شريعة " الزوجة الواحدة " في المسيحية وأهم مبادئنا في الأحوال الشخصية

MONOGAMY

صاحب القداسة و الغبطة البابا المعظم By H.H.pope shenouda III

الانبا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية pope Alexandria & ppatriarch of the See of the see of st . mark

مقدمة

مقدمة عن مصادر التشريع في المسيحية

اثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

1- الاجماع العام

2- هكذا كان منذ البدء

3- بحث تعدد الزوجات في العهد القديم و الغائه في المسيحية

4- تشريع المسيحية بخصوص الطلاق

5- فكرة " الجسد الواحد "

6- علاقة المسيح بالكنيسة

7- نصوص أخري

8- قوانين كنسية صريحة

9- نظرة المسيحية إلي الزواج الثاني " بعد الترمل "

10- عفة الزواج المسيحي

11- نظرة المسيحية إلي البتولية

12- أقوال آباء الكنيسة وعلمائها

13- رأي اساتذه القانون المسلمين

مذكرة البابا كيرلس السادس تؤكد علي شريعة الزوجة الواحدة

بعض نقاط في الأحوال الشخصية لنيافة الأنبا أغريغوريوس

المراجع

مقدمة

ربما يكون شرح البديهيات هو إحدى المعضلات ، كما يقول المثل . و شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية هى إحدى هذه البديهيات ، و لكن شرحها لم يكن معضلة ... بل كان فرصة جميلة للتأمل فى روحانية الزواج المسيحى ، و حكمة الله فى وضعه هذا القانون منذ بدء الخليقة ، حينما خلق حواء واحدة لأبينا آدم ...

و قد اتيح لى أن أكتب هذا البحث فى مايو سنة 1958 " أى منذ عشرين عاما تماما " بناء على طلب من الكلية الإكليريكية ، و كنت وقتذاك راهباً فى دير السريان بوادى النطرون . و كانت قد اثيرت قضية فى ذلك الحين بخصوص موضوع " الزوجة الواحدة فى المسيحية " ... و تأخر اخواتنا فى نشر البحث ، إلى أن طبعت طبعته الأولى فى الستينات ، بعد سيامتى اسقفاً للمعاهد الدينية و التربية الكنسية .

و لما أعيدت المشكلة فى هذه الأيام ، رأينا أهمية إعادة نشر هذا الكتاب بعد أن نفذت طبعته منذ عشر سنوات . و على الرغم من مرور عشرين سنة على تأليفه ، إلا أننى – بالنسبة لظروفى الصحية – أعدت نشره كما هو تقريبا ، ما عدا الباب الأخير الذى اصفته إليه ، من جهة شهادة أساتذة القانون المسلمين التى يثبتون بها أعتقاد المسيحيين جميعا بشريعة الزوجة الواحدة .

و لما كانت الطبعة الثانية لهذا الكتاب ، قد نفذت بعد صدوره باسبوعين ، لذلك سارعنا إلى اصدار هذه الطبعة الثالثة ، لتفى حاجة الطلبات العديدة من الكنائس و الهيئات و الافراد .

إننى أهدى هذا الكتاب إلى جميع رجال القانون فى بلادنا ، و إلى كل المهتمين بالأسرة و كيانها ...

كما أهديه إلى اللجنة التى ستقوم بالأشراف على وضع قوانين الأحوال الشخصية .

و أصلى إلى الله أن يبارك كل أسرة ، لمجتمع متماسك نعيش فيه ، تربطه عوامل الحب و الألفة و التعاون وفقنا الله جميعاً إلى مرضاته و العمل بوصاياه .

 البابا شنودة الثالث

 

8 يونيو 1978 " أول بؤونة "

عيد الصعود الإلهى

مقدمة عن : مصادر التشريع فى المسيحية

المصدر الأول الأساسى للتشريع فى المسيحية هو الكتاب المقدس بعهديه . ثم هناك التقاليد و الإجماع العام ، و فى ذلك يقول القديس باسيليوس الكبير " من آباء القرن الرابع الميلاد " فى رسالته إلى ديودورس " " آن عادتنا لها قوة القانون ، لأن القواعد سلمت الينا من اناس قديسين " .

و هناك أيضاً القوانين الكنسية سواء كانت من الآباء الرسل أو من مجامع مسكونية أو اقليمية ، او من كبار معلمى الكنيسة من الآباء البطاركة و الأساقفة . و من هذا النوع الأخير قوانين أبوليدس و قوانين باسيليوس و هى قوانين معترف بها و نافذة المفعول فى العالم المسيحى .

و كل هذه القوانين التى وضعها الرسل و المجامع و الآباء انما كانت بناء على السلطان الكهنوتى الذى منحه لهم السيد المسيح بقوله " الحق اقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا فى السماء ، و كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى السماء " .

فالسيد المسيح قد سلم تلاميذه روح التعليم ، و ترك لهم كثيراً من التفاصيل لم يعطهم فيها تعليما ، و اسند اليهم أن يتصرفوا فيها بحسب الروح المعطى لهم . لأن المسيحية روح و ليست مجرد نصوص . و قد دعا السيد المسيح إلى التمسك بالروح و ليس بالحرف . و فى ذلك يقول بولس الرسول فى رسالته الثانية الى كورنثوس " الذى جعلنا كفاة لأن نكون خدام عهد جديد . لا الحرف بل الروح . لأن الحرف يقتل و لكن الروح يحيى " " 6:3 " .

و قد كانت للسيد المسيح أحاديث كثيرة مع تلاميذه لم يرد منها فى الكتاب المقدس شئ " أعمال 3:1 " . و هذا واضح ، لأنهم لو سجلوا كل شئ لما كان ذلك مستطاعا ، كما شهد القديس يوحنا فى انجيله "21:25"

و هكذا فى أشياء كثيرة جدا و جوهرية للغاية ، سار العالم المسيحى حسب التقاليد التى سلمت اليه ، و لم ترد فى الإنجيل ، اذ لم يكن ممكنا آن تشمل الأناجيل كل شئ .

و مثال ذلك كل تفاصيل العبادة فى الكنيسة . فالكتاب المقدس يذكر أن السيد المسيح أمر تلاميذه قائلاً " تلمذوا جميع الأمم و عمدوهم " " متى 19:28" . أما طقس العماد ، طريقته و صلواته ، فلم يذكر عنها شئ . و كذلك صلوات عقد الزواج ، و صلاة القداس ، و صلوات الجنازات .. الخ .

كل ذلك و غيره وصل الينا عن طريق التقاليد . وضع بعضه رسل السيد المسيح ، و البعض وضعته المجامع المقدسة ، و البعض وضعه الآباء البطاركة و الأساقفة فصار تقليدا له قوة القانون .

و مثال ذلك تفاصيل أخرى فى موضع الزواج الذى نحن بصدده ، كالمحرمات فى الزواج مثلا . ليست كل القرابات المحرمة موجودة فى الكتاب المقدس ، و مع ذلك فهى كلها من الأمور المسلم بها ، ليس فى الكنيسة القبطية فحسب ، و انما فى الكنائس المسيحية جمعاء .

فهل يمكن آن تسمح محكمة بزيجة محرمة شرعا فى المسيحية ، على اعتبار انه لا يوجد بخصوصها ؟!

كلا ، و انما نسأل نحن عن ديننا و عما نعتقده ، و نحن أعرف من غيرنا بشريعتنا و مصادرها ، التى لا تقتصر على الإنجيل .

و انما هناك كما قلنا التقاليد و الإجماع العام و القوانين . و هناك روح الدين كما فهمها بنوه و معلموه ، و كما شرحه الآباء القديسون الأول الذين كانوا يتكلمون بروح الله ، و كلماتهم لها فى قلوبنا هيبة القوانين ذاتها .

و لذلك لم نستطع أن نستغنى فى هذا البحث عن شئ من هذا كله .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة فى المسيحية من

(1)

الإجماع العام

أ – مقدمة

إن وحدة الزواج فى المسيحية أمر مسلم به عند جميع المسيحيين فى العالم كله على اختلاف مذاهبهم من أرثوذكس إلى كاثوليك إلى بروتستانت .

اختلفوا فى موضوعات لاهوتية و تفسيرية كثيرة ، و اختلفوا فى بعض التفصيلات فى موضوع الأحوال الشخصية نفسه . أما هذه النقطة بالذات " الزوجة الواحدة " ، فلم تكن فى يوم من الأيام موضع خلاف . و إنما سلمت بها جميع المذاهب المسيحية ، و آمنت بها كركن ثابت بديهى من أركان الزواج المسيحى .

فعلى أى شئ يدل هذا الإجماع ، الذى استمر بين هذه المذاهب كلها طوال العشرين قرنا من بدء نشر المسيحية حتى الآن ؟ واضح انه يدل على أن هذا الأمر هو عقيدة راسخة ليست موضع جدل من أحد .

و شريعة " الزوجة الواحدة " هذه : كما كان مسلما بها لدى رجال الدين ، كان مسلما بها أيضاً لدى رجال القضاء . و كما علمت بها الكتب الكنيسة ، كذلك وردت فى التشريعات التى أصدرتها الحكومات المسيحية فى العالم أجمع .

و يعوزنا الوقت أن نتناول البلاد المسيحية واحدة واحدة ، و نفصل تشريعاتها فى الأحوال الشخصية . و لكننا نشير إلى من يشاء معرفة هذه التفصيلات ، بقراءة كتاب " الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر " الذى صدر فى القاهرة سنة 1950م لمؤلفه الأستاذ جميل خانكى المحامى و وكيل النائب العام سابقاً لدى المحاكم المختلطة . و سنكتفى فى هذا البحث الموجز بذكر أمثلة من المؤلف ، تشمل بعض بلاد تتبع لكل من الذاهب المسيحية الرئيسية .

ب-الإجماع من جهة التشريعات المدنية

فكمثال للبلاد الأرثوذكسية:

1-  أقباط مصر : نصت لائحة الأحوال الشخصية التى أصدرها المجلس الملى العام سنة 1938فى الفصل الثالث " موانع الزواج الشرعية " على أنه ؛ " لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زوجاً ثانياً مادام الزواج قائماً " " المادة 25 " . و فى الفصل السادس الخاص ببطلان الزواج نصت المادة 41على أن كل عقد يقع مخالفا للمادة السابقة " يعتبر باطلا و لو رضى به الزوجان أو أذن ولى القاصر ، و للزوجين و كل ذى شأن حق الطعن فيه " .

و كمثال للبلاد الأرثوذكسية ، الخلقيدونية :

1- اليونان : من بنود موانع الزواج تنص المادة 1354 من القانون المدنى اليونانى الصادر فى

 30/1/1941 على أنه يمتنع الزواج " إذا كان أحد الزوجين قد سبق له الزواج ، و لم تنحل رابطته بعد " . و فى بطلان الزواج تحكم المادة 1372 بأنه يقع باطلا " زواج من لا يزال مرتبطا بزواج سابق " . و فى أسباب الطلاق تنص المادة 1439 على الطلاق فى حالة " إذا ارتكب أحد الزوجين زنا أو تعددت زوجاته " .

2-الروسيا : على الرغم من أن الزواج فيها لا يعتبر سوى عقد تراض بين شخصين . فإنه على حسب القانون المدنى للجمهوريات السوفيتية الاشتراكية الصادر سنة 1927 نص على أنه من موانع تسجيل وثيقة الزواج " أن يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .

و كمثال للبلاد الكاثوليكية :

1-  ايطاليا : ينص القانون المدنى الايطالى الصادر فى 16/3/1942 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " " المادة86 " . كما تنص المادة 117 على أنه يقع باطلا " زواج من كان مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته " .

2-فرنسا : على حسب قانونها المدنى فى الأحكام الصادرة فى 12/4/1945 تنص المادة 147 فى فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . و المادة 184 تقضى ببطلان زواج من كان مرتبطا بزواج سابق .

3-أسبانيا : تنص الفقرة الخامسة من المادة 83 من القانون المدنى الأسبانى الصادر فى 24/7/1889م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجيين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . و الفقرة الثانية من المادة 3 تقضى بالطلاق فى حالة " تعدد الأزواج أو الزوجات " .

و كمثال للبلاد البروتستانتية :

1-  الولايات المتحدة : حسب القانون العادى common law من شروط صحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .

2-  ألمانيا : تنص المادة الخامسة من القانون رقم 16 الذى أصدره الحلفاء بتاريخ 20/2/1946م على أنه من الشروط الموضوعية لصحة الزواج " أن لا يكون أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " .

3-  النمسا : تنص المادة 8 من القانون المدنى النمساوى الصادر سنة 1810 فى الشروط الموضوعية لصحة الزواج على أنه " لا يكون أحد الزوجين مرتبطاً بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد " . بينما المادة 24 تقضى ببطلان الزواج " إذا كان أحد الزوجين ما يزال مرتبا بزواج سابق صحيح " .

و كمثال للبلاد التابعة للمذهب الأسقفى :

بريطانيا : و هى – و إن كان ليس لها قانون مكتوب – إلا أنه حسب التقاليد يحكم ببطلان الزواج إذا كان أحد الزوجين مرتبطا بزواج سابق لم تنحل رابطته بعد .

و هذه الشريعة المسيحية " الزوجة الواحدة " ، و كما هى متبعة فى البلاد الآنفة الذكر التى تكلمنا عن قوانينها كمجرد أمثلة ، هى أيضاً متبعة فى باقى البلاد المسيحية مثل الأرجنتين و بولندا و رومانيا و السويد و سويسرا و هولندا .. الخ

لذلك فإن الأستاذ تادرس ميخائيل تادرس فى كتابه " القانون المقارن فى الأحوال الشخصية للأجانب فى مصر " – الذى أصدره سنة 1954 و هو وكيل لمحكمة الأسكندرية و رئيس دائرة الأحوال الشخصية للأجانب – رأى فى الباب الثانى الخاص بالشروط الموضوعية للزواج أن يتكلم بإجمال عن هذا الأمر فقال :

" هذا و لا تأخذ القوانين الأوربية و الأمريكية و بالأحرى قوانين البلاد غير الإسلامية بمبدأ تعدد الزوجات ، بل أنها تعتبره مخالفا للنظام العام . و لهذا نصت جميع هذه القوانين على أن ارتباط شخص بزواج سابق لم يحل و لم يفصم يعتبر مانعا من زواجه بآخر " .

و يقول المؤلف ايضا فى الفقرة 182 : و تأسيسا على هذا قضت المحاكم المختلطة ببطلان الزواج الثانى للشخص الذى مازال مرتبطا بزواج سابق ، عملا بالقانون الفرنسى " فى القضية رقم 1679 سنة 70 " بتاريخ 17 مارس سنة 1947 ، و الإيطالي : في القضية رقم 2048 سنة 73 " بتاريخ 28فبراير سنة 1949 .

ويقول المؤلف أيضاً في الفقرات 189 صفحة 129 تحت عنوان " الزواج الظني " Marige Putatif

" : كثيراً ما يحصل أن أحد الزوجين كان يجهل أسبابا البطلان الذي عقده مع الزوج الأخر . مثال ذلك : رجل متزوج في بلد ما ، ويخفي حالته المدنية علي سيدة اخري في بلد أخر ، ويتزوجها بصفة أعزباً ، ثم تظهر الحقيقة بعد ذلك ويقضي ببطلان الزواج . فما هو الحل ؟

أيضيع كل حق للزوجة الثانية التي كانت حسنة النية ، ام يعترف لها بحقوق ، ويناقش سيادته مسالة التعويض في ما إذا كانت هذه الزوجة الثانية التي حكم ببطلان زوجها لقيام الزوج الأول تستحق تعويضاً أم لا :

ج- الاجماع من الوجهة الكنسية

هذا الاجماع العام من الناحية القانونية المدنية : يقوم علي أساس " تعليم كنسي ينص علي وحده الزوجة . وسنعرض أيضاً أمثله لهذا التعليم من جهة المذاهب المسيحية المختلفة .

1- الكاثوليك :

ورد في باب " سر الزيجه " في كتاب التعليم المسيحي الروماني catechismus Romanus الذي طبع سنة 1786 في روما " بأمر الحبر الأعظم البابا بيوس الخامس " ما يأتي :

إننا آن تأملنا في شريعة الطبيعة بعد الخطيئة أو في شريعة موسي ، فنطلع بسهولة ونعرف آن الزيجة قد فقدت وعدمت حسنها وجمالها الأول الأصلي لأنه في زمان الشريعة الطبيعية قد تحققنا وعلمنا عن كثيرين من الاباء القدماء كان متزوجين بنساء كثيرات معاً . أما فيما بعد ؛ في شريعة موسي فكان مسموحاً بذلك وإذا وجد سبب موجب وتدعو الضرورة إلي تلقي المرأة فيكتب لها كتاب طلاق . فهذان الأمران المذكوران قد ارتفعا وزالا من زيجة الشريعة الإنجيلية . والزيجه قد ارتدت إلي حالها الأول ، لكون الزيجة بكثرة نساء كانت شيئاً غريباً عن طبيعة الزيجة . ولو أن الآباء القدماء لم يلاموا علي زيجتهم بنساء كثيرات لأنهم ما فعلوا ذلك بغير إذن من الله وسماح منه تعالي . وربنا يسوع المسيح أوضح بطلان الزيجة بنساء كثيرات في تلك الألفاظ التي قالها " من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمراتة ويكون الإثنين جسداً واحداً " ثم أضافه قائلاً " فليس هما اثنان ولكن جسد واحد "

( متي 19: 5 ، 6 ) . وأثبت ذلك المجمع المقدس التريدنتيني في القانون الثاني من الجلسة الرابعة والعشرين عن سر الزيجة . فالسيد المخلص في هذه الكلمات قد أوضح أيضاحاً بينا بأن الرزيجة قد فرضت من الله هكذا : بأن تكون أقتراناً فيما بين اثنين فقط لا اكثر . الشئ الذي قد علمه أيضاً في مكان اخر وأوضحه جيداً حيث قال " من طلق أمرأة وتزوج بإخري فقد زني . وأن فارقت زوجها وتزوجت اخر فهي زانية " ( مرقس 10 : 11 ، لوقا 16 : 17 ) .

فلو كان يجوز للرجل آن يتزوج بنساء كثيرات ، لما كان يوجد سبب أصلاً أن يقال عنه أنه مجرم بخطيئة الزني إذا ما أقترن – عدا أمرأته التي عنده في البيت – بإمرأة اخري " . وكذلك في قضية المرأة الأمر يجري هكذا . فالأجل هذا يلزمنا آن نعرف بإنه أذا كان احد من غير المؤمنين قد تزوجت بنساء كثيرات ، حسب عادة أمته وطقسها . فلما يرتد إلي الديانة الصادقة والحقيقية ، تأمرة الكنيسة أن يترك باقي النساء الآخر جميعهن ويأخذ المرأة التي أتخذها أولاً قبل جميعهن فتكون له إمرأة هي وحدها فقط شرعاً وعدلا " أه .

2- البروتستانت :

نفس الشريعة " الزوجة الواحدة " يؤمن بها البروتستانت كما يظهر من " كتاب نظام التعليم في علم الاهوت القويم " الذي " يبين معتقد الكنيسة المسيحية الإنجيلية " . فقد ورد في صفحة 396 منه في شرح الوصية السابعة : " الكتاب في كلا العهدين يكرم الزوج غاية الأكرام ، ويعتبره رسما إليها ، وقد وضعته الحكمة الإلهية لغاية حسنة وهي بركة فائقة لجنسنا .

والقانون الأصلي الدائم فيه آن يكون رجل واحد وأمرأة واحدة وهو اقتران لا يجوز أنفكاكه إلا بالموت أو لسبب إخر ذكره المسيح . وما يظهر في الكتاب انه عدول عن هذا القانون كأتخاذ نساء كثيرات في العهد القديم ، أنما هو بإحتمال الله لأسباب وقتيه ، وهو خلاف ما اعتاده العبرانيون انفسهم في كل العصور اما المسيح فأثبت القانون بدون ادني التباس ( متي 19 : 3 –9 ، مرقس 10 : 4 –9 ، لوقا 16 : 18 ، متي 5 : 32 ) . ولا يجيز الطلاق الكامل الذي يحل للإنسان زواجاً أخر إلا لزنا ، بموجب تعليم المسيح ( متي 5 : 31 ، 32، 19 : 3-9 ) أة .

ورأي البروتستانت هذا عبر عنه كذلك قاموس الكتاب المقدس للدكتور جيمس هيستنجز J.Hastings إذ ورد فيه :" إن أول تغيير أحدثته المسيحية هو وحدة الزواج ومنع تعدده " وقد ذكر الكتاب أيضاً آن الآيتين 4 ، 5 من انجيل متي 19 تمنعان وجود زوجة ثانية

3- أما الأسقفيون :

فإن رأيهم صريح في وحدة الزواج عبر عنه الدكتور تشيثام Cheetham رئيس الشمامسة السقفة واستاذ علم الاهوت الرعوي بكلية الملك بلندن في كتابة Dictionary of Christian Antiquities أذا ورد فيه " إن التعديلات التي احدثها ربنا في قانون الزواج والطلاق العبران كما كانت قائمة في ايامه هي اثنتان :

"أ" أنه أرجع قاعدة الزواج الواحد monogamy

"ب" ولم يسمح بالطلاق إلا علي اساس زنا الزوجة ...

أما رأينا نحن الأورثوذكس:

فهو واضح مما سبق أن ذكرناه في صفحة 13 ومع ذلك فسنشرحه بالأدله التي سيتضمنها هذا الكتاب كله . ولكننا نكتفي في هذا الفصل الإجمالي بما ورد في صفحة 119 من كتاب التميز – وهو أحد أجزاء مخطوطه قديمة بدير السريان بوادي النطرون – من أنه " لا يجوز للمرء مادامت امرأة حية أن يتخذ عليها أخري " .

انظر أيضاً الباب الخاص بمنع تعدد الزوجات بسبب قوانين كنسية صريحة .

د- خاتمه

أوردنا امثله عديدة تدل علي أن شريعه " الزوجة الواحده هي ركن أساسي من أركان الزواج المسيحي ، تؤمن بها جميع المذاهب المسيحية التي سلمت بها علي الرغم من أختلفها في بعض أمور أخري وبقي آن نقول الأن : اما أن هذا الأجماع العام يعني آن المر هو عقيده راسخه لم تتزعزع مدي عشرين قرناً من الزمان . وهذا هو الثابت منطقاً وعملاً . وأما انه يعني آن المسيحيين في العالم اجمع – أكليروساً وعلماء وشعباً – منذو نشأتهم حتي الأن مخطئون في فهم دينهم ، وهذا ما لا يستطيع آن يقول به أحد . و الذي يعرضون هذا الأمر يلزمهم آن يفتشو التاريخ جيداً ويسألوه : متي سمع عن المسيحي أنه جمع بين زوجتين في زواج قانوني تقره الكنيسة ؟ ! ومنذو بدأ المسيحية حتي الأن ، متي أجازت الكنيسة امرا كهذا – علي علم – وأجرت طقوسه ؟! فإن لم توجد اجابه علي هذا السؤال – ولن توجد – نتدرج إلي نقطة أخري في الفصول التالية وهي تفسير وتوضيح الأسباب التي من اجلها امن المسيحيون بهذه العقيدة ...

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(2)

هكذا كان منذ البدء

1- اثنان ، ذكر وانثي :

عندما أتي الكتبة والفريسيون يسألون السيد المسيح عن الطلاق ليجربوه ، قال لهم  " إن موسي من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ،ولكن من البدء لم يكن هكذا "( متي 19 : 18 ) يفهم من هذا ضمناً أن السيد المسيح يهمه أن ترجع الأمور إلي ما كانت عليه منذ البدء . لن النظام الذي وضعه الله للبشرية منذ البدء لم يكن هكذا " ( متي 19: 18 ) يفهم من هذا ضمنا أن السيد المسيح يهم أن ترجع الأمور إلي ما كانت عليه منذ البدء . لأن النظام الذي وضعه الله للبشرية منذ البدء . كان هو النظام الصالح له ، وإذا حادت البشرية عنه كان يجب آن ترجع إليه " من البدء " ذكرها السيد المسيح كذلك في اول حذمه مع الكتبةو الفريسين ( متي 19 : 4 ).

فما الذي كان منذ البدء ؟

قال لهم " أما قرأتم آن الذي خلق ، من البدء خلقهما ذكر وأنثي ". وقال " من يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون اثنين جسداً وأحداً ؟ إذن ليس بعد أثنين بل جسدا واحد . فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " ( متي 19: 4-6 ) .

هذا إذن هو الزواج المسيحى :

"أ" اثنان فقط ذكر و أنثى .

"ب" يجمعهما الله .

"ج" فى وحدة عجيبة لا يصبحان فيها اثنين بل واحد .

"د" و لا يستطيع إنسان أن يفرقهما .

نعم ، لا يستطيع جسد ثالث أن يدخل بينهما و يفرقهما – و لو إلى حين – ليوجد له اتحادا – إلى حين – مع طرف منهما . لأن الزواج ليس متكونا من ثلاثة أطراف بل من طرفين اثنين فقط ، كما ظهر من كلام السيد المسيح ، و كما تكرر التعبير بالمثنى فى كلامه أكثر من مرة .

2- وضع إلهى منذ بدء الخليقة :

فكرة أن يقوم الزوج بين اثنين فقط ، و أن تكون للرجل امرأة واحدة لا غير ، ليست هى إذن فكرة جديدة أتت بها المسيحية ، و إنما هى الوضع الأصلى للنظام الإلهى الذى كان منذ البدء . و كيف كان ذلك ؟ يقول سفر التكوين – " و قال الرب الإله ليس جيداً أن يكون آدم وحده ، فأصنع له معيناً نظيرة ... فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام ، فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ مكانها لحما . و بنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة ، و أحضرها إلى آدم ، فقال آدم : " هذه عظم من عظمى و لحم من لحمى ، هذه تدعى إمرأة لأنها من امرء أخذت . لذلك يترك الرجل أباه و أمه و يلتصق بامراته ، و يكونان جسدا واحد " ( تكوين 2:18-24) كانت الأرض خالية من السكان ، " و مع ذلك فإن الله الخالق الذى كان يريد أن تمتلئ الأرض من البشر ، لم يصنع لأدم سوى زوجة واحدة . و كان آدم بمفرده فى هذا الكون الواسع ، و مع ذلك فإن الله لم يخلق له سوى معين واحد يشاركه حياته .

و هكذا وضع الله بنفسه أسس الزواج الواحد Monogamy و فى هذا يقول سفر التكوين أيضاً عن الناس جميعاً ، ممثلين فى الزوجين الأولين "... ذكرا و أنثى خلقهم ، و باركهم الله و قال لهم أثمروا و أكثروا و املأوا الأرض ... " (تكوين27:1-28) . و يختم سفر التكوين هذا الوضع الإلهى بعبارة

 " و رأى الله كل ما عمله ، فإذا هو حسن جدا ، و كان مساء و كان صباح يوم سادسا "

(تكوين 1:31) .

3- تعليق القديسين و العلماء :

و قد ترك هذا الوضع الإلهى أثره فى قديسى و علماء القرون الأولى من معلمى المسيحية فأفاضوا فى شرحه :

+ قال القديس ايرونيموس " جيروم"

و ذلك فى رسالته التى كتبها سنة 409م إلى أجيروشيا عن وحدة الزواج " إن خلق الإنسان الأول يعلمنا أن نرفض ما هو أكثر من زيجة واحدة . إذ لم يكن هناك غير آدم واحد و حواء واحدة " و قال قبل ذلك فى كتابه الذى وضعه سنه 393 ضد جوفنيانوس " فى البدء تحول ضلع واحد إلى زوجة واحدة . و صار الإثنان جسدا واحدا ، و ليس ثلاثة أو أربعة . و إلا فكيف يصيرون اثنين إذا كانوا جملة ؟!"

+ و العلامة ترتليانوس الذى عاش فى القرن الثانى الميلادى .

تعرض لهذه النقطة أيضا فى كتابه " إلى زوجته " Ad Uxorem فقال " كان آدم هو الزوج الوحيد لحواء ، و كانت حواء هى زوجته الوحيدة : رجل واحد لإمرأة واحدة " .

و يفصل الأمر فى كتابه " حث على العفة " فيقول : إن أصل الجنس البشرى يزودنا بفكرة عن وحدة الزواج . فقد وضع الله فى البدء مثالا تحتذيه الأجيال المقبلة ، إذ صنع إمرأة واحدة للرجل ، على الرغم من أن المادة لم تكن تنقصه لصنع أخريات ، و لا كانت تنقصه القدرة . و مع ذلك فأزيد من إمرأة واحدة لم يخلق الله " يصير الإثنان جسدا واحدا ، ليس ثلاثة أو أربعة ، و إلا فلا يمكن أن يكونا اثنين فى جسد "

+ و من قبل جيروم و ترتليانوس قال رسل السيد المسيح الإثنا عشر فى تعاليمهم " الدسقولية " :

و من بدء الخليقة أعطى الله إمرأة واحدة . و لهذا السبب فإن الإثنين جسد واحد .

4- البشرية تكسر هذا الوضع الإلهى :

هذا هو ما وضعه الله منذ البدء ، و ما غرسه فى ضمير الإنسان قبل أن يزوده بشريعة مكتوبة . و لكن البشرية أخطأت و كسرت الوضع الإلهى . و قايين الذى قتل أخاه هابيل ، فلعنه الله هو و نسله ، ظهر من نسله رجل قاتل أيضاً اسمه "لامك" كان أول إنسان ذكر عنه الكتاب المقدس أنه تزوج من إمرأة . إذ يقول سفر التكوين فى ذلك : " و اتخذ لامك لنفسه إمرأتين " (تكوين19:4) .

و فى ذلك يقول القديس ايرونيموس فى كتابه ضد جوفنيانوس " لامك رجل دماء و قاتل ، كان أول من قسم الجسد الواحد إلى زوجتين و لكن قتل الأخ و الزواج الثانى قد أزيلا بنفس العقاب ، الطوفان " .

و هذا هو الذى حدث فعلاً إذ انتشر الزنا فى الأرض ، لأن نعمة الزواج التى أعطاها الله للبشر ، ليتوالدوا بها و يكثروا و يملأوا الأرض و يخضعوها ، استغلوها استغلال سيئا لإشباع شهوات جسدية . فغضب الله و أغرق الأرض بالطوفان ، و محا هذا الشر العظيم من على الأرض لكيما يجددها فى طهارة مرة أخرى .

5- الله يرجع المبدأ ... أيام نوح :

و الآن لعلنا نسأل " أى قانون وضعه الله للزواج بعد أن تطهرت الأرض من الظلم و النجاسة ؟ " انه نفس القانون الذى كان قد وضعه منذ البدء ، و رأى أنه حسن جدا ، و هو قانون " الزوجة الواحدة" .

يسجل سفر التكوين هذا الأمر فيذكر أن الله قال لنوح " فتدخل الفلك أنت و بنوك و إمرأتك و نساء بنيك معك ... فخرج نوح و بنوه و إمرأته و نساء بنيه معه " (15:8-18) .

و كما كانت لنوح إمرأة واحدة كذلك كان بنوه لكل منهم إمرأة واحدة أيضاً : " و كان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما و حاما و يافث ... هؤلاء الثلاثة هم بنو نوح ، و من هؤلاء تشعبت كل الأرض (18:9-19) . نوح و بنوه الثلاثة كانوا اربعة رجال ، و لهم أربعة نساء فقط ، لكل رجل زوجة واحدة ، فيكون الجميع ثمانى أنفس بشرية دخلت الفلك و هذا الأمر يثبته القديس بطرس الرسول فى رسالته الأولى بآية صريحة ( ص20:3) قال فيها " كانت عناية الله تنظر مرة أخرى فى أيام نوح إذ كان الفلك يبنى ، الذى فيه خلص قليلون أى ثمانى أنفس بالماء " . و أيضاً ورد هذا المعنى عينه فى سفر التكوين بنص صريح هو " فى ذلك اليوم عينه دخل سام و حام و يافث بنو نوح و إمرأة نوح و ثلاث نساء بنيه معه إلى الفلك " (تكوين13:7) . بنفس شريعة " الزوجة الواحدة " جدد الله البشرية فى أيام نوح بينما كانت الأرض خالية – كما فى أيام آدم – و كان الله يريد أن يملأها .

و هذا واضح من قوله تعالى لنوح و بنيه كما قال لآدم من قبل " اثمروا و اكثروا و املأوا الأرض ، و لتكن خشيتكم و رهبتكم على كل حيوانات الأرض " (تكوين2،1:9) .

كان الله يريد حقا أن تمتلئ الأرض و تعمر ، و لكنه كان يريد أيضا أن يتم ذلك بطريقة مقدسة ، تتفق و النظام الإلهى الذى وضعه للزواج منذ البدء ، و هو قانون " الزوجة الواحدة " .

6- حتى الحيوانات و الطيور بنفس المبدأ :

حتى الحيوانات و الطيور وضع لها نفس النظام ، عندما جدد الحياة على الأرض . و فى ذلك يسجل سفر التكوين أمر الله لنوح " و من كل حى ذى جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك ، تكون ذكرا و أنثى ، من الطيور كأجناسها و من البهائم كأجناسها ، و من كل دبابات الأرض كأجناسها اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها ( تكوين 20،19:6) .

وفعل نوح ذلك و دخل و أسرته إلى إلى الفلك " هم و كل الوحوش كأجناسها ، و كل الطيور كأجناسها ، و كل عصفور ذى جناح دخلت إلى الفلك : اثنين اثنين من كل ذى جسد فيه روح و حياة . و الداخلات دخلت ذكرا و أنثى و من كل ذى جسد كما أمره الرب " . (تكوين14:7-16) .

نفس القانون نفذه الله على الحيوان و الطير و إن كان قد فرق فى الكمية لا فى القانون بالنسبة إلى الحيوانات الطاهرة و النجسة . فقال لنوح من جميع البهائم الطاهرة ، تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا و أنثى ، و من البهائم التى ليست بطاهرة اثنين ذكرا و أنثى ، لاستبقاء نسل على وجه الأرض " (تكوين3،2:7) .

و كانت الحكمة فى ذلك هى أن الحيوانات و الطيور الطاهرة يجب أن يزيد عددها " مع الإحتفاظ بنفس الشريعة " لسببين :

" أ " لكى تقدم منها ذبائح لله ، كما فعل نوح عندما خرج من الفلك (تكوين20:8) .

" ب " و أيضا لتكون طعاما فيما بعد (تكوين3:9) .

فإن كان الله قد وضع هذه الشريعة حتى للحيوان الأعجم الذى لم يصل إلى سمو الإنسان ، فكم بلأولى تكون الشريعة المعطاة للإنسان ؟!

7- تعليق القديسين و العلماء :

و هذا الأمر لم يتركه قديسو الكنيسة و علماؤها بدون تعليق .

فقال القديس ايرونيموس

" و هكذا أيضاً فى الفلك – الذى يفسره بطرس الرسول بأنه مثال للكنيسة – أدخل نوح و أولاده الثلاثة و زوجة واحدة لكل واحد و ليس اثنتين ، و بالمثل فى الحيوانات غير الطاهرة زوجا واحدا أخذ ذكرا و أنثى ، ليظهر أن الزواج الثانى ليس له مكان . حتى بين الوحوش و الدواب و التماسيح و السحالى ... " .

و قد علق أيضا على ذلك العلامة ترتليانوس فقال :

" عندما ولد الجنس البشرى للمرة الثانية ، كانت وحدة الزواج – للمرة الثانية – هى أمه . و إذا باثنين فى جسد واحد ، يعودان فيثمران و يكثران .. نوح و إمرأته مع بنيهم ، و الكل فى وحدة زواج . حتى بين الحيوانات أمكن ملاحظة واحدة الزواج ...

و بنفس الشريعة أمر باختيار مجموعات من سبعة أزواج ، كل زوج ذكر و أنثى . ما الذى يمكن أن أقوله أكثر من هذا ؟! حتى و لا الطيور النجسة أمكنها أن تدخل فى شركة " زواج مع اثنتين " .

8- السيد المسيح يعمل على ارجاع ما كان منذ البدء :

هذا هو الوضع السامى الذى أراده الله للبشرية منذ البدء ، و الذى فشل البشر مدة طويلة من الزمن فى الوصول اليه ، و هو نفس الوضع الذى علم به السيد المسيح ، و دعا الناس إليه موبخا اياهم على ضعف مستواهم بقوله " لم يكن هكذا منذ البدء " (متى8:19،مرقس6:10) .

و قد صدق العلامة ترتليانوس فى قوله إن السيد المسيح عمل على ارجاع أشياء كثيرة إلى ما كانت عليه منذ البدء ؛ فألغى الطلاق الذى لم يكن موجودا منذ البدء . و ارجع وحدة الزواج التى كانت منذ البدء . و لم يقيد الإنسان بالختان و بترحيم أطعمة معينة ، إذ لم تكن القيود موجودة منذ البدء .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(3)

بحث تعدد الزوجات فى العهد القديم و الغائه فى المسيحية

لكى يتضح هذا الأمر جيدا ، علينا أن نعرف أولا ظروف قيامه ، حينئذ تظهر لنا حكمة الله فيه :

فساد الجنس البشرى و تدهوره :

1-  كان آدم بتولا فى الفردوس ، و كذلك كانت حواء . و يقول عنهما الكتاب المقدس " و كان كلاهما عريانين آدم و إمرأته و هما لا يخجلان " (تكوين25:2) . و لكنهما – بعد الخطية – فقدا حالتهما الأولى السامية الفائقة للطبيعة ، و أحسا بعريهما فكساهما الله و ستر عريهما . و بعد أن طردا من الفردوس ، يقول الكتاب " عرف آدم حواء إمرأته فحبلت وولدت قايين ... " (تكوين1:4) .

و لم يكتف الإنسان بالنزول من سمو البتولية إلى عفة الزواج الواحد ، بل تدرج البعض إلى تعدد الزوجات (تكوين19:4) ، و بدأت الشهوة الجسدية تسيطر على الرجال " فرأوا بنات الناس أنهن حسنات " فاتخذوا لأنفسهم نساء منكل ما اختاروا " (تكوين2:6) ، و يصف الكتاب الحالة السيئة التى وصلت إليها البشرية فيقول " و رأى الرب أن شر الإنسان قد كثر فى الأرض ، و أن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم ... فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذى خلقته " (تكوين7،5:6) . و كان الطوفان ...

و لكن حتى نسل نوح الذى أنقذ من الطوفان أخطأ ايضا إلى الرب . و عاد الشر فكثر فى الأرض . و لم يكتف الناس بالزنا ، بل انحطوا أكثر من ذلك إلى الشذوذ الجنسى ، كما ظهر ذلك ببشاعة فى أهل سادوم التى أحرقها الله بالنار هى و عمورة (تكوين24،5:19) . و ظهرت بشاعة الزنا فى حادث سبط بنيامين (قضاة29:20-33) .

و انحدرت البشرية إلى هوة أخرى فعبدت الأصنام دون الله ، حتى أن لابان خال يعقوب أب أسباط إسرائيل الإثنى عشر ، كان هو أيضاً يعبد الأصنام (تكوين30،19:31) . و ظهر التسرى و انتشر (تكوين2:16و 9،3:30) . و تطور الزنا بالناس ، حتى عرف بينهم البغاء أيضاً .

(تكوين16،15:38) .

ووسط هذا الجو الوثنى الفاسد ، كان تعدد الزوجات يعتبر عملا شريفا جدا إذا قيس بالممارسات الأخرى . و هكذا كانت البشرية تتطور – فى البعد عن الله – من سئ إلى أسوأ . و لم تكن الشريعة المكتوبة قد أعطيت لهم بعد . فماذا يفعل الله ؟ هل يفنى الإنسان مرة أخرى من على وجه الأرض ، و يتوالى تكرار قصتى الطوفان و نار سدوم ؟! أم هل كان هناك حل آخر تقوم به مراحم الله لأجل إنقاذ الإنسان ؟ .. كان هناك حل آخر . فما هو ؟

كان لابد من سياسة تدرج لإنقاذ الإنسان :

2-  انتقى الله من البشرية إبراهيم أبا الآباء ، لكى يجعله نواة لشعب جديد ، ينشأ بتربية إلهية خاصة ، و يكون كمتحف حى للديانة الإلهية و للعبادة الحقة ، وسط الشعوب الوثنية التى تملأ الأرض . و نظروا إلى حالة البشرية المنحطة لم يتقل الله بوصايا صعبة على الشعب الناشئ المحاط فكرياً و عمليا بألوان من خطايا الوثنيين .

و حتى فى هذا الشعب المختار ظهر تعدد الزوجات أيضا . لم يأمر الله به ، و لكنه تسامح فيه : إذ كانت له ظروفه الخاصة من جهة ، و من جهة أخرى فإن المستوى البشرى المعاصر لم يكن يسمح وقتذاك بالسمو الذى أراه الله للإنسان منذ البدء . لابد من سياسة تدرج يتخدها الله الرحيم الشفيق ، لكى يأخذ بيد البشرية الساقطة ، و يقودها خطوة خطوة إلى الوضع الإلهى الذى كان فى البدء .

و كمثال لسياسة التدرج التى عامل بها شعبه تشريع الطلاق مثلا : فى البدء لم يكن هنك طلاق ، و لكنه ظهر لما فسدت البشرية . فلم يلغه الله دفعة واحدة ، و إنما تدرج مع الناس . تركهم فترة طويلة فى حريتهم المطلقة ، يستخدمون الطلاق بدون قيد و لا شرط . ثم قيدهم فى الشريعة بكتاب طلاق يعطى للمطلقة . و يقول القديس اوغسطينوس إنه " فى هذا الأمر كان يظهر التوبيخ أكثر من الموافقة على الطلاق . فمن المعروف أن إجراءات قسيمة الطلاق كانت نوعا من التعطيل ، لأنه تستغرق وقتا يراجع فيه الزوج نفسه . و مع ذلك فقد قال السيد المسيح لليهود " من أجل قساوة قلوبكم ، أذن لكم أن تطلقوا نساءكم (متى8:19) .

إذن فلم يكن السبب آن الأمر كان يتمشى مع قصد الله ، و إنما هى تنازل من الله ليتمشى مع ضعف الإنسان . و قد قال ذهبى الفم : "أن الزوجة المكروهة ، و إذا لم يكن يؤذن بطلاقها ، كان يمكن أن يقتلها الزوج ، لأنه هكذا كان جنس اليهود الذين قتلوا الأنبياء ... فسمح الله بالأقل ليزيل الشر الأكبر ... فيخرجوهن بدلا من أن يذبحوهن فى البيوت "

ولكن الله صبر على ذلك زمنا ، ثم وبخ الشعب علانية على الطلاق ، مظهرا لهم كراهيته لهذا الأمر

(ملاخى16:2) . و أخيرا ألغى الطلاق فى العهد الجديد ، إلا لعلة الزنا ، لأن هذه الخطية بالذات تكسر جوهر الزوج من أساسه ، كما سيظهر ذلك عند كلامنا عن " الجسد الواحد" .

تنازل الله إذن فى تشريعه مع مستوى الناس ، لكى يرفعهم تدريجيا إلى المستوى الذى يريده لهم : سمح لهم بأكثر من زوجة ، سمح لهم بالطلاق ، سمح لهم بالتسرى ، سمح لهم برجم الزناة ... كل ذلك لأنهم كانوا وقتذاك لا يحتملون السمو الذى أراده لهم .

و كان من غير المعقول أن يعطى الله الناس شريعة فوق مستواهم لا يستطيعون تنفيذها . و لذلك حسنا وبخ السيد المسيح الكتبة و الفريسيين بقوله عنهم " يحزمون أحمالا ثقيلة عسرة الحمل و يضعونها على أكتاف الناس " (متى4:23) .

و هكذا اختار الله نقطة بدء منخفضة تتفق و مستوى الناس ، مع عرضه الكمال عليهم يختاره من يشاء و من يحتمل ، دون أن يكون إجباريا . و لكنه تدرج شيئا فشيئا فى تشريع هذا الكمال حتى تم ذلك فى المسيحية . و حتى فى هذه أيضا ترك درجات عليا من الكمال اختيارية ، لأنه كما قال " ليس الجميع يحتملون " (متى11:19) . غير أنه احتفظ فى المسيحية بسمو للحد الأدنى .

من أجل هذا قال العلامة ترتليانوس " كل واحد يعلم الآن ، أنه قد سمح لآبائنا – حتى رؤساء الآباء أنفسهم – ليس فقط بالزواج و إنما بتعدد الزيجات أيضا ، بل إنهم احتفظوا كذلك بسرارى . و لكن على الرغم من استعمال الطريقة الرمزية فى الكتاب فى الكلام عن الكنيسة و المجمع ، فإننا سنشرح هذا الإشكال فى بساطة بقولنا إنه " كان من الضرورى فى الأزمنة الماضية ، أن تقوم ممارسات ينبغى إبطالها فيما بعد أو تعديلها " . بقى علينا أن نشرح لماذا كان ذلك ضروريا فى تلك الأزمنة .

فكرة " شعب الله " و بركة النسل :

3- كان تعدد الزوجات يتمشى إلى حد كبير مع فكرة " شعب الله " ، هذا الشعب الذى علمه الله الشريعة ، و أرسل إليه الأنبياء ليحفظ فيه العقائد السليمة إلى أن يحين انتشارها فى الأرض كلها ، فتصبح جميع الأمم هى شعب الله .

و كان لابد أن يكثر هذا الشعب : ليس فقط ليستطيع الصمود أمام شعوب الوثنية القوية ، و إنما أيضا ليستخدمه الله فى القضاء على الوثنية . كما حدث فيما بعد ، عندما طرد الوثنيين من الأرض و سكنها ، فصارت مقدسة ، إذ أنها كانت المركز الوحيد لعبادة الله الحقيقية فى العالم كله .

من أجل هذا كانت كثرة النسل بركة توارثها الآباء و سعوا لنيلها . و هكذا نسمع أن الله قال لإبراهيم أبى الآباء " ... و أجعل نسلك كتراب الأرض ، حتى إن استطاع أحد أن يعد تراب الأرض فنسلك أيضا يعد " (تكوين16:13) . و قال له أيضا " انظر إلى السماء و عد النجوم إن استطعت أن تعدها ... هكذا يكون نسلك " (تكوين5:15) . و قال له ثالثة " من أجل أنك فعلت هذا الأمر ، و لم تمسك ابنك وحيدك " عنى " ، أباركك مباركة و أكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء و كالرمل الذى على شاطئ البحر . و يرث نسلك باب أعدائه ، و يتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض " (تكوين 16:22-18) . و أقام الله عهداً مع ابراهيم قال له فيه " لأنى أجعلك أبا لجمهور من الأمم ، و أثمرك كثيرا جدا و أجعلك أمما ، و ملوك منك يخرجون . و أقيم عهدى بينى و بينك و بين نسلك من بعدك فى أجيالهم ... " (تكوين5:17-7) .

و نفس هذه البركة منحها الله لإسحق بن ابراهيم فقال له " فأكون معك و أباركك ... و أكثر نسلك كنجوم السماء و تتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض " (تكوين3:26،4) . و كرر الله هذه البركة عينها ليعقوب بن إسحق (12:32،11:35).

زيجات ابراهيم و يعقوب و فكرة الرمز :

4- أعجيب " ... بعد كل هذه المواعيد بكثرة النسل كنجوك السماء و رمل البحر ... أن يتخذ ابراهيم له أكثر من زوجة ؟! ظانا فى نفسه أن هذا قد يتفق و مسيئة الله فى مباركة نسله !

و لم يفعل إبراهيم ذلك عن شهوة جسدية ، و هو رجل كان قد شاخ و اجتاز الثمانين من عمره بسنوات ، دون أن يتخذ لنفسه إمرأة أخرى غير سارة زوجته الوحيدة العاقر ! إلى أن أعطته هى أمتها هاجر سرية قائلة له " هوذا الرب قد أمسكنى عن الولادة . ادخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين " (تكوين2:16) . و كانت له ست و ثمانون سنة من العمر حين ولدت له هاجرا ابنا " (تكوين16:16)
و قد قال القديس أوغسطينوس فى كتابه Bono Conjugali عن أبينا ابراهيم انه عاش فى حالة الزواج بعفاف . و كان فى مقدوره أن يعيش عفيفا بدون زواج ، و لكن ذلك لم يكن مناسبا فى ذلك الزمان . فأى زمان يقصده أوغسطينوس ؟ إنه ليس زمنا وثنيا فاسدا تكتنفه ظلمة الجهل فحسب ، و إنما تسرى ابراهيم فى عصر خافت فيه إبنتا قريبه لوط من انقرض العالم بعد حرق سادوم و عاموره ، و هرب هذه العائلة الصغيرة وحيدة في الأرض ، فأسكرتا أباهما ، وأنجبتا منه نسلاً دون آن يعلم ( تكوين 19 : 31-38 ) ... ليس عن شهوة ولا دنس ، وإنما رغبة في النسل ، وخوفاً من أنقراض الأسرة في الأرض ... ليست المسألة أذاً شهوة حسية أو عدم ضبط نفس . فإن القديس أغسطينوس في الأجابة عن هذه النقطة " وهي زواج إبراهيم بأكثر من واحدة يصيح متسائلاًً في تعجب " هل لم يضبط نفسه ، هذا الذي قدم أبنه ذبيحة "؟!
أما العلامة ترتليانوس فيضيف رأياً أخر بقوله " كان زواج إبراهيم مثالاً ورمزاً " وهذه الفكرة شرحها إيضاً القديس ايرونيموس بالتفصيل في رسالته إلي أجيروشيا . وكلا هذين الكاتبين المسيحيين الكبيرين لم يتكلم من ذاتيهما ، وإنما أعتمد علي شرح القديس بولس الرسول بهذه النقطة بذات في رسالته إلي غلاطية ( 4 : 22- 30 ) . في الواقع كانت كثير من الأشياء في تصرفات وحياة الآباء الأول والإنبياء هي – كما قال القديس ايرونيموس – " رموز لأمور ستأتي " . وهذا الموضوع شرحة بالتفصيل القديس هيلاري أسقف بواتيبية الذي كان يلقب " أثناسيوس الغرب " في كتابه

Tractatus Mysteriorum  فتحدث عن هذه الرموز منذو آدم ، وتعرض فيه الزيجات إبراهيم ولزيجات يعقوب إيضاً . وهذا المر أوضحه القديس أوغسطينوس في عبارة موجزة قال فيها " كانت زوجات الإباء الكثيرات رمز لكنائس مستقبله من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح . أما سر الزواج بواحده في أيامنا ، فيشير إلي وحدتنا جميعاً في خضوعنا لله ، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة سمائية واحدة " .ومع ذلك فإن إبراهيم لم تجده زوجاته الكثيرات شيئاً إذ قال له الله " بأسحق يدعي لك نسل " ( تكوين12:21) . ولما مات لم يدفن كما لاحظ القديس أمبروسيوس إلا مع زوجته سارة وحدها .

وإبنه اسحق لم يتخذ في حياته كلها التي بلغت 180 عاماً ( تكوين 35 : 28 ) غير زوجه واحده هي رفقة ، التي كانت حياتها هي الأخري تحمل رموزاً كثيره بالأخص في زواجها وفي إنجابها .

إما يعقوب أبو الأسباط الأثني عشر ، فمعروف أنه خدع من خاله لابان الذي زفه إلي زوجه من إبنتيه غير التي أختارها لنفسه . و في الصباح اكتشف يعقوب أنها ليست خطيبته التي أختارها ، وإنما هي أختها الكبري . وأجابه لابان عن هذه الخدع بقوله " لا يفعل هكذا في مكاناً آن تعطي الصغيرة قبل البكر " ( تكوين 29 : 36 ) . وعلاجاً للمشكلة زواجه الصغري أيضاً . وتسري يعقوب بنفس السبب الذي من أجله تسري أبراهيم : دفع إلي ذلك دفعا من زوجتيه أن يتخذ له جاريتهما سريتين لينجب لهما نسلاً ( تكوين 30 : 3 ،9 ) . وكانت في تلك الزيجات أيضاً رموز لأمور ستأتي ، شرحها القديس ايرونيموس في رسالته الأنفه الذكر .

وهكذا نري أن الأب الكبير لم يطلب تعدد الزوجات ولم يشتهيه ، ولكنه أيضاً لم يرفضة عندما دفع إليه دفعاً بحكم ظروفه الخاصة . بل علي العكس سري بأن ير له نسلاً كثيراً كان يرن في إذنيه وعد الله له ولأبيه وجده بإن نسله سيصير كنجوم السماء ورمل البحر لا يعد من الكثرة ، وأن به ستتبارك جميع قبائل الأرض

العنصر الروحى الأول لتعدد الزوجات :

5- كانت هناك أسباب روحية خطيرة من أجلها تسامح الله فى قيام تعدد الزوجات .

أما السبب الأول الخطير فهو مقاومة طغيان الوثنية :

تلك الوثنية التى كانت قد انتشرت بشكل مريع ، حتى كادت تكتسح العالم كله بدون استثناء . و لذلك كانت فكرة الله فى اختيار شعب يعبده تقوم على ثلاثة عمد أساسية ، و هى عزل هذا الشعب ، و إنماؤه ، و تعليمه . أما سياسة العزل فبدأت عندما قال الله لإبراهيم " اذهب من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التى أريك ، فأجعلك أمة عظيمة و أباركك ... " (تكوين1:12،2) . و كان العزل لازما حتى لا يتأتر شعب الله بالوثنية فيعتنقها نتيجة لاختلاطه بالوثنيين .

و كان من مظاهر هذه السياسة : السكن المنفرد ، و عدم التزاوج مع شعوب الأرض الوثنية ، و عدم التعامل معهم . و حرص ابراهيم على تنفيذ هذا فى فى تزويجه لابنه اسحق (تكوين3:24-4) كما حرص عليه اسحق فى تزويج ابنه يعقوب (تكوين1:28-4) . و عندما كان شعب الله يكسر قاعدة العزلة هذه ، كان يقع فى عبادة الأوثان و يحل عليه غضب الله ، كما حدث ذلك مرات سجلها سفر القضاة .و لكن سياسة العزل وحدها عن الشعوب الوثنية لا يكفى ، لأن الشعب المؤمن إذ كان قليلا و ضعيفا ، حتى إن هو اعتزل عن الوثنيين يمكن أن يطغوا هم عليه و يستعبدوه لهم و يخضعوه لعبادتهم . فكان لابد أن تصحب عملية العزل عملية إنماء فى العدد ، حتى يستطيع الصمود أمام قوة أعدائة ، و حتى يرث أرضهم و ينشر فيها عبادة الله . و عملية الإنماء صحبها بالضرورة تعدد الزوجات ، لأن الأمر لم يكن سهلاً ، إذ هو تكوين شعب من فرد واحد .

و لهذا كان إنجاب البنين وقتذاك عملا مقدسا . لأن المقصود به كان حفظ الايمان بالله من الضياع ، و الوقوف أمام خطر العبادات الفاسدة . و هكذا نرى حقيقة هامة و هى :

فى تعدد الزوجات – قبل مجئ السيد المسيح – لم يكن المقصود هو الزوجات ، و إنما البنين الذين تلدهم الزوجات و البنون لم يقصدوا لذاتهم ، و انما لحفظ الإيمان فى عالم وثنى . فخرج الأمر اذن عن الغرض الجسدى الى الغرض الدينى . و من الواضح أن هناك فرقا بين الحالة هنا ، و الحالة أيام آدم و أيام نوح بعد الطوفان . ففى هذه الحالة الأخيرة كانت الأرض خالية ، و لكنها كانت نقيةليست فيها وثنية تهدد الإيمان السليم بالفناء . فكان يمكن للإنسان أن ينمو على مهل فى ظل قصد الله السامى بشريعة " الزوجة الواحدة " . أما فى أيام ابراهيم فكان العكس هو السائد : كانت فى الأرض شعوب كثيرة من الناس . و إذ كانو كلهم وثنيين ، صاروا خطرا على القلة الضئيلة جدا التى تعبد الله . و لذلك كان يبدو أن تعدد الزوجات بالنسبة لعابدى الله لازم ليرفع نسبتهم العددية و لو قليلا .

لم يكن مناسبا أن يلغى تعدد الزوجات فى شريعة موسى :

6- كل هذا حدث ولم تكن الشريعة المكتوبة قد أعطيت بعد ونريد أن نعرف في أي ظروف أعطيت هذه الشريعة علي يد موسي النبي ، لكي نفهم مدي مناسبتها للناس وللظروف المحيطة بهم . أعطيت الشريعه منحة لشعب مؤمن . ولكنه علي الرغم من كونه وقت ذاك الشعب الوحيد الذي يعرف الله الحقيقي ويعبوده ، فإنه كان شعباً قاسياً ( متي 19 : 8) عنيداً " صلب الرقبة " بشهادة الله نفسه عنه ( خروج 32: 9 ، 33: 5 ) وبشهادة موسي النبي أيضاً ( خروج 34 : 9 ) . كان شعباً متذمراً كثير الشهوات ( خروج 15: 24 ، 16: 3 ) أتعب موسي النبي جداً ، علي الرغم من المعجزات التي رأها ، حتي قال لهم هذا النبي العظيم ، " ليس تذمركم علينا بل علي الرب " ( خروج 16 : 8 ) .

لقد أعطيت الشريعة أيام موسي لشعب قال الله لموسي عنه " دعني أفني هذا الشعب " . ولولا شفاعة موسي ، لأهلك اله الشعب كله في البرية وأفناه ( خروج 32) . نعم أعطيت الشريعة لهذا الشعب ، الذي لم أبطئ عليهم موسي مع الله – إذا كان علي الجبل يستلم الشريعة – قال هذا الشعب لهرون " قم اصنع لنا آلهه تسير أمامنا ، لأن موسي هذا الرجل الذي أصعدنا من ارض مصر ، لا نعلم ماذا أصابه "( خروج 32 : 1 ) . وهكذا لم نذل موسي من علي الجبل ، وجد الشعب يعبد عجلاً من ذهب ! هذا الشعب الذي قال الله عنه فيما بعد " ربيت بنين وبنات ونشأتهم وأنهم فعصوا علي . الثور يعرف قانية ، والحمار معلف صاحبه . وأما اسرائيل فلا يعرف ، شعبي لا يفهم ويل للأمه الخاطئة ، الشعب الثقيل الأثم ، نسل فعلي الشر أولاد مفسدين " ( اشعياء 1: 2-4) لم يكن ممكناً لمثل هذا الشعب الذي أوضحنا شيئاً من حالته ، أن يحتمل مستوي عالياً ، فكان لابد أن يتدرج الله معهم .

هذا الشعب الذي بكي بدموع مشتهياً أن يأكل لحماً ( عدد 11: 4، 10 ،15) ، والذي عادي فأشتهي العبودية من أجل اكلأ اللحم ( خروج 16: 3) ، هل كان ممكناً أن يمنع الله عنه تعدد الزوجات ؟! مثل هذا الشعب الذي ارتكب الزنا في بيت الرب نفسه ، والذي بسبب زناه عبد آلهه اخري وسجد لها في حياة موسي نفسه ( عدد 25) ، هل كان ممكناً آن يمنع عن تعدد الزوجات ؟ ! ... لم يكن مناسباً أذن أن يمنع تعدد الزوجات في شريعة موسي ، علي الأقل لسببين :

أولاً : لأن ذلك لم يكن مناسباً لمستوي الشعب الأسرائيلي ذاته ، وألا أقتيد إلي الزنا .

ثانياً : لأن ذلك لم يكن مناسباً للرغبة في مقاومة الجو الوثني الطاغي المحيط بالشعب .

وإنما كان لابد من سياسة تدرج ، يسمح فيها لمن يريد من الشعب بأتخاذ النساء كزوجات ، مع رفع فكرة ليتسامي بفكرة الزواج فيتخذها بغرض روحي ، لتكوين شعب لله ، بدلاً من التفكير في الزواج كمادة لأشباع شهوة جسدية .

فما الذي فعل الله في سياسة التدرج هذه ؟

سياسة التدرج التي أتبعها الله :

7-بدأ الله في شريعة موسي يغسل هذا الشعب من نجاسته ويرفع مستواه ، حتي يستطيع أن يصل به في المسيحية إلي الطهارة التي أرادها له منذ البدء ، و التي كانت شريعة " الزوجة الواحدة " أحد مظاهرها . فماذا شرع له حتي أقتاده إلي ذلك؟

أ‌- حرم الله علي الشعب كثيراً من الزيجات :

حرم عليه التزوج بالأخت ، وكان ذلك ممارساً في القديم . فإبراهيم أبو الآباء أتخذ ساره زوجه له ( تكوين 20 : 12) . وحرم عليه الزواج لأختين وكان ذلك أيضاً ممارساً في القديم ، كما حدث مع يعقوب أبي الأسباط الأثني عشر ( تكوين 29 : 26، 27) . وحرم عليه زيجات اخري كثيرة ، بلغت في سفر الاويين 17 حاله ( أصحاح 18 ) . وهكذا لم يعد الزواج مطلقاً كما كان من قبل . وقد تدرج هذه المحارم وتطور حتي وصلت إلي حد اكبر فيما بعد . ومن يكسر هذه المحارم كان في الغالب يقتل .

ب‌-  أمره بالأبتعاد عن النساء في ظروف روحية معينه :

فقبل أن يقتر بالشعب من جبل سيناء لسماع الشريعة ، أمره موسي آن يتطهر ويغسل ثيابه ، ولا يقرب النساء ثلاثة أيام ( خروج 19: 15 ) . وكان محرماً علي اي فرض من الشعب آن يتقدم ليأكل من ذبائح الله المقدسة ، إلا وهو طاهر لم يقرب أمرأة ( لاويين 22: 6 ) . وهكذا كانت هناك أيام عامه ، يتعفف فيها الشعب كله ، ويتفرغ للعبادة وهي موسم الرب وأعياده ، التي تقدم فيها ذبائح عامه وكانت كثيرة ( لاويين 23 ) تضاف إليها المناسبات الخاصة بالأفراد التي يقدمون فيها ذبائح للرب عن أمور خاصه بهم .

وهكذا عندما طلب داود النبي من أخيمالك الكاهن خبزاً ، أجابه ذاك " ... يوجد خبز مقدس ، إذ كان الغلمان قد حفظو أنفسهم ولاسيما من النساء " . ولم يعطية إلا بعد أن أجابه داود " أن النساء قد منعت عنا منذ أمس وما قبله " ( صموئيل الأول 21 : 4، 5) .

ج- كان أمر الله الشعب بالأبتعاد عن النساء في ظروف خاصة بهن :

مثال ذلك " أيام طمث المرأة " . أن مسها وهي " في نجاسة طمثها " يصبح هو أيضاً نجساً إلي المساء وكذلك أن كانت ذات سيل ، في الغير أيام طمثها ( لاويين 15: 19 ، 27 ) . أما أذا أضطجع رجل مع إمرأة طامث فكلاهما يقطعاً من بين الشعب ( لاويين 20 : 18 ) . كذلك كان المرأة لا تمث في أيام نفاسها حتي تطهر ( لاويين 12) .

د- ولكي يمنع الله الشعب من الأنغماس الشهواني في المعاشرات الجنسية اعتبر أن " كل من اضطجع مع امراة أضطجع زرع يكون نجساً إلي المساء"( لاويين 15 : 16 ) فيغتسل الأثنين ويغسلاً ملابسهما هذا إذا كانا زوجيين ، أما آن لم يكونا كذلك فإنهما يقتلان ( لاويين 20 : 10) . فكأن الله شرع لهم أن الأبتعاد عن النساء طهارة ، حتي الزوجات ! فإن كانت هذا مع الوحدة ، فكم بالأكثر في حالة تعدد الزوجات ؟!

هـ - وهكذا حتي في شريعة موسي كشف الله للشعب ولو من بعيد قبساً من جمال البتوليه وسموها عن الزواج .

وكمثال لذلك قال عن الكاهن الأعظم" هذا يأخذ أمرأة عذراء أما الأرملة و المطلقه و المدنسة والزانية ، فمن هؤلاء لا يأخذ بل يتخذ عذراء من قومه أمراة ( لاويين 21 : 13 ، 14) . وتدرج الله حتي بارك الخصيان وقال " لا يكن الخصي اني شجرة يابسه ... أني أعطيهم ... أسماً أفضل من البنين والبنات "

( أشعياء 56: 3 ، 5) .

و- أصلاح أخرقام به الله في شريعة الزواج وهو يختص بالطلاق :

وقد شرحنا قبلاً ما اتبعه الله فيه من تتدرج أنتها إلي أنه قيل في سفر ملاخي النبي " لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل " ( 2: 16 ) . هذه امثله قليله من التدرج الذي أحدثة اله في شريعه الزواج ، ورفع به الشعب من الممارسات البدائية التي تشابه الوثنين إلي درجات قربتهم إلي شريعة المسيحية التي رجعت فيها الوضع الألهي الأصلي . أما تعدد الزوجات فإن وقت إلغائه لم يكن قد حان بعد .

السبب الروحي الثاني لتعدد الزوجات :

8-عملياً سمح الله بتعدد الزوجات لن مستوي الشعب لم يكن يتفق وإلغاءه . ولكنه لكي يسمو بهم وجههم إلي إتخاذ الزواج لإنجاب البنين لسببين

أ- لينمو شعب الله ويقف أمام قوة الوثنيين

وفي ذلك يقول القديس أوغسطينوس " إن الآباء في العهد القديم كان واجباً عليهم أن ينجبوا أولادا لأجل تلك الأم اورشليم ... حتي الأنبياء الذين كانوا لا يعيشون حسب الجسد كانوا أيضاً مضطرين أن يجتمعوا  بأجساد "

ت‌-  لأنه بهذا النسل ستتبارك الأرض ، إذ أن منه سيخرج المسيح .

كان مجئ المسيح أو " المسيا المنتظر " هو أمل كل فرد من أفراد الشعب . حتى إن المرأة السامرية – على الرغم من أنها كانت خاطئة – قالت للسيد المسيح قبل أن يعلن لها ذاته " أنا أعلم أن المسيا الذى يقال له المسيح يأتى . فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شئ " (يوحنا25:4) .

و هكذا كانت قلوب جميع أبناء إبراهيم معلقة بالمسيا و مجيئه . و كانوا يعرفون أنه المقصود بوعد الله لإبراهيم " و يتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض " (تكوين18:22) ، و هو نفس الوعد الذى سمعه إسحق أيضا " تكوين 4:26 " ، و كذلك يعقوب (تكوين14:28) .

كل رجل كان يتمنى أن يأتى المسيح من نسله و كل أمرأة كانت تذوب شوقاً فى أن يكون المسيا من ثمرة أحشائها . ولهذا يقول القديس أوغسطينوس " فاشتعلت النساء القديسات – ليس بالشهوة و انما بالتقوى –للأنجاب " . وقال عن الآباء القديسين " كان الزواج واجباً علي القديسين ، ليس طلباً له في ذاته وإنما لأجل شئ أخر " . من أجل أي شئ ؟ يريد القديس في نفس كتابة " ليوا من أجل العالم ، وغنما من أجل المسيح صاروا أزواجاً ومن أجل المسيح صاروا أباء " . لذلك فما أصدق القديس أوغسطينوس عندما قال في موضع اخر " كانت الرغبة في انجاب الأولاد روحيه وليست جسدية " . ولهذا اصبحت قلة النسل عاراً . فرحيل زوجة يعقوب ، لما كانت عاقراً قالت ليعقوب " هب لي بنين وإلا فإنا اموت " ! ( تكوين 30 : 1) . ولم فتح الله رحمها فولدت ، قالت " قد نزع الله عاري " ( تكوين 30 : 23 ) . وإليصابات العاقر لم ولدت أبنها يوحنا المعمدان سبحت الله قائلاً " نظر إلي لينزع عاري من بين الناس " ( لوقا 1: 25 ) وعلي عكس ذلك كان كثرة البنين بركة . فقيله " البنون ميراث من الرب ... " ( مزمور 127 : 3 ) .... وكان من البركة أن يقال " أمرأة مثل كرمه مخصبه في جوانب بيتك ، وبنيك مثل غصون الزيتون الجدد حول مائدتك ... "( مزمور128 : 3 )...

لذلك فعلي الرغم من أن الزواج بإمراة الخ كان محرماً حسب الشريعه ( لاويين 18: 16 ) ، فإنه كان يتحول إلي واجب حتمي أذا مات الأخ بدون نسل ، فيضطر أخوه إلي أتخاذ أرملته زوجه ليقيم نسلاً للأخ المتوفي ، فالبكر الذي تلده يحسب أبناً للمتوفي " لئلا يمحي اسمه من اسرائيل "

( تثنية 25: 5- 10 ).

تطور الأمور إلي زوال اسباب تعدد الزوجات :

إذن لم يكن تعدد الزوجات في قصد الله منذ البدء ، بل انه وضع للبشرية شريعة " الزوجة الواحدة" ورأي أنه حسن . ولكن لما سقط الناس في الفساد في تعدد زوجاتهم تنازل الله إليهم ويرفعهم اليه ، وتسامح في هذا المر محاولاً آن يوجه أفكارهم في أتجاه روحي . فسار هذا الأمر فتره من الزمن ، ثم استجاب لهم القديسون فقط الذين قال عنهم اوغسطينوس " كان الباء يستطيعون أن يضبطوا انفسهم لكنهم – لأجل الأنجاب وليس لمرض الشهوة – إتخذوا لهم نساء . ولنا في السماء شركاء زاهدون .... لم يستعملوا نساءهم أطلاقاً للحبل " . وقال عنهم ايضاً " لم يتقدموا في المعاشرة الجنسية اكثر من حاجة أنجاب البنين " . امام غالبيه الشعب فلم تسر في هذا الطريق الروحي ، وإنما انحرف عن الطريق السليم ، واستغلت سماح الله استغلالاً رديئاً .

وكما قال العلامه ترتليانوس في كتابه إلي زوجته " هناك احتياجات اسئ استعمالها " . ولم يقف الناس عند هذا الحد بل تدنسوا بالزنا وخالفوا وصايا الله وعبدوا آلهه أخري وسجدوا للاصنام . لذلك أسلمهم الله للسبي ، فسباهم نبوخذ نصر ملك بابل . واورشليم ذاتها أنهدم سورها واحرقت أبوابها والذين نجوا من السبي وبقوا فيها صارو في شر عظيم وعار ( نحميا 1: 2، 3
) وسمح برجوع المسبين وبناء السور أورشليم ، ولكن الشعب لم يتحول عن فساده حتي قال الله لارمياء النبي أكثر من مرة " لا تصل لأجل هذا الشعب للخير . حين يصومون لا أسمع صراخهم ، وحين يصعدون محرقه لا أقبلهم . بل بالسيف و الجوع والوباء أنا أفنيهم " ( ارمياء 14: 11، 12 ) . وبالفعل اسلمهم الله فعلاً لليونان فحكمهم الأسكندر الأكبر وخلفائه البطالمه ، و من بعد هؤلاء أسلمهم إلي الرومان فاستعبدوهم . وجاء المسيح وهم كذلك .

هكذا لم تستمر فكرة " شعب الله الذي يصمد أمام الوثنيين " فإذا قد سلموا المسيحية وديعتهم العقائديه من نبوات ورموز وتقاليد وكتب موحي بها ، انتهت فكرة الشعب المختار ، واصبح المؤمنون في العالم كله هو شعب الله ، ولم يعد هناك فرق بين يوناني ويهودي كما قال بولس الرسول ( كولوسي 3: 11)

و فكرة إنجاب المسيح تطورت هى الأخرى .

إذ ما لبثوا أن عرفوا من النبوءات أنه سيأتى من سبط يهوذا ، و هو واحد فقط من الأسباط الإثنى عشر . ثم عرفوا أيضاً أنه سيأتى من قرية بيت لحم ، من بيت داود بالذات ، و هو فرع من سبط . ثم عرفوا أخيرا أنه سيولد من عذراء . و هكذا زال هذا السبب أيضاً كما زال سابقه . و هكذا يقول القديس أوغسطينوس فى كتابه De Bonon Viduitetis عن حنة النبية ، التى تفرغت للعبادة و هى بعد شابة بعد ترملها المبكر ، عابدة بأصوام و صلوات مدى 84سنة لم تفارق الهيكل " كانت حنة كنبية تؤمن أن المسيح سيولد من عذراء ، و لذلك لم تتزوج ثانية "

ثم ولد المسيح أخيراً ، و انتهى هذا السبب أيضا .

بل أننا وجدنا ظاهرة أخرى قد جدتفى تاريخ شعب الله ، و هى البتولية . فإذا بأنبياء كثيرين عاشوا بتوليين ، مثل يشوع و إيليا و اليشع و دانيال و الفتية الثلاثة القديسين و كثيرين غيرهم ، و أخيرا يوحنا المعمدان الذى عمد السيد المسيح .

و لم يعد عدم الانجاب عارا ، بعد دعوة المسيحية إلى البتولية و إلى البقاء فى الترمل . و الشعب اليهودى نفسه ، بدأ يقلل من تعدد الزوجات ، إذ لم يجد داعيا إليه ، حتى إنه ندر فى الفترة التى سبقت ولادة المسيح . " و قد ألغته الآن طائفة اشكنازيم و لم تعد تسمح به . كما ألغته غيرها من الطوائف " . و هكذا فى مجئ المسيحية ، كان الجو معدا من كل ناحية ، و لم يعد هناك سبب واحد للإبقاء على تعدد الزوجات ، الذى كان كسرا للنظام الذى وضعه الله منذ البدء .

الزمن الآن قد تغير :

10- عرضنا فى الفصول السابقة ، الظروف التى نشأ فيها تعدد الزوجات فى العهد القديم قبل المسيحية ، و الأسباب التى كانت تدعو إليه و كيف زال بزوالها . و بقى أن نردد الآن ما سبق فقاله القديس ايرونيموس : : " ما شأننا و هذا ؟! نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور ، الذين قيل لنا : الوقت مقصر ، لكى يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " (1كو29:7) . و أيا كانت الحالة فى العهد القديم فإننا نضع إلى جوارها قول بولس الرسول " الأشياء القديمة قد مضت ، و هو ذا كل شئ صار جديدا " . فما أعجب قول من يقول آن المسيحية توافق على تعدد الزوجات مستدلا على ذلك بأن ابراهيم أبا الأنبياء كانت له أكثر من زوجة ! إن كان المسيحى إذن يقلد إبراهيم فيتخذ لنفسه زوجات ، فهل يستطيع المسيحى أن يتزوج أخته لأن إبراهيم كان متزوجا اخته ؟! و هل يستطيع المسيحى أن يتخذ له سرارى و محظيات مثل ابراهيم و سليمان ؟! و هل يحق للمسيحين أن يملأوا هياكلهم ذبائح و محرقات لأنه هكذا كان أيام موسى و الأنبياء ؟!

لا شك أن الزمن غير الزمن ، و الشريعة القديمة اليهودية قد كملت فى المسيحية ، و السيد المسيح نفسه قال إنه جاء ليكمل (متى17:5) .

قال القديس أوغسطينوس " سمح للأزواج باتخاذ نساء عديدات ، و لم يكن سبب ذلك شهوة الجسد و لكن فكرة الانجاب ... أما الآن فلم يعد إنجاب البنين واجباً كما كان فى القديم " . و يقول أيضاً " حتى حينما كان النساء يلدن بنينا كان مصرحا بتزوج نساء أخريات للحصول على ذرية أكثر ، و لكن هذا الآن بالتأكيد غير شرعى ، لأن الاختلاف بين الأزمنة يحدد جواز الشئ أو عدم جوازه .

الآن يعمل الرجل أحسن لو أنه لم يتزوج حتى زوجة واحدة ، إلا إذا كان لا يستطيع أن يضبط نفسه " (اكو1:7،9) .

بقى أن نعرف الآن كيف ألغت المسيحية تعدد الزوجات ؟

 إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(4)

تشريع المسيحية بخصوص الطلاق

 الشريعة التى وضعها السيد المسيح بخصوص الطلاق هى شريعة واضحة لا لبس فيها ، و هو قوله فى العظة على الجبل " و أما أنا فأقول لكم أن من طلق أمرأته إلا لعله الزنا يجعلها تزني . ومن تزوج بمطلقه فإنه يزني " ( متي 5: 32) وهذا الأمر أيدته وفسرته قانيه الكنسية وأقوال الآباء ...

1- ولكن السيد المسيح لم يكتفي بهذا .إنماأتي إليه الفريسيون فره فسألوه في موضوع الطلاق ، فكان من ضمن إجابته لهم " وأقول لكم أن من طلق إمرأته إلا بسسبب الزنا وتزوج بإخري ، يزني ..." ( متي 19: 9، لوقا 16: 18) . وهذه الآية تظهر بطريقة لا تحتمل الجدل شريعة " الزوجه الواحدة" . لأنه أن كان مسموح للرجل أن يتخذ زوجات عديدات ، فإنه لا يعتبر زانياً أذا تزوج بأخري . لأنه سواء أكان تطليقه للأولي قانونياً أو غير قانوني ، قائماً أو باطلاً ، فإن الزوجة الثانية – بمبدأ تعدد الزوجات – تعتبر زوجة قانونية أخرى تحل له .

و لا يوجد من هذه الناحية ما يقف ضد شرعية هذا الزواج .

2- و لكن متى يعتبر الزواج بعد التطليق كعلاقة زنا ؟ يعتبر كذلك إن كان هناك قانون ينص على عدم الجمع بين زوجتين فى وقت واحد ، و اعتبر مثل هذا الشخص جامعا بين زوجتين فى وقت واحد بسبب بطلان الطلاق من الأولى .

و هذا هو الذى قاله السيد المسيح و علم به إذ قال "... و تزوج بأخرى يزنى " . و لذلك فإن القديس مرقس الرسول أورد لنا أكثر وضوحا من هذا ، فبعد سؤال الفريسيين للسيد المسيح و إجابته لهم ، يقول القديس مرقس فى إنجيله " ثم فى البيت سأله تلاميذه أيضا عن ذلك . فقال لهم : " من طلق امراته و تزوج بأخرى ، يزنى عليها . و إن طلقت امرأة زوجها و تزوجت بآخر تزنى " (مرقس11،10:10) . هذا هو الشرح الذي نطق به السيد المسيح نفسه . فإنه إذا ماعتبر الطلاق باطلاً لسبب كونه لغير عله الزنا وتبعاً لذلك اعتبر الزواج الأول مازال قائماً وعلاقه الزواج بمن طلاق مازالت علاقه زوجية لم تنفصل ، فإنه إن تزوج غيرها يزني عليها . وكلمه " عليها " تدل علي جرم هذا الذي أتخذ زياده علي زوجته الواحده التي لا تحل له زوجه أخري عليها .

ومن الشق الثاني للآية التي أوردها القديس مرقس ، نري أن السيد المسيح قد ساوي بين المرأة والرجل في وحده الزواج . فكما آن المرأة لا تستطيع أن تجمع بين زوجين ، وان تزوج بأخر في حالة قيام الزوج الأول لبطلان الطلاق يعتبر زانية ؛ كذلك الرجل الذي لا يحل له هو إيضاً سوي زوجه واحده .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(5)

فكرة " الجسد الواحد"

أن الفكرة قديمة متجددة :

1-  إن فكرة " الجسد الواحد" قديمة متجددة . ذكرت فى البدء منذ أول الخليقة اذ قيل " لذلك يترك الرجل أباه و أمه ، و يلتصق بامرأته . و يكونان جسدا واحدا " (تكوين24:2) . و ذكرها السيد المسيح فى كلامه مع الكتبة و الفريسيين و دعمها بقوله " إذن ليسا بعد اثنين بل جسد واحد . فالذى جمعه الله لا يفرقه إنسان " (متى5:19،مرقس7:10) . و بولس الرسول استعمل هذا التعبير أيضا فى رسالته إلى أفسس "3:5" مشبها إتحاد المسيح بالكنيسة باتحاد الزوجين و قائلا بعد ذلك " إن هذا السر عظيم " .

ما معنى " جسد واحد " ؟

2-  من قول السيد المسيح " ليسا بعد اثنين ، بل جسد واحد " يفهم آن الاثنين قد أصبحا بالزواج وحدة واحدة و ليس أكثر . و لذلك فإن القديس يوحنا ذهبى الفم يخاطب فى ذلك العروسين قائلا " لقد أصبحتما الآن واحدا ، مخلوقا حيا واحدا " . هذه الوحدة فيها الرجل هو الرأس و المرأة هى الجسد ، كما شرح بولس الرسول (أفسس28،23،5) الذى قال أيضا مؤكدا ذلك فى نفس الأصحاح من الرسالة " من يحب امرأته يحب نفسه . فإنه لم يبغض أحد جسده قط " (الآيتان28،29) . و يشرح القديس يوحنا ذهبى الفم هاتين الآيتين فيقول : " أتسأل كيف هى جسده ؟ إسمع هذه الآن عظم من عظامى و لحم من لحمى هكذا قال آدم " (تكوين23:2) ، لأنها مصنوعة من مادة منا . و ليس هذا فقط ، و إنما يقول الله يصيران جسدا واحدا " (تكوين24:2) ... ليس لاشتراكنا فى طبيعة واحدة . كلا ، فطبيعة الواجب نحو الزوجة هى أبعد من طبيعة واحدة . كلا ، فطبيعة الواجب نحو الزوجة هى أبعد من هذا بكثير و انما هذا لأنه ليس هناك جسدان و إنما جسد واحد : هو الرأس و هو الجسد .

ويستطرد هذا القديس فيقول :" الاثنان لا يظهران بعد اثنين . لم يقال " روحا واحداً " ولا " نفساً واحده " لأن هذا ممكن لجميع الناس " ( إعمال 4: 32 ) ، وإنما " يكونان جسداً احداً ". و يتذكر القديس قصة لخليقة فيقول " في الواقع إن الله منذ البدء قد عمل إعداد خاصاً لهذا الأتحاد فيقول

" في الواقع آن الله منذ البدء قد عمل إعداد خاصاً لهذا الاتحاد لتحويل الاثنين إلي واحد ... فهو لم يخلقها من خارج لئلا يشعر " آدم أنها غريبه عنه " و القديس امبروسيوس يؤيد هذه الحقيقة فيقول " أن الله أخذ ضلعاً من أدم وعمله امرأة ، لكي يرجع ويربطهما مرة أخري ، ويصبحان جسداً واحداً "

تعرض الفكرة مع الطلاق وتعدد الزوجات :

3- فكرة " الجسد الواحد " هذه ، تتعارض منطقياً مع أمرين منعتهما المسيحسة أيضاً لأنهما لا يتفقان و تعليم المسيحية في الزواج . أما هذان الأمران فهما : الطلاق وتعدد الزوجات . واضح هو تعارض الطلاق مع فكرة " الجسد الواحد ". فمن المستطاع  التفريق بين اثنين ، ولكن الزوجين في المسيحية هما كما قال السيد المسيح " ليسا بعد اثنين بل جسد واحد " . ولم يسمح السيد المسيح بالطلاق في حالة الزنا إلا لأن الزوجة قد خطت في ذلك عملياً يوم زناها . لأنها – بهذا الزنا – تكون قد حطمت مبدأ " الجسد الواحد  " تحطيماً . وذلك لأن جسد ثالثا قد دخل بالزنا في الإتحاد الذي ربطه الله ففصم عري روابطه .

فالزوجة مع زوجها جسد واحد حسب الشريعة ، وهي – كزانيه – صارت كذلك جسدا واحداً مع الذي زني بها . وهكذا علم بولس الرسول في رسالته  الأولي  إلي كورنثوس إذ قال " أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد ، لأنه يقول  يكون الاثنان جسداً واحداً ؟" ( 6: 16 ). فبالزنا مع الزواج ، أصبح هناك اتحادان أو جسدان ، وتحطمت الفكرة السامية  ، وأصبح فصل  الزوجين شيئاً واقعياً قد تم من قبل عملا ، وبقي أن يتم شرعا . وذلك لأنه الزواج المسيحي ليس جسدين ولا اتحادان ولا أكثر ، وإنما جسد واحد واتحاد واحد حسب قول الرب .

والذي يحدث في الزنا المسبب للطلاق  ، هو من الناحية  العلمية نفس الذي يحدث في تعدد الزوجات . الوضع واحد وإن  تغييرت الأسماء .

كل ما في الأمر أنه في الحالة الثانية حدث أن كسر فكرة " الجسد الواحد " قد تغطي برداء شرعي . . أما الواضع الواحد المشترك بين الحالتين ، فهو دخول جسد ثالث غريب ، يحاول أن يوجد له اتحادا مع أحد طرفي الوحدة المقدسة ، بأن يعزل الطرف الاخر عنه ، ويكون بهذا قد حطم الفكرة الإلهية . إن فكرة " الجسد الواحد " تجعل تعدد الزوجات  أمرا متعذرا فليس بالإمكان عقلياً أن يكون رجل في جسد واحد مع اكثر من أمراة ، إذ يستحيل اجتماع ثلاثة في جسد  واحد ولا أربعه . قالت الوصية الإلهية أن الزوج يترك أباه وأمه و يلتصق بأمرأته . ولكن الذي تتعدد زوجاته لا يستطيع بحق أن يكون ملتصقاً بأخري . وعلي ذلك فإن كل محاولة للاتصال بامرأة اخري ، عن طريق علاقة  شرعية أو زنائية ، هي تصديع لهذه الوحدة .

فإن سأل أحد : هل يمكن للرجل - بعد الزواج – أن يتحد بجسد أخر؟ فمثل هذا السؤال ليس له موضع في الواقع . لأنه بعد الزواج لم يعد هناك  اثنان حتي يجوز أن يعطي واحد منهما جسده لثالث . فهما ليسا بعد اثنين وغنما جسد واحد ، لا يستطيع إنسان  آن يفرقه ، كما قال الرب . ويقول القديس ايرونيموس : إنه مع التعدد تكون فكرة الزواج " الجسد الواحد " قد تحطمت ويستطرد القديس متعجباً " في البدء تحول ضلع واحد إلي زوجة واحدة ، وصار الاثنان جسداً واحداً وليس ثلاثة او أربعة وإلا كيف يكونان اثنين أن صار  جمله "؟!

خاتمه :

3-  إنه جسم واحد ، فيه الزوج هو الرأس والزوجه هي الجسد . وكما أنه لا يمكن أن يكون للجسد رأسان أو اكثر ، كذلك لا يمكن أن يكون للمرأة زوجان أو أكثر . وأيضاً كما أنه لا يمكن للرأس جسدان أو أكثر ، كذلك لا يمكن أن يكون للرجل زوجتان أو أكثر . وإلا فإن هذا التشبيه الذي ذكره بولس الرسول مقتبساً إياه من تعليم الله ذاته ، يكون تشبيهاً خاطئاً لا تطبيق له .

أنسأل بعد عن نص في المسيحية لتحريم تعدد الزوجات ؟! ليست المسيحية في الواقع ديانة نصوص بقدر ما هي " روح وحياة " كما قال الرب ( يوحنا 6 : 63) . وهذا هو روح الزواج المسيحي وقد علمنا المسيح أن نسلك بالروح .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(6)

علاقة المسيح بالكنيسة

الزواج الروحي بين المسيح و الكنيسة :

1- كما أن الذي يلتصق بامرأة ، يصير معها جسداً واحداً ( تكوين 2: 24) ،  كذلك " من التصق بالرب فهو  روح واحد ( 1 كو 6: 17).

فالاتحاد الأول نسميه زواجاً جسدياً ، والاتحاد الثاني نسمية زواجاً روحياً وفي الكتاب  المقدس أمثله عديدة لهذا الزواج الروحي بين الله وشعبه أي بين الله وكنيسته . ويكفي أن سفرا بأكمله في العهد القديم ، هو نشيد الأناشيد ، يدور كله حول هذه العلاقة وحدها التي ذكرها الله ايضاً بوضوح في سفر أشعياء النبي كذلك ( أشعياء 54: 5) .

ولهذا يقول بولس الرسول  في رسالته الثانية إلي كورنثوس " خطبتكم لرجل واحد ، لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" ( 2 كو 11: 2) . وفي رسالته إلي أفسس أتي  بتفصيلات كثيرة لهذه العلاقة الروحية بين المسيح وكنيسته ، مقارنا بينها وبين الزواج الجسداني للرجل و المرأة في أوجه شبه عديدة (( أفسس 5: 22- 33) . قائلاً عن الزواج الروحي بين المسيح وكنيسته " أن هذا السر عظيم". زوجة واحدة :

3-  من هذه المقارنة التي عقدها بولس الرسول بين  زواج الرجل و المراة من ناحية أخري ، يمكن الاستدلال بوضوح علي شريعه " الزوجة الواحدة " في المسيحية . وقد كان هذا هو نفس تفكير كبار قديسي الكنيسة ومعلميها . فالقديس ايرونيموس يقول في كتابه ضد جوفنيانوس :

" المسيح بالجسد بتول ، وبالروح تزوج مرة واحدة . لأن له كنيسة واحدة ، هي التي قال عنها  الرسول : أيها الرجال أحبوا نساءكم ، كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة ، وأسلم نفسه لأجلها ( افسس 5: 25 ) .

فكما آن المسيح مثال يقتدي به البتوليون في حياتة حسب الجسد ، كذلك هو مثال أيضاً للمتزوجين ، في علاقته الروحية بالكنيسة التي سار فيها علي شريعة " الزوجة الواحدة " .

ويقول القديس ايرونيموس أيضاً في رسالته إلي اجيروشيا " إن بولس في شرح هذا الفصل من اففسس ، يشير إلي المسيح والكنيسة بقوله " من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته  ويكون الإثنان جسداً واحداً . هذا السر العظيم ، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح و الكنيسة " ( أفسس 5: 31، 32) .

فجعل آدم الأول صاحب زوجة واحدة في الجسد ، وآدم الثاني "= المسيح " صاحب زوجة واحدة في الروح . وكما أنه توجد حواء واحدة هي أم كل الأحياء كذلك توجد كنيسة واحدة هي أبوا كل المسيحية "

وكلمه " أبوا " التي استخدمها القديس ايرونيموس يقصد بها المسيح والكنيسة ، العريس و العروس ، الرأس و الجسد . ومثل هذا الكلام قال أيضاً العلامة ترتليانوس في كتابه De Exhortatione Castitas أذ قال " عندما فسر الرسول هذا النص " يصير الإثنان جسداً واحداً "، علي علاقة المسيح بالكنيسة ، فكر في العلاقة الروحية بين المسيح الذي هو واحد ، والكنيسة التي هي واحدة . نفس التأييد لقانون الزواج الواحد . زواج واحد جسد في آدم وروحي في المسيح ".

رأس، وجسد :

قال بولس الرسول في رسالته إلي أفسس " إن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضاً رأس الكنيسة "

( 5: 23 ). وعن الجسد قال " كذلك يجب علي الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم ... فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه ، كما الرب أيضاً للكنيسة لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه " ( 5: 28-30) . وفي الآية الأخيرة يذكرنا بولس الرسول بقول آدم عن حواء " هذه الأن عظم من عظامي و لحم من لحمي "( تكوين 2: 23) . فكما آن للرأس جسداً واحداً ، فللمسيح كنيسة واحده وكذلك للرجل امرأة واحدة . لأنه لو اتخذ الرجل زوجات عديدات ، لما أمكن تشبيهه بالمسيح الذي له كنيسة واحدة . إذ أننا نقول في قانون الإيمان " نؤمن بكنيسة واحدة مقدسة جامعه رسولية ". وفي ذلك يقول القديس اغريغوريوس الناطق بالالهيات " لو كان هناك مسيحان ، لكان يمكن هناك زوجان أو زوجتان . ولكن إن كان المسيح واحدا ، الذي هو الرأس الواحد للكنيسة ، فليكن هناك إذن جسد واحد، وليرفض الثاني ويأخذ القديس امبروسيوس هذا التشبيه من ناحية المرأة أيضاً ، فيقول " لم تأخذ حواء زوجاً ثانياً ، ولا الكنيسة المقدسة تعرف عريساً ثانياً

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(7)

نصوص أخرى

استعمال التعبير بالمفرد باستمرار بخصوص الزوجة :

1- لا يوجد فى العهد الجديد كله ، نص واحد يتحدث عن " نساء " أو "زوجات " للرجل الواحد ، و إنما الكتاب يستعمل المفرد باستمرار فى الحديث عن هذا الأمر .

و سوف لا نأتى بجميع الآيات المتعلقة بهذا و المثبتة له ، لأنها كثيرة جداً . و إنما يكفى أن ننتقى منها أمثلة تحيط بها قرائن أخرى تؤكد هذه " الفردية " .

(أ) ففى الموضوع السابق الذى يشبه فيه الرسول علاقة الرجل بزوجته ، بعلاقة المسيح بكنيسته الواحدة ، نراه يستعمل هذا الإفراد أيضا فى أكثر من مناسبة ، فيقول من يحب امرأته يحب نفسه " .  و أما أنتم الأفراد ، فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه " (أفسس33،28:5) .

و كيف يمكن لإنسان أن يحب امرأته كنفسه و هو فى نفس الوقت يتزوج إلى جوارها امرأة أخرى أو أكثر ، تكون " ضرة " لها ، أو سبب ضرر لها ، أو منافسة لها ؟! .

هذه قرينة ، ، و هناك قرينة أخرى و هى ورود هاتين الآيتين فى مناسبة التشبيه بالزواج الروحى القائم بين المسيح و الكنيسة الواحدة .

(ب) و فى نفس المجال أيضا يذكر الرسول الآية التى تقول : " من أجل هذا يترك الرجل أباه و أمه ، و يلتصق بامرأته ، و يكون الأثنان جسداً واحداً " (الآية31) . و هذه الآية داتها استخدمها السيد المسيح نفسه فى مجال مشابه عند الحديث عن الطلاق ، ذلك الحديث الذى أثبتنا منه وحدانية الزوجة من قوله " من طلق امرأته و تزوج أخرى يزنى عليها " (مر11:10) . (انظر ص53،54) .

و هذا المعنى بالذات " فى التعبير بالمفرد " فهمه القديس ايرونيموس هكذا كما شرحناه . فعندما فسر الآية السابقة " ... و يلتصق بامرأته " قال " و بالتأكيد لم يقل بنسائه " .

(ج) و فى مستهل رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ، نسمعه فى حثه على البتولية يقول " و أما من جهة الأمور التى كتبتم لى عنها غحسن للرجل ألايمس امرأة . و لكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته ، و ليكن لكل واحدة رجلها " (2،1:7) .

فبالتأكيد كلمة " امرأته " هنا ، تعنى زوجة واحدة ليس له سواها ، لأن الرسول بصدد حديث عن البتولية . فإن كان جيدا للرجل ألا يمس امرأة فكيف تكون له نساء كثيرات ؟! . كما أن هناك قرينة أخرى ، و هى عبارة " و لكن لسبب الزنا " و لم يقل بسبب إنجاب البنين . لأنه إن كان بسبب إنجاب ، اتخذ كثيرون زوجات فى العهد القديم ، فإن الذى يتزوج بسبب تجنب الزنا تكفيه و لا شك امرأة واحدة . و إلا كانت الديانة تدعو إلى الانغماس فى الشهوة و هذا ما لم يقل به أحد ، و تنفيه بالأكثر مناسبة الحديث عن البتولية .

(د) قال السيد المسيح " و كل من ترك بيوتا أو أخوة أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمى يأخذ مئة ضعف و يرث الحياة الأبدية " (متى29:19) . و هذه الآية واضحة جدا فالذى يحتمل فيها الكثرة ذكره السيد المسيح بأسلوب الجمع ، و الذى لا يحتمل إلا الإفراد و الوحدانية ذكره بأسلوب المفرد . فالبيوت و الحقول و الأخوة و الأولاد تحتمل الجمع ، فذكرها بأسلوب الجمع ، على الرغم من أن الشخص قد لا يكون له سوى بيت واحد أو حقل واحد أو أخ واحد و لكن هذه الأمور تحتمل الكثرة بالنسبة إلى الآخرين فذكرت بالجمع . أما الذى لا يمكن أن يحتمل الكثرة و لا يمكن الحديث عنه بأسلوب الجمع ، بالنسبة للشخص الواحد ، فهو الأب و الأم و الزوجة .

فكما أنه لا يمكن أن يكون للشخص سوى أب واحد ، و أم واحدة ، كذلك لا يمكن أن تكون له سوى زوجة واحدة فى المسيحية . و هكذا تحدث السيد المسيح عن الثلاثة بالمفرد الأب و الأم و الزوجة . آية صريحة و لا شك . مثل هذا الإنسان الذى يترك كل ذلك من أجل المسيح ينال – من الناحية الروحية – مئة ضعف و يرث الحياة الأبدية . و طبعا من المحال أنه يقصد مكافأة جسدية ، لأنه لا يمكن أن يكون للإنسان مئة أب بالجسد ، و لا مائة أو ، و بنفس المعنى و لا مائة زوجة ..

فالإنسان الذى له زوجة واحدة . و يطلب إليه أن يتركها هى أيضا من اجل المسيح ، أى لا يدعها تشغله عن الله ، أو كما يقول بولس الرسول " لكى يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " (1كو29:7) ، نعم ، هل الذى يطلب إليه أن يترك حتى الواحدة التى له ، يصرح له بأن تكون له نساء عديدات ؟!

و من القرائن الأخرى التى لا يمكن تجاهلها أن هذا النص السابق الذى لم يذكر فيه السيد المسيح غير الأب و الأم و الزوجة بأسلوب المفرد ، هذا النص قاله فى نفس الأصحاح الذى ذكرت فيه مناقشته مع الكتبة و الفريسيين عن الطلاق التى أثبتنا منها وحدانية الزوجة ، و نفس الأصحاح الذى تحدث فيه عن البتولية فى كلامه عن الخصيان (متى12:19) .

و نفس التعبير ذكره السيد المسيح فى مناسبة أخرى غير هذه ، قال فيها " إن كان أحد يأتى إلى و لا يبغض أبه و أمه و امرأته و أولاده و أخوته و أخواته ، حتى نفسه أيضا ، فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " (لوقا26:14) . يقصد إلا يفضل الإنسان و تعارضتا ، يترك أقاربه و يتحمل المتاعب من أجل المسيح (الآية27) .

و هنا أيضا لم يذكر بالمفرد غير الأب و الأم و الزوجة و النفس ، بعكس الاخوة و الأخوات و الأولاد .

مبدأ " السلطان المتبادل " :

2- رفعت المسيحية جدا من قدر المرأة ، فى مبدأ " الجسد الواحد " . فبعد أن كانت المرأة فى العصور الأولى ، تشترى فى الزواج بالمهر ، كأنها شئ من ممتلكات الرجل ، جاءت المسيحية لتقول .

" ليس للمرأة سلطان على جسدها بل للرجل . و ليس للرجل سلطان على جسده بل للمرأة " (1كو4:7)

النصف الأول من هذا النص كان معروفا فى القديم ، عندما تعدد الزوجات ممارسا . أما النصف الثانى فهو شئ جديد " على فهم الناس " لا يتفق الا مع فكرة " الزوجة الواحدة " . لأن الرجل ليس له تسلط على جسده ، لكى يهبه لزوجة ثانية أو ثالثة ، تشارك الزوجة الأولى حقها الشرعى ، و إنما امرأته هى صاحبة السلطان على جسده .

أتستطيع المرأة أن تعطى جسدها لزوج ثان فى حياة الزوج الأول ؟! كلا طبعا ، لأنه ليس لها تسلط على جسدها بل للرجل . هكذا الرجل أيضا لا يستطيع فى حياة زوجته أن يعطى جسده لزوجة ثانية ، لأنه ليس له تسلط على جسده بل للمرأة . هذا هو مبدأ " السلطان المتبادل " .

حتى فى النسك و التعفف ، لا يستطيع الرجل أن يترك فراش الزوجية بدون موافقة زوجته التى لها التسلط على جسده . فبعد النص السابق يقول الرسول مباسرة " لا يسلب أحدكم الآخر ، الا أن على موافقة الى حين ، لكى تتفرغوا للصوم و الصلاة ثم تجتمعوا أيضا معا " .

و لذلك فإن قوانين الكنيسة لا تسمح لرجل متزوج بأن يسلك فى سيرة الرهبنة ، إلا بناء على موافقة زوجته . فإن لم توافق ، لا يستطيع ذلك . و القانون الخامس من قوانين الرسل ، يقطع من الكهنوت كل من يخرج امرأته لعلة الزهد . و ليس هذا بالنسبة للرجل فقط ، و إنما بالنسبة إلى المرأة أيضا . فإن القانون 13من قوانين مجمع غنغرا المقدس يقول " أيما امرأة تترك زوجها ، و تقصد الانفراد بمعزل عنه ، مشمئزة من الزيجة ، فلتكن ملعونة " .

فإن كان للمرأة تسلط على جسد الرجل – حتى فى العبادة – فإنه من البدهى أن الرجل لا يستطيع أن يعطى جسده لغيرها لأنه لا يملك ذلك .

 و إن دينا يجعل جسد الرجل حقا لأمرأته لا يستطيع سلبها إياه و لو للتعبد ، إلا بموافقتها ، هو دين لا يمكن أن تنفذ إليه حرية الرجل فى التزوج بأكثر من امرأة فى وقت واحد .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(8)

[أ] قوانين كنسية صريحة

1- " أيما رجل علمانى أخرج امرأته من بيته من غير علة و لا حجة تستوجب ذلك أو تزوج أخرى معها أو مطلقة من زنا ، فلينف من كنيسة الله " .

القانون 45 من قوانين أكليمنضس " للآباء الرسل "

عن الداخلين إلى الإيمان المسيحى :

2- " ... و إن كان واحد له زوجة أو إمرأة لها بعل ، فليعلموا أن يكتفى الذكر بزوجته ، و المرأة ببعلها "

القانون 27من الكتاب الأول لقوانين الرسل

و أيضا بخصوص المؤمنين الجدد :

3- " ... و إن كان واحد له زوجة ، أو إمرأة لها بعل ، فليعلموا أن يكتفوا "

القانون 62من الكتاب الأول لقوانين الرسل

و كان هذان القانونان لازمين للمقبلين إلى المسيحية من الوثنيين أو اليهود حيث توجد ممارسات لتعدد الزوجات . من صفات المسيحى :

4- " ... و لا يكون نهما ، و لا محبا للعالم ، و لا محبا للنساء ، بل يتزوج بإمرأة واحدة " .

القانون 38من قوانين أبوليدس

5- " إذا مات واحد من الإثنين المتصلين ، فالآخر محالل " أى له الحق " أن يتزوج . فإذا تزوج الواحد من قبل موت الآخر ، فالذى تزوج مدان مداينة الفاسق ...

" و لا يتزوج واحد له زوجة . و هذا المثال " = العمل " الواحد يكون لمن ماتت زوجته "

القانون العاشر من قوانين باسيليوس

 وواضح آن هذا القانون لا يعطى الحق فى الزواج ثانية ، إلا لمن ماتت زوجته . أما الذى يجمع بين زوجتين فيعتبر فاسقا .

"لا يصلى اكليريكس " = رجل من الاكليروس " جملة على تزويج ثان " .

القانون 72من قوانين باسيليوس

6- " تعدد الزواج بالنسبة إلينا ، خطية أكثر من الزنا ، فليتعرض المذنبون به للقوانين "

القانون 80من الرسالة القانونية الثالثة للقديس باسيليوس

وذلك طبعا لأنه زنا دائم ، و ليس زنا عرضيا ، كما أنه ضد الشريعة . عن المتزوجين و المتزوجات بعد نذر البتولية .

7-  " فليفرض عليهم من التوبة ، مثل الذى يفرض على من قد تزوج إمرأتين و جمع بينهما ، و ليلزموا قانون الزناة لأنهم كانوا عرائس المسيح " .

القانون 18من قوانين مجمع أنقرا المقدس سنة 314م

ومن هذا القانون يفهم أن الذي كان يجمع بين زوجتين ، كان يتعرض لعقوبة الزناه ، ويطابق هذا لعبارة " مدان مدانية الفاسق " التي وردت في القانون العاشر من قوانين باسيليوس .

 ويقول ابن العسال تعليقاً على هذا القانون بالذات :

" افترى من جمع بين إمرأتين ، تقبل له توبة ، إلا بعد ترك الثانية ؟! و هكذا أيضا الزناة : هل تقبل لهم توبة إلا بعد ترك الخطية و الإنعزال عنها " .

  ابن العسال

8- " ولا يتزوج مؤمن بغير مؤمنه ، ولا بالثابته في الزنا .... ولا يجمع بين زوجتين أو اكثر رقم 8 في الزيجات الممنوعة – قوانين البابا كيرلس بن لقلق

هذه القوانين التي أوردناها تمثل عصورا مختلفه . الثلاثه الأول منذ عهد الرسل ، والأخير في القرن الثالث عشر . والباقي في القرون الأربعة الأولي للمسيحية .

[ب] قوانين كنيسة بخصوص الزني و التسري

تعدد الزوجات كالتسري – كلاهما زنا في نظر المسيحية :

1- أمرت المسيحية بأن  تكون للمؤمن  زوجة  واحدة ، لا تشاركها أخري في فراش الزوجية  العفيف ، سواء أكانت تلك  الدخليه " زوجة " أم سرية لأن هاتين الكلمتين في الواقع لهما في المسيحية نفس الدلالة .

لأن المسيحية لا تعترف بتعدد الزوجات ، ولا تشترك فيه كنسياً . فإن كانت لمسيحي " زوجة أخري " عقد زواجه بها طريقة مدنية أو أية طريقة اخري خارجة عن الكنيسة التي لا تقر هذا الأجراء ، فإن هذه المدعوه " زوجة " مدنياً ، هي في نظر الكنيسة  كالسريه ، من حيث أن العلاقتين – في نظرها – هما زنا مكشوف ، أو معاشرات غير شرعية .

لهذا وجدنا من اللازم آن نورد القوانين والإثبات الخاصة بمنع التسري في المسيحية لإرتباط هذا الأمر بشريعة " الزوجة الواحدة ".

منع التسري في المسيحية :

2- أما عن منع التسري في المسيحية ، فتثبته القوانين الآتيه :

" وأن كانت له سرية ، فليكف ، ويتزوج كالناموس . وإن لم يرد فليخرج " " أي فليطرد من الكنيسة فلا يصير من أعضائها ".

القانونان 29، 63 من الكتاب  الأول لقوانين الر سل و القانون 63 عن السرية العبده . وهو يامر صاحبها بأن " يكف عنها إذا هو تنصر ، ويتزوج بها كالناموس " . ويأمر كذلك بتزوجها إن كانت  حرة . وينذر بنفس العقوبة .

" لم يعط ناموس أن يأخذ أحد سريه له بل يبقي كل واحد قاعداً مع زوجته لجوده الزيجه القانون السابع من قوانين باسيليوس وقد تحدث القديس أوغسطينوس في كتابه De Bono Connjugali عن عدم قانونية التسري ، قائلا أنه حتي هذا لا يجعل التسري قانونياً

وقد ورد في كتاب " المجموع الصفوي " لابن العسال أن " التسري في شريعتنا المقدسة حرام ، لأنه خارج عن التزويج المباح ... فهو زنا ظاهر  ومستمر ".

ابن العسال : الباب 25: 1

منع تعدد الزوجات " من قوانين منع التسري ":

علي آن هناك في القوانين الخاصة بالتسري ومنعه نصوصاً يفهم منها عدم شريعة تعدد الزوجات في المسيحية . وسنورد منها مثالين أحدهما من قوانين ابوليدس ، والثاني من قوانين باسليوس :

" نصراني تكون له سرية ، وقد رزقت منه ولدا : إذا تزوج عليها ، فإنه  قاتل الإنسان ؟، إلا من يجدها في زنا"

القانون 16 من قوانين ابو ليدس

وهذا القانون يطالب بتحويل السريه إلي زوجة . وقوله لا يتزوج عليها ، يفهم منه بلا شك منع تعدد الزوجات . فإن كانت السريه لها هذا الحق ، بحيث إذا عاشرها المتسري كزوجه وأنجب منها ، لا يستطيع أن يتخذ معها زوجة  أخري ، فكم بالأولي الزوجة ؟!

" إذ كان واحد قد ترك له سرية ، فإذا لم تكن له زوجة فليأخذها ... لأنه لا يجب أن يدع إنسان له سرية من الآن " .

القانون السابع من قوانين باسيليوس

هذا القانون أيضاً يطالب بتحويل السريه إلي زوجة ، إلا إذا كان المتسري له زوجة من قبل ، فلا يستطيع ذلك لئلا يجمع بين زوجتين وهذا القانون واضح في دلالته علي منع تعدد الزوجات .

منع تعدد الزوجات " من القوانين الخاصة بالزنا ".

3- ونفس  هذه الفكرة يظهرها القديس باسيليوس في قانون أخر له خاص بالزنا ، وهو " إذ ذكر ذكر قبيح عن واحد مع إمرأة : أن كان ليس لها بعل ، وهو أيضاً ليست له زوجة ، فليتزوجها ..."

القانون السادس من قوانين باسيليوس

فهو يشترط عدم وجود زوجه سابقة ، لئلا يجمع بين زوجتين ، وهذا غير جائز شرعاً .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(9)

نظرة المسيحية إلى الزواج الثانى " بعد الترمل"

المسيحية لا تستحسنه علي الرغم من أنه أخف من تعدد الزوجات :

1- المسيحية تجيز بعدم قيامة ، وتضعه في درجة أقل من الزواج الأول .

وقد كان الحماسة  شديدة جداً ضده في القرون المسيحية الأولي " ضد لياقته لا ضد شريعته  طبعاً ". وحاول كثير من القديسين أن يثنوا المترملين عنه . حتي أنه كلمه Monogamia " الزواج الواحد " في استعمال الكتاب المسيحيين في تلك العصور ، لم تكن تعني اكتفاء الزوج بإمرأة واحده فلا تتعدد زوجاته ، إذ أن ذلك كان أمرا لا يختلف فيه أحد . وإنما كانت في غالبية  استعمالها ، تعني الزواج الواحد علي الإطلاق سواء في حياة الزوجة أو بعد وفاتها . وغالبيه الذين عن ال Monogamia كانوا يدعون إلي عدم التزوج بعد الترمل . للعلامه ترتليانوس ثلاثة :" إلي زوجته " و" بحث علي العفه " و " الزواج الواحد " كلها تدور حول هذه النقطة . وكثيرة هي كتابات القديس ايرونيموس " جيروم " عن هذا الموضوع و بالأخص في رسائله وكذلك القديسان أمبروسيوس و أوغسطينوس ، كتب كل منهما كتبا عن الترمل ، وغير هؤلاء الكتاب الكبار ، كثيرون ساروا علي نفس نهجهم . وفي مسألة الزواج لم يكن من منافس لهذا الموضوع في كتابات القديسين غير تمجيد البتولية . حدث كل هذا علي الرغم أن الزواج بعد الترمل – من حيث عفته وبعده عن شهوة الجسد – لا يقارن  بحالة الجمع بين زوجتين في وقت واحد ! فماذا تكون إذن فكرة المسيحية عن تعدد الزوجات ؟!

زواج في مرتبه أقل وعلامة علي عدم ضبط النفس .

2- وقد تحدث القديس بولس الرسول عن هذا الأمر في الأصحاح السابع من رسالته الأولي إلي كورنثوس ، فقال " ولكن أوق لغير المتزوجين وللأرامل ، إنه حسن لهم إذا لبثوا كما انا . ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا "( الأيتان 8، 9 ) . وكرر هذه النصيحة للمرأة المترملة فقال " إنها أكثر غبطة إن لبثت هكذا "( الآية 40 ) . فهو  قد جعل البقاء في الترمل ، أحسن وأكثر غبطة من الزواج الثاني .

وقد علق كثير من القديسين علي أفضليه الترمل فقال القديس باسيليوس " الزيجات الثانية هي علاج ضد الزنا فهكذا قيل :" أن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا " أما القديس أوغسطينوس فعلق علي تعليم بولس الرسول  بقوله التزوج ثانية علامه علي عدم ضبط النفس " كما قال أيضاً " الزيجات الثانية  ليست مدانة ، ولكن في مستوي أقل ". وفسر ذلك بقوله " عفة الزواج حسنة ، و لكن زهد الترمل أحسن " . أما القديس أمبروسيوس معلم القديس أوغسطينوس فقال " لست أرفض الزيجات الثانية ، و لكنى لا أنصح بها " و استطرد القديس يقول للمترمل " شرعيا يمكن أن تتزوج ، و لكن من المناسب أكثر أن تمتنع " .و عن هذا الزواج غير المستحسن ، يقول القديس ايرونيموس " جيروم " " آدم الأول كانت له زوجة واحدة ، و الثانى " أى المسيح " كان غير متزوج ، فليرنا أنصار الزوج الثانى آدم ثالثا تزوج مرتين !! " .

و يشرح القديس ايرونيموس رأيه فيقول " و كما جعل " الرسول " الزواج أقل من البتولية ، كذلك جعل الزواج الثانى أقل من الزواج الأول " ... إنه يسمح بالزيجات الثانية ، و لكن للأشخاص الذين يرغبونها ، " و لا يستطيعون أن يضبطوا أنفسهم " لئلا " ينحرف البعض وراء الشيطان " (1تى15:5) و هكذا وضح القديس السبب الذى من أجله سمح بالزواج للمترملين . و كشف أكثر فقال " بالنسبة إلى خطر الزنا يسمح للعذارى أن يتزوجن ، و لتجنب نفس السبب يسمح بالزيجات الثانية " . و أضاف فى الفصل التالى " و هكذا سمح بالزواج الثانى لغير المتعففين " . و نفس الرأى عرضه القديس كيرلس رئيس اساقفة أورشليم فقال إن هذا الزواج سمح به على الرغم من أن العفة شئ نبيل " حتى لا يسقط الضعيف فى الزنا ... إذ قال الرسول : خير أن نتزوج من أن نتحرق " (1كو9:7) .

و أيد ترتلينانوس نفس الرأى فقال " هذا الزواج سمح به من أجل خطر عدم التعفف " و استطرد " السماح هو اختبار للشخصية ، هل ستقوم الإغراء أم لا ، و السماح هو ذاته إغراء " .

على أن بعض القديسين قد سمح بالزواج بعد الترمل ، لمن ترملوا و هم ما يزالون فى سن الشباب ، أو لم يقضوا فى حياة الزيجة سوى فترة ضئيلة .

و فى ذلك قد نصح القديس بولس من جهة " لأرامل الحدثات " أن " يتزوجن ، و يلدن الأولاد ، و يدبرن البيوت " (1تى14:5) ، و ذلك اشفاقا عليهن .

و بعض العلماء يوافقون على الزيجة الثانيةبعد الترمل ، بالنسبة إلى من يحتاجون إلى رعاية ، فى ضعف أو شيخوخة أو مرض ، كما حدث لداود فى شيخوخته . و ذلك أن التزوج ليس لمجرد عدم ضبط الجسد ، و انما أيضا للتعاون فى الحياة " فأصنع له معينا نظيره " (تك18:2) .

و الخلاصة :

فإن الكنيسة على الرغم من اعترافها بشرعية الزواج الثانى بعد الترمل ، فإنها جعلته فى مرتبة أقل و سمحت به لحالات من الضعف ...

فإن كان كل هذا قد قيل عن الزواج واحدة بإمرأة بعد وفاة الأولى ، فماذا يمكن أن يقال عن الجمع بين زوجتين ؟! أى عذر يمكن أن يقدمه للكنيسة طالب هذا الزواج الأخير لتسمح به بينما زوجته التى ماتزال على قيد الحياة يمكن أن تقيه من الأسباب التى يتعلل بها الضعفاء من المترملين فى طلب الزواج ثانية . و لذلك فإن كلمة digamy أى الزواج الثانى ، أخذت – فى هذا الجو العفيف الذى ساد كتاب المسيحية فى تلك العصور – معنى الزواج بعد وفاة الزوجة ، و ليس الجمع بين زوجتين . إذ لم يكن أحد يتصور إطلاقا ، أن تنفذ فكرة تعدد الزوجات polygamy إلى المسيحية المحبة للبتولية و العفة ، و لم تثر تلك المشكلة حتى يحاربها كبار كتاب المسيحية فى كتاباتهم .

مثال من الطيور :

3- و تعجب كتاب المسيحية من أن الإنسان الذى خلق على صورة الله و مثاله (تكوين27:1) لا يستطيع أن يصل إلى مستوى العفة الذى وصلت إليه بعض أنواع الطير !

فقال القديس امبروسيوس " هناك أنواع كثيرة من الحيوانات و الطيور إذا فقدت أليفها لا تبحث عن آخر ، و تقضى وقتها كما لو كانت حياة وحدة " . و العلامة اكليمنضس الاسكندرى ضرب المثل فى ذلك بالحمام و اليمام . و هكذا قال القديس ايرونيموس أيضا " الحمامة و اليمامة إذا مات رفيقها لا تأخذ غيره ... فنفهم أن الزواج الثانى يرفضه حتى الطيور .

و قال القديس باسيليوس فى قانونه الثالث و الأربعين " إذا كان اليمام غير الناطق لا يقعد فى زيجة ثانية ، فكيف بالحيوان الناطق " .

عقوبة كنسية على المتزوج بعد ترمله :

4- من أجل كل هذا ، تأخذ الكنيسة اجراءات حازمة مشددة تجاه من يتزوج ثانية بعد وفاة زوجته الأولى .

أول تلك الإجراءات هو أنها تفرض عقوبة على المتزوج ثانية ، بأن تبعده عن الكنيسة و عن تناول الأسرار المقدسة مدة من الزمن ، شرحها القديس باسليوس الكبير فى القانون الرابع من رسالته القانونية الأولى . فقال " الذين تزوجوا للمرة الثانية ، يوضعون تحت عقوبة كنسية لمدة سنة أو سنتين . و الذين تزوجوا للمرة الثالثة لمدة ثلاث سنين أو أربعة . و لكن لنا عادة أن الذى يتزوج للمرة الثالثة يوضع تحت عقوبة لمدة خمس سنوات ، ليس بقانون و إنما بالتقاليد . و أشار إلى هذه العقوبة أيضا فى رسالته القانونية الثالثة فى القانون الثالث و الخمسين .

و الظاهر أن تلك العقوبة كانت معروفة أولا عن طريق التقاليد و لكن ما لبثنا أن رأيناها مشروعة رسميا فى المجامع المقدسة التى انعقدت فى القرن الرابع الميلادى .

و هكذا أشار إلى هذه العقوبة القانون الثالث من قوانين مجمع قيسارية الجديدة المنعقد سنة 315م فقال عن أمثال هؤلاء إن "مدة عقوبتهم معروفة " مما يدل على قدم هذه العقوبة فى الكنيسة . ثم استطرد هذا المجمع فى قانونه الثالث " و لكن طريقة معيشتهم و إيمانهم يقصران المدة . أى أن هذا المعاقب على "عدم ضبطه لنفسه " ، إذا ما أظهر فى مدة العقوبة تعففا ة نسكا ، فإن مدة عقوبته تقل تبعا لذلك . و أخيرا – على حسب ما ورد فى القانون الأول من قوانين مجمع اللاذقية المقدس المنعقد فى القرن الرابع أيضا – " يعطى هؤلاء القربان على سبيل المسامحة " " و ذلك بعد مرور زمان قليل من ممارستهم الصلوات و الأصوام " .

لا بركة اكليل لهذا الزواج بل صلاة استغفار :

5- و قد ورد فى البند الحادى عشر من الباب الرابع و العشرين من كتاب المجموع الصفوى لابن العسال ما يأتى " و اما الزيجة الثانية فدون الأولى . و لهذا رسم فى القوانين أن لا يكون لها بركة إكليل بل صلاة استغفار .

 فما الذى يحدث إن كان أحد طرفي هذا الزواج بكرا أى بتولا و الطرف الآخر أرمل ؟ للإجابة على هذا السؤال ورد فى البند 87 من الباب السابق ذكره " و إن كان أحد المتزوجين بكرا ، فليبارك وحده . و هذه السنة للرجال و النساء جميعاً " .

و لا يحضر القس وليمة هذا الزواج :

6- يقول القانون السابع من قوانين مجمع قيسارية الجديدة :

" لا يجلس القس فى وليمة زيجة المتزوج ثانيا . و ذلك من حيث أن المتزوج ثانيا يجب عليه أن يلتمس التوبة . فما عساه يكون أمر القس الذى بواسطة اتكائه فى الوليمة قد يذعن مرتضيا فى تلك الزيجة " . و يعلق العالم هيفيليه Hefele على ذلك القانون بقوله " إن المتزوج ثانيا ، المفروض فيه أن يأتى إلى الكاهن ليخبره بعقوبته التى يمارسها . فكيف يقف القس نفسه فى الوليمة كأنه يشترك معه فى الإساءة " .

المتزوج ثانية لا يدخل فى شرف الكهنوت :

7- و من أهم النقط التى تبين نظرة الكنيسة إلى الزواج الثانى من حيث أنه علامة على عدم التعفف ، كونها تحرم ممارسه من الدخول فى شرف الكهنوت فى أية درجة من درجاته الثلاث الأساسية :

الأسقفية ، و القسيسية ، و الشماسية .

و قد ورد هذا الأمر فى رسالة بولس الرسول إلى تيطس (6:2) و فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس

(12،2:3). حتى الشماس لا يستطيع أن يتزوج ثانية بعد وفاة زوجته ، لأن مستوى هذا الزواج الثانى لا يتفق و سمو رتبته الكهنوتية كشماس . و تنص قوانين الكنيسة على أنه إذا تزوج أحد من رجال الكهنوت بعد وفاة زوجته فإنه يقطع من درجته الكهنوتية .

حتى الذى سبق له هذا الزواج الثانى قبل المعمودية ، لا يجوز أيضا أن يصير كاهنا على الرغم من أن المعمودية تغفر فيها جميع الخطايا السابقة و يولد الإنسان منها ولادة ثانية فى نقاوة تامة و طهر . و فى ذلك يقول القديس باسيليوس إن المسألة ليست مسألة خطية ، و إنما مسألةقانون و نظام . " فالذى تزوج ثانية لا يحسب له ذنب ، و لكنه غير مؤهل للكهنوت " . و يقول فى كتاب آخر " و لكن يجب أن نعرف أنه فى المعمودية تغفر الخطية ، و لكن لا يلغى القانون " .

حتى التى تخدم أرملة فى الكنيسة : على الرغم من أن وظيفتها ليست خدمة كهنوتية فإنها أيضا لا تقبل إلا إذا كانت أرملة لزوج واحد . فهكذا يأمر بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس

(9:5) .

الزيجات الأكثر من هذه :

8- فإن كانت هذه هى نظرة الكنيسة إلى من تزوج ثانية بعد وفاة زوجته الأولى ؟ فماذا يقال عن نظرتها إلى المتزوج ثالثة بعد وفاة الزوجة الثانية ، أو إلى المتزوج رابعة بعد وفاة الزوجة الثالثة

تقول الدسقولية " الزيجة الثالثة هى علامة الغواية لمن لم يقدر أن يضبط نفسه . و الأكثر من الثالثة هى علامة الزنا الظاهر و النجاسة التى لا تذكر " .

و يقول القديس اغريغوريوس الناطق بالإلهيات فى تتابع الزيجات " ... الأولى هى شريعة ، و الثانية تسامح ، و الثالثة تعد ... و كل ما يزيد على ذلك هو شبيه بالخنازير " .

و يقول القديس باسيليوس فى قانونه الحادى عشر عمن تزوجوا لثالث مرة " لم يأمر المجمع بأن يبقوا خارجا عن الكنيسة ، بل قالوا أنهم مثل إناء وسخ فى الكنيسة " . أما الذين يتزوجون للمرة الرابعة أو الخامسة فقد أمر القديس فى نفس القانون أن " يطردوا خارج مثل الزناة " .

خاتمة :

9- و بعد ، فإن كانت هذه هى نظرة المسيحية إلى تعدد التزوج – مع الاحتفاظ بزوجة واحدة فى كل مرة – فماذا يمكن أن يكون رأيها فى تعدد الزيجات و الجمع بينهن فى وقت واحد .

إن كان الذى توفيت زوجته فتزوج غيرها – و قد تكون فترة الزواج الأول أو الزوجين الأولين قصيرة ، و الرجل ما يزال شابا ، و قد ذاق لونا من الحياة و لم يستطع الامتناع – إن كان هذا تنظر الكنيسة هكذا ، و لا تباركه ، و لا تحضر وليمته ، و تفرض عليه العقوبات الكنسية ، و تحرمه من الكهنوت ، و تنظر اليه كضعيف ، فهل يمكن لديانة تدعو إلى هذه الدرجة من التعفف ، أن تسمح بتعدد الزوجات ؟! لا يستطع أحد أن يجيب بنعم .

إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(10)

عفة الزواج المسيحى

غرض الزواج المسيحى فى أصله :

1- الأصل فى الزواج المسيحى هو إنجاب البنين . و لذلك يقول العلامة اثيناغوراس ناظر مدرسة الإسكندرية اللاهوتية فى القرن الثانى " كل واحد منا ينظر إلى زوجته التى تزوجها حسب القوانين التى وضعت بواسطتنا ، و هذه فقط لغرض إنجاب البنين ، و كما أن الزارع يلقى بذاره فى الأرض منتظرا المحصول ، و لا يلقى فيها أكثر ،هكذا معنا ... " .

و يعلق القديس أوغسطينوس على غرض إنجاب البنين فيقول : " إن رابطة الزواج من القوة بحيث – على الرغم من أنها ربطت بقصد إنجاب البنين – إلا أنها لا يمكن أن تحل بسبب عدم إنجاب البنين . و ليس مصرحا تطليق العاقر . و لا يمكن أن يتزوج شخص أزيد من زوجته الحية " .

و يقول العلامة اكليمنضس الإسكندرى " الزواج هو أول رابطة بين الرجل و المرأة لإنجاب بنين شرعيين " .

2- و هناك غرض آخر ورد فى بدء الخليقة عند خلق حواء و هو قول الله " أصنع له معينا نظيره " (تكوين18:2) . و فى هذا يقول القديس أوغسطينوس " ليس الزواج لإنجاب البنين فقط ، و إنما أيضا لأجل التكوين الطبيعى للجماعة " " التعاون الاجتماعى " و يستطرد " إن شهوة الجسد تخفف بواسطة المشاعر الأبوية و مشاعر الأمومة " .

غرض آخر لأجل الضعفاء :

3- على أن بولس الرسول أضاف غرضا آخر فى رسالته الأولى إلى كورنثوس حيث قال " حسن للرجل أن لا يمس امرأة . و لكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأته و ليكن لكل واحدة رجلها ... لأن التزوج أصلح من التحرق " (9،2،1:7) . و هكذا كما قال القديس أوغسطينوس " ليس لإنجاب البنين و إنما لأجل الضعف و عدم ضبط النفس " .

وجوب الاعتدال و العفة فى هذا الغرض العرضى :

4- يقول القديس أوغسطينوس " ففى الشئ المصرح به ، ينبغى أن يكون هناك اعتدال سواء بالنسبة إلى الرجل أو المرأة ، حتى لا تنفجر الشهوة ، و تقود إلى غير المصرح به . لذلك فزينة الأزواج هى عفة الإنجاب و الإخلاص فى الخضوع لطلبات الجسد " . و يعترض القديس على الانغماس فى الشهوة ، الأمر الذى يتعارض و قدسية الزواج المسيحى فيقول " كل ما هو مخجل و منحط مما يفعله المتزوجون ببعضهما البعض ، ليس هو عيب الزواج و إنما عيبهما هما " . و يقول عن هذا أيضا فى كتاب آخر " فأنتم ترون إذن أن عفة المتزوجين و الإخلاص لفراشهما المسيحى هما عطية الله . و لكن عندما تزيد الشهوة الجنسية ، و تزيد عن حد المعاشرة الحسية اللازمة لإنجاب البنين ، فإن هذا الشر ليس من الزواج و إنما هو عرضى " ؟

و القديس أمبروسيوس يعتبر أن عدم العفة فى الزواج هى زنا ، إذ يقول " و لهذا فإن بولس الرسول يعلم العفة " الاعتدال " حتى فى الزواج ذاته . لأن الذى ليس هو عفيفا فى زواجه هو نوع من الزناة و يكسر قانون الرسول " .

و يقول القديس كيرلس الأورشليمى " فليبتهج أيضا أولئك الذين إذا تزوجوا يستعملون الزواج قانونيا حسب فريضة الله ، و ليس للشهوة برخصة غير محدودة ، الذين يعرفون مناسبات للامتناع ليتفرغوا للصلاة (1كو5:7) ، و الذين فى اجتماعاتنا فى الكنيسة يحضرون أجسادا نقية كالملابس النظيفة ، الذين دخلوا إلى الزواج من أجل إنجاب البنين و ليس من أجل الانغماس " .

و القديس أغريغوريوس الناطق بالإلهيات يقول عن الزواج " أنا أسمح به لأن الزواج مكرم عند الجميع و الفراش غير دنس " " الرسالة إلى العبرانيين 4:13" . إنه حسن للمعتدلين ، و لكن ليس للشرهين ، و الذين يشتهون أن يعطوا الجسد أكثر من الإكرام الواجب له " .

و يقول القديس إبرونيموس : " فإن كان المسيح يحب الكنيسة فى قداسة و عفة و بدون دنس ، فليحب الأزواج زوجاتهم فى عفة " . " ليعرف كل واحد كيف يقتنى إناءه فى قداسة و كرامة " (1تس4:4) . " ليس فى شهوة مثل الأمم الذين لا يعرفون الرب " (1تس7:4) .

أيام تمتنع فيها المعاشرة الزوجية :

5- و فى الزواج المسيحى لم تكتف الكنيسة بأن تكون المعاشرات الزوجية فى عفة و اعتدال ، و فى بعد عن الانغماس فى الشهوة ، و إنما حددت فترات للامتناع عن فراش الزوجية بقصد التفرغ للعبادة .

و فى ذلك يقول القديس إبرونيموس " فليتحرروا أولا فترات قصيرة من قيد الزواج و يتفرغوا للصلاة . و عندما يذوقون حلاوة العفة ، سيطلبون دوام تلك المتعة الوقتية [ متعة البعد عن المعاشرة ] " .

و هذا التفرغ للصلاة و الصوم ذكره بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى كورنثوس حتى لا يتجرب الزوجان من الشيطان " بسبب عدم تعففهما " (5:7) و الاصوام فى المسيحية كثيرة ، و لكن بعضها إجبارى على جميع المسيحيين إلا للمرضى و من كل شاكلتهم و من أمثلة ذلك صوم الأربعين المقدسة ، و صوم أسبوع الآلام " البصخة " ، و صوم الأربعاء و الجمعة على مدار السنة تقريبا .

و فى ذلك يأمر القديس باسيليوس الكبير فى قانونه الثلاثين قائلا " إنه شئ خارج عن الزيجة أن يلتصق أحد بفراشه فى الأربعين يوما كلها من أولها إلى آخرها . و الويل لمن يفعل هذه الخطية فى البصخة المقدسة ..." .

و قد ورد عن ذلك فى المجموع الصفوى لابن العسال " الأيام المقدسة التى للصوم لا تدنسها ، و أيام حيضها و نفاسها لا تقربها ، لئلا تصير زيجتك بما لا يجب " .

كذلك تمتنع المعاشرة الزوجية فى أيام التقدم للأسرار المقدسة . و مما يؤيد هذا القانون 13للقديس تيموثاوسالكبير بطريرك الاسكندرية حيث وجه اليه سؤال فى الامتناع عن المعاشرة الزوجية فأجاب بأنه فى الايام التى تقدم فيها الذبيجة المقدسة ... طبعا أى يوم يتقدم فيه أحد الزوجيين إلى السرائر المقدسة . فإن حسبنا كل هذا نجد أنه كثير . ايام الصوم و أيام التقدم للسرائر الإلهية ، كما يمتنع عنها كذلك فى أيام حيضها و طمثها و نفاسها .

فإن كانت ديانة تمنع المعاشرة الزوجية فى أيام كثيرة ، ليتفرغ الزوجان للعبادة ، و عندما يجتمعان تحوطهما بجو من العفة ، فهل مثل هذه الديانة يمكن أن تسمح لرجل بأن يتخذ له عددا من النساء فى وقت واحد ؟!

إن كانت الزوجة الواحدة ليست معاشرتها مطلقة ، فهل يسمح بعديد من الزوجات ؟! إن روح الديانة يمنع هذا و ليست المسألة شكلية ، يبحث فيها عن نصوص ، و إن كنا قد أوردنا أيضا نصوصا كثيرة

 إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(11)

نظرة المسيحية إلى البتولية

ديانة بتولية و زهد :

1- لم نر ديانة فى الوجود تحض على البتولية ، و تدعو إلى حياة الزهد و التعفف مثلما فعلت المسيحية ، حتى كان من نتائج ذلك قيام الحركة الرهبانية الواسعة النطاق ، التى كانت تشمل فى القرن الرابع الميلادى عشرات الآلاف من الرهبان فى كل من برارى مصر وحدها .

فهل ديانة كهذه تسأل فى يوم ما : هل تعدد الزوجات فيها مباح ؟!

إنها ديانة زهد و نسك . ديانة قال فيها الرسول علانية " لا تحبوا العالم و لا الأشياء التى فى العالم " .

البتولية كما أسسها المسيح و دعا لها بولس الرسول :

2- أما البتولية فى المسيحية فقد وطد دعائمها السيد المسيح ذاته ، الذى كان بتولاً ، وولد من أم بتول ، و عمده و بشر به مهيئا الطريق أمامه نبى بتول هو يوحنا المعمدان ، و عهد بأمه إلى رسول بتول هو يوحنا الحبيب . و هذه البتولية شرحها و تكلم عنها بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس الأصحاح السابع حيث قال " حسن للرجل أن لا يمس امرأة " و" أريد أن يكون جميع الناس كما أنا " " أى بتوليين " . و " أقول لغير المتزوجين و للأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا " و " أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة " و " أقول هذا ايها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر ، لكى يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " و " أريد أن تكونوا بلا هم ، غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف للرب كيف يرضى الرب ، و أما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى امرأته " و " من زوج فحسنا يفعل و من لا يزوج يفعل أحسن " (انظر الآيات 38،32،29،8،7،1- و انظر أيضا 37،26) .

 فهل يعقل أن ديانة تقول " حسن للرجل أن لا يمس امرأة " ثم تسمح هذه الديانة بتعدد الزوجات ؟!

هل يعقل أن ديانة تريد أن يتفرغ الإنسان من جميع الاهتمامات العالمية ليهتم فى ما للرب ، ثم تسمح له بتعدد الزوجات ، بينما تقول له " المتزوج يهتم فى ما للعالم كيف يرضى امرأته " ؟!

إن كانت امرأة واحدة تجعل الإنسان يهتم فى ما للعالم لكى يرضيها ، و لا يستطيع أن ينفذ نصيحة الرسول " أريد أن تكونوا بلا هم فكم بالأولى إن كانت له زوجات عديدات ؟!

و هل يعقل ديانة تريد من المتزوجين أنفسهم أن ينزعوا أنفسهم من اهتماماتهم الكثيرة ليتفرغوا للرب ، قائلة لهم " ليكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم " ، ثم تسمح هذه الديانة لمن له زوجة بأن يتزوج أخرى معها ؟!

أمثلة من تمجيد القديسين للبتولية :

3-  هذه البتولية تركت أثرها الكبير فى أنفس قادة المسيحية و قديسيها العظام ، حتى يندر أن نجد قديسا فى العصور الوسطى لم يكتب عن البتولية و لم يدع إليها . و إن حاولنا أن نورد و لو قلة ضئيلة عما قاله القديسون عن البتولية ، وتفضيلها على الزواج ، و الدعوة إليها ، لضاق بنا المجال . لكننا سنحاول أن نذكر بعض عبارات بسيطة كأمثلة :

قال القديس أمبروسيوس " البتولية أحضرت من السماء ما يمكن تقليده على الأرض ... لا الذين يتزوجون و لا الذين يزوجون يشبهون ملائكة الله فى السماء ، لذلك فلا تعجب إذا ما قورن أولئك بالملائكة " .

و قال القديس يوحنا ذهبى الفم " إذا كنتم تريدون الطريق الأسمى و الأعظم ، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة كانت " .

و قال ترتليانوس " ما أكثر الذين نذروا البتولية من ذات لحظة عمادهم ، و أيضا ما أكثر الذين فى الزواج منعوا أنفسهم – بموافقة مشتركة – عن استعمال الزواج " فجعلوا أنفسهم خصيانا من أجل ملكوت السموات " (متى12:19) .

و قال القديس اثناسيوس الرسولى أشهر بطاركة الأسكندرية " هناك طريقان فى الحياة يختصان بهذه الأمور : أحدهما أكثر اعتدالا و عادى و أعنى به الزواج . و الثانى ملائكى و ليس ما يفوقه ، و أعنى به البتولية . و الآن إذا ما اختار الإنسان طريق العالم ، أعنى الزواج فلا يلام فى الواقع ، و لكنه سوف لا ينال أمثال تلك المواهب العظيمة كالآخر " . و شرح النقطة الأخيرة بتناول مثل الزرع الجيد (مرقس20:4) فشبه المتزوج بالزرع الذى يعطى ثلاثين و البتول بالذى يعطى مائة " .

و قال القديس جيروم فى رسالته إلى يوستوخيوم " البتولية هى الوضع الطبيعى ، و الزواج أتى بعد السقوط " . كما قال فى نفس الرسالة إنى أمدح الزواج ، و لكن لكى ينجب لى بتوليين .

و القديس جيروم استعمل أيضا نفس تشبيه القديس اثناسيوس فى مثل الزارع ، و اعتبر آن المائة لإكليل البتولية ، و الستين للترمل بعد التزوج ، و الثلاثين للزواج الواحد العفيف . و " لم يدخل الزواج بعد الترمل فى هذه الدرجات الثلاث التى للعفة " .

على أن هناك سؤالا يمكن أن يسأل و هو " إلا يحدث أن ينتهى العالم إذا نفذت دعوة المسيحية إلى البتولية ؟! " .

يجيب القديس جيروم عن هذا السؤال فيقول " اطمئن . فالبتولية شئ صعب ، و لذلك فهى نادرة لأنها صعبة . أذ لو كان الجميع يستطيعون أن يكونوا بتوليين ، ما كان الرب قد قال : ... من استطاع آن يقبل فليقبل " (متى12:19) . ورد القديس اوغسطينوس على نفس السؤال برد مشابه مستخدما قول السيد المسيح عن البتولية " ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم " (متى11:19) .

السماح للضعفاء ، و تعليق :

4-  و لذلك فإن بولس الرسول فى دعوته إلى البتولية فى الأمثلة التى أوردناها فى (1كو7) سمح بالزواج للذين لا يحتملون . فقال " و لكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا ، لأن التزوج أصلح من التحرق " (آية9) . و لكن الرسول بولس على الرغم من هذا السماح يقول عن الذين سمح لهم " و لكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق فى الجسد ، و أما أنا فإنى اشفق عليكم " (آية28) . " هذا أقوله لخيركم ليس لألقى عليكم و هقا بل لأجل اللياقة ... " (آية35) .

و يعلق العلامة ترتليانوس على هذا بقوله " إن كانت هذه هى فكرته عن الزواج الأول ، فكم بالحرى عن الثانى ؟! " .

خاتمة :

و بعد ، إن كانت هذه هى نظرة المسيحية إلى البتولية ، و دعوتها إليها فى صراحة تامة ، إلا للذين لا يحتملونها ، فهؤلاء لهم عفة الزواج خير من الوقوع فى الخطية . فهل يمكن لديانة كهذه أن تسمح بتعدد الزوجات و هى تنصح بترك التزوج بواحدة فقط ؟!

 إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(12)

أقوال آباء الكنيسة و علمائها :-
" كانت الزوجات الكثيرات للآباء رمزا لكنائس مستقبلة من شعوب كثيرة تخضع لعريس واحد هو المسيح . أما سر الزواج بواحدة فى أيامنا فيشير إلى وحدتنا جميعا فى خضوعنا لله ، نحن الذين سنصبح فيما بعد مدينة سمائية واحدة " .

 [De Bono Conjugali,21] القديس أوغسطينوس

"سر الزواج فى أيامنا حدد برجل واحد لإمرأة واحدة " .

 [De Bono Conjugali,21] القديس أوغسطينوس

 

" حتى حينما كان النساء يلدن بنين فى القديم ، كان مصرحا بتزوج نساء أخريات للحصول على ذرية أكثر . و لكن هذا الآن بالتأكيد غير شرعى . لأن الاختلاف بين الأزمنة يحدد جواز الشئ أو عدم جوازه " .

 [Ibid:17] القديس أوغسطينوس

" لا يمكن أن يتزوج شخص بأكثر من زوجته الحية" .

  [Ibid:17] القديس أوغسطينوس

" لأنه لم يقل إنه صنعهما رجلا واحدا و امرأة واحدة ، بل هو أيضاً أعطى وصيته أن رجلا واحد يرتبط بامرأة واحدة " .

[Homilies on,st. Mathew: (ch.19)] القديس يوحنا ذهبى الفم

" و لكن سواء عن طريق الخلق أو عن طريق التشريع ، أظهر أن رجلا واحد ينبغى أن يعيش مع امرأة واحدة على الدوام و لا ينفصل عنها " .

[Homilies on,st. Mathew: (ch.19)] القديس يوحنا ذهبى الفم

" و لو كان هناك مسيحيان كان يمكن أن يكون هناك زوجان أو زوجتان . و لكن إن كان المسيح واحد ، الرأس الواحد للكنيسة ، فليكن هناك إذن جسد واحد ، و ليرفض الثانى " .

 [Oration 38]  القديس اغريغوريوس الناطق بالالهيات

" إن خلق الانسان الأول ، يعلمنا أن نرفض ما هو أكثر من زيجة واحدة . إذ لم يكن هناك غير آدم واحد و حواء واحدة " .

 [Letter 123 (To Ageruchia):12] القديس جيروم " ايرونيموس "

" إذا مات واحد من الاثنين المتصلين ، فالآخر محالل أن يتزوج فإذا تزوج الواحد من قبل موت الآخر ، فهو مدان مداينة الفاسق " .

 القديس باسيليوس الكبير " قانونه العاشر"

" لا يتزوج واحد و له زوجة . و هذا المثال الواحد يكون لمن ماتت زوجته " .

 القديس باسيليوس الكبير " قانونه العاشر "

" تعدد الزواج بالنسبة لنا خطية أكثر من الزنا ، فليتعرض المذنبون به للقوانين " .

 القديس باسيليوي الكبير

 القانون 80 " من رسالته القانونية الثالثة "

" من بدء الخليقة أعطى الله امرأة واحدة لرجل واحد "

الآباء الرسل [Ethiopian Didascalia XIV\2p . 85]

" من صفات المسيحي ... ولا يكون نهما ، ولا محباً للعالم ، ولا محباً للنساء . بل يتزوج بامرأة واحدة " .

  القديس ابوليدس " القانون 38من مجموعة قوانينة "

" و لا يتزوج مؤمن بغير مؤمنة ، و لا بالثابتة فى الزنا ... و لا يجمع بين زوجتين أو أكثر " .

 البابا كيرلس ابن لقلق " رقم 8فى الزيجات الممنوعة- من قوانينة "

" أفترى من جمع بين امرأتين له توبة إلا بعد ترك الثانية " .

 ابن العسال " الباب العاشر:72- من المجمع الصفوى

" إن أصل الجنس البشرى يزودنا بفكرة عن وحدة الزواج . فقد وضع الله فى البدء مثالا تحتذيه الأجيال المقبلة ، إذ صنع امرأة واحدة للرجل على الرغم من أن المادة لم تكن تنقصه لصنع أخريات ، و لا كانت تنقصه القدرة " .

 [Exhortation to chastity:5] العلامة ترتليانوس

" من البدء خلق رجلا واحد و امرأة واحدة . و لم يحل الاتحاد بين الجسد و الجسد " .

 الفيلسوف اثيناغوراس " ناظر الاكليريكية فى القرن الثانى "

 [Plea of Athenagoras: ch. 33]

" إما أن يبقى الانسان كما ولد . و إما أن يقنع بزواج واحد . لأن الزواج الثانى ما هو إلا زنا " .

 [Plea of Athenagoras: ch. 33] الفيلسوف أثيناغوراس

" ... و لكن حاشا أن تكون مثل هذه الأعمال عند المسيحيين ، لأن عندهم يقطن الاعتدال ، و يمارس ضبط النفس ، و تلاحظ وحدة الزواج ، و تحرس العفة ... "

  القديس ثاوفيلوس الانطاكى

  Xv] :[To Autolycus:Book III

و السؤال الآن هو :

هل أخطأ كل هؤلاء : الرسل ، و الآباء القديسون ، و العلماء ، و الفلاسفة ، فى فهم المسيحية فصرخوا – فى جهل – بشريعة الزوجة الواحدة ؟!

و لسنا فى حاجة إلى جواب .

 إثبات شريعة الزوجة الواحدة في المسيحية من

(13)

رأى اساتذة القانون المسلمين

"1"

رأى الاستاذ الدكتور أحمد سلامة

أستاذ و رئيس قسم القانون المدنى – كلية الحقوق – جامعة عين شمس

فى كتابه الذى حاز على جائزة الدولة التقديرية سنة 1963

ذكر الاستاذ الدكتور أحمد سلامة ، فى حديثه عن خصائص الزواج فى المسيحية ، فى الفقرة "ج" تحت عنوان الزواج علاقة فردية " ص425-ص427 ، ما يلى :

الزواج علاقة فردية :

 ذلك أن الزواج لا يمكن أن ينشأ إلا بين رجل واحد و امرأة واحدة . و من ثم فلا يجوز لرجل أن يجمع بين أكثر من زوجة فى وقت واحد ، و لا يجوز للمرأة أن تجمع أكثر من زوج فى وقت واحد .

و ينبنى على ذلك أنه اذا كان من يريد الزواج مرتبطا سلفا برابطة زوجية اخرى ، فإن العلاقة المزمع انشاؤها لا يمكن أن تنشأ باعتبارها زواجا .

و قد ألمعت إلى هذه الخاصة المادة 14 من مجموعة الأقباد الارثوذكس حين قالت " يرتبط به رجل و امرأة " . و نصت عليها صراحة المادة 24 من نفس المجموعة ، حين قالت " لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زوجا ثانيا ما دام الزواج الأول قائما " .

كما جعلت المادة 12 من مجموعة السريان الارتباط بزيجة اخرى مانعا من صحة الزواج الثانى . و كذلك المادة الخامسة من مجموعة الأرمن الارثوذكس ، و المادة الثالثة من مجموعة الروم الارثوذكس

و ليست بقية الشرائع بأقل وضوحا فى هذا الصدد من شرائع الارثوذكس ، فالمادة الثانية من الإرادة الرسولية تنص فى فقرتها الثانية ، على أن من خصائص الزواج الجوهرية خاصة الوحدة unite . و كذلك تنص المادة السادسة من قانون الانجيليين على أن الزواج هو اقتران رجل واحد بامرأة واحدة اقترانا شرعيا .

و هذه النصوص كلها تنفق مع المؤكد فى الشريعة المسيحية . لأنه اذا كانت هذه الشريعة تقرر أن من يطلق امرأته إلا لعلة الزنا و يتزوج باخرى يزنى عليها ، و كذلك من يتزوج فإنه يزنى ، فبالأولى أن يكون الجمع بين زوجتين (Polygamie) أو زوجين (Polyandrie) زنا ظاهر . و مبدأ فردية الزواج هو المعمول به فى الشرائع الوضعية فى بلاد الغرب " ثم تعرض الاستاذ الدكتور احمد سلامة إلى الزيجة الثانية غى المسيحية بعد انتهاء الزيجة الأولى بالوفاة أو بالتطليق " فقال :

و يتصل بهذه الخاصة امر الزيجة الثانية أو بعدها عند الارثوذكس . و بطبيعة الحال فإن هذا الأمر لا يعرض و لا يجوز النقاش فيه ، إلا اذا كانت الزيجة الأولى قد انتهت . فإن لم تكن ، فالحكم فى الزيجة الثانية مقطوع به و هو التحريم ، لأننا سنكون بصدد تعدد ممنوع ...

" و قد أكد الاستاذ الدكتور احمد سلامة هذا الرأى ذاته فى كتابه " الوجيز فى الأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين " .

و هو كتاب نشره سنة1977 أى بعد 14 سنة من الكتاب المطول ، و يحمل نفس الرأى باختصار بنفس العبارات ، اذ قال فيه " ص112" :

" و أما أن الزواج علاقة فردية : فلأنه لا يمكن أن ينشأ إلا بين رجل واحد و امرأة واحدة . و من ثم فلا يجوز لرجل أن يجمع بين أكثر من زوجة فى وقت واحد ، و لا يجوز للمرأة أن تجمع أكثر من زوج فى وقت واحد . و ينبنى على ذلك أنه اذا كان من يريد الزواج مرتبطا سلفا برابطة زوجية أخرى ، فإن العلاقة المزمع انشاؤها لا يمكن أن تنشأ باعتبارها زواجا " ...

"2"

رأى الاستاذ الدكتور توفيق حسن فرج

الصفحة الرئيسية