 1-4) . انظروا الصورة جيداً .

الرب موجود فى مجده ، مجالس على عرشه ، وحوله السارافيم يسبحونه . وقد ارتجت أساسات عتب الهيكل من صوت التسبيح ..

فما الذى حدث ؟ صرخ إشعياء من جلال المنظر قائلاً : " ويل لى قد هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين " . فلم تحتمل الملائكة عبارة : " ويل لى ، قد هلكت " .. فماذا كانت النتيجة ؟ يقول إشعياء : " فطار إلى واحد من السارافيم ، وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح . ومس بها فمى . وقال إن هذه قد مست شفتيك ، فانتزع إثمك ، وكفر غن خطيتك " ( إش 6 : 6 ، 7 ) .

وهنا – فى وجود الله على عرشه – سمع إشعياء كلمة الحل من واحد من طغمة السارافيم ، وليس من فم الله . قال له الملاك : " انتزع إثمك ، وكفر عن خطيتك "

وكيف نال هذا الحل ؟ بجمرة من على المذبح ، ونطق من الملاك يقول : " انتزع إثمك ، وكفر عن خطيتك . وكان هذا رمزاً لملاك الكنيسة ، أى الكاهن ، الذى يستطيع بجمرة من على المذبح تمس شفتيك ، أن يقول لك : " قد انتزع إثمك " .

أتستطيع إذن أن تناقش السارافيم وتقول كيف يمكن لفم أن ينطق الحل فى وجود الله ؟! يقول لك داود النبى عن أمثال هؤلاء الملائكة : " .. ملائكته المقتدرين قوة الفاعلين أمره " ( مز 1.3 : 2. ) .

سنذكر أمثلة عديدة ، فيها السلطان للرسل ، وليس لجميع الناس ، وطبعاً لخلفاء الرسل من بعدهم فى عمل الكهنوت .

19-سلطان بولس الرسول بالنسبة إلى خاطئ كورنثوس ( 1كو 5 ) .

يتكلم الرسول بسلطان فيقول : " .. قد حكمت – كأنى حاضر – فى الذى فعل هذا هكذا ، باسم ربنا يسوع المسيح .. أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد ، ولكى تخلص الروح فى يوم الرب يسوع " ( 1كو 5 : 3- 5 ) . وختم الرسول كلامه بقوله : " فاعزلوا الخبيث من بينكم " ( 1كو 5 : 13 ) . وعزل الخاطئ excommunicated

ثم عاد القديس بولس فحالله فى رسالته الثانية . عفا عنه :

وقال فى ذلك : " مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذى ( ناله ) من الأكثرين . حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحرى وتعزونه ، لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط . لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة " ( 2كو 2 : 6-8 ) .

ونفذ الشعب الأمر الكهنوتى الذى أصدره الرسول عقوبة وعفواً .

هو الذى ربط ، وهو الذى حل . و الشعب أطاع ونفذ .. إنه سلطان كهنوتى مارسه الرسول . وما كان أحد يناقشه فيه .

2.-وقد تحدث الرسول عن سلطان الكهنوتى هذا ، فى نفس هذه الرسالة الثانية إلى أهل كورنثوس . فقال لهم : " فإنى وإن افتخرت شيئاً بسلطاننا الذى أعطانا إياه الرب لبنيانكم لا لهدمكم ]، لا أخجل " ( 2كو 1. : 8 )

كرر نفس العبارة أيضاً فى آخر الرسالة قائلاً : " لذلك أكتب بهذا وأنا غائب ، .. حسب السلطان الذى أعطانى إياه الرب لبنيان لا للهدم " ( 2كو13 : 1. ) .

21-واستخدام الرسول سلطان ( الأناثيما) أى القطع و الحرام .

وذلك فى رسالته إلى أهل غلاطية ، حيث قال : " إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم ، فليكن أناثيما " ( غلا 1 : 8 ) وكرر نفس العبارة قائلاً : " كما سبقنا فقلنا ، أقول الآن أيضاً : إن كان أحد يبشرككم بغير ما قبلتم ن فليكن أناثيما . ( أى محروما ) " ( غلا 1 : 9 ) . وعلق القديس باسيليوس الكبير على عبارة القديس بولس الرسول قائلاً : إن بولس الرسول جرؤ أن يحرم ملائكة ..

22-وينذر القديس بولس بسلطانه على معاقبة المخالفين قائلاً :

" .. الآن أكتب للذين أخطأوا من قبل ، ولجميع الباقين : إنى إذا جئت أيضاً ، لا أشفق " ( 2كو 13 : 2 ) . ويقول لهم كذلك : " مستعدين أن ننتقم على كل عصيان ، متى كملت طاعتكم " ( 2كو 1. : 6 ) .

هنا إذن سلطان : يأمر ، ويحكم . ويفرز من جماعة المؤمنين ، ويحرم ، ويعفو . وهو سلطان من الرب ، مارسه الرسل ، وخلفاؤهم من بعدهم

23-ومن أمثلة عدم الشركة مع جماعة المؤمنين ، قول الرسول لأهل تسالونيكى : ط إن كان أحد لا يطيع كلامنا بالرسالة ، فسموا هذا ولا يخالطوه ، لكى يخجل " ( 2تس 3 : 14 ) . وقوله أيضاً : " نوصيكم ايها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح ، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب ، وليس حسب التعليم ( التقليد ) الذى أخذه منا " ( 2تس 3 : 6 ) .

وهنا أيضاً حكم من السلطان الكهنوتى ، وتنفيذ من الشعب .

هنا ، ونرد على اعتراض طالما يردده البروتستانت وهو :

يظن الاخوة البروتستانت أن الكاهن يغفر الخطايا بسلطانه الخاص ، وليس بسلطان من الله أعطى له .. ! كما لو كان قد اغتصب حقاً من حقوق الله تبارك اسمه ، أتجرأ أن يعمل عملاً إلهياً ، وهو بشر !! وسنورد هذا الاعتراض ، ونرد عليه بالأدلة اللاهوتية و الكتابية ، لتوضيح ما يفعله الكاهن بالضبط ..

24-يقولون إن الغفران هو لله وحده ، حسب قول الكتاب : " من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده " ( مر 2 : 7 ) . والله هو الذى قيل عنه فى المزمور : " غفرت إثم شعبك . سترت جميع خطاياهم " ( مز 85 : 2 ) . وهو الذى خاطبه السيد المسيح على الصليب قائلاً : " يا ابتاه اغفر لهم " ( لو 23 : 34 ) . فكيف إذن تقولون إن الكاهن بغفر الخطايا ؟!

25-أولا – لسان نحن الذين نقول ، إنما هذا قول المسيح :

هو الذى قال : " من غفرتم خطاياه تغفر له " ( يو 2. : 23 ) . وهو الذى قال : " ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السماء " ( مت 18 : 18 )

26-ثانيا – هناك ثلاثة أنواع من الغفران ، لكل منهما معناه الخاص : وهى مغفرة الله ، ومغفرة الناس بعضهم لبعض ، و مغفرة الكاهن :

أ-مغفرة الله هى الأساس ، فهو ديان الأرض كلها ( تك 18 : 25 ) . ونحن جميعاً سنقف أمامه فى اليوم الأخير لنعطى حساباً عن أعمالنا . وبدون مغفرته الارلهية ، كل مغفرة أخرى لا تنقذنا من العقاب الأبدى .

ب-ومغفرة الناس بعضهم لبعض ، معناها مساحتهم فى الإساءات الموجهة منهم إليهم ، ومصلحتهم ، وتنازلهم عن حقوقهم الشخصية .

وهذا أمر يطلبه الله نفسه : " اذهب أولا اصطلح مع أخيك " ( مت 5 : 24 ) . وتوضحها الآيات الآتية :

" إن أخطأ إليك أخوك ، فوبخه . وإن تاب فاغفر له . وإن أخطأ إليك سبع مرات فى اليوم ، ورجع إليك سبع مرات فى اليوم قائلاً : أنا تائب ، فاغفر له " ( لو 17 : 3 ، 4 ) . وايضاً سؤال بطرس للرب : " كم مرة يا رب يخطئ غلى أخى وأنا أغفر له ؟ هل إلى سبع مرات " ( مت 18 : 21 ، 22 ) .

وأيضاً نقول فى الصلاة الربانية : " اغفر لنا ذنوبنا ، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا " ( مت 6 : 12 ) . وهنا يظهر النوعان الأولان من المغفرة : مغفرة الله ، ومغفرة الناس بعضهم لبعض .

وهذه هى الطلبة الوحيدة فى الصلاة الربانية ، التى علق عليها الرب قائلا : " فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم ، يغفرلكم أبوكم السماوى . وإن لم تغروا للناس زلاتهم ، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاتكم " ( مت 6 : 14 ، 15 ) .

وقد ورد فى الإنجيل لمعلمنا القديس مرقس المعنى : " ومتى وقفتم تصلون ، فاغفروا إن كان لكم على أحد شئ ، لكى يغفر لكم أيضاً أبوكم الذى فى السموات زلاتكم . وإن لم تغفروا أنتم ، لا تغفر أبوكم الذى فى السموات أيضاً زلاتكم " ( مر 11 : 25 ، 26 ) .

إذن مطلوب من الإنسان أن يغفر . فكيف يغفر إن كان الذى يغفر هو الله وحده ؟ الإجابة ان مغفرة الإنسان لأخيه بمعنى ، وغفرة الله ى بمعنى آخر .

ومغفرة الإنسان لأخيه ، ومعناها مجرد تنازله عن حقه من نحوه ، وليس معنى ذلك ضمان مستقبله الأبدى ، الذى هو فى يد الله ، يغفر له إن كانت توبته صادقة ، ويمحو بالدم الكريم الخطية التى تاب عنها المسئ ، وتنازل عنها المساء غليه . ومغفرة الإنسان لأخيه هى شرط لنواله هو لنفسه المغفرة ، حسبما ورد فى الإنجيل لمعلمنا لوقا : " اغفروا يغفر لكم .. لا تدينوا " ( لو 6 : 37 ) .

وقال القديس بولس فى هذا النوع من المغرة : " محتملين بعضكم بعضاً ، ومسامحين بعضكم بعضاً ، إن كان لأحد على أحد شكوى ، كما غفر لكم المسيح ، هكذا أنتم أيضأ " ( كو 3 : 13 ) .

27- أما مغفرة الكاهن ، فهى من نوع آخر . إنها تدخل فى مغفرة الله ، لأن ما يحله على الأرض يكون محلولاً فى السماء ( مت 16 : 19 ) .

فهل للكاهن هذا السلطان ؟ وكيف يتم إذن الغفران ؟ هذا ما نريد أن نشرحه هنا بالتفصيل :

28-معروف أنه " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عب 9 : 22 ) . إذن لا يمكن أن ينال أحد الغفران إلا بدم المسيح ، سواء سمع كلمة الغفران و المسامحة من الأب الكاهن أو من الأخ الذى غفر له إساءته .

29-واجب الكاهن إذن أن يتحقق من استحقاق الخاطئ لدم المسيح لمغفرة خطاياه ، وذلك بالتحقق من توبته .

فالتوبة هى لنوال المغفرة ، ولإعلان المغفرة ، حسب قول السيد الرب : " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " 13 : 3 ، 5 ) . فإذا اعترف اخاطئ بخطيئته ، أظهر توبته عنها ، وعزمه على تركها ، يعلن له الكاهن مغفرة هذه الخطية ، لأن من فم الكاهن تطلب الشريعة ( ملا 2 : 7 ) . وكيف يتم ذلك ؟

3.-عملية المغفرة التى يعلنها الكاهن ، هى نقل للخطية إلى حساب السيد المسيح ، لكى يحملها عن الخاطئ ، ويمحوها بدمه .

ولذلك حسناً قال ناثان لداود النبى لما اعترف بخطيته : " الرب نقل عنك خطيئتك . لا تموت " ( 2صم 12 : 13 ) .. أى نقلها من حسابك غلى حساب المسيح ، فلا نعطى أنت عنها حساباً . المسيح سيحملها عنك ويمحوها بدمه .

31-إذن الكاهن ليس هو مصدر المغفرة ، إنما هو معلنها .

إنه يعلن للخاطئ المغفرة التى أعطيت له من الله ، عن طريق الكفارة و الفداء ، بالدم الكريم المسفوك لأجله .

إن المغفرة تتم عن طريق الله ، و الكاهن مجرد وكيل له .

ولهذا فإن الكاهن لا يقول للخاطئ مطلقاً : " قد غفرت لك أو حاللتك " ، إنما يقول له : " الله يحاللك " .

32-ومما يدل على ان الله هو مصدر الحل و المغفرة ، هو أن التحليل الذى يناله الخاطئ من الكاهن هو مجرد صلاة يرفعها الكاهن عن الخاطئ ، تسمى صلاة التحليل يقول فيها للرب عن الخاطئ : " اغفر له خطاياه . حالله . باركه . طهره " إن الكاهن له سلطان . وهو يستخدمه هنا كصلاة ..

33-ومن أجمل العبارات التى توضح تحليل الكاهن ، جملة جميلة يقولها الأب الكاهن فى صلاة القداس الإلهى ، فى التحليل الذى يسبق الاعتراف الأخير . يقول عن الشعب

" يكونون القدس يأخذه الكاهن فى السيامة ، أثناء النفخة المقدسة ، وحينما ينفذ فيه الأسقف قائلاً : اقبل الروح القدس . فيفتح الكاهن فمه ويقول : " فتحت فمى واقتبلت لى روحاً " ( مز 119 ) .

ولذلك نلاحظ أن السيد المسيح نفخ فى وجوه تلاميذ القديسين وقال لهم أقبلوا الروح القدس . ثم قال لهم بعدها : من غفرتم خطاياه تغفر له ( يو 2. : 22 ، 23 ) .

34-الروح القدس إذن هو مصدر المغفرة فى الكهنوت . يغفر للناس من فم الكاهن . وكيف يغفر ؟

يقول السيد المسيح عنه : " يأخذ مما لى ويخبركم " ( يو 16 : 14 ) . يأخذ مما لى كأقنوم المعرفة ، ويذكركم بكل ما قلته لكم . وايضاً يأخذ من استحقاقات دمى ، ويخبركم أن خطاياكم قد غفرت .

وكيف يخبركم الروح ان خطاياكم قد غفرت ؟ يخبركم بهذا من فم الكاهن .

إذا قد وضح الموضوع ، ولم يعد فيه لبس . وهو :

أ-الله هو الذى يغفر الخطايا . يغفرها روحه القدوس .

ب-الروح القدس يأخذ من استحقاق دم المسيح ويغفر .

ج-و الروح يعلن مغفرة الخطايا من فم الكاهن .

د-وذلك بالنسبة إلى الخاطئ التائب ، المستحق دم المسيح بتوبته .

ه-وتوبته يتأكد منها الكاهن عن طريق اعترافه عليه 9

و-وحينئذ يصلى طالباً من الله أن يغفر له . ثم يقول له : " الله يحالك " .

" الله يحالك من فمى بروحه القدوس " ..

35-وعموماً ، فإن غالبية الذين يرفضون الاعتراف على الكاهن ، ويقولون إنهم يعترفون على الله مباشرة ، لا يرفضون الاعتراف عقيدياً ، إنما يهربون منه خجلاً . والله يريد لهم هذا الخجل ، حتى لا يعودوا إلى خطاياهم مرة أخرى .

هذا الذى يقول إنه يريد أن يعترف على الله بخطيته ، قد ارتكب هذه الخطية أمام الله بدون مبالاة ولم يخجل ، كما خجل يوسف الصديق من قبل ( تك 39 : 9 ) . ويريد أن يعترف أمام الله وحده ، لكى يهرب مرة أخرى من الخجل .

36-نحن لا نمنعه من الاعتراف أمام الله ، فهذا واجب . وإنما يضاف إلى هذا ، الاعتراف أمام الكاهن . ليس من أجل الخجل فقط ، وإنما لأجل الإرشاد ايضاً ، ولكى يسمح له الكاهن بالتناول من الأسرار المقدسة ، إذا تاكد من توبته .

37-و الذى يعترف على الله وحده بخطاياه ، ربما توجد أمور لا يعتبرها خطايا ، وبالتالى لا يعترف بها . فإن كشفها للكاهن فى الاعتراف يظهر له انها خطية ..

وفى ذلك قال الكتاب : " توجد طريق تبدو للإنسان مستقيمة ، و عاقبتها طرق الموت " ( أم 14 : 12 ، 16 : 25 ) . وهذه الطريق التى عاقبتها طرق الموت ، كيف سيعترف بها أمام الله ، مادامت تبدو فهمه البشرى مستقيمة ؟!

38-إن الاباء الرسل ، حينما تقبلوا من الناس اعترافاتهم ( أع 19 : 18 ) ، إنما كانوا يقومون فى نفس الوقت بخدمة المصالحة .

أى مصالحة الناس مع الله . هذه الخدمة التى قال عنها القديس بولس الرسول : " واعطانا خدمة المصالحة .. إذن نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " ( 2كو5 : 18 : 2. ) .

و المصالحة لا تأتى بالوعظ فقط ، إنما تأتى أيضاً بمعرفة النفس وحروبها وسقطاتها ، وإرشادها إلى كيف تصطلح مع الله .

لأن كثيرين يعترفون لله بخطاياهم ، وفى نفس الوقت لا يعرفون كيف يتخلصون منها ويتوبون . وسر الاعتراف فى الكنيسة نسميه سر التوبة..

39-إن مغفرة الخطايا هى بدم المسيح . وقد سفك المسيح دمه عن العالم كله . ومع ذلك فإن العالم كله لم ينل الخلاص . فليس الجميع مستحقين لهذا الدم . واستحقاق الدم يلزم له الإيمان و المعمودية و التوبة .

و الكاهن أمين على كنوز هذه المغفرة التى قدمها دم المسيح ، يقدمها للمستحقين عن طريق الإيمان و المعمودية أولاً ( مر 16 : 16 ) وعن طريق التوبة بعد ذلك ( لو 13 : 3 ) .

و التوبة يلزمها الاعتراف ، حسب قول الكتاب : " من يكتم خطاياه لا ينجح . ومن يقربها ويتركها ، يرحم " ( أم 28 : 12 ) .

4.-ومن غير المعقول أن يغفر الكاهن خطايا لا يعرفها .

أو ينقل إلى حساب المسيح ، خطايا لا يعرفها ، لكى يمحوها بدمه . أو أن يسمح بتناول شخص من الأسرار المقدسة بدون أن يتأكد من توبته .. لهذا كله ارتبط الاعتراف بالمغفرة .

وأخيراً إن كان الله قد منح الكاهن هذا السلطان ، فلماذا يغار البعض لله ، كأن سلطانه قد أغتصب . هذا ما سنرد عليه فى الفصل إن شاء الله .

وبعد .. بعد كل الذى قلناه عن سلطان الحل و الربط ، مؤيداً باسانيد من الكتاب المقدس ، وبامثلة مما فعله الرسل الأطهار ، وما كان سائداً فى ايامهم ، نريد أن نسال سؤالاً مهما وهو :

ما ذنب رجال الكهنوت ، إن كان الله قد سلمهم هذا السلطان ؟ وقال لهم : " كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً فى السموات ، وكل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً فى السماوات " ( مت 18 : 18 ) كما قال لهم ايضاً : " من غفرتم خطاياه ، غفرت له . ومن أمسكتموها عليه أمسكت " ( يو 2. : 23 ) .

ما ذنبهم إن مارسوا هذا السلطان ، و أو هذه المسئولية ؟

إنسان وضعه الله فى مسئولية أن يعاقب أو أن يعفو ، بناء على معرفته بوصايا الله ، لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة ( ملا 2 : 7 ) . إن مارس هذا الشخص حدود مسئوليته هذه ، فما ذنبه ؟

أكان يستطيع هؤلاء الناس حينما قال لهم الرب : ما تحلونه يكون محلولاً .. وما تربطونه يكون مربوطاً .. " أكانوا يستطيعون أن يقولوا : حاشا لنا يا رب أن نمارس سلطانك قل لنا كلاماً غير هذا !!

1-غيرة خاطئة .

2-القاب المسيح لأولاده .

3- الله يمجد خليقته .

4-الله يعظم خليقته

5-ما معنى مجدى لا أعطيه لآخر ؟

1-الذين ينكرون الكهنوت ، يغارون لله غيرة خاطئة .. !

ويظنون أننا نأخذ ويظنون أننا نأخذ مجد الله ، ونعطيه للكهنوت !

ويحتجون بقول الله : " مجدى لا أعطيه لآخر "" ( إش 42 : 8 ) . كما لو كنا نحن نمنح الكهنوت صفات أو ألقاباً ليست له ! أو نمنحه سلطاناً واختصاصات ليست له ، أو نقابله باحترام وتوقير يليق بالله وحده ، ولا يجوز منحه للبشر !

وفى هذا الفصل نريد أن نبحث هذه الغيرة فى ضوء التعليم الكتابى ، فى ضوء كلام الله نفسه ، ونرى هل هى غيرة عن معرفة أم لا ( رو 1. : 2 ) .

1-تذكرنى غيرة هؤلاء الاخوة بغيرة يشوع لموسى ( عدد 11 ) .

حدث أن الله أمر موسى النبى أن يختار سبعين رجلاً من الشيوخ المشهورين بالمعرفة لكى يحملوا معه ثقل الشعب ن فلا يحمل ذلك وحده . قال له " فأنزل أنا معك هناك ، وآخذ من الروح الذى عليك وأضع عليهم ن فيحملون معك ثقل الشعب " ( عد 11 : 16 ، 17 ) .

وحدث كما أمر الرب . ونزل الرب فى سحابة وكلم موسى . وأخذ من الروح الذى عليه وجعله على السبعين رجلاً الشيوخ . فلما حل عليهم الروح تنبأوا . ولكنهم لم يزيدوا ( عد 11 : 25 ) . " وبقى رجلان فى المحلة : اسم الواحد ألداد ، واسم الآخر ميداد ، فحل عليهم الروح .. فتنبآ فى المحلة . فركض غلام وأخبر موسى ويشوع . فغار يشوع لموسى ، وأراد ردعهما . ولكن النبى العظيم موسى ، وبخ تلميذه يشوع على هذا قائلاً له :

هل تغار أنت لى ؟! يا ليت كل شعب الله كانوا أنبياء ، إذا جعل الرب روحه عليهم " ( عد 11 : 29 ) .

هكذا كان موسى النبى أعلى من مستوى الغيرة .. فلماذا نقول إذن عن الله – فى كل عظمته التى لا تقاس - ؟! أيغار الله ؟!

إن الله أعظم من أن يغار ، فالغيرة هى للصغار ..

3-على أننى أحب أيضاً أن لا أترك هذه القصة التى فيها يشوع لموسى ، بدون ملاحظة و هامة ، ترينا مدى إكرام الله لأولاده ومعاملته لهم بمعاملة ترتفع جداً عن مستوى الغيرة . إننا ولا شك نقف مبهوتين من جهة قول الله لموسى عن الشيوخ :

" آخذ من الروح الذى عليك ، وأضع عليهم .. " ( عد 11 : 17 ) .

ويكرر الكتاب نفس العبارة عن الله انه بعد أن تكلم مع موسى : " أخذ من الروح الذى عليه ، وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ " ( عد 11 : 25 ) . حقاً إن فى هذا لعجباً ..

الله معطى كل موهبة ، يأخذ من الروح الذى على موسى ، ويعطى للشيوخ !!

أليس الله هو الذى أعطى موسى هذا الذى يريد الآن أن يأخذ من الروح التى عليه ؟! أليست مواهب الله بلا حصر ، وبإمكانه أن يعطى هؤلاء الشيوخ من عنده مباشرة ، كما أعطى موسى من قبل ؟! نعم . كل هذا سليم منطقياً ولا هوتياً .

ولكن .. ولكن ماذا ؟ الإجابة هى : إن الله أراد فى هذا الموقف أن يكرم موسى أمام الناس . وكيف ؟

موسى هو الذى يختار الشيوخ ، وأيضاً يأخذون من الروح الذى عليه . وبهذا يصيرون خاضعين له ، وليسوا مساوين . وبهذا يتمجد موسى أمامهم وأمام الناس ، بيد الله ..

4-هنا يبدو واضحاً تماماً ، أن الله لا يغار من أولاده ، وإنما على العكس هو يعظم أولاده ، ويكرمهم ويظهرهم ويمجدهم . وسنشرح كل هذا بالتفصيل ، حتى لا يعود أحد فيغار لله غيرة خاطئة ، ويغار له من أولاده ! ومن مجد ، الله نفسه أعطاه لهم !!

5-على أن الذين يغارون لله من الكهنوت يقولون : كيف يمكن للبشر أن يأخذوا وظائف الله والقابه ؟!

كيف يلقب أحدهم بأنه كاهن ، و الكاهن الوحيد هو المسيح ؟

كيف يلقب أحدهم بسيد أو أب أو معلم ، بينما الله هو السيد ، وهو الأب وهو المعلم ؟ كيف يصيرون رعاة ، بينما المسيح هو الراعى الصالح ( يو 1. ) كيف يغفرون الخطايا ، بينما لا يغفر الخطايا إلا الله ؟

كيف يصيرون واسطة بين الله و الناس ، بينما لا يوجد سوى وسيط واحد هو يسوع المسيح ( 1تى 2 : 5 ) .

كيف .. ؟ كيف .. ؟ باسئلة عديدة أجبنا على الكثير منها فى الفصول السابقة ، و سنجيب عن الباقى فى الفصل الأخير من هذا الكتاب . أما الآن فنعرض لإجابة عامة هى :

6-يحتجون ويقولون : كيف تؤخذ ألقاب السيد المسيح و تعطى للبشر ؟! وكما راينا فى كتب ظهرت حديثاً : البعض يعتبرون هذا تجديفاً !! و البعض يسميه : "ضلالات شيطانية " ! حسبما تسمح رقة ألفاظهم فى التعبير ! والأمر الذى أريد أن أقوله هو :

إن الكتاب أعطى بعض القاب السيد المسيح للناس ، و السيد المسيح نفسه أعطى بعض ألقابه للناس ..

السيد المسيح أعطى بعض القابه للشعب كله ، لكل جماعة المؤمنين . بينما بعض القابه أعطاها لوكلائه من الرسل ولخلفائهم من بعدهم ، حسب المسئولية الملقاة عليهم . وسنضرب أمثلة لهذا كله ، لنرى بماذا يرشدنا التعليم الكتابى :

7-لقب المسيح باعتباره الراعى :

قال السيد المسيح : " أنا هو الراعى الصالح . و الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف " ( يو 1. : 11 ) . و كرر نفس عبارة : " أنا هو الراعى الصالح " ( يو 1. : 14 ) . بل حدد الأمر وقال عن الخراف : " تسمع صوتي ، وتكون رعية واحدة وراع واحد " ( يو 1. : 16 ) ..

فهل معنى ذلك أن من بلقب نفسه راعياً ، يكون معتدياً على ألقاب المسيح ، ناسباً إياه لنفسه ؟!

وهنا نقول : كم من خادم فى البروتستانتية يقول إنه : " راعى كنيسة كذا " ، ولا يرى أنه " يرتئى فوق ما ينبغى " ( رو 12 : 3 ) . ولا يتعبه ضميره مطلقاً ، حينما يسمع السيد المسيح يقول عن رعاية الشعب : " أنا هو الراعى " . ولا تتعبه عبارة : " راع واحد " .. ولا يأتى هنا يذكر الحق الكتابى !

إن الحرف يقتل ( 2كو3 ك 6 ) وما أخطر استخدام الآية الواحدة فى تفسير الكتاب ..

إن السيد المسيح الذى قال : " أنا هو الراعى " .. قال للقديس بطرس الرسول : " ارع غنمى .. ارع خراف " ( يو 21 : 15 – 17 ) ، مكرراً لقب الرعاية لبطرس ثلاث مرات ..

وبطرس الرسول الذى يقول عن السيد المسيح : " كنتم كخراف ضالة . لكنكم رجعتم الآن إلى راعى نفوسكم وأسقفها " ( 1بط 2 : 25 ) ، هو نفسه يقول للرعاة فى نفس الرسالة : " ارعوا رعية الله التى بينكم نظاراً ( أو أساقفة ) لا عن اضطرار بل باختبار " (1بط 5 : 4 ) . و القديس بولس الرسول يقول لأساقفة افسس : " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى لأقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التى أقتناها بدمه " ( أع 2. : 28 ) .

8-ها نحن نرى أن لقب الراعى ، اطلق على المسيح وعلى الرسل والأساقفة . ولكنه للمسيح بمعنى ، وللرعاة من البشر بمعنى آخر .

المسيح هو الراعى بطبيعته . وهم رعاة بتكليف منه ، كمجرد وكلاء الله ( تى 1 : 7 ) . المسيح هو الراعى للكل ، حتى للرعاة أنفسهم . ولذلك هو " راعى الرعاة " . الكاهن يرعى شعبه ، شعب المسيح هو معهم واحد من خرافه .. ولذلك يقول القديس بطرس عن السيد المسيح إنه : " رئيس الرعاة " . أما الرعاة فيقول لهم : " صائرين أمثلة للرعية . ومتى ظهر رئيس الرعاة ، تناولون اكليل المجد الذى لا يبلى " ( 5 : 3 ، 4 ) .

9-إن لقب الراعى هو لقب لله منذ القديم :

ولذلك يقول فى سفر حزقيال النبى : " أنا أرعى غنمى وأربضها – يقول السيد الرب – وأطلب الضال ، واسترد المطرود ، وأجبر الكسير ، وأعصب الجريح " ( حز 34 : 15 ، 16 ) . ويقول داود النبى : " الرب راعى ، فلا يعوزنى شئ " ( مز 23 : 1 ) . ومع ذلك نرى الكتاب يقول إن الله : " اعطى البعض أن يكونوا رسلاً ، و البعض أنبياء ، و البعض مبشرين ، و البعض رعاة ومعلمين " ( أف 4 : 11 ) .

هو الذى أعطى . فلماذا نغار نحن له ولألقابه ؟!

على أن العبارة الأخيرة من ( أف 4 : 11 ) تنقلنا إلى لقب آخر من ألقاب السيد المسيح ، أطلق عليه ، و على تلاميذه .

1.-المسيح هو المعلم :

هكذا كان الكل يلقبونه : " أيها المعلم الصالح " ( مت 19 : 16 ) .

و السيد المسيح نفسه قال لتلاميذه حينما غسل ارجلهم : " أنتم تدعوننى معلماً وسيداً . وحسنا تقولون لأنى أنا كذلك . فإن كنت . وأنا السيد والمعلم – قد غسلت أرجلكم ، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض " ( يو 13 : 13 ، 14 )

فعلى الرغم من أن السيد المسيح هو العلم ، و على الرغم من قوله لرسلة ولخفائهم – وليس لكل الشعب – " لا تدعوا معلمين ، لأن معلمكم واحد ، المسيح " ( مت 23 : 1. ) .. على الرغم من كل هذا : " أعطى البعض أن يكونوا رعاة ومعلمين " ( أف 4 : 11 ) .

11-نكرر ونقول : اللقب واحد ، ولكن الاستعمال مختلف .

المسيح هو المعلم بمعنى . ووكلاؤه معلمون بمعنى آخر . والآيات الخاصة بهم كمعلمين كثيرين جداً ( أنظر ص 6.من هذا الكتاب ) .

المسيح هو المعلم الحقيقى ، هو مصدر كل علم ومعرفة . أما الكاهن فهو معلم من حيث هو ينقل تعليم الله للناس ، لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة ( ملا 2 : 7 ) .

هل يغار أحد للمسيح ، من حيث لقبه كمعلم ؟! اطمئنوا : لقب المسيح فى حصن حصين وبكل حرص مصون .

12-ولكن رسالته كمعلم ، عهد بها إلى أناس أمناء أكفاء أن يعلموا آخرين ( 2تى 2 : 2 ) . وقال لكل منهم : " لاحظ نفسك و التعليم ، وداوم على ذلك " ( 1تى 4 : 16 )

فلا تظنوا إذن أن لقب المسيح كراع ومعلم ، حينما يمنح إلى رجال الكهنوت ، يكون مجد الله قد أعطى لآخرين !! كلا ، بل إن مجد الله يشعر به الكل ، عن طريق التعليم .. ننتقل إذن إلى لقب من ألقاب المسيح ..

13-حتى لقب المسيح كابن الله :

المسيح هو ابن الله . والآيات فى هذا اللقب عديدة جداً . وكمثال لذلك استخدام السيد المسيح هذا اللقب فى حديثه مع المولود أعمى قائلاً له : " أتؤمن بابن الله " ( يو 9 : 35 ) فآمن ذلك الأعمى وسجد له ( يو 9 : 38 ) .

ومع ذلك أعطانا نفس اللقب : أبناء الله ، إذ قيل : وأما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله " ( يو 1 : 12 ) . وقال القديس يوحنا : " انظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعى أولاد الله " ( 1يو 3 : 1 ) .

14-ولكن نحن أبناء بمعنى . و المسيح ابن الله بمعنى آخر .

نحن أبناء بالإيمان ، بالمحبة ، بالتبنى . أما هو فإنه ابن الله بمعنى انه من جوهره وله نفس طبيعته ، لذلك دعى " الابن " ( يو 8 : 36 ) ودعى الابن الوحيد ( يو 3 : 16 ، 18 ، يو 1 : 18 ، 1يو 4 : 9 )

أخذنا لقب أبناء الله ، دون أن يؤثر هذا على السيد المسيح فى شئ . وهذا اللقب بالذات لقب ابناء الله ، دون أن يؤثر هذا على السيد المسيح فى شئ . وهذا اللقب بالذات ليس فقط للرسل ولرجال الكهنوت ، بل هو لجميع لناس . وهناك لقب آخر للمسيح ، وفى نفس الوقت أعطى لجميع الناس وهو النور :

15-السيد المسيح هو النور :

قال : " أنا هو نور العالم " ( يو 8 : 12 ) وكرر نفس العبارة : " أنا نور العالم " ( فى ( يو 9 : 5 ) . وقال عن نفسه إنه هو النور ( يو 12 : 35 ) .. ومع ذلك قال لنا : " أنتم نور العالم .. فليضء نوركم هكذا قدام الناس ، لكى يروا أعمالكم الحسنة ، ويمجدوا اباكم الذى فى السموات " ( مت 5 : 14 ، 16 ) .

فهل تنازل السيد المسيح هنا عن مجده ، وأعطاه للناس ؟! كلا ، بل كما قلنا سابقاً ، نقول ايضاً إنه نور بمعنى ، بينما المؤمنون نور بمعنى آخر .

16-هو النور الحقيقى ( يو 1 : 9 ) . أما نحن فبنوره نعاين النور .

هو الذى ينير لكل إنسان ( يو 1 ك 9 ) . لذلك يقول المرتل فى المزمور " " الرب نورى وخلاصى ، ممن أخاف " ( مز 27 : 1 ) .. " أنه نور لا يدنى منه " ( 1تى 6 : 16 ) وهو النور العجيب ( 1بط 2 : 9 ) .

نورنا بالنسبة إلى نور الله ، يشبه نور القمر بالنسبة إلى الشمس . فالشمس نورها حقيقى ، و القمر يستمد نوره منها .

إذن هو نور بذاته . أما نحن فننير حينما نستمد نورنا منه . وهو نور ليس فيه ظلمة البتة ( 1يو 1 : 5 ) . أما نحن فكثيراً ما يكتنفنا الظلام بسبب خطايانا . ولذلك فإن يوحنا المعمدان ، مع انه كان عظيماً أمام الرب ( لو 1 : 15 ) إلا أن الكتاب قال عنه : " هذا جاء للشهادة ، ليشهد للنور ، لكى يؤمن الكل بواسطته . لم يكن هو النور ، بل ليشهد للنور " ( يو 1 : 7 ، 8 ) .

17- بنفس الوضع نتكلم عن لقب أسقف ، ولقب مدبر :

قيل عن السيد المسيح : " راعى نفوسكم وأسقفها " ( 1بط 2 : 25 ) . وقيل فى الكهنوت : " يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل لله " ( تى 1 : 7 ) . فالمسيح هو الأسقف ، لأنه هو الراعى الحقيقى . أما الأسقف فهو بهذا الصفة ، لأنه وكيل للمسيح الذى هو أسقف نفوسنا .

وقيل عن المسيح – فى الحديث عن بيت لحم : " منك يخرج مدبر يرعى شعبى إسرائيل " ( مت 2 : 6 ) . بينما قيل عن رجال الكهنوت : " الشيوخ المدبرون حسنا ، فليحسبوا أهلاً لكرامة مضاعفة " ( 1تى 5 : 17 ) .

18-ولكن ما أعظم الفرق بين المسيح كأسقف ومدبر ، وبين رجال الكهنوت ..

المسيح هو اسقف الكل ، ومدبر الكل . أما رجال الكهنوت فلهم دائرة محدودة وهم فى رعابتهم وتدبيرهم تحت رعاية المسيح وتدبيره . و تنطبق عليهم – كما على الشعب – عبارة : " راعى نفوسكم واسقفها " ( 1بط 2 : 25 ) . و المسيح راع وأسقف من حيث طبيعته . أما هم فرعاة واساقفة ومدبرون من حيث أنهم وكلاء الله ، استؤمنوا على وكالة ( 2كو 5 ) .

19-بنفس الوضع نتكلم عن لقب كاهن :

قيل عن السيد المسيح إنه : " كان إلىألأبد على طقس ملكى صادق " ( مز 11. ، عب 5 : 6 ) . وقال بولس الرسول عن نفسه : " حتى أكون خادماً .. مباشراً لإنجيل الله ككاهن " ( رو 14 : 16 ) .

ولكن بين كهنوت المسيح ، كهنوت البشر فرقاً جوهرياً .

2.-المسيح كاهن باعتبار أنه مقدم الذبيحة ، وهو نفسه الذبيحة . أما كهنوت البشر ، فانهم خدام لهذا الذبيحة عينها . أما المسيح فهو الذبيحة

ولهذا قال عنه القديس بولس الرسول إنه : " قدم نفسه " ( عب 7 : 27 ) . وإنه " بدم نفسه دخل مرة إلى الأقداس فوجد فداء ابدياً " ( عب 8 : 12 ) . فالمسيح هو الكاهن وهو الذبيحة ، وهذا هو الفارق الجوهرى بين كهنوته وكهنوت البشر .

كما أن البشر يستمدون كهنوتهم من كهنوت المسيح . ولولا أن المسيح ككاهن قد نفسه ذبيحة ، ما كان الكهنوت المسيحى يستطيع أن يقف على مذبح . و المسيح يعطى الغفران بكهنوته وذبيحته . أما الكهنة فيمنحون الغفران بسلطان منه ، كوكلاء له على استحقاق دمه ..

إذن عمل البشر ككهنة ، لا يتعارض مع عمل المسيح ككاهن ، بل على العكس هو استمرار له .

21-بعد أن استعرضنا كيف أن ألقاباً كثيرة للمسيح اعطيت لتلاميذ ، دون المساس بمجده ، أقول للذين يغارون لمجد الله أن يعطى لآخر ، ما رايكم فى قول السيد المسيح عن تلاميذ ، حديثه مع الآب فى ( يو 17 ) :

" وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى " ( يو 17 : 22 ) .

هل تقفون مبهوتين أمام هذه العبارة ؟! لا مانع ن قفوا مبهوتين ، وأنا أيضاً معكم أقف مبهوتاً أمام محبة الله لأولاده ولخدامه . ولكن لا نغار لله . فالمسيح لم يعطهم المجد الذى كان له عند الآب قبل كون العالم ( يو 17 : 5 ) . وإنما المجد الذى يمكن أن تحتمله طبيعتهم البشرية ، كخدام . أعطاهم مجد هذه الخدمة ، التى مسح فيها السيد المسيح كاهناً وملكاً ونبياً .

22-سلمهم بعضاً مما قدمه المجوس : ذهبا ولباناً ومراً :

فكان لهم المجد فى الذهب ، فى تاج الكهنوت ، فى رئاسة شعبه .. وكان لهم مجد اللبان ، فى عمل الكهنوت وتقديم البخور عن الشعب . وكان لهم مجد المر ، مجد الصليب الذى يحتملونه فى الخدمة . مع الفارق .. إذ كان مجد الذهب و اللبان و المر غير محدود بالنسبة إلى السيد المسيح ، بينما هو محدود بالنسبة إلى الكهنوت

و الذين يغارون لمجد الله ، ننقلهم بعد إلى نقطتين بعد إلى نقطتين هما :

أ-المجد الذى يعطيه الله لخليقته .

ب-و العظمة التى يمنحها الله لخدامه .

23-إن الله يمنح مجداً الخليقته ، حتى الجامدة منها :

وفى هذا يقول القديس بولس الرسول : " مجد السماويات شئ ، ومجد الأرضيات شئ آخر . مجد الشمس شئ ، ومجد القمر آخر ، ومجد النجوم آخر . لأن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد " ( 1كو 15 : 4. ، 41 ) . حتى زنابق الحقل أعطاها الله فى جمالها مجداً لم يكن لسليمان الملك . وفى ذلك قال الرب : " تأملوا زنابق الحقل .. ولا سليمان فى كل مجده ، كان يلبس كواحدة منها .. " ( مت 6 : 28 ، 29 ) .

24-بل تأملوا الملابس الكهنوتية التى أمر الله أن تصنع لهرون رئيس الكهنة بالذهب والاسمانجونى .. للمجد و البهاء ( خر 28 ، 4. ) .

الله هو الذى اختار بنفسه هذه الملابس لكاهنه ، وأختار نوع قماشها وزينتها وطريقة تفصيلها ، وأمر أن الذين يقومون بصنعها يكونون مملوءين من روح الحكمة . وهكذا قال لموسى النبى :

" واصنع ثياباً مقدسة لهرون أخيك للمجد و البهاء . وتكلم جميع حكماء القلوب ، الذين ملاتهم روح حكمة ، أن يصنعوا ثياب هرون ليكهن لى " ( خر 28 : 2 ، 3 ) " فيصنعون الرداء من ذهب واسمانجونى وقرمز وبوص مبروم صنعة حائك حاذق " ( خر 28 : 6 ) ، وكذلك الصدرة ( خر 28 : 15 ) " وتصنع على الصدرة سلاسل مجدولة صنعة الضفر من ذهب من نقى . وتصنع على الصدرة حلقتين من ذهب .. " ( خر 28 : 22 ) " وتصنع صفيحة من ذهب نقى . و تنقش عليها نقش خاتم ( قدس للرب ) وتصنعها على خيط اسمانجونى لتكون على العمامة " ( خر 28 : 36 ، 37 ) . وتكون على جبهته دائماً للرضا عنهم أمام الرب ( خر 28 : 38 ) . أآ أن الله يرضى عن الشعب ، حينما ينظر إلى الصفيحة الذهب التى على جبهة هرون المكتوب عليها " قدس للرب " .

أى مجد هذا أعطاه الله لهرون فى ملابسه وفى شفاعته ؟! وليس هرون فقط ، بل يقول الرب عن أولاد هرون :

"ولبنى هرون تصنع أقمصة ، وتصنع لهم مناطق ، وتصنع لهم ملابس للمجد والبهاء . وتلبس هرون أخاك إياها وبنيه وتمسحهم .. " ( خر 28 : 4. / 41 ) .

فهل المجد الذى أحاط الله به هرون ، انقص من مجد الله ؟! أم الله فرح بهرون وأولاده ، و ألبسهم المجد و البهاء ؟

وإلى هذه الدرجة بلغ اهتمام الله بكهنته وبرئيس كهنته . أتريد نت أن تصف هرون بالكبرياء و العظمة ، وهو فى ملابس الذهب و الارجوان و الاسمانجونى ؟! إذن عليك أن تصف زنابق الحقل بهذه التهمة ايضاً ، لأنه ولا سليمان فى كل مجده كان يلبس كواحدة منها .. !

وما ذنب هرون وما ذنب الزنبقة ، ان الله البسهما هكذا ؟!

إن كان الله يعطى بهاء لزنابق الحقل ، أفلا يعطى خدمه ووكلاءه ؟! بل هو يعطى بالأكثر .

24-بل انظروا المجد الذى أعطاه لموسى وإيليا على جبل التجلى .

حتى أن القديس بطرس الرسول قال : " .. نصنع هنا ثلاث مظال . لك واحدة ، ولموسى واحدة ، ولايليا واحدة " ( مت 17 : 4 ) . ولكن هذا المجد يعطيه الله لخادمين له ، قدما له الذبائح من قبل .. إنه مجد يحسب كعربون لأمجاد القيامة ، التى سنكون فيها كملائكة الله فى السماء ( مت 22 : 3. ) .

25-ومن أمثلة المجد الذى أعطاه الله لخليقته ، المجد الذى أعطاه للملائكة " المقتدرين قوة " ( مز 1.3 ) الذى يقال عن الواحد منهم إنه ملاك نور ( 2كو 11 : 14 ) ، بكل مواهبهم وجمالهم ونقاوتهم ..

26-و المجد كما أعطاه الله للقديسين ، أعطاه كذلك للتائبين .

انظروا إلى الخاطئة يهوذا ( فى سفر حزقيال ) ، هذه التى كانت مطروحة بدمها ، كيف طهرها الله وقال لها : " حممتك بالماء ، و غسلت عنك دماءك ، وسحتك بالزيت " ليس هذا فقط ن بل يقول ايضاً : " وألبستك مطرزة .. وحليتك بالحلى .. وتاج جمال على راسك . فتحليت بالذهب و الفضة ، و لباسك الكتان و البز و المطرز و جملت جدا جداً ، فصلحت لمملكة . وخرج لك اسم فى الأمم لجمالك ، لأنه كان كاملاً ببهائى الذى جعلته عليك ، يقول السيد الرب " ( خر 16 : 9 – 14 ) .

أى مجد هذا ، أن يلقى الله بهاءه على البشر ، ليكون جمالهم كاملاً ببهائه ؟!

27-ولكن ليس هذا غريباً على الله عندما خلق الإنسان قال : " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " " فخلق الله الإنسان على صورته ، على صورة الله خلقه " ( تك 1 : 26 ، 27 ) .

هذا هو أول مجد ، إن الإنسان خلق على صورة الله .

28-ومن المجد الذى مجد الله به الإنسان ، صنع العجائب

وهى معجزات عظم الله بها أولاده فى أعين الناس ، وكانت وسيلة لنشر أو تثبيت الإيمان . ونحن نرى فى معجزة شق الأردن أن الله قال ليشوع بن نون قبلها : " اليوم أبتدئ أعظمك فى أعين جميع إسرائيل ، لكى يعلموا انى كما كنت مع موسى أكون معك " ( يش 3 : 7 ) . وسمح الله أن معجزة شق البحر الأحمر لا تكون بيده الإلهية مباشرة ، وإنما بيد موسى ..

على أنى لا ارى فى الكتاب المقدس كله ىية تدل على تمجيد الله لأولاده بالمعجزات ، أكثر ن قول السيد المسيح لتلاميذه :

" من يؤمن بى ، فالأعمال التى أنا أعملها ، يعملها هو أيضاً ، ويعمل أعظم منها " ( يو 14 : 12 ) .

الكتاب المقدس مملوء بالمعجزات ، وهناك سجل بالمواهب ذكره بولس الرسول ( 1كو 12 ) ولم يكن ضد مجد الله فى شئ أن يتمتع أولاده بهذه المواهب التى أعطاهم الله إياها ..

29-إن المجد لم يطلبه أولاد الله ، بل هو الذى أعطاه .

ولو كان الله يرى فى ذلك شيئاً ضده ، ما كان يعطى . ولكن هوذا الرسول يقول : " الذين دعاهم ، فهؤلاء بررهم أيضاً . و الذين بررهم مجدهم أيضاً " ( رو 8 : 3. ) . ويقول : " إن كنا نتألم معه ، فلكى نتمجد أيضاً معه " ( رو 8 : 17 ) .

3.-ومن أروع أنواع المجد ، ذلك المجد العتيد الذى نناله فى القيامة و فى العالم الآخر ، مجد الأبدية :

يقول بولس الرسول : " أن آلام الزمان الحاضر ، لا يقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا " ( رو 8 : 18 ) . ولعل أولى بشائر هذا المجد الجسد الروحانى الذى ستقوم به " على صورة جسد مجده " ( فى 3 : 21 ) ، هذا " الذى دعانا إلى مجده الأبدى " ( 1بط 5 : 1. ) دعانا إلى ملكوته ومجده ( 1تس 2 : 12 )

وعن جسد القيامة يقول بولس الرسول : " يررع فى هوان ن ويقام فى مجد . يزرع جسما حيوانياً ، ويقام جسماً روحانياً .. وكما لبسنا صورة الترابى ، سنلبس ايضاً صورة السماوى " ( 1كو 15 : 43 – 49 ) .

وبطرس الرسول يقول عن نفسه : " شريك المجد العتيد أن يعلن " .. ويقول للرعاة : " ومتى ظهر رئيس الرعاة ، تنالون إكليل المجد الذى لا يبلى " .

يشهد السيد المسيح لعظمة يوحنا المعمدان الكاهن فيقول :

لم يقم بين المولودين من النساء ، أعظم من يوحنا المعمدان ( مت 11 : 11 ) . بل العجيب فى يوحنا هذا ، ان يقال عنه أثناء البشارة بمولده انه : " يكون عظيماً أمام الرب " ( لو 1 : 15 ) . يمكن أن يكون عظيماً أمام الناس ، أما عبارة :" عظيما أمام الرب " فتدل على تواضع كبير من الله ، ومحبته لأولاده تجعلهم عظماء أمامه ، وهم تراب ورماد .

32-وهوذا إبراهيم أبو الاباء ، يقول له الرب : " أجعلك أمة عظيمة ، وأباركك وأعظم اسمك ، تكون بركة ( تك 12 : 2 ) .

و الكتاب يشرح لنا الكثير عن عظمة إبراهيم ، وعن شفاعته فى أهل سادوم ( تك 18 ) ، وعن ان لعازر المسكين حملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ( لو 16 : 22 ) . كما يحدثنا الكتاب عن نسل إبراهيم ، وقول الرب لهذا القديس : " تتبارك فيك جميع قبائل الأرض " ( تك 12 : 3 ) .

33-ولا ننس العظمة التى وهبها الله للسيدة العذراء .

هذه الوحيدة التى قال لها الرب : " الروح القدس يحل عليك . وقوة العلى تظللك . لذلك القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو 1 : 35 ) . وشعرت القديسه مريم بأن القدير صنع معها عجائب ، لذلك قالت : " هوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبنى " ( لو 1 : 48 ، 49 ) .

وبلغ من تكريم الله للقديسة العذراء ، انه بمجرد وصول سلامها إلى اذنى اليصابات ، أن اليصابات امتلأت من الروح القدس ، وارتكض الجنين بابتهاج فى بطنها ( لو 1 : 41 ، 44 ) .

34-وعظم الرب من شأن موسى جداً ..

وصنع على يديه معجزات وعجائب عديدة . بل انه بلغ من المجد الذى اسبغه الرب على موسى أن قال له : " أنا جعلتك إلها لفرعون " ( خر 7 : 1 ) !! ولما تقولت مري وهرون على موسى ، قال الرب لهما مدافعاً عنه :

" إن كان منكم نبى للرب ، فبالرؤيا استعلن له ، فى الحلم أكلمة . أما عبدى موسى فليس هكذا ، بل هو أمين فى كل بيتى . فما إلى فم وعيانا أتكلم معه .. وشبه الرب يعاين " ( عد 12 : 6 – 8 ) . وضرب الرب مريم بالبرص عقاباً لها لأنها تكلمت على موسى ..

35-وأعطى عظمة ، حتى للعامة أيضاً ..

فقال : " وأما من عمل وعلم ، فهذا يدعى عظيما فى ملكوت السموات " ( مت 5 : 19 ) . وقال عن المتضعين أيضاً إنهم هم : " الأعظم فى ملكوت السموات " ( مت 18 : 1 ، 4 ) . و المرأة الكنعانية ، على الرغم من أنها من شعب لعنة أبونا نوح بعد الطوفان ، إلا أن السيد المسيح وجد فيها شيئاً حسناً ، فقال لها : " عظيم هو إيمانك " ( مت 15 : 28 ) .

36-ووصف الله بالعظمة ، حتى الطبيعة و المدن .

فوصف الشمس و القمر بعبارة : النيرين العظيمين " ( تك 1 : 16 ) وجعل أحدهما لحكم النهار والآخر لحكم الليل . وقال عن نينوى : " المدينة العظيمة " لمجرد أنها كانت مدينة ذات شعب كبير ( يون 4 : 11 ) .

37-بعد هذا نتكلم عن العظمة التى منحها الله الكهنوت :

شرحنا فى الأبواب السابقة السلطان الذى منحه الله للكهنوت ، حتى أن رجال الكهنوت يمكن أن يمنحوا الروح القدس للناس ، وان يمنحوهم أيضاً المغفرة . وذكرنا اللقاب و الاختصاصات التى اسندها الله لرجال الكهنوت ، وما خصهم به الله من دعوة واختيار وإرسالية ومسحة .. إلخ . ونذكر هنا مثالاً ورد فى سفر الرؤيا :

رأى القديس يوحنا حول العرش الإلهى ، " أربعة وعشرين كاهناً جالسين متسربلين بيض وعلى رؤوسهم أكاليل من ذهب " ( رؤ 4 : 4 ) .

من هؤلاء الذين يمكنهم الجلوس فى حضرة الله ، وعلى رؤوسهم أكاليل ، بينما الملائكة وقوف قدامه ، الشاروبيم و السارافيم ( إش 6 :2 )

ويتابع الرائى حديثه عن هؤلاء الكهنة ، بأن لهم جامات ( مباخر ) من ذهب ، مملوءة بخوراً هى صلوات القديسين ( رؤ 5 : 8 ) يرفعونها إلى الله ..

ولقب العظمة يلصقه الله برئيس الكهنة ، فيقول عنه " الكاهن العظيم " ( زك 3 : 1 ) ، وأحياناً يقول عنه : " الكاهن الأعظم " ( لا 21 : 1. ) .

إذن لا تغاروا لله ، فألقاب العظمة ، هو الذى يمنحها لأولاده ، دون أن تؤثر هذه على عظمته هو .

38-حقا إن العظمة الطبيعية هى الله وحده . ولكنه من تواضعه منح العظمة لأولاده . ولكن بين عظمة الله و الناس فروقاً .

عظمة الله طبيعية بحكم لاهوته . أما العظمة بلنسبة إلى افنسان ، فهى إما مكتسبة أو هى منحة من الله . وعلى أية الحالات ، ليست هى منه ، من ذاته ، لأنه تراب ورماد ..

عظمة الله هى عظمة شاملة . أما الإنسان زاوية معينة .

عظمة الله هى عظمة حقيقية تتصف بالكمال و لقدسية و الدوام ، بعكس الإنسان فى كل هذه الصفات ..

39-إذن لا داعى مطلقاً لأن يغار البعض لله من عظمة يسبغها هو على بعض عبيده ، ويبقون على الرغم من ذلك عبيداً كما هم . فعظمتهم ومجدهم ، كلها أمور نسبية ، فى المقارنة مع اخوتهم . أما أمام الله فهم خدامه . وكل اكرام منه لهم يزيدهم نواضعا قدامه ..

4.-وأخيراً نقول لكل من يغار لله من الكهنوت :

الله يريد أن يعطى غيرك . فلماذا تتذمر على عطاياه ؟!

الله يمجد أولاده . فماذا يضايقك أنت من هذا ؟!

الله لا يحسب هذا انتقاصاً لمجده . فما سبب الغيرة ؟! أتريد أن تكون ملكياً أكثر من الملك نفسه ؟! أتود أن تحسب عطايا الله ومواهبه ضد مجده ؟!

ما هو غيرتك على مجد الله ؟ أهو قوله تبارك اسمه : " مجدى لا أعطيه لآخر ( إش 42 :8 ). إذن لنبحث معنى هذه الآية .

41-المقصود به بلا شك ، هو مجد اللاهوت :

فالله قد منحنا أمجاداً كثيرة ، وأنواعاً كثيرة من العظمة . وكلها لا تقاس بعظمة الله غير المحدودة ومجده غير المحدود . لشئ الوحيد الذى لا يمكن منحه للبشر هو مجد اللاهوت ، هذا الأمر الذى اشتهى الشيطان أن يناله ، قائلاً فى قلبه : " اصير مثل العلى " ( إش 14 : 14 ) . وهذا الذى أغرى به الشيطان أبوينا الأولين ، قائلا لهما : " تصيران مثل الله .. " ( تك 3 : 5 ) .

42-و تكملة الآية ( إش 42 : 8 ) ، تدل على أنها ضد عبادة الاصنام : إذ قال الله : " أنا الرب . هذا اسمى – ومجدى لا أعطيه الآخر ، ولا تبيحى للمنحوتات ( أى للتماثيل المنحوتة ) " .

43-وكل الاصحاحات الثالية من سفر اشعياء تدور فى هذا المعنى ، كأن يقول الرب : " ولكى تعرفوا وتؤمنوا بى ، تفهموا إنى أنا هو . قبلى لم يصور إله ، و بعدى لا يكون . أنا أنا الرب وليس غيرى مخلص " ( إش 43 : 1. ، 11 ) " أنا الأول وأنا الآخر ، ولا إله غيرى " ( إش 44 : 6 ) " أنا الرب وليس آخر . لا إله سواى .. أنا صانع كل هذه " ( إش 45 : 5 ، 7 )

44-ولا يمكن لأحد أن يدعى بأن الكهنوت أخذ مجد اللاهوت . وكل ما يعمله ، إنما يعمل كوكيل لله مفوض منه .

1-ذكرنا فى الفصول السابقة أن الكهنوت دعوة إلهية واختيار ومسحة ، وأنه لجماعة مميزة بأعمال مميزة ،

 وأن رجال الكهنوت دعوا ملائكة وسفراء ووكلاء ورعاة وآباء ومدبرين ، وأنهم تمتعوا بألقاب كانت للمسيح نفسه . وان الله منحهم الرئاسة على شعبه ، و السيادة ، وسلطان الحل و الربط ، وجعلهم بركة ويمنحون البركة .

حتى أن البعض بدأ يغار لله من الكهنوت : لذلك نقول فى هذا الفصل إنهم مجرد خدام

هم خدام لله ، فيما هم وكلاء وسفراء . وهم خدام للكلمة ، خدام للمذبح ، ولهم خدمة الأقداس ، و خدمة السرائر الإلهية .

2-نقول إنهم خدام ، لكى تكون لهم روح الاتضاع أمام السلطان الذى وهبهم الله إياه ونقول خدام حتى يهدأ الذين ( يغارون لله ) ..

3-وهكذا نرى القديس بولس الرسول يقول لأهل كورنثوس

" من هو بولس ؟ ومن هو أبلوس ؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما " .

فالقديس بولس يرى نفسه مجرد خادم ، وعمل الرسولية الذى يقوم به هو عمل خدمة . لذلك حينما احتاج للقديس مرقس الرسول ، أرسل إلى القديس تيموثاؤس قائلا له : " لوقا وحده مرقس واحضره معك ، لأنه نافع لى للخدمة " ( 2تى 4 : 11 ) .

4-ولذلك لما كان يهوذا الاسخريوطى واحداً من الاثنى عشر قبل خيانته ، قال عنه الرسل : " إذ كان معدوداً بيننا ، ولها نصيب فى هذه الخدمة " ( أع 1 : 17 ).

وصلى الرسل وعملوا قرعة . اختار الرب متياس " ليأخذ قرعة هذه الخدمة " ( أع 1 : 25 ) .

5-إذن كان الآباء الرسل هم خدام العهد الجديد .

وفى هذا يقول القديس بولس الرسول : " بل كفايتنا من الله ، الذى جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد " ( 2كو 3 : 6 ) .

وسمى الرسول خدمتهم : خدمة الروح ، و خدمة البركة ( 2كو 3 : 8 ، 9 ) .

6-هو هكذا منذ القديم . لذلك قيل فى سفر إشعياء :

" أما أنتم فتدعون كهنة الرب . وتسمون خدام الهنا " ( إش 61 : 6 ) .

كما قيل فى الصوم الذى صامه الشعب أيام يؤئيل النبى : "ناحت الكهنة خدام الرب " ( يؤ 1 9 ) .

7-ونفس الوضع فى العهد الجديد ، يقول القديس بولس :

".. نظهر أنفسنا كخدام المسيح فى صبر كثير " ( 2كو 6 : 4 ) . ويقول أيضاً : " ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا " ( 2كو 3 : 3 ) . واضح من هذه الآية أن الكهنوت هو خدمة نفوس . وحينما يقارن بولس الرسول خدمته بخدمة باقى الرسل يقول : " أهم خدام المسيح ؟ أقول كمختل العقل فأنا أفضل " ( 2كو 11 : 23 ) .

 

الكهنة هم خدام الله ، خدام المسيح . ولكن فيم يخدمونه ؟ إنها خدمات عديدة نذكر من بينها خدمة المذبح ، وخدمة الكلمة ، وخدمة المصالحة .

8-فمن جهة خدمة المذبح :

قيل فى يؤئيل النبى : " تنطقوا ونوحوا أيها الكهنة . ولولوا يا خدام المذبح ادخلو بيتوا بالمسوح يا خدام إلهى ، لأنه قد امتنع عن بيت إلهكم التقدمة و السكيب " ( يؤ 1 : 13 ) . وقيل عن زكريا الكاهن : " وفيما هو يكهن فى نوبة فرقته أمام الله ، حسب عادة الكهنوت ، أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر .. فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور .. ولما كلمت أيام خدمته ، مضى إلى بيته " ( لو 1 : 8 – 23 ) .

وقال القديس بولس الرسول : " لأن كل رئيس كهنة ، يقام لكى يقدم قرابين وذبائح . ) ( عب 8 : 3 ) . و المسيح كرئيس كهنة قدم ذبيحة ، " بدم نفسه " ( عب 8 : 12 ) " ليبطل الخطية بذبيحة نفسه " ( عب 9 : 26 ) .

9-ومن جهة خدمة الكلمة ، خدمة الإنجيل :

قال الآباء الرسل عند سيامة الشمامسة السبعة : " أما نحن فنواظب على الصلاة وخدمة الكلمة " ( أع 6 : 4 ) .

وهنا تظهر أهمية خدمة الكلمة فى عمل رئاسة الكهنوت .

ولما تحدث لوقا الإنجيلى عن مصادر معلوماته ، قال : " كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة " ( لو 1 : 2 ) أى ألاباء الرسل : " .. بالإنجيل الذى صرت أنا خادماً له " ( أف 3: 7 ) . وقال إنه أؤتمن على الإنجيلى ( 1تس 2 : 4 ) .

خدمة الكلمة هى خدمة الكرازة ، وخدمة التعليم .

وعنها قال المسيح لتلاميذه : " اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " ( مر 16 : 15 ) . وقال بولس لتلميذه تيموثاوس الأسقف : " اكرز بالكلمة .. وبخ انتهر عظ ، بكل أناة وتعليم .. أعمل المبشر . تمم خدمتك " ( 2تى 4 : 2- 5 ) .

1.-أما عن خدمة المصالحة :

فيقول القديس بولس الرسول : الله الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح ، وأعطانا ٍ خدمة المصالحة .. واضعاً فينا كلمة المصالحة . وإذن نسعى كسفراء عن المسيح ، كأن الله يعظ بنا ، نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله " ( 2كو 5 : 18 – 2. ) .

11-وخدمة المصالحة بين الله و الناس ، وتشمل المناداة بالإيمان و التوبة .

وعمل التوبة هو موضوع طويل ، يشمل الوعظ ، والاعتراف ، والارشاد ، وقيادة الناس فى الطريق الروحى السليم .

12-بل المصالحة مع الله تشمل أعمال الرعاية كلها ..

13-لا يتهاون أحد بعمل الخدمة ، منقصاً من قدره . فقد قيل عن السيد المسيح إنه خادم . السيد المسيح الذى هو سيد كل أحد ، قال عن نفسه فى الإنجيل : " لأن ابن الإنسان لم يأت ليخدم بل ليخدم ، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين " ( مت 2. : 28 ، مر 1. : 45 ) . وقال عنه بولس الرسول إنه : " رئيس كهنة ، خادماً للأقداس " ( عب 8 : 1 ، 2 ) .

14-ونفس لقب خادم اطلق أيضاً على الملائكة فقيل : " الصانع ملائكته أرواحاً ، وخدامة ناراً تلتهب " ( مز 1.4 : 4 ) .

وقيل عن الملائكة : أليس جميعهم أرواحاً خادمة ، مرسلة للخدمة ، لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص " ( عب 1 : 14 ) .

15-ولقب خادم اطلق على الآباء الرسل الأطهار كخدام عهد جديد ، وقد ذكرنا أمثلة كثيرة . وقد اطلق ايضاً علىى الأنبياء فقيل عن موسى النبى :

" وموسى كان أمينا فى كل بيته كخادم " ( عب 3 : 5 ) .

ولكى ونوضح كرامة لقب خادم ، نذكر الحقيقة الآتية :

16-كون الكهنة ورؤساء و الرسل كانوا خداماً ، لا يمنع أنهم كانوا فى نفس الوقت وكلاء لله ، وسفراء له . إنهم أمامه خدام ، وأمام الشعب وكلاء الله . وفى هذا المعنى يقول القديس بولس الرسول :

" هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ، ووكلاء سرائر الله . ثم يسأل فى الوكلاء ، لكى يوجد الإنسان أمينا " ( 1كو 4 : 1 ، 2 ) .

17-وهنا يوجد جمع بين لقبى خدام ، ووكلاء . وكذلك فى ( لو 12 ) .

قال الرب : " يا ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم ، الذى يقيمه سيده على عبيده ، ليعطيهم طعامهم فى حينة . طوبى لذلك العبد الذى إذا جاء سيده ، يجده يفعل هكذا . الحق أقول لكم إنه يقيمه على جمي أمواله " ( لو 12 : 42 – 44 ) .

وفى هذا النص يوجد جمع بين لقب وكيل ،وعبد .

18-كذلك جمع الرسول بين خدمة المصالحة ، ولقب سفراء ..

فقال : " وأعطانا خدمة المصالحة .. إذن نسعى كسفراء للمسيح .. نطلب عن المسيح : تصالحوا مع الله " ( 2كو 5 : 18 ، 2. ) .

ملحوظة :- توجد صورة ص 146

هل يمكن أن تؤخذ بركة من إنسان ؟

أليس أن الله هو مصدر البركة ؟ أم نحن البشر الخطاة ! فكيف يمكن لإنسان خاطئ أن يمنح البركة لغيره ؟

1-لا جدال أن الله الله هو مصدر كل بركة ..

وهو الذى بارك آدم وحواء ( تك 1 : 28 ) وبارك نوحاً وبنيه ( تك 9 : 1 ) . " وبارك الله اليوم السابع وقدسه " ( تك 2 : 3 ) . والله هو الذى بارك أبانا إبرام ، وقال له : " أباركك وأعظم اسمك .. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض " ( تك 12 : 2 ن 3 ) . وبارك الرب أيوب الصديق فى آخرته ( أى 42 : 12 ) . كما أمر الله أن تتلى بركاته على جبل جرزيم أمام كل الشعب ( تث 27 : 12 ) ووردت قائمة هذه البركات فى سفر التثنية .

وفى العهد الجديد نرى السيد المسيح يبارك تلاميذه ( لو 24 : 5. ) . ونراه أيضاً يبارك الأطفال ( مر 1. : 16 ) . ويبارك الخبز فى سر الافخاسيتا ( مت 26 : 26 )

2-ولكن بركة الله لا تمنع مطلقا بركة البشر للبشر ..

وسنذكر أمثلة عديدة جداً فى هذا المقال . وسنضرب أولاً أمثلة من بركة الآباء البطاركة ، أى رؤساء الاباء أمثال نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب . وبركة رجال الكهنوت ، وبركة الأنبياء والابرار الفقراء ، وبركة الدعاء ن كا أحد ، وبخاصة بركة الوالدين .

3-وسنرى أن البركة الممنوحة من رجال الله ، هى بركة ممنوحة من الله نفسه .

وستوضح ذلك الأمثلة التى سنذكرها إن شاء الله .

وبنفس الوضع : اللعنة التى كانت تصدر من رجال الله ، كانت تعتبر لعنة صادرة من الله نفسه . ومثال ذلك لعنة نوح لكنعان ( تك 9 : 25 ) ، التى ظلت سائدة عبر الأجيال ، حتى فى حديث السيد المسيح مع المرأة الكنعانية ( مت 15 : 22 ، 26 )

2-ولكن بركة الله لا تمنع مطلقا بركة البشر للبشر ..

وسنذكر أمثلة عديدة جداً فى هذا المقال . وسنضرب أولا أمثلة من بركة الآباء البطاركة ، أى رؤساء الآباء أمثال نوح وإبراهيم وإسحق ويعقوب . وبركة رجال الكهنوت ، وبركة الأنبياء والابرار . بل ايضاً بركة الفقراء ، وبركة الدعاء من كل أحد ، وبخاصة بركة لوالدين .

3-وسنرى أن البركة الممنوحة من رجال الله ، هى بركة ممنوحة من الله نفسه .

وستوضح ذلك الأمثلة سنذكرها إن شاء الله .

وبنفس الوضع : اللعنى التى كانت تصدر من رجال الله ، كانت لعنة صادرة من الله نفسه . ومثال ذلك لعنة نوح لكعنان ( تك 9 : 25 ) ، التى ظلت سائدة عبر الأجيال ، حتى فى حديث السيد المسيح مع المرأة الكنعانية ( مت 15 : 22 ، 26 ) .

4-لقد بارك أبونا نوح ابنيه سام وحام ، ولعن كنعان ( تك 9 : 26 ، 27 ) . وكما قال هكذا كان .

أيجوز لنا أن نقول إن أبانا نوح قد تجاوز حدوده حينما بارك سام وحام ، وذلك لأنه بشر ؟! حاشا ..

5-وابونا إسحق بارك يعقوب ، ثم أعطى بركة لعيسو .

وكلام أبينا إسحق كان كأنه صادر من فم الله نفسه ، وتم كما قال . وأتى السيد المسيح من نسل يعقوب ، حسبما باركه أبوه إسحق قائلا : " الله القدير يباركك .. ويعطيك بركة إبراهيم لك ولنسلك معك " ( تك 28 : 3 ) .

هل أخطأ أبونا إسحق حينما قال ليعقوب : " حتى تباركك نفسى قبل أن أموت " ( تك 27 : 4 ) ؟! وحينما قال عنه أيضاً : " نعم ، ويكون مباركاً " ( تك 27 : 33 ) .

لقد كانت بركة إسحق ليعقوب مطابقة لقول الرب لرفقة وهى جبلى : " فى بطنك أمتان . ومن أحشائك يفترق شعبان .. وكبير يستعبد لصغير " ( تك 25 : 23 ) .

ولهذا فيما كان القديس بولس الرسول يتحدث عن رجال الإيمان ، قال : " بالإيمان إسحق بارك يعقوب وعيسو من جهة أمور عتيدة " ( عب 11 : 2. ) .

6-وبالمثل " بالإيمان يعقوب عند موته بارك كل واحدد من ابنى يوسف "

( عب 11 : 21 ) " وبفطنة وضع يديه " ( تك 48 : 14 ) اليمنى على راس افرايم الصغير ن واليسرى على راس منسى البكر . ولم يغير الوضع حينما ساء ذلك فى عينى يوسف أبيهما ، أنا تكون اليد اليسرى على البكر .. وكما فعل يعقوب هكذا كان إذن " قدم افرايم على منسى " ( وباركهما فى ذلك اليوم " ( تك 48 : 2. ) .

وكما بارك يعقوب أولاده ( تك 49 ) ويقول له : " البركة من الله وحده " ! كيف تؤخذ بركة من إنسان ؟!

7-والاباء لم يباركوا فقط ، إنما أيضاً كانوا بركة :

وهكذا قال الله لأبينا إبراهيم ، ليس فقط : " أباركك وأعظم اسمك " وإنما ايضاً : " تكون بركة " ( تك 12 : 2 ) .

هكذا كان أبونا إبراهيم بركة للعالم كله . كما كان إيليا النبى بركة فى بيت أرملة صرفة صيدا ( 1مل 17 ) . وكان اليشع النبى بركة فى بيت المرأة الشونمية ( 2مل 4 ) . وكان يوسف الصديق بركة فى بيت فوطيفار . ويقول الكتاب هنا عبارة جميلة ودقيقة وهى :

" إن الرب بارك بيت المصرى بسبب يوسف " ( تك 39 : 5 ) .

ويكمل الوحى قوله عن بركة يوسف فى بيت فوطيفار : " وكانت بركة الرب على كل ما كان له فى البيت وفى الحقل . فترك كل ما كان له فى يد يوسف " . عبارة " تكونون بركة " قالها الرب ايضاً لبيت يهوذا ( زك 8 : 13 ) .

8-إن الذى يرفض البركة من رجال الله هو الخاسر

بل إنه لم يصل غلى مستوى عيسو الذى رفع صوته وبكى ، وقال فسحق " باركنى أنا أيضاً يا ابى " " ألك بركة واحدة فقط يا أبى . باركنى أنا أيضاً يا أبى " ( تك 28 : 34 ، 38 ) . على الرغم من كل أخطاء عيسو ، كان يؤمن ببركة أبيه إسحق .

9-نذكر مثالاً هو بركة موسى وهارون الكاهنين ( مز 99 : 6 ) :

يقول الكتاب : " فنظر موسى جميع العمل ، وغذا هم قد صنعوه كما أمر الرب فباركهم موسى " ( خر 39 : 43 ) . ونود أن نقول بالنسبة إلى هارون وبنيه ملاحظة هامة :

10-كان هارون ووبنوه يباركون الشعب بأمر إلهى :

يقول الكتاب : " وكلم الرب موسى قائلا : كلم هرون وبنيه قائلا ك هكذا تباركون بنى إسرائيل قائلين لهم : يباركك الرب ويحرسك . يضئ الرب بوجهه عليك ويرحمك .. فيجعلون اسمى على بنى إسرائيل ، وأنا أباركهم " ( عد 6 : 22 – 27 ) .

11-إذن بركة الكهنة هى استمدام لبركة الله علىالشعب :

يباركون الشعب قائلين له " يباركك الرب " . بركة الكهنة إذن هى صلوات إلى الله لجل الشعب .

12-وهم قنوات من خلالها يوصل الله بركته للشعب . أو هم وكلاء الله يوصلون بركته للناس .

الله هو الذى القنوات بنفسه . وهو الذى أمرهم بمباركه الشعب ، ووضع على ألسنتهم البركة التى يقولونها . وأمرهم أن يوصلوا هذه البركة قائلين للشعب : " يباركك الله " . وتكون هذه البركة من الله ، من فم الكاهن . تماماً ككلمة الحل و المغفرة ، مع تنوع التفاصيل .

كيف يباركون الشعب وهم بشر ؟! الله هو الذى أمرهم بهذا .. أم هل نحتج ونقول : إذن ليسوا هم الذين يباركون وإنما الله . ليكن . ولكن الله شاء أن تكون بركته عن طريقهم . وهو – تبارك اسمه الذى استخدام هذا التعبير : " هكذا تبركو ( الشعب .. وأنا أباركهم " ( 6 : 22 ، 27 ) .

ونفس المعنى نراه فى مباركه ملكى صادق الكاهن لأبينا إبراهيم :

يقول الكتاب عن ملكى صادق فى مقابلته لإبرام : إنه " أخرج خبزاً وخمراً ، وكان كاهنا لله العلى . وباركه وقال : مبارك إبرام من الله العلى مالك السموات والأرض " ( تك 14 : 18 ، 19 ) .

ومعلمنا القديس بولس الرسول يتأمل هذا الحادث التاريخى فى عمق ، ويستخرج منه عقيدة عن أفضلية الكهنوت الذى بطقس ملكى صادق على الكهنوت الهرونى فيقول :

" لأن ملكى صادق هذا ملك ساليم ، كاهن الله العلى ، الذى استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه .. وبدون كل مشاجرة الأصغلا يبارك من الأكبر " ( عب7 : 1 ، 7 ) .

ملكى صادق بارك إبرام . وكيف باركه ؟ نقول له : مبارك أنت من الله إذن الله هو الذى يبارك ، عن طريق الكاهن وصلاته . والكاهن قناة شرعب\ية لتوصيل البركة .

15-ورجال الكهنوت لا يباركون الأشخاص فقط ، وإنما السرائر المقدسة أيضاً وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول :

"كأس البركة التى نباركها ، أليست هى شركة دم المسيح " ( 1كو 1. : 16 ) .

ذكرنا الان أمثلة من بركة رؤساء الاباء ، وبركة رجال الكهنوت ، ننتقل إلى نقطة أخرى فى مباركة اللبشر للبشر و هى :

16-خرج شاول الملك لكى يباركه صموئيل النبى ( 1صم 13 : 1. ) . ونقرأ أيضاً عن مباركة داود النبى لهدورام ( 1أى 18 : 1. ) . وقد ذكر لنا الكتاب أن سليمان الملك بارك الشعب ( 1مل 8 : 14 ، 2 أى 6 : 3 ) طبعاً بصفته مسيحاً للرب ونقرأ عن أن يا هو " صادف يهوناداب بن ركاب يلاقيه ، فباركه " ( 2مل 1. : 15 ) .

ولعل من الأمثلة الواضحة للبركة :

17-مباركة سمعان الشيخ للسيدة العذراء ويوسف النجار :

وقيل عن سمعان الشيخ أنه كان باراً تقياً .. و الروح القدس كان عليه ( لو 2 : 25 ) . وأنه بارك العذراء ويوسف ( لو 2 : 33 ، 34 ) .

18-ومن نصوص الكتاب الواضحة عن بركات البشر للبشر :

" ببركة المستقيمين تعلو المدينة " ( أم 11 : 11 ) . الرجل الأمين كثير البركات " ( أم 28 : 2. ) .

19-نذكر فى المقدمة بركة الوالدين :

سواء قالوا البركة بألسنتهم ، وأنال الابن بركة إكرامهم . وفى ذلك يقول بولس الرسول : " إكرم أباك وأمك ، التى هى اول وصية بوعد " ( أف 6 : 2 ) . ولعل المقصود هو البركة التى ذكرت فى الوصايا العشر " إكرم أباك وأمك ، لكى تطول ايامك على الرض " ( خر 2. : 12 ) .

20-هناك بركة أخرى هى بركة خدمة الفقراء و المساكين :

ولعل امثلتها قول أيوب الصديق فى حديثه عن خدمته للمساكين : " بركة الهالك

حلت على " ( أى 29 : 13 ) . أى أن الشخص الذى كان يهلك ، أو كان فى حكم الهالك وانقذته ، هذا بركته حلت على .

وهنا بركة ، سواء كلمة دعاء من الفقير أو طالب المعونة ، تكون بركة للإنسان ، أو مجرد بركة الخدمة ذاتها ولو فى الخفاء ..

21-بركة دعاء من أى أحد :

كقول الرسول : " باركوا على الذين يضطهدونكم . باركوا ولا تلعنوا " ( رو 12 : 14 ) . ولعله قد أخذ هذا من قول الرب فى العظة لى الجبل : " أحبوا أعداءكم ، باركوا لاعنيكم " مت 5 : 44 ) .

وفى هذا المعنى يقول القديس بطرس الرسول : " غير مجازين عن شر بشر ، أو عن شتيمة بشتيمة ، بل بالعكس مباركين " ( 1بط 3 : 9 ) .

22-فإن كان الإنسان يمكن أن يتلقى كلمة بركة من أى إنسان ، حتى ممن قد أساء هو إليه ، فكم بالأولى كلمة البركة من الكاهن الذى استؤمن من الله على منح البركة

إذن عبارة " كيف نأخذ بركة من إنسان " لا تتفق مع الحق الإنجيلى . ومن ناحية أخرى ، فإن مباركة الكهنة للشعب عبارة عن وصية أمر بها الرب . وإن لم ينفذوها يكونون مقصرين ومخطئين .

23-و الجيب أن الذين يحتجون على منح الكاهن للبركة ، كثيراً ما يقول كل منهم لمن يخاطبه " الرب يباركك " . وقد يقولها فى حديثه مع أحد الاباء الكهنة القسوس ، وأو أحد الساقفة ، ككلمة دعاء ..

كيف ندعو بعض رجال الكهنوت بعبارة ( سيدنا) ، بينما لا يوجد سوى سيد واحد هو الله . وقد قال السيد المسيح : " أما أنتم فلا تدعوا سيدى ، لأن معلمكم واحد هو المسيح " ( مت 23 : 8 ) ؟

1-قال السيد المسيح هذه العبارة فى مجال نقده لكبرياء الكتبة و الفريسيين ، الذين " يعرضون عصائبهم ، ويعظمون أهداب ثيابهم ، ويحيون المتكأ الأول فى الولائم ، و المجالس الأولى فى المجامع ، و التحيات فى السواق ، وأن يدعوهم الناس سيدى سيدى " ( مت 23 : 5 – 7 ) . ثم قال بعد ذلك مباشرة : " وأما أنتم فلا تدعوا سيدى .. "

قال لهم هذا ، ليلغى قيادة الكتبة و الفريسيين وسيادتهم ، تمهيداً لوضع نظام لقيادات كنيسة جديدة ، لا علاقة لها بهؤلاء السادة محبى الظهور ..

2-وقال هذه العبارات لرسلة القديسين ، وليس لكل الشعب :

"لا تدعوا سيدى .. لا تدعوا معلمين . لا تدعوا لكم أبا على الأرض " ( مت 23 : 8 – 1. ) . فالرسل و خلفاؤهم من رؤساء الآباء ، ليس لهم على الأرض معلم أو أب أوسيد .. أما باقى الشعب فلهم ..

وقد شرحنا هذه النقطة فى الكلام عن رجال الكهنوت كمعلمين وكآباء . ( انظر ص 59 ، ص 6. . ونتكلم الآن عن كلمة " سادة " ، فنقول :

3-إن السيادة منحها الله للإنسان منذ البدء ، لأنه صورته ومثاله ( تك 1 : 26 ) .

فقال لآدم وحواء : " اثمروا واكثروا واملآوا الأرض ، واخضعوها ، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء .. " ( تك 1 : 28 ) . بل قال الله قبل خلق الإنسان : " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون .. " ( تك 1 : 26 ) .

وهذه السلطة ذاتها ، وهذه السيادة ، كما منحها الله لآدم وحواء ، منحها أيضاً لنوح وأولاده ، بعد الفلك ( تك 9 : 2 ) .

الإنسان كصورة لله هو سيد ، وكوكيل له على الأرض هو سيد . وسيادة الإنسان لا تتعارض مع سيادة الله إطلاقاً ، ولا تنافسها .

إنها منحة من الله ، وليس منافسة له ، و تمارس باتضاع .

4-وأمامنا مثال هو يوسف الصديق ، منحه الله القاب السلطة و السيادة والأبوة دفعة واحدة ، وسلك فى ذلك باتضاع .

يقول يوسف الصديق إن الله " جعلنى أبا لفرعون ، سيداً لكل بيته ، ومتسلطاً على كل أرض مصر " ( تك 45 : 8 ) .

وما أكثر الأمثلة فى الكتاب المقدس ، التى منح فيها الله بعض أولاده أن يكونوا سادة بغير كبرياء ..

5-هل تعجبون من أن الله جعل يوسف أبا لفرعون ، وسيداً لكل بيته ؟! هوذا ما هو أكبر من هذه ، أعنى قول الرب لموسى :

" أنا جعلتك إلها لفرعون " ( خر 7 : 1 ) وقوله أيضاً لموسى عن هرون : "هو يكون لك فماً ، وأنت تكون له إلها" ( خر 4 : 16 ) .

طبعاً كلمة " إلها " هنا لا تعنى اللاهوت الذى هو طبيعة الله وحده – تبارك اسمه – إنما تعنى السيادة ، بأسلوب فيه لون واضح من التمجيد .. فهل تتعجبون من هذا المجد الذى منحه الرب لعبده موسى ، الذى قال عنه فى مجال آخر لتمجيده : " إن كان منكم نبى للرب ، فبالرؤيا استعلن له فى الحلم أكلمه . أما عبدى موسى ، فليس هو هكذا ، بل هو أمين على كل بيتى . فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه .. وشبه الرب يعاين " ( عد 12 : 6 – 8 )

6-نأخذ مثالاً للسيادة فى البركة التى أخذها يعقوب أبى الآباء ، حيث قال له فيها :

" ليستعبد لك شعوب ، وتسجد لك قبائل . كن سيداً لاخوتك ، وليسجد لك بنو امك " ( تك 27 : 29 ) .

إنها سيادة ، وسجود . ومع ذلك كانت بركة . ولم تتعارض مع روح اللاتضاع ولا مع سلطان الله وسيادته الله وسيادته .

وطبعاً السجود هنا ، هو سجود الاحترام ، وليس سجود العبادة .

ونلاحظ أن السيادة التى منحها الله ليعقوب على اخوته ، لم يستخدمها فى كبرياء ، ولا هى افقدته اتضاعه . بل انه – وهو السيد – سجد إلى أخيه سبع مرات إلى الأرض ( تك 33 : 3 )

7-السيادة إذن فى الكهنوت ، لا تمنع الاتضاع . وهى نابعة من أن الأسقف هو وكيل لله ( تى 1 : 7 ) . فكل احترام مقدم له ، إنما هو مقدم لمركزه هذا ووضعه أليس هو الشخص الذى بوضع ينال الروح القدس ؟

و السيادة هنا ما هى إلا طاقة للتنظيم فى الكنيسة ، وليست مطلقا للتسلط ، كما كان يحدث مع الكتبة و الفريسيين .

هل يليق السجود لإحدى رتب الكهنوت ، كما يفعل البعض ؟ أليس السجود هو الله وحده حسب تعليم الكتاب ؟

1-تعود الناس أن يسجدوا للأسقف احتراماً ، باعتباره وكيل الله ( تى 1 : 7 ) . فهم يسجدون لله فى شخصه . ومثال ذلك :

ومثال ذلك انهم يستقبلون الأسقف بلحن إب أورو .. " يا ملك السلام ، أعطنا سلامك " بينما ملك السلام هو المسيح . ولكنهم يقولون هذا اللحن فى وجود الأسقف ، للترحيب به ، باعتباره وكيلا للمسيح .

وبالمثل حينما يصلى الأسقف الإنجيل ، يرتلون لحن " أقسم الرب ولن يندم ، أنك أنت هو الكاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق " ( مز 11. ) بينما هذا اللحن هو للسيد المسيح ، وهذا المزمور نبوءة عنه . ولكن اللحن يقال فى وجود الأسقف باعتباره الوكيل الذى يمثل لرئيس الجمهورية ، حتى لو كان ضابطا صغيراً ..

2-و السجود للأسقف هو سجود احترام ، وله أمثلة فى الكتاب :

وكثير من الأساقفة يمتنعون عن قبول هذا السجود ، فيحترمهم الشعب بالأكثر بسبب تواضعهم ، ويتمسكون بالسجود بالأكثر . فيضطر هؤلاء أن يستسلوا لهذا الواقع ، وفى قلوبهم يعتقدون أنهم تراب ورماد .

3-ولبحث الموضوع لاهوتيا وكتابيا نقول إن هناك نوعين من السجود : سجود عباة وسجود احترام . وسجود العبادة هو الله وحده .

وعن سجود العبادة قال الكتاب عن الأصنام : " لا تسجد لهن ولا تعبدهن " ( تث 5 : 9 ) . وقال أيضاً : " الرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد " ( مت 4 : 1. ) . وفى كلا النصين يقترن السجود بالعبادة والايات كثيرة . ولا خلاف فى أن سجود العبادة لله وحده .

أما سجود الاحترام ، فأمثلته كثيرة فى الكتاب . وقد صدر من قديسين يعتبرون أمثلة عليا فى الإيمان : سجدوا لغيرهم ، وأقبلوا السجود .

5-أبونا إبراهيم مثلا ، أبو الآباء و الأنبياء : لما اشترى من بنى حث ارضاً لمقبرة ، ليدفن زوجته سارة ، يقول الكتاب : " فقام إبراهيم ، وسجد لشعب الأرض لبنى حث " و " سجد إبراهيم أمام شعب الأرض " ( تك 23 : 7 ، 12 )

فهل كان سجود أبينا إبراهيم لبنى حث ضد الإيمان ؟! فأبونا إبراهيم من أبرز الأمثلة فى الإيمان بشهادة الكتاب ( عب 11 : 8 – 1. ) .

6-و ابونا يعقوب أبو الأباء "سجد إلى الأرض سبع مرات ، حتى اقترب إلى أخيه عيسو " ( تك 33 : 3 ) . وكذلك سجدت زوجتاه وجاريتاه وأولادهن لعيسو فهل خرجوا جميعاً عن الإيمان ؟! حاشا .

7- وموسى النبى خرج لاستقبال حميه يثرون إن وسجد وقبله (خر 18 :7 ) .

8-وداود النبى سجد أمام شاول الملك لأنه مسيح الرب ( 1صم 24 : 8 ) . وقال له : يا سيدى الملك . فهل أخطأ موسى النبى العظيم ، وخرجا عن الإيمان ؟!

إن سجود آبائنا إبراهيم ويعقوب وداود وموسى ، أمام بشر ، كان مجرد

احترام و توقير . ومن المحال أن نتهم إيمان هؤلاء الأنبياء العظام الذين شهد لهم الرب بنفسه .

9-وهناك قديسون سجدوا ايضاً لملائكة :

فإبراهيم أبو الاباء رأى ثلاثة رجال ، فركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض ( تك 18 : 2 ) . وكانوا الرب وملاكين . وما كان إبرام وقتذاك يعرف أن الرب بينهم ، وإلا ما كان يقول لهم : " اغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة ، فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثم تجتازون " ( تك 18 : 4 ، 5 ) .

1.-ولما " جاء الملاكان إلى سادوم مساء ، وكان لوط جالساً فى بابا سادوم . لما رآهما لوط ، قام لاستقبالهما ، وسجد بوجهة إلى الأرض " ( تك 19 : 1 ) .

ولم يعترض الملاكان إطلاقا على سجود لوط لهما .

إنه سجود احترام . ولو كان سجود عبادجة لمنعاة حتما .

11-وبلعام لما ابصر ملاك الرب واقفاً " خر ساجداً على وجهه " ( عد 22 : 31 ) . وحتى لو كان بلعام مخطئا ، لم نسمع أن الملاك منعه من السجود أو ربخه على ذلك ، بل وبخه على أنه ضرب أتانه " ( عد 22 : 32 ) .

12-إن الملاك الذى سجد له يوحنا ، امتنع تواضعاً .

ومن المحال أن تظن أن هذا الرسول العظيم الذى كان من أعمدة الكنيسة ، قد خرج عن الإيمان بسجوده للملاك ! بل انه منعه الملا من السجود له ( رؤ 19 : 1. ) عاد فسجد للملاك مرة ثانية ( رؤ 22 : 8 )

13-ورجال الله القديسون : كما سجدوا لغيرهم ، فإنهم أيضاً تقبلوا من غيرهم السجود ، ولم يمتنعوا ، ولم يعتبروا عبادة :

داود النبى العظيم : سجدت له إبيجايل ( 1صم 25 : 23 ) ، وسجد له الرجل العماليقى ( 2صم 1 :2 ) . وسجد له مفيبوشت بن ناثان ( 2صم 9 : 6 ، 8 ) . وسجدت له المرأة التقوعية ( 2صم 14 : 4 ) . وسجد له صيبا غلام مفيبوشت ( 2صم 16 : 4 ) . وسجد له شمعى بن جيرا ( 2صم 14 : 4 ) . وسجد له صيبا غلام مفيبوشت ( 2صم 16 : 4 ) . وسجد له شمعى بن جيرا ( 1صم 19 : 18 ) . وسجدت له زوجته بثشبع ( 1مل 1 : 16 ، 31 ) .

سجد له كل هؤلاء احتراما ، كمسيح للرب . وقبل داود منهم هذا السجود ، ولم يعتبره عبادة . بل سجد له ناثان النبى .

14-قيل عن ناثان النبى إنه : " دخل غلى أمام الملك ( داود ) . ويسجد للملك على وجهة إلى الرض " ( 1مل 1 : 23 ) . وهنا نرى نبيا يسجد أمام نبى آخر هو ملك ومسيح للرب .

فهل أخطأ هذان النبيان ؟ أم أمه سجود احترام ؟

15-وارونه اليبوسى سجد لداود " فخرج ارونه ،وسجد للملك على وجهه إلىالأرض " ( 2صم 24 : 2. ) . وقيل ايضاً عن اخيمعص بن صادوق الكاهن انه قال للملك داود : سلام ، وسجد للملك على وجهه إلى الأرض "

16-دانيال النبى قبل السجود من نبوخذ نصر الملك :

يقول الكتاب : " حينئذ خر نبوخذ نصر على وجهه ، وسجد دانيال " ( دا 2 : 46 ) ولم يمتنع دانيال عن قبول السجود .

17-وإيليا النبى قبل السجود من رئيس الخمسين الثالث :

" فصعد رئيس الخمسين الثالث ، وجاء وجثا على ركبتيه أمام إيليا . وتضرع إليه وقال له : يا رجل الله ، لتكرم نفسى وأنفس عبيدك هؤلاء الخمسين فى عينيك " (2مل 1 : 13 ) .

18-واليشع النبى قبل السجود من المرأة الشونمية :

وذلك بعد إقامته ابنها من الموت : " فأتت وسقطت على رجليه ، وسجدت إلى الأرض . ثم حملت ابنها وخرجت " ( 2مل 4 : 37 ) .

19-ومن أمثلة الاحترام ، سجود الملك سليمان لأمه بثشبع :

" دخلت بثشبع إلى المك سليمان ، لتكلمه عن ادونيا . فقام الملك للقائها ، وسجد لها . وجلس على كرسيه ، ووضع كرسياً لأم الملك ، فجلست عن يمينه " ( 1مل 2 : 19 ) .

وسليمان الملك ، وإن كان قد سجد لبثشيع لأنه امه ، فإنه من الناحية الأخرى اقتبل السجود من ادونيا ، الذى رشحه البعض للملك ( 1مل 1 : 53 )

20-ويوسف الصديق سجود اخوته له :

" فأتى اخوة يوسف وسجدوا له بوجوهم إلى الأرض " ( تك 42 : 6 ) . وسجدوا له مرة أخرى ( تك 43 : 26 ) ، ومرة ثالثة ( تك 44 : 14 ) ومرة رابعة ( تك 5. : 18 ) .

ولم يوبخهم على السجود ، ولم يمتنع . كان ذلك شيئا طبيعيا كعلامة احترام أما لو خرج عن هذا المعنى إلى العبادة ، لرفضه يوسف الصديق بلا شك .

21-سجود اخوة يوسف له ، كان بوحى من الله . وكان مؤيداً برؤى إلهية حكاها يوسف لوالديه واخوته . فالأمر إذن متفق مع مشيئة الله ، وبتدبير منه .

قال لإخوته عن حلمه : " وإذا حزمتى قامت وانتصبت ، فاحتاطت حزمكم وسجدت لحزمتى " ( تك 37 : 7 ) . وقال لأبويه : " حلمت حلماً أيضاً . وغذا الشمس و القمر واحد عشر كوكباً ساجدة لى .. فانتهره أبوه قائلا : هل نأتى أنا وأمك واخوتك ونسجد لك " ( تك 37 : 9 ، 1. )

22- ومن البركة الإلهية التى نالها يعقوب ابو ألاباء ، ان يسجد له اخوته ، وتسجد له شعوب وقبائل . هكذا كانت البركة :

"ليستعبد لك شعوب . وتسجد لك قبائل . كن سيداً لاخوتك ، وليسجد لك بنو أمك " ( تك 27 : 29 ) .

23-ولئلا يظن البعض أن بركة سجود الغير ، وأو طاعته وخضوعه ، كانت فى العهد القديم فقط ، نأخذ مثلاً واضحاً له فى العهد الجديد ، فى سفر الرؤيا . وذلك فى الرسالة إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا ، حيث قال ل الرب عن القائلين إنهم يهود ، وهم ليسوا بهودا بل يكذبون :

" هأنذ أصيرهم يأتون ، ويسجدون أمام رجليك ، ويعرفون انى أنا أحببتك " ( رؤ 3 : 9 ) .

ومادام هؤلاء سيسجدون لراعى كنيسة فيلادلفيا ، بأمر إلهى وبشيئة إلهية ، إذن مثل هذا السجود ليس خطية .

24-وهناك سجود أمام الهياكل و المذابح والأماكن المقدسة .

يقول داود النبى : " أمام الملائكة ارتل لك ، واسجد قدام هيكلك المقدس " ( مز 137 ) . ويقول أيضاً : " أما أنافبكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك ، واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك " ( مز 5 : 7 ) .

ونحن حينما نسجد أمام الهيكل أو المذبح ، أنزانا الهيكل نعبد الهيكل أو المذبح ؟! حاشا . وإنما هو احترام للمواضع المقدسة . كما قال رئيس جند الرب ليشوع : " اخلع نعلك من رجليك ، لأن المكان الذى أنت واقف عليه هو مقدس "

( يش 5 : 15 ) .

25-هناك سجود آخر للتوبة أو للاعتذار :

مثل المطانيات ، يسجد بها شخص لآخر اعتذراً ، أو يعبر بهها عن توبته لله وهذا خارج نطاق الكهنوت .

26-الاسقف أو البطريرك الذى يسجد له الناس ، هو أيضاً يسجد لهم .

وذلك قبل بداية القداس قائلا للشعب : أخطأت سامحونى "

إذن ينبغى أن نفهم السجود ، بالروح لا بالحرف ، لأن الحرف يقتل .

بما نرد على القائلين بأن السلطان أعطى للرسل فقط ؟

فى الواقع ان هذا الأمر لا يستقيم إلا لو كانت المسيحية هى لعصر الرسل فقط ، وليست لكل العصور .

و الذى يقول بهذا ، إنما يهدم المسيحية دون أن يقصد ، ويوقف كل الممارسات و العقائد و التعاليم التى كانت موجودة أيام الرسل . وتكون المسيحية قد انتهت بنياحة القديس يوحنا الإنجيلى ، آخر من رقد من الاثنى عشر ..

أما لو كانت المسيحية هى لكل العصور ، فلا بد أن يستمر ما كان يعمله الرسل . يسلمونه لخلفائهم ، وهم للجيال التى بعدهم ، بنففس السلطان .

وسنضرب عدة أمثلة فى هذا الموضوع :

السيد المسيح قال للرسل : " معلمكم واحد هو المسيح " ( مت 23 ) . ولكن السيد المسيح المعلم ، سلم التعليم للرسل ، وقال لهم : " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم .. وعلموهم أن يحفظوا خلفاءهم . بولس الرسول مثلا تلمذ تيموثاوس ، وتيطس ، ولوقا ، وتيخيكس ، وآخرين . ثم قال لتيموثاوس مثلاً : " لاحظ نفسك و التعليم ، ودوام على ذلك " ( 1تى 4 : 16 ) " اعمل عمل المبشر . تمم خدمتك " ( 2تى 4 : 5 ) . وكيف ذلك ؟

" ما تسلمته منى بشهود كثيرين ، أودعه أناسا أمناء ، و يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً " ( 2تى 2 : 2 ) .

أى أن المسيح سلم التعليم للرسل . وبولس استلم من الرسل ومن المسيح . بولس سلم تيموثاوس . وتيموثاوس أودع نفس التعليم لأناس أمناء . وهؤلاء أمناء كانوا أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً وجيل يمضى ، وجيل يجئ . و الكنيسة باقية بنفس التعليم .

المسيح سلم الرسل هذا السر ، قائلا لهم : " هذا هو جسدى . هذا هو دمى . اصنعوا هذا لذكرى " . وسلم ذلك لبولس ايضاً . وبولس يقول : " لأننى تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً .. " ( 1كو 11 : 23 ) . وتسليم تقديم جسد الرب ودمه ، لازم لاستمرار السر .

وهذا الاستمرار هو أمر إلهى ، قال فيه الرب : " اصنعوا هذا لذكرى " . لا يمكن أن يصنعه إلا الذين ائتمنوا على هذا السر . وواضح أن الرب سلمه لرسله القديسين ، فينتقل بطبيعة الحال إلى خلفائهم ، أى إلى رجال الكهنوت .

ومن المحال أن يكون جسد الرب ودمه لعصر الرسل فقط .

وإلا تكون الإجيال كله قد حرمت من بركات هذا السر ذكرناها فى الباب السادس ، ووردت فى ( يو 6 ) . وكذلك من الناحية السلبية تتعرض كل الجيال لقول الرب : " الحق الحق أقول لكم : إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم " ( يو 6 : 53 ) .

إذن اختصاص تقديم جسده ودمه ، مستمر لاستمرار التعليم .

ننتقل إلى نقطة أخرى ، وهى :

من المحال أن تكون المعمودية قاصرة على العصر الرسولى وحده ، وذلك لعلاقتها بالخلاص " من آمن واعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) .

وأيضاً بسبب الانذار الذى ذكره الرب فى حديثه لنيقوديموس ( يو 3 : 5 ) ولعلاقتها بمغفرة الخطايا ، حسب قول القديس بطرس لليهود فى يوم الخمسين : " توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح ، لمغفرة الخطايا .. " ( أع 2 ك 38 ) . وكذلك لعلاقة المعمودية بالميلاد الثانى ( يو 3 : 5 ، تى 3 : 5 ) .

فمادامت المعمودية لها علاقة بالخلاص ، وبمغفرة الخطايا ، وبالميلاد الثانى ، إذن لابد أن تستمر عبر الأجيال ، ولا يمكن أن تكون قاصرة على العصر الرسولى . و المعمودية لم يعهد بها الله إلا لرسلة ، وبالتالى لخفائهم لتستمر .

قال لهم : " تلمذوا جميع الأمم .. وعمدوهم .. وعلموهم " . مت 28 ) .

ولم يعهد بهذه المسئولية لعامة الشعب . فلكى تستمر فى خلفاء الرسل ، و خلفائهم فى المسئولية . ويكفى لأهمية استمرارها ، قول الرسول عن المعمودية :

" لأنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح " ( غل 3 : 27 ) . هل يمكن حرمان الأجيال كلها من هذه البركة ، حينما يقول البعض إن وصايا المسيح للرسل كانت لعصرهم فقط ؟! نضيف نقطة أخرى وهى :

هل يمكن أن جيلا من الأجيال يمكن أن يعيش بدون الروح القدس ؟! محال .. وكيف إذن كان يمنح الروح القدس ؟ كان ذلك عن طريق الاباء الرسل .

وليس أفراد الشعب ، كما حدث بالنسبة إلى السامرة :

" ولما سمع الرسل .. أن السامرة قد قبلت كلمة الله ، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا .. حينئذ وضعا الأيادى عليهم ، قبلوا الروح القدس " ( أع 8 : 14 – 17 ) .

ولم نسمع اطلاقا أن عامة الشعب كانوا يمنحون الروح القدس . ونفس الوضع ، نراه منح الروح لأفسس ( أع 19 ) .

سلطان المغفرة الذى منحه السيد المسيح للآباء الرسل ( يو 2. : 23 ) هل كان خاصا بعصر واحد يتمتع به .. يتمتع بالإرشاد الروحى ، واراحة النفوس عن طريق الاعتراف . وأما با قى العصور ، فلا .. !

إن المسيحية هى المسيحية ، ديانة لكل الشعوب ، ولكل العصور ..

و الذى اعطى الآباء الرسل ، إنما اعطى لقيادة الخدمة فى أشخاصهم ، لكى يتمتع به كل الناس ..

كان لابد لتنظيم الكنيسة من سلطان الحل و الربط ، ليس فقط من أجل المغفرة و العقوبة ، إنما من أجل سلطة التقنين و التشريع ، بما لا يتعارض مع كتاب الله . وقام الرسل بواجبهم .

وفى كل جيل ، تظهر أمور جديدة تحتاج إلى معرفة رأى الذين فيها ، وتحتاج إلى كلمة من الكهنوت الذى له سلطان الحل و الربط ( مت 18 : 18 ) ، و الذى " من فمه يطلبون الشريعة ، لأنه رسول رب الجنود " . ملا 2 : 7 ) .

فهل تبقى الكنيسة بلا قيادة بعد عهد الرسل ؟! وهل يبطل سلطان الحل و الربط ؟ وهل يبطل التقنين و التشريع ؟ وهل نترك الشعب حيارى لا يعرفون اين هو الخير ، وأين هو الشر ؟ .. حاشا أن يحدث هذا فى كنيسة الله ، التى كل شئ فيها يسير بلياقة وحسب ترتيب ( 1كو 14 : 4. ) .

إن كان الرسول قد قال لأهل كورنثوس : " أما الأمور الباقية ، فعندما أجئ أرتبها " ( 1كو 11 : 34 ) ، فإنه قال لتلميذه تيطس اسقف كركيت : " تركتك فى كريت لكى تكمل ترتيب الأمور الناقصة ، وتقيم فى كل مدينة قسوساً كما أوصيتك " . تى 1 : 5 ) .

يتضح من هنا أن سلطان الترتيب الذى كان للرسول ، قد اشترك فيه تلميذه أيضاً . وهنا جيل يسلم جيلاً .

السيد المسيح بنفسه أقام خداماً . وتركتهم يقيمون خداماً من بعده ، يتولون مباشرة الاختصاصات التى عهد بهم إليهم . وهكذا وضعت اليد على بولس وبرنابا ( أع 13 : 3 ) . بولس وضع اليد على تلميذه تيموثاوس أسقف افسس ، قائلا له : " أذكرك أن تضرم موهبة الله التى فيك بوضع يدى " ( 2تى 1 : 6 ) . وتيموثاوس وضع اليد على آخرين . قال له بولس : " لا تضع يدك على أحد بالعجلة ، ولا تشترك فى خطايا الاخرين ( 1تى 5 : 22 )

وكما كلف بولس تلميذه تيموثاوس ، أن يكون حريصاً فى وضع يده فى إقامه القسوس ، كذلك كلف تلميذه تيطس أسقف كريت ، أن يقيم فى كل مدينة قسوساً ( تى 1 : 5 ) .

وهكذا تسلسل وضع اليد من المسيح ، إلى بولس ، إلى تيموثاوس وتيطس وغيرهما ، إلى آخرين . وهكذا مع باقى الرسل .

كان لابد أن السلطان ينتقل من الرسل عبرالأجيال ، لكى تستمر الرئاسة الكنيسة ، ويستمر عمل الكهنوت ، وتستمر الخدمة ، وتستمر النعم الإلهية التى تأتى عن هذا الطريق .

جاء السيد المسيح يبنى الملكوت ، ووضع أساسا هو الرسل . ولكن لا يمكن أن يبقى الأمر عند مستوى الأساس فقط دون أن يكمل البناء ، ولا بد أن يستمر . وفى هذا يقول القديس بطرس الرسول :

" كونوا أنتم أيضاً مبنين ، كحجارة حية ، بيتاً روحيا كهنوتيا مقدسا ، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عندالله " ( أف 2 : 2. ) .

إذن الرسل هم مجرد الأساس ، وليسوا كل البناء ولا يمكن ترك الساس بدون بناء عليه .

من هنا انتقلت الاختصاصات من الرسل إلى خلفائهم ، ليتم البناء .

لماذا تخصون الكهنة بالتعليم ؟ لماذا لا يقوم بالتعليم كل من له غيرة ؟ ويقول ايضاً كا يقول الكتاب : " ويل لى إن كنت لا أبشر " ( 1كو 9 : 16 ) .

الذى قال : " ويل لى إن كنت لا أبشر " هو بولس الرسول . وليس كل إنسان هو بولس الرسول .

ولماذا قال الرسول هذا الكلام ؟؟ إنه يقول : " إن كنت أبشر ، فليس لى فخر ، لأن الضرورة موضوعة على .. " ( 1كو 9 : 16 ) . ونسأله : لماذا يرى الضرورة موضوعة عليه ، فويل له إن كان لا يبشر .

يجب الرسول : " قد استؤمنت على وكالة " ( 1كو 9 : 18 ) .

إنه كوكيل لله ، قد استؤمن منه على هذه العمل ، أن يبشر . ومن هنا كانت الضرورة موضعة عليه ، من حيث مسئوليته كوكيل ..

إذن لا تنتزع آية واحدة من فصل ،دون أن نقرأ الفصل كله ، ونعرف من الذى يتكلم ؟ ولماذا يقول هذا ؟ وهل نحن فى نفس موقفة ؟!

إسأل نفسك يا صاحب السؤال : هل استؤمنت على وكالة ؟

هل هناك ضرورة موضوعه عليك ؟ .. تقول : وماذا عن الغيرة المقدسة ومحبة الناس ؟

أقول لك : اذهب إلى الكنيسة لكى ترسلك ، لكى يصبح وضعك شرعياً 9 وهذا هو تعليم نفس الرسول إذ يقول :

"كيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به ؟ وكيف يسمعون بلا كارز ؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا " ( رو 1. : 14 ، 15 ) .

من هنا كانت خطورة من يكرز ، دون أن ترسله الكنيسة !

أولئك الذين يعلمون فى الكرازة و التعليم ، إذ قد نصبوا أنفسهم لذلك " دون أن يرسلوا " .

فإن حدث أن الكنيسة قد أرسلتك لكى تكرز ، حينئذ يمكنك أن تقول : " ويل لى إن كنت لا أبشر " . وإن لم ترسلك الكنيسة ، استمع لقول يعقوب الرسول :

وإن لم ترسلك الكنيسة ، استمع لقول يعقوب الرسول :

" لا تكونون معلمين كثيرين يا اخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ، لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا " ( يع 3 : 1 ) .

الذين يشتغلون فى التعليم من خارج الكنيسة " دون أن يرسلوا " يمكن أن يقعوا فى بدء وأخطاء ، ويعثرون ، ويأخذون دينونة أعظم . هذا هو الحق الكتابى وتعليم الرسول .

ولم تقارن نفسك ببولس الرسول الذى أرسله المسيح ( أع 9 : 15 ) وأرسلته الكنيسة ( أع 13 : 3 ) ، وأرسل من الروح القدس ( أع 13 : 4 ) ، وافرزه الله من بطن أمه ( غل 1 : 15 ، 16 ) .

وهنا أسأل : كيف يستريح ضميرك انك مرسل من الله ؟

الذى ترسله الكنيسة يقول : الكنيسة التى أخذت سلطانا من الله ، هى قد أرسلتنى . ومن لا يسمع للكنيسة يكون كالوثنى و العشار ( مت 18 : 17 ) .

قد يدعى شخص ويقول : الروح القدس هو أرسلنى !

من أدراك أن الروح القدس هو الذى أرسلك ؟! وبخاصة إن كنت تحطم عقائد الكنيسة ..! إذن اسمع ماذا يقول الحق الكتابى .. بقول :

إن الروح القدس حينما أراد ارسال برنابا وشاول ، قال للرسل : افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذى دعوتهما إليه ( أع 13 : 2 ) .

حينئذ صاموا وصلوا ووضعوا عليهما الأيادى ، اطلقوها بسلام . فهذان إذ ارسلا من الروح القدس ، انحدرا إلى سلوكية .. ( أع 13 : 3 ، 4 ) .

هكذا كان الارسال من الروح القدس ، عن طريق الكنيسة .

فالذى يرسل هكذا ، يقول : ويل لى إن كنت لا أبشر .

 الصفحة الرئيسية