السيدة العذراء
للبابا شنوده الثالث
2- عيد ميلاد العذراء |
حياة التسليم |
الإيمان وعدم التذمر الصمت والصلاة والتأمل فضائل أخري أيقونة العذراء |
أمنا القديسة العذراء
لا توجد امرأة تنبأ عنها الأنبياء واهتم بها الكتاب مثل مريم العذراء ... رموز عديدة عنها في العهد القديم وكذلك سيرتها وتسبحتها والمعجزات في العهد الجديد.
وما أكثر التمجيدات والتأملات التي وردت عن العذراء في كتب الأباء ... وما أمجد الألقاب التي تلقبها بها الكنيسة ، مستوحاة من روح الكتاب.
إنها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا الملكة القائمة عن يمين الملك العذراء الدائمة البتولية الطاهرة المملوءة نعمة القديسة مريم ، الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور ، أم الرحمة والخلاص ، الكرمة الحقانية.
هذه التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها و ألحانها:
علوت يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السارافيم .
مريم التي تربت في الهيكل وعاشت حياة الصلاة والتأمل منذ طفولتها وكانت الإناء المقدس الذي إختاره الرب للحلول فيه.
أجيال طويلة إنتظرت ميلاد هذه العذراء لكي يتم بها ملء الزمان ( غل 4 : 4 ).
هذه التي أزالت عار حواء وأنقذت سمعة المرأة بعد الخطية . إنها والدة الإله ، دائمة البتولية.
إنها العذراء التي أتت إلي بلادنا اثناء طفولة المسيح وأقامت في أرضنا سنوات قدستها خلالها وباركتها.
وهي العذراء التي ظهرت في الزيتون منذ ما يزيد عن 33 عاما وجذبت إليها مشاعر الجماهير بنورها وظهورها وإفتقادها لنا .
وهي العذراء التي تجري معجزات في أماكن عديدة ، نعيد لها فيها وقصص معجزاتها هذه لا تدخل تحت حصر.
إن العذراء ليست غريبة علينا فقد اختلطت بمشاعر الأقباط في عمق ، خرج من العقيدة إلي الخبرة الخاصة والعاطفة . ما أعظمه شرفا لبلادنا وكنيستنا أن تزورها السيدة العذراء في الماضي وأن تتراءى علي قبابها منذ سنين طويلة.
لم توجد إنسانة أحبها الناس في المسيحية مثل السيدة العذراء مريم.
في مصر غالبية الكنائس تحتفل بعيدها
وفي الطقوس ما أكثر المدائح والتراتيل والتماجيد والابصاليات والذكصولوجيات الخاصة بها وبخاصة في شهر كيهك ولها عند اخوتنا الكاثوليك شهر يسمي الشهر المريمي
وفي أديرة الرهبان في مصر يوجد علي اسمها دير البراموس ودير السريان ودير المحرق
ويوجد دير للراهبات علي اسمها في حارة زويلة بالقاهرة وما أكثر الأديرة والمدارس التي علي اسمها في كنائس الغرب.
أقدم كنائس باسمها
أقدم كنيسة بنيت علي اسم العذراء في العصر الرسولي هي كنيسة فيلبي وأقدم كنيسة بنيت باسمها في مصر كانت في عهد البابا ثاؤنا البطريرك 16 عام 274م
ومن أشهر كنائسها كنيسة الدير المحرق التي دشنت في عهد البابا ثاؤفيلس 23 في بداية القرن الخامس
وكذلك الكنائس التي بنيت في الأماكن التي زارتها في مصر.
وبهذه المناسبة توجد لها كنيستان في أوروبا باسم عذراء الزيتون إحداهما في فرنسا والثانية في فيينا
عظمة العذراء
عظمة العذراء قررها مجمع أفسس المسكوني المقدس الذي إنعقد سنة 431م بحضور 200 من أساقفة العالم ووضع مقدمة قانون الإيمان التي ورد فيها : نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتي وخلص نفوسنا
فعلي أية الأسس وضع المجمع المسكوني هذه المقدمة ؟ هذا ما سنشرحه الأن :
العذراء : هي القديسة المطوبة التي يستمر تطويبها مدي الأجيال كما ورد في تسبحتها : هوذا منذ الأن جميع جميع الأجيال تطوبني ( لو 1 : 46)
والعذراء تلقبها الكنيسة بالملكة وفي ذلك أشار عنها المزمور 45 : قامت الملكة عن يمين الملك .
ولذلك فإن كثيرا من الفنانين حينما يرسمون صورة العذراء يضعون تاجا علي رأسها وتبدو في الصورة عن يمين السيد المسيح
ويبدو تبجيل العذراء في تحية الملاك جبرائيل لها : السلام لك أيتها الممتلئة نعمة . الرب معك . مباركة أنت في النساء ( لو 1 : 28)
أي ببركة خاصة شهدت بها أيضا القديسة أليصابات التي صرخت بصوت عظيم وقالت لها : مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك ( لو 1 : 42)
وأمام عظمة العذراء تصاغرت القديسة أليصابات في عيني نفسها وقالت في شعور بعدم الإستحقاق مع أن أليصابات كانت تعرف أن إبنها سيكون عظيما أمام الرب وأنه يأتي بروح إيليا وقوته ( لو 1 : 15 ، 17)
" من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي" ( لو 1 : 43)
ولعل من أوضح الأدلة علي عظمة العذراء ومكانتها لدي الرب أنه بمجرد وصول سلامها إلي أليصابات إمتلأت أليصابات من الروح القدس وأحس جنينها فارتكض بابتهاج في بطنها وفي ذلك يقول الوحي الإلهي : فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها وإمتلأت أليصابات من الروح القدس ( لو 1 : 41)
إنها حقا عظمة مذهلة أن مجرد سلامها يجعل أليصابات تمتلئ من الروح القدس ! من من القديسين تسبب سلامه في أن يمتلئ غيره من الروح القدس؟ ولكن هوذا أليصابات تشهد وتقول : هوذا حين صار سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني
امتلأت أليصابات من الروح القدس بسلام مريم وأيضا نالت موهبة النبوة والكشف
فعرفت أن هذه هي أم ربها وأنها : أمنت بما قيل لها من قبل الرب
كما عرفت أن ارتكاض الجنين كان عن إبتهاج وهذا الابتهاج طبعا بسب المبارك الذي في بطن العذراء : مباركة هي ثمرة بطنك ( لو 1 : 41 – 45)
عظمة العذراء تتجلي في اختيار الرب لها من بين كل نساء العالم
الإنسانة الوحيدة التي انتظر التدبير الإلهي ألاف السنين حتي وجدها ورأها مستحقة لهذا الشرف العظيم الذي شرحه الملاك جبرائيل بقوله : الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعي إبن الله ( لو 1 : 35)
العذراء في عظمتها تفوق جميع النساء:
لهذا قال عنها الوحي الإلهي : بنات كثيرات عملن فضلا أم أنت ففقت عليهن جميعا ( أم 31 : 39) ولعله من هذا النص الإلهي أخذت مديحة الكنيسة : نساء كثيرات نلن كرامات ولم تنل مثلك واحدة منهن
هذه العذراء القديسة كانت في فكر الله وفي تدبيره منذ البدء
ففي الخلاص الذي وٌعد به أبوينا الأولين قال لهما إن : نسل المرأة يسحق رأس الحية ( تك 3 : 15) هذه المرأة هي العذراء ونسلها هو المسيح الذي سحق رأس الحية علي الصليب
تبدأ في حياة العذراء قبل ولادتها وتستمر بعد وفاتها ومنها:
1- حبل بها بمعجزة من والدين عاقرين ببشري من الملاك.
2- معجزة خطوبتها بطريقة إلهية حددت الذي يأخذها ويرعاها.
3- معجزة في حبلها بالمسيح وهي عذراء مع إستمرار بتوليتها بعد الولادة.
4- معجزة في زيارتها لأليصابات التي سمعت صوت سلامها ، ارتكض الجنين بابتهاج في بطنها وإمتلآت بالروح القدس .
5- معجزات لا تدخل تحت حصر أثناء زيارتها لأرض مصر منها سقوط الأصنام ( أش 19 : 1).
6- أول معجزة أجراها الرب في قانا الجليل كانت بطلبها.
7- معجزة حل الحديد وانقاذ متياس الرسول ، كانت بواسطتها .
8- معجزة استلام المسيح لروحها ساعة وفاتها.
9- معجزة ضرب الرب لليهود لما أرادوا الإعتداء علي جثمانها بعد وفاتها .
10 معجزة صعود جسدها إلي السماء.
11 المعجزات التي تمت علي يديها في كل مكان ، وضعت فيها كتب.
12 ظهورها في أماكن متعددة وبخاصة ظهورها العجيب في كنيستنا بالزيتون وفي بابادبلو .
ومازالت المعجزات مستمرة في كل مكان وستستمر شهادة لكرامة هذه القديسة
تحتفل الكنيسة من أول مسري ( 7 أغسطس) بصوم السيدة العذراء وه صوم يهتم به الشعب اهتماما كيرا ويمارسه بنسك شديد والبعض يزيد عليه أياما وذلك لمحبة الناس الكبري للعذراء
وصوم العذراء مجال للنهضات الروحية في غالبية الكنائس
يعد له برنامج روحي لعظات كل يوم وقداسات يومية أيضا في بعض الكنائس حتي الكنائس التي لا تحمل اسم العذراء.
ويقام عيد كبير للسيدة العذراء في كنيستها الأثرية بمسطرد ، بل تقام أعياد لقديسين أخرين في هذه الأيام أيضا.
فعيد القديس مارجرجس في دير ميت دمسيس يكون في النصف الثاني من أغسطس وكذلك عيد القديس أبا مقار الكبير وعيد القديس مارجرجس في ديره بالرزيقات.
وفي نفس صوم العذراء نحتفل بأعياد قديسات مشهورات:
مثل القديسة بائيسة ( 2 مسري : 8 أغسطس)والقديسة يوليطة (6 مسري: 12 أغسطس)والقديسة مارينا (15 مسري: 21 أغسطس) بل أثناء صوم العذراء أيضا نحتفل بعيد التجلي المجيد يوم 13 مسري (19 أغسطس)
وفي نفس الشهر ( 7 مسري: 13 أغسطس) تذكار بشارة الملاك جبرائيل للقديس يواقيم بميلاد مريم البتول.
إن صوم العذراء هو المناسبة الوحيدة التي تحتفل فيها الكنيسة بأعياد العذراء إنما يوجد بالأكثر شهر كيهك الذي يحفل بمدائح وتماجيد وإبصاليات للعذراء مريم القديسة.
وصوم العذراء يهتم به الأقباط في مصر وبخاصة السيدات إهتماما يفوق الوصف.
كثيرون يصومونه (بالماء والملح) أي بدون زيت ... وكثيرون يضيفون عليه أسبوعا ثالثا كنوع من النذر . ويوجد أيضا من ينذر أن هذا الصوم إنقطاعا حتي ظهور النجوم في السماء
فما السر وراء هذا الإهتمام؟
أولا : محبة الأقباط للعذراء التي زارت بلادهم وباركتها وتركت أثارا لها في مواضع متعددة بنيت فيها كنائس.
ثانيا : كثرة المعجزات التي حدثت في مصر بشفاعة السيدة العذراء مما جعل الكثيرين يستبشرون ببناء كنيسة علي اسمها.
ولعل ظهور العذراء في كنيستها بالزيتون وما صحب هذا الظهور من معجزات قد أزاد تعلق الأقباط بالعذراء وبالصوم الذي يحمل اسمها
كل قديس له في الكنيسة عيد واحد ، هو يوم نياحته أو استشهاده وربما عيد أخر هو العثور علي رفاته أو معجزة حدثت باسمه أو بناء كنيسة له
لكن القديسة العذراء لها أعياد كثيرة جدا منها:
وهو يوم 7 مسري ، حيث بشر ملاك الرب أباها يواقيم بميلادها ففرح بذلك هو وأمها حنة ونذرها للرب.
وتعيد له الكنيسة في أول بشنس.
وتعيد له الكنيسة يوم 3 كيهك وهو اليوم الذي دخلت فيه لتتعبد في الهيكل في الدار المخصصة للعذاري.
ومعها السيد المسيح ويوسف النجار وتعيد له الكنيسة يوم 24 بشنس.
وهو يوم 21 طوبة وتذكر فيه الكنيسة أيضا المعجزات التي تمت في ذلك اليوم وكان حولها الأباء الرسل ما عدا القديس توما الذي كان وقتذاك يبشر في الهند.
وهو يوم 21 من كل شهر قبطي ، تذكار لنياحتها في 21 طوبة.
7- عيد صعود جسدها إلي السماء:
وتعيد له الكنيسة في يوم 16 مسري الذي يوافق 22 من أغسطس ويسبقه صوم العذراء ( 15 يوما).
8- عيد معجزتها (حالة الحديد):
وهو يوم 21 بؤونة ونذكر فيه معجزات في حل أسر القديس متياس الرسول ومن معه بحل الحديد الذي قيدوا به.
ونعيد أيضا لبناء أول كنيسة علي اسمها في فيلبي.
وكل هذه الأعياد لها في طقس الكنيسة ألحان خاصة وذكصولوجيات تشمل في طياتها الكثير من النبوءات والرموز الخاصة بها في العهد القديم .
علي قباب كنيسة العذراء وكان ذلك يوم 2 أبريل سنة 1968 واستمر مدي سنوات ويوافق 24 برمهات تقريبا .
وبالإضافة إلي كل هذا نحتفل طول شهر كيهك ( من ثلث شهر ديسمبر إلي 7 يناير) بتسابيح كلها عن كرامة السيدة العذراء.
العذراء مريم في عقيدة الكنيسة:
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكرم السيدة العذراء الإكرام اللائق بها بدون مبالغة ودون إقلال من شأنها.
1- فهي في إعتقاد الكنيسة "والدة الإله" وليست والدة "يسوع" كما ادعي النساطرة الذين حاربهم القديس كيرلس الإسكندري وحرمهم مجمع أفسس المسكوني المقدس .
2-
والكنيسة تؤمن أن
الروح القدس قد قدس مستودع العذراء أثناء الحبل بالمسيح.
وذلك كما قال لها الملاك " الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك لذلك
القدوس المولود منك يدعي ابن الله".
وتقديس الروح القدس لمستودعها يجعل المولد منها يحبل به بلا دنس الخطية
الأصلية أما العذراء نفسها فقد حبلت بها أمها كسائر الناس وهكذا قالت
العذراء في تسبحتها " وتبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1 : 47).
لذلك لا توافق الكنيسة علي أن العذراء حبل بها بلا دنس الخطية الأصلية
كما يؤمن أخوتنا الكاثوليك.
3-
وتؤمن الكنيسة بشفاعة
السيدة العذراء.
وتضع شفاعتها قبل الملائكة ورؤساء الملائكة ، فهي والدة الإله وهي
الملكة القائمة عن يمين الملك.
4-
والكتاب يلقب العذراء
بأنها "الممتلئة نعمة"
وللأسف فإن الترجمة البيروتية – إقلال من شأن العذراء- تترجم هذا
الللقب بعبارة "المنعم عليها" ... وكل البشر منعم عليهم ، أما العذراء
فهي الممتلئة نعمة . علي أن النعمة لا تعني العصمة.
5-
والكنيسة تؤمن بدوام
بتولية العذراء.
ولا يشذ عن هذه القاعدة سوي أخوتنا البروتستانت الذين ينادون بأن
العذراء لها
بنين بعد المسيح.
6- وتؤمن الكنيسة بصعود جسد العذراء إلي السماء وتعيد له في 16 مسري.
أ: ألقاب من حيث عظمتها وصلتها بالله:
1-
نلقبها بالملكة :
القائمة عن يمين الملك.
ونذكر في ذلك قول المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" ( مز 45 :
9) ولذلك دائما ترسم في أيقونتها علي يمين السيد المسيح ونقول عنها في
القداس الإلهي "سيدتنا وملكتنا كلنا ... "
2-
نقول عنها أيضا
"أمنا القديسة العذراء"
وفي ذلك قول السيد المسيح وهو علي الصليب لتلميذه القديس يوحنا الحبيب
"هذه أمك" (يو 19 : 27).
3-
وتشبه العذراء أيضا
بسلم يعقوب:
تلك السلم التي كانت واصلة بين الأرض والسماء ( تك 28: 12) وهذا رمز
للعذراء التي بولادتها للمسيح أوصلت سكان الأرض إلي السماء.
4-
وقد لقبت العذراء
أيضا بالعروس:
لأنها العروس الحقيقية لرب المجد وتحقق فيها قول الرب لها في المزمور "
إسمعي يا إبنتي وانظري وأميلي أذنك وأنسي شعبك وبيت أبيك . فإن الملك
قد اشتهي حسنك لأنه هو ربك وله تسجدين"(مز 84) ولذلك لقبت بصديقة
سليمان أي عذراء النشيد؟
وقيل عنها في نفس المزمور "كل مجد إبنة الملك من داخل مشتملة بأطراف
موشاة بالذهب مزينة بأنواع كثيرة".
5-
ونلقبها أيضا بلقب
الحمامة الحسنة:
متذكرين الحمامة الحسنة التي حملت لأبينا نوح غصنا من الزيتون رمزا
للسلام ، تحمل إليه بشري الخلاص من مياه الطوافان ( تك 8: 11) وبهذا
اللقب يبخر الكاهن لأيقونتها وهو خارج من الهيكل وهو يقول "السلام لك
أيتها العذراء مريم الحمامة الحسنة" والعذراء تشبه بالحمامة في بساطتها
وطهرها وعمل الروح القدس فيها وتشبه بالحمامة التي حملت بشري الخلاص
بعد الطوفان لأنها حملت بشري الخلاص بالمسيح.
6-
وتشبه العذراء أيضا
بالسحابة:
لإرتفاعها من جهة ولأنه هكذا شبهتها النبوة في مجيئها إلي مصر "وحي من
جهة مصر: هوذا الرب راكب علي سحابة سريعة وقادم إلي مصر فترتجف أوثان
مصر ويذوب قلب مصر داخلها" (أش 19 : 1) وعبارة سحابة ترمز إلي إرتفاعها
وترمز إلي الرب الذي يجئ علي السحاب ( مت16 : 27).
ب: ألقابها ورموزها من حيث أمومتها للسيد المسيح:
7-
ومن الألقاب التي
وصفت بها العذراء (ثيئوطوكوس)
أي "والدة الإله "
وهذا اللقب الذي أطلقه عليها المجمع المسكوني المقدس المنعقد في أفسس
سنة 431م وهو اللقب الذي تمسك به القديس كيرلس الكبير ردا علي نسطور...
وبهذا اللقب "أم ربي" خاطبتها القديسة أليصابات ( لو 1 : 43).
8-
ومن ألقابها أيضا
المجمرة الذهب :
ونسميها ( تي شوري) أي المجمرة بالقبطية وأحيانا شورية هرون ... أما
لجمر الذي في داخلها ففيه الفحم يرمز إلي ناسوت المسيح والنار ترمز إلي
لاهوته كما قيل في الكتاب "إلهنا نار أكلة" ( عب 12 :29).
فالمجمرة ترمز إلي بطن العذراء الذي فيه كان اللاهوت متحدا بالناسوت
وكون المجمرة من ذهب فهذا يدل علي عظمة العذراء ونقاوتها ونظرا لطهارة
العذراء وقدسيتها فإن العذراء نسميها في ألحانها المجمرةا لذهب.
9-
وتلقب العذراء أيضا
بالسماء الثانية:
لأنه كما أن السماء هي
مسكن الله هكذا كانت العذراء مريم أثناء الحمل المقدس مسكنا لله.
10
وتلقب العذراء كذلك
بمدينة الله :
وتتحقق فيها النبوءة التي في المزمور "أعمال مجيدة قيلت عنك يا مدينة
الله" (مز86) أو يقال عنها "مدينة الملك العظيم" أو تحقق فيها نبوءات
معينة قد قيلت عن أورشليم ... أو صهيون كما قيل أيضا في المزمور
"صهيون الأم تقول إن إنسانا وإنسانا صار فيها وهو العلي الذي أسسها
.."( مز 87).
11-
لقبت العذراء
بالكرمة التي وجد فيها عنقود الحياة:
أي السيد المسيح وبهذا اللقب تتشفع بها الكنيسة في صلاة الساعة الثالثة
وتقول لها "يا والدة الإله أنت هي الكرمة الحقانية الحاملة عنقود
الحياة"
12-
وبصفة هذه الأمومة
لها ألقاب أخري منها:
- أم النور الحقيقي ، علي إعتبار أن السيد المسيح قيل عنه إنه "النور
الحقيقي الذي ينير كل إنسان" (يو 1: 9).
- وبنفس الوضع لقبت بالمنارة الذهبية لأنها تحمل النور.
- أم القدوس علي إعتبار أن الملاك حينما بشرها بميلاد المسيح قال لها "
لذلك القدوس المولود منك يدعي ابن الله" (لو 1 :35) .
- أم المخلص لأن السيد المسيح هو مخلص العالم وقد دعي اسمه يسوع لأنه
يخلص شعبه من خطاياهم ( مت 1 : 21).
13-
ومن رموزها أيضا
العليقة التي رآها موسي النبي :
( خر 3 : 2) ونقول في
المديحة "العليقة التي رآها موسي النبي في البرية مثال أم النور طوباها
حملت جمر اللاهوتية تسعة أشهر في أحشاها ولم تمسسها بأذية " فالسيد
الرب قيل عنه إنه "نار أكلة" ( عب 12 : 29) ترمز إليه النار التي تشتعل
داخل العليقة والعليقة ترمز للقديسة العذراء.
14-
ومن رموزها أيضا
تابوت العهد:
وكان هذا التابوت من خشب السنط الذي لا يسوس . مغشي بالذهب من الداخل
والخارج (خر 25: 10، 22) رمزا لنقاوة العذراء وعظمتها وكانت رمزا أيضا
لما يحمله التابوت في داخله من أشياء ترمز إلي السيد المسيح.
فقد كان يحفظ فيه "قسط من ذهب يه المن ، وعصا هرون التي أفرخت" (عب 9 :
4) . ولوحا الشريعة ( رمزا لكلمة الله المتجسد).
15-
وهكذا تشبه العذراء
أيضا بقسط المن:
لأن المن كان رمزا
للسيد المسيح باعتباره الخبز الحي الذي نزل من السماء ، كل من يأكله
يحيا به أو هو أيضا خبز الحياة (يو 6 : 32, 48, 49) ومادام السيد
المسيح يشبه بالمن فيمكن إذن تشبيه العذراء بقسط المن الذي حمل هذا
الخبز السماوي داخله.
16-
وتشبه العذراء أيضا
بعصا هرون التي أفرخي:
أي أزهرت وحملت براعم الحياة بمعجزة ( عد 17 : 6-8) مع ان العصا أصلا
لا حياة فيها يمكن أن تفرخ زهرا وثمرا. وذلك يرمز لبتولية العذراء التي
ما كان ممكنا أن تفرخ نسلا إنما ولدت بمعجزة . ورد هذا الوصف في
إبصالية الأحد.
17-
خيمة الإجتماع ( قبة
موسي):
خيمة الإجتماع كان يحل
فيها الرب والعذراء حل فيها لرب وفي الأمرين أظهر الله محبته لشعبه
وهكذا نقول في الأبصلمودية "القبة التي صنعها موسي علي جبل سيناء ،
شبهوك بها يا مريم العذراء ... التي الله داخلها".
18-
وتشبه العذراء
بالباب الذي في المشرق:
ذلك الذي رآه حزقيال النبي وقال عنه الرب "هذا الباب يكون مغلقا لا
يفتح ولا يدخل منه إنسان . لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقا"
حز 44 : 1- 2) وهذا الباب الذي في المشرق رأي عنده النبي مجد الرب وقد
ملأ النبي ( حز43 : 2- 5) .
وهذا يرمز إلي بتولية العذراء التي كانت من بلاد المشرق . وكيف أن هذه
البتولية ظلت مختومة.
19-
باب الحياة – باب
الخلاص:
السيدة العذراء قيل عنها في سفر حزقيال إنها الباب الذي دخل منه رب
المجد وخرج (حز44 : 2).
فإذا كان الرب هو الحياة تكون هي باب الحياة . وقد قال الرب "أنا هو
القيامة والحياة" ( يو11 : 25) لذلك تكون العذراء هي باب الحياة الباب
الذي خرج منه الرب مانحا حياة لكل المؤمنين به.
وإذا كان الرب هو الخلاص، إذ جاء خلاصا للعالم يخلص ما قد هلك ( لو19 :
10) حينئذ تكون العذراء هي باب الخلاص
وليس غريبا أن تلقب العذراء بالباب وقال أبونا يعقوب عن بيت إيل "ما
أرهب هذا المكان. ما هذا إلا بيت الله وهذا باب السماء" ( تك 28: 17).
20-
شبهت أيضا بقدس
الأقداس:
هذا لأنه كان يدخل رئيس الكهنة مرة واحدة كل سنة ليصنع تكفيرا عن الشعب
كله ومريم العذراء حل داخلها رب المجد مرة واحدة لأجل فداء العالم كله.
كان الإتضاع شرطا أساسيا لمن يولد منها رب المجد.
كان لابد أن يولد من إنسانة متضعة تستطيع أن تحتمل مجد التجسد الإلهي منها ... مجد حلول الروح فيها ومجد ميلاد الرب منها ... مجد جميع الأجيال التي تطوبها وإتضاع أليصابات أمامها قائلة "من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي" ( لو 1 : 48 ، 43) كما تحتمل كل ظهورات الملائكة وسجود المجوس أمام ابنها والمعجزات الكثيرة التي حدثت من ابنها في أرض مصر بل نور هذا الابن في حضنها.
لذلك كان "ملء الزمان"(غل 4 : 4) ينتظر هذه الإنسانة التي يولد ابن الله منها.
وقد ظهر الإتضاع في حياتها كما سنري :
-
بشرها الملاك بأنها
ستصير أماً للرب ولكنها قالت "هوذا أنا أمة الرب" (لو 1 : 38) أي عبدته
وجاريته والمجد العظيم الذي أعطي لها لم ينقص إطلاقا من تواضعها.
بل إنه من أجل هذا التواضع منحها الله هذا المجد إذ "نظر إلي إتضاع
أمته" فصنع بها عجائب (لو 1 : 48 – 49).
- وظهر إتضاع العذراء أيضا في ذهابها إلي أليصابات لكيما تخدمها في فترة حبلها فما أن سمعت أنها حبلي وهي في الشهر السادس حتي سافرت إليها في رحلة شاقة عبر الجبال وبقيت عندها ثلاثة أشهر حتي تمت أيامها لتلد (لو 1 : 39- 56) فعلت ذلك وهي حبلي برب المجد
- ومن إتضاعها عدم الحديث عن أمجاد التجسد الإلهي.
عاشت قديسة طاهرة في الهيكل ... ثم جاء وقت قيل لها فيه أن تخرج من لهيكل فلم تحتج ولم تعترض مثلما تفعل كثير من النساء اللائي يمنعهن القانون الكنسي من دخول الكنيسة في أوقات معينة فيتذمرون ويجادلن كثيرا في احتجاج.
وكانت تعيش بلا زواج فأمروها أن تعيش في كنف رجل حسبما تقتضي التقاليد في أيامها.
فلم تحتج وقبلت المعيشة في كنف رجل مثلما قبلت الخروج من الهيكل ..
كانت تحيا حياة التسليم لا تعترض ولا تقاوم ولا تحتج . بل تسلم لمشيئة الله في هدوء بدون جدال.
كانت قد صممت علي حياة البتولية ولم تفكر إطلاقا في يوم من الأيام أن تصير أما ولما أراد الله أن تكون أما بحلول الروح القدس عليها (لو 1 : 35) لم تجادل بل أجابت بعبارتها الخالدة "هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك" لذلك وهبها الله الأمومة واستبقي لها البتولية أيضا وصارت أما الأمر الذي لم تفكر فيه إطلاقا ... بالتسليم صارت أما للرب ... بل أعظم الأمهات قدرا.
وأمرت أن تهرب إلي مصر فهربت .
وأمرت أن ترجع إلي مصر فرجعت وأمرت أن تنقل موطنها من بيت لحم وتسكن الناصرة فانتقلت وسكنت.
كانت إنسانة هادئة تحيا حياة التسليم بلا جدال لذلك فإن القدير صنع بها عجائب ... إذ نظر إلي اتضاع أمته.
تيتمت من والديها الإثنين وهي في الثامنة من عمرها وتحملت حياة اليتم وعاشت في الهيكل وهي طفلة واحتملت حياة الوحدة فيها وخرجت من الهيكل لتحيا في كنف نجار واحتملت حياة الفقر . ولما ولدت ابنها الوحيد لم يكن لها موضع في البيت فأضجعته في مزود (لو 1: 7) واحتملت ذلك أيضا ... واحتملت المسئولية وهي صغيرة السن واحتملت المجد الذي أحاط بها دون أن تتعبها أفكار العظمة.
لم يكن ممكنا أن تصرح بأنها ولدت وهي عذراء فصمتت واحتملت ذلك.
احتملت السفر الشاق إلي مصر ذهابا وإيابا . واحتملت طردهم لها هناك من مدينة إلي أخري بسبب سقوط الأصنام أمام المسيح (أش 19: 1) احتملت الغربة والفقر . احتملت أن "يجوز في نفسها سيف" (لو 2: 35) بسبب ما لاقاه إبنها من اضطهادات واهانات وأخيرا ألام وعار الصلب.
لم تكتنف العذراء - سلبيا بالاحتمال - بل عاشت في الفرح بالرب .
كما قالت في تسبحتها "تبتهج روحي بالله مخلصي" (لو 1: 47)
في كل ما إحتملته لم تتذمر اطلاقا وفي تهديد ابنها بالقتل من هيرودس وفي الهروب إلي مصر وفي ما لاقاه من إضطهاد اليهود لم تقل وأين البشارة بأنه يجلس علي كرسي داود أبيه يملك ... ولا يكون لملكه نهاية (لو 1 : 32 ، 33) بل صبرت كما قالت عنها أليصابات "أمنت بأن يتم ما قيل لها من قبل الرب" (لو 1 : 45) .
أمنت بأنها ستلد وهي عذراء وتحقق لها ذلك.
وأمنت بأن "القدوس المولود منها هو ابن الله" (لو 1 : 35) علي الرغم من ميلاده في مزود وتحقق لها ما أمنت به عن طريق ما رأته من رؤي ومن ملائكة ومن معجزات تمت علي يديه ، أمنت بكل هذا علي الرغم من كل ما تعرض له من إضطهادات ...
أمنت به وهو مصلوب . فرأته بعد أن قام من الأموات (مت28).
كان من تدبير الله أن تتيتم العذراء وأن تعيش في الهيكل.
وفي الهيكل تعلمت حياة الوحدة والصمت وأن تنشغل بالصلاة والتأمل وإذ فقدت محبة وحنان والديها إنشغلت بمحبة الله وحده.
وهكذا عكفت علي الصلاة والتسبحة وقراءة الكتاب المقدس وحفظ الكثير من أياته وحفظ المزامير ولعل تسبحتها في بيت أليصابات دليل واضح علي ذلك فغالبية كلماتها مأخوذة من المزامير وآيات الكتاب.
وصار الصمت من مميزاتها فعلي الرغم من أنها في أحداث الميلاد : رأت أشياء عجيبة ربما تفوق احتمال سنها كفتاة صغيرة وما أحاط بها من معجزات ومن أقوال الملائكة والرعاة والمجوس ... فلم تتحدث مفتخرة بأمجاد الميلاد بل " كانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها" (لو 2 : 19).
إن العذراء الصامتة المتأملة ، درس لنا :
فليتنا مثلها : نتأمل كثيرا ، ونتحدث قليلا.
علي أني أري أنه لما حان الوقت أن تتكلم صارت مصدرا للتقليد الكنسي في بعض الأخبار التي عرفها منها الرسل وكاتبوا الأناجيل: عن المعجزات والأخبار أثناء الهروب في مصر وعن حديث المسيح وسط المعلمين في الهيكل وهو صغير ( لو 3 : 46 – 47).
لقد اختار الرب هذه الفتاة الفقيرة اليتيمة لتكون أعظم إمرأة في الوجود وكانت تملك في فضائلها ما هو أعظم من الغني.
من فضائلها أيضا قداستها الشخصية ، وعفتها وبتوليتها ،و معرفتها الروحية ، وخدمتها للأخرين وأمومتها اروحية للأباء الرسل .
ويعوزنا الوقت أن تحدث عن كل فضائلها ...
ما أكثر التطويبات التي أعطيت للعذراء
وردت في ألحان الكنيسة وفي التسبحة ،في التذاكيات والمدائح وفي الذكصولوجيات في كل يوم من أيام أعيادها وفي الإبصلمودية الكيهكية وفي تراتيل الكنيسة وفي الإبصلمودية .
وتذكرها الكنيسة في مجمع القديسين قبل رؤساء الملائكة وهكذا في كل تشفعاتها والكنيسة في تطويب السيدة العذراء إنما تحقق النبوة التي قالتها في تسبحتها :
" هوذا منذ الأن جميع الأجيال تطوبني" (لو 1 : 48)
والكنيسة تقدم لها البخور وتقدم لها السلام وما أكثر التسابيح التي تبدأ بعبارة "السلام لمريم" ( شيري ني ماريا) أو التسابيح التي تبدأ بعبارة "إفرحي يا مريم " أو التسبحة التي يحرك فيها داود النبي الأوتار العشرة في قيثارته وفي كل وتر يذكر تطويبا لها.
نذكرها في الأجبية وفي القداس وفي كل كتب الكنيسة :
في السنكسار وفي الدفنار وفي القطمارس وفي الإبصلمودية وفي كتب المردات والألحان ... في صلوات الأجبية نذكرها في القطعة الثالثةفي كل ساعة من ساعات النهار متشفعين بها ونذكرها في قانون الإيمان ، إذ نقول في مقدمته "نعظمك يا أم النور الحقيقي ونمجدك أيتها العذراء القديسة والدة الإله"
نذكرها في صلاة البركة ، أولها وأخرها:
فنبدأ البركة "بالصلوات والتضرعات والإبتهالات التي ترفعها عنا كل والدة الإله القديسة الطاهرة مريم". وبعد أن نذكر أسماء الملائكة والرسل والأنبياء والشهداء وجميع القديسين نختم بها البركة فنقول "وبركة السيدة العذراء أولا وأخيرا"
هناك فرق بين صور للتأمل وأيقونة للطقس
ففي الأيقونات لابد تظهر مع المسيح باعتبارها والدة الإله.
وتكون عن يمينه إذ قيل في المزمور "قامت الملكة عن يمينك أيها الملك" (مز 45 : 9).
ولأنها ملكة علي رأسها تاج وكذلك المسيح .
وكقديسة يكون حول رأسها هالة من نور إذ قال الرب "أنتم نور العالم" (مت 5 : 14).
ولأنها السماء الثانية يوجد حولها نجوم وملائكة وسحاب .
إشفعي فينا أيتها العذراء القديسة ، ليشملنا الرب برحمته.