قانون الايمان
البابا شنودة الثالث
ليدين
الأحياء والأموات
|
تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء |
قانون الإيمان هو أساس عقيدتنا المسيحية
و تؤمن به كل الكنائس المسيحية فى العالم أجمع و الذين لا يومنون به لا يعتبرون مسيحيينكشهود يهوه و السبتين.ومن اهتمام الكنيسة بقانون الإيمان , جعلته جزءا فى كل صلوات الأجبية بالنهار و الليل
لآن الإيمان هو عنصر أساسي فى حياتنا الروحية و ليس فقط فى معتقداتنالذ لك رأينا أن نصدر هذا الكتاب , ليكون تفسيرا موجزا و مركزا لقانون الإيمان يدرس فى الكلية الآكليريكية بكل فروعها فى مصر و المهجر, و يدرس فى مدارس اجتماعات الشباب .
و قانون الإيمان يشمل عقائد متعددة : مثل التثليث و التوحيد ولاهوت الابن و لاهوت الروح
القدس , والتجسد و الفداء , المعمودية , وحياة الدهر الآتي .وبهذا فإن الدارس له يكون مستوعب عددا كبيرا من العقائد الإيمانية . وكانوا يدرسونه قديما لفصول قبل عمادهم .
يوليو 1997 البابا شنودة الثالث
بالحقيقة نؤمن
بإلة واحد الله الآب و الابن و الروح القدسالحقائق الايمانية الأساسية فى قانون الإيمان موجودة من قديم الزمان . عاش المسيحيون بها فى الأجيال الثلاثة الأولى .ووجدت صيغ منها فى قوانين الرسل ,أبو ليدس , وبعض أقوال الآباء الأول . وأهمية قانون الأيمان هو أن جميع كنائس العالم المسيحي تؤمن إيماني واحد تقره جميع الكنائس و لذلك كان لابد أن يضعه مجمع مسكوني يضم ممثلي كل الكنائس المسكونة .
القانون الذى بين أيدينا صيغ فى مجمع نقيه المسكونى سنة
325موهو أول المجامع المسكونية , و ذلك ردا على البدعة الأريوسية التى أنكرت لاهوت المسيح . وكان يمثل الكنيسة القبطية فى ذلك المجمع البابا ألكسندروس باباالأسكندرية التاسع عشر . و معه شماسه أثناسيوس الذى قام بصياغة كل بنود القانون و أضيف الجزء الخاص بلاهوت الروح القدس فى مجمع نقية المسكونى الذى عقد سنة381م ردا على مقدونيوس الذى أنكر لاهوت الروح . كل كنائس العالم - وإن اختلفت فى بعض العقائد - تؤمن بكل بنود قانون الأيمان . هذا وأية لا تؤمن بكل ما فى القانون الأيمان لا تعتبر مسيحية . مثل شهود يهوه و السبتيين، الذين يؤمنون بالكتاب المقدس بعهديه ( حسب ترجمه خاصة بهم ) . ولكنهم لا يؤمنون بكل العقائد المسيحية التي وردت في قانون الإيمان .
ويشمل قانون الإيمان الحقائق الإيمانية الأساسية وهي :
1 - وحدانية الله ، إذ يبدأ بعبارة "بالحقيقة نؤمن بإله واحد " .
2-عقيدة الثالوث القدوس . و لاهوت كل أقنوم و عمله .
3- عقيدة التجسد و الفداء و الخلاص .
4- عقيدة المعمودية لمغفرة الخطايا .
5- عقيدة قيامة الأموات ، و الحياة الأخرى فى الدهر الآتي .
6- عقيدة المجيء الثاني للمسيح ، حيث تتم الدينونة .
7- الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية .
وسوف نتناول كل فقرات قانون الإيمان لشرحها واحدة فواحدة .
و الإيمان يشمل الاعتقاد و الثقة و الاقتناع القلبي و التسليم الكامل عقلا وقلبًا . وقد عرفه القديس بولس الرسول بأنه الثقة بما يرجى ، و الإيقان بأمور لا ترى "( عب 11 : 1. ) . فنحن نؤمن مثلا بالمعجزة . و ليست هى ضد العقل ، بل هى مستوى أعلى من مستوى العقل . و سميت معجزة لأن العقل يعجز عن تفسيرها إلا بأن الله صانعها . إنه يقبلها ، حتى إن كان لا يفهمها . و فى حياتنا العملية ، من جهة العلم مثلا و مخترعاته الحديثة :
توجد أشياء يقبلها العقل و إن كانت كثير من عقول الناس لا يفهمها و لا تستوعبها . ليس كل إنسان يفهم مثلا ما هى الكهرباء و الاسلكي . و لكنة يقبل ذلك دون أن يفهمه . و لا كل إنسان يفهم كيف يعمل على الكومبيوتر . ولكنه يقبله …
الإيمان لا يتعارض مع العقل . ولكنه مستوى أعله .
فنحن جميعا نؤمن بوجود الروح كسبب لحياه الإنسان ، دون أن نراها . فإذا حدث أن إنسانا فارقته روحه يموت . العقل يقبل هذا ، و لكنه لا يدرك كنه الروح . و لا يستطيع أن يعرف كل التفاصيل الخاصة بها . مثل شكلها و معرفتها و مصيرها . و لكنه يقبل ما يقوله الإيمان عنها .
قيامة الأجساد نقبلها بالإيمان . دون أن يدرك العقل كيف تتم ؟ و كيف تعود الأجساد بعد أن تتحول إلى تراب . لا نفهم ذلك . و ليس من المهم أن نفهم . إنما المهم أن نقبل ذلك بالإيمان الإيمان لنا
العقل يقبل ما يسلمه الإيمان لنا .
الإيمان يوصلنا إلى مرحلة أعلى من العقل . ثم يأخذ العقل هذه المرحلة و يشرحها . و الأمور التى هى فوق العقل ، يتسلمها الإيمان من الوحي ، من الكتب المقدسة ، حسبما كلم الله الأنبياء .
بالحقيقة نؤمن
أي أنه ليس مجرد إيمان ورثناه عن آبائنا لأنهم كانوا مؤمنين ، ولا عن أمهاتنا . و إنما نحن نؤمن بالحقيقة ، باقتناع قلوبنا . بكل حق و بكل صدق . و الإيمان يحتاج إلى تسليم ، و بساطة . بعض الناس كبرت عقلياتهم ففقدوا بساطة الإيمان ! الطفل يؤمن ، لانه لم يصل إلى مرحلة الشك التى تسأل عن كل شئ ، و تجادل فى كل شئ . تعلمه الصلاة فيصلى معك ، و يكلم الله فى صلاته ، دون أن يسألك : من هو هذا الإله الذى أكلمه و أنا لا أراه لذلك أنا أتعجب من البروتستانت الذين يقولون : لا نعمد الطفل لأنه غير مؤمن . ليتكم لكم إيمان الأطفال !! عجيب أن ينمو العقل على حساب الإيمان . و كلما ينمو ، يشك و يناقش .. لذلك من الأفضل أن نغرس كل قواعد الإيمان فى نفس الطفل منذ حداثته . الطفل الذى يكون الإيمان عنده أقوى من العقل ، او الإيمان عنده يسبق العقل فى درجاته.
مسكين العقل الذى يعيش بدون إيمان .
فى إحدى المرات كان أحد الفلاسفة الملحدين سائرا ، فمر على مزرعة ، ورأى فلاحًا راكعا على الأرض و رافعا يديه إلى فوق ، يصلى بكل حرارة . فتعجب الفيلسوف و قال : أنا مستعد أن أتنازل عن فلسفتي ، لمن يعطيني إيمان هذا الفلاح البسيط ، الذى يكلم كائنا لا يراه..! و بكل حرارة ومن كل قلبه ..
بالحقيقة نؤمن .. نؤمن بماذا ؟
إننا نؤمن بالثالوث القدوس ، ومع ذلك نؤمن بإله واحد . و حينما نقول "باسم الأب و الابن و الروح القدس
نقول بعدها "إله واحد أمين" والإيمان بإله واحد ، هو فى أول وصية من الوصايا العشر ، إذ يقول الرب " أنا الرب إلهك..لا تكن لك آلهة أخرى أمامي " (خر2. :3 ) (تث5: 6 ،7) . وما أكثر الآيات الخاصة بوحدانية الله في سفر أشعياء النبي ، إذ يقول" أنا الرب وليس غيري . قبلي لم يصور إله ، وبعدى لا يكون" (أش 44 : 6،9 ) ( أش 46 : 9 ) (أش 48 : 12 ) .
و العهد الجديد يتحدث أيضا عن التوحيد .
فيقول " الذين يشهدون السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدوس . وهؤلاء واحد" (1يو 5 :7). وفي رسالة يعقوب الرسول "أنت تؤمن بإله واحد . حسنا تفعل ، و الشياطين أيضا يؤمنون و يقشعرون " ( يع 2 : 19) . ويقصد هنا الإيمان العقلى وليس القلبي و الفعلي . فالذي لا يؤمن بإله واحد هو في مستوى من الإيمان أقل من الشياطين ! و السيد المسيح حينما قال ".. وعمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدوس " (مت 28: 19 ) ،قال باسم و ليس بأسماء …
نحن لا نؤمن بتعدد الآلهة ، إنما بإله واحد
فإن قال أحد كيف يكون الثلاثة واحدا ؟! أليس الحساب يقول إن 1+1+1 =3 وليس واحدا . نقول : و لكن 1 ×1×1 =1 وليس ثلاثة . فالابن مثلا يقول أنا في الآب و الآب في (يو1.: 14 ) ويقول " أنا و الآب و حد " ( يو1. : 3.)) نحن لا نشرك بالله . لا نجعل له شريكا في لاهوته
و الثالوث القدوس لا يعنى تعددالألهية . و أنما يعنى فهم التفاصيل فى الذات الإلهية
الواحدة
فالله له ذات إلهية ، و عقل وروح و الله بعقله، و الثلاثة و احد كذلك النار : نلاحظ فيه ذات النار ، و ما يتولد منها حرارة وما ينبثق منها من نور . و النار و حرارتها و نورها كيان واحد و كذلك الشمس بحرارتها ونورها كيان واحد الآب هو الذات الإلهية ، والابن هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل هو حكمة الله (1كو23 ،24 ). و الروح القدس هو روح الله وواضح أن الله و روحه كيان واحد . و الله وعقله كيان واحد ..
والذي يؤمن بتعدد الآلهة ، يتعارض مع المنطق فى فهم اللاهوت
فإن كان هناك عدد من الألهة ، فمن منهم الأقوى . إن كان واحد منهم أقوى يكون هو الله ، و الباقيان ليسا آلهين . وإن كان الكل في قوة واحدة ، يكون كل منهم محدود بقوة الآخرين . آي يقوى على كل الكائنات ، ما عدا من يشاركه في الألوهية . و هكذا لا يكون أحد من هذه الآلهة آلها ، لأنه لا يوجد واحد منهم قادرا على كل شئ . و نفس الوضع بالنسبة إلى الخالق : إن وجد عدد من الآلهة فمن منهم الخالق ؟ إن كان واحد منهم هو الخالق وحدة ، يكون هو الله ، و الخليقة كلها تتبعه لأنه هو خالقها ، ولا تكون الألهة الأخرى آلهة و أن كان كان هذا الخالق هو خالق الكل ، فهل خلق باقي الآلهة ؟ إن كان قد خلقهم ، لا يكون آلهة . و إن كان لم يخلقهم ، تكون قدرته على الخالق محدودة بباقي الآلهة . وإن كان هو محدودا ، لا يكون آلها . و هكذا فى تطبيق باقي الصفات الإلهية .. و نخرج بنتيجة ونطقية حتمية ، وهي الإيمان بإله واحد . بالحقيقة نؤمن بإله واحد ، الله الأب :
هنا يبدا قانون الإيمان فى التحدث عن كل أقنوم على حدة من الثلاثة اقانيم للثالوث القدوس . و يبدأ بالله الأب .
الله الأب ، هو آب في الثالوث القدوس ، و هو أب لكل المؤمنون به.
هو الذات الإلهية الذى لم يراه أحد . فقد ورد فى (يو1 : 18 ) " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذى فى حضن الأب هو خبر " أي أعطى خبرا عنه . فنحن لا نرى الأب ، إنما نراه فى ابنه الذى تجسد وصار في الهيئة كإنسان (في 2: 7 ،8 ) و لذلك فإن كل الطهورات في العهد القديم ، كانت للابن . لأن الأب لم يره أحد قط .
قد يخطئ البعض و يظن أن الله أعطانا البنوه فى العهد الجديد فقط . أما فى العهد القديم سيدا لا أبا . و هذا خطأ
فالله فى العهد القديم أعلن لنا أبوته أيضا . فهو يقول فى سفر أشعياء النبي " ربيت بنين و نشأتهم . أما هم
فعصوا على" (أش1: 2) و المؤمنون به قالوا له " والآن يارب أنتا أبونا . نحن الطين و أنت جابلنا " (أش 64: 8 ) بل قبل قصه الطوفان مباشرة يقول الكتاب رأى أبناء الله بنات الناس أنهن حسنات " (تك 6 : 2 ) . فأبناء شيث دعوا أبناء الله ، تميزا لهم عن نسل قاين ، الذى دعيت بناته بنات الناس … و فى سفر الأمثال يقول الرب " يا بنى أعطني قلبك " ( أم 23 :26) الله فى العهد القديم كان سيدا وآبا . وفى العهد الجديد كان كذلك أيضا . هو هو لم يتغير علاقته بالبشر …
على أن أبوته لنا ، غير أبوته لأقنوم الابن فى الثالوث القدوس ،
كما سنشرح عندما نتعرض لعبارة ( الابن الوحيد ) و ما دام هو أب لنا يعاملنا كما يعامل الأب أولاده ، كذلك يجب أن نعامله كأب بكل حب و احترام وخضوع .. إنه أب لنا منحنا البنوة له حينما ولدنا له فى الماء و الروح " بغسل الميلاد الثاني و تجديد الروح القدس " (تي3 : 5 ) إنه الله الأب ضابط الكلأي أنه يضبط كل الكائنات . لا يخرج شئ عن رقابته و عن تدبيره . و عبارة ( الكل ) تشمل للسمائيين و الأرضيين ، سواء كانت الكائنات العاقلة أو الجامدة ، الكل تحت ضبطه . كما تشمل أيضا الملائكة و الشياطين .
و لكن الله من فرط ررحمته و حنانه ، و هبنا حرية الإرادة .و بحرية الإرادة يمكننا أن نطيع أو نعصي و صاياه . و لكن أعمالنا كلها تحت ضبطه ، مكتوبة أمامه في سفر التذكرة ( مل 3 : 16 ) و سوف يحاسبنا عليها يوم يأتي ليجازى كل واحد حسب أعماله (مت16 :27 ) . وقد يجازى عليها علي الأرض أيضا ، كما سجل لنا الكتاب عقوبات كثيرة لله ، منها عقوبة الطوفان ( تك6) و عقوبة سادوم وعمورة (تك 19 ) . ومعاقبة قو رح و داثان و ابيرام (عد16 ) و معاقبته لفرعون مصر بضربات كثيرة ، ثم بالغرق في البحر الأحمر (خر16) . بل ذكر الكتاب أيضا معاقبة الله لأحبائه الذين أخطأوا مثل عقوبته لداود (2صم12 ) .
الشيطان أيضا ليس إلها للشر ، بل هو مخلوق تحت سيطرة ضابط الكل .
إن أراد الله أن يوفقه عن العمل ، أو يضع له حدودا لا يتجاوزها فإنه يستطيع ذلك . و في قصه أيوب الصديق ، نجد الشيطان يأخذ إذنا بتجربة أيوب . و لا يجرب أيوب إلا في الحدود التي يسمح بها الله . ففي التجربة الأولي سمح له الله أن يمد يده إلي مال أيوب و بيته ، فلم يتجاوز ذلك (أي1) . و في التجربة الثانية سمح له أن يمد يده إلي جسد أيوب ، ولكن لا يمس نفسه (أى 2: 6) . و كان كذلك . في قصه لجيئون ، طلب الشياطين من الرب أن يأذن لهم بالدخول في الخنازير " فأذن لهم (مر 5: 12، 13) . إذن لم يكن في سلطانهم حتي أن يدخلوا في الخنازير آلا بأذنه . و يحكي لنا سفر الرؤيا أن الله أرسل ملاكه فقيد الشيطان ألف سنة و بعدها حله من سجنه (رؤ2.: 2، 7) . و نري أن الرب أعطي تلاميذه السلطان أن يخرجوا الشياطين ( مت 1.:1) . و فرح السبعون تلميذا قائلين له " حتي الشياطين تخضع لنا باسمك " (لو 1.:17) . و قد أعطانا الرب السلطان أن ندوس الحيات و العقارب و كل قوة العدو " (لو 1.: 19 ) . و المقصود بالعدو هن : الشيطان .
إذن لا نخاف من الشيطان ، مادام تحت سيطرة ضابط الكل .
و لكن لعل إنسانا يسأل : إن كان الله ضابط الكل ، فلماذا تحدث كل المتاعب و الأضرار في الكون ؟! و لقد سأل ارميا النبي سؤالا مشابها ، فقال للرب " أبر أنت يارب من أن لأخاصمك . ولكني أكلمك من جهة أحكامك . لماذا تنجح طريق الأشرار ؟! اطمأن كل الغادرين غدرا " ( أر 12 : 1) . أو كما قال جدعون للملاك " أسألك يا سيدي : إذا كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه ؟! ( قض6: 13 ). نقول إنه ربما تكون للرب حكمة في ذلك ، ليعطي البعض بركة من التجربة أو نعمه الأحمتال فيسمح بالتجربة ويكون معنا فيها ، كما حدث ليوسف الصديق ..
هنا ونقول :أن هناك فرقا بين إرادة الله و سماحه .
إرادة الله هي خير مطلق . ومع ذلك فهو يسمح للكائنات العاقلة بحرية التصرف في حدود . و قد يخطئون و يسببون أضرارا ، وهذا كله بسماح من الله و في كل ذلك فإن الرب يرقب كل تصرفاتهم ، و يحاسب و يعاقب كضابط للكل . و يصحح . وقد يطيل أناته عليهم .
وقد يتدخل الله ، و يوقف عمل الأشرار .
فحرية الإرادة الممنوحة لهم ليست حرية مطلقة بل هي حرية تحت رقابة ضابط الكل الذي صرخ إليه داود و أصحابه مرة قائلين " حمق يارب مشورة أخيتوفل " (2صم 15: 31) . و فعلا بطلت مشورة أخيتوفل . و قد يتدخل الرب مرارا فأنقذ قديسيه من مؤامرات الأشرار . وقد تغني داود بهذا فقال " لولا أن الرب كان معنا - حين قام الناس علينا - لابتلعونا و نحن أحياء .. نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين . الفخ أنكسر و نحن نجونا . عوننا من عند الرب الذي صنع السماء و الأرض "( مز124) . لقد تدخل الرب و نجي داود من مؤامرات شاول الملك ، و نجي مردخالى من مؤامرة هامان ( أش 7: 1.) . ونجي الكنيسة كلها من الدولة الرومانية . وأمثلة تدخل الله لإيقاف مؤامرات الأشرار. كثرة ، سواء في الكتاب أو التاريخ .
الله يسمح للظالم أن يظلم . و مع ذلك لا فلت الظالم من يده .
والرب يحكم للمظلومين . سمح الله لشاول الملك أن يظلم داود و لم يفلت شاول من قضاء الله فمات هو و بنوه في جبل جلبوع و قطعوا رأسه ، و نزعوا سلاحه . وسمروا جسده علي سور بيت شان (1صم 31: 8- 1.) . و أبشالوم ظلم داود أباه . ولم يفلت ابشالوم من قضاء الله . ففي الحرب تعلق شعره بالبطمة . و ضربه موآب بثلاثة سهام في قلبه و هو بعد حي و أحاط به . عشرة غلمان حاملوا سلاح يوآب بثلاثة وضربوا ابشالوم ومات (( 2صم 18: 9- 15)) لقد سمح الله أن يقوم قايين علي أخيه هابيل و يقتله . ومع ذلك لم يترك الله قايين بدون عقاب ، فلعنه و تركه تائهاً و هارباً في الأرض . كل من وجده يقتله (( تك 4: 1.-14)) . لو قرأنا عن نهاية مضطهدي الكنيسة ، لرأينا عجباً … الله ضابط الكل ، لا يفلت أحد من مراقبته ومن معرفته . ولا يفلت أحد من سلطانه ومن دينونته ومعاقبته ومن معرفته . ولا يفلت أحد من سلطان ومن دينونته ومعاقبته ..إنه يضبط كل شئ ، ليس الأفعال فقط ، بل أيضاً الأفكار و النيات .
يضبط حتي الجنين في بطن أمه يضبط الخفيات و الظاهرات ، ما يري وما لا يري فلا تحزن لآجل ضيقات حلت بك . الله لابد سيتدخل ويقيم العدل علي الأرض ويحكم للمظلومين . أنه هو الذي عاقب آخاب وايزابل علي قتل نابوت اليزر عيلي ( 1مل 21) .
ومع ذلك فإن ضيقات كثيرة وبلايا وتجارب وأضراراً ، منعها الله عنا قبل وصولها إلينا ، ونحن لا ندري .
إننا للأسف نشكر فقط علي المتاعب المرئية التي ينقذنا الله منها . ولكننا لا نشكر علي منعه للمتاعب غير المرئية قبل وصولها إلينا ، وربما تكون اكثر . منعها عنا ضابط الكل . أما التجارب و المتاعب التي يسمح بها ، فلعله ينطبق عليها قول الكتاب (( كل الأشياء تعمل معاً للخير ، للذين يحبون الله )) (( رؤ 8: 28)) أو قول الكتاب أيضاً "احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقع من في تجارب متنوعة " ( يع 1: 2) .
فإن عرفت أن الله ضابط الكل ، اعرف انه ليس فقط يضبط ما يحدث لك ، وأنما أيضاً ما يحدث منك :
إنه يقرأ أفكارك . ويفحص قلبك ، يعرف نياتك ، وكل مشاعرك . وليس شئ خافياً عليه الذي قال لكل واحد من ملائكة ( رعاة ) الكنائس السبع (( أنا عارف أعمالك )) (( رؤ 2، 3))
أن عرفت هذا لابد أن يدرك الاستيحاء من كل عمل خاطئ تعمله ، ومن كل فكر في قلبك الله عالم به
وهكذا تخجل من الله ضابط الكل ، خالق السماء والأرض .
كلمه( خالق ) هى صفه لله وحده . و تعني أنه يوجد مخلوقات من العدم ، من اللاموجود.
أقصى ما يصل إليه العقل البشرى أن يكون صانعا لا خالقا .
نعم ، هذا الإنسان في قمة ذكائه وعمله ومعرفته . هذا الذى صنع سفن الفضاء ووصل بها إلى القمر ، والذي نبع في التكنولوجيا إلى أبع الحدود . إنه مجرد صانع لا خالق . صنع كل ما اخترعه ، من المادة التي خلقها الله .
وصنع الإنسان كل ما صنع ، بعقل خلقه الله.
لذلك إن أثبتنا أن السيد المسيح خلق أشياء ، إنما بهذا نثبت لاهوته . لأنه لا يوجد خالق إلا الله وحدوهنا نسأل : حتى في بدء قصه الخلق (في تك1،2 ) من الذى خلق هذا الكون ؟ هل هو الآب أم الأبن ؟ ونجيب :
الأب خلق كل شئ بالابن
مادام الابن هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ، ومادام هو حكمه الله وقوه الله( 1كو1: 23،24 ) إذن الله قد خلق كل شئ بعقله بنطقه بكلمته بحكمته ، أى بالابن . وهكذا يقول القديس بولس الرسول عن الابن " الذى به أيضا عمل العاملين "(عب 1 :2 ) "الكل به وله قد خلق " (كو1: 16 ) ويقول القديس يوحنا في بدء إنجيله " كل شئ به كان . وبغيره لم يكن شيئا مما كان " (يو1: 3 ) أليس هو عقل الله الناطق . و الله وعقله كيان واحد .. فأنت مثلا إن حللت مشكله ، هل تكون أنت الذى حللت أم عقلك ؟ أنت حللت المشكلة ، وعقلك حلها . وأنت حللتها بعقلك . مادام الله قد خلق كل شئ فكل شئ تحت سلطانه وطبعا الذى خلق من العدم يمكنه أن يقيم من الموت . لقد خلق الله السماء و الأرض منذ البدء (تك 1: 1 )
السماء والأرض
السماء لغة هى كل ما يسمو ، آي ما يرتفع . وقد أطلقت اصطلاحا علي أعلى ما ترتفع إليه أبصارنا .. وهنا نسأل : هل هناك سماء واحدة أم عدة سماوات ؟ ورد فى أول آيه فى الكتاب المقدس "في البدء خلق الله السماوات و الأرض " (تك 1: 1 ). أي أن هناك سموات ونحن و نصلى ونقول" أبانا الذى في السموات" (مت6: 9 )
ويحكي لنا القديس بولس الرسول إنه "أختطف من السماء بثالثه " (2كو12 :2 )
وذكر أن هذه السماء الثالثة هي الفردوس (2كو12: 4 ) . إن كانت الفردوس هى السماء الثالثة فما هى السماء الأولى و الثانية ؟ السماء الأولي هي هذا الغلاف الجوى المحيط بالأرض . نسميها سماء الطيور أي التي تسبح فيها الطيور كما قيل " كالنسر يطير نحو السماء "(أم23 :5 ) . وكذالك الطائرات التي تمخر عباب السماء . أما السماء الثانية فهي الفلك الذي توجد فيها الشمس والقمر و النجوم والمجرات وسائر الكواكب . ولا تستطيع طائره أن تقترب من الشمس ، وإلا فان تحترق . وإن كانت سفن الفضاء استطاعت أن تصل الي القمر ، فإن مناطق عديدة جدا في الفلك لا يستطيع الإنسان أن يصل أليها . والحديث عن النجوم و الشهب و المجرات هو حديث مذهل ومبهر ، مع أن الإنسان لم يصل إلا إلى قليل من المعرفة في هذا المجال .
فوق هذه السماوات الثلاث توجد "سماء السموات "
وهي التي يوجد فيها عرش الله . وعنها قال السيد الرب " لا تحلفوا ألبته : لا بالسماء لأنها كرسى الله " (مت5 : 34 ) أي عرشه . وهى التى قال عنها لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو 3 : 13 ). لقد صعد إيليا إلي السماء . ولكن ليس إلي هذه "سماء السموات " ، الخاصة بالله وحده … وقد ذكر سليمان الملك في سماء السموات في صلاته يوم تدشين الهيكل . فقال لرب " هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك . فكم بالأقل هذا البيت الذى بنيت" (1مل 8: 27 ) . وهنا نذكر سماء السموات في التسبحة . فنقول مع داود النبي في المزمور" سبحوا الرب من السموات ،سبحوه في الأعالي .. سبيحه يا سماء السموات )…"(مز148 :1،4)
ومع كل هذه ، أطلق علي كل هذه السموات ، لقب سماء .
لسموها كلها وارتفاعها . وهكذا قيل في الوصايا العشر عن الراحة في اليوم السابع : " لأنه في سته أيام صنع الرب السماء و الأرض و البحر و كل ما فيها . واستراح في اليوم السابع " ( خر 2. : 11 ) . وقيل عنها (صنع) . لأنه خلق أولا المادة . ومنها صنع هذه السماء التي نراها ،وهذه الأرض التي نسكنها …
وعبارة " خلق الله السموات والأرض " تعني خلقها وكل سكانها
تعني أنه خلق السماء وكل الملائكة والأجناد السماوية ، وكل صفوفها و طبقاتها و طغماتها .. الملائكة ، ورؤساء الملائكة ، والأرباب و العروش و السلاطين " (كو1: 16 ) . و الشار وبيم و السارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية . (وخلق الأرض ) تعني أيضا كلما عليها .
خلق الكل " ما يري وما يري " (كو 1 : 16 )
عبارة " ما يري " سهلة الفهم . فماذا تعني عبارة ما لا يري "؟
المقصود بعبارة ما لايرى ،الذي لا يرى بواسطتنا نحن ، بحواسنا البشرية . لذلك لأن تري المادة فقط أما ما يخرج عن نطاق المادة فلا نراه .
1 - 1فمثلا من ضمن " ما يرى " الأرواح .
ومن الأرواح: الملائكة (مز1.4 :4 ) . فملائكة كثيرون يحيطون بنا ونحن لا نراهم . و لكن إذا اتخذ الملاك شكلا ، فنحن نرى هذا الشكل .أما الملاك من حيث طبيعته كروح ، فإننا لا نراه . و بنفس الوضع : الشياطين لأنها هي أيضا أرواح ، أرواح شريرة ، أو أرواح نجسة (مت1.: 1 ، 8 ) .فهي تحاربنا ولكننا لانراها . أما إذا ظهر الشيطان في شكل معين ، فإننا لا نراه في هذا الشكل . ولكننا لانراها بطبيعته كروح أنت أيضا كإنسان : فيك ما يرى وهو الجسد ، وهو ما لايرى أي الروح التي لا نراها وهى تخرج من الجسد وقت الموت . أما إذا ظهرت لنا روح قديس ( في معجزه مثلا ) . فلابد أن يتخذ القديس شكلا تدركه حواسنا المادية …
2-هناك أيضا أشياء دقيقة جدا أو بعيدة جدا ، لا تستطيع أبصارنا المادية أن تراها ، ولكنها ترى بأجهزة .
مثال ذلك الميكروبات التي لا ترى بالعين المجردة ، ولكن يمكن أن نراها بالميكروسكوب أو بأجهزة أخرى . نشكر الله أن بصائرنا لا تراها ، و إلا ما كن نستطيع أن نعيش ، وبخاصة في أجواء يكثر فيها التلوث . حتي الهواء مملوء بذرات . من حسن حظنا أننا لا نراها . أشياء أخرى بعيده ، لانراها بسبب بعدها . ولكن يمكن رؤيتها بأنواع من التيلسكوبات . وبخاصة بالنسبة إلي الأجرام السماوية وما فيها . ومركبات الفضاء استطاعت أن ترى في رحلاتها ما لم يكن يرى من قبل ولكن ما رأته الأقمار الصناعية و مكوكات الفضاء هو شيء ضئيل جدا جدا من عالم الفلك الذي تدخل تفاصيله في نطاق ما لايرى.
3- هناك أشياء أخرى لاترى حاليا ، لأنها مخفاة . ولكن بعضها يمكن أن نراه بطرق الكشف :
مثال ذلك كل ما يوجد في باطن الأرض من المعادن ، التي بعضها منها أمكننا أن نراه بوسائل الاستكشاف العديدة و الحفر . وهكذا أمكننا أن نستخرج من باطن الأرض ومن صخورها الذهب و النحاس والمنجنيز والماس ، وما الي ذلك مما كان لا يرى من قبل . يضاف إلي ذلك ما كشف عنه البحث من آبار البترول و الغاز الطبيعي . كذلك ما لم يكن يرى في أعماق البحار ، أمكن استخراجه . وأصبح الآن يرى . وكان قبل ذلك لا يرى . يمكننا أن نضيف إلي هذا البند أيضا أشياء كانت في جوف الإنسان لا ترى . أصبحت ترى بواسطة الأشعة و الكاتسكان و ال MRI وغير ذلك من الأجهزة الطبية .
4- هناك خواص أوجدها الله في طبيعة إنسان ، وهي لا ترى . ولكن عملها يظهر .
مثال ذلك العقل : أنت لا تراه ، ولكن عمله يظهر ويدل عليه . الضمير أيضا لا نراه ، ولكن عمله يدل عليه
5- كذلك المواهب التي يمنحها الله للإنسان .
أنت لا ترى الموهبة ، ولكنك ترى عملها … فالله قد يهب بعض الناس الحكمة أو الإيمان (1كو 12 ) ونحن لا نرى الحكمة ولا الإيمان . ولكن نرى عملها الذي يدل علي وجود كل منهما …
إلى هنا ينتهي الجزء الخاص بالأب في قانون الإيمان .
ويبدأ بعد ذلك الكلام عن الابن .
ذلك : نؤمن برب واحد يسوع المسيح .
كلمه رب معناها سيد ، و معناها إله ، مثلما نقول في صلواتنا يارب بمعني يا الله ..وقد استخدمت كلمه رب في قانون الإيمان بمعني إله
والسيد المسيح أطلقت عليه كلمه ( رب ) ، في الإنجيل المقدس بتعبير يدل علي لاهوته
مثال ذلك اليوم قوله عن يوم الدينونة الرهيب : " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب، أليس باسمك تنبأنا ، و باسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة ؟! فحينئذ أصرح لهم إني لم أعرفكم قط . اذهبوا عنى يا فاعلى الإثم" (مت7: 22،23 ) واستخدم نفس اللقب (يارب ) في الدينونة واضح في ( مت25: 37،44 ). قيل له ذلك وهو جالس علي كرسى مجده ليدين (مت25: 31 ) كذلك قال له القديس اسطفانوس في وقت استشهاده أيها الرب يسوع أقبل روحي (أع7 :59) . وكذلك استخدم لقب
(رب ) في مجال الخلق تعبيرا عن لاهوته . فقال الرسول " ورب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن به "(1كو 8: 6 ) .وقيل أيضا إنه " رب السبت " (مت 12 : 8 ) وقيل أيضا أنه " رب المجد " ( 1كو 2 : 8 ). واستخدم لقب (رب ) بالنسبة إلي السيد المسيح في مجالات المعجزة . [ أنظر كتابنا ( لاهوت المسيح ) من ص 51 - 59 ]
ومن أجمل ما يقال في هذا المجال أن ربنا يسوع المسيح لم يلقب بكلمة رب فقط ، إنما أيضا رب الأرباب (رؤ 19 : 16 )
وتكرر ذلك أيضا في (رؤ17 :4 ) " رب الأرباب وملك الملوك " وهذا اللقب خاص بالله وحده . كما قيل في سفر التثنية " لأن الرب إلهكم ، هو إله الآلهة ، و رب الأرباب ، الإله العظيم الجبار المهوب "(تث1. : 17 )
ولئلا يظن البعض أن استخدام كلمة (رب ) بدلا من كلمة ( إله ) هو إن السيد المسيح أقل من الآب !! نرد قائلين :
1- قانون الإيمان ذكر اللقبين بالنسبة إلي السيد المسيح : رب وإله . فكما قيل " نؤمن برب واحد يسوع المسيح" قيل بعدها " إله حق من حق إله حق " . وهذا يذكرنا بقول القديس توما له بعد القيامة " ربى وإلهي "
2- كما أن كلمة (رب) أطلقت علي كل من الأقانيم الثلاثة: كما أطلقت علي الابن أطلقت أيضاً و علي ا وعلي الروح القدس فعن الأب قيل " فدخل الملك داود وجلس أمام الرب وقال.. يارب من أجل عبدك وحسب قلبك فعلت كل هذه العظائم. يارب ليس مثلك ، ولا إله غيرك " (1 أي 17: 16 ، 19 ، 2. ). وقيل عن شاول الملك " وذهب روح الرب من عند شاول . وبغتة روح رديء من قبل الرب " (1صم 16 : 4 ) . أنظر أيضا (أش 61 : 1 ) . وفي قانون الإيمان قيل أيضا عن الروح القدس " الرب المحيي إن كل واحد من الأقانيم الثلاثة رب وإله .
3- عبارة " نؤمن باله واحد : الله الآب " يمكن أن تفهم بأننا نؤمن بإله واحد ، الذي هو الثالوث القدوس : ثم بعد -ذلك يدخل قانون الإيمان في تفاصيل الثالوث . فيقول الله الأب ، ثم بعد ذلك رب واحد يسوع المسيح …
كلمه يسوع معناها مخلص . وقد قيل في البشارة بميلاد " وتدعو أسمه يسوع ، لآته يخلص شعبه من خطاياهم " ( مت 1 :21 ) أما كلمه المسيح فتعني رسالته باعتباره ملكا وكاهنا ونبيا. وقد ورد عنه في نبوءة أشعياء " روح السيد الرب علي . لأن الرب مسحنى لأبشر المساكين. أرسلني لأعصب منكسري القلوب . لأنادى للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالإطلاق" (أش 61 : 1 )
وكلمة ( مسيح ) كانت تطلق علي كل من يمسح بالزيت المقدس بواسطة الأنبياء . سواْ كان كاهنا أو ملكا أو نبيا .
فهارون رئيس الكهنة مسح كاهنا بواسطة موسى النبي حسب أمر الرب له " وتلبس هرون الثياب المقدسة وتمسحه وتقدسه ليكهن لي . وتقدم بنيه وتلبسهم أقمصة ، وتمسحهم كما مسحت أباهم ليكهنوا لي "(خر 4. : 13 ، 14 ) وهكذا فعل موسى " صب من دهن المسحة علي رأس هرون ومسحه لتقديسه " (لا8 : 12 ) وكان الملوك أيضا يمسحون بدهن المسحة . كما مسح صموئيل شاول ملكا ، فحل عليه روح الرب " ( 1صم 1. : 1، 1. ) وكما مسح أيضا داود ملكا ، فحل عليه روح الرب كذلك ( 1 صم 16 : 13 ) ومن أمثله مسح الأنبياء أمر الرب لإيليا النبي " وامسح أليشع .. نبيا عوضا عنك (1مل 19 : 16 ). وكان كذلك
وكل من هؤلاء الممسوحين كلن يدعى مسيح الرب
ولما اضطهد شاول الملك داود و أراد أن يقتله . ثم وقع في يد داود . وأشار أصحاب داود عليه أن يقتل شاول ، امتنع عن ذلك وقال " حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي مسيح الرب فأمد يدي إليه . لأنه مسيح الرب هو " (1صم 24 : 6 ) . و السيد الرب لقب هؤلاء بكلمة (مسحائي )وهكذا قال الرب " لا تمسوا مسحائي "، ولا تسيئو إلي أنبيائي " (مز1.5 : 15 )
أما ربنا يسوع المسيح ، فلم يكن مجرد مسيح ، آي أحد المسحاء . بل كان المسيح . وكانوا يسمونه أيضا ( المسيا "
وهكذا قالت المرأة السامرية " آنا أعلم أن المسيا الذي يقال له المسيح يأتي . فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شئ ( فقال لها( أنا الذي أكلمك هو )( يو4 :25 ،26 ). ثم قالت المرأة لأهل السامرة "هلموا انظروا إنسان قال لي كل ما فعلت . العل هذا هو المسيح " ( يو4 :29 ) . ولما استمع إليه أهل السامرة قالوا " نحن قد سمعنا ونعلم هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم " ( يو4 :42 ) و السيد المسيح تميز عن كل أولئك المسحاء بأنه " مسح بزيت البهجة أفضل من رفقاءه " ( عب 1 : 9 ) . وبأنه جمع الوظائف الثلاثة الخاصة بالمسحاء فكان ملكا وكاهنا و نبيا في نفس الوقت . كما أنه كان المسيح يسوع أي مخلص العالم .
اليهود كانوا ينتظرون المسيا ( المسيح المخلص ) . وهكذا أراد القديس يوحنا الرسول بمعجزاته التي انفرد بها أن يثبت أن يسوع هو المسيح .
فقال في أواخر إنجيله " وآيات آخر كثيرة صنع يسوع قدام تلميذه لم تكتب في هذا الكتاب . وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح . ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو 2.: 3. ،31 ) . وطبعا هذا المسيح الذي ينتظرونه هو الذي تتركز فيه كل النبوءات العهد القديم ورموزه ….نلاحظ أن السيد المسيح لم يلقب نفسه باسم يسوع المسيح ، إلا في يوم خميس العهد ، في حديثه الطويل مع آلاب قبل ذهابه إلي بستان جثسمانى (يو 17 : 3 ) أما الآباء الرسل ، فقد كرروا هذا اللقب كثيرا في الحديث عنه فكانوا يقولون " يسوع المسيح ربنا " ( رو1 : 4 ) " نعمه ربنا يسوع المسيح .. تكون مع جميعكم " ( 2كو 13 : 14 ) " يسوع المسيح له المجد إلي الأبد آمين " ( رو16 : 27 ) " بولس الرسول يسوع المسيح " ( 2كو 1 : 1 ) . والأمثلة كثيرة جدا ، لا داعي لحصرها .
عجيب أن البعض لا يدعو السيد الرب إلا بكلمة ( يسوع ) ناسيا لاهوته و أمجاده كلها ، وربوبيته ، وأنه المسيح .
ولكن الرسول كرروا كثيرا عبارة " ربنا يسوع المسيح " ونحن نقول في مقدمة قراءة الإنجيل في الكنيسة " ربنا و إلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا . ربنا يسوع المسيح الذي له المجد إلي الأبد، آمين لذلك نرجو إجلالا للرب أننا لا نستخدم مجرد كلمة يسوع . نتابع قانون الإيمان إذ يقول : نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد .
عبارة ( الوحيد ) لتميزه عن بنوتنا نحن لله . فهو الوحيد الذي هو ابن الله من نفس طبيعته وجوهره لاهوته .
وقد وردت عبارة ابن الله الوحيد في الآيات الآتية :
(.يو 1 : 18 ) " الأب لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الأب هو خبرا . أي أعطي خبرا عنه . أي عرفتا به ،وإذ يقول " من رآني فقد رأي الأب " ( يو 14 : 9 )
(يو 3 : 16 ) " هكذا أحب الله العالم ، حتي بذل ابنه الوحيد . لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 18 )" الذي يؤمن به لا يدان . والذي لا يومن به قد دين لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد " ( 1 يو 4 : 9 ) "بهذا أظهرت محبة الله فينا : أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به ( يو 1 : 14 ) " و الكلمة صار جسدا وحل بيننا . ورأينا مجده كما لوحيد من الأب مملوءا نعمة وحقا "
أي باعتباره وحيدا للأب .
عبارة ( ابن الله الوحيد ) تميزه عن جميع البشر الذين دعوا أبناء الله ، وهم ليسوا من طبيعته …
فنحن أبناء الله بمعني المؤمنين به . كما قيل في بدء إنجيل يوحنا " وأما كل الذين قبلوه ، فأعطهم سلطان أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنون باسمه" ( يو 1 : 12 ) . أو دعانا الله أبناء له ، من فيض محبته لنا . وهكذا يقول القديس يوحنا الرسول " انظروا أية محب’ه أعطانا الأب حتي ندعي أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 )
أو أن بنوتنا لله هي نوع من التبني . كما قال القديس بولس الرسول " ولما جاء ملء الزمان ، أرسل الله أبنه مولودا من إمرأه ، مولودا تحت الناموس ، ليفتدى الذين تحت الناموس ، لننال التبني" ( غل4 : 3 ،5 ) . أنظر أيضا ( رو8 : 23 ) و لكننا لسنا أبناء من طبيعة الله و لسنا من جوهره. الوحيد الذي هو من طبيعته الله ومن جوهره ومن لاهوته هو ربنا يسوع المسيح . لذلك دعي أيضا ( الابن ) . مجرد كلمة ( الابن ) تعني ابن الله الوحيد … وهكذا قيل في إنجيل يوحنا ا " الله يحب الابن ، وقد دفع كل شي في يده . الذي يؤمن بالابن له حياة أبديه . و الذي لا يؤمن بالابن لن يري حياه بل يمكث عليه غضب الله " ( يو 3 : 35 ، 36 ). وقيل في نفس المعني " لأن الأب
لا يدين أحدا بل قد أعطي كل الدينونة للابن . لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الأب " ( يو 5 : 22 ، 23 ) . وقيل أيضا " كما أن الأب يقيم الأموات ويحيي ، كذلك الابن أيضا يحيي من يشاء " ( يو 5 : 2 )
وكلها - كما هو واضح - آيات تدل علي لا هوت الابن . يؤكد نفس المعني بلا هوته ( عن طريق عبارة الابن ) قول الرب في حواره مع اليهود " إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا ( يو 8 : 36 ) . وقيل أيضا " من له الابن ، فله الحياة . ومن ليس له ابن الله ، فليست له الحياة " ( 1 يو 5 : 12 ) وهكذا قول الرب عن نفسه " كل شئ دفع إلي من أبي . ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الأب ولا من هو الأب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له "( 1. : 22 )
وبهذا استخدمت عبارة ( ابن الله ) للدلالة علي ربنا يسوع المسيح وحده .
كما ورد في ( 1 يو 5 : 12 ) . وكما ورد في سؤال السيد المسيح للمولود أعمي " أتؤمن بأبن الله ؟ فأجاب" من هو يا سيد لأؤمن به ؟ فقال له " قد رأيته و الذي يتكلم معك هو هو " . فقال الرجل " أؤمن يا سيد وسجد له " ( يو 9 : 35 _38 ) . هذه إذن بنوة تستدعي الإيمان و السجود ، وليست بنوة عادية كباقي المؤمنين . إنها بنوة من جوهره . بنوة الابن الوحيد …
وكان الجميع يفهمون وصفه ابن الله بهذا المعنى .
ولذلك في معجزات الصلب ، من حيث أن" حجاب الهيكل ، انشق ، و الأرض تزلزلت و الصخور تشققت .. قيل " وأما قائد المئة و الذين معه .. فلما رأوا الزلزلة وما كان . خافوا جدا وقالوا : حقا كان هذا ابن الله " ( مت 27 : 51 -54 ). وطبعا ما كانوا يقصدون بنوة عامة كسائر البشر ، إنما بنوة إلهية، تعني أيضا ابن الله الوحيد .
وبسبب هذا طوب الرب اعتراف بطرس الرسول .
لما سأل الرب تلاميذه قائلا " وأنتم من تقولون إني أنا ؟ " فأجاب سمعان بطرس وقال " أنت هو المسيح ابن الله الحي " . فطوبة الرب قائلا " طوبى لك يا سمعان بن يونا . إن لحما و دمل لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أنت بطرس . وعلي هذه الصخرة أبني بيعتي ، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ( مت 16 : 13 - 8 1 ) أي علي صخرة الإيمان بأنني ابن الله .
حتي الشيطان نفسه كان يعرف معني عبارة ( ابن الله ).
وكان يدرك تماما أنها لا تدل مطلقا علي بنوة عامة كبنوة سائر المؤمنين ، إنما هي بنوة فيها قوة المعجزات . لذلك قال له في التجربة علي الجبل " إن كنت ابن الله ، فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا " (مت 4 : 3 ) ونفس أعوان الشيطان من الأشرار كانوا يفهمون عبارة (ابن الله ) بنفس هذا المعني اللاهوتي المعجزى . وهكذا قيل له أثناء صلبه " .. إن كنت ابن الله ، فانزل عن الصليب " ( مت 27 : 4. )
ونفس هذه الحقيقة هي التي قصدها مجمع السنهدريم .
حيث أجتمع رؤساء الكهنة و الشيوخ و المجمع كله " في محاكمة الرب . وقال له رئيس الكهنة " استحلفك بالله الحي أن تقول لنا : هل أنت المسيح ابن الله " ( مت 26 : 59 _63 ) . فلو يقصد بنوة لله بالمعني العام ، ما كان يستحلفه ليجيب ولما أجاب الرب بالإيجاب وقال له أنت قلت .." حينئذ مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلا : قد جدف . ما حاجتنا بعد إلي شهود …" ( (مت 27 : 65 ) .
إن الإيمان بأن السيد المسيح ابن الله ، يعني ليس فقط أنه أن نتبع هذا الأمر بشيء من التبسيط فتقول إنه قال لليهود . " قبل أن يكون إبراهيم ، أنا كائن " ( يو 8 : 56 ) فهو لاهوتيا كان قبل إبراهيم من جهة الزمن .ومع إنه قد قيل عنه بالجسد إنه " ابن إبراهيم بن داود الابن الوحيد ، بل يحمل صفات أخرى .
إنها بنوة أزليه، لا ترتبط بزمن ، و ليس فيها فارق زمني ، كما يحدث في البنوة البشرية . ولا يعني ما يقوله شهود يهوه و أمثالهم من الأريوسيين إنها بنوة أخذها مكافأة علي طاعته ، أو أخذها فقط وقت العماد !!
كلا ، بل هي بنوة طبيعية ، كما يولد الشعاع من الشمس ، وكما يولد النور من النار .
إنها لا ترتبط بزمن ، بل كما تقول في قانون الإيمان ( المولود من الأب قبل الدهور ) .
هو ابن الله بمعني أنه اللوجوس .
أي عقل الله الناطق ، ونطق الله العاقل . وعقل الله هو موجود في الله - بطبيعة الله منذ الأزل . و بولادة العقل الإلهي من الذات الإلهية سمي الأب آبا .
وهذه البنوة كانت قبل كل الدهور .
سنحاول " ، إلا إنه قال "أنا أصل وذرية داود " ( رؤ 22 :16 ) . فهو أصله من جهة لاهوته . وهو ذريته من جهة الناسوت .. إذن لاهوتيا كان قبله . بل أنه قال للآب في مناجاته معه التي سجلت في (يو 17 ) :
" مجدني أنت أيها الأب عند ذاتك ، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو 17 : 5 )
وكونه كان قبل كون العالم ، هو أمر طبيعي ، لأن " العالم به كون ( يو 1 : 1. ) . بل إن " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان " (يو 1 :3 ) . وقال عنه بولس الرسول إن الأب " كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه .. الذي به أيضا عمل العالمين " ( عب 1 : 2 ) . فخالق العالمين ( أي السماء و الأرض ) ، لابد أنه كان قبل كل الدهور . أي كان منذ الأزل . وعن ذلك قال الرب في سفر ميخا النبي عن بيت لحم أفراته :
" منك يخرج لي الذي يكون متسلطا علي إسرائيل . ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل . ( مي 5 :2 ).
يخرج من بيت لحم في ميلاده الجسدي . ولكنه مولود من الأب قبل كل الدهور ، منذ أيام الأزل …و هو الذي قال عنه دانيال النبي تتعبد له كل الشعوب و الأمم و الألسنة .. سلطانه سلطان أبدى ، ما لن يزول . و ملكوته ما لا ينقرض " ( دا 7 : 14 )
نور بالمعني اللاهوتي ، وليس بالمعني المادي .
قال عن نفسه " أنا نور العالم . من يتبعني لا يمشي في الظلمة ، بل يكون له نور الحياة " . و طبعا المقصود بالنور هنا تعبير غير مادي . وقيل عن الله " أن الله نور " ( 1 يو 1 : 5 ) . وقيل أيضا عن الأب " ملك الملوك ورب الأرباب .. ساكنا في نور لا يدني منه ، الذي لم يره أحد من الناس .." ( 1 تي 6 : 15 ، 16 )
إذن الأب نور . والابن المولود منه نور من نور .
ولعل البعض يسأل : لقد قال الرب " أنتم نور العالم " ( مت 5 : 14 ) ، كما قال عن نفسه " أنا نور العالم " ( يو 8 : 12 ) . فما الفرق إذن في المعني ؟ الفرق يظهر كما في مثال الشمس و القمر . وقيل عنهما في قصة الخليقة " فعمل الله النورين العظيمين : النور الأكبر لحكم النهار ، و النور الأصغر لحكم الليل " ( تك 1 : 16 ) . هما الشمس و القمر . ولكن الشمس نور بذاتها . والقمر ليس له نور في ذاته إنما هو ينير بانعكاس نور الشمس عليه.
هكذا السيد المسيح هو " النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان ( يو 1 : 9 ) . أما نحن فنصير نورا بقدر ما نأخذ منه …
بنوره نعاين النور هو ينيرنا فننير .. وهكذا قيل عن يوحنا المعمدان " هذا جاء لشهادة ليشهد للنور ، ليؤمن الكل بواسطته . لم يكن هو النور بل ليشهد للنور "( يو1 :7 ، 8 ) ونحن - في صلاة باكر - نقول للرب " أيها النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آت إلي العالم "ونقول أيضا " أنر عقولنا وقلوبنا و إفهامنا يا سيد الكل " ..
الرب بطبيعته " نور لايدني منه " و لكنه لما أخذ جسدا وحل بيننا ، استطعنا أن نقترب إليه .
ماذا يقول عنه أيضا قانون الإيمان ؟ يقول :
إله حق إي له طبيعة الله بالحق . و ليس مثل الذين دعوا آلهة بمعني سادة ، و ليسوا هم آلهة بالحقيقة .
*مثل موسى النبي الذي قال له الله " جعلتك إلها لفرعون " ( خر 7 : 1 ) كلمة إله هنا لا تعني أنه خالق ، أو أنه أزلي ، أو أنه قادر علي كل شئ !! كلا ، بل إن موسى قال عن نفسه " لست أنا صاحب كلام ، لا اليوم ولا أمس ولا أول من أمس .. أنا ثقيل الفم و اللسان " ( خر 4 : 1. ) وقال " أنا أغلف الشفتين . فكيف يسمع لي فرعون ؟! " . ( خر 6 : 3. ) . فقال له الرب " جعلتك إلها لفرعون " ( خر 7 : 1 ) بمعني سيدا له و متسلطا عليه . و ليس بمعني أنه إله حقيقي .
*ثقوا بنفس الوضع قال الرب لموسى الثقيل الفم و اللسان . إنه قد أعطاه هرون أخاه ، ليكون له فما . فقال له : " تكلمه و تضع الكلمات في فمه . وأنا أكون مع فمك ومع فمه .. هو يكلم الشعب عنك . هو يكون لك فما . وأنت تكون له إلها " (خر 4 : 15 ، 16 ) . تكون له إلها ، بمعني أن توحي إليه بما تريد أن تقول . وليس بمعني إله حقيقي يخلق . فهرون كان أكبر سنا من موسى . وكان موجودا قبل موسى
كذلك استخدمت كلمة ( آلهة ) عن آلهة الأمم ، وعن كثير من البشر الذين دعوا أبناء الله .
فقيل في مزمور 82 " الله قائم في مجمع الآلهة . في وسط الآلهة يقضى . إلي متي تقضون ظلما وترفعون وجه الأشرار ؟! و لاشك أن هؤلاء الظالمين لم يكونوا آلهة حقيقيين !! و لكنهم تصرفوا كما كانوا آلهة ! و يقول في نفس الإصحاح " ألم أقل إنكم آلهة وبني العلي تدعون . ولكنكم مثل البشر تموتون ، و كأحد الرؤساء تسقطون " ( مز 82 : 6 ، 7 ) وطبعا الذين يموتون و يسقطون ، ليسوا هم آلهة بالحقيقة ، ولكنهم دعوا كذلك .
أيضا قيل في المزامير " الرب إله عظيم ، ملك كبير علي كل الآلهة " (مز95 : 3 ) أي من يسميهم الأمم آلهة ،، وهم ليسوا آلهة حقيقيين . و أيضا قيل " الرب عظيم و ممجد جدا ، مهوب من كل الآلهة . لأن كل آلهة الأمم شياطين "( مز 96 : 4 ، 15 ) . وقيل في ترجمه أخري "لأن كل آلهة الشعوب أصنام " ومع ذلك أخذوا لقب آلهة ليسوا آلهة حقيقيين …
ولكن السيد المسيح هو إله حق ، أي له كل الصفات الألوهية :
فهو أزلي خالق ، قادر علي كل شئ ، موجود في كل مكان ، غير محدود … فاحص القلوب و الكلي ، قدوس ، رب الأرباب ، غافر الخطايا … إلي آخر كل تلك الصفات الخاصة بالله وحده .
وأحيل القارئ في هذه النقطة إلي كتابنا لاهوت المسيح .
وذلك حتي لا أكرر الكلام . و حيث تثبت للسيد كل هذه الصفات الإلهية ، سواء ما ذكر عنها الإنجيل ، أو ما برهنت عنه أعماله إلهية … أنظر كمثال( رو9 :5 ) ، يو 1 : 1 ) ،(1تي 3 : 16 ) ، (أع 2. : 28 ) وما قيل عنه من حيث هو الأول و الأخر ( رؤ 1 : 8 ، 11 ، 17 ) .. الخ
إله حق من إله حق .
أي أنه إله حق ، مولود من الأب الذي هو أيضا إله حق . فكل من الأب و الابن إله حقيقيين له كل الصفات الألوهية ، و كل قدراتها وكل المجد و القدرة ، إلي ابد الآبدين .
وليست كلمة (إله ) هنا مجرد لقب كما قيل عن آلهة الأمم أو كما قيل عن بعض البشر .
السيد المسيح - كما قال القديس أوغسطينوس - له ميلادان : ميلاد أزلي من أب غير أم ، قبل كل الدهور . وميلاد آخر في ملء الزمان من أم بغير آب . هو مولود من الأب ، غير مخلوق ، إذ أن له ميلاد أزليا " لا بداءة أيام له ، ولا نهاية حياة ( عب7 : 3 ) . ومادامت ليست له بداية أيام ، إذن هو غير مخلوق . لأن كل المخلوقات له بداية ، وهي يوم خلقه هنا قانون الإيمان يعطي التعليم السليم ، الذي هو ضد تعليم الأريوسيين . إنه مولود من الأب كما يولد الفكر من العقل ، وكما يولد الشعاع من الشمس
… لذلك قيل بعد ذلك في قانون الإيمان :
إنه رد علي الأريوسية التي لم تفهم معني قول الرب " أبي اعظم مني " ( يو 14 : 28 ) . فالأب ليس أعظم من الابن في الجوهر ، لأن الابن له نفس طبيعة الأب ، ونفس جوهره لاهوته : فهو مساو له في كل شئ . ولكن عبارة "أبي أعظم مني " قيلت عن حاله إخلاء الذات في التجسد . كما قيل إنه " إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله . لكنه أخلي نفسه آخذا صورة عبد ، صائرا في شبه الناس . و إذا وجد في الهيئة كإنسان ، وضع نفسه وأطاع حتي الموت موت الصليب "( في2 : 6 ،8 ) .
حاله الإخلاء هذه هي التي قيل عنها " آبى أعظم مني " ، أي من صورة العبد التي أخذتها ، مع بقاْء جوهر اللاهوت كما هو .
أعظم من صورة الألم الصليب . في كل ما تحمله الابن في تجسده من إهانات . أما جوهر اللاهوت المتحد بهذا الناسوت ، فهو كما ، لم ينقضه تواضع الناسوت شيئا .
وهكذا استطاع في ناسوته أن يقول ويعمل ما يناسب لاهوته الذي يتساوى فيه مع الأب .
فقد قال " أنا و الأب واحد " ( يو 1. : 3. ) " من رآني فقد رأى الأب " ( يو 14 : 9 ) " أنا في الأب و الأب في ( يو 14 : 1. ) . وقال " لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الأب " ( يو 5 : 23 ) . كما أنه في تجسده قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " ( مر2 : 5 ، 1. ) . وقال نفس العبارة للمرأة الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها ( لو 7 : 48 ) . وفي تجسده مشي علي الماء ( مت 14 : 25 ) ، وانتهر الريح و الأمواج فسكنت وهدأت ( مر 4 : 29 ) . وفي تجسده خلق مادة جديدة في معجزة الخمس خبزات والسمكتين ( مت 14 : 17 ) ، وفي تحويل الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل ( يو2 ) . وفي منح البصر للمولود أعمى (يو 9 ) وعمل أعمالا كثيرة تدل عل لاهوته … كذلك قيامته و القبر مغلق ، و دخوله العلية و الأبواب مغلقة ( يو 2. : 19 ) . وصعوده إلي السماء
هنا يتحدث قانون الإيمان عن الابن كخالق ، خلق كل شئ كما ورد في إنجيل يوحنا " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان ( يو 1 : 3 ) وأيضا كما ورد في الرسالة إلي كولوسي " الكل به وله قد خلق ( كو 1 : 16 )
وهنا نسأل : من خلق العالم ؟ أهو الأب أم الابن ؟ ونجيب : الآم خلق كل شئ بالابن .
" فانه فيه خلق الكل : ما في السموات ، وما علي الأرض يري وما لا يري : سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين" ( كو 1 : 16 ) .
هو عقل الله الناطق . والله خلق كل شئ بعقله ونطقه . وهو " قوة الله وحكمة الله " ( 1 كو 1 : 24 ) . والله خلق كل شئ بقوته و حكمته .
ومن أجل خلصنا ، نزل من السماء
إن الابن كانت له أعمال كثيرة إلي جوار الغرض الأساسي من التجسد ، أعني الفداء .* فهو قد أعاد إلي الإنسان الصورة المثالية التي خلق عليها كان الإنسان قد خلق علي صورة الله ومثاله ( تك 1 : 26 ، 27 ) ولكنه بخطيئته فقد هذه الصورة الإلهية . فأتي السيد المسيح ليعيد هذه الصورة الإلهية مرة أخري بحياته المثالية في كل شئ .
* كذلك جاء يقدم للناس التعليم السليم ، ويصحح المفاهيم الخاطئة التي انتشرت نتيجة لتفسير القادة الجهال ، الذين أغلقوا ملكوت الله أمام الناس . فلا هم دخلوا ، ولا تركوا الداخلين يدخلون ( مت 23 ) . لذلك تكررت في عظته علي الجبل عبارة : "سمعتم أنه قيل للقدماء .. أما أنا فأقول لكم .. " (مت 5 ) . وهكذا كانوا يسمونه ( المعلم الصالح )…* كذلك جاء يعطي الناس فكرة سليمة عن الله من حيث هو الأب السماوي الذي يحبهم .
* وجاء يؤدي رسالة نحو المساكين المحتاجين ، كما قيل عنه في نبوة أشعياء النبي " .. مسحني لأبشر المساكين . أرسلني لأعصب منكسري القلوب . لأنادي للمسبيين بالعتق و للمأسورين بالإطلاق " ( أش 61 :1 ) . وهكذا قدم للعالم صورة الراعي الصالح ، كما جاءت في سفر حزقيال النبي ( حز 34 :15 ) " أنا أرعي غنمي و أربضها - يقول السيد الرب - و أطلب الضال ، و أسترد المطرود ، وأجبر الكسير ، و أعصب الجريح " .
ومع هذا كله ، كان العمل الأساسي للسيد الرب في تجسده ، هو الخلاص و الفداء .
فنزل من السماء من أجلنا ومن أجل خلاصنا . لو أنه لم يعمل شيئا سوى الفداء و الخلاص ، لكان هذا يكفي ولكن من الناحية العملية كان لابد أن يؤدى المسيح رسالة قبل أن يقوم بعمل الفداء .. لكي يعرفه الناس . ولأنه لا يمكن أن يبقي بلا عمل . وهكذا أدى رسالة كمعلم و كراعي للخراف الضالة ، وكصورة مثلي أمام الناس ، و كقلب مملوء بالحب .
من أجل خلاصنا نزل من السماء .
وهذا يعني أن موطنه الأصلي هو السماء .
كما قيل " من عند الأب خرجت ، و أتيت إلي العالم . و أيضا أترك العالم ، وأذهب إلي الأب " ( يو 16 : 28 ) . و قال أيضا .. فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلي السماء إلي حيث كان أولا " ( يو 6 : 62 ) . إذن هو كان أولا في السماء و نزل منها . ولذلك قال لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء : ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) .
سكناه في السماء أولا ، دليل علي لاهوته .
فهو - كما يقول القديسون - ليس إنسانا صار إلها بل هو إله صار كإنسان أخلى ذاته وأخذ شكل العبد ، وصار في الهيئة كإنسان .. وفعل ذلك لأجل خلاصنا .
لأجل الخلاص كان لابد أن يموت الإنسان المحكوم عليه بالموت منذ أكل من الشجرة . فمات المسيح ليفدى الإنسان . عبارة ( نزل من السماء ) لا تعني تركه للسماء . فهو نزل من السماء إلي الأرض ، و استمر باقيا في السماء ، لأنه موجود في كل مكان ، و لا يخلو منه مكان . و لذلك قال لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ). فهو نزل من السماء ، وهو في السماء . عبارة " نزل من السماء " تعني إخلاءه لذاته من ناحية ( في 2 : 7 ) ، و ظهوره لنا من ناحية أخرى . نزل ، أي تنازل " أخذ شكل العبد ، و صار في الهيئة كإنسان ، ووضع ذاته حتي الموت موت الصليب " ( في 2 : 7 - 9 ) . وعبارة ( نزل من السماء ) تعني لنا ، بصورة مرئية ، في الجسد . كما قال الرسول "عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد .." (1 تي 3 :16 ) . وهكذا غير المرئي صار مرئيا .
كلمة ( تجسد ) تعني أنه أخذ جسدا . و بالقبطية أي أخذ جسدا.. أي اتحد بهذا الجسد . اتحدت به الطبيعة اللاهوتية . ولكن كيف أخذ هذا الجسد ؟ من أي مصدر ؟ لذلك قيل بعد ذلك :
من الروح القدس ومن مريم العذراء:
العذراء وحدها ما كان ممكنا أن تلد طفلا " وهي لاتعرف رجلا " ( لو 1 : 34 ) . لذلك قال لها
الملاك مفسرا الأمر " الروع القدس يحل عليك ، وقوة العلي تظللك " ( لو 1 : 35 )
حلول الروح القدس في بطنها ، كان حلولا اقنوميا .
إنها حالة استثنائية. فالبشر لا يحل عليهم الروح القدس حلول اقنوميا . وقد حل الروح القدس علي مريم العذراء لسببين : أولاً لكي يكون في بطنها جسد المسيح بدون زرع بشر . وثانيا لكي يقدس مستودعها ، بحيث أن المولود منها لا يرث الخطية الأصلية .وهكذا صار حبلها بالسيد المسيح حبلا بلا دنس .
وفي هذا المعني قال الملاك المبشر " الروح القدس يحل عليك .. لذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو 1 : 35 ) . هو إذن قدوس " شابهنا في كل شئ ما عدا الخطية ( القداس الغريغورى) حتي أنه إذا مات ، لا يموت عن الخطية له ، إذ هو بلا خطية . بل يموت عن خطايا الغير عبارة ( تجسد ) لا تعني فقط أنه أخذ جسدا بشريا ، بل طبيعة بشرية كاملة ، من جسد وروح ..
لذلك لم يكتف قانون الإيمان بكلمة تجسد ، إنما أضاف عليها (وتأنس ) أي صار إنساناً .
صار إنسانا كاملا ، له طبيعته ناسوتية . لذلك قال الرسول " يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس : الإنسان يسوع المسيح .." ( 1 تي 2: 5 ) . ذلك لأن الحكم صدر ضد الإنسان . فيجب أن الذي يموت يكون إنسانا من نسل ذلك الإنسان . فإن لم يكن إنسانا كاملا ، لا يكون قد شابهنا في كل شئ . ولا يكون قد أخذ طبيعتنا المحكوم عليها بالموت .نقول هذا لأنه قامت هرطقة إن السيد المسيح لا يحتاج إلي روح إنسانية يحيا بها . يكفي أنه يحيا لاهوته المتحد به . يحيا بالروح القدس المتحد به اقنوميا وليس بروح بشريه !! وقد حرم المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية سنه 381 م هذه الهرطقة ( هرطقة أبوليناريوس ) ، لأنها تقلل من ناسوت المسيح . فلا تجعل له ناسوت كاملا بل مجرد جسدا !!و أصبحت عبارة " تجسد و تأنس " تتلي في قانون الإيمان ونصليها أيضا في القداس الإلهي .. اعترافا بناسوت المسيح الكامل الذي ناب عن البشر مقدما نفسه ذبيحة عن خطايانا . وهكذا قال الرسول " وسيط واحد بين الله و الناس : الإنسان يسوع المسيح ، الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع "( 1 تي 2 :5 ،6 ) . وبهذا كان السيد المسيح يتمسك بلقب ( ابن الإنسان ) ، ويكرره كثيرا ، لأنه يمثل نيابته عن الإنسان عموما في موته عن الخطية .. و بالقبطية تأنس أي صار إنسانا . صار الإنسان القدوس . الذي اتحد به اللاهوت داخل بطن العذراء منذ أول لحظة للحبل المقدس لما حل عليها . أما القديسة مريم فقد حبل بها حبلا عاديا . لذلك تحتاج إلي الخلاص كباقي البشر وهكذا قالت في تسبحتها " .. وتبتهج روحي بالله مخلصي " ( لو 1 : 47 )
" وصلب عنا علي عهد بيلاطس البنطى " عبارة " صلب عنا " تعني نيابة عنا أو بدلا منا . نحن الذين كنا مستحقين الموت ، لأننا أخطأنا و " أجرة الخطية هي الموت " ( رو6 : 23 ) . " بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم ، و بالخطية الموت . وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس إذ أخطأ الجميع " ( رو 5 : 12 ) .ثم جاء المسيح الذي بلا خطية تستحق الموت ، لكي يموت عن الخطاة الذين هو تحت حكم الموت .
بهذه الشهادة دافع عنه اللص اليمين ، فقال لزميله المجدف " أما نحن فبعدل ( جوزينا ) لأننا ننال استحقاق ما فعلنا . وأما هذا فلم يفعل شيئا ليس في محله " ( لو 23 : 41 ) و أيضا بيلاطس الذي حكم أخيرا بصلبه ، قال لرؤساء اليهود الذين قدموه للموت " إني لم أجد علة للموت " ( لو 23 : 22 ،14 ) . و قال أيضا " إني برئ من دم هذا البار " ( مت 27 : 24 ) وهكذا صلب هذا البار ، نيابة عنا نحن المستحقين الموت .
" كللنا كغنم ضللنا . ملنا كل واحد إلي طريقة . والرب وضع عليه إثم جميعنا "(أش53 :6 )
إذن مات عنا لكي يفدينا بموته . و الفداء يعني أن بارا يموت عن مذنب . فالخاطئ يموت بسبب خطيئته . أم البار - في الفداء - فيموت عن خطيئته غيره ، ليفدى هذا الغير من حكم الموت . ولم يكن هناك بار ولا واحد . بل هو المسيح البار " الجميع زاغوا معا وفسدوا . وليس من يعمل صلاحا ، ليس ولا واحد " ( مز 14 : 3 ) .
أما المسيح فهو القدوس ، الذي يمكنه أن يموت عن غيره .
في البشارة بميلاده ، قال الملاك جبرائيل للقديسة العذراء " القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو1 :35 ) . و القديس بطرس الرسول لما وبخ اليهود علي صلب المسيح ، قال لهم " أنتم أنكرتم القدوس البار ، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل " ( أع 3 :14 ). وقال عنه القديس بولس الرسول " كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا ، قدوس بلا شر و لا دنس ، قد انفصل عن الخطاة ، وصار أعلي من السموات " ( عب 7: 26) . إنه قدوس ، ولكنه حمل خطايانا .
في صلبه : لم يكن خاطئا ، إنما حامل خطايانا .
حامل خطايا غيره خطايا العالم كله ، خطايا الماضي و الحاضر و المستقبل . قال القديس يوحنا الرسول " .. إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الأب : يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضا " ( 1 يو 2 :1،2 ) . وقال عنه القديس يوحنا المعمدان : هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " ( يو1 :29) .
إنه يذكرنا بذبائح ومحرقات العهد القديم التي كانت ترمز إليه :
في العهد القديم ، كان الخاطئ يأتي بذبيحة كفارة عن خطاياه . يأتي بحيوان برئ و يضع يده عليه . ويقر بخطاياه علي رأس الذبيحة . وكان قد وضع يده علي رأس الذبيحة ، إشارة إلي قبوله لأن تنوب عنه و أيضا إشارة إلي انتقال خطاياه إليها ، حتي تحملها وتموت نيابة عنه . وهذه الحيوانات البريئة التي كانت تذبح وتموت ، لم تكن خاطئة ، و إنما حاملة خطايا ، تحمل خطايا الذين يؤمنون بالكفارة و الفداء ، ويقبلونها عنهم .
قيل عن ذبيحة الخطية إنها قدس أقداس (لا 6 :25) .
وتكرر هذا التعبير أيضا " إنها قدس أقداس " (لا6 :29) . ولذلك كانت تذبح في المكان الذي تذبح فيه المحرقة إنها وقيل عن المحرقة " رائحة سرور للرب " (لا1: 9،13،17) . كذلك قيل عن تقدمة الدقيق إنها " رائحة سرور للرب " قدس أقداس من وقائد الرب " (لا2 :2،3،9،1.) . كذلك قيل عن ذبيحة الإثم قدس أقداس . في المكان الذي يذبحون فيه المحرقة ، يذبحون ذبيحة الإثم " (لا7: 1،2) .
و هكذا كان المسيح : ذبيحة خطية وذبيحة إثم ، وقدس أقداس فيما يحمل خطايا العالم ، وكان رائحة سرور للرب .
كانت هذه الذبائح التي تحمل الخطايا ، " تحرق أجسادها خارج المحلة " (عب13: 11) . وهكذا المسيح أيضا " لكي يقدس الشعب بدم نفسه ، تألم خارج الباب " صلبوه خارج المحلة ، لأننا نحن كخطاة ، كنا معتبرين خارج المحلة…فخرج هو خارج المحلة نيابة عنا ، لكي بذلك يدخلنا إلي داخل المحلة .
صلب عنا ومات عنا ، لكي نحيا نحن بموته . لقد تحدوه قائلين " لو كنت ابن الله ، انزل من علي الصليب " ( مت27: 4.) "فلينزل الآن علي الصليب فنؤمن به " ( مت27: 42 ) (مر15: 32) .. ولكنه لم يفعل ذلك لأنه أراد أن يموت عنا ، لكي نخلص نحن بموته .
ولكن لماذا اختار أن الموت مصلوبا .
أولا : لأنه كان أكثر أنواع الموت آلاما . تنزف فيه كل دمائه وتتمزق فيه كل أعصابه إلي جوار الآلام بسبب احتكاك المسامير بجسده .
ثانيا : لأن، آلام الصلب تستمر مدة أطول . ربما قطع الرأس لا يأخذ سوى لحظة . وكذلك آلام الحرق تستمر لحظات ، وأيضا الشنق . وباقي أنواع الإعدام قد لا تقضي سوي دقائق . أما صلبه فقد استمر ثلاث ساعات . من السادسة إلي التاسعة ، يضاف إليها عملية الاستعداد لصلبه .
ثالثا : لأن الصليب فيه تشهير به وأعلان لعقوبته . فالصليب في مكان مرتفع يراه الجميع . وكثير من أهل المدينة وخارجها يرونه .
رابعا : لأن الموت صلبا ، كان يعتبر لعنة في العهد القديم ، في ناموس موسى ( تث21: 22 ،23) . " لأنه مكتوب : ملعون كل من علق علي خشبة " (غل 3: 13) . فالسيد المسيح بصلبه " افتدانا من لعنه الناموس " باحتماله لها بدلا منا .. ولأن موت الصليب موت وعار ، لذلك قيل عنه " وإذ وجد في الهيئة كإنسان ، وضع نفسه و أطاع حتي الموت ، موت الصليب " (في 2: 8) .
لقد ناب في الصلب والموت و العار و اللعنة . وليس في هذا كله فقط :
عندما صام ، صام عنا . وما كان محتاجا مثلنا إلي الصوم . وحينما دخل في معمودية التوبة ، إنما دخلها نيابة عنا لأنه ما كان محتاجا إلي المعمودية ، ولا إلي توبة
. وكذلك في طاعته لكل وصايا الناموس " لكي يكمل بر " (مت3 :15 ) ، إنما خضع للناموس نيابة عنا . حيث قدم لله الأب صورة عملية للإنسان الكامل ، في وقت لم يوجد فيه الكمال علي الأرض . إذ الجميع ضلواوزاغوا ، و أعوزهم مجد الله . قدم له ناسوتا كاملا بلا خطية يفعل في كل حين ما يرضيه ( يو8: 29) .لقد صلب المسيح عنا. ولكن لماذا قيل قانون الإيمان :
صلب عنا بيلاطس البنطى.
إنها حادثة تاريخية ، أراد قانون الإيمان أن يثبت زمنها أيضا من الناحية التاريخية بالضبط ، في عهد أي و آل من ولادة الرومان . وذكر أيضا إنه " صلب عنا و تألم "
أهمية إثبات الألم هام جدا فلماذا ؟
لئلا يطن البعض اللاهوت بالنا سوت في السيد المسيح قد حمي الناسوت من الألم !!
وهنا تكون مسألة الصلب شكلية بحتة ! و لا يكون المسيح قد دفع ثمن الخطية للعدل الإلهي حاشا !!إن آلام الصلب حقيقة ثابتة . وعنها تنبأ أشعياء النبي فقال :" رجل أوجاع ومختبر الحزن .. أحزاننا حملها ، وأوجاعنا تحملها . ونحن حسبناه مصابا ومضروبا من الله ومذلولا . وهو مجروح لأجل معاينا ، مسحوق لأجل آثامنا .. أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن ، أن جعل نفسه ذبيحة إثم " (أش 53 : 3-1.) .
ومن شدة ألمه علي الصليب ، قال " إلهي إلهي لماذا تركتني " ( مر 15: 34 ) . ومن شدة ما نزل منه عرق ومن دم ، قال " أنا عطشان " ( يو 19 :28) .
لقد تألم السيد المسيح آلاما حقيقة مبرحة . وقد تركه اللأب للألم ، وسر أن يسحقه بالحزن . وعبارة " لماذا تركتني " لا تعني انفصاله عنه ، حاشا . إنما تعني تركه للألم ، دون أن يمنع الألم عنه . لذلك تحتفل الكنيسة سنويا بأسبوع الألم . وتصوم كل يوم جمعة تذكارا لألم المسيح ..
إن السيد المسيح لم يستخدم لاهوته أبدا من أجل راحة ناسوته
ليس ذلك في وقت العماد الصلب بل طوال فترة تجسده علي الأرض .. حينما هرب من يسف هيرودس إلي مصر . كان يستطيع بقوة لاهوته أن يضرب هيرودس ضربة لا قيام بعدها ، لكنه لم يفعل ، ولم يستخدم لاهوته .وفي صومه علي الجبل ، كان بإمكان لاهوته أن يحمي جسده من الجوع . ولكنه لم يفعل ، بل قيل عنه أنه " جاع أخيرا " ( مت 4: 2) هكذا احتمل الجوع ، و لم يستخدم لاهوته لراحة جسده . و أيضا لم يحول الحجارة إلي خبز حسب اقتراح الشيطان !!
وطوال فتره تجسده علي الأرض ، كان يجوع ويعطش ، و يتعب ويتألم . ولم يستخدم لاهوته لمنع شيء من هذا عن نفسه . و في أثناء حمله للصليب إلي الجلجثة ( يو 19 : 17 ) ، من فرط التعب . وقع وحمله عنه سمعان القيراونى ( مر 15 : 21 ) . وكان يمكنه بقوة لاهوته أن يحمل الصليب بدون القيراونى ! كذلك لم يستخدم لاهوته في منع أو إيقاف كل الذين أهانوه و لطموه ( مت 27 : 29-31 ) .
وهو نفسه تنبأ - قبل الصلب - عن هذه الألم :
فقال لتلاميذه " إنه ينبغي أن يذهب إلي أورشليم ، و يتألم كثيرا من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة و فبي اليوم الثالث يقوم _( مت 16: 21 ) " و ابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا من و يرفض من الشيوخ و رؤساء الكهنة و يقتل . و بعد ثلاثة أيام يقوم ( مر 8 :31 ) " وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيرا و يرذل " ( مر 9: 12) ( لو 9: 22) . وكرها مرة أخرى فقال كذلك أيضا يكون ابن الإنسان في يومه . ولكن ينبغي أولا أن يتألم كثيرا ،ويرفض من هذا الجيل " ( لو17 : 25 ) .
كذلك بعد القيامة ، ذكر أن آلامه قد تحدث عنها الأنبياء من قبل
فوبخ تلميذي عمواس قائلا لهما " أيها الغبيان و البطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء . أما كان ينبغي أن المسيح يتألم ويدخل إلي مجده "( لو 24 : 25، 26) . وقال لتلاميذ ه أيضاً " هكذا ه مكتوب ، وهكذا ينبغي : أن يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث "( لو 24: 46) .
آلام المسيح كانت ترمز إليها الذبائح في العهد القديم :
خروف الفصح مثلاً ، كان يرمز إلي السيد المسيح ، إذ قيل "لأن فصحنا أيضاً ، المسيح قد ذبح لأجلنا "( 1كو 5: 7) . هذا الفصح قيل عنه إنه قيل عنه إنه يكون " مشوياً بالنار "( خر 12: 8) . وهذا الشي رمز للآلام . و المحرقة التي كانت ترمز للمسيح في وفاء العدل الإلهي ، وأنها رائحة سرور للرب ( لا 1: 9) . قيل في شريعتها :" تكون علي الموقودة فوق المذبح كل الليل حتي الصباح .. والنار علي المذبح تتقد عليه . لا تطفأ .. نار دائمة علي المذبح ، لا تطفأ" ( لا 6: 9 - 12) . كل هذه النيران رمز للعدل الإلهي الذي يأخذ حقه من المحرقة ، حتي تتحول إلي رماد ( لا 6: 1.) … أي آلام أكثر من هذه في تحقيق الرمز ..! ومما يعبر عن آلامه في الصلب ، ما قيل عنه في المزمور :" ثقبوا يدى و قدمي ، وأحصوا كل عظامي " ( مز 22: 16) .
كل هذا المزمور عن آلام الصلب التي وجهت إلي الجسد و النفس . يقول " صار قلبي كالشمع . ذاب في وسط أمعائي .يبست مثل شفقة قوتي ، ولصق لساني بحنكي
أي وضع في القبر . وفي هذا هو الذي حدث بعد أن كفنه يوسف الرامي و نيقوديموس " فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع الأطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا . وكان في الموضع الذي صلب ، فيه بستان . وفي البستان قبر جديد لم يوضع فيه احد قط . فهناك وضعاً وضع جسده "( لو 23: 55) .
والقبر الذي دفن فيه السيد ، كان منحوتاً في صخرة . ولما وضعه فيه يوسف ، دحرج حجراً علي باب القبر "( مر 15: 46) " وكانت مريم المجدلية ومريم أم يوسي ، تنظران أين يوضع ( مر 15: 47) . هذا القبر أتي رؤساء الكهنة و الفرسيون - بالاتفاق مع بيلاطس - مضوا إلي القبر و ضبطوه بالحراس ، وختموا الحجر . وذلك لخوفهم من أن يأتي التلاميذ ليلاً ويسرقوا الجسد ، ويقولوا للشعب أنه قام من الأموات "( مت 27: 62-66 ) .
وملخص الموضوع أن يوسف الرامي ونيقوديموس كفنا جسد المسيح ، ووضعوه في قبر جديد منحوت في صخرة ، ودحرجا حجراً علي فم القبر ، ونسوة كثيرات رأين ذلك . ثم أن رؤساء الكهنة و الفريسيين ضبطوا القبر بالحراس ، وختموا الحجر الذي علي فم القبر .
وكل ذلك ساعد إثبات القيامة . لأنه كيف يستطيع التلاميذ أن يسرقوا الجسد ، مع وجود الحراس ، ووجد الحجر الذي يسد باب القبر ، والحجر عليه الختم . يضاف إلي هذا ان السبت قد حل مساؤه ( مر 15: 42) واستراح الناس حسب الوصية ( لو 23: 56) . وعلي الرغم من كل ذلك قام السيد
المسيح . وكان القبر الفارغ دليل قيامته .
" وقام من الأموات في اليوم الثالث ، كما في الكتب " أن قيامة المسيح تختلف عن كل شخص أخر عاد إلي الحياة في الأمور الآتية :
1 - إن السيد المسيح قد قام بذاته ، و لم يقمه أحد .
هناك ثلاثة عادوا إلي الحياة في العهد القديم : ابن أرملة صرفة صيدا ، أقامه إيليا النبي (1مل 17 :22) ، وابن المرأة الشونمية ، أقامه أليشع النبي ( 2مل 4: 25) . وثالث مات فطرحوه في قبر أليشع عاش وقام (2مل 13 :21) . وهناك ثلاثة أقامهم السيد المسيح : ابن أرملة نايين (لو7 : 15 ) و ابنة يا يرس ( لو 8: 55) و لعازر ( يو11: 43 ،44 ) . وقد أقام بولس الرسول الشاب أفتيخوس ( أع 2. : 1. ) و أقام بطرس تلميذة أسمها طابيثا ( أع9 : 4. ) .كل هؤلاء أقامهم غيرهم . أما السيد المسيح فهو الوحيد الذي قام بقوة لاهوته . هو قام ، أما أولئك فأقيموا ..
2 - هو الوحيد الذي قام بحسد ممجد : والقديس بولس الرسول عندما تحدث عن أجسادنا في القيامة العامة ، قال " ننتظر مخلصا هو الرب يسوع المسيح ، الذي سيغير شكل جسد تواضعا ليكون علي صورة جسد مجده " ( في 3: 2. ،21 ) هذا الجسد الممجد الذي للسيد المسيح ، استطاع - في القيامة - أن يخرج من القبر و هو مغلق و علي بابه حجر كبير . و استطاع أن يدخل علي التلاميذ في العلية ، وكانت الأبواب مغلقة ( يو 2. :19 ) . و استطاع بهذا الجسد الممجد أن يصعد إلي السماء و أخذته سحابه والتلاميذ ينظرون ( أع 1: 9 ،1. ) . أما إن كان قد أكل مع التلاميذ بعد القيامة ، أو أراهم جروحه ، فذلك لكي يثبت لهم قيامته ، لأنهم ظنوه روحا ( لو 24 : 37- 43 ) .3 - السيد المسيح هو الوحيد الذي قام قيامة لا موت بعدها .
كل الذين أقيموا من قبل ، عادوا فماتوا ثانيه و ينتظرون القيامة العامة . سواء الذين أقيموا في العهد القديم ، أو الذين أقامهم الرسل . أما السيد المسيح ، فقد قام و استمر حيا ، وهو حي إلي أبد الآبدين . لذلك ليس عجيبا أن يقسم البعض باسم المسيح الحي ، أو أن يصلوا إلي المسيح الحي .
و هكذا أطلق عليه القديس بولس لقب ( باكورة الراقدين ) ( 1 كو 15: 2.) .
فهو البكر في القيامة من الأموات ، أي أول شخص قام قيامته أبدية لا موت بعدها . و هو نفسه قال للقديس يوحنا في سفر الرؤيا " أنا هو الأول و الآخر . والحي و كنت ميتا ، و ها أنا حي إلي أبد الآبدين آمين "( رؤ1 :17 ،18 ) ،
كانت قيامة المسيح أمرا هاما جدا بشر به الرسل ، و انزعج اليهود جدا لذلك . يقول سفر أعمال الرسل " وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع . و نعمة عظيمة كانت علي جميعهم ( أع4 :23 ) . و انزعج رؤساء اليهود لهذا الأمر ،لأن المناداة بقيامة المسيح تثبت لاهوته و بره ، تدل علي أن اليهود صلبوه ظلماً ، وأنهم مطالبون بدمه …
لذلك استدعوا الرسل و قالوا لهم " أما أوصيناكم و صية أن لا تعلموا بهذا الاسم . و ها أنتم قد ملأتم أورشليم بتعليمكم و تريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان " ( أع5 : 27 ،28 ) .. و كان التوبيخ الذي سمعه اليهود من الرسل " أنتم أنكرتم القدوس البار ، وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل . ورئيس الحياة قتلتموه " ( أع 3: 14، 15) .
4- وكانت قيامته المسيح تدل علي قوته و انتصاره . وبشرى لنا بأنه سيقيمنا معه .
فهو الوحيد الذي انتصر علي الموت بقيامته ، وداس الموت بقوته . وأعطانا الوعد أيضاً بالقيامة " فكما أنه في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع .." فإنه إذا الموت بإنسان ، فبإنسان أيضاً قيامة الأموات "" المسيح باكورة . ثم الذين للمسيح في مجيئه " ( 1كو 15: 21-23) .
هذا الرجاء في قيامة الأموات ، سببه قيامة المسيح .
وفي هذا يقول القديس بولس الرسول " إن لم تكن قيامته للأموات فلا يكون المسيح قد قام . وإن لم يكن المسيح قد قام ،فباطلة كرازتنا ، وباطل أيضاً إيمانكم . ونوجد نحن أيضا شهود زور .. وإن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح ، فأننا أشقى جميع الناس . ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات ، وصار باكورة الراقدين "( 1كو 15: 13- 2.)
ولو كان المسيح لم يقم ، لأصبح مثل أي أنسان عادي . ويكون قد أنتصر عليه أعداؤه ، وأنتصر عليه الموت أيضاً !!
ولكنه قام " لأن فيه كانت الحياة "( يو 1: 4) . ولأنه " رئيس الحياة " ( اع 3: 15) . لأنه هو القيامة و الحياة ( يو 11: 25) كما قال لمرثا أخت لعازر قبل أن يقيمه …قيامة السيد المسيح كانت أمراً بشر به تلاميذه قبل صلبه :
قال لهم انه " ينبغي أن يذهب إلي أورشليم ، ويتألم كثيراً من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة ، ويقتل وفي اليوم الثالث يقوم " ( مت 16: 21) ( مر 8: 31) . وكرر نفس هذا الكلام في ( لو 9: 22)
وبعد قيامته أخبرهم أن هذا الأمر وارد في أقوال الأنبياء:
قال لهم " هكذا مكتوب . وهكذا كان ينبغي : أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث " ( لو 24: 46) . وكذلك فإن النسوة اللائي أتين إلي القبر حاملات حنوطاً ، قال لهن الملاك : " لماذا تطلبن الحي بين الأموات . ليس هو ههنا ، لكنه قام . اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلاً إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة ، ويصلب ، وفي اليوم الثالث يقوم ، فتذكر كلامه "( لو 24: 5-7) .
وكانت قيامة الرب في اليوم الثالث تطابق الرمز في سفر يونان :
وهكذا عندما طلب اليهود منه آية ، بعد آيات كثيرة صنعها ، قال لهم موبخاً " جيل شرير وفاسق يطلب آيه ، ولا تعطي له آيه إلا آيه يونان النبي . لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال "( مت 12: 39، 4.) . مشيراً بهذا إلي موته ، وقيامته في اليوم الثالث
يقوم في اليوم الثالث كما في الكتب
أي كما وردت أخبار هذه القيامة في الكتب المقدسة ، وقد كان تسجيلها في الكتب المقدسة كان تسجيلها في الكتب المقدسة دليلاً علي أهميتها ، وكذلك تبشير الرسل بها ..
المقصود طبعاً أنه صعد بالجسد .
ذلك لأن اللاهوت لا يصعد ولا ينزل . اللاهوت موجود فوق وتحت وما الفوق و التحت . موجود في السماء وعلي الأرض وما بينهما . لذلك فهو لا يصعد ولا ينزل ، لأنه مالئ الكل ، وهو في كل مكان . إنما السيد المسيح صعد إلي السماء جسدياً ، حسبما نقول له في القداس الغريغورى :
" وعند صعودك إلي السماء جسدياً .."
لقد رآه التلاميذ صاعداً بالجسد إلي فوق " ارتفع وهو ينظرون ، وأخذته سحابه عن أعينهم "( أع 1: 9) . وطبعاً رأوه صاعداً بالجسد ، لأنهم لا يمكن أن يروا اللاهوت .
وكان صعود السيد إلي السماء بالجسد الروحاني الممجد .
هذا الجسد الروحاني الذي سيقوم به أيضا حسبما قال الرسول في رسالته إلي أهل كورنثوس عن قيامة جسدنا " يزرع جسماً حيوانياً . ويقام جسماً روحانياً ..كما لبسنا صورة الترابي ، سنلبس أيضاً صورة السماوي " ( 1كو 15: 44، 49) . وهذا الجسد الروحاني السماوي الذي سيقوم به ، وهو علي شبه جسد الرب يسوع في قيامته ،" الذي سيغير شكل تواضعنا ، ليكون علي صورة جسد مجده "( في 3: 21) .. وكما قلت من قبل :
أن معجزة الصعود ليست تحدياً للجاذبية الأرضية :
بل هي معجزة الجسد الروحاني الممجد ، الذي لا يدخل في نطاق الجاذبية الأرضية .
إنما يخضع للجاذبية الأرضية الجسد المادي . أما صعود الرب إلي السماء ، فكان بجسد روحاني سماوي ممجد ، لا علاقة له بجاذبية الأرض . إذن فلم يكن هناك أي تحد لجاذبية الأرض .. وهكذا نحن في القيامة العامة ، حينما " تخطف جميعاً في السحب لملاقاة الرب في الهواء ، ونكون كل حين مع الرب " ( 1 تس 4: 17) ، سوف لا يكون اختطافنا في السحب تحدياً للجاذبية الأرضية . لا تكون ملاقتنا للرب في الهواء تحدياً للجاذبية الأرضية . لأن الأجسام الروحانية السماوية التي يقوم بها ، لا تدخل في نطاق هذه الجاذبية ولا سلطان للجاذبية الأرضية عليها . كم بالأكثر صعود السيد المسيح بعد قيامته .
وعبارة صعد إلي السماوات تعني سماء السموات
سماء السموات هذه التي لم يصعد إليها احد من قبل . لا إيليا ولا اخنوخ ولا أحد آخر كما قال الرب لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء ( يو 3: 13) .
عبارة ( سما السموات ) وردت في صلاة سليمان يوم تدشين الهيكل ، حينما قال للرب " هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك . فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت "( 1مل 8: 27) . وردت أيضاً من قبل ذلك في سفر المزامير ، إذ يقول المرتل :" سبحوا الرب من السموات ، سبحوه في الأعالي . سبحيه يا سماء السموات .." مز 148: 1، 4) .
سماء السموات هي أعلي علو . أي لو اعتبرت كل السموات كأنها أرض ، لكانت هذه سماءها .. هي الخاصة بعرش الله ومجده ( مت 5: 34) .
جلوس المسيح عن يمين الأب وارد في موضع عديدة من العهد الجديد ، مع نبوءة في المزامير :
· قيل في ( مر 16: 19) " ثم أن الرب بعدما كلمهم ، ارتفع إلي السماء وجلس عن يمين الله " . وفي ( عب 8: 1) " واما رأس الكلام فهو أنه لنا رئيس كهنة مثل هذا ، قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات " وقيل عنه في نفس الرسالة أيضاً " بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي صائرا أعظم من الملائكة " ( عب 1: 3) . وأيضا من أجل السرور الموضوع أمامه ، احتمل الصليب مستهيناً بالخزى ، فجلس في يمين عرش الله "( عب 12: 2) .
· وكان هذا أيضاً ضمن كلام الرب أمام مجمع السنهدريم . إذ قال لهم " من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً علي سحاب السماء "( مت 26: 64) .
· وهذا ما رآه القديس اسطفانوس في وقت استشهاده ." إذ شخص إلي السماء - وهو ممتلئ من الروح القدس - فرأي مجد الله ويسوع قائماً عن يمين الله "( ( أع 7: 55) " فقال : هأنذا أنظر السموات مفتوحة ، وابن الإنسان قاتماً عن يمين الله "( أع 7: 56) .
وورد في سفر المزامير " قال الرب لربي اجلس عن يميني حتي أضع أعداءك موضعاً لقدميك "( مز 11.: 1)
ما معني عبارة " جلس عن يمين أبيه "؟
أولاً نقول أن الله ليس فيه يمين ولا شمال . لأن الكائن المحدود هو الذي له يمين يحده من ناحية . وله شمال يحده من ناحية أخري . أما الله فغير محدود ، لا نقول إن له يميناً أو شمالاً . كذلك لا يوجد فراغ عن يمينه لكي يجلس فيه كائن أخر . وأيضاً لو جلس الابن عن يمينه بهذا المعني المكاني ، فلا يمكن حينئذ أن ينطبق قوله " أنا في الآب . والآب في " ( يو 14: 11) ، بل يكون هناك مجرد خط تلامس كأي جالسين إلي جوار بعضهما البعض .. إذن ما معني كلمة يمين ؟
كلمة يمين - في الإصطلاح الكتابي - تعني أحياناً القوة أو البر أو الكرامة :
كما يقول المرتل في المزمور " يمين الرب صنعت قوة ، يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة ، فلن أموت بعد بل أحيا ." ( مز 118: 15- 17) . وأيضاً " يمينك يارب تحطم العدو "( خر 15: 6) كما في تسبحة موسى ، أي قوتك . وأيضاً " خلص بيمينك " ( مز 6.: 5) ( مز 1.8: 6) . في مباركة أبني يوسف ( أفرايم ومنسي ) ، كان وضع اليد اليمني يعني كرامة أفضل ( تك 48: 17- 19) . ونفس معني الكرامة يقصد ه المزمور " قامت الملكة عن يمينك أيها الملك "( مز 45: 9) .وبالرمز يعني الكرامة المعطاة للقديسة العذراء . وبنفس المعني قول المزمور " الرب عن يمينك يحطم في يوم رجزه ملوكاً ( مز 11.: 5) . نلاحظ في يوم الدينونة ، جعل الرب الأبرار عن يمينه ، والأشرار عن يساره . وهنا يرمز اليمين إلي البر وإلي الكرامة ، ونحن بنفس المعني نسمي اللص الذي أخذ وعداً بالفردوس وهو علي الصليب ( اللص اليمين ) .. من هنا كان جميلاً أن الملاك الذي بشر زكريا الكاهن بميلاد يوحنا ، ظهر له واقفاً عن يمين مذبح البخور ( لو 1: 11) .
إذن عبارة ( عن يمين الله ) تعني في قوته وبره وكرامته أو مجده . وعبارة ( جلس ) تعني استقر .
أي أن السيد المسيح عندما صعد إلي السماء ، استقر في القوة والمجد و الكرامة . كما استقر في البدء ، بمعني أن هذا الذي اتهمواه ظالماً وحسداً ، قائلين عنه هذا المضل ( مت 27: 62) كاسر السبت ( يو 9: 16) الذي ببعلزبول يخرج الشياطين ( مت 12: 42) الذي أهانوه قائلين " ألسنا نقول حسناً أنك سامري وبك شيطان !" ( يو 8: 48) .. كل هذه الاتهامات والإهانات وأمثالها زالت بصعوده إلي السماء بجلوسه عن يمين الآب
عبارة جلس عن يمين أبيه عن يمين أبيه " تعني انتهاء فترة إخلائه لذاته .
يقول الكتاب إنه أخلي ذاته وأخذ شكل العبد ، وصار في الهيئة كإنسان "( في 2: 7) . وبهذا الإخلاء احتمل ضعف الطبيعة البشرية ، فكان يجوع ويعطش ويتعب وينام كل هذا انتهي بجلوسه في قوته عن يمين الآب . الضعف الذي به قبضوا عليه وأهانوه وجلده وصلبوه ، وكل هذا انتهي ..
وهكذا في مجيئه الثاني سيأتي في قوة ومجد . وهنا يقول قانون الإيمان ."
يأتي في مجد طبيعته الإلهية ، وليس في مجد جديد يمنح له . بل في المجد الذي كان له قبل كون العالم ( يو 17: 5) . المجد الذي أخلي ذاته منه حينما تجسد كإنسان وولد في مزود . ثم عاد فأسترده حينما صعد إلي السماء وجلس عن يمين الآب . لذلك قال
".. ابن الإنسان متي جاء ومجد الآب و الملائكة القديسين "( لو 9: 26).
عجيبة جداً عبارة " يأتي في مجد الآب " . إنها مكررة أيضاً في قوله " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته . وحينئذ يجازي كل واحد بحسب عمله " ( مت 16: 27) . يقول ( في مجد أبيه ) لأن مجد أبيه هو مجده ، ومجده هو مجد أبيه . لأنهما واحد في مجد اللاهوت .
وواضح هنا أن مجيئه الثاني هو مجيء للدينونة .
يأتي ليجازي كل واحد بحسب أعمله ". وهذا ما يقوله أيضاً في ( مت 25) : يقول " ومتي جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه فحينئذ يجلس علي كرسي مجده ، ويجتمع أمامه جميع الشعوب . فيميز بعضهم من بعض . كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن يساره .." ( مت 25: 31- 46) .. وتبدأ الدينونة . ومجيئه للدينونة واضح في أخر إصحاح من سفر الرؤيا ، إذ يقول : " ها أنا أتي سريعاً وأجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله "( رؤ 22: 12) .
ومجيئه هذا للدينونة سيكون في انقضاء العالم .
كما يقول في مثل الزارع عن الحصاد : " الحصاد هو انقضاء العالم ، و الحصادون هو الملائكة . فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار هكذا يكون في انقضاء العالم يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلي الإثم و يطرحونهم في أتون النار .. حينئذ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم "( مت 13: 39- 43)
وفي مجيئه للدينونة ، يكون القيامة العامة :
" يسمع جميع من في القبور صوته ، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي قيامة الحياة ، و الذين فعلوا السيآت إلي القيامة الدينونة " ( يو 5: 28، 29) .
إذن مجيء المسيح الثاني ، تصحبه القيامة العامة و الدينونة ، و انقضاء العالم .
وفي الدينونة يدين الأحياء و الأموات . أي الذين كانوا أحياء علي الأرض أثناء مجيئه . و الذين كانوا أمواتاً فقاموا من الموت ، سواء الذين فعلوا الصالحات أو الذين عملوا السيئات . وعن الدينونة يقول الرسول أيضاً " لأنه لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد بحسب ما صنع : خيراً كان أم شراً "( 2كو 5: 1.) . وبالدينونة يدخل المسيح في ملكوته الأبدي . وهنا يقول قانون الإيمان :
وفي ذلك تقول نبوءة دانيال النبي " سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول . وملكوته ما لا ينقرض " ( دا 7: 14) . وعن هذا الملكوت الذي ليس له إنقضاء ، قال الملاك جبرائيل حينما بشر القديسة العذراء بميلاده " يملك علي بيت يعقوب إلي الأبد . ولا يكون لملكه نهاية " ( لو 1: 33) .
ملكوته روحي ، وليس ملكوتاً أرضياً محدداً بزمن !!
إنه الملكوت الذي اشتهاه اللص اليمين قائلاً " اذكرني يارب متي جئت في ملكوتك " ( لو 23: 42) . ولأن ذلك الملكوت كان بعيداً لابد أن تمضي أجيال حتي يجئ : لذلك قال له الرب " اليوم تكون معي في الفردوس "( لو 23: 43) .
لأن الفردوس هو عربون الملكوت . الذي يدخل الفردوس سيدخل الملكوت .
بهذا ينتهي ما يخص الابن في قانون الإيمان . وبعده الجزء الخاص بالروح القدس
نؤمن :
بالروح القدس الرب المحيى المنبق من الآبالروح القدس
نؤمن أن الله حي ، وهو حي بروحة . فالروح القدس هو روح الله ، روح الأب ، وروح الابن .
ولأنه روح الله ، لذلك سمي الروح القدس The Holy Spirit وهكذا قال السيد الرب وهو يمنح تلاميذه سر الكهنوت " اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه ، غفرت له .ومن أمسكتم خطاياه ، أمسكت "( يو 2.: 22، 23) . وقال عن بدء خدمتهم " ولكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم . وحينئذ تكونون لي شهوداً ، في أورشليم ،و كل اليهودية و السامرة ، وإلي أقصي الأرض "( أع 1: 8) . وأيضاً قال القديس بولس الرسول لأساقفة كنيسة أفسس " احترزوا إذن لأنفسكم و لجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة " ( أع 2.: 28) . وقال لليهود في رومه " حسناً كلم الروح القدس آباءنا ." ( أع 28: 25) .
وأحياناً كان الروح القدس تطلق عليه كلمة ( الروح ) فقط :
مثل قول الكتاب " من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس " ( رؤ2: 29) ( رؤ 3: 6،13، 22) . أي ما يقوله روح الله للكنائس ومثل قول الرب لنيقوديموس عن المعمودية " إن كان أحد لا يولد من الماء و الروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله "( يو 3: 5) . يقصد الميلاد من الروح القدس . ومثلما قيل عن الرسل في يوم الخمسين " وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخري كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " ( أع 2: 5) . أع كما أعطاهم الروح القدس .. كذلك ما ورد في ( 1كو 12) عن مواهب الروح ، كله عن مواهب الروح القدس .
أما عن كون الروح القدس روح الرب أو روح الله ، فكما يقول الكتاب :
· " روح السيد الرب علي . لأن الرب مسحني .." ( أش 61: 1) .
· أما الرب فهو روح . وحيث روح الرب هناك حرية "( 2كو 3: 17) .
· ومثل قول الرب أجعل روحي في داخلكم ، وأجعلكم تسلكون في فرائضي "( حز 36: 27) . وكقوله " أسكب روحي علي كل بشر فيتنبأ بنوكم و بناتكم ، ويحلم شيوخكم أحلاماً "( يوء 2: 28)
* ومثل قول داود النبي لله في صلاته " أين أذهب من روحك ؟! ومن وجهك أين أهرب ؟!" ( مز 51: 11) .
أما عن كون الروح القدس ، هو روح الآب .
فكقول السيد المسيح لتلاميذه " لأن لستم أنتم المتكلمين ، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم " ( مت 1.: 2.) . يطابق هذا ما قيل في ( مر 13: 11) " لأن لستم أنتم المتكلين ، بل الروح القدس " . وأما ورد في ( لو 12: 12) .
أما عن كون الروح القدس ، هو روح الابن ، أو روح السيد المسيح :
فكما يقول القديس بولس الرسول " أرسل الله روح ابنه إلي قلوبكم .." ( غل 4: 6) . وكقول القديس بطرس الرسول :" باحثين إذ وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم ، إذ شهد بالآلام التي للمسيح "( 1بط 1: 11) .
أن كون الروح القدس ، هو روح الآب وروح الابن ، لا شك أن هذا يدل علي الوحدة في الثالوث القدوس .
هذا الذي أنكره مقدونيوس ، فحرمه المجمع المسكوني المقدس الثاني المنعقد في القسطنطينية سنه 381م . وقرر لاهوت الروح القدس عبارة " نعم نؤمن بالروح القدس الرب المحيي المنبثق من الآب . نسجد له ونمجده مع الآب والابن " وكلمة ( الرب ) هنا تعني المعطي الحياة Life giver
· ومما يدل علي لاهوت الروح القدس توبيخ القديس بطرس الرسول لحنانيا ( زوج سفيرا) بقوله " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس .. أنت لم تكذب علي الناس ، بل علي الله "( أع 5: 3، 4)
*ومثال ذلك ما قاله القديس بولس الرسول عن سكني الروح القدس فينا :
إذ قال " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم ." ( 1كو 6: 19) . وقال أيضاً في نفس الرسالة " أما تعلمون أنكم هيكل الله ، وروح الله يسكن فيكم "( 1كو 3: 16) .
وهكذا قال مرة " هيكل الروح القدس " ومرة أخري هيكل الله "
· ومما يدل علي لاهوت الروح القدس أيضاً ، قول الكتاب " أما الرب فهو الروح .." ( 2كو 3: 17) .
وأيد هذا السيد المسيح نفسه بقوله السامرية" الله روح . و الذين يسجدون له فبالروح و الحق ينبغي أن يسجدوا "( يو 4: 24) . فمادام الله روح ، إذن هو الروح القدس ، كما هو الآب و الابن .
ومما يدل علي لاهوت الروح القدس ، قدرته علي الخلق .
والقدرة علي الخلق هي من صفات الله وحده . وفي ذلك يقول المرنم لله عن المخلوقات " كلها إياك تترجي لترزقها قوتها في حينه .. تنزع أرواحها فتموت وإلي ترابها تعود . ترسل روحك فتخلق .." ( مز 1.4: 27، 3.) .
· كذلك مما يدل كلي لاهوت الروح القدس ، وجوده في كل مكان
وفي هذا يقول المرنم في المزمور لله " أين أذهب من روحك ؟! ومن وجهك أين أهرب ؟! إن صعدت إلي السماء فأنت هناك . وأن فرشت في الهاوية ، فها أنت .." ( مز 139: 7، 8) . و الوجود في كل مكان من صفات الله وحده ..
· ومما يدل علي لاهوت الروح القدس أيضاً المواهب التي يمنحها للناس .
وفي ذلك يقول القديس بولس الرسول في رسالته الأولي إلي كورنثوس :" فأنواع مواهب موجودة ، ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل . ولكنه لكل واحد يعطي إظهار الروح للمنفعة . فإنه لواحد يعطي بالروح كلام حكمة . ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد . ولآخر إيمان بالروح الواحد ، ولآخر مواهب شفاء بالروح الواحد . ولآخر عمل قوات ، ولآخر نبوة .. ولكن هذه كلها يعملها الروح الواحد قاسماً لكل واحد بمفرده كما يشاء "( 1كو 12: 4- 11) . وهذه كلها سماها الرسول " مواهب الروح القدس "( عب 2: 4) . وقال القديس يعقوب الرسول عن المواهب " كل عطية صالحة ، وكل موهبة تامة ، هي من فوق ، نازله من عند أبي الأنوار ، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران "( يع 1: 17) . إذن المواهب يرسلها الله بروح القدوس .
· ومما يدل علي لاهوت الروح القدس ، أن السيد المسيح له روح أزلي .
· فالكتاب يقول " فكم بالحرى يكون دم المسيح ، الذي بروح أزلي قدم نفسه لله " ( عب 9: 14) . فالروح القدس هو روح المسيح كما قلنا . كذلك فإن الأزلية هي من صفات الله وحده . فهذه الآية أذن تدل علي لاهوت المسيح ، وعلي لاهوت الروح القدس .
· ومما يدل علي لاهوت الروح القدس أيضاً أنه ( المحيي ) أي المعطي الحياة .
المعروف أن الروح هو مصدر الحياة . إذن فهو المحيي
ويظهر هذا من إحياء العظام في ( حز 37) .
حيث يقول حزقيال النبي "كانت علي يد الرب . فأخرجني بروح الرب ، وأنزلني في وسط البقعة وهي ملأئة عظاماً .. وقال لي : يا ابن آدم أتحيا هذه العظام ؟ فقلت يا سيد الرب أنت تعلم " ( حز 37: 1- 3) " فدخل فيهم الروح فحيوا "( حز 37: 1.)
وقال الرب " أجعل روحي فيكم فتحيون "( حز 37: 14)
وهكذا قيل أيضاً في سفر الرؤيا علي الشاهدين المقتولين " دخل فيهما روح حياة من الله . فوقفا علي أرجلهم "( رؤ 11:11) . حقاً كما قال السيد المسيح " الروح هو الذي يحيى "( يو 6: 63) كما قيل أيضاً أن الله هو " الذي يحيى الموتى "( رو 4: 17) وقيل أيضاً " الله الذي يحيى الكل ( 1تي 6: 13) . ولا شك أن الله
يحيى الموتى بروحة القدوس . يجعل روحه فيهم فيحيون ( حز 37: 14) . يعلمنا الكتاب في
مواضع كثيرة إن الله هو الذي يميت ويحيى ( 2مل 5: 7) ( تث 32: 39) . ومادام روحه هو الذي يحيى ( حز 37: 14) ، إذن فهذا إثبات آخر علي لاهوت الروح القدس الذي هو ( الرب المحيى ) حسبما يعلمنا قانون الإيمان ، الذي يقول عن الروح القدس أيضا
وهذا واضح من قول الرب عن الروح القدس " روح الحق الذي من عند الآب ينبثق "( يو 15: 26) .
غير أن أخوتنا الكاثوليك أضافوا إلي قانون الأيمان كلمة Filioque ومعناها باللاتينية " ومن الابن "
. وهذه الإضافة كانت سبباً لانقسام في الكنيسة ، ولا تزال . وإن كان السيد المسيح قد قال " المعزى الذي أنا أرسلة إليكم من الآب " ( يو 15: 26) وأيضاً " إن لم أنطلق ، لا يأتيكم المعزى . ولكن إن ذهبت ، أرسله إليكم "( يو 16: 7) .. فمن المهم أن نعرف :
إن هناك فرقاً لاهوتياً كبيراً بين الإرسال والإنبثاق .
فالإرسال في حدود الزمن . أما الانبثاق فهو الأزل .
السيد المسيح أرسل الروح القدس للتلاميذ في يوم الخمسين . ولكن الروح القدس كان موجوداً قبل ذلك ، لأنه روح الله . وقد قيل عنه في قصه الخليقة " في البدء خلق الله السموات والأرض . وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلي وجه الغمر ظلمة . وروح الله يرف علي وجه المياه "( تك 1: 1، 2) .
والكتاب المقدس يذكر لنا عمل الروح القدس في العهد القديم ، وحلوله علي الأنبياء وبعض شخصيات الكتاب :
يذكر كيف أن روح الله قد حل علي شاول الملك فتنبأ ( 1 صم 1.: 1.،11) ثم كيف فارقه روح الرب ( 1صم 16: 14) . ويذكر لنا أن روح الرب حل علي داود ( 1صم 16: 13)وأن روح الرب كان يحرك شمشون ( قض 13: 25) .وأن روح الرب قد حل علي شمشون ( قض 14: 6) . كما يحدثنا الكتاب عن عمل روح الرب مع حزقيال النبي ، كما في ( حز 37: 1) . وما ورد عن روح الله في مزامير داود النبي .
والحديث عن عمل روح الله في العهد القديم هو حديث طويل ، كذلك فترة ما بين العهدين قبل ميلاد السيد المسيح .
فقد قيل عن يوحنا المعمدان في البشارة به " ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس " ( لو 1: 15) . وقيل عن أمه اليصابات " وامتلأت اليصابات من الروح القدس " ( لو 1: 41) . وقيل عن زكريا الكاهن " وامتلأ زكريا أبوة من الروح القدس وتنبأ ( لو 1: 67).
قيل أيضاً للسيدة العذراء في بشارتها بالسيد المسيح " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك .." ( لو 1: 35) . وقال ليوسف النجار عنها " أن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس "(مت 1: 2.) . وقيل عن سمعان الشيخ إنه " كان باراً تقياً ينتظر تعزية إسرائيل ، و الروح القدس كان عليه . وكان قد أوحي إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى المسيح الرب " ( لو 2: 25، 26) .
إذن مسألة إرسال السيد المسيح للروح القدس علي التلاميذ في يوم الخمسين ، لا علاقة لها مطلقاً بإنبثاق الروح القدس من الآب منذ الأزل .
فالروح القدس هو روح الله ، وهو أقنوم الحياة في الثالوث القدس . والله حي بروحه . والروح القدس منبثق من الذات الإلهية منذ الأزل ، قبل أن توجد خليقة . وقبل أن يوجد تلاميذ يرسل الرب إليهم .
وكمثال نقول : كما أنه قيل عن تجسد الابن " ولكن لما جاء ملْ الزمان أرسل لنا الله ابنه مولوداً من امرأة ، مولوداً تحت الناموس ليفتدى الذين تحت الناموس "( غل 4: 4، 5) … وعلي الرغم من إرسال الابن إلي العالم في ملْ الزمان ، ألا أن الابن كان مولوداً من الآب منذ الأزل . بل أن " كل شئ به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " ( يو 1: 3) . فولادته الأزلية شئ ، وإرساله في ملْ الزمان شئ أخر .. هكذا الأمر مع الروح القدس : انبثاقه الأزلي من الأب شئ ، وإرساله في يوم الخمسين علي التلاميذ شئ آخر .
ولئلا يظن البعض أن الروح القدس أقل من الآب والابن !!
باعتباره الأقنوم الثالث ، أو لأن الابن قد أرسله من عند الآب ، لذلك قيل في قانون الإيمان " نسجد له ونمجده مع الآب والابن "
نسجد له سجود العبادة ، السجود اللائق به . لكونه روح الله
ونمجده مع الآب والابن بنفس المساواة . وهكذا نقول في صلواتنا " المجد للآب والابن و الروح القدس الثالوث القدوس المساوي " . ونبدأ صلواتنا بعبارة باسم الآب و الابن و الروح القدس ، الإله الواحد آمين ".
علي أن إرسال السيد المسيح للروح القدس ، لا يعني أن الروح القدس أقل منه .
فالسيد المسيح نفسه ( الابن ) يقول حسب نبوءة أشعياء - " السيد الرب أرسلني وروحه " ( أش 48: 16) . ويقول أيضاً " روح السيد المسيح علي الرب . لأن الرب مسحني " ( أش 61: 1: . ولا تعني هذا أن الابن أقل من الروح القدس !
وقد أمرنا الرب أن نعمد الناس بقوله :
وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس "( مت 28: 19) .
وقال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولي " الذين يشهدون في السماء هو ثلاثة : الآب و الكلمة ( اللوجوس ) و الروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد "( 1يو 5: 7) .
وبنفس الأقانيم الثلاثة معاً تمنح البركة
قائلين " محبة الله الآب ، ونعمة ربنا يسوع المسيح ، وشركة وموهبة الروح القدس تكون مع جميعكم " . وذلك حسب تعليم الكتاب في ( 2كو 13: 14) .
إن عبارة نمجده مع الآب والابن تعني المساواة بين الأقانيم الثلاثة :
كل الأقانيم تتساوى في الصفات الإلهية الذاتية . فكم أقنوم أزلي ، أبدي خالق ، موجود في كل مكان ، غير محدود ، قادر علي كل شئ .. في كل هذا يتساوي الروح القدس مع الآب والابن .. غير أننا نقول أن الابن مولود من الآب قبل كل الدهور أيضاً .
وكما نصلي إلي الآب أيضاً نصلي إلي الابن ، وإلي الروح القدس .
توجد أمثله لكل هذا في الأجبية ، وفي الكتاب المقدس . و الصلاة إلي الآب واضحة وكثيرة . والصلاة إلي الابن مثل قول القديس اسطفانوس أول الشمامسة أثناء استشهاده بقوله " أيها الرب يسوع ، اقبل روحي "( أع7 : 59) ومثل صلاة " ياربي يسوع المسيح ارحمني " . والصلاة إلي الروح القدس ، مثل صلاتنا في الأجبية في الساعة الثالثة قائلين " أيها الملك السمائى المعزي ، روح الحق الحاضر في كل مكان و المالي الكل ، هلم تفضل وحل فينا .."
ورد بعد هذا في قانون الإيمان عن الروح القدس :
وهذا واضح من قول القديس بطرس الرسول :
" لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان . بل تكلم أناس الله القديسون ، مسوقين من الروح القدس "( 2بط 1: 21) .
· وقال القديس بولس الرسول لليهود " حسنا كلكم الروح القدس آباءنا أشعياء النبي قائلاً .." ( أع 28: 25) .
· وقال السيد المسيح لتلاميذه " لستم أنتم المتكلمين ، بل الروح القدس "( مر 13: 11) .
· وهكذا قال القديس بولس الرسول " نتكلم . لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية ، بل بما يعلمه الروح القدس .."( 1كو 2: 13) . ولعل هذا يذكرنا بقول السيد المسيح لتلاميذه القديسين " وأما المعزي الذي سيرسله الآب باسمي ، فهو يعلمكم كل شئ ، ويذكركم ما قلته لكم "( يو 14: 26) .
· وما أكثر ما تكلم الروح القدس من فم داود النبي .
· وفي ذلك قال السيد الرب " كيف يقول الكتبة إن المسيح ابن داود ؟ لأن داود نفسه قال بالروح القدس : قال ا لرب لربي اجلس عن يميني حتي أضع أعداءك موطئاً لقدميك "( مر 12: 35، 36) وأيضاً ( مت 22: 43، 44) ( مز 11.: 1) .
· وقال القديس بطرس الرسول عن يهوذا الإسخريوطي " كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا .."( أع 1: 16) .
( عبارة الناطق في الأنبياء ) تعني الوحي الإلهي .
كما قال الرسول " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعاليم .." ( 2تي 3: 16) . وكيف هو موحى به من الله ؟ بالروح القدس .. وهذا دليل آخر علي لاهوت الروح القدس
بهذا ينتهي الجزء الخاص بالثالوث القدوس في قانون الإيمان . ثم يأتي بعد ذلك ما يختص بالكنيسة و المعمودية ، و المجيء الثاني وحياة الدهر الآتي …
نؤمن بكنيسة
واحدة مقدسة
جامعة رسولية
يقول قانون الإيمان "[ نؤمن ] .. بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسوليه ".
فما هي الكنيسة التي يعنيها قانون الإيمان ؟
كلمه ( كنيسة ) تدل علي ثلاثة أمور وهي :
أ- مبني الكنيسة .
ب- جماعة المؤمنين .
ج- الرئاسة الكنيسة أو رجال الكهنوت .
· من جهة دلالتها علي مبني الكنيسة :
قول الرسول عن أكيلا بريسكلا " الكنيسة التي في بيتهما " ( رو 16: 5) وقوله حين تجتمعون في الكنيسة ، أسمع أن بينكم شقاقات "( 1كو 11: 18) وقوله أيضاً " أعلم في كل مكان في كل كنيسة " ( 1كو 4: 17) . وواضح في قانون الأيمان أنه لا يعني مبني الكنيسة . وإلا ما كان يقول "كنيسة واحدة " . إنما يقصد الكنيسة العامة ، كل جماعة المؤمنين .
الكنيسة بمعني جماعة المؤمنين :
كما يقول سفر أعمال الرسل عن نشأة الكنيسة الأولي :" وكان الرب في كل يوم يضم إلي الكنيسة الذين يخلصون " ( أع 2: 47) أي يضم إلي جماعة المؤمنين .. يقول نفس السفر أيضاً " وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم علي الكنيسة التي في أورشليم " أي حدث اضطهاد علي جماعة المؤمنين الذين في أورشليم ( أع 8: 1) . وأيضاً كتب " فكان بطرس محروساً في السجن . وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلي الله من أجله " ( أع 12: 5) . أي أن جماعة المؤمنين كانوا يصلون .. وكتب أيضاً أن المسيح أحب الكنيسة وسلم نفسة لأجلها لكي يقدسها ، مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة ( اف 5: 25، 26) . و المقصود بالكنيسة هنا جماعه المؤمنين الذين صلب المسيح لأجلهم ، لكي يقدسهم ، ويطهرهم بالمعمودية عن طريق الكلمة أي الكرازة و التعليم
الكنيسة بمعني الرئاسة الكنيسة أي الكهنوت :
قيل في الخصومات و المصالحات " وأن لم يسمع منهم فقل للكنيسة . وأن لم يسمع للكنيسة . فليكن عندك كالوثني و العشار " ( مت 18: 17) . فالمقصود أنه يحتكم إلي الرئاسة الكنسية ، وليس إلي كل جماعة المؤمنين ! لذلك قال بعدها مباشرة " الحق أقول لكم كل ما تربطونه علي الأرض ، يكون مربوطاً في السماء . وكل ما تحلونه علي الأرض ، يكون محلولاً في السماء "( مت 18: 18) .
وطبعاً المقصود بكلمة ( الكنيسة ) في قانون الإيمان ، هو جماعة المؤمنين برئاستهم الدينية .
ثم يشرح صفات هذه الكنيسة فيقول :
· أي أنها كنيسة واحدة في الإيمان ، في العقيدة . واحدة في الفكر و التعليم وواحدة في الروحانية .
· وقد قيل في الرسالة إلي أفسس " جسد واحد ، وروح واحد كما دعيتم في رجاء دعوتكم الواحد . رب واحد ، إيمان واحد ، معمودية واحدة ( اف 4: 4،5) الكنيسة واحدة في الإيمان و العقيدة ، واحدة في الفهم و الفكر اللاهوتي . لذلك كل من كان يخرج عن هذا الإيمان الواحد ، كانت الكنيسة تفصله عن عضويتها و تبقي هي واحدة في إيمانها . وهكذا فعلت مع كل المبتدعين و الهراطقة في زمن المجامع المقدسة ..
· قال الرب في حديثة الطويل مع الآب " ليست اسأل من أجل هؤلاء فقط بل من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم . ليكون الجميع واحداً . كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك ليكونوا هم أيضا واحداً فينا .. ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد "( يو 17: 2.-22)
وعن وحدة الكنيسة ، قال السيد المسيح " ولي خراف أخر ليست في هذه الحظيرة ، ينبغي أن آتي بتلك أيضاً فتسمع صوتي
" وتكون رعية واحدة لراع واحد "( يو 1.: 16) . وهذا الراعي الواحد هو السيد المسيح ، الذي قال في نفس الإصحاح " أنا هو الراعي الصالح . والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف "( يو 1.: 11، 14) .* الكنيسة واحدة ، لأنها جسد واحد . ورأس هذا الجسد هو المسيح . ً
وقد كتب في الرسالة إلي أفسس أن المسيح هو رأس الكنيسة "( أف 5: 23) . كذلك ورد في الرسالة إلي كولوسي أن السيد المسيح هو رأس الجسد ، الكنيسة " ( كو 1: 18) . وقيل " جسده الذي هو الكنيسة "( كو 1: 24) لذلك طبيعي أن تكون الكنيسة واحدة لأن السيد المسيح له جسد واحد . ونحن جميعاً أعضاء في هذا الجسد ، كما قال الرسول " لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " ( أف 5: 3.) .
· و الكنيسة واحدة لأنها عروس المسيح الواحدة .
· وهكذا قال القديس يوحنا المعدان " لست أنا المسيح ، بل أني مرسل أمامه . من له العروس فهو العريس. وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه ، فيفرح فرحاً .." ( يو 3: 28 ، 29) . وقد ورد هذا المعني أيضاً في الرسالة إلي أفسس "( أف 5: 31،32 25) . وواضح أن السيد المسيح له عروس واحدة هي الكنيسة ، كما قال الرسول " خطبتكم لرجل واحد ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح " ( 2 كو 11: 2) . وطبيعي أن تكون عروس المسيح واحدة ، كما رمز إليها في سفر النشيد بقوله " واحدة هي حمامتي كاملتي "( نش 6: 9) . مادامت الكنيسة واحدة ، فماذا تعني كلمة ( كنائس ) حينما ترد في الكتاب المقدس ؟
· كلمه كنائس المقصود بها الأمكنة ، تميزاً لكل واحدة بمكانها .
· كما قيل " وأما الكنائس في جميع اليهودية و الجليل و السامرة ، فكان لها سلام ، وكانت تبني وتسير في خوف الرب . وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر "( أع 9: 31) . كذلك نسمع في سفر الرؤيا عن السبع الكنائس التي في آسيا التي في افسس ، وسميرنا ، وبرجاموس ، وثياتيرا وساردس و فيلادلفيا ، ولاوديكية "( رؤ 1: 11) . ولكن كل هذه الكنائس عبارة عن أعضاء في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية …
· إنها كنيسة واحدة : هنا علي الأرض وأيضاً في السماء .
· يجتمع الكل معاً في أورشليم السمائية ، مسكن الله مع الناس . يكونون له شعباً ( شعباً واحداً ) . . وهو يكون إلهاً ( رؤ 21: 2، 3) . وهذا الشعب الواحد ، أو الكنيسة الواحدة ، أو كل جماعة المؤمنين الذين يرثون الملكوت ، هو الذين قال عنهم القديس يوحنا الرائي : " بعد هذا نظرت ، وإذا جمع كثير ، لم يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم و القبائل و الشعوب و الألسنة ، واقفون أمام العرش وأمام الحمل ، متسربلين بثياب بيض .. هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظمي . وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الحمل .."( رؤ 7: 9- 14)
· وهذه الكنيسة الواحدة التي في السماء تشمل الملائكة أيضا
فهي تضم الملائكة القديسين وأرواح القديسين الذين انتقلوا من البشر ، والذين سينتقلون من الآن إلي آخر هذا الدهر . كلهم - ملائكة وبشراً - هم شعب الله ، وأبناء الله ، وأهل بيت الله ، ورعيته ( أف 2: 19) .
· عن قداسة الكنيسة قال بطرس الرسول :
" كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية ، بيتاً روحياً ، كهنوتاً مقدساً لتقديم ذبائح روحية ، مقبولة عند الله بيسوع المسيح " ( 1بط 2: 5) . وقال أيضاً " وأما أنتم فجنس مختار ، وكهنوت ملوكي . أمه مقدسة ، شعب اقتناء لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلي النور العجيب "( 1بط 2: 9) .
· إنها كنيسة مقدسة بدم المسيح .
كما قيل في سفر الرؤيا " الذي أحبنا ، وغسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1 : 5) . وأيضاً في رسالة يوحنا الأولي ( عن الآب ) " ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية "( 1يو 1: 7) . وقيل في المزمور الخمسين " أنضح علي بز وفاك فأطهر "( مز 5.: 7) و الزوفا هي التي كانوا يغمسونها في دم الذبيحة في العهد القديم ، وينضحون بها للتطهير و للتفكير ..
و الكنيسة مقدسة في المعمودية .
حيث يموت الإنسان العتيق ، ويقوم إنسان جديد مقدس علي صورة المسيح . كما قيل " لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح ، قد لبستم المسيح "( غل 3: 27) . أي لبستم البر و القداسة و الطهارة التي للمسيح . وهكذا قال الرسول " كما أحب المسيح الكنيسة ، وأسلم نفسة لأجلهم ، لكي يقدسها ، مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة . لكي يحضرها لنفسة كنيسة مجيدة ، لا دنس فيها ولا غصن .. يل تكون مقدسة وبلا عيب "( أف 5: 25- 27) .
و الكنيسة مقدسة في سر المسحة المقدس،
حيث تدهن بزيت الميرون المقدس ، فتتقدس بالروح القدس الذي يحل في المعمدين . ويصبحون هياكل مقدسة لله ، كما يقول الرسول " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله "( 1كو 6: 19) . وطبيعي أن هيكل الله مقدس ، الذي هو انتم ( 1 كو 3: 17) وهكذا يقول الرسول أيضاً " ألتسم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح "( 1كو 6: 15) . وهذا أيضاً برهان علي قداستها …
الكنيسة هي جماعة المؤمنين . و المؤمنون كانوا يدعون قديسين في الكنيسة أيام الرسل .
كما يقول القديس بولس الرسول " سلموا علي كل قديس في المسيح يسوع "( في 4: 21) . وكما أرسل إلي القديسين الذين في أفسس"( أف 1:1) قائلاً لهم " الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح . كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم ، لنكون قديسين وبلا لوم .." ( أف 1: 3، 4) . وقال في رسالته إلي العبرانيين " أيها الأخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية "( عب 3: 1) . وهكذا ينشد الغالبون لله القائلين " عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر علي كل شئ .. يا ملك القديسين "( رؤ 15: 3) وفي مجيئه الثاني سيأتي الرب " في ربوات قديسيه "( يه 14) ولذلك يقول الرسول " لكي تثبت قلوبكم بلا لوم في القداسة أمام الله أبينا في مجيء ربنا يسوع المسيح مع جميع قديسيه " ( 1 تس 3: 13) .
و الكنيسة مقدسة ، لأنها علي صورة الله في القداسة .
كما فال " كونوا قديسين ، لأني أنا قدوس "( 1 بط 1: 16) ( لا 11: 44) " مكملين القداسة في خوف "( 2كو 7: 1) " لأن هذه هي إرادة الله فداستكم "( 1 تس 4: 3) .
ولما كانت الكنيسة مقدسة ، لذلك لا تسمح بوجود خطاة داخلها
وهكذا قال القديس بولس الرسول " اعزلوا الخبيث من بينكم " ( 1 كو 5: 13) وفي تفصيل ذلك قال " إن كان أحد مدعواً أخا ، زانياً أو طماعاً أو عابد وثن أو شتاماً أو سكيراً أو خاطفان ، أن لا تخالطوا ولا تؤاكلوا مثل هذا "( 1كو 5: 11) . وبالمثل من كان منحرفاً من جهة العقيدة ، يقول القديس يوحنا الرسول " إن كان أحد يأتيكم ولا يجئ بهذا التعليم ، فلا تقبلوه في البيت ، ولا تقولوا له سلام . لأن من يسلم عليه ، يشترك في أعماله الشريرة "( 2 يو 1.: 11) .
ولهذا كانت الكنيسة تعزل الهراطقة و المبتدعين من عضويتها .
فيصدر ضدهم حكم excommunication فيطردون من جماعة المؤمنين لأنهم فقدوا قداسة التعليم ، وما أسهل أن ينشروا انحرافاتهم العقيدية بين أعضاء الكنيسة إن بقوا داخلها .
وكما يشترط القداسة في الكنيسة علي الأرض ، كذلك في السماء.
كما قيل عن مدينة الله أورشليم السمائية " ولن يدخلها شئ دنس . ولا ما يصنع رجساً وكذباً .."( رؤ 21: 27) . وأيضاً لأنه لا شركة للنور مع الظلمة ، ولا خلطة للبر مع الإثم ( 2 كو 6: 14) سواء في الكنيسة علي الأرض أو في السماء … أن الكنيسة مقدسة في حياتها ورو حياتها ، ومقدسة في تعاليمها وفي أسرارها ، ومقدسة في قيادتها وشعبها .. في كل شئ .
جامعة ، أي تجمع كل المؤمنين ، في وحدة الأيمان .
الكنيسة الجامعة هي التي جمعت اليهود والأمم وجمعت كل الجنسيات و الشعوب و اللغات ، في إيمان واحد . هي التي جمعت كل الكنائس المحلية معاً ، في كنيسة واحدة تضم الكل ، في عقيدة واحدة ، بقوانين كنيسة واحدة . فليست الكنائس المحلية مثل جزر في المحيط ، لا ترتبط الواحدة بالأخري . بل كلها تكون معاً في الكنيسة واحدة جامعة . الكنيسة الجامعة هي التي تضم الكل في حياة الشركة ، وكما يشتركون في الأيمان الواحد ، يشتركون أيضاً معاً في الأسرار المقدسة ، وفي التناول من مذبح واحد .
وعبارة جامعة تترجم بكلمة Catholic ، من جهة المعني اللغوي للكلمة ، وليس من جهة العقيدة ( أي المذهب الكاثوليك ). وللحرص لئلا يختلط المعني ، فأن البعض يترجم عبارة جامعة بكلمة Universal .
و الكنيسة الجامعة كانت تعقد المجامع المسكونية التي تضم كل قيادات الكنيسة الجامعة . Ecumenical Councils ليبحث الكل معاً في أمور الإيمان ، وفي تنظيمات الكنيسة ، ليكون تعليم واحد لكل الكنائس معاً . وأول مجمع مسكوني أنعقد في نقية سنة 325م واشترك فيه 318 من القيادات الكنسية : بطاركة وأساقفة . حالياً نتيجة للخلافات في الإيمان بين الكنائس ، ليس من السهل أن ينعقد مجمع مسكوني للكنيسة الجامعة . إنما يمكننا مثلاً بمشيئة الله أن ينعقد مجمع يضم كنائسنا الأرثوذكسية فقط … الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة ، هي أيضاً كنيسة رسوليه .
وكلمة ( رسوليه ) تدل علي معنيين : أنها كنيسة أسسها الرسل . وأنها كنيسة تسير حسب تعاليم الآباء الرسل ، ولا تعارضها . وفي ذلك قال الرسول " مبنيين علي أساس الرسل والأنبياء ، ويسوع المسيح نفسه هو حجر الزاوية "( أف 2: 2.) .
علي أساس الرسل في التعليم الذي أخذوه من المسيح :
كما قال لهم السيد الرب " تلمذوا جميع الأمم .. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " ( مت 28: 19 ، 2.) وهكذا قال بولس الرسول " تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً "( 1كو 11: 23) .
و التسليم الذي أخذه الرسل من الرب ، تركوه لنا في رسائلهم ، وفي حياة الكنيسة ، وفي قوانينهم و تعاليهم :
وهذا ما يعرف باسم التقليد الرسولي Apostolic Tradition . تسلمته الكنيسة جيلاً بعد جيل . كما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " وما سمعته ( تسلمته ) مني بشهود كثيرين ، أودعه أناس أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً " ( 2تي 2:2) . هو إذن تعاليم من السيد المسيح ، وبخاصة ما قاله للرسل خلال الربعين يوماً بعد القيامة . هذا سلموه لتلاميذهم . الذين سلموه لآخرين ، وانتقل جيلاً بعد جيل حتي وصل إلينا . وهناك أشياء لم يكتبوها . بل قالوها فماً لفم ( 2 يو 12) ( 3 يو 13، 14) وصلت إلينا كذلك بالتقليد .
يضاف إلي هذا حياة الكنيسة أيام الرسل التي انتقل إلينا .
مثل ذلك القداسات يقيمونها ، وطريقتهم في التعميد وفي إقامة الكهنة وفي كل صلوات الأسرار الكنسية و الصلوات الليتورجية . هذا ما رسوها وعاشوها ، وبقيت في حياة الكنيسة عبر الأجيال . وهذا ما تحياه الكنائس الرسوليه القديمة …
نذكر كمثال تسلسل وضع اليد للكهنوت من الرسل .
هذا الذي يسمونه Apostolic Succession . فالكاهن حالياً قد أخذ وضع اليد و النفخة المقدسة ( يو 2.: 22) من أسقفه . وأسقفه هذا أخذ ذلك من رئيس الأساقفة أو البطريرك أو البابا . وذلك أخذ عن سابقه ، حتي نصل إلي الآباء الرسل الذين أخذوا نفس السلطان من السيد المسيح . وهذا يثبت أقدمية وشرعية كل كنيسة رسوليه أما الكنائس غير الرسولية فمن أين وصل إليهم السلطان ؟!
نعترف : بمعمودية واحدة وقيامة الأموات وحياة الدهر الاتي
المعمودية هي أول الأسرار الكنيسة ، وبها يصبح المؤمن عضواً في الكنيسة .
وفي يوم الخمسين ، لما آمن اليهود ونخسوا في قلوبهم وسألوا " ماذا نفعل أيها الرجال الأخوة ؟" قال لهم بطرس الرسول " توبوا وليعتمد كل واحد منكم علي اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا .." ( أع 2: 37، 38) . فقلوا كلامه بفرح واعتمدوا . وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس ( أع 2: 41) . لم يكن سهلاً تعميد 3... إنسان في يوم واحد . ولكن ذلك كان لازماً لأهمية المعمودية ، لمغفرة الخطايا .
ومما يدل علي أهمية المعمودية قول السيد المسيح لنيقوديموس :
" الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء و الروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله "( يو 3: 5) .
وهذا يدل علي أهمية المعمودية للخلاص . وكما قال الرب لتلاميذه قبل صعوده " من آمن واعتمد خلص "( مر 16:16)
والذي يتتبع سفر الأعمال يجد أن المعمودية كانت تتبع الإيمان باستمرار .
كما حدث يوم الخمسين ( أع 2: 41) . وفي إيمان السامرة ( أع 8) . وفي أيمان الخصي الحبشي ( أع 8: 36-3) . وفي إيمان كرنيليوس وأصحابه ( أع 1.: 47، 48) . وإيمان ليديا بائعة الأرجوان ( أع 16: 14، 15) ، وأيمان سجان فيلبي ( أع 16: 31- 33) ..الخ
ونري أهمية المعمودية لمغفرة الخطايا في أيمان شاول الطرسوسى
هذا الذي ظهر له الرب في طريق دمشق ، ودعاه بنفسه ليكون إناء مختاراً ورسولاً للأمم ( أع 9: 3-16) . شاول هذا ، قال له حنانيا الدمشقي " أيها الأخ شاول .. لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد وأغسل خطاياك ، داعياً باسم الرب "( أع 22: 16) . هذا الإنسان العظيم ، الذي صار اسمه بولس الرسول - علي الرغم من هذه الدعوة العظيمة - كان محتاجاً إلي المعمودية ليغسل خطاياه .. ولم تكن خطاياه قد غسلت بعد ، ولا بالدعوة الإلهية ، ولا بإيمانه .. بل من أهمية المعمودية وخطورتها ، قول القديس بولس الرسول :
" لأن جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح ، قد لبستم المسيح "( غل 3: 27) .
أي لبستم البر الذي في المسيح بمعموديتكم . لماذا ؟
لأن المعمودية ، هي موت مع المسيح وقيامة معه . كما يقول الرسول " مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه " ( كو 2: 12) . في هذا الدفن يكون إنساننا القديم قد صلب مع الرب ومات ( رو 6 :6 ) . ويشرح الرسول هذا الأمر فيقول : " فدفنا معه بالمعمودية للموت . حتي كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب ، هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة . لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضاً بقيامته " ( رو 6: 4، 5) .
المعمودية موت وميلاد : موت للإنسان العتيق ، وميلاد إنسان جديد علي شبه المسيح . هي ميلاد من الماء و الروح ( يو 3: 5)
وهكذا قال الرسول :" بل بمقتضي رحمته خلصنا ، بغسل الميلاد الثاني ، وتجديد الروح القدس "( تي 3
: 5) . وفي هذا الميلاد الثاني ، نصي أبناء لله وأبناء للكنيسة . وكما قال أحد القديسين " لا يصير الله لك أباً ، إلا إذا صارت الكنيسة لك أماً .
في المعمودية ننال استحقاقات دم المسيح للمغفرة ، فتغفر لنا جميع الخطايا السابقة للمعمودية ، سواء الخطية الأصلية الجدية أو الخطايا الفعلية السابقة للمعمودية . ومادامت الخطية الأصلية قد غفرت ، فلا داعي لتكرار المعمودية إذن . أما الخطايا الفعلية التي يرتكب بعد المعمودية فتغفر بواسطة سر التوبة .
نظراً للزوم المعمودية ، لمغفرة الخطايا ، ولدخول الملكوت ، حسب قول السيد الرب ( يو 3: 5) . لذلك نحن نعمد الأطفال .
ولكي تأخذ معلومات وافية عن ( معمودية الأطفال ) ، اقرأ الجزء الخاص بهذا الموضوع في كتابنا ( اللاهوت المقارن ج1) المعمودية لابد يسبقها الإيمان بالنسبة إلي الكبار ، حسب قول الرب " من آمن واعتمد خلص "( مر 16: 16) . أما الطفل الصغير ، فيعمد علي إيمان والديه .
المعمودية موت مع المسيح . ولما كان الموت واحداً ، لذلك تكون المعمودية أيضاً واحدة .
كما قال الرسول " رب واحد . وأيمان واحد . ومعمودية واحدة ( أف 4: 5).
هي معمودية واحدة ، ولكن بشرط .
1- بإيمان واحد ، وإيمان سليم .
ولذلك نحن نقبل معمودية الكنائس التي معنا في إيمان واحد
2- أن تكون المعمودية بواسطة كهنوت معترف به ، وليس تحت حكم . وهذا كان حكم مجمع قرطاجنة سنة 276م برئاسة القديس كبريانوس .
3- يشترط أيضاً أن تكون المعمودية سليمة ثلاث غطسات باسم الآب و الابن و الروح القدس ( مت 28: 19) .
ولأن المعمودية واحدة ، إذا حدث وارتد إنسان عن الإيمان المسيحي ، ثم عاد إليه ، لا تعادل معموديته .
إننا نؤمن بقيامته جميع الأموات : الأبرار و الأشرار .
حسبما ورد إنجيل يوحنا " تأتي ساعة يسمع فيها جميع الذين في القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلي القيامة الحياة و الذين فعلوا السيآت إلي قيامة الدينونة "( يو 5: 28، 29) .
كانت قيامة السيد المسيح باكورة لقيامتنا جميعاً .
أن الإصحاح 15 من الرسالة الأولي إلي كورنثوس كله عن قيامة الأموات يقول الرسول " قد قام المسيح من الأموات . وصار باكورة للراقدين . فإنه إذ الموت بإنسان أيضاً قيامته الأموات ولكن كل واحد في رتبته . المسيح باكورة ، ثم الذين للمسيح في مجيئه "( 1كو 15: 2.- 23) .
وسنقوم بأجساد روحانية سماوية غير مادية .
وهكذا قال الرسول عن جسد القيامة ".. يزرع جسماً في هوان ويقام في مجد " ." يزرع في ضعف ويقام في قوة . يزرع جسماً حيوانياً ، ويقام جسماً روحانياً .. وكما لبسنا صورة الترابي ، سنلبس أيضاً صورة السماوي .. إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله " ( 1 كو 15: 42- 5.) وقال في موضع آخر " وننظر مخلصنا هو الرب يسوع الذي سيغير شكل جسد تواضعنا . ليكون علي صورة جسد مجده .." ( في 3: 2.، 21) . أي إننا سنقوم علي شبه الجسد الممجد الذي قام به السيد الرب .
القيامة العامة ستعقبها الدينونة و الدينونة تكون في المجيء الثاني للرب .
لذلك قيل عن الرب " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله "( مت 16: 27) . وقيل أيضاً " متي جاء ابن الإنسان في مجده ، وجميع الملائكة القديسين معه . فحينئذ يجلس علي كرسي مجده . ويجتمع أمامه جميع الشعوب . فيميز بعضهم من بعض كما يميز الراعي الخراف من الجداء . فيقيم الخراف عن يمينه و الجداء عن اليسار "( مت 25: 31- 33). وتبدأ الدينونة تنتهي بعبارة " فيمضي هؤلاء إلي عذاب أبدى والأبرار إلي حياة أبدية "( مت 25: 46) .
وقيل في سفر الرؤيا عن الدينونة :
" ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله . وانفتحت أسفار آخر هو سفر الحياة . ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم . وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت و الهاوية الأموات الذين فيهما ، ودينوا كل واحد بحسب أعماله . وطرح الموت و الهاوية في بحيرة النار . هذا هو الموت الثاني . وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار "( رؤ 2.: 12- 15) .
في القيامة سيختطف الأحياء علي الأرض ، وتتغير أجسامهم
يقول الرسول أن الذين سبق رقادهم ، سيحضرهم الرب معي في مجيئه ( 1تس 4: 14) . لأن الرب " سيأتي في ربوات قديسيه " ( يه 14) " . الرب نفسه بهتاف ، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء . والأموات في المسيح سيقومون أولاً . ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب ، لملاقاة الرب في الهواء . وهكذا نكون في كل حين مع الرب "( 1تس 16، 17)
وفي القيامة وفي لحظة الاختطاف ، نتغير إلي الجسد الروحاني .
يقول الرسول " لا نر قد كلنا ولكننا كلنا نتغير . في لحظة في طرفة عين ، عند البوق الأخير . فإنه سيبوق فيقام الأموات عديمي فساد ، ونحن نتغير ,. لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد ، وهذا المائت عدم موت "( 1كو 15: 51- 53) . أي نلبس الأجساد الروحانية السماوية التي لا تفسد ولا تموت …
إذن ثلاثة أحداث خطيرة ستتم معاً متتابعة . وهي :
1- المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح ، مع ملائكته وربوات قديسيه .
2- قيامة الأموات : الأبرار و الأشرار .
3- الدينونة العامة . كما قال الرسول " لابد أننا جميعاً نظهر أمام كرسي المسيح . لينال كل واحد ما كان بالجسد ، بحسب ما صنع خيراً كان أم شراً "( 2كو 5: 1.) . بعد ذلك ينتهي هذا العالم الحاضر كله . وتبدأ حياة الدهر الآتي " كل واحد في رتبته ".
كما قال السيد الرب من قبل إن السماء والأرض تزولان ( مت 5: 18) .
وقال القديس يوحنا الرائي " ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولي و الأرض الأولي مضتا . و البحر لا يوجد فيما بعد "( رؤ 21: 1) . وقال أيضاً " رأيت عرشاً عظيماً أبيض و الجالس عليه ، الذي من وجهه هربت الأرض و السماء ، و لم يوجد لهما موضع "( رؤ 2.: 11) .
ويقول القديس بطرس الرسول عن نهاية هذه الأرض :
" سيأتي كلص في الليل ، يوم الرب . الذي فيه تزول السموات بضجيج ، وتنحل العناصر محترقة ، وتحترق الأرض و المصنوعات التي فيها ( 2بط 3: 1.)
وشرح سفر الرؤيا أموراً كثيرة تمس نهاية هذا العالم .
وردت في الضربات التي تلحق العالم عندما ببوق الملائكة السبعة ( رؤ 8) . كذلك ما تكلمت به الرعود السبعة ( رؤ 1.: 3، 4) . وقال السيد الرب في العلامات التي تسبق مجيئه :
" وللوقت بع ضيق تلك الأيام تظلم الشمس ، والقمر لا يعطي ضوءه والنجوم تسقط من السماء ، وقوات السموات تتزعزع " ( مت 24: 29) .
وورد ما يشبه هذا سفر الرؤيا ، عندما فتح الختم السادس ( رؤ 6: 12- 16) .
بعد ذلك يتقدم الرب يسوع ، فيسلم الملك لله الآب . وتبطل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة . ويخضع الكل لله ، ويصير الله الكل في الكل . وآخر عدو يبطل هو الموت ( 1 كو 15: 24- 28) .
تبدأ حياة الدهر الآتي ، في أورشليم السمائية ، مسكن الله مع الناس ( رؤ 21: 2) بعد أن ينتقل إليها الأبرار المنتظرون في الفردوس .
الموت لا يكون فيما بعد ، ولا يكون حزن ولا وجع ، لأن الأمور الأولي قد مضت . ويقول الجالس علي العرش : ها أنا أصنع كل شئ جديداً ( رؤ 21: 4، 5) . وأورشليم السمائية لا تحتاج إلي شمس ولا قمر ليضينا فيها ، لأن مجد الله هو الذي ينيرها ، ولا يكون هناك ليل . ولا يوجد فيها إلا المكتوبون سفر الحياة ( رؤ 21: 23- 27) .
ويتمتع الأبرار بالوعود التي وعد الرب بها الغالبين ( رؤ 2، 3) وأيضاً ما أعده الله لمحبي أسمه القدوس : ما لم تره عين ولك تسمع به إذن ، وما لم يخطر علي قلب بشر ( 1كو 2: 9) .
وحياة الدهر الآتي ، هي حياة النعيم الأبدي للأبرار في السماء يعيشون هناك كملائكة الله في السماء ( مت 22: 3) وسيكون الله هو نعيمهم و فرحهم " وهو ينظرون وجهه الرب الإله ينير عليهم . وسيملكون معه إلي أبد الآبدين "( رؤ 22: 4، 5) . قال القديس بولس الرسول " أننا ننظر الآن في مرآة في لغز لكن حينئذ وجهاً لوجه . الآن أعرف بعض المعرفة . ولكن حينئذ سأعرف كما عرفت "( 1كو 13: 12)
ليس سهلاً ولا في الإمكان أن نشرح حياة الدهر الآتي :
إن كان القديس بولس الرسول لما صعد إلي الفردوس ، قال إنه " سمع كلمات لا ينطق بها ، ولا يسوغ لإنسان أن يتكلم بها " ( 2كو 12: 4) . فماذا يقال إذن عن النعيم الأبدي ماذا يقال عن الحياة مع الله ، وكل مصاف ملائكته وجميع الطغمات السمائية ، وكل ربوات قديسة ؟! ماذا يقال في التعرف علي كل هؤلاء ؟!