لاهوت المسيح
البابا شنودة الثالثDivinity of Christ By H. H. Pope Shenouda III
مقدمة الكتاب
الفصل الأول :
2 ـ بنوة المسيح للآب
|
الفصل الثاني : السيد المسيح وصفاته الإلهية الله هو الموجود في كل مكان
|
الفصل الثالث : آيات صريحة تدل على لا هوته الفصل الرابع : شهادة سلطانه المطلق ومعجزاته |
لاهوت المسيح موضوع من أهم الموضوعات الحيوية في العقيدة المسيحية . وقد قامت بخصوصة هرطقات كثيرة في شتى العصور ، تصدت لها الكنيسة وردت عليها . ولعل من أخطر الهرطقات البدعة الأريوسية التى اشتدت في القرن الرابع الميلادى ، وانعقدت بسببها مجامع مكانية وأيضاً أول مجمع مسكونى في التاريخ ، انعقد سنة 325م ، وحضره318 أسقفاً يمثلون كل كنائس العالم ، وشجبوا آريوس وبدعته ، ووضعوا قانون الإيمان المسيحى . ومع ذلك ظلت بقايا الأريوسية منتشرة إلى يومنا هذا ... وقام ضد لاهوت المسيح فلاسفة وعلماء ملحدون ...
وقامت ضده بدعة شهود يهوه الرئيسى إلى نيوريورك سنة 1909 بامريكا جمعية " برج المراقبة والكراريس " ولهم العديد من الكتب ، أهمها ليكن الله صادقاً ، والحق يحرركم وقيثارة الله ، والخلاص ، والخليقة ، والغنى والاستعداد والحكومة ، والعالم الجديد ، والمصالحة ، والوقاية ونظام الدهور الإلهى ... ومجموعة عديدة من النبذات يسمونها الكراريس . وسنحاول في هذا الكتاب أن نتكلم عن لاهوت المسيح ببحث ايجابى نثبت فيه هذه العقيدة الاساسية من الكتاب المقدس . ولعلنا في كتاب آخر نتناول كل الاعتراضات مع الرد عليها . وقد تعرض للاعتراضات كثير من قديسين عاصروا الحركة الآريوسية ومنهم :
1 ـ القديس أثناسيوس الرسولى في كتابه ضد الأريوسيين Contra Arianos .
2 ـ القديس ايلارى أسقف بواتييه في كتابه عن الثالوث De trinitate . .
3 ـ القديس باسيليوس الكبير .
4 ـ القديس غريغوريوس اسقف نيصص .
5 ـ القديس غريغوريوس الثيولوغوس في مقالاته اللاهوتية .
6 ـ القديس كيرلس الأورشليمى في محاضراته للموعوظين ( المعدين للعماد ) .
أما في بحثنا هذا الايجابى فسنقدم اثباتات للاهوت المسيح من نصوص الكتاب المقدس بعهديه . وقد بدأت هذا البحث منذ يوليو 1953 حينما نشرنا أول مقال عن شهود يهوه في مجلة مدارس الأحد . ثم تتابعت المقالات خلال عامى 1953 ، 1954 م ، وقمت بتدريس هذا الموضوع الكلية الاكليريكية في تلك السنة . ثم عدت لتدريسه مرة أخرى في الستينيات وأنا أسقف للاكليريكية . وأجبت على كثير من الاسئلة الخاصة به في المحاضرات العامة . وقمت بتدريسه أيضاً في الكلية الاكليريكية بجرسى ستى ، ولوس أنجلوس . وأخيراً رأيت من الأفضل طبعه كمنهج دراسى . في كليتنا اللاهوتية بشتى فروعها .
البابا شنوده الثالث
الفصل الأول
لاهوته من حيث مركزه في الثالوث القدوس
هو اللوجوس ( الكلمة )
دعى السيد المسيح بالكلمة في ثلاثة مواضع هامة :
1 ـ ( يو1 : 1 ) " في البدء كان الكلمة والكلمة عند الله . وكان الكلمة الل " وهنا الحديث عن لاهوته واضح تماماً .
ب ـ ( 1يو5 : 7 ) " اللذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب والكلمة والروح القدس . وهؤلاء الثلاثة هم واحد " ( وهنا اللاهوت واضح أيضاً . والكلمة هنا بدلاً من ( الابن ) في ( متى28 : 19 ).
ج ـ ( رؤ19 : 13 ) وهو متسربل بثوب مغسول بدم . ويدعى اسمه كلمة الله .
وعبارة ( الكلمة ) هي في اليونانية اللوجوس .
وهي لاتعنى لفظة . وإنما لها معنى لغوى وفلسفى واصطلاحى . كلمة لوجوس مأخوذة من الفعل اليونانى ومعناه ينطق .. وجاء منه المنطق Pronunciation إنما يعنى النطق المعقول أو العقل المنطوق به .
ومن هنا كانت عبارة الكلمة تعنى عقل الله الناطق أو نطق الله العاقل . فهى تعنى العقل والنطق معاً . وهذا هو موضع الابن الثالوث القدوس . وطبيعى أن عقل الله لا ينفصل عن الله . والله وعقله كيان واحد . وإذا كان شهود يهوه يرونه إلهاً أصغر غير الله ( الإله الأكبر الكلى القدوة ) ، فهم لا يفهمون معنى عبارة الكلمة التى هي اللوجوس في ( يو1 : 1 ) وفي ( 1يو5 : 7 ) .
ومادام المسيح هو عقل الله الناطق ، إذن فهو الله ، وإذن فهو أزلي ، لأن عقل الله كائن في الله منذ الأزل . وإذن فهو غير مخلوق . لأن المخلوق لم يكن موجوداً منذ خلقه . ومحال أن نقول هذا عن الله . وهل يعقل أحد أن الله مر عليه وقت كان فيه بدون عقل !؟ ثم بعد ذلك خلق لنفسه عقلاً ! وبأى عقل يخلق لنفسه عقلاً ؟! إن فهم الثالوث يعرفنا أزليه الأقانيم الثلاثة . وأن أقنوم الكلمة من طبيعة الله ذاته ، وكائن فيه منذ الأزل .
وهكذا فإن الاقنوم الثاني ، اللوجوس ، الكلمة ، هو اقنوم المعرفة أو العقل أو النطق في الثالوث القدوس ، هو " المسيح المدخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم " ( كو2 : 3 ) ، أو هو أقنوم الحكمة في الثالوث لذلك قال القديس بولس الرسول عن السيد المسيح إنه " حكمة الله " ( 1كو1 : 24 ) . لذلك لما تجسد ، رأينا الله فيه ، الله لم يره أحد قط ( يو1 : 18 ) أى لم يره أحد في لاهوته . ولكنه لما تجسد ، لما ظهر في الجسد ( 1تى3 : 16 ) رأيناه في هذا الجسد ، رأيناه متجسداً . ولذلك قال القديس يوحنا الرسول " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر " ( يو1 : 18 ) أى هو الذى أعطانا خبراً عن الله ، عرفنا الله .
وبهذا المعنى قيل أنه " صورة الله غير المنظور " ( كو1 : 15 ) . وقيل " الذى إذ كان في صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . بل أخلى نفسه آخذاً صورة عبد " ( في2 : 5 ـ 7 ) . أى أنه إن ظهر انه معادل لله ( مساو له ) ما كان يحسب هذا اختلاساً ، لأنه هو هكذا فعلاً . إنما وهو معادل للآب ، أخلى نفسه من هذا المجد بتجسده ، وأخذ صورة عبد صائراً في شبه الناس ... وأطاع حتى الموت موت الصليب ( في2 : 8 ) .
وقال عنه القديس بولس في بدء رسالته إلى العبرانيين " الذى به أيضاً عمل العالمين . الذى بهاء مجده ورسم جوهره ... بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي ، صائراً أعظم من الملائكة " ( عب10 : 2 ـ 4 ) . عبارة " رسم جوهره " أى الصورة بها الله في تجسده ن فرأيناه ، أى المسيح . ولذلك قال المسيح " من رآني الآب " ( يو14 : 9 ) . تجسد لأجل فدائنا ، ليصنع بذلك تطهيراً لخطايانا . وقد أخلى ذاته مع أنه بهاء مجد الله ، وصورة الله ( 2كو4 : 4 ) . ومع ذلك أنه هو الذى عمل العالمين .
وهنا يقدم لنا الرسول صفة من صفات المسيح الإلهية ، وهي كونه الخالق . وقد خلق الكون باعتبار أنه اللوجوس : عقل الله وحكمة الله ...
2
بنوة المسيح للآب
وفي هذا الإثبات تواجهنا نقطة هامة وهى :
نعم أن البشر قد دعوا أبناء الله ، ولكن بمعنى آخر غير بنوة المسيح لله . في سفر التكوين ود أن " أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات " ( تك6 : 2 ) . والمقصود بأبناء الله هنا أبناء شيث وأبناء أنوش ، حينما " ابتدئ أن يدعى باسم الرب " ( تك4 : 26 ) . أما بنات الناس فهن نسل قايين . كذلك قال الله في سفر اشعياء النبى " ربيت بنين ونشأتهم . أما هم فعصوا على " ( اش1 : 2 ) . وقيل أيضاً في هذا السفر " أنت يارب أبونا ، ولينا " ( أش 63 : 16 ) . وأيضاً " والآن أنت أبونا ، نحن الطين وأنت جابلنا ، وكلنا عمل يديك " ( اش64 : 8 ) . وهذه عبارات عن البنوة ، ولكنها صادرة من مخلوقات ، ولا تعنى بنوه من جوهر الله . وورد أيضاً في المزامير " قدموا للرب يا أبناء الله ... قدموا الرب " إسرائيل ابنى البكر " ( خر4 : 22 ) . وقال في سفر الأمثال " يا ابنى أعطنى قلبك " ( أم23 : 26 ) . وفي العهد الجديد ندعو لله أبانا في مواضع عديدة جداً ، يكفى منها قولنا في الصلاة " أبانا الذى في السموات " ( متى5 : 9 ) ... وعبارات أبوكم السماوي ، وأبوك الذى يرى في الخفاء ... إلخ كثيرة جداً .
2 ـ ولكن بنوة البشر هي بالإيمان ، أو المحبة أو التبنى :
أما عن البنوة بالإيمان : فقال الكتاب عن السيد المسيح " وأما كل الذين قبلوه ، فأعطهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه " ( يو1 : 12 ) . فكلمة أبناء هنا تعنى المؤمنين .
ب ـ وأما عن بنوة المحبة : فيقول القديس يوحنا في رسالته الأولى " أنظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعى أولاد الله " ( 1يو3 : 1 ) . إذن هو عمل محبة من الله أن يدعونا أولاده ...
ج ـ أما عبارة التبنى فقد وردت في ( رو8 : 23 ) . ومعروف أن الذى يدعى ايناً ، وهو ليس ابناً حقيقياً ، إنما يكون بالتبنى أو بمفهوم روحى .
3 ـ ومع كوننا أبناء مازلنا ندعى ، عبيداً .
فالسيد الرب يقول " متى فعلتم كل ما أمرتم به ، فقولوا إننا عبيد بطالون ، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا " ( لو17 : 10 ) . والأبرار كلهم دعوا عبيداً . فالرب سيقول لكل من جاهد الجهاد الحسن واستحق الملكوت " نعماً أيها العبد الصالح الأمين . كنت أميناً في القليل فأقيمك على الكثير . أدخل إلى فرح سيدك " ( متى25 : 23 ) . إننا على الرغم من بنوتنا لله ، كلنا مخلوقات . والمخلوق لا يدعى إلهاً . حتى الرعاة ( الوكلاء ) دعوا أيضاً عبيداً مثل رعيتهم . وفي ذلك يقول الرب " يا ترى من هو الوكيل الأمين الحكيم الذى يقيمه سيده على عبيده ليعطيهم طعامهم في حينه ... طوى لذلك العبد الذى جاء سيده يفعل هكذا " لو12 : 42 ، 43 ) ...
4 ـ أما السيد المسيح فبنوته من جوهر الله نفسه :
لذلك كان يدعى أحياناً ( الابن ) . أو ( الابن الوحيد ) كما سنشرح فيما بعد ، لأن له بنوة فريدة لها نفس طبيعة الله ولاهوته وجوهره .
وسنوضح هنا كيف أن بنوة المسيح للآب ليست بنوة عادية . وكيف شهد لها الكل ، حتى الله الآب نفسه ، وفى مناسبات معجزيه . وبطريقة تحمل معنى لاهوت الابن . ونذكر في مقدمتها :
5 ـ شهادة الآب للابن في مناسبة العماد :
شهد الآب للمسيح وقت العماد قائلاً " هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت " ( متى3 : 17 ) ن ( لو3 : 22 ) . وهذه الشهادة تأيدت بمعجزات : السماء انفتحت . الروح القدس ظهر بهيئة حمامة وحل عليه . وصوت من السماء هو صوت الآب يشهد . فإن كانت بنوة عادية ، وكل الناس أبناء ، ما الحاجة إذن لكل هذه المعجزات ؟! إننا من أجل هذه العظمة التى ظهرت وقت العماد ، نسمى هذا الحادث بالثيئوفانيا ، أى الظهور الإلهى ...
6 ـ وشهد الآب له أيضاً في مناسبة التجلى :
وذلك في منظر يدل على لاهوته أمام التلاميذ الثلاثة إذ " تغيرت هيئته قدامهم . وصارت ثيابة تلمع جداً كالثلج " وظهر من السحابة قائلاً : هذا هو ابنى الحبيب . له اسمعوا " ( مر9 : 2 ـ 7 ) . فإن كان ابناً عادياً فما حاجته إلى شهادة من الآب ؟ وما الداعي لهذا المجد في التجلى : النور والسحابة ؟ وما الداعي لصوت الله ؟ كما أن عبارة " له اسمعوا " تعطينا أيضاً
أمراً في الخضوع له . إن كان الكل أبناء الله ، فمن منهم شهد له الآب في مجد كمجد العماد أو مجد التجلى ؟
7 ـ وشهادة الآب للابن قديمة جداً :
تظهر في قوله للإبن في المزمور الثانى " أنت ابنى اليوم ولدتك . اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً ، وسلطانك إلى أقصاء الأرض ـ لترعاهم بقضيب من حديد " ( ز2 : 7 ـ 9 ) . هنا بنوة بسلطان ، إلى أقاصى الأرض تعجب منها القديس بولس الرسول ، وذكرها حينما شرح أن السيد المسيح أعظم من الملائكة تسجد له ، فقال " لأنه لمن من الملائكة قال قط : أنت ابنى اليوم ولدتك " ( عب1 : 5 ) .
8 ـ إن بنوة المسيح لله هي هدف كتابة الإنجيل :
فإنجيل مرقس يبدأ بقولة " بدء يسوع المسيح ابن الله " ( مر1 : 1 ) . فإن كان ابناً كسائر الأبناء ، ما الداعى لهذه العبارة وكل المعجزات الذى ذكرها بعدها ... والقديس يوحنا بعد أن ذكر في إنجيله معجزات لم يذكرها أحد من قبل ، وبعد أن سجل أحاديث المسيح الدالة على لاهوته ، قال بعد ذلك " و آيات أخر كثيرة صنها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب . وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ، ولكى تكون إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو20 : 30 ، 31 ) . إذن فهى ليست بنوة عادية ، وإنما بنوة تثبتها كل تلك الآيات الدالة على لاهوته . وإن كان ابناً عادياً ، فما لزوم سرد
10 ـ كانت بنوة المسيح لله سبب حكم مجمع السنهدريم عليه :
لقد احتار رؤساء الكهنة كيف يحكمون عليه ، بعد أن تقدم للشهادة شهود زور كثيرون لم تتفق أقوالهم ، حينئذ قال له رئيس الكهنة " استحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ؟ " ( متى 26 : 63 ) . فإن كانت بنوة عادية مثل بنوة باقى الناس لله ، ما معنى أنه يستحلفه رئيس الكهنة أمام أكبر محفل كهنوتى وقتذاك ويسأله عن بنوته . فلما أجابة المسيح بالإيجاب ، وأضاف على ذلك أمرين يلقيان بلاهوته وهما جلوسه عن يمين القوة ، وإتيانه على سحاب السماء " مزق رئيس الكهنة ثيابة ، وقال قد جدف ، ما حاجتنا بعد إلى شهود . ها قد سمعتم تجديفه " ( متى26 : 63 ـ 65 ) . وقدموه للموت لهذا السبب .
11 ـ وبنوة المسيح لله كانت موضع حيرة الشيطان :
لذلك نراه في التجربة على الجبل يقول له " إن كنت ابن الله ، فقل أ تصير هذه الحجارة خبزاً " ( متى4 : 3 ) . سؤال الشيطان يقصد به هذا النوع من البنوة لله التى لها قدرة معجزية خارقة للعادة تحول الحجارة خبزاً وليست بنوة عادية مثل بنوة سائر الناس . ولعل نفس السؤال به الشيطان وقت الصليب على ألسنة الناس القائلين له " إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب " ( متى27 : 40 ) . إذن فالمفهوم هنا من الكل أنها بنوة لها قوة المعجزة التى تستطيع أن تنزل من على الصليب ، وليست بنوة عادية يشترك فيها الكل .
12 ـ وهذه البنوة كانت موضع بشارة الملاك للعذراء :
لقد قال لها " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو1 : 35 ) . فلو كان ابناً لله كسائر الناس ، ما كان الأمر يحتاج إلى حلول الروح القدس ، وقوة العلى على والدته ، لكى بذلك يدعى ابن الله . إذن هي هذه البنوة التى من الروح القدس ، كما قال الملاك أيضاً ليوسف " الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " ( متى1 : 20 ) . وهي البنوة التى يدعى بها قدوساً ، وهذه صفة من صفات الله . وقال الملاك أيضاً للقديسة العذراء عن ابنها أنه " يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطية الرب الإله كرسى داود أبيه . ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد . ولايكون لملكه نهاية " ( لو1 : 32 ، 33 ) .. ولا يوجد إنسان من بنى البشر لايكون لملكه نهاية ، ويملك إلى الأبد . إنما هذه صفة من صفات الله . إذن فقد كانت بشارة العذراء عن بنوة المسيح لله تحمل معنى اللاهوت الذى يملك إلى الأبد ولا تكون لملكه نهاية . ولعل هذه البشارة تذكرنا بما ورد عن هذا الأبن في نبوءة دانيال إذ قال عنه كابن للإنسان ط اعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً ، لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطاناً سلطان أبدى ما لن يزول ، وملكوته لاينقرض " ( دا7 : 13 ، 14 ) .
13 ـ وارتباط هذه البنوة بألوهيته أمر ورد في نبوءة اشعياء :
فقد قال " يولد لنا ولد ، ونعطى ابناً . وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً اباً أبدياً رئيس السلام " ( اش9 : 6 ) . فهناك عبارة " ابن " ، وعبارة ط إلهاً قديراً " تجتمعان معاً في نبوءة واحدة . وحتى كلمة ( عجيباً ) تذكرنا بقول الرب لمنوح آبى شمشون " لماذا تسألنى عن اسمى وهو عجيب " ( قض 13 : 18 ، 22 ) .
14 ـ وهذه البنوة المرتبطة بالألوهية وردت في سفر الأمثال أيضاً :
قال " من يصعد إلى السماء ونزل ؟ من جمع الريح في حفنتيه ؟ من صر المياة في ثوب ؟ من ثبت جميع اطراف الأرض ؟ ما اسمه وإسم ابنه إن عرفت ؟! " ( أم30 : 4 ) . وهنا لايتحدث عن واحد من أبناء عديدين ، إنما عن ابن واحد يتميز عن الكل ، لأنه من طبيعة الله ولاهوته .
15 ـ وورد الاعتراف ببنوته لله في معجزة المشى على الماء :
معجزة المشى على الماء كانت تحمل معنى اللاهوت ، لأنها سلطان معجزى على الطبيعة . وقد مشى المسيح على الماء ، بمعجزة عجيبة لم يروها من قبل فقال له بطرس " إن كنت أنت هو ، فمرنى أن آتى إليك على الماء " فسمح له " ومشى بطرس بقوة الرب . ثم شك فسقط فنجاه الرب . فماذا حدث ؟ يقول الكتاب إن " الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين : بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 25 ـ 33 ) . هل يقصدون بهذه العبارة بنوة عادية مثل بنوة باقى البشر لله ؟ مستحيل . فالبنوة العادية ليس دليلها على الماء ،ن والسماح لتلميذه بالمشى على الماء مثله . لذلك سجدوا له وهم يقولون هذه العبارة . وفى هذا السجود اعتراف بأنه ابن الله من نوع فريد ليس لأحد من الناس ، بنوة لها قوة المعجزة الخارقة والسيطرة على الماء والريح .
16 ـ وبسبب نفس الاقدرة المعجزية للاهوته ، إعتراف نثانائيل بأن المسيح ابن الله :
قال الرب لنثانائيل " قبل أن دعاك فيلبس وأنت تحت التينة رأيتك " ( يو1 : 48 ) . فلما أدرك نثانائيل قوة الرب على معرفة الغيب سواء برؤيته ، أو بقصة مخفاة في حياة نثانائيل ، أجاب وقال " يا معلم أنت ابن الله " ( يو1 : 49 ) . وطبعاً لم يكن المقصود هنا البنوة العامة لبنى البشر ، وإنما البنوة التى لها من صفات اللاهوت معرفة الغيب . والسيد المسيح تقبل هذا الاعتراف من نثانائيل ، وأضاف عليه ما يقوى هذا الإيمان فيه . فقال له " هل آمنت لأنى قلت لك أنى رأيتك أنى تحت التينة ؟ سوف ترى أعظم من هذا ... من الآن ترون السماء مفتوحة ، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان " ( يو50 : 51 ) .
17 ـ وإيمان قائد المائة ببنوة المسيح لله ، إيمان مرتبط كذلك بمعجزة :
يقول إنجيل معلمنا متى " وأما قائد المائة والذين معه يحرسون يسوع ، فلما رأوا الزلزلة وما كان ، خافوا جداً وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله " ( متى27 : 54 ) . أنظر أيضاً ( مر15 : 38 : 39 ) . إنهم رأوا معجزة الزلزلة ، والظلمة أيضاً التى حدثت على الأرض كلها وقت الصلب ، من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة أى في الظهيرة تماماً . لذلك آمنوا وقالوا : حقاً كان هذا ابن الله . وهم يقصدون طبعاً البنوة من لاهوته التى لها السيطرة على الطبيعة ز لذلك قال الكتاب إنهم خافوا . ولعله قد قوى إيمانم هذا ، لما حدث أن أحد العسكر ضربة بالحربة فخرج من جنبه دم وماء " ( يو19 : 34 ) .
18 ـ ومعجزية العماد هي التى جعلت المعمدان يشهد أن المسيح ابن الله :
لقد شهد يوحنا وقال " وأنا لم أكن أعرفه . ولكن الذى أرسلنى لأعمد بالماء ، ذاك قال لى الذى ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه ، فهذا هو الذى يعمد بالروح القدس وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله " ( يو1 : 34 ) . وهذه البنوة لله التى يشهد بها يوحنا الكاهن والنبى ، ليست هى بنوة عادية إنما هى بنوة بعد معجزة ، تحمل معنى الاعتراف بلاهوته ، إذ أنه قال في نفس المناسبة " هذا هو الذى قلت عنه يأتى بعدى رجل كان قدامى ، لأنه كان قبلى " ( يو1 : 30 ) والمعروف أن المسيح ولد بعد يوحنا المعمدان بسته أشهر .
19 ـ والاعتراف بهذه البنوة ، ظهر في معجزة منح البصر للمولود أعمى :
بعد المعجزة قابله الرب وقال له : أتومن بابن الله ؟ أجاب ذاك وقال من هو ياسيد لأومن به . فقال له يسوع قد رأيته ، والذى يتكلم معك هو هو . فقال أومن ياسيد وسجد له " ( يو9 : 35 ـ 38 ) . إلى إيمان ، وإلى معجزة ، وكانت نتيجتها أنه سجد له كابن الله ... ويزيد هذه المعجزة أهميته وهنا ليس الحديث عن بنوة عادية لله يشترك فيها جميع الناس ، وإلا ما كان المولود أعمى يسأل : من هو يا سيد ؟. ولو كانت بنوة عامة لقال المولود أعمى : كلنا أبناء الله وأنا نفسى ابن الله ، لكنها بنوة إحتاجت أنها تحمل اعلاناً من السيد المسيح نفسه أنه ابن الله وتحمل ايضاً دعوته الناس إلى هذا الإيمان .
كذلك الإيمان به كابن الله أمر احتاج إلى كرازة وشرح :
ويظهر هذا الأمر واضحاً في إيمان الخصى الحبى ، الذى قابله فيلبس وكان هذا الخصى يقرأ نبوءات اشعياء عن المسيح ، وما كان يفهم معنى ما يقرأ . فشرح له فيلبس ذلك الاصحاح . وبشره بيسوع فطلب العماد . فقال له فيلبس " إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز " فأجاب وقال أنا أومن أن يسوع هو ابن الله " ( أع 8 : 28 ـ 37 ) . والبنوة العامة لاتحتاج إلى شرح وتفسير وكرازة لأنها للكل . ولعل من نفس هذا النوع إيمان مرثا التى شرح لها المسيح أنه القيامة والحياة وقال " من آمن ولو مات فسيحيا . فقالت له : نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتى إلى العالم " ( يو11 : 25 ـ 27 ) . طبعاً كانت تقصد بنوة لها الصفة المعجزية تؤيدها عبارة ( الآتى إلى العالم ) . أى أنه ليس من هذا العالم ، وإنما أتى إليه .
21 ـ وهي بنوة أعلنها المسيح في أكثر من موضع :
واضحة في دعواته أعمى إلى الإيمان ( يو9 : 35 ـ 37 ) . وواضحة أيضاً في قوله لملاك كنيسة ثياتيرا في سفر الرؤيا " هذا ما يقوله ابن الله الذى له عينان كلهيب نار " ( رؤ2 : 18 ) . وواضحة في كل أحاديثه عن الابن .
22 ـ وهي بنوة أقنومية في الثالوث القدوس :
كما قال السيد المسيح لتلاميذه " اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والروح القدس " ( متى28 : 19 ) . واستخدام ( اسم ) هنا بالمفرد تعنى أن الثلاثة واحد . ولما كانت بنوته للآب ليست بنوة عامة ، وإنما هي بنوة خاصة بمعنى خاص يعنى لاهوته . لذلك كان يلقب بالابن .
23 ـ وعبارة ( الابن ) في الكتاب تعنى المسيح وحده :
وفي هذا يقول السيد المسيح عن نفسه " إن حرركم الابن ، فبالحقيقة تكونون أحراراً " ( يو8 : 36 ) .قال هذا يبشرهم بأنه جاء ليحرره من خطاياهم . وقال القديس يوحنا الانجيلى " من له فله الحياة . ومن ليس له ابن الله ، فليست له حياة " ( 1يو5 : 12 ) . وهكذا جمع في آية واحدة بين عبارتى الابن وابن الله ليدلا على كائن واحد . وقال أيضاً ط ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( 1يو4 : 14 ) . وعبارة الابن وحدها تعنى المسيح . وقال القديس يوحنا المعمدان " الآب يحب الابن ، وقد دفع كل شئ في يده . الذى يؤمن بالابن له حياة أبدية . والذى لايؤمن بالابن لن يرى حياة ، بل يمكث عليه غضب الله " ( يو3 : 35 ، 36 ) . وواضح أن استعمال كلمة ( الابن ) هنا خاص بالسيد المسيح وحده ، يضاف إليه بركات الإيمان به ، ودفع كل شئ إلى يدية ، أي كل سلطان ، حتى سلطان منح الحياة الأبدية . إن المسيح كان يتحدث عن نفسه باعتباره الابن وابن الله .
24 ـ واليهود كانوا يفهمون هذه البنوة لله بمعناها اللاهوتى :
لذلك لما سألوه في مجمعه النهدريم هل أنت المسيح ابن الله وأجاب بالإيجاب . مزق رئيس الكهنة ثيابة وقال : قد جدف . ما حاجتنا بعد إلى شهود " ( متى26 : 65 ) . ويقول إنجيل يوحنا " من أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه ، لأنه لم ينقض السبت فقط ، بل قال أيضاً إن الله أبوة معادلاً نفسه بالله " ( يو5 : 18 ) . لاهوته هذا كان سبب طلبهم قلته إذ قالوا له " لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف ، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً " ( يو10 : 33 ) . وهذه هي التهمة التى قدموه بها للصلب ، وقالوا لبيلاطس " لنا ناموس ، وحسب ناموسنا يجب أن يموت ، لأنه جعل نفسه ابن الله " ( يو19 : 7 ) . وليست البنوة العامة تدعو إلى الحكم بالموت ، هذه التى يقول فيها اشعياء النبى " أنت يارب أبونا " ( اش64 : 8 ) . ولكنها البنوة الخاصة التى يفهم منها لاهوته ، وأنه معادل لله .
لقد أطلق على السيد لقب ابن الله الوحيد ، لتميزه عن باقى أبناء الله الذين دعوا ابناء بالمحبة ، بالإيمان ، بالتبنى ، أما هو فإنه الابن الوحيد الذى من نفس طبيعة الله وجوهره ولاهوته . وقد دعى ابناً في المواضع الآتية :
1 ـ " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر " ( يو1 : 18 ) أى أنه أعطى خبراً عن الله ، أى عرفنا الله عن طريق ابنه المنظور لنا بتجسده ، بينما الآب غير منظور في لاهوته . وهكذا قال في موضع آخر لتلميذه فيلبس " الذى رآنى فقد رأى الآب . فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟! " ( يو14 : 9 ) .
2 ـ ورد تعبير الابن الوحيد في قوله أيضاً " هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل ابنه الوحيد ، لكى لايهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو3 : 16 ) .
3 ـ " الذى يؤمن به لايدان . والذى لايؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد " ( يو3 : 18 ) .
وكون الإيمان بهذا الابن الوحيد يؤهل للحياة الأبدية ، ويمنع الدينونة ، فهذا دليل على لاهوته ، إن سلك الإنسان حسبما يليق بهذا الإيمان .
4 ـ كذلك قال القديس يوحنا في رسالته الأولى " بهذا اظهرت محبة الله فينا ، أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكى نحيا به " ( 1يو4 : 9 ) . ولايمكن أن نحيا به إلا إن كان هو الله ، لأن الله هو مصدر الحياة .
5 ـ وقال في الاصحاح الأول من انجيله " والكلمة صار جسداً وحل بيننا ، ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً " ( يو1 : 14 ) . وهنا يتحدث عن المجد اللائق به كابن الله الوحيد .هذه خمسة شواهد من الكتاب تتحدث عن السيد المسيح باعتباره الابن الوحيد للآب ، تمييزاً له عن باقى البشر . أما دليل بنوته على لاهوته فيكفى في هذه الآيات أنه سبب الحياة ، وبه تكون الحياة الأبدية . والإيمان به ينجى من الهلاك ومن الدينونة ، بينما عدم الإيمان به سبب الدينونة . وأن له المجد اللائق بابن الله الوحيد .
علاقة المسيح بالآب
علاقة الابن بالآب تثبت لاهوته " وغالبيتها اعلانات من السيد المسيح نفسه عن هذه العلاقة . وفى البعض منها أراد اليهود قتله . وسنفحص أهم خصائص العلاقة بين الآب والابن .
1 ـ كون الابن عقل الله الناطق :
أو نطق الله العاقل ( اللوجوس ) ، فهذا يعنى لاهوته بلاشك . لأن الله وعلقه كيان واحد . وقد قيل في ذلك أيضاً عن المسيح أنه حكمة الله وقوة الله ( 1كو1 : 23 ، 24 ) . وهذا كله امقصود بكونه ابن الله ، وابن الله الوحيد ، كما سبق وشرحنا .
2 ـ قال السيد المسيح " أنا ةالآب واحد " ( يو10 : 30 ) .
وفهم اليهود خطورة هذا التصريح من جهة لاهوته . فأمسكوا حجارة ليجموه . فلما سألهم عن السبب ، قالوا له " لأجل تجديف . فإنك وأنت تجعل نفسك إلهاً " ( يو10 : 31 ـ 33 ) . وقد كرر السيد المسيح حقيقة أنه هو والآب واحد ، وذلك في المناجاة الطويلة بينه وبين الآب ، التى قال له فيها عن تلاميذه " أيها الآب احفظهم في اسمك . الذين أعطيتنى ليكونوا واحداً ، كما أننا نحن واحد " ( يو17 : 11 ) . وكرر هذه العبارة أيضاً " ليكونوا واحداً ، كما أننا نحن واحد " ( يو17 : 22 ) . أى ليكونوا هم كنيسة واحدة ، فكرر واحداً ، كما أننا لاهوت واحد وطبيعة واحدة .
3 ـ وقال السيد المسيح أيضاً " أنا في الآب والآب في " ( يو14 : 10 ) .
وكرر هذا التعبير مرة أخرى . " صدقونى أنى في الآب والآب في ، وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها " ( يو14 : 11 ) . أى الأعمال التى يعملها وتدل على لاهوته ، مثل أعمال الخلق مثلاً ... ( يو1 : 3 ) ( كو1 : 16 ) . وقد كرر نفس العلاقة في مناجاته للآب فقال " أنت أيا الآب فى وأنا فيك " ( يو17 : 21 ) . وكون الآب فيه ، معناه أن فيه اللاهوت ، أى اتحاد اللاهوت بالناسوت . ولعل أفضل تفسيراً لهذا ، هو قول القديس بولس الرسول عن المسيح إن " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( كو2 : 8 ، 9 ) . والحلول أقنومة ، مثل حلول النور في الشمس ، أو حلول الحرارة في النار . أو حلول الفكر في العقل ، بحيث يفهم منه أنهما كيان واحد .
4 ـ وقال السيد المسيح أيضاً عن قوة علاقته بالآب ، وذلك في نفس مناجاته للآب :
" كل ما هو لى فهو لك . وكل ما هو لك فهو لى " ( يو17 : 10 ) . وهو تصريح لايمكن أن يصدر عن بشرىة ، لأن معناه المساواة الكاملة بينه وبين الآب . وهذا الذى كان بسببه يريد اليهود أن يرجموه ، لأنه كان يجعل نفسه معادلاً لله ( يو5 : 18 ) . وقد قال بولس الرسول في ذلك إنه " إذ كان في صورة الله ، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله ، لكنه أخلى نفسه " ( فى2 : 6 ) أى أنه عن تصرف كمعادل لله ، ما كان ذلك يحسب منه اختلاساً ، لأنه هو كذلك . وقد كرر الرب نفس عبارته في ( يو16 : 15 ) " كل ما للآب فهو لى " .
5 ـ وصرح السيد المسيح أيضاً بأنه يعمل أعمال الآب ...
فقال لليهود " إن كنت لست أعمل أعمال أبى ، فلا تؤمنوا بى . ولكن إن كنت أعمل ، فإن لم تؤمنوا بى ، فآمنوا بالأعمال ، لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فى وأنا فيه " ( يو10 : 37 ، 38 ) " فطلبوا أن يمسكوه " ( يو10 : 39 ) . وكونه يعمل أعمال الآب دليل على لاهوته ، لذلك أراد اليهود أن يقتلوه . كذلك لما قال " أبى يعمل حتى الآن ، وأنا أيضاً أعمل " ( يو5 : 17 ) اعتبر اليهود كلامه هذا إعلاناً لمساواته للآب . لذلك قيل بعدها مباشرة " فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه " ( يو5 : 18 ) . وفي الاصحاح الخامس من إنجيل شرحج مفصل من الرب لهذه النقطة ونذكر من ذلك قوله " كما أن الآب يقيم الموتى ويحيى ، كذلك الابن يحيى من يشاء " ( يو5 : 21 ) ..
6 ـ وقال أيضاً " لكى يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب " ( يو5 : 22 ) .
وهذا كلام لايجرؤ إنسان بشرى أن يقوله ، لأنه يحمل مساواة للآب في الكرامة ، وهذا دليل على لاهوته .
7 ـ كذلك قال " أنتم تؤمنون بالله ، فآمنوا بى " ( يو14 : 1 ) .
وكون الناس يؤمنون به كما يؤمنون بالآب ، دليل على المساواة بينه وبين الآب وبالتالى دليل على لاهوته .
8 ـ وقال " من رآنى فقد رأى الآب " ( يو14 : 9 ) .
ووبخ بذلك فيلبس لما قال له " أرنا الآب وكفانا " أجاب " أنا معكم زماناً هذه مدته ، ولم تعرفني يا فيلبس ؟! الذي رآنى فقد رأى الآب . فكيف تقول أنت أرنا الآب ؟ ألست تؤمن أنى أنا في الآب ، والآب في " ( يو14 : 8 ـ 10 ) . وقال لتلاميذه " لو كنتم قد عرفتموني ، لعرفتم أبى أيضاً . ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه " ( يو14 : 7 ) ز حقاً إننا نرى الآب في شخص ابنه ، لآنه هو صورة الآب وهو رسم جوهره وبهاء مجده " ( عب1 : 3 ) . ولعل هذا ما عبر عنه القديس يوحنا الإنجيلي بقوله " الله لم يره أحد قط . الآبن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خير " ( يو1 : 18 ) . أى رأينا الله في شخصه ...
9 ـ هناك علاقة أخرى بين المسيح والآب تثبت لاهوته وهي :
جلوسه عن يمين الآب
· وهذه الحقيقة سجلها الوحى الإلهى في مواضع كثيرة ، نذكر منها :
أ ـ قول السيد المسيح لأعضاء مجمع السنهدريم أثناء محاكمته " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء " ( متى26 : 64 ) .
ب ـ قول القديس اسطفانوس أثناء استشهاده " ها أنا أرى السماء مفتوحة ، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله " ( أع7 : 56 ) .
ج ـ قول القديس الإنجيلي في قصة الصعود " ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء ، وجلس عن يمين الله " ( مر16 : 16 ) .
د ـ قول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح " بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس عن يمين العظمة في الأعالي " ( عب1 : 2 ، 3 ) .
ه ـ وفي شرحه كيف أن المسيح أعظم من الملائكة ، قال " لمن من الملائكة قال قط : اجلس عن يمين ، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك " ( عب1 : 13 ) . وقد أخذ هذا عن مزمور ( 110 : 1 ) . الذى ورد فيه الرب لربى اجلس عن يمينى ... " .
فماذا يفهم من جلوس المسيح عن يمين الآب ؟
· الآب ليس له يمين ولا شمال ، لأنه غير محدود . كما أنه مالئ الكل . لا يوجد فراغ عن يمينه لكى يجلس فيه أحد . فما معنى الجلوس عن يمينه ؟
· إن كلمة اليمين ترمز إلى القوة وإلى البر وإلى العظمة .
كما قيل " يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة فلن أموت بعد بل أحيا " ( مز117 ) . ويعنى أن قوة الله صنعت هذا وهنا يمين الآب وبر الآب وعظمته . ولذلك قيل أيضاً عن الابن إنه جلس عن يمين القوة حيناً ، وعن يمين العظمة حيناً آخر .
· وكلمة جلس هنا تعنى استقر ...
ومعنى هذا أن الابن الذى ـ في إخلائه لذاته ـ كان يبدو أمامكم في ضعف ، تلطمونه وتجلدونه ، وتصلبونه ، هذا بالصعود قد دخل في قوته . ولم تعودوا ترونه ضعيفاً فيما بعد ... حتى أنه في مجيئه الثانى سيأتى على السحاب ، في مجده ، محاطاً بالملائكة والقديسين ( متى25 : 31 ) . لأنه في المجئ الثانى سيأتى " بقوة ومجد كثير " ( متى24 : 30 ) . كذلك فإن الابن الذى وقف أمامكم كخاطئ ومذنب ، ووقف أمام الآب حاملاً كل خطايا العالم ... هذا سيجلس عن يمين أبيه ، أى في بره ، لا يجرؤ أحد أن يتهمه فيما بعد .
إن عبارة الجلوس عن يمين الآب ، تعنى أن مرحلة إخلاء الذات قد انتهت ودخل الابن في مجده .
ولهذا قيل في جيئة الثاني إنه يأتى " بمجده ومجد الآب " ( لو9 : 26 ) وقيل " إن ابن الأنسان سوف يأتى في مجد أبيه مع ملائكته " ( متى16 : 27 ) هذا المجد هو الجلوس عن يمين الآب .
إرسالة للروح القدس
ينقسم هذا الإثبات إلى أربع نقاط هي :
1 ـ الله روح .
2 ـ الله هو المتصرف في روحه طبعاً .
3 ـ السيد المسيح يسكب روح الله ، ويرسل روح الله ، وينفخ روح الله .
4 ـ استنتاج لاهوت المسيح .
1 ـ الله روح :
وهذا واضح من قول السيد المسيح نفسه " الله روح ، والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا " ( يو4 : 24 ) . وأيضاً قول الرسول " وأما الرب فهو الروح " ( 2كو3 : 17 ) .
2 ـ الله هو الذى يسكب روحه :
وواضح هذا من قول الرب في سفر يؤئيل " أنا الرب إلهكم وليس غيرى ويكون بعد . ذلك أنى أسكب روحى على بشر ، فيتنبأ بنوكم وبناتكم ، ويحلم شيوخكم احلاماً ، ويرى شبابكم رؤى " ( يؤئيل 2 : 27 ـ 29 ) . وفي ( خر39 : 29 ) " لأنى سكبت روحى على بيت إسرائيل يقول السيد المسيح الرب " .
3 ـ والله يرسل روحه إلى العالم ، أو يجعل روحه على البشر :
يقول المزمور " نرسل روحك فتخلق ، وتجدد وجه الأرض " ( مز104 : 30 ) ويقول الرب في سفر حزقيال " وأجعل روحى في داخلكم " ( خر36 : 27 ) . وفي سفر العدد " يا ليت أنى كل الشعب كانوا أنبياء إذا جعل الرب روحه عليهم ( عد11 : 29 ) . ويقول بولس الرسول " .. الله الذى أعطانا أيضاً روحه القدوس " ( 1تس4 : 8 ) .
4 ـ ومع ذلك فالسيد المسيح قد سكب روح الله على التلاميذ .
وهذا واضح من ( أع2 : 33 ) . وهذه النقطة بالنسبة إلى شهود يهوه ليست في حاجة إلى إثبات . فهم يعترفون بها في كتابتهم ( .. ليكن الله صادقاً ص 44 فقرة 5 ) إذ يقولون " إن روح الله قد انسكب بيد يسوع على التلاميذ في يوم الخمسين .
5 ـ والسيد المسيح يرسل روح الله :
وهذا صريح جداً في إنجيل يوحنا إذ قال السيد لتلاميذه " ومتى جاء المعزى الذى أرسله إليكم من الآب ، روح الحق الذى من عند الله ينبثق ، فهو يشهد لى " ( يو15 : 26 ) . وقال لهم أيضاً " لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ( يو16 : 7 ) . وقال لهم أيضاً " لأنه إن لم أنطلق يأتيكم المعزى . ولكن إن ذهبت أرسله إليكم " ( يو16 : 7 ) .
6 ـ السيد المسيح ينفخ روح الله :
كما ورد في إنجيل يوحنا " ولما قال هذا نفخ وقال : إقبلوا الروح القدس " ( يو20 : 22 ) .
استنتاج
7 ـ من كل هذا يمكن أن نستنتج لاهوت المسيح :
أ ـ من ذا الذى يستطيع أن يسكب روح الله ، ويرسل روح الله ن وينفخ روح الله في الناس ، إلا الله ذاته . وإن كان السيد المسيح قد فعل ذلك ، ألا يكون هو الله إذن ؟
ب ـ يقول الله في سفر يؤئيل " أنى أسكب روحي على كل بشر " ويستشهد بطرس الرسول بهذه الآية عند حلول الروح القدس في يوم الخمسين : " يقول الله إنى أسكب من روحى على كل بشر " ( أع2 : 16 ، 17 ) . بينما يقول في سفر الإصحاح إن المسيح بعدما ارتفع " سكب هذا الذى أنتم تبصرونه وتسمعونه " ( أع2 : 33 ) . فمن يكون المسيح إذن ، هذا الذى يسكب روح الله على الناس ، إلا الله نفسه .
ج ـ لايمكن أن نتصور ، ولايتصور شهود يهوه ، أن هناك قوة غير الله تستطيع أن ترسل روح الله أو تسكب روح الله .
علاقاته الأخرى بالروح القدس
وسنعرض هنا نقطتين هامتين :
أ ـ قول الرب في حديثه مع التلاميذ عن الروح القدس :
" ذاك يمجدنى ، لأنه يأخذ مما لى ويخبركم " ( يو16 : 14 ) .
" كل ما للآب هو لى . لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم " ( يو16 : 15 ) . فكيف يمكن لروح الله أن يأخذ من أحد ليعطى الناس ؟ .. روح الله الذى كان يتكلم في أفواه الأنبياء ، والذى كان يعرفهم بكل شئ ، ويمنحهم المواهب المختلفة ... كيف يمكن أن يأخذ روح الله من المسيح إلا أن يكون المسيح هو الله نفسه .
فما هو التفسير الروحى لأخذ الروح القدس من المسيح ؟
المسيح هو الأقنوم الثاني متجسداً . والأقنوم الثاني هو اقنوم العقل والمعرفة والفهم والنطق في الثالوث القدوس . لذلك فإن الروح القدس يمكن لاهوتياً أن يأخذ من أقنوم المعرفة . وأيضاً يفسر السيد المسيح هذا الأمر بقوله " كل ما للآب فهو لي " وهذه آية أخرى تثبت لاهوته سنتعرض لشرحها عندما نتكلم عن علاقة الآب بالابن .
تفسير آخر : هو أن الروح القدس يأخذ من استحقاقات الفداء التى قدمها المسيح ، ويعطى الناس في أسرار الكنيسة . مثال لذلك : يأخذ من استحقاقات الغفران التي تمت في فداء المسيح لنا ، ويخبر الناس أن خطاياهم قد غفرت ، سواء في سر المعمودية ، أو في سر الافخارستيا .
ننتقل إلى نقطة أخرى في اثبات لاهوت المسيح وهي :
ب ـ دلالة أن المسيح حبل به من الروح القدس :
نرجع إلى قصة ميلاد المسيح ، فنرى أن القديس متى الإنجيلي يقول " ولما كانت مريم أمة مخطوبة ليوسف ، قبل أن يجتمعا ، وجدت حبلى من الروح القدس " ( متى1 : 18 ) . ويؤيد هذا بقول الملاك ليوسف " .. لأن الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " ( متى1 : 20 ) . والقديس لوقا الإنجيلي يسجل كلام الملاك للقديسة العذراء ، ومنه " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلى تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله " ( لو1 : 35 ) .
فمن يكون المسيح إذن ؟ وماذا تكون طبيعته ؟
1 ـ إنه من روح الله ، كما يقول متى الرسول " الذى حبل به فيها هو من الروح القدس " لذلك حل روح الله على مريم ، ووجدت حبلى من الروح القدس ، ولما كان المسيح قد ولد من روح الله ، لذلك كانت لولادته نتيجتان حسب رواية لوقا الإنجيلي : أنه قدوس ، وأنه ابن الله وكلاهما يدلان على لاهوته .
2 ـ الله روح ( يو4 : 24 ) . والمسيح من روح الله ، إذن هو من ذات جوهر الله وله نفس طبيعته . لذلك دعى قدوساً ، وهذا اسم من أسماء الله ، حسبما قالت السيدة العذراء في تسبحتها " واسمه قدوس " ( لو1 : 49 ) . وهذه النقطة سنفرد لها بحثاً خاصاً .
الفصل الثاني
السيد المسيح وصفاته الألهية
قدرته على الخالق
لاشك أن الخالق هو الله . وقصة الخليقة تبدأ بعبارة " في البدء خلق الله السموات والأرض " ( تك1 : 1 ) . والإصحاح الأول من سفر التكوين يشرح كيف خلق الله كل شئ . وفي سفر اشعياء يقول الله " أنا الرب صانع كل شئ ، ناشر السموات باسط الأرض " ( اش44 : 24 ) . " أنا الرب صانع كل هذه " ( اش45 : 7 ) .
1 ـ ومع ذلك هناك آيات في الكتاب تذكر أن المسيح هو الخالق :
أ ـ ( يو1 : 3 ) يقول يوحنا الإنجيلي عن السيد المسيح " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " وهنا لا يذكر فقط أنه الخالق ، إنما أيضاً بغيره ما كانت هناك خليقة . ويقول أيضاً " كان في العالم ، وكون العالم به " ( يو1 : 10 ) ..
ب ـ ( عب1 : 1 ) ويقول بولس الرسول " الذى به عمل العالمين " .
ج ـ ( كو1 : 16 ) ويقول أيضاً " فإن فيه خلق الكل ، ما في السموات وما على الأرض ، ما يرى وما لا يرى ، سواء كانوا عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين . الكل به وله قد خلق .
د ـ ( 1كو8 : 6 ) ويقول أيضاً " به جميع الأشياء ونحن به " .
2 ـ وقد ذكر الكتاب معجزات للسيد تدل على الخلق .
منها معجزة إشباع خمسة آلاف من خمس خبزات وسمكتين ( لو9 : 10 ـ 17 ) .
وهنا خلق مادة لم تكن موجودة ، أمكن بها إشباع هذه الآلاف . ويزيد هذه المعجزة قوة أن الجميع أكلوا وشبعوا . ثم رفع ما فضل عنهم من الكسر أثنتا عشرة قفة . فمن أين أتت كل هذه الكسر . إنها مادة لم تكن موجودة ، خلقها الرب يسوع . وهذه المعجزة العظيمة ذكرها كل الإنجيليين الأربعة .
ويشبة هذه المعجزة إشباع أربعة آلاف من الرجال عدا النساء والأطفال .
وذلك من سبع خبرات وقليل من السمك ( متى15 : 32 ـ 38 ) ثم رفعوا ما فضل عنهم سبعة سلال مملوءة . وهنا أيضاً خلق مادة لم تكن موجودة . والقدرة على الخلق هي من صفات الله وحده .
3 ـ ومن معجزات الخلق أيضاً تحويل الماء خمراً في عرس قانا الجليل ( يو2 ) .
وهنا عملية خلق : لأن الماء مجرد أوكسجين وأيدروجين ، فمن أين أتى الكحول وباقى مكونات الخمر ؟ لقد خلق السيد كل هذا في تلك المعجزة ، التى مما يزيد قوتها أنها تمت بمجرد إرادته في الداخل ، دون أية عملية ، ولا رشم ولا مباركة ، ولا حتى صدر منه أمر كأن يقول فليتحول الماء إلى خمر ... إنما قال " املأوا الأجران ماء ، فملأوما . ثم قال لهم استقوا الآن ( يو2 : 7 ، 8 ) . وهكذا صار الماء خمراً بمجرد إرادته . أراد أن تخلق مادة الخمر فخلقت حتى بدون أمر .
4 ـ ومن معجزات الخلق أيضاً منح البصر للمولود أعمى ( يو9 ) .
لقد خلق له السيد المسيح عينين لم تكونا موجودتين من قبل . وخلقهما من الطين مثلما خلق الإنسان الأول .الطين الذى يضعونه في عين البصير فيفقده البصر ، وضعه السيد في محجرى الأعمى فصار عينين . ويزيد هذه المعجزة قوة أن الرب أمر المولود أعمى أن يغتسل بعد ذلك في بركة سلوام . والمفروض أن الاغتسال بالماء يذيب الطين ، ولكنه على العكس أمكن هنا أن يثبت الطين العينين في المحجرين ، ويربطهما بشرايين وأنسجة وأعصاب ... ولكل هذا قال الرجل المولود أعمى لليهود " منذ الدهر لم يسمع أن أحداً فتح عيني مولود أعمى ( يو9 : 32 ) .
هنا ويوجهنا سؤال لاهوتي هام وهو :
5 ـ كيف يكون المسيح خالقاً ، بينما الخلق من صفات الله وحده ؟
لقد كان يخلق بقوة لاهوته ، باعتبار أنه الأقنوم الثاني ، عقل الله . إذن فهل هو الذى خلق الكون أم الله الآب هو الذى خلق الكل ظ إن الله الآب خلق العالم كله بالابن ، خلقه بعقله ، بفهمه بمعرفته ، بكلمته ، أي بالأقنوم الثاني . لذلك يقول الرسول " الذى به عمل العالمين " . به أي بعقله ، بحكمته ...
المسيح معطى الحياة
1 ـ يقول عنه يوحنا الإنجيلي " فيه كانت الحياة " ( يو1 : 4 ) . والسيد المسيح قد أعطى الحياة هنا ، وفي الأبدية وهذا عمل من أعمال الله وحده .
2 ـ وقد أعطى السيد المسيح الحياة في إقامته للموتى .
وذكر الكتاب المقدس ثلاث معجزات من هذا النوع .
أ ـ ( مر5 : 22 ، 35 ـ 42 ) إقامة ابنه يا يرس ـ وكانت مسجاة على فراشها في البيت . وأهلها يبكون ويولولون كثيراً .
ب ـ ( لو7 : 11 ـ 17 ) إقامة ابن ارملة نايين ، وكان محمولاً على نعش في الطريق . وجمع كثير من المدينة حوله .
ج ـ ( يو11 ) إقامة لعازر بعد موته بأربعة أيام ، وكان مدفوناً في قبره ، وقالت أخته عنه قد أنتن .
والمهم في هذه المعجزة الثلاثة أنها تمت بالأمر .
مما يدل على لاهوته ، وعلى أنه مانح الحياة ، وسنعرض لهذا الأمر بالتفصيل عند حديثنا عن اثبات لاهوت المسيح من معجزاته .
3 ـ ويكفى تعليقاً على معجزاته في إقامة الموتى ، قول السيد المسيح " لأنه كما أن الآب يقيم الأموات ويحيى ، كذلك الابن يحيى من يشاء " ( يو5 : 21 ) . وهنا مساواة بينه وبين الآب ، وأيضاً جعل منح هذه الحياة متوقفاً على مشيئته .
4 ـ قال السيد المسيح عن نفسه إنه " المواهب الحياة للعالم " ( يو6 : 33 ) باعتباره " خبز الحياة " ( يو6 : 35 ) . وقال " أنا هو خبز الحياة " " النازل من السماء " " إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد " " والخبز الذى أنا أعطى هو جسدي الذى أبذله من أجل حياة العالم " " من يأكل جسدي ويشرب دمى ، فله حياة أبدية ، وأنا أقيمه في اليوم الأخير " ( يو6 : 35 ـ 58 ) .
وهذا الفصل السادس من إنجيل يوحنا يقدم المسيح كمعطى للحياة ، من خلال سر الافخارستيا ،
تقديم جسده ودمه ، وأيضاً من جهة قول المسيح " وأنا أقيمه في اليوم الأخير " ( يو6 : 54 ) .
5 ـ وتحدث المسيح عن ذاته بأنه يعطى الحياة الأبدية ، كما قال " خرافي تسمع صوتى وأنا أعرفها فتتبعني . وأنا أعطيهما حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد . ولا يحفظها أحد من يدى " ( يو10 : 27 ، 28 ) . ونلاحظ هنا عبارة " أنا أعطيها " .
6 ـ كذلك منح الحياة الأبدية لكل من يؤمن به . فقال " لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " .
7 ـ كذلك في حديثه مع المرأة السامرية ، شجعها أن تطلب منه " الماء الحى " . وقال لها " من يشرب من الماء الذى أعطية أنا فلن يعطش إلى الأبد . بل الماء الذى أعطية يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية " ( يو4 : 10 ـ 14 ) . ونلاحظ هنا قوله مرتين " الذى أعطية " على اعتبار أن منه هذه العطية ، التى هي الحياة هنا التى تنبع إلى حياة أبدية .
استنتاج
لم يحدث مطلقاً أن إنساناً بهذا الأسلوب ، الذى به يكون واهباً للحياة ، ومعطياً لها ، وأنه يعطى حياة أبدية ، وأنه يحيى من يشاء .
والذى يتبعه يحيا إلى الأبد ، ولا يهلك ، ولا يحفظه أحد من يده ... إنها كلها أعمال من سلطان الله .
السيد المسيح فوق الزمان
1 ـ نستطيع أن نستنتج أن السيد فوق الزمن من قوله لليهود :
" قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " ( يو8 : 58 ) .
ومعنى هذا أن له وجوداً وكياناً قبل مولده بالجسد بالآف السنين ، قبل أبينا إبراهيم ، وقد فهم اليهود من هذا أنه يتحدث ضمناً عن لاهوته ، لذلك " رفعوا حجارة ليرجموه " ( يو8 : 59 ) .
2 ـ وصرح أيضاً أنه قبل جده داود :
فمع أنه من نسل داود حسب الجسد ، إلا أنه قال في سفر الرؤيا " أنا يسوع ... أنا أصل وذرية داود " ( رؤ22 : 16 ) . وعبارة ذرية داود مفهومة وواضحة ، لأنه من نسله ، ولكن كلمة ( أصل ) هنا ، تعنى أنه كان موجوداً قبل داود ... وقد شهد بهذا أيضاً أحد الكهنة الجالسين حول العرش الإلهي ، فقال ليوحنا الرائي " هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا ، أصل داود " ( رؤ5 : 5 ) ...
3 ـ وهو أيضاً قبل كوكب الصبح :
إن الكتاب يعطيه وجوداً قبل داود ويهوذا وإبراهيم ، فيقول له الرب في المزمور " من البطن قبل كوكب الصبح ولدتك " ( مز110 : 3 ) .
4 ـ بل هو قبل العالم وقبل كل الدهور .
هكذا في مناجاته للآب في ( يو17 : 5 ) يقول له " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذى كان لي عندك قبل كون العالم " ( يو17 : 5 ) . ويقول له أيضاً " لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم " ( يو17 : 24 ) . إذن فهو موجود قبل إنشاء العالم .
5 ـ هو قبل الخليقة ، التى به قد خلقت :
ففي حديث القديس بولس الرسول عنه باعتباره " صورة الله غير المنظور " ( كو1 : 15 ) قال " الكل به وله قد خلق . الذى هو قبل كل شئ ، وفيه يقوم الكل " ( كو1 : 16 ، 17 ) . إذن فهو كائن قبل كل شئ . لماذا ؟ لأن الكل به قد خلق .
6 ـ وطبعاً كونه قد خلق كل شئ ، يعنى أنه كائن قبل كل شئ .
ذلك يقول القديس يوحنا الإنجيلي " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو1 : 3 ) . وقال " في العالم كان ، والعالم به كون " ( يو1 : 10 ) . مادام العالم به كون ، إذن هو قبل كون العالم ، وقبل كل شئ .
7 ـ بل إن وجوده أزلى ( منذ الأزل ) .
لعل أوضح ما قيل عن وجوده قبل الزمن ، نبوءة ميخا النبى الذى يقول " وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا ، فمنك يخرج لي الذى يكون متسلطاً على إسرائيل . ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " ( مى5 : 2 ) . وهنا يصفه بالأزليه ، وهي من صفات الله وحده . فما معنى عبارة " مخارجه من القديم منذ أيام الأزل " معناها هو الآتى :
8 ـ أنه خرج من الآب منذ الأزل ، أي ولد من الآب منذ الأزل ،
باعتباره الابن في الثالوث القدوس ، إنه عقل الله الناطق . وعقل الله كائن فيه منذ الأزل وهو حكمة الله ( 1كو1 : 24 ) ، وحكمة الله كائنة فيه منذ الأزل .
ومادامت الأزليه صفة من صفات الله وحده ، فهذا دليل أكيد على لاهوت المسيح ، لأنه أزلى ، فوق الزمن .
9 ـ وله أيضاً صفة الأبدية :
ولعل صفة الأبدية فيه تتضح من قول الرسول " يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد " ( عب13 : 8 ) . وقول المسيح لتلاميذه " ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى28 : 20 ) . وعن هذه الأبدية يقول عنه دانيال النبى " سلطانه أبدي ما لن يزول . وملكوته ما لا ينقرض " ( دا7 : 14 ) .
المسيح موجود في كل مكان
الله هو الموجود في كل مكان
1 ـ الوجود في كل مكان صفة من صفات الله وحده . وهكذا يقول له داود النبى " أين أذهب من روحك ، ومن وجهك أين أهرب ؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك . وإن فرشت في الهاوية فها أنت . إن أخذت جناحى الصبح ، وسكنت في أقاصى البحر ، فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكني يمينك " ( مز139 : 7 ـ 10 ) .
2 ـ الكائن الموجود في كل مكان ، لاشك أنه كائن غير محدود .
والله هو الكائن الوحيد غير المحدود . وعلى ذلك تكون هذه صفة خاصة به وحده . إذ لا يوجد كائن سواه غير محدود . إن الله في السماء ، وفي نفس الوقت على الأرض . لأن السماء هي كرسيه ، والأرض هي موضع قدميه " ( متى5 : 34 : 35 ) ، ( اش66 : 1 ) . وما وجود الله في أماكن العبادة سوى نوع من وجوده العام . وهكذا قال له سليمان الحكيم عند تدشين الهيكل " هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك ، فكم بالأقل هذا البيت الذى بنيت " ( 1مل8 : 27 ) .
3 ـ ولا يمكن لكائن آخر غير الله أن يوجد في كل مكان ، وإلا أصبح هو الآخر غير محدود ، بينما هذه هي إحدى الصفات المميزة لله وحده . فإن استطعنا أن نثبت أن المسيح موجود في كل مكان ، أمكن بذلك اثبات لاهوته .
المسيح موجود في كل مكان
1 ـ إنه بعد المؤمنين به وعداً لا يستطيع أن يصرح به سوي الله وحده . فهو يقول لهم " حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى ، هناك أكون في وسطهم " ( متى18 : 20 ) . ومعنى هذا أن السيد المسيح موجود في كل بقاع الأرض ، إذ قد انتشرت الكنيسة حتى وصلت إلى أقاصى الأرض . تصور يوم الأحد مثلاً ، والمسيحيون في العالم كله مجتمعون باسم المسيح في صلواتهم في الكنائس ، والمسيح وسطهم في كل مكان يصلون فيه ... ألا يعنى هذا أنه موجود في كل مكان على الأرض .
2 ـ وفي نفس الوقت الذى يحدد فيه كل الأرض ، هو موجود أيضاً في السماء ، إذ قد صعد إلى السماء كما رآه الرسل ( أع1 : 9 ) ، وهو عن يمين الآب كما رآه اسطفانوس ( أع7 : 56 ) .
3 ـ وهو في نفس الوقت في الفردوس ، مع الذين انتقلوا من عالمنا ، ودليلنا على ذلك قوله للص اليمين " اليوم تكون معى في الفردوس " ( لو23 : 43 ) . وأيضاً قول القديس بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، فذاك أفضل جداً " ( فى1 : 23 ) . وهذا اثبات أن الذين ينطلقون من الجسد ، يكونون مع المسيح في الفردوس ، بينما هو مع المؤمنين المجاهدين على الأرض .
4 ـ السيد المسيح موجود إذن في السماء ، وعلى الأرض ، وحيثما ينتظر الأبرار ، وهذا يتفق مع وعده للكنيسة حينما قال " وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى28 : 20 ) .
5 ـ وفي حديث السيد المسيح مع نيقوديموس ، صرح بهذه الحقيقة ، فقال له " ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذى نزل من السماء ، ابن الانسان الذى هو في السماء " ( يو3 : 13 ) . أي أنه كان في السماء فس نفس الوقت الذى كان فيه يكلم نيقوديموس على الأرض .
فهو على الأرض يكلم نيقوديموس ، وهو الذى صعد إلى السماء وهو موجود في نفس الوقت في السماء .
6 ـ والسيد المسيح ليس فقط موجوداً على الأرض حينما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمه ، بل هو أيضاً موجود في قلب كل مؤمن محب له . وفي ذلك يقول " إن أحبني أحد يحفظ كلامي ، ويحبه أبى ، وإليه نأتى ، وعنده نصنع منزلاً " ( يو 14 : 23 ) أي أن كل إنسان محب لله هو بيت للمسيح ، ينزل للسيد في قلبه ويعيش معه في كل مكان يحل فيه ، وفي كل أقامته وتنقلاته ، وهكذا استطاع بولس الرسول أن يقول :
" أحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا في " ( غل2 : 20 ) .
7 ـ والسيد المسيح لا يوجد فقط حيثما يوجد الأبرار القديسون . بل أيضاً في الأمكنة التى ضل فيها الأشرار ، يبحث عنهم ويفتقدهم ويقرع على أبواب قلوبهم . وهكذا يقول " هأنذا واقف على الباب واقرع . إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل وأتعشى معه وهو معي " ( رؤ3 : 20 ) .
ثابت من كل الكلام الذي قلناه أن السيد المسيح كائن غير محدود ، موجود في كل مكان : في السماء وفي الفردوس ، وفي نفس الوقت على الأرض ، في أماكن العبادة ، وفي اجتماعات المؤمنين ، وفي قلوب محبيه . كما أنه يقرع على أبواب قلوب الضالين والمبتعدين عن وصاياه . ينتقل مع كل إنسان حيثما انتقل ، ويكون معه وهو مستقر هو مع الأحياء ، ومع الذين انتقلوا أيضاً .
كل هذا لا ينطبق إلا على كائن واحد هو الله .
نزوله من السماء
1 ـ قال السيد المسيح في حديثه مع اليهود :
" أنا هو الخبز الذى نزل من السماء " ( يو6 : 41 ) .
وقال إنه بهذا معطى الحياة " لأن خبز الله هو النازل من السماء ، الواهب حياة للعالم " ( يو6 : 33 ) . وكرر عبارة " نزلت من السماء " ( يو6 : 38 ) . وفسر نزوله من السماء بقوله :
2 ـ " خرجت من عند الآب ، وأتيت إلى العالم " .
" وأيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب " ( يو16 : 28 ) . وركز على عبارة خروجه من عند الآب بقوله لتلاميذه " الآب يبكم لأنكم قد أحببتموني ، وآمنتم أنى من عند الآب خرجت " ( يو16 : 27 ) . وكرر هذا المعنى أيضاً في حديثه مع اليهود ( يو8 : 42 ) .
3 ـ إذن هو ليس من الأرض ، بل من السماء ، وقد خرج من عند الآب .
هذا هو موطنة الأصلي . أما وجوده بين الناس على الأرض بالجسد ، فلذلك لأنه " أخلى نفسه ، آخذاً صورة عبد في شبه الناس " ( في2 : 7 ) . ولكنه لابد أن يصعد إلى السماء التى نزل منها . أما عن هذه الأرض ، فهو كائن قبلها ، بل هو الذى أوجدها ، لأن " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كلن " ( يو1 : 3 ) أما هو فقد كان في الآب منذ الأزل ، وهذا هو مكانه الطبيعى ، بل هذه مكانته ...
4 ـ ونزوله من السماء وصعوده إليها ، أمر شرحه لنيقوديموس ، فقال :
ليس أحد صعد إلى السماء ، إلا الذى من السماء ، ابن الإنسان الذى هو في السماء " ( يو3 : 13 ) .
والمقصود بالسماء هنا سماء السماوات ، التى لم يصعد إليها أحد ، ولم ينزل منها أحد ، إلا المسيح باعتباره أقنوم الابن " الكائن في حضن الآب " ( يو1 : 18 ) في سماء السماوات حيث عرش الله ، كما قال في العظة على الجبل إن السماء هي كرسى الله ( متى5 : 34 ) أي عرشه . وقوله " ابن الإنسان الذى هو في السماء " معناها أنه كائن في السماء ، بينما هو على الأرض يتكلم ، مما يثبت لاهوته أيضاً لوجوده في السماء وعلى الأرض في نفس الوقت .
ومعجزة صعوده إلى السماء ( أع1 : 9 ) هي تأكيد لقوله لتلاميذه " أيضاً أترك العالم وأذهب إلى الآب " ( يو16 : 28 ) .
5 ـ وهو ليس في السماء كمجرد مقيم ، إنما له فيها سلطان :
فقد قبل إليه روح القديس اسطفانوس أول الشمامسة الذى قال في ساعة رجمه " أيها الرب يسوع اقبل روحى " ( أع7 : 59 ) . وهو الذى أدخل اللص إلى الفردوس أي السماء الثالثة ( 2كو12 : 2 ، 4 ) إذ قال لهذا اللص " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو23 : 43 ) . من هو الذى يقبل الأرواح ، وله السلطان أن يدخلها إلى الفردوس إلا الله نفسه ؟! وهكذا كان المسيح .
6 ـ وهو الذى أعطى الرسل مفاتيح السماء أيضاً :
فقال لبطرس ممثلاً لهم " وأعطيهم مفاتيح ملكوت السموات " ( متى16 : 19 ) . وقال للتلاميذ جميعاً " كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء " ( متى18 : 18 ) . وهنا نسأل من له سلطان أن يسلم مفاتيح السموات للبشر ، ويعطيهم سلطاناً أن يحلوا ويربطوا فيها سوى الله نفسه ؟!
7 ـ ومن سلطان المسيح في السماء ، أنه تسجد له كل القوات السمائية .
وفي هذا يقول الرسول " لكى تجثو باسم يسوع كل ركبه ممن في السماء ، ومن على الأرض ؟ " ( في2 : 9 ) . وسجود الملائكة له دليل على لاهوته . وقد قال عنه الرسول أيضاً :
8 ـ إنه أعلى من السموات ، وإنه في السماء يشفع فينا :
فقال " إذ هو حي كل حين ليشفع فيهم . لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 25 ، 26 ) .
إذن من علاقة المسيح بالسماء ، يمكن إثبات لاهوته بدلائل كثيرة .
هو الأول والأخر
وهذا الإثبات سيشمل أربع نقاط أساسية هي :
أ ـ الله وحده هو الأول والآخر ، ليس قبله إله ولا بعده .
ب ـ المسيح هو أيضاً الأول والآخر ، الألف والياء .
ج ـ ما معنى الأول ، وعلى أي شئ يدل ؟
د ـ محاولتان من شهود يهوه للرد .
في الأزل كان الله ، الله وحده . هو الأول والألف . ثم خلق الله جميع الكائنات ، كلها صنعه يديه . لا يستطيع مخلوق أياً كان يقول إنه الألف أو الأول ، لأن الأولوية لله وحده . لهذا نرى الله يصف نفسه بهذه الصفة . فيقول في سفر اشعياء " أنا الأول والأخر ، ولا إله غيرى " ( اش44 : 6 ) .
" أنا هو : أنا الأول وأنا الآخر . ويدى أسست الأرض ، ويمينى نشرت السموات " ( اش48 : 12 ، 13 ) " أنا هو . قبلي لم يصور إله ، وبعدى لا يكون " ( اش43 : 10 ) .
1 ـ أنظر إلى نبوءة سفر الرؤيا : " هوذا يأتى مع السحاب ، وستنظره كل عين والذين طعنوه وتنوح عليه جميع قبائل الأرض ، نعم آمين . أنا هو الألف والياء ، البداية والنهاية ، يقول الرب الكائن والذى كان ، والذى يأتى القادر على كل شئ " ( رؤ1 : 7 ، 8 ) . أريت هذه الآية لأحد شهود يهوه في سنة1953 . فارتبك أولاً ، ثم قال " كلا إن الآيه الأولى هي فقط عن المسيح ، أما الثانية فعن الله الآب " . قال هذا على الرغم من وضوح الآيه ، وعلى الرغم من كلمة يأتى هو المسيح . فأشفقت عليه في ارتباكه ، وقلت له : أنا متنازل إلى حين عن هذه الآيه ، فالعقيدة لا تتوقف على آيه واحدة . ولنأت إلى آيه غيرها وهي أكثر وضوحاً . قال الرائى :
2 ـ أنا يوحنا أخوكم وشريككم في ملكوت يسوع المسيح وصبره . كنت في الجزيرة التى تدعي بطمس . وسمعت ورائي صوتاً عظيماً كصوت بوق قائلاً " أنا هو الألف والياء . الأول والآخر ... فالتفت لأنظر الصوت الذى تكلم معي . ولما التفت رأيت سبع مناير من ذهب . وفي وسط السبع المناير شبه ابن إنسان متسربلاً بثوب إلى الرجلين ... " ( رؤ1 : 9 ـ 13 ) . من هو هذا ، شبه ابن الإنسان ، إلا السيد المسيح الذى قال : أنا الألف والياء ، الأول والآخر ... هذا القديس يوحنا الرائى يؤكداً فيقول :
3 ـ " فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت ، فوضع يده اليمنى على قائلاً : لاتخف أنا هو الأول والآخر والحى وكنت ميتاً . وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين .. " ( رؤ1 : 17 ) . فمن هو هذا الحى وكان ميتاً إلا ربنا يسوع المسيح القائم من الأموات ...
4 ـ ويتكرر هذا المعنى مرة أخرى في الإصحاح الأخير من سفر الرؤيا حيث يقول الرب " هاأنا آتى سريعاً وأجرتى معى ، لأجازى كل واحد كما يكون عمله . أنا الألف والياء ، البداية والآخر ... أنا يسوع ... " ( رؤ22 : 12 ـ 16 ) .
أ ـ يقول الله في سفر اشعياء " أنا هو . انا الأول والأخر " ويكرر هذه العبارة مرات . ويسوع المسيح يقول في سفر الرؤيا " أنا هو الألف والياء ، الأول والآخر ، البداية والنهاية " ويكرر هذا العبارة مرات . فكيف يمكن التوفيق بين القولين إلا أنهما لكائن واحد هو الله ، وليكن الله صادقاً .
ب ـ قال السيد المسيح إنه هو الأول ، هو الألف ، أي لا يوجد أحد قبله . وهذه العبارة لايمكن تفسيرها إلا على أنه الله ، وإلا يكون الله موجوداً على الآطلاق ، إذ لا يوجد من هو قبل الأول ، ولاقبل الألف . كيف توفق إذن بين الأول ، قول الله " أنا هو قبلى لم يصور إله ، وبعدى لايكون " ... التوفيق الوحيد هو أن قائل العبارتين واحد .
ج ـ إذا كان المسيح هو الأول ، إذن فهو ليس مخلوقاً ، لأنه لا يوجد قبله من يخلقه . ومادام غير مخلوق إذن فهو أزلى ، وإذن هو الله .
بعد أن نشرنا الإثبات السابق في مجلة مدارس الأحد ( يوليو 1953 ) قام شهود يهوه بمحاولتين للرد على مجلتهم برج المراقبة ( نوفمبر 1953 ) من ص174 وذلك بادعائين هما :
أ ـ الادعاء بأن الذي يأتى هو الآب ! وذلك رداً على ( رؤ1 :8 ) .
ب ـ الإدعاء بأن ما ورد عن المسيح من حيث هو الأول والآخر ، إنما قيل فقط من جهة أمور محدودة ، تختص بموت المسيح وقيامته !
وقد كتبنا رداً مطولاً على هذين النقطتين ، نشر في مجلة مدارس الأحد في يناير 1954 ، نلخصه في الآتى :
1 ـ لاشك أن الآتى هو السيد المسيح ، يأتى للدينونة ، ليجازى كل واحد بحسب عمله [ أنظر ( مت25 : 31 ـ 46 ) ، ( مت16 : 27 ) ] . ولعل آخر آية في سفر الرؤيا تقول " أمين ـ تعال أيها الرب يسوع " ( رؤ22 : 20 ) . والسيد المسيح نفسه قال لرؤساء الكهنة " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء " ( متى26 : 64 ) . وقال في علامات الأزمنة " وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض . ويبصرون ابن الإنسان آتياً على السحاب بقوة ومجد كثير . فيرسل ملائكته ... " ( متى24 : 29 ـ 31 ) ... فإن كان شهود يهوه يقولون أن الآتى هو يهوه ، وثابت من الآيات أن الآتي هو المسيح ، فإنهم يقدمون لنا بذلك إثباتاً جديداً على أن المسيح هو الله . ولكى يهرب شهود يهوه من هذا المأزق ، قالوا في ص184 من نفس عدد برج المراقبة " لأن يهوه يأتى ممثلاً بالمسيح يسوع " فهل معنى هذا عودتهم إلى الاعتراف أنه الله ظهر في الجسد ... ( 1تى3 : 16 ) ؟
2 ـ أما قولهم عن أن عبارة الأول والآخر قيلت عن المسيح فيما يخص موته وقيامته فإننا نرد عليهم بالآتى :
أ ـ من جهة الموت ، لم يكن المسيح أول من مات ، ولا آخر من مات . فقد مات الملايين قبله ، وملايين بعده .
ب ـ من جهة القيامة ، فهو وإن كان حقاً باكورة الراقدين ، أى أول القائمين بجسد ممجد ، إلا أنه ليس آخر القائمين من الأموات ، لأن كل الناس سيقومون في يوم القيامة ، الأبرار منهم والأشرار ( يو5 : 28 ، 29 ) .
المسيح هو الرب
أول نقطة في هذا الموضوع هي أن ( الرب ) اسم من أسماء الله ، والنقطة الثانية هي أن السيد المسيح دعي رباً ، لا بمعنى مجرد سيد ، إنما في مجالات تثبت لاهوته ، كما في مجال الصلاة ، أو الإيمان ، أو الدينونة ، أو الخلاص ، أو عقب معجزة عجيبة ، أو في ساعة الموت ... ألخ .
وسنتناول كل ذلك بالشرح ، مع إثبات من آيات الكتاب المقدس .
1 ـ الرب اسم من أسماء الله :
قال الله في سفر اشعياء النبي " أنا أنا الرب ، ليس فيرى مخلص " ( اش43 : 11 ) . " أنا الرب وليس آخر . لا إله سواي " ( اش45 : 5 ) " أليس أنا الرب ، ولا إله آخر غيري " ( اش45 : 21 ) . وقال السيد المسيح مذكراً بما ورد في ( تث6 : 13 ) " للرب إلهك تسجد ، وإياه وحده تعبد " ( لو4 : 8 ) ( مت4 : 10 ) وقال أيضاً " لا تجرب الرب إلهك " ( لو4 : 12 ) ( متى4 : 7 ) . فالرب هو الله . ولذلك قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب " ( تث10 : 17 ) . وقيل في سفر هوشع " أنا الرب إلهك ـ وإلهاً سوى لست تعرف " ( هو13 : 4 ) . ولعل من أهم الآيات الدالة على أن كلمة الرب هي من أسماء الله وحده قول الله في سفر اشعياء " أنا الرب . هذا اسمي . ومجدي لا أعطية لأخر " ( اش43 : 8 ) .
2 ـ أطلق اسم الرب على المسيح في مناسبات تدل على لاهوته :
ولعل منها ذلك السؤال الذي حير الرب الفريسيين ، حينما قالوا إن المسيح هو ابن داود . فقال لهم " فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً : قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك تحت موطئ قدميك ( مز109 : 1 ) " فلم يستطيع أحد أن يجيبه بكلمة " ( متى22 : 43 ـ 46 ) . فداود يدعوه ربه ، ويزيد الآية قوة ، جلوسه عن يمين الله ...
3 ـ وقد استخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في مجال الصلاة :
وهو مجال العبادة لا يمكن أن توجه فيه كلمة ( يارب ) إلا لله وحده . وفي ذلك قال السيد المسيح في العظة على الجبل " ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذي في السموات " ( متى7 : 21 ) . وهو هنا يقول إن الصلاة الموجهة إليه بدون أعمال صالحة لا تفيد . وبنفس المعنى قال " لماذا تدعونني يارب يارب ، وأنتم لاتفعلون ما أقوله " ( لو6 : 46 ) .
4 ـ واستخدام اسم الرب بالنسبة إلى المسيح في يوم الدينونة الرهيب :
وفي هذا قال السيد المسيح " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم : يارب يارب . أليس باسمك تنبأنا ، وباسمك اخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم أنى لم أعرفكم قط . اذهبوا عنى يا فاعلي الإثم " ( متى7 : 22 ، 23 ) . وحديثهم معه باعتبار أنه الديان ، وقيامة هو بعمل الديان ، دليل على لاهوته لأنه ولاشك أنهم حينما يخاطبونه في يوم الدينونة بعبارة يارب ، هذا دليل على لاهوته لأنه هو المتصرف الأبدي . وعبارة باسمك تنبأنا . باسمك صنعنا قوات ، هنا اعتراف باللاهوت في أخطر ساعة . وفي حديث الرب عن جلوسه للدينونة في اليوم الأخير ، يخاطبه الأبرار والأشرار جميعاً بعبارة يارب . فيقول له الأبرار " يارب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك . أو متى رأيناك عطشاناً فسقيناك " ( متى25 : 37 ) وبنفس الأسلوب يخاطبه الأشرار " يارب متى رأيناك جائعاً أو عطشاناً أو غريباً أو مريضاً أو محبوساً ولم نخدمك " ( متى25 : 44 ) . ويتلقى هؤلاء وأولئك منه الحكم بمصيرهم الأبدي . وهذه ساعة رهيبة يخاطبة فيها الكل كإله . وقد جلس على كرسى مجده وحوله جميع الملائكة والقديسين ( متى25 : 31 ) . وفي نفس الوضع حديث الرب عن الدينونة ، ووقوف الأشرار خارجاً يقولون يارب افتح لنا ( لو13 : 25 ) .
5 ـ واستخدمت عبارة الرب للمسيح ، في ساعة الموت :
وهي ساعة حرجة جداً ، يهتم فيها الإنسان ـ وبخاصة البار ـ بكل لفظة ينطق بها حرصاً على خلاصه . ونحن نرى قديساً عظيماً مثل اسطفانوس أول الشمامسة يقول في ساع موته " أيها الرب يسوع اقبل روحي " ( أع7 : 59 ) . فهو هنا يعترف أن يسوع هو الرب ، وهو الذى يستودع اسطفانوس روحه في يديه ويقول هذا بعد أن رآه قائماً عن يمين الله في الأعالي . أنه اعتراف واضح بلا هوته . ومثله اعتراف اللص اليمين الذى قال له " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك . والرب قبل منه هذا الاسم ( يارب ) . ومنحه الوعد أن يكون معه في نفس اليوم في الفردوس . أي أن إيمانه بأن المسيح رب استحق عليه الفردوس .
6 ـ واستخدم اسم الرب بالنسبة الذي المسيح في مجال الخلق :
فقال الرسول " ورب واحد يسوع المسيح الذى به جميع الأشياء ونحن به " ( 1كو8 : 6 ) .
7 ـ واستخدم نفس التعبير من توما الرسول في مجال التعبير عن إيمانه :
فلما آمن أنه هو : ووضع إصبعه مكان المسامير ، قال في إيمان " ربي وإلهى " ( يو20 : 28 ) . وهي عبارة واضح فيها التصريح . وقد قبل منه السيد المسيح هذه العبارة وهذا الإيمان ، ووبخه على أنه كان متأخراً في التصريح بهذا الإيمان ، قال له " لأنك رأيتني يا توما آمنت ؟ طوبى للذي آمنوا ولم يروا . ( يو20 : 29 ) .
8 ـ واستخدم نفس الاسم في مجال إيمان السجان وخلاصه :
قال بولس وسيلا لسجان فيلبى " آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك " ( أع16 : 31 ) . عبارة رب هنا استخدمت بمعنى إله ، لأنها خاصة بالإيمان والخلاص ، وهما خاصان بالله وحده .
9 ـ واستخدم اسم الرب للمسيح في مجال المجد :
فقال القديس بطرس الرسول " أنمو في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر " ( 2بط3 : 18 ) . وواضح أن هذا تعبير يدل على لاهوته . فشتان بين كلمة رب بالمفرد ، وكلمة الرب . ثم أكثر منها كلمة ربنا ومخلصنا وهي لا تطلق إلا على الله . وبخاصة ما ذكر بعدها هنا له المجد الآن وإلى يوم الدهر . ويقول القديس يعقوب الرسول معاتباً " يا أخوتي ، لا يكون لكم إيمان ربنا يسوع المسيح رب المجد في المحاباة " ( يع2 : 1 ) فهو يريد أن يكون الإيمان به مرتبطاً بأعمال صالحة . وأهمية الآية في عبارة ( ربنا ) ، وعبارة ( رب المجد ) ، وارتباط العبارتين بالإيمان . وهذا لا يستخدم إلا في مجال الحديث عن الله .
10 ـ إن تعبير رب المجد دليل على اللاهوت :
لأن المجد ليس له رب إلا الله وحده ، الكلى المجد . وتعبير رب المجد أقوى بكثير من عبارة له المجد . وقد قيلت العبارتين عن السيد المسيح . وتعبير رب المجد تكرر مرة أخرى في قول القديس بولس الرسول عن الحكمة الإلهية التي لو عرفها " لما صلبوا رب المجد " ( 1كو2 : 8 ) .
11 ـ وقد أطلق على السيد المسيح لقب رب الأرباب:
وهو من ألقاب الله وحده . فقد قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب ، الإله العظيم الجبار المهوب " ( تث10 : 17 ) . ومع ذلك نرى إن لقب رب الأرباب أطلق على السيد المسيح في أكثر من موضع . فقبل في سفر الرؤيا " وله على ثوبه وعلى فخذه إسم مكتوب : ملك الملوك ورب الأرباب " ( رؤ19 : 16 ) . وأيضاً " هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم ، لأنه رب الأرباب وملك الملوك " ( رؤ17 : 14 ) . فمن يكون رب الأرباب وملك الملوك سوي الله نفسه ، وقد قيل ذلك عن السيد المسيح ، في تعبير يدل على لاهوته .
12 ـ وقيل أيضاً إنه رب السبت ( متى12 : 8 ) .
في حديث بين السيد المسيح والفريسيين حول السبت وعمل الرحمة فيه . قال لهم في أسلوب يوجههم إلى لاهوته " إن ههنا أعظم من الهيكل .. إنى أريد رحمة لا ذبيحة " . وختم حديثه بقوله " لأن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى12 : 1 ـ 8 ) . كلهم كانوا يعرفون أن يوم السبت هو يوم الرب . وشريعة السبت هي شريعة أصدرهما الله نفسه . ولكن هوذا السيد المسيح يقول إنه رب السبت ايضاً أي رب هذا اليوم الخاص بالرب ، وهو صاحب الشريعة فيه . وهذا كلام لا يصدر إلا عن الله نفسه .
13 ـ ودعي السيد المسيح أيضاً : الرب برنا :
وقد ورد ذلك في نبوءة لأرميا النبى قال فيها " ها أيام تأتي ـ يقول الرب ـ وأقيم لداود غصن بر . وينجح ويجرى حقاً وعدلاً في الأرض ... وهذا هو اسمه الذى يدعونه به : الرب برنا " ( أر23 : 5 ، 6 ) . وقد تحققت في السيد المسيح إذ صار برنا بعد أن منحنا التبرير بدمه .
14 ـ واستخدم لقب يارب له في مجال المعجزة :
فبطرس الرسول بعد أن مشى معه على الماء ، خاف لما رأي الريح شديدة . وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً " يارب نجنى " ( متى14 : 30 ) فمد الرب يده ونجاه والذين في السفينة سجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 33 ) . وها نرى أن كلمة رب استخدمت في مجال معجزة . وحدث بعدها سجود ، واعترف ببنوته لله ، مما يدل على لاهوته .
15 ـ وفي مجال المعجزة أيضاً نرى شهادتين للرسل :
فبعد معجزة صيد السمك قبل دعوة بطرس ، سجد بطرس وقال للسيد المسيح " أخرج يار من سفينتى فإني رجل خاطئ " ( لو5 : 8 ) . وقوة الآية هنا تتركز في عبارة يارب ، ومعها سجود ، وبعد معجزة . فهي ليست كلمة عادية . وعبارة فإني رجل خاطئ تعطي قوة في الشعور بعدم الاستحقاق لوجود الرب القدوس في سفينته . وفي معجزة صيد السمك الكثير بعد القيامة نجد نفس الوضع :
" قال يوحنا لبطرس هو الرب " ( يو21 : 7 ) . ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت ، إذ كانوا يعلمون أنه الرب " ( يو21 : 12 ) .
16 ـ واستخدمت القديسة اليصابات هذا الاسم في استقبالها للعذراء :
امتلأت اليصابات من الروح القدس لما سمعت سلام القديسة مريم وقالت لها " من أين لي هذا ان تأتي أم ربي إلى . هوذا حين صار صوت سلامك في أذني ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنى " ( لو 1 : 43 ) . قالت ذلكم في مجال معجزة ، وهي ممتلئة بالروح القدس . وفي شعور بالانسحاق وعدم الاستحقاق لزيارة أم ربي لها . وكان هذا اعترافاً بلاهوته ...
17 ـ وبعد معجزة القيامة استخدمت كلمة الرب كثيراً :
" جاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب " ( يو20 : 18 ) " ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب " ( يو20 : 20 ) . " وقال له التلاميذ ( لتوما ) قد رأينا الرب " ( يو20 : 25 ) . " وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان " ( لو24 : 34 ) . وقال بطرس للمسيح ثلاث مرات " أنت تعلم يارب إني أحبك " ( يو21 : 15 ـ 17 ) .
18 ـ واستخدم الملائكة لقب الرب بالنسبة إلى السيد المسيح :
سواء في البشارة بميلاده ، أو البشارة بقيامته .
ففي الميلاد قال الملاك للرعاة " ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب " ( لو2 : 10 ، 11 ) . وفي القيامة قال الملاك للمريمتين " إنكما تطلبان يسوع المصلوب . ليس هو ههنا ، لأنه قام كما قال . هلما أنظر الموضع الذى كان الرب مضطجعاً فيه " ( متى28 : 5 ، 6 ). وها نرى شهادة الملائكة لربوبية المسيح .
19 ـ وقيلت عبارة الرب أيضاً في معجزة الصعود :
وهكذا يقول القديس مرقس الإنجيلي " ثم أن الرب بعد ما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله . أما هم فخرجوا وكرزوا في كل مكان ، والرب يعمل معهم ويثبت الكلام بالآيات " ( مر16 : 19 ، 20 ) . وهنا استخدام كلمة الرب في مجال الصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب ، وفي مجال تثبيت كرازتهم بالآيات ... كل هذا يعطى معنى أنها ليست كلمة عادية ، وإنما تستخدم في مجال الإيمان بلا هوته .
20 ـ وكان الإنجيليون يستخدمون كلمة الرب كثيراً بدلاً من اسم المسيح .
ففي معجزة إقامة ابن أرملة نايين قال القديس لوقا عن هذه الأرملة " فلما رآها الرب تحنن عليها وقال لها لا تبك " ( لو7 : 13 ) . وفي خضوع الشياطين للتلاميذ ، قالوا له " يارب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك " ( لو10 : 17 ) . وفي معجزة التجلي قالوا له " يارب جيد أن نكون ههنا " بطرس كلام الرب كيف قال له أنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات " ( لو22 : 6 ) . وفي قصة زكا " فوقف زكا وقال للرب : ها أنا يارب أعطي نصف أموالي للمساكين " ( لو19 : 8 ) . وفي ( لو22 : 31 ـ 61 ) وردت عبارة الرب عن المسيح 6مرات .
21 ـ كذلك أطلق لقب الرب على المسيح في أسفار العهد الجديد :
وكمثال لذلك في سفر أعمال الرسل في دعوة شاول الطرسوسى " قال الرب لشاول أنا يسوع الذي أنت تضطهده ... فقال ... يارب ماذا تريد أن أفعل " ( أع9 : 5 ، 6 ) . وهنا قيلت في مجال معجزة ظهر فيها الرب بنور عظيم ، وهي معجزة كانت السبب في إيمان شاول . وقال بولس الرسول " لكن بنعمة الرب يسوع المسيح ، أن نخلص كما أولئك أيضاً " ( أع15 : 11 ) . وعبارة النعمة تكررت كثيراً ومنها " نعمة ربنا يسوع المسيح ... مع جميعكم " ( 2كو13 : 14 ) . ولا شك أن عبارة النعمة مع ربنا ، وفي مجال البركة تعطى معنى لاهوتياً . وقال الرسول أيضاً " وكل ما لمتم بقول أو فعل ، فاعلموا الكل باسم الرب يسوع " ( كو3 : 17 ) . ولاشك أن هذا دليل على لاهوته ، إذا كان كل فعل وقول يكون باسمه ، باعتباره الرب . وقد وضح الرسول صلة المسيح كرب بالله الآب . فبعد أن تحدث عن أن المسيح " تجثو له كل ركبة ما في السماء وما على الأرض وما تحت الأرض " قال مباشرة " ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " ( في2 : 10 ، 11 ) . ذلك أنه " بهاء مجده ورسم جوهرة " ( عب1 : 30 ) " كل من يراه يكون قد رأي الآب " ( يو14 : 9 ) .
22 ـ وأخيراً نقول أن السيد المسيح قبل أن يدعي بكلمة الرب وربي و يارب . ودعا نفسه هكذا .
لم يتعرض مطلقاً على أن يقال له يارب يارب ... يا ربنا ... ونجد في قصة الفصح ، لما أرسل تلميذين لإحضار جحش ليركبه في الذهاب إلى أورشليم قال لهما " قولا : الرب محتاج إليه " ( مر11 : 3 ) ( لو19 : 31 ) .
23 ـ وعبارة الرب يسوع هي آخر عبارة يختم بها العهد الجديد :
فآخر آيتين في سفر الرؤيا هما " أنا آتي سريعاً . آمين . تعال أيها الرب يسوع . نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين " ( رؤ22 : 20 ـ 21 ) . إننا نستقبله في مجيئه الثاني بعبارة " تعال أيها الرب يسوع " ( وإلى أن يجئ تكون نعمة ربنا يسوع المسيح معنا . وكلمة ربنا شهادة واضحة على أنه الله . إننا لا نقول " ربنا " لبشر ...
الأيمان به
1 ـ الإيمان يكون بالله وحده .
وبهذه نجد نصاً هاماً في الكتاب وهو قول السيد المسيح " أنتم تؤمنون بالله ، فآمنوا بي " ( يو14 : 1 ) . وهكذا جعل الإيمان به مساوياً للإيمان بالآب ، بنفس الوضع ونفس الخطورة .
2 ـ وذلك أنه إن كان الإيمان به وصل إلى الحياة الأبدية ( يو3 : 16 ) ، فإن عدم الإيمان به يؤدي إلى الهلاك .
ولذلك يقول أيضاً " إن لم تؤمنوا إنى أنا هو ، تموتون في خطاياكم " ( يو8 : 24 ) . وفي علاقة الإيمان به بالحياة ، يقول في قصة إقامة لعازر من الموت " من آمن بي ولو مات فسيحيا . وكل من كان حياً وآمن بي ، فلن يموت إلى الأبد " ( يو11 : 25 ، 26 ) .
3 ـ والإيمان به قضية خلاصة ، بها يتعلق خلاص الإنسان .
ولهذا قال بولس وسيلا لسجان فيلبى " آمن بالرب يسوع ، فتخلص أنت وأهل بيتك " ( أع16 : 31 ) . طبعاً إن سلك في الأمور المتعلقة بهذا الإيمان ، مثال ذلك قوله " من آمن واعتمد خلص " ( مر16 : 16 ) .
4 ـ من يكون المسيح إذن ، إذا كان من يؤمن به ينال غفران الخطايا ؟
كما قال القديس بطرس الرسول في قبول كرنيليوس " له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ، ينال باسمه غفران الخطايا " ( أع10 : 43 ) . وكذلك قال القديس بولس الرسول في مجمع إنطاكية بيسيدسة " فليكن معلوماً عندكم أيها الرجال الأخوة ، أنه بهذا ينادي لكم بغفران الخطايا ، وبهذا يتبرر كل من يؤمن " ( أع13 : 38 ، 39 ) . وطبعاً نضم إلى هذا الإيمان ، قول القديس بطرس الرسول لليهود في يوم الخمسين ، بعد أن نخسوا في قلوبهم وآمنوا وسألوا عن طريق الخلاص . فقال لهم " توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم على إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتلقوا عطية الروح القدس " ( أع2 : 38 ) . فالإيمان يقود إلى المعمودية ، والمعمودية توصل إلى غفران الخطايا . وغفران الخطايا يشمل التبرير الذي هو بدم المسيح . وما أكثر الآيات التي وردت عن الإيمان والتبرير ( أع13 : 39 ) ( رو5 : 1 ) . وكذلك توصيل المعمودية إلى قبول الروح القدس .
5 ـ ولهذا فإنه توجد علاقة بين الإيمان بالمسيح ، وقبول الروح القدس . فالذي يؤمن به يؤهل لنوال الروح القدس .
وعن هذا قال السيد المسيح " من آمن بي ، تجري من بطنه أنهار ماء حي " وقال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه . لأن الروح القدس لم يكن قد أعطي بعد " ( يو7 : 38 ، 39 ) .
6 ـ وهناك عمل للروح القدس يسبق الإيمان بالمسيح .
وفي هذا يقول الرسول " ليس أحد يستطيع أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس " ( 1كو12 : 3 ) , ولعل هذا يبرر قصة حلول الروح قبل معمودية كرنيلوس والذين معه . وهو عمل تمهيدي من الروح ، غير الحلول الذي كان المؤمنون ينالونه بوضع الأيدي ( أع8 : 17 ) . ثم صار بعد ذلك بالمسحة المقدسة ( 1يو2 : 20 ، 27 ) .
7 ـ وقيل أيضاً في نتائج الإيمان بالمسيح " كل من يؤمن به لا يخزي "
( رو9 : 33 ) ( رو10 : 11 ) ( 1بط2 : 6 ) . أي أنه لا يخزي في يوم الدينونة في اليوم الأخير .
8 ـ إذن ليس الإيمان بالمسيح مجرد شئ هين ، وإنما هو أمر خطير تتعلق به الحياة الأبدية . وما أخطر قول الرسول :
" الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية . والذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة ، بل يمكث عليه غضب الله " ( يو3 : 36 ) .
الإيمان يتعلق به الخلاص ، وغفران الخطية ، وعطية الروح القدس كما ذكرنا ونحن حينما نذكر هذا الإيمان ، إنما نقصده بمعناه الكامل بكل ما يتعلق به من أمور كالمعمودية والتوبة والأعمال التي هي ثمر الإيمان لكي يكون إيماناً حياً .
9 ـ هذا الإيمان تتعلق به المعمودية أيضاً ، بكل ما للمعمودية من فاعلية روحية .
لأنه لا يمكن أن تتم المعمودية بدون الإيمان أولاً . ولهذا حينما طلب الخصى الحبشي أن يعتمد ، قال له فيلبس " إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز " فقال الخصى " أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله " ( أع8 : 36 ، 37 ) . ومعروف أن الأطفال يعتمدون على إيمان والديهم .
10 ـ والإيمان بالمسيح هو سبب كتابة الإنجيل .
وفي هذا يقول القديس يوحنا الإنجيلي عن كل ما سجله في إنجيله من آيات " وأما هذه فقد كتبت لكي تؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله . ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو20 : 31 ) .
11 ـ وهذا الإيمان يؤهل المؤمن أن يكون ايناً لله .
بأن يولد بعده من الماء والروح ( يو3 : 5 ) .. ولهذا قال الكتاب " وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله أي المؤمنون باسمه " ( يو1 : 12 ) .
استنتاج
12 ـ لا يمكن إنسان أياً كان أن يحصل من يؤمن به على كل هذه النتائج الروحية التي تتعلق بأبدية المؤمن ، ومركزه مع الله كابن ، ومع الكنيسة كعضو فيها بالإيمان والمعمودية .
13 ـ ولكن ما هو كنه هذا الإيمان بالمسيح ؟
نؤمن بأ يسوع هو المسيح ، وهو ابن الله ( يو20 : 31 ) ونؤمن بأن ابن الله الوحيد ( يو3 : 16 ، 18 ) بكل ما تحمله هذه العبارة من صفات لاهوتية . ونؤمن بأنه اللوجوس ، عقا الله الناطق ، كلمة الله ... ونؤمن أن في الآب والآب فيه ( يو14 : 10 ، 11 ) . ونؤمن أن من يري المسيح فقد رأي الآب ( يو14 : 9 ) . ونؤمن أن فيه الحياة ( يو1 : 4 ) ( 1يو5 : 11 ) . ونؤمن أنه مخلص العالم ( يو4 : 42 ) ( مت1 : 21 ) وأنه كفارة لخطايانا ( 1يو4 : 10 ) ( 1يو2 : 2 ) ونؤمن أيضاًث بكلامه ... وبالطريق الذي رسمه الرب للخلاص ...
كل هذا يدل على لاهوت المسيح ، يضاف إليها إيمانك بصفاته اللاهوتية .
قبوله العبادة والسجود
السيد المسيح قبل السجود من الناس . وكان سجود عبادة ، وليس مجرد سجود احترام . وكان ذلك في مناسبة إيمان أو معجزة .
1 ـ ففي منح البصر للمولود أعمي . لما دعاه للإيمان به كابن الله قال " أؤمن يا سيد " وسجد له ( يو9 : 38 ) . وقيل منه المسيح هذا السجود في مناسبة إيمانه .
2 ـ ولما مشي على الماء ، وجعل تلميذه بطرس يمشي معه ، حدث أن " الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين : " بالحقيقة أنت ابن الله " ( متى14 : 33 ) . وقبل ذلك منهم .
3 ـ وقد سجد له القديس بطرس ، بعد معجزة صيد السمك الكثير قائلاً له " اخرج يارب من سفينتي لأني رجل خاطئ " ( لو5 : 8 ) . وقبل منه السيد المسيح هذا السجود وعبارة يارب . ودعاه أن يكون صياداً للناس .
4 ـ وسجدت له نازفة الدم بعد شفائها ( مر5 : 33 ) .
5 ـ وسجد له يا يرس قائلاً " إن ابنتي الآن ماتت . ولكن تعال وضع يدك عليها فتحيا " ( مر5 : 18 ) . إذن فهو سجود مصحوب بإيمان أن المسيح قادر على إقامة الميت بمجرد وضع يده ... وقد أقام له السيد المسيح ابنته ( مر5 : 25 ، 26 ) .
6 ـ والسيد المسيح سجدت له المر يمتان بعد القيامة ( متى28 : 9 ) .
7 ـ وسجد له الأحد عشر رسولاً لما رأوه بعد القيامة ( متى28 : 17 ) وقيامته من الموت كانت معجزة من أعظم المعجزات ، وكان لها تأثيرها في الرسل وفي المريمتين هو السجود له .
8 ـ يضاف إلى هذا أن المجوس سجدوا له طفولته ( متى2 : 11 ) .
9 ـ ونذكر مع هذا قول القديس بولس الرسول " ... تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء وما على الأرض ومن تحت الأرض . ويعترف كل إنسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب " ( في2 : 10 ، 11 ) .
إذن هو تقبل السجود من الناس ، في مناسبات معجزات خارقة ، وفي مناسبات إيمان به كابن لله ، وسجدت له الملائكة وكل الكائنات في السماء وعلى الأرض . وسجد له رسله . وكل هذا يدل على لاهوته .
وكما قبل من الناس السجود ، قبل منهم أيضاً الصلاة .
10 ـ أن يقال له " يارب يارب " ( متى7 : 22 ) .
11 ـ و حتى الصلاة الموجهة إلى الآب ، قال أن تكون باسمه ، فستجاب وهكذا قال لتلاميذه " الحق الحق أقول لكم إن كل ما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي . اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً " ( يو16 : 23 ، 24 ) .
12 ـ بل قال أيضاً " مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ، ليتمجد الآب بالابن ، عن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله " ( يو14 : 13 ، 14 ) . وعبارة " إنى أفعله " التي ذكرها هنا مرتين ، تعني أنه يستجيب بنفسه . وليست مثل عبارة " مهما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم " هنا المسيح نفسه يعطي ، لكي يتمجد الآب بالابن .
12 ـ بل قال أيضاً " مهما سألتم باسمي فذلك أفعله ، ليتمجد الآب بالابن ، عن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله " ( يو14 : 13 ، 14 ) . وعبارة " إنى أفعله " التي ذكرها هنا مرتين ، تعني أنه يستجيب بنفسه . وليست مثل عبارة " مهما طلبتم من الآب باسمي يعطيكم " هنا المسيح نفسه يعطي ، لكي يتمجد الآب بالابن .
لي المجد إلى الأبد
1 ـ عبارة " له المجد إلى الأبد " ( هي عبارة خاصة بالله وحده ، وهي تدخل في تسبحة السارافيم له ( أش6 : 3 ) .
2 ـ وهذا المجد الإلهي ، لا يعطيه الله لكائن آخر . وهكذا قال في سفر اشعياء النبي " أنا الرب . هذا اسمي ، ومجدي لا أعطية لآخر " ( اش42 : 8 ) ، فإن ثبت أن السيد المسيح كان له هذا المجد ، فهذا لابد يكون دليلاً على لاهوته ولا يمكن أن يكون له مجد الآب ، إلا لو كان هو الله . فالله لا ينافسه غيره في مجده .
3 ـ الكتاب يعطينا فكره أن السيد المسيح له هذا المجد ، اللائق به كإله . فهو يجلس في مجده ، كديان لجميع الشعوب والأمم ، إذ يقول " ومتى جاء ابن الإنسان في مجده ، وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس على كرسي مجده ، ويجتمع أمامه جميع الشعوب ... " ( متى25 : 31 ، 32 ) . والمعروف أن الدينونة هي عمل الله ، كما ورد في ( تك18 : 25 ) .
4 ـ ويقول معلمنا بطرس الرسول " ولكن انموا في النعمة وفي معرفة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد الآن وإلى يوم الدهر " ( 2بط3 : 18 ) . وعبارة ( ربنا ) مع عبارة ( له المجد ) دليل واضح على اللاهوت .
5 ـ ويقول أيضاً " لكي يتمجد الآب في كل شئ بيسوع المسيح الذي له المجد والسلطان إلى الآبدين آمين " ( 1بط4 : 11 ) . وما أجمل أن نقارن هذه الآية وسابقتها بقول القديس يهوذا الرسول " الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة والقدرة والسلطان الآن وإلى كل الدهور آمين " ( يه25 ) .
المجد للذي للآب هو نفسه الذي للابن .
6 ـ بل يذكر الكتاب أن السيد المسيح له نفس مجد الآب .
فيقول السيد المسيح " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( متى16 : 27 ) . ويقول أيضاً " لأن من استحي بي وبكلامي ، فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة والقديسين " ( لو9 : 26 ) .
7 ـ ومساواة الابن للآب في المجد واردة في سفر الرؤيا من حيث أنه " في وسط العرش " ( رؤ7 : 17 ) . وأيضاً في تلك التسبحة التي سمعها الرائي من كل خليقة مما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض .. ويقول سمعتها قائلة " للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين " ( رؤ5 : 13 ) . نفس المجد والسلطان الذي للآب هو للابن شبة بخروف كأنه مذبوح ( رؤ5 : 6 ) . وهذا المجد المساوي هو إلى أبد الآبدين . ولاشك أن هذا دليل على لاهوته .
8 ـ ويتحدث السيد المسيح عن هذا المجد فيقول عن هذا فيقول " جلست مع أبي في عرشه " ( رؤ3 : 21 ) . وهذا المجد كان له عند الآب قبل كون العالم ( يو17 : 4 ، 5 ) .
المسيح هو الصالح القدوس
سيشمل هذا الإثبات ثلاث نقاط وهي :
1 ـ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله ( متي19 : 17 ) .
2 ـ المسيح صالح وقدوس .
3 ـ استنتاج .
1 ـ يقول سفر المزامير " الكل زاغوا معاً وفسدوا . وليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " ( مز14 : 3 ) ، ( مز53 : 3 ) . وقد استشهد الرسول بهذه الآية في رسالته إلى رومية ( رؤ3 : 12 ) .
2 ـ ويشهد القديس يوحنا الحبيب بنفس هذه الحقيقة فيقول " إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا " ( 1يو1 : 8 ) وكذا اعترف القديسون أنهم خطاة . وبولس الرسول الذي صعد إلى السماء الثالثة قال " الخطاة الذين أولهم أنا ( 1تى1 : 15 ) . وقال أنا فجسدي مبيع تحت الخطية ... وليس ساكن في أي في جسدي أي شئ صالح " ( رؤ7 : 14 ، 18 ) .
3 ـ وبينما البشر كلهم خطاة ، يكون الله هو لصالح الوحيد ، كما يقول الرب نفسه " ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله " ( متى19 : 17 ) .
4 ـ كذلك يقول الكتاب عن الله أنه قدوس ، كما هتف له السارافيم " قدوس قدوس قدوس " ( أش6 : 3 ) . وكما قالت العذراء " لأن القدير صنع بي عجائب ، واسمه قدوس " ( لو1 : 49 ) .
5 ـ بل أكثر من هذا أن الكتاب يحصر القداسة في الله وحده ،
حسب الترنيمة التي قيلت له في سفر الرؤيا " عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شئ ... من لا يخافك يارب ويمجد اسمك ، لأنك وحدك قدوس " ( رؤ15 : 3 ، 4 ) . إذ وصلنا إلى هذه النقطة نضع أمامنا الحقيقة الثانية وهي :
1 ـ إن الملاك يبشر العذراء ويقول لها " الروح القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك . فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو1 : 35 ) .
2 ـ وبطرس الرسول يوبخ اليهود بعد شفاء الأعرج ، ويقول لهم عن رفضهم المسيح " ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار ، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل " ( أع3 : 14 ) .
3 ـ وبولس الرسول يتكلم عن السيد المسيح فيقول " قدوس بلا شر ولا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلى من السموات " ( عب7 : 26 ) .
4 ـ والكنيسة كلها صلت بعد إطلاق بطرس ويوحنا وقالت " امنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة ... ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع ( أع4 : 30 ) . أنظر أيضاً ( أع4 : 27 ) .
5 ـ ونفس الرب في رسالته إلى ملاك كنيسة فيلادلفيا يقول " هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح داود ، الذي يفتح ولا أحد يغلق ، ويغلق ولا أحد يفتح " ( رؤ3 : 7 ) .
6 ـ وفي قداسة الرب يسوع ، يبدو للكل وقد انفصل عن الخطاة ( عب7 : 26 ) . وأنه الوحيد الصالح . لذلك يقول لليهود متحدياً " من منكم يبكتني على خطية ؟!... " ( يو8 : 46 ) . ويقول عن الشيطان " رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شئ " ( يو14 : 30 ) .
7 ـ ويشهد الرسل عنه قائلين " مجرب في كل شئ مثلنا بلا خطية " ( عب4 : 15 ) . " لم يعرف خطية " ( 2كو5 : 21 ) و " ليس فيه خطية " ( 1يو3 : 5 ) . " والذي لم يفعل خطية ، ولا وجد في فمه مكر " ( 1بط2 : 22 ) .
8 ـ وحتى الغرباء والأعداء شهدوا عنه نفس الشهادة :
فيهوذا الذي أسلمه قال " أخطأت إذ أسلمت دماً برئياً " ( متى27 : 4 ) . وبيلاطس الذي حكم عليه قال " إني من دم هذا البار " ( متى27 : 19 ) .
9 ـ وحتى الشيطان شهد له قائلاً " أنا أعرف من أنت قدوس الله " ( مر1 : 24 ) ( لو4 : 34 ) .
10 ـ وحتى شهود يهوه شهدوا له في مجلتهم ( برج المراقبة ـ عدد يونيو 1953 ص96 ) . في الإجابة عن سؤال حول قول سلمين الحكيم " رجلاً واحداً بين ألف وجدت . أما إمرأة فبين لم أجد " ( جا7 : 28 ) . فقالوا : إن عدد ألف كناية عن الكمال ، وألف رجل كناية عن جميع الرجال ، وإن كان لم يوجد وسط جميع النساء إمرأة واحدة صالحة بلا خطية ، فقد وجد بين الرجال واحد فقط صالح هو يسوع المسيح ( الوحيد هو هذا القبيل الذي عاش على الأرض ) .
1 ـ إن كان ليس أحد صالحاً ، إلا واحد فقط وهو الله . وقد ثبت أن المسيح صالح أو هو الوحيد الصالح ، إذن هو الله . هذا الذي انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات .
2 ـ وإن كان الله هو وحده قدوس ( رؤ15 : 4 ) . وقد ثبت أن المسيح قدوس إذن هو الله .
لماذا إذن حينما سأله الشاب الغني أيها المعلم الصالح ، أي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية ؟ أجابة : لماذا تدعونني صالحاً . ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله ( متي19 : 16 ، 17 ) .
الجواب
هو أن اليهود اعتادوا أن ينادوا معلميهم بعبارة أيها المعلم ، أو أيها المعلم الصالح . فالسيد المسيح أراد أن يسأل الشاب : هل هذا لقب روتيني تناديني به كباقي المعلمين . إن كان الأمر هكذا فاعلم أنه ليس أحد صالحاً إلا وحده . فهل تؤمن أني هذا الإله ؟! ولكن السيد المسيح لم يقل أنه غير صالح . بل في مناسبة أخري قال أنا هو الراعي الصالح ( يو10 : 11 ) كما قال " من منكم يبكتنى على الخطية " ( يو8 : 46 ) .
المسيح يغفر الخطايا
الله وحده هو الذي يغفر الخطايا
ـ يقول داود في المزمور " باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس ... الذي يغفر جميع ذنوبك ... " ( مز10 : 1 ، 3 ) ... وأيضاً " إن كنت للآثام راصداً يارب ، يارب من يثبت ؟! لأن من عندك المغفرة " ( مز130 : 3 ، 4 ) .
2 ـ وفي سفر الخروج " الرب إله رحيم ورؤوف ... غافر الإثم والمعصية " ( خر34 : 6 ، 7 ) .
3 ـ والسيد المسيح علمنا أن نطلب من الله المغفرة الربية ( متى6 : 12 ) . وطلب إلينا أن نسامح مغفرة الله لنا ( متى6 : 14 ، 15 ) .
وهو على الصليب قال " يا أبتاه اغفر لهم .. " ( لو23 : 34 ) .
4 ـ وكان اليهود يفهمون هذه الحقيقة ، ويعتقدون أنه لا يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده ( مر2 : 7 ) .
الحكمة في أن الله وحده غافر الخطايا
أ ـ المغفرة هي من حق الله وحده ، لأن الخطية هي موجهة أصلاً إليه . فهي كسر لوصاياه ، وتعد على شرائعه ، وتمرد على ملكوته . وهي أيضاً عدم محبة لله ، وتفضيل للشر عليه ، ونكران لجميلة . والخطية هي رفض لله . ونري هذا واضحاً في قول الرب " ربيت بنين ونشأتهم . أما هم فعصوا على ... تركوا الرب . استهانوا بقدوس إسرائيل " ( اش1 : 2 ـ 4 ) .
ب ـ وحتى الخطايا التي يخطئ بها الناس بعضهم نحو بعض ، قبل أن تكون خطية ضد إنسان ، هي بالأكثر خطية ضد الله وصاياه ، وضد خليقة . لذلك قال داود في مزمور التوبة " لك وحدك أخطأت إلى الرب " فرد عليه " والرب نقل عنك خطيتك . لا تموت " ( 2صم12 : 13 ، 14 ) . انظر أيضاً ( مي 7 : 9 ) ، ( اش42 : 24 ) ، ( 1مل8 : 45 ، 46 ) ، ( تث1 : 41 ) ...
1 ـ لقد غفر للمفلوج . وقال له في وضوح " مغفورة لك خطاياك " ( متى9 : 2 ) ، ( مر2 : 5 ) ، ( لو5 : 20 ) . ولما فكر الكتبة في قلوبهم قائلين " لماذا يتكلم هذا بتجاديف ؟ من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده ؟! " ( مر2 : 7 ) . قال لهم الرب " لماذا تفكرون بالبشر في قلوبكم .. ولكن لكي تعلموا لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا ... قال للمفلوج قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك " ( متى9 : 4 ، 6 ) ( مر2 : 7 ـ 10 ) .
2 ـ والسيد المسيح غفر للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها . وقال لها " مغفورة لك خطاياك " ( لو7 : 48 ) . وتذمر الحاضرون وقالوا في أنفسهم " من هذا الذي يغفر الخطايا " .
3 ـ والسيد المسيح غفر للص المصلوب معه ، وافتح له باب الفردوس على الرغم من سيرته السابقة ، قائلاً له " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو23 : 43 ) .
4 ـ لم تكن مغفرته للناس تعدياً على حقوق الله . لأنه بعد أن قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " شفاه فقام وحمل سريره ومشي . ولو كان المسيح قد تجاوز حدوده في هذه المغفرة ، واعتدي على حقوق الآب ، ما كان يمكنه أن يشفي ذلك المفلوج بعدها ...
4مع أن الجميع يؤمنون أن هو وحده الذي يغفر الخطايا ، قام المسيح بمغفرة الخطية للمفلوج وللمرأة الخاطئة وللص ولغيرهم . بمجرد أمره . ليس بصلاة يطلب فيها الحل من الله ، كما يفعل الكهنة حالياً ، إنما بالأمر " مغفورة لك خطاياك " ولم يقل " اذهب الرب يغفر لك " . وقال في صراحة أن له هذا السلطان أن يغفر الخطايا على الأرض . ولما قال اليهود إن المغفرة لله وحده ، لم يعرضهم في هذا المبدأ ، بل استبقي هذا الفهم ، وأعلن سلطانه على المغفرة وأثبت سلطانه هذا بمعجزة أجراها أمامهم . وكأنه يقول لهم : أنا هو هذا الإله الذي له وحده سلطان المغفرة .
المسيح هو الديان
نقدم هنا ثلاث نقاط ، هي :
أ ـ إن الله وحده هو الديان .
ب ـ السيد المسيح هو الديان .
ج ـ استنتاج .
أبونا إبراهيم في شفاعته في أهل سادوم ، يلقب الرب بأنه " ديان الأرض كلها " ( تك18 : 25 ) . ويقول داود في مزاميره " الرب يدين الشعوب " ( مز7 : 8 ) ، " يدين الشعوب بالاستقامة " ( مز96 : 10 ) ، " يدين المسكونة بالعدل " ( مز96 : 13 ) ( مز98 : 9 ) ، " يارب إله النقمات اشرق . ارتفع يا ديان الأرض " ( مز94 : 2 ) " تخبر السموات بعدله . لأن الله هو الديان " ( مز50 : 6 ) . وفي الرسالة إلى رومية " .. يدين الله العالم " ( رو3 : 6 ) . وطبيعي أن الله يدين العالم ، لأنه هو فاحص القلوب والكلي ، وقارئ الأفكار ، وعارف أعمال كل أحد . لذلك يدين بالعدل والاستقامة .
1 ـ يقول بولس الرسول " لأننا لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد ، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً " ( 2كو5 : 10 ) .
2 ـ وقال الرب في إنجيل متي " إن ابن الانسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله " ( متى16 : 27 ) .
3 ـ وقال أيضاً " ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس على كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب ، فيميز بعضهم عن بعض ، كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن يساره ويقول .. " ( متى25 : 31 ـ 46 ) ثم يشرح تفاصيل قضائه العادل : فيمضي هؤلاء إلى عذاب أبدي ، والأبرار إلى حياة أبدية " .
4 ـ ويقول عن نهاية العالم " يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الأثم ، ويطرحونهم في أتون النار .. " ( متى13 : 41 ، 42 ) .
5 ـ ويقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " .. الرب يسوع المسيح العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2تى4 : 1 ) .
6 ـ ويقول الرب في سفر الرؤيا " وها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله " ( رؤ22 : 13 ، 14 ) .
7 ـ ولعل من أسباب قيامه للدينونة ، أنه يعرف أعمال كل أحد . وهكذا نجد أنه في رسائله لملائكة الكنائس السبع في آسيا ، يقول لكل راعي كنيسة " أنا عارف أعمالك " ( رؤ2 : 2 ، 9 ، 13 ، 19 ) ، ( رؤ3 : 1 ، 8 ، 15 ) . انظر أيضاً ( متى7 : 22 ، 23 ) .
5فإن كان المسيح هو الديان ، فإنه يكون الله ، لأن الله هو الديان . وهو يفعل ذلك ، ويحكم على أفعال الناس لأنه يعرفها . وأيضاً لقوله :
8 ـ " فستعرف جميع الكنائس أني الفاحص الكلي والقلوب . وسأعطي كل واحد بحسب أعماله " ( رؤ2 : 23 ) . إذن ليس هو فقط يعرف الأعمال ، وإنما بالأكثر فاحص القلوب والكلي . وهذا يقدم لنا دليلاً آخر على لاهوته
المسيح هو فاحص القلوب والكلى
لا يستطيع أحد أن يفحص القلوب ، ويقرأ الأفكار ، ويطلع على خبايا النفوس ، إلا الله وحده ، لأن هذا من صفات معرفته غير المحدودة . وهو وحده الكائن غير المحدود . وقد أثبت الكتاب المقدس لله وحده هذه الصفة كما يظهر مما يلي :
1 ـ قال سليمان للرب في صلاته عند تدشين الهيكل " فاسمع أنت من السماء مكان سكناك واغفر واعمل و أعط كل إنسان حسب كل طرقه ، كما تعرف قلبه لأنك أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر " ( 1مل8 : 39 )
وهنا نشدد على عبارة " أنت وحدك " ...
2 ـ وأمثال سليمان حافلة بهذه الشهادات . فهو يصف الله بأنه " وازن القلوب ( أم21 : 2 ) . كما يصفه أيضاً بأنه " ممتحن القلوب " ( أم17 : 3 ) .
3 ـ وداود النبي يقول في المزمور " فإن فاحص القلوب والكلي هو الله البار " ( مز7 : 9 ) . ويقول أيضاً عنه " لأنه هو يعرف خفيات القلوب " ( مز44 : 21 ) .
4 ـ وفي سفر ارميا النبي يقول " القلب أخدع من كل شئ ، وهو نجس ، من يعرفه ؟ أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلي ، لأعطي لكل واحد حسب طرقه حسب ثمر أعماله ، فاحص الكلي والقلوب " ( أر11 : 20 ) .
5 ـ وعاموس النبي يقول " أخبر الإنسان ما هو فكره ... يهوه إله الجنود اسمه " ( عا4 : 13 ) .
6 ـ ويقول القديس بولس الرسول " هكذا نتكلم لا كأننا نرضى الناس ، بل الله الذي يختبر قلوبنا "
( 1تس 2: 4 ) .
يتضح من كل ما سبق أن الله هو الذي يختبر القلوب ، ويزنها ويمتحنها ، ويعرف خفياتها . وهو الذي يخبر الإنسان ما هو فكره . وهو وحده الذي يعرف قلوب كل بني البشر . وهو وحده فاحص القلوب والكلي ..
السيد المسيح يفحص القلوب ويعرف الأفكار
1 ـ إنه يقول كما ذكرنا " فستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب . سأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله " ( رؤ2 : 23 ) . وهناك أمثلة كثيرة في الأناجيل تدل على أنه يقرأ الأفكال ويرد عليها دون أن يسمع شيئاً ...
ومن أمثلة ذلك :
2 ـ يقول الكتاب عن التلاميذ أنهم " فكروا في أنفسهم قائلين : إننا لم نأخذ خبزاً . فعلم يسوع وقال لهم " لماذا تفكرون في قلوبكم يا قليلي الإيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً " ( يو16 : 7 ، 8 ) ( مر11 : 16 ، 17 ) ( متى16 : 8 ) .
3 ـ ولما قال الرب للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " يقول الكتاب عن الكتبة أنهم " قالوا في أنفسهم هذا يجدف ، فعلم يسوع أفكارهم . فقال لهم " لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم . أيهما أيسر ... " ( مر2 : 6 ـ 8 ) ، ( متى9 : 3 ، 4 ) ، ( لو5 : 21 ، 22 ) .
4 ـ وبعد شفاء المجنون الأعمى والأخرس ، يقول الكتاب " وأما الفريسيون فلما سمعوا قالوا : هذا لا يخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين . فعلم يسوع أفكارهم " وقال لهم : كل مملكه تنقسم على ذاتها تخرب " ( متى12 : 24 ، 25 ) ، ( لو11 : 17 ) .
5 ـ وفي حادثة شفاء ذي اليد اليابسة ، يقول الكتاب " وكان الكتبه والفريسيون يراقبونه هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكايه ، أما هو فعلم أفكارهم ... ثم قال لهم ... هل يحل في السبت فعل الخير أم فعل الشر " ( لو6 : 7 ـ 9 ) .
6 ـ فعندما حروب التلاميذ بالعظمة ، يقول الكتاب " وداخلهم فكر من عسى أن يكون أعظم فيهم . فعلم يسوع فكر قلبهم ، وأخذ ولداً وأقامه " ( لو9 : 46 ، 47 ) .
7 ـ وفي حادثة المرأة الخاطئة التي بللت قدامي المسيح بدموعها ، أجاب له المجد على أفكار الفريسى . وفي ذلك يقول الكتاب " فلما رأي الفريسي الذي دعاه ذلك ، تكلم في نفسه قائلاً : لو كان هذا نبياً لعلم من هذه المرأة التي تلمسه وما حالها ، إنها لخاطئة . فأجاب يسوع وقال له ... " ( لو7 : 39 ، 40 ) .
8 ـ وفي معرفته بالخفيات ، تضرب مثلاً بما قاله لبطرس عن السناره والاستار ( متى17 : 27 ) . ومعرفته بشك توما وحديثه مع باقي الرسل ( يو20 : 27 ). ومعرفته بموت لعازر ( يو11 : 11 ) . ومعرفته بما حدث لنثنائيل تحت التينة ( يو1 : 47 ـ 50 ) . ومعرفته بماضي السامرية ( يو4 : 18 ) .
6سنترك معرفة الغيب هنا جانباً ونتكلم عن قراءته للأفكار .
1 ـ يقول الكتاب " فإن فاحص القلوب والكلي الله البار " ( مز7 : 9 ) . ويقول السيد المسيح " فستعرف الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب " ( رؤ2 : 23 ) أليس هذا اعترافاً صريحاً بأنه هو الله . فليكن المسيح هو الله ، وليكن الله صادقاً .
2 ـ يقول الكتاب صراحة عن الله " أنت وحدك قد عرفت قلوب كل بني البشر " ( 1مل8 : 39 ) . وقد ثبت أن المسيح قد قرأ الأفكار وعرف خبايا القلوب والنفوس . فهل الكتاب يتناقص مع ذاته أم أن الله والمسيح واحد ؟ . وبهذا يعرف المسيح قلوب البشر . فليكن المسيح هو الله ، وليكن الله صادقاً .
المسيح هو المخلص والفادي
يشمل هذا البحث أربع نقاط رئيسية هي :
أ ـ الله هو الفادي والمخلص . هو وحده الذي يفدي البشرية ويخلصها .
ب ـ الأساس اللاهوتي لهذه النقطة .
ج ـ المسيح هو وحده الفادي والمخلص .
د ـ استنتاج لاهوت السيد المسيح .
يشهد الكتاب المقدس بهذا الأمر شهادة صريحة فيقول سفر المزامير " الأخ لن يفدي الإنسان فداء ، ولا يعطي الله كفارة عنه ... إنما الله يفدي نفسي من الهاوية " ( مز49 : 7 ، 15 ) . ويكرر داود النبي نفس المعني فيقول " باركي يا نفسى الرب . وكل ما في باطني فليبارك اسمه القدوس ... الذي يغفر جميع ذنوبك ، الذي يفدي من الحفرة حياتك " ( مز103 : 1 ـ 4 ) . ويؤكد سفر اشعياء هذا الأمر في أكثر من شهادة فيقول " هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفادية رب الجنود : أنا الأول وأنا الآخر ، ولا إله غيري " ( اش44 : 6 ) . إذن الفادي هو هذا الإله الواحد هو رب الجنود وهو الأول والأخر.
ويكرر أشعياء النبي نفس الصفات فيقول " فادينا رب الجنود اسمه قدوس إسرائيل " ( أش47 : 4 ) . ويقول الله " أنا الرب إلهك الممسك بيمنك ... وفاديك قدوس إسرائيل ( اش41 : 13 ، 14 ) .
وتنسب السيدة العذراء الخلاص لله فتقول " تعظم نفسي الرب . وتبتهج روحي بالله مخلصي " ( لو1 : 46 ) . ويقول القديس بولس الرسول " مخلصنا الله " ( تي2 : 10 ) وأيضاً حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه ... " ( تى3 : 4 ) . ويختم القديس يهوذا رسالته بنفس الشهادة فيقول " والقادر أن يحفظكم غير عاثرين ، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب ... الإله الحكيم الوحيد مخلصنا له المجد والعظمة ... " ( يه24 ، 25 ) .
وهذا الخلاص منسوب لله وحده :
إنه تقرير صريح من الله يقول فيه " إلهاً سواي لست تعرف ، ولا مخلص غيري ( هو13 : 4 ) . ويقول أيضاً " أليس أنا الرب ولا إله غيري ، إله بار ومخلص وليس سواي " ( أش45 : 21 ) . " أنا الرب مخلصك وفاديك عزيز يعقوب " ( أش49 : 26 ) ( أش60 : 16 ) .
الأساس اللاهوتي
لنبحث ما هو الأساس لموضوع الخلاص والفداء هذا :
أ ـ الخطية التي وقع فيها الإنسان الأول ، ويقع فيها كل إنسان ، هي خطية ضد الله .
لأنها عصيان لله ، وعدم محبة لله ، وعدم احترام له ، بل هي ثورة على ملكوته وهي مقاومة لعمل لاهوته وروحه القدوس . بل هي عدم إيمان أيضاً ... لهذا يقول داود النبى لله في المزمور الخمسين " لك وحدك أخطأت . والشر قدامك صنعت " ولهذا احتشم يوسف الصديق من فعل الخطية وقال " كيف أفعل هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله " ( تك39 : 9 ) .
ب ـ وقد أخطأ كل البشر " زاغوا معاً وفسدوا . ليس من يعمل صلاحاً ، ليس ولا واحد " ( مز14 : 3 ) . واجرة الخطية موت ( رو6 : 23 ) " وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع " ( رو5 : 12 ) .
ج ـ ومادامت الخطية موجهة إلى الله أصلاً ، والله غير محدود ، تكون إذن غير محدودة .
وإذا كفر عنها لابد من كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا ، لجميع الناس ، في جميع الأجيال وإلى آخر الدهور .
د ـ ولكن لا يوجد غير محدود إلا الله وحده .
لذلك كان لابد أن نفسه يتجسد ، ويصير إبناً للإنسان ، حتى يمكن أن ينوب عن الإنسان ، ويقوم بعمل الكفارة لخطايا العالم كله " ( 1يو2 : 2 ) .
هـ ـ وهذه المهمة قام بها السيد المسيح ليخلص العالم كله .
ولو لم يكن هو الله ، ما كانت تصلح كفارته إطلاقاً ، لأنها استمدت عدم محدوديتها لكونه إلهاً غير محدود ، قال عنه الرسول إنه " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( 1كو2 : 9 ) .
قال عنه الملاك في البشارة إنه يدعي يسوع " لأنه يخلص شعبه من خطاياهم " ( متى1 : 21 ) . ولم يقتصر خلاصه على شعبه ، بل قال " لم آت لأدين العالم ، بل لأخلص العالم " ( يو12 : 47 ) . بل قيل إنه " هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم " ( يو4 : 42 ) . وقد قال عن نفسه إنه " جاء لكي يخلص ما قد هلك " ( متى18 : 11 ) ( لو19 : 10 ) ... والعالم كله تحت حكم الهلاك .
ويخلص شعبه من خطاياهم ( متى1 : 21 ) . وكما قال بولس الرسول " إن المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلص الخطاة الذين أولهم أنا " ( 1تى1 : 15 ) . وقال " بذل نفسه لأجلنا يفدينا من كل إثم " ( تى2 : 14 ) . وقال أيضاً " المسيح افتدانا من لعنه الناموس " ( غل2 : 13 ) .
والمسيح قدم خلاصاً تاماً أبدياً
قال عنه الرسول إنه كرئيس كهنة " يقدر أن يخلص أيضاً إلى التمام " ( عب7 : 25 ) . وقال إنه " صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدي " ( عب5 : 9 ) . ولهذا يعجب الرسول قائلاً " فكيف تنجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره ؟! " ( عب2 : 3 ) . والخلاصة أن المسيح جاء فادياً ، ومخلصاً وكفارة ، يخلص العالم كله من خطاياهم ، ويفديهم من كل إثم ، ومن لعنة الناموس ، خلاصاً أبدياً ، إلى التمام ...
وفي هذا قال القديس بطرس الرسول " ليس بأحد غيره الخلاص " ( أع4 : 12 ) .
1 ـ خلاص العالم من الخطايا يحتاج كما قلنا إلى كفارة غير محدودة لفدائه . وليس غير محدود إلا الله وحده . ولما كان السيد المسيح قد قام بهذا الفداء . وأكمله إلى التمام ، وافتدي جميع الناس من كل إثم ، مخلصاً إياهم خلاصاً أبدياً من لعنة الناموس ... إذن فالمسيح غير محدود ، وإذن هو الله . إن عملية الفداء إثبات رائع يؤكد لاهوت المسيح ، لأنه إن لم يكن كذلك ، ما اعتبر الفداء فداء ، وما كان يمكنه أن يخلص العالم كله من جميع الخطايا ...
2 ـ يقول الله " إلهاً سواي لست تعرف ، ولا مخلص غيري " ( هو13 : 4 ) . ويقول " لا إله غيري ، إله بار ومخلص ليس سواي " ( اش45 : 21 ) . ووسط كل هذا ، يثبت أن هناك مخلصاً هو المسيح يسوع ، وأنه المخلص الوحيد ، وليس بأحد غيره الخلاص " ( أع4 : 12 ) . فكيف يمكن التوفيق بين كل هذا ؟ هل الله كاذب؟! أم الكتاب كاذب ؟! حاشا . بل ليكن الله صادقاً . ولا يمكن أن يكون هكذا ، إلا إذا كان الله هو المسيح . بحيث حينما نقول إن الله هو المخلص ، إنما نعنى نفس الوقت أن المسيح هو المخلص .
3 ـ إن كان المسيح ليس هو الله ، وقد بذل نفسه عن جميع الناس حباً لهم ، فهل المسيح أكثر حباً للناس من الله ؟! وهل يوجد كائن آخر يفوق الله في حبه للبشر . ولا شهود يهوه يستطيعون أن يقولوا شيئاً من هذا ...
4 ـ وإن كان المسيح غير الله ، وقد قام بالفداء مرغماً كمجرد طاعة لأمر ، فإن هذا يفقد عملية الفداء أكبر ركن فيها . ويتعارض أيضاً مع قول السيد المسيح " ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " ( يو15 : 13 ) . كما أن ذلك يتنافي مع قول الكتاب المقدس " إن المسيح بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم " ( تى2 : 14 ) .
5 ـ وإن كان المسيح غير الله ، وقد كلفه الله بهذا حباً من الله للعالم كما تقول الآية " هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ... " ( يو3 : 16 ) . فهل معنى هذا أن الله أحب الناس على حساب غيره ؟! كلا . إن هذه الآية لا يمكن أن يستقيم فهمها إلا إذا كان الله والمسيح واحداً ، كما قال السيد المسيح " أنا والآب واحد " ( يو10 : 30 ) . وبهذا يفهم أن الله فدي الناس بنفسه . وبهذا يتحقق قول الكتاب " الأخ لن يصدق قول بولس الرسول " قد ألقينا رجاءنا على الله الحى ، الذي هو مخلص جميع الناس " ( 1تى4 : 10 ) .
6 ـ إذا كان المسيح غير الله ، الحق للناس أن يعبدوه دون الله ، فهو الذي خلقهم من العدم حسب قول الكتاب " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو1 : 3 ، 10 ) ... وشهود يهوه يعترفون بأنه الخالق . كذلك هو الذي اشتراهم بدمه الكريم وطهرهم لنفسه شعباً خاصاً ( 1بط1 : 8 ) ( تى2 : 14 ) . ومن الذي يستطيع أن يلوم قوماً يعبدون خالقهم وفاديهم ؟!
7 ـ إننا نتمسك بأن المسيح هو الله ، ليس فقط لأن هذا هو الدليل الأساسي على إتمام عملية الفداء ، وإنما أيضاً إثبات لقول الله " من يد الهاوية أفديهم . ومن الموت أخلصهم " ( هو13 : 14 ) . لقد نسب الله لنفسه هذا العمل الذي قام به : فليكن الله صادقاً قول المسيح " أنا والآب واحد " ( يو10 : 30 ) .
الفصل الثالث
آيات صريحة تدل على لاهوته
آيات صريحة
1 ـ ( رو9 : 5 ) قال القديس بولس الرسول في حديثه عن اليهود " ومنهم المسيح حسب الجسد ، الكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد آمين . وعبارة ( الكائن على الكل ) تعطي قوة للاهوته ، فهو ليس إلهاً معين مثل آلهة الوثنيين . وعبارة ( إلى الأبد ) تعنى استمرارية عبادته . ولاهوته إلى غير نهاية .
2 ـ ( يو20 : 28 ) قول توما للسيد المسيح " ربي وإلهي " . وقد قبل السيد المسيح هذا اللقب . ووبخه على أنه آمن بعد أن رأي وكان يحب أن يكون إيمانه دون أن يري .
3 ـ ( يو1 : 1 ) " في البدء كان الكلمة ( اللوجوس ) .. والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ومع أن شهود يهوه يقولون في هرطقتهم " وكان الكلمة إلهاً " ... إلا أنهم لا ينكرون لاهوت المسيح ، بل ويرون أنه إله ، وإله قدير ، ولكن ليس هو الله ، بل هو الثاني بعد يهوه مباشرة . ولكي لا ندخل معهم في معركة ترجمات ، مجرد كونه إلهاً توصل إلى أنه الله ، حيث لا يوجد سوي إله واحد . وسنشرح هذه النقطة بالتفصيل إن شاء الله .
4 ـ ( متى1 : 23 ) وأشار الملاك إلى نبوءة اشعياء " هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا " ( أش7 : 14 ) . وكون المسيح هو الله معنا ، اعتراف صريح بلاهوته . ولذلك فإن اشعياء النبي يوضح هذا المعني في الإصحاح التاسع بقوله :
5 ـ ( أش9 : 6 ) " لأنه يولد لنا ولد ، ونعطي ابناً . وتكون الرياسة على كتفه . ويدعي اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام " . ولعل عبارة " إلهاً قديراً " في هذا الآية الصريحة هي التي جعلت شهود يهوه يقولون إن المسيح إله قدير ( ومع ذلك فهو ليس الله في نظرهم !! ) . والعجيب إن هذه الآيات وردت في سفر اشعياء النبي الذي تكررت فيه مرات عديدة عبارة أنا الله وليس غيري . ليس غيري إله . لا إله سواي ( اش45 : 5 ، 6 ، 21 ، 22 ) ...
6 ـ ( عب1 : 7 ، 8 ) وفي شرح القديس بولس الرسول كيف أن السيد المسيح أعظم من الملائكة ، قال " عن الملائكة يقول : الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه لهيب نار . وأما عن الابن : كرسيك ( عرشك ) يا الله إلى دهر الدهور .. " وقد اقتبس بولس هذه الآية من ( مز45 : 6 ) والحديث فيها عن لاهوت المسيح واضح .
7 ـ ( 1تى3 : 16 ) " عظيم هو سر التقوي الله ظهر في الجسد ، تبرر في الروح ، تراءى لملائكة ، كرز به بين الأمم ، أومن به في العالم ، رفع في المجد " . وواضح من هذه الآية أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد . ولكن بدعة شهود يهوه تقدم ترجمة أخرى تقول فيها " عظيم هو سر التقوى الذي ظهر في الجسد " ! ولكن باقي الآية لا تحمل هذه الترجمة . إذ كيف أمكن أن سر التقوى يتراءى لملائكة ؟! أو كيف رفع في المجد ؟! ... أليس هو الذي رأته الملائكة ، وصعد إلى السماء في مجد ، كما كرز به بين الأمم ، وآمنوا به في العالم ... ومع ذلك فإن الحقائق اللاهوتية لا تتوقف على آية واحدة . فإن ( 1تى3 : 16 ) تشبهها إلى حد آيه أخرى هي :
8 ـ ( كو2 : 7 ، 8 ) حيث يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح " فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " . ويزيد هذه الآية قوة عبارة " كل ملء اللاهوت " . فإن كان المسيح فيه كل ملء اللاهوت ، إذن لا ينقصه شئ وهو الله ، وليس إله غيره ، لأن خارج كل الملء لا يوجد شئ . وعبارة جسدياً تعنى أن هذا اللاهوت أخذ جسداً ، أو ظهر في الجسد ، كما توضح الآية السابقة ( 1تى3 : 16 ) . ويوضحها أيضاً قول الرسول لما حدث أنه " من ميليتس أرسل إلى أفسس واستدعي كهنة الكنيسة " ( أع20 : 17 ) . وقال لهم :
9 ـ ( أع20 : 28 ) " احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " . والمعروف أن الله روح ( يو4 : 24 ) . والروح ليس له دم . والله لا يقتني الكنيسة بدمه . إلا إذا أخذ جسداً ، وبذل دمه عنها . وهنا نصل إلى نفس المعني ( الله ظهر في الجسد " . أوردنا آيات عديدية يذكر فيها أن المسيح هو الله ، أو هو إله ، وبقي لنستكمل المعنى أن نذكر الحقيقة الثانية وهي :
1 ـ هذا واضح من الوصية الأولي من الوصايا العشر " لا تكن لك آلهة أخرى أمامي " ( خر20 : 3 ) ( تث5 : 7 ) .
2 ـ وأيضاً من آيات أخرى في سفر التثنية مثل " الرب هو الإله . ليس آخر سواه " ( تث4 : 35 ) و " اسمع يا إسرائيل : الرب عديدة جداً في سفر اشعياء النبي نذكر من بينها كمثال : ( اش43 : 10 ، 11 ) " أنا هو . قبلي لم يصور إله ، وبعدي لا يكون . أنا أنا الرب ، وليس غيري مخلص " ( وهذا الإصحاح هو الذي منه أخذ شهود يهوه اسمهم ، من عبارة " أنتم شهودي يقول الرب " ( اش43 : 10 ، 12 ) ، ( اش44 : 6 ) " أنا الأول وأنا الآخر . ولا إله غيري " .
( اش45 : 5 ، 6 ) " أنا الرب وليس آخر إله سواي ... أنا الرب وليس آخر " ( اش45 : 21 ، 22 ) " أليس أنا الرب ولا إله آخر غيري ، ... ليس سواي ... أنا الله وليس آخر " . ( اش46 : 9 ) " لأني أنا الله ، وليس آخر . الإله وليس مثلي " ...
4 ـ شهادة أخري عن وحدانية الله من سفر هوشع النبي :
( هو13 : 4 ) " أنا الرب إلهك .. سواي لست تعرف " .
هذه أمثلة من شهادات عن وحدانية الله في العهد القديم ، ونجد في العهد الجديد نفس الشهادة . ومن أمثلتها :
( رو3 : 30 ) " لأن الله واحد هو " .
( رو3 : 20 ) " ولكن الله واحد " . ( يع2 : 19 ) " أنت تؤمن أن الله واحد . حسناً تفعل . والشياطين يؤمنون ويقشعرون " . أي أنه حتى الشياطين ـ مهما نزل مستواهم ـ يعرفون تماماً أن الله واحد ويقشعرون من دينونته . ويعوزنا الوقت إن أوردنا كل الآيات التي تدل على وجود إله واحد لا غير . لذلك نسجل الحقيقة الآتية :
إن وجدت في الكتاب عبارة آلهة ، فإنها لا تعني الألوهية أطلاقاً :
أحياناً يكون المقصود منها آلهة الوثنيين ، كما قيل في المزمور " الرب عظيم هو ومسبح جداً . مرهوب على كل الآلهة . لأن كل الآلهة . لأن كل آلهة الأمم شياطين ( أصنام ) ( مز95 : 54 ، 5 ) . قوله في المزمور التالي " اسجدوا له ( الله ) يا جميع الآلهة " ( مز97 : 7 ) وطبيعي أن التي تسجد لغيرها . لا تكون آلهة بالحقيقة . ومن الأمثلة الأخرى قول الوحي في ( المزمور 82 : 6 ، 7 ) " أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم . ولكنكم مثل البشر تموتون ، وكأحد الرؤساء تسقطون " . وطبيعي أن الذي يموت ويسقط لا يكون إلهاً . إنما هو تعبير رمزي يدل على القوة والسيادة ، مثلما خاف بعض أعداء اليهود عند عودته تابوت الرب وقالوا " من ينقذنا من يد هؤلاء الآلهة القادرين ؟ هؤلاء هم الآلهة الذين ضربوا مصر بجميع الضربات " ( 1صم4 : 8 ) . وصفوا كل الشعب بأنهم آلهة . وهذا تعبير رمزي أو مجازى .
7إذا كان لا يوجد سوي إله واحد بشهادة الكتاب المقدس بعهديه . والسيد المسيح إله بشهادة نفس الكتاب بعهديه ، إذن فالمسيح هو الإله الواحد . الله يقول في سفر اشعياء " لا إله غيري " وفي نفس السفر يقول الوحي عن المسيح إنه إله قدير . فماذا يعني هذا ، سوي أن الاثنين واحد .
الفصل الرابع
شهادة سلطانة المطلق ومعجزاته
تحدثنا عن صفات المسيح اللاهوتية ، التي تثبت لاهوته ، والتي هي من صفات الله وحده ، من حيث هو فوق الزمن ، في أزليته ، وأبديته ، ومن حيث وجوده في كل مكان ، ومن حيث بنوته للآب ... ننتقل إلى فصل آخر له تفاصيل كثيرة . وهو إثبات لاهوت المسيح من جهة سلطانه المطلق في نواح متعددة ... فنتحدث عن سلطان على الخليقة : سلطانه على الطبيعة وعلى الحياة والموت ، وسلطانه على الملائكة ، وعلى الشياطين . كذلك سلطانه على الشريعة ، وعلى الملكوت ، يضاف إلى هذا سلطانه على نفسه .
كان للسيد المسيح سلطان على الطبيعة من كل ناحية : سلطان على البحر وعلى الرياح والأمواج ، وسلطان على النبات والحيوان ، وسلطان على النور ، وعلى الأرض والصخور ، وسلطان على الأبواب المغلقة ، وسلطان على قوانين الطبيعة . وكان يأمر فيطاع ، كصاحب سلطان ، يدل على لاهوته . وسنشرح كل هذا بالتفاصيل فيما يلي :
1 ـ سلطانه على البحر والرياح والأمواج :
أ ـ يقول مارمرقس الإنجيلي " حدث نوء عظيم ، فكانت الأمواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلئ " فلما خاف التلاميذ ، ماذا فعل الرب ؟ " قام وانتهر الريح وقال للبحر : اسكت ابكم . فسكت الريح وصار هدوء عظيم " ( مر4 : 37 ، 39 ) . وكان تأثير ذلك على الركاب أنهم قالوا " من هو هذا ؟! فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه " ( مر4 : 41 ) . حقاً من له سلطان على البحر والرياح والأمواج ، يأمرها وينتهرها فتطيع إلا يذكرنا هذا بقول المزمور " أيها الرب إله الجنود ، من مثلك قوي ؟ ... أنت متسلط على كبرياء البحر ، عند ارتفاع لججة ، أنت تسكنها " ( مز89 : 8 ، 9 ) .
ب ـ من سلطته أيضاً على البحر ، قول يوحنا الإنجيلي أيضاً " وكان الظلام قد أقبل . ولم يكن يسوع قد أتى إليهم . وهاج البحر من ريح شديدة تهب . فلما كانوا قد جدفوا نحو خمس وعشرين غلوة أو ثلاثين ، نظروا يسوع ماشياً على البحر ، مقترباً إلى السفينة فخافوا " ( يو6 : 17 ـ 19 ) . ويقول القديس مرقس عن هذه المعجزة " ولما صار المساء كانت السفينة في وسط البحر وهو على البر وحده. ورآهم معذبين في الجذف ، لأن الريح كانت ضدهم وفي الهزيع الرابع أتاهم ماشياً على البحر ... فصرخوا فصعد إليهم إليك إلى السفينة ، فسكنت الريح . فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية " ( مر6 : 47 ـ 51 ) .
ج ـ والسيد المسيح لم يكتف فقط بالمشي على الماء ، إنما جعل القديس بطرس الرسول أن يمشي أيضاً معه على الماء . ولما خاف وبدأ يسقط ، أقامه من البحر . قال له بطرس يا سيد إن كنت أنت هو ، فمرني أن آتى إليك على الماء ، فقال تعال . فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ... ولكن لما رأي الريح شديدة خاف . ولما ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يارب نجني . ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به ... ولما دخلا السفينة سكنت الريح " ( متى14 : 25 ـ 32 ) .
كل هذا طبعاً بسلطانه ، بقواته الخاصة ، قوة لاهوته ... أين هنا الحديث في الطبيعة عن قوانين الجاذبية ؟ أليست هذه القوانين أيضاً من صنعه ؟ لأن " كل شئ به كان " ( يو1 : 3 ) ...
2 ـ كذلك لا ننسي ما حدث للطبيعة أثناء صلبه ، من حيث زلزلة الأرض ، وتشقق الصخور ، وشق حجاب الهيكل ( متى27 : 51 ) . وكيف حدثت ظلمة على الأرض كلها من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة ( مر15 : 33 ) ، ( لو23 : 44 ، 45 ) .
3 ـ كما ظهر سلطانه أيضاً في معجزات صيد السمك الكثير ، عند دعوة بطرس ( لو5 : 4 ـ 7 ) وبعد القيامة ( يو21 : 5 ـ 11 ) . ويفهم من هذا سلطانه على الحيوان أيضاً . يعرف أين يوجد السمك ، وكيف يجمعه في مكان واحد لتلقطه الشباك .
4 ـ ومن سلطان المسيح على الطبيعة ، أنه لعن التينة فيبست في الحال ( متى21 : 19 ) . وهنا تبدو سلطته على النبات .
5 ـ وسلطته على الطبيعة تبدو أيضاً في شفائه للأمراض وبخاصة التي لا شفاء منها ، بمجردج أمره أو لمسه أو مشيئته ، كما شفي المرضي بالبرص ، والعمي والخرس والبكم والصم ، وكما أقام الأعرج والمفلوج ...
6 ـ ومن سلطانه على الطبيعة أيضاً :
صعوده إلى السماء ، ليس فقط في ( أع1 : 9 ) ، ( مر16 : 19 ) . وإنما أيضاً في ( يو3 : 13 ) .
7 ـ ومن سلطان المسيح أيضاً على الطبيعة ، دخوله على التلاميذ بعد القيامة والأبواب مغلقة ( يو20 : 19 ) . وكذلك في قيامته ، خروجه من القبر وهو مغلق وعليه حجر عظيم ... كل هذا بسلطانه وبقوة لاهوته ...
1 ـ في الاصحاحين الأول والثاني من الرسالة إلى العبرانيين يشرح القديس بولس الرسول كيف أن السيد المسيح أعظم من الملائكة ( عب1 : 4 ) . بأدلة تثبت لاهوته من حيث هو الابن ، وعن يمين العظمة في الأعالي ، وقد قيل عنه كرسيك يا الله إلى دهر الدهور ، وكل شئ قد وضع تحت قدميه ...
2 ـ وبعد التجربة على الجبل قيل " وصارت الملائكة تخدمه " ( مر1 : 13 ) " وإذ ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه " ( متى4 : 11 ) .
3 ـ وقد قيل في خضوع الملائكة له " ... يسوع المسيح الذي هو في يمين الله . إذ قد مضي إلى السماء ، وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له " ( 1بط3 : 21 ، 22 ) . فمن هو هذا الذي تخدمه الملائكة ، وتخضع له ملائكة وسلاطين وقوات ، إلا أن يكون هو الله وحده ؟!
4 ـ وقيل عنه " لتسجد له كل ملائكة الله " ( عب1 : 6 ) . كما قيل عنه في موضع آخر أنه تجثو باسمه كل ركبة مما في السماء ... ( فى2 : 10 ) . ولا يمكن أن الملائكة تسجد وتجثو إلا لله وحده .
وقيل في سفر الرؤيا حيوانات ، والأربعة والعشرين كاهناً سجدوا له وهم يترنمون " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه " ( رؤ5 : 8 ) .
5 ـ وقد قيل في أكثر من موضع أن الملائكة هم ملائكته وهو يرسلهم .
أ ـ ففي ( متى13 : 41 ، 42 ) " يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم ويطرحونهم في أتون النار " من ذا الذي له سلطان أن يرسل الملائكة في الدينونة إلا الله وحده ؟
ب ـ وفي ( متى24 : 30 ، 31 ) " ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير . فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت ، فيجمعون مختار يه من الأربع رياح ، من أقاصي السموات إلى إقصائها " .
ونلاحظ هنا أن الملائكة هم ملائكته ، والملكوت هو ملكوته ، والمختارين هم مختاره . وهذا لا يمكن أن ينطبق على إنسان ولا على مخلوق أياً كان ...
6 ـ هذا التعبير خاص بالله وحده . فالملائكة هم ملائكة الله .
فالمزمور يقول " باركوا الرب يا ملائكته " ( مز103 : 20 ) . ويقول أيضاً الصانع ملائكته أرواحاً وخدامه ناراً تلتهب " ( مز104 : 4 ) ( عب1 : 7 ) . وقيل أيضاً " يوصي ملائكته بك فعلي أيديهم يحملونك " ( مز91 : 11 ) ( متى4 : 6 ) .. وقال السيد المسيح نفسه " من يغلب سيلبس ثياباً بيضاً وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام ملائكته " ( رؤ3 : 5 ) . والله هو الذي يرسل ملائكته فيقول دانيال النبي " ألهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود " ( دا6 : 22 ) .
فكيف تكون الملائكة ملائكة الله ، وملائكة المسيح في نفس الوقت ،
إلا لو كان الاثنان واحداً ، وعندنا شاهد جميل في آخر سفر الرؤيا يقول " والرب إله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون " ( رؤ22 : 6 ) . وفي نفس الإصحاح " أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور " ( رؤ22 : 16 ) قارن أيضاً مع ( رؤ1 : 1 ) .
1 ـ الملكوت هو ملكوت الله :
ونحن نصلي في الربية قائلين للآب السماوي " ليأت ملكوتك " ( متى6 : 10 ) . ويقول الرسول " .. الله الذي دعاكم إلى ملكوته ومجده " ( 1تس2 : 12 ) انظر أيضاً ( يع2 : 5 ) وقول ربنا يسوع المسيح " .. ملكوت أبي " ( متى26 : 29 ) . أنظر أيضاً ( متى13 : 43 ) . وعبارة ( ملكوت الله ) في مواضع عديدة منها ( لو13 : 18 ، 20 ، 28 ، 29 ) .
2 ـ مع ذلك فالسيد المسيح يعلن أنه صاحب الملكوت .
فيقول " الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذقون الموت يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " ( متى16 : 28 ) . هذا عن انتشار ملكوته على الأرض . ويقول الرب نفسه " هكذا في إنقضاء اعالم : يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته ، جميع المعاثر وفاعلي الإثم ، ويطرحونهم في أتون النار " ( متى13 : 41 ، 42 ) .
3 ـ أما عن ملكوته السماوي ، فيقول عنه الرسول " أناشدكم إذن أمام الله والرب يسوع المسيح ، العتيد أن يدين الأحياء والأموات عند ظهوره وملكوته " ( 2تى4 : 1 ) . وعن هذا الملكوت السماوي ، قال اللص اليمين " اذكرني يارب متى جئت في ملكوتك " ( لو23 : 43 ) .
4 ـ ولعله عن هذا الملكوت قال دانيال النبي " عن السيد المسيح " سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول ، وملكوته لا ينقرض " ( دا7 : 14 ) . وكانت هذه الألفاظ لا تطلق إلا على الله الحي إلى الأبد ، إله العلي الحي القيوم ( دا4 : 3 ، 34 ) ( دا6 : 26 ) .
إذن فالملكوت هو ملكوت الآب ، وهو ملكوت المسيح ، ماذا نستنتج إذن : هل استطاع بشري أن يتكلم عن ملكوته ، ملكوت روحي في الأرض ، وملكوت أبدي في السماء ، ما لن يزول ، وما لن ينقرض ، فيه الملائكة ملائكته ، وفيه المختارون مختار وه " ( متى24 : 31 ) .
1 ـ كان الشياطين يخافون الرب ويصرخون عند لقائه ، خائفين من أن يهلكهما أو يعذبهم .
أ ـ ومن أمثلة ذلك الإنسان الذي كان عليه روح نجس في مجمع كفر ناحوم هذا الروح صرخ قائلاً " آه ، ما لنا ولك يا يسوع الناصري . أتيت لتهلكنا . أنا أعرفك من أنت قدوس الله " ( مر1 : 22 ، 24 ) . وانظر أيضاً ( مر3 : 11 ) .
ب ـ كذلك مع الإنسان الذي كان اسمه لجيئون ، لأن فيه شياطين كثيرة وبسبب عنفه كان مربوطاً بسلاسل وقيود . هذا لما رأي خر له وصرخ بصوت عظيم مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي . أطلب أن تعذبني " ( لو8 : 28 ) .
ج ـ وهكذا أيضاً مع المجنونين الهائجين من القبور في كورة الجرجسيين " حتى لم يكن أحد يقدر أن يجتاز من تلك الطريق " هذان لما أبصرا السيد " صرخا قائلين : ما لنا ولك يا يسوع ابن الله . أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا " ( متى8 : 29 ) . فسمح الرب أن الشياطين التي في هذين المجنونين تخرج منها وتمضي إلى قطيع الخنازير ...
2 ـ وكان السيد ينتهر الشياطين بالأمر فيخرجون :
ففي كفر ناحوم ، انتهر الروح النجس قائلاً " اخرس واخرج منه " ( مر1 : 25 ) . مع لجيئون " أمر الروح النجس أن يخرج من الإنسان " ( لو8 : 29 ، 31 ) . وفي إخراج الروح الأخرس ، انتهره قائلاً " أيها الروح الأخرس الأصم ، أنا آمرك أخرج منه ولا تدخله أيضاً " ( مر9 : 29 ) . كذلك في حالة الصبي الذي كان يمزقه الشيطان ويصرعه " انتهر الروح النجس ، وشفي الصبي وسلمه إلى أبيه " ( لو9 : 42 ، 43 ) . وفي كل تلك الحالات كانت الأرواح النجسة أي الشياطين تطيع أمره وتخرج في الحال . هذا السلطان لا يمكن أن يكون لإنسان .
3 ـ وليس فقط بأمر المسيح كانت تخرج الشياطين ، إنما أيضاً باسمه :
مثلما قال له الرسل " يارب ، حتي الشياطين تخضع لنا باسمك " ( لو10 : 17 ) . ذلك لأنه كان قد أعطاهم سلطاناً على قوة العدو ( لو10 : 11 ) . وهذا هو الفرق بين الرب والبشر في إخراج الشياطين : هو يخرجهم بأمره ، وهم لا يخرجون بأمرهم ، إنما بسلطانه هو . وفي هذا قال عن المؤمنين به " وهذه الآيات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي " ( مر16 : 17 ) . ولعل من أجمل الأمثلة على ذلك : قصة الجارية التي كان عليها روح عرافة ، وكانت تتبع بولس الرسول . يقول سفر أعمال الرسل أن القديس بولس " التفت إلى الروح وقال : أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها فخرج في تلك الساعة " ( أع16 : 18 ) .
4 ـ ونلاحظ هنا أن إخراج الشياطين كانت تأتي تحت أسماء ثلاثة :
إما أنهم شياطين صراحة ، أو أرواح نجسه ، أو مجانين . كما يتضح من الأمثلة السابقة ... وأيضاً قارن ( لو10 : 17 ، 20 ) ، ( مر7 : 25 ، 26 ، 29 ) ، ( لو8 : 29 ، 30 ) ، ( لو9 : 42 ) ، ( لو10 : 17 ، 20 ) ، ( متى10 : 1 ، 8 ) .
1 ـ الشريعة هي شريعة الله . والوصايا هي وصايا الله .
وقد منح الله الشريعة منذ البدء . وهو الذي سلمها مكتوبة لموسي النبي ( خر20 ) .
2 ـ ولكن السيد المسيح وضع لنا شريعة العهد الجديد .
في العظة على الجبل ، وفي قوله لتلاميذه " وصيه جديدة أنا أعطيكم ..." ( يو13 : 34 ) وفي كل التعاليم الروحية التي تركها ، وقيل إنه فيها " كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتيبة " ( متى7 : 28 ) .
3 ـ كذلك كان له موقف من شريعة العهد القديم .
يتضح في عبارته العجيبة القوية التي تكررت مراراً في العظة على الجبل " سمعتم إنه قيل للقدماء ... أما أنا فأقول لكم ... " ( متى5 : 22 ، 27 ، 32 ، 34 ، 39 ، 44 ) . ليس لأحد مطلقاً سلطان كهذا على شريعة الله ، إلا الله وحده .
4 ـ وهكذا نري أن السيد المسيح كان له سلطان في التشريع بخصوص السبت أنه يحل فيه عمل الخير . وبخصوص العشور إنها أقل الأشياء ، أمامها وصية " من سألك فأعطه " ( متى5 : 42 ) . وكان له سلطان في التشريع بخصوص الزوجة الواحدة ، والطلاق ( متى5 : 32 ) . ويعوزنا الوقت إن تحدثنا عن باقي الشرائع في المسيحية ، وما شرعه المسيح في مجال الكمال ...
5 ـ ولعل من أقوي العبارات في سلطة المسيح على الشريعة ، قوله من جهة شريعة السبت " ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( متى12 : 8 ) ، ( مر2 : 28 ) ( لو6 : 5 ) . إن كان هو رب السبت هو يوم الرب ، إذن فهو الله .
6 ـ لو يجرؤ إنسان مطلقاً أن يتكلم هكذا عن الشريعة " أما أنا فأقول لكم " .. بل كان موسي والأنبياء يستخدمون عبارة " يقول الرب " ... ولا يمكن أن يتحدث المسيح بهذا السلطان " أما أنا فأقول لكم " إلا لو كان هو الله ...
1 ـ تحدث السيد عن علاقته بالحياة ، فذكر أنه هو نفسه الحياة .
قال " أنا هو القيامة والحياة " من آمن بي ولو مات فسيحيا . ومن كان حياً وآمن بي ، لن يموت إلى الأبد " ( لو11 : 25 ، 26 ) . وقال أيضاً أنا هو الطريق والحق والحياة " ( يو14 : 6 ) . فهل يستطيع بشري أ يقول " أنا الحياة والقيامة والحق " ؟ !
2 ـ وعن سلطانه على الموت ، قال عنه الرسول " مخلصنا يسوع المسيح الذي ابطل الموت ، وأنار الحياة والخلود " ( 2تي1 : 10 ) . والرب نفسه شهد عن نفسه في سفر الرؤيا قائلاً " ولي مفاتيح الهاوية والموت " ( رؤ1 : 18 ) . ويقول " إن كان أحد يحفظ كلامي ـ فلن يري الموت إلى الأبد " ( يو8 : 51 ) .
3 ـ من هذا الذي له سلطان على الموت وعلى الحياة ، إلا الله نفسه ، لأن كل البشر كانوا جميعهم تحت حكم الموت . وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس ، إذ أخطأ الجميع " ( رو5 : 12 ) . أما المسيح فهو الذي أبطل الموت ...
4 ـ إن سلطان الموت والحياة في يد اله وحده . فهو الذي قال في سفر التثنية " أنا أنا هو ، وليس إله معي . أنا أميت وأحيي " ( تث32 : 39 ) . وهو الذي قيل عنه في سفر صموئيل النبي " الرب يميت ويحي ، يهبط إلى الهاوية ويصعد " ( 1صم2 : 6 ) فإن كان هذا السلطان في يد المسيح كما قال ( يو5 : 21 ) إذن فهو الله .
1 ـ يوجد إنسان له سلطان على نفسه ، على روحه ، فالرب هو " إله أرواح جميع البشر " ( عب27 : 16 ) .
وهو الذي قال " ها كل الأنفس هي لي " ( حز18 : 14 ) .
وقال عنه بولس الرسول إنه أبو الأرواح ، فقال " أفلا نخضع بالأولي لأبي الأرواح فنحيا " ( عب12 : 9 ) .
2 ـ ومع ذلك فإن السيد المسيح يقول " .. أضع نفسي لآخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي ، لي سلطان أن أضعها ، ولي سلطان أن آخذها أيضاً " ( يو10 : 17 ، 18 ) .
هل يجرؤ إنسان أن يدعي هذا السلطان ؟ إن السيد المسيح هو وحده الذي قال هذه العبارة لأنه هو الله.
3 ـ وظهر سلطانه هذا في القيامة ، حينما قام بنفسه ، ولم يقيمه أحد ، كما حدث بالنسبة إلى كل الذين قاموا من قبل . وخرج بهذه النفس من القبر المغلق ، دون أن يشعر به أحد ...
1 ـ نقول كمقدمة لهذا الإثبات ...
إن معجزات السيد المسيح لا تعد يوحنا الرسولي في خاتمة إنجيله " آيات أخر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه ولم تكتب في هذا الكتاب " يو20 : 30 ) ، " وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع ، إن كتبت واحدة فواحدة ، فلست أظن إن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة " ( يو21 : 25 ) . وكمثال ذلك يقول القديس لوقا الإنجيلي " وعند غروب الشمس ، كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه . فكان يضع يديه على كل واحد فيشفيهم " ( لو4 : 40 ) ـ هنا معجزات بالجملة لا تحصي . وورد عن ذلك في إنجيل مرقس " ولما صار المساء إذ غربت الشمس ، قدموا إليه جميع السقماء والمجانين . وكانت المدينة كلها مجتمعة على الباب . فسفي كثيرين كانوا مرضي بأمراض مختلفة . وأخرج شياطين كثيرة ... " ( مر1 : 32 ـ 34 ) .
وقال القديس متي الإنجيلي " كان يسوع يطوف كل الجليل ، يعلم في مجامعهم ، ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف " ( متى4 : 23 ) ، ويكمل " فاحضروا إليه جميع السقماء المصابين بأمراض وأوجاع مختلفة ، والمجانين والمصروعين والمفلوجين ، فشفاهم " ( متى4 : 24 ) . هل نستطيع هنا أن نحصى ما ينطوي تحت عبارات ، كل مرض ، وجميع السقماء ... إلخ ؟
إذن نحن هنا نقتصر على إثبات لاهوت المسيح من المعجزات القليلة التي دونت في الأناجيل .
2 ـ كذلك كانت معجزات المسيح تشمل أنواعاً عديدة :
منها معجزات الخلق ، وإقامة الموتى ، والمشي على الماء ، وانتهار الرياح والأمواج والبحر ، والصعود إلى السماء ، والنزول منها ، والدخول من الأبواب المغلقة ، والولادة من عذراء ، واخرج الشياطين ، وتفتيح أعين العميان ، وشفاء الأمراض التي مرت عليها 38 سنة أو 18 سنة وفشل فيها الطب . وباختصار كما قال متي الإنجيلي " كل مرض وكل ضعف ، في جميع السقماء والمجانين .. " . من ذا الذي يقدر أن يشفي كل مرض ، ويكون له سلطان على الطبيعة والشياطين بهذا التنوع وبهذا القدر ، إلا الإله الذي خلق هذه الطبيعة ؟
3 ـ كانت معجزات المسيح بمجرد الأمر ، أو الانتهار للمرض :
في شفاء حماه بطرس من الحمي الشديدة " انتهر الحمي ، فتركتها . وفي الحال قامت وخدمتهم " ( لو4 : 39 ) . هنا المرض ينتهي بمجرد أمره أو انتهاره . وفي شفاء صاحب اليد اليابسة ، قال للرجل " مد يدك . ففعل هكذا ، فعادت يده صحيحة " ( لو6 : 10 ) . بمجرد الأمر تمت معجزة يعجز الطب كله أمامها . وفي إخراج الأرواح النجسة ، كان يستخدم أيضاً الأمر والانتهار فيخرجون . ولذلك قيل عنه إنه " بسلطان يأمر حتي الأرواح النجسة فتطيعه " ( مر1 : 27 ) . وكذلك في إسكات الأمواج وتهدئه البحر ، استخدم الأمر أيضاً " انتهر الريح وقال للبحر : اسكت ابكم . فسكنت الريح وصار هدوء عظيم " ( مر4 : 39 ) .
والأمر بالنسبة إلى الطبيعة والأمراض والعاهات ، لا يمكن أن يصدر من إنسان . فهذا سلطان إلهي ، كثيراً ما كان يجعل المشاهدين يعترفون بلا هوته ، كما سبق وذكرنا ...
4 ـ حتي في إقامة الموتي ، نجد عنصر الأمر أيضاً ...
ففي إقامة ابنه يايرس ، قال لها " طابيثا قومي " أي صبية لك أقول قومي وللوقت قامت الصبية ومشت " ( مر5 : 41 ، 42 ) ، فابطل الموت بأمره ، وأعاد الحياة بأمره . وكذلك في إقامة ابن أرمله نايين " قال أيها الشاب لك أقول قم . فجلس الميت وابتدأ يتكلم " ( لو7 : 14 ، 15 ) . وفي إقامة لعازر ، قال له بصوت عظيم " لعازر لم خارجاً " فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات باقمطة ... " ( لو1 : 43 ، 44 ) .
5 ـ أحيانا كانت المعجزة تتم بمجرد اللمس أو وضع يده .
كما قيل " فكان يضع يديه على كل أحد فيشفيهم " ( لو4 : 40 ) . وملخس عبد رئيس الكهنة لما قطعت أذنه " لمس أذنه وأبرأها " ( لو22 : 51 ) . وفي شفاء الأعميين لمس أعينهما ، فللوقت أبصرت أعينهما وتبعاه " ( متى20 : 34 ) . . ولما وضع يديه على أعمي بيت صيدا أبصر ( مر8 : 25 ) . ونازفة الدم التي أنفقت كل أموالها على الأطباء بلا فائدة ، مجرد أن لمست هدب ثوبه " جف ينبوع دمها وبرئت " ( مر5 : 29 ) .
6 ـ وكانت معجزات تتم بمجرد إرادته ، بدون أمر منه ...
كما حدث في تطهير الذي صرخ قائلاً له " إن أردت تقدر أن تطهرني " فتحنن ومد يده ولمسه وقال له " أريد فاطهر " ( مر1 : 41 ) ، وللوقت طهر برصه ( متى8 : 2 ، 3 ) . وفي معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل ، خلقت مادة جديدة بمجرد إرادته ، حتى بدون أمر ، وبدون لمس . لمجرد أنه أراد في داخله ( يو2 : 7 ـ 9 ) .
7 ـ ملاحظة أخري أن جميع معجزاته كانت تتم بدون صلاة :
كان يعملها بقوته الذاتية ، بقوة لا هوته ، والمعجزة الوحيدة التي سبقتها مخاطبة الآب . كانت إقامة لعازر من الموت . ولعل السبب في ذلك ، أنه أراد إخفاء لا هوته عن الشيطان ، وكان بينه وبين الصليب أيام قلائل . كما أنه إن وجدت فى كل معجزاته العديدة جداً معجزة وحيدة فيه صلاة فلعلها لتعليمنا أن نصلى . ولعل فيها رداً على أعدائه الذين كانوا يتهمونه باستخدام قوة الشيطان في معجزاته . ومع ذلك فإنه في إقامة لعازر استخدم الآمر أيضاً ، فقال " لعازر هلم خارجاً " (يو11 : 43 ) . وفي معجزة اشباع الجموع قيل إنه نظر إلى فوق ، وأنه شكر وبارك ( مر6 : 41 ) ( متي 15 : 36 ) . ولم يذكر في إحدى هاتين المعجزتين أنه صلي . أما النظر إلى فوق ومباركة الطعام قبل الأكل منه ، فلعل هذا لتعليمنا ...
8 ـ وما أكثر المعجزات التي كانت تتم باسمه في العهد الجديد :
كما حدث في شفاء الأعرج الذي يستعطي على باب الجميل ، إذ قال له القديس بطرس " ليس لي فضه ولا ذهب . ولكن الذي لي فإياه أعطيك . باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش ... " ( أع3 : 6 ) . وأيضاً يطهر من قول السيد المسيح " وهذه الآيات تتبع المؤمنين : يخرجون الشياطين باسمي " ( مر16 : 17 ) .
9 ـ وهذا هو الفارق بين معجزات السيد المسيح ومعجزات رسله وقديسيه :
هو يجري المعجزة بقوته الذاتية . أما التلاميذ فكانت معجزاتهم باسم المسيح ، أو بالقوة التي أخذوها منه ، بسلطانه هو . فالقوة ترجع إليه . ولهذا قال بولس الرسول " أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( في4 : 13 ) .
هذا السلطان منحه الرب لتلاميذه إذ " اعطاهم سلطاناً على أرواح نجسه حتي يخرجوها ، ويشفوا كل مرض وكل ضعف " ( متى10 : 1 ) . وقال للاثنى عشر " اشفوا مرضي . طهروا برصاً . أقيموا موتي . أخرجوا شياطين " ( متى10 : 8 ) . وقال للسبعين أيضا " ها أنا أعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو " ( لو10 : 19 ) .
10 ـ والسيد المسيح قدم معجزاته كسبب يدعو للإيمان به :
فقال " صدقوني أني أنا في الآب في . وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها " ( يو14 : 11 ) . وقال لليهود " إن كنت لست أعمل أعمال أبي ، فلا تؤمنوا بي . ولكن إن كنت أعمل ، فإن لم تؤمنوا بي ، فآمنوا بالأعمال ، لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه " ( يو10 : 37 ، 38 ) . وقوله " أعمل أعمال أبي " تعني أنه يعمل أعمال الله ذاته . وهذا دليل أكيد على لا هوته .
لذلك فهو يلوم اليهود قائلاً " لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري ولم تكن لهم خطية " ( يو15 : 24 ) . هذه الأعمال التي لم يعملها أحد من قبل ، هي الأعمال الإلهية التي قال عنها " أعمل أعمال أبي " ( يو10 : 37 ) .
وهو بهذا يعلن أن معجزاته دليل على لا هوته .
11 ـ وكان السيد المسيح يطوب الإيمان الذي بمعجزاته ويدعو إليه :
فقد طوب إيمان قائد المائة الذي قال له " قل كلمة فقط غلامي " ( متى8 : 8 ) ، وكان غلامه ، مطروحاً في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " ... وأعطاه السيد وعداً بشفاه غلامه ، فبرأ غلامه من تلك الساعة . وقال السيد : " الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا " ( متى8 : 10 ) . وحقاً إيمان قائد المائة هذا كان عجيباً . لقد آمن أن المسيح بمجرد أن يقول كلمة ، فإن هذه الكلمة تقدر أن تشفي غلامه من بعد ، دون أن يلمسه أو يضع يده عليه يباركه . يكفي مجرد الأمر . والمسيح طوب هذا الإيمان ، وحققه بشفاء الغلام .
12 ـ ومعجزات المسيح دليل على صدق حديثه ، عن لا هوته :
إن السيد المسيح كان يصنع المعجزات الخارقة جداً . وفي نفس الوقت يقول " أنا والأب واحد " ( يو10 : 30 ) " من رآني فقد رأي الآب " ( يو14 : 9 ) . وإن له سلطان على مغفرة الخطايا ( مر2 : 10 ) . وكان يقول إنه ابن الله الوحيد ( يو3 : 16 ، 18 ) وأنه صعد إلى السماء ، ونزل من السماء ، وهو موجود في السماء ( يو3 : 13 ) . وأنه سيأتي على سحاب السماء ، ويرسل ملائكته لجمع مختار يه ( متى24 : 30 ، 31 ) . فلو كان كلامه غير صادق ، ما كان يقدر أن يجري المعجزات بعده .. إن كان بكلامه هذا قد نسب إلى نفسه سلطان الله وصفاته عن غير حق ، ما كان يقدر بعد ذلك على صنع المعجزات .
13 ـ لا ننسي أن حياة المسيح كانت معجزة انفرد بها :
من حيث ولادته من عذراء ( اش7 : 14 ) الأمر الفريد في تاريخ العالم كله ، فلا هو حدث قبله ولا بعده . وكذلك بشر بميلاده نجم غير عادي ( متى2 : 2 ـ 10 ) . وسجد له المجوس . وفي طفولته اذهل شيوخ اليهود ( لو2 : 47 ) . كذلك كان المسيح معجزة في عماده ( متى3 ) . وفي التجلي على جبل طابور ( مر149 ـ 8 ) . وفي قيامته ( مر16 ) ودخوله على تلاميذه والأبواب مغلقة ( يو20 : 19 ) . وكان معجزة في صعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب ( مر16 : 19 ) . حياته كلها سلسلة من المعجزات تدل على لا هوته الذي كان متحداً بناسوته طوال الفترة التي ظهر في الجسد ، وإلى الأبد أيضاً .
14 ـ إقرأ إجابتنا عن سؤالين خاصين بمعجزات السيد المسيح :
وذلك في كتابنا ( سنوات مع أسئلة الناس ) الجزء الثاني في صفحة 57 إلى صفحة 63 .