الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى

مقدمة : خطورة إستخدام الآية الواحدة

الفصل الثاني : أهمية الأعمال في موضوع الخلاص

الفصل الثالث : الجهاد والنعمة

الإثباثات الثمانية

الفصل الأول : لا خلاص إلا بدم المسيح

الأعمال الشريرة تؤدي إلي الهلاك

الفصل الرابع : الثقة وضمان الملكوت

الإعتراضات العشرة والرد عليها

شروط إستحقاق الدم :

الدينونة ... حسب الأعمال .

ماهى حدود الرجاء فى مراحم الله.

متى نصل إلى الخلاص

الإيمان .

الأعمال ثمار لازمة للإيمان .

شروط الثقة كما يشرحها يوحنا الرسول

الفصل السادس : إجابة الأسئلة

المعمودية .

الأعمال برهان على الولادة من الله

الثقة واليقين فى رسائل بولس الرسول

الإختبار

الأسرار اللازمة .

أهمية السلوك والأعمال الصالحة

الفصل الخامس : هل يمكن أن يهلك المؤمن

جهاد اللص

الأعمال الصالحة .

   

كيف خلصوا بدون عماد

هذا الكتاب هو ثمرة محاضرتين ألقاهما نيافة الأنبا شنوده ( البابا شنوده الثالث ) فى مؤتمر خدام الوجه البحرى المنعقد فى بنها خلال شهرى مارس وأبريل سنة 1967 . حينما كان أسقفا للتعليم

وقد طبع فى يونيو 1967 . وطلب القراء اعادة طبعه للمرة الثالثة فى نوفمبر 198. .

وكان قداسة البابا يريد تأجيل طبع هذا الكتاب ، ريثما يعدله ليناسب ما ظهر من أفكار خلال هذه السنوات ، ولكن بناء على الحاح الجماهير ، سمح باعادة طبعه كما هو ، على أن يكون مجرد الجزء الأول من مجموعة كتب يصدرها ، ويرد على المفاهيم المخالفة له .

فالى اللقاء مع كتب أخرى لشرح هذا الموضوع ... مع الاجابة عن أسئلة الناس والرد على ما يثار من أفكار وشكوك .

قال نيافته فى مقدمة الكتاب سنة 1967 :

هذا البحث الذى كتبه نيافة الأنبا شنوده أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية ، بحث يمتاز بالوضوح والدقة والشمول ، فى موضوع من أهم الموضوعات التى تشغل أذهان المؤمنين فى كل العصور ، لأنه يتصل بقضية ( الخلاص ) وهى غاية الايمان ، وتاحج الرجاء المسيحى ..

فيه ترى التعليم الأرثوذكسى القويم ، مؤيدا بمنطق سليم واستخدام صحيح للنصوص المقدسة ، كاشفا الأغاليط ....

إننى أشهد أن هذا الكتاب القيم أمكن أن يعالج موضوع ( الخلاص ) لأول مرة معالجة وافية ، تكفي لن تعطي صورة مشرفة صادقة لتعليم كنيستنا الأرثوذكسية في مشكلة الخلاص .

غريغوريوس

بنعمة الله اسقف عام

للدراسات العليا متوسط الثقافة القبطية متوسط البحث العلمي

فى موضوع الخلاص أيها الاخوة – كما فى أى موضوع آخر – احترسوا جدا من خطورة استخدام آية واحدة من الكتاب المقدس .

ان الكتاب المقدس ليس هو مجرد آية أو آيات ، وانما هو روح معينة تتمشى فى الكتاب كله .

الشخص الجاهل يضع أمامه آية واحدة ، أو أجزاء من آية ، فاصلا اياها عن ظروفها وملابساتها وعن المعنى العام كله ، أما الباحث الحكيم ، الذى يتوخى الحق فانه يجمع كل النصوص التى تتعلق بموضوع بحثه ، ويرى على أى شئ تدل ..

وفى موضوع الخلاص ، ترى أمثلة من خطورة الآية الواحدة :

هذه الآية يتخذها البعض برهانا على الخلاص بالايمان فقط !! لأن فيها يقول بولس الرسول لسجان :فيلبى : ( آمن .. فتخلص .. ) ( أع 16 : 31 ) وينسى الذين يستخدمون هذه الآية عدة أمور هى : لمن قيلت ؟ .. وتكلمت الآية ؟ .. وماذا حدث بعدها ؟ .. والآيات الأخرى المتعلقة بالموضوع .

أولا : قيلت هذه الآية لرجل أممى ، غير مؤمن ، مهما فغل من أعمال صالحة فلن تجديه شيئا بدون الايمان بالمسيح !!

لذلك كان لابد من لرشاده الى الخطوة الأولى التى بدونها لا يمكن أن ينال شيئا من الخلاص . فاذا خطا هذه الخطوة ، يمكن ارشاده الى ما يتلوها من خطوات ... لم يكن مناسبا أن يكلم الرسولان هذا السجان عن أهمية الأعمال الصالحة ، لأنها بالنسبة اليه لا يمكنأن تفيده وهو غير مؤمن ... والوضع السليم أن يتدرجا معه خطوة خطوة ، حتى يصل .

2 – والخطوة الأولى تستخدم أحيانا فى الكتاب المقدس للدلالة على العمل كله الذى يبدأ بتلك الخطوة .

مثال ذلك قول سمعان الشيخ عندما حمل المسيح الطفل بين ذراعيه : ( الآن يارب تطلق عبدك حسب قولك بسلام ، لأن عينى قد أبصرتا خلاصك ... ) ( لو 2 : 28 –31 ) بينما أن سمعان الشيخ لم يبصر خلاص الرب الذى لم يتم الا بدم المسيح على الصليب عندما دفع الرب ثمن الخطيئة بموته عنا !! ولكن سمعان أبصر فقط تجسد الرب وميلاده . ولما كان تجسد الرب هو الخطوة التنفيذية الأولى التى تؤدى الى الخلاص ، لذلك قال سمعان الشيخ فى ثقة : ( لأن عينى قد ابصرتا خلاصك .. )

وبهذا الأسلوب تقريبا ، تتحدث بولس وسيلا مع سجان فيلبى ليس عن أن ايمانه فقط هو الذى سيخلصه ويخلص أهل بيته ، وانما على أنه الخطوة الأولى التى تؤدى الى خلاص البيت ..

3 – وأكبر دليل على أن المقصود بهذا الخلاص هو الخطوة الأولى المؤدية اليه ، هو قول الرسول لهذا السجان : ( فتخلص أنت وأهل بيتك ) .

اذ كيف يمكن أن يخلص أهل بيته بمجرد ايمانه ؟! . هل ايمان انسان يخلص شخصا آخر ؟! ولكن الوضع السليم هو ان ايمان هذا الشخص هو مجرد الخطوة الأولى التى ستقوده الى الخلاص عندما يعتمد باسم يسوع المسيح ، وأيضا سيقنع اسرته بالايمان ويكون فاتحة خير للأسرة ، وهكذا يخلص هو وأهل بيته ...

4- ولذلك نرى أن هذه الآية كان لها تكملة ،

اذ يقول الكتاب أن بولس وسيلا ( كلماه وجميع من فى بيته بكلمة الرب ... واعتمد فى الحال هو والذين له أجمعون )

5- ونحن اذا أخذنا هذه الآية : ( آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك )

انما يجب أن نضع الى جوارها آيات أخرى لنكمل فهم الموضوع ، وسأذكر لكم مثالا بسيطا له دلالته القوية :

تقدم شاب الى السيد المسيح ليسأله : ( أى صلاح أعمل لتكون لى الحياة الأبدية ؟ ) ( مت 19 : 16 ) فلم يقل له السيد المسيح : ( آمن فتخلص ) وانما قال له : ان اردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا )

هلى نجرؤ نحن ونقول أن مجرد حفظ الوصايا كاف للخلاص ، بدون ايمان ، وبدون معمودية ، وبدون أسرار ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ كلا اننا لا يمكن أن نخطئ الى انفسنا ولا الى الناس ولا الى الايمان ذاته باستخدام الآية الواحدة ...

فى هذا المثال أيضا نجد أن الشاب عندما قال عن الوصايا : ( هذه حفظتها منذ حداثتى ، فماذا يعوزنى بعد ؟ ) حينئذ قال له ربنا يسوع ( ان أردت أن تكون كاملا ، فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى ) هنا أيضا لم يحدثه السيد المسيح عن الايمان . ولا عن النعمة ... فهل نستخدم هذا المثال لنقلل من قيمة الايمان ، اذ لم يرد له ذكر فى حديث الرب عن نوال الحياة الأبدية ؟‍‍‍‍!

كلا ، حاشا لنا أن نفعل هذا ونستخدم الآية الواحدة ، فلكل مجال الكلام اللائق به وفى هذا المثال كلم الرب الشاب الغنى بما يناسب حالته وبما يعالج أمراضه الداخلية الأصلية ...

نتناول آية أخرى من التى يستخدمها البروتستانت ومن يجرى فى مجراهم ...

يأتيك انسان من الذين يهتمون بالآية الواحدة ، ويقول لك : هوذا أمامك آية صريحة تقول ان تبررنا بالايمان ، فلا داعى لأن تجادل أو تفتح فمك ! هل تنكر الآية أو تعارض كلام الله ! ...

لا يا أخى ، نحن لا ننكر الآية ، ولا نعارض كلام الله . ولكننا نضع الى جوار هذه الآية أخرى

من نفس رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ، ونرى ماذا يمكن أن نفهمه من الآية . يقول الرسول : ( لأن الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله ، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون ) ( رو 2 : 13 )

هنا كلام عن تبرير من يعمل بالناموس ، هل نسمح لأنفسنا أن نخطئ ونستخدم الآية الواحدة ، ونقول أن الأعمال وحدها هى التى تخلص

معتمدين على قول الرسول : ( بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون ) ؟! كلا ، بل نحن نضع الآيتين معا ( رو 2 : 13 ) ، ( رو 5 : 1 ) . ونخرج بتعليم صحيح يتفق مع كلام الله ، وهو أن عمل الايمان فى التبرير لا ينكر أهمية الأعمال ، ولزوم الآعمال لتبرير لا ينكر قيمة الايمان ...

هذه الآية التى تقول ( اذ قد تبررنا بالايمان ) نضع الى جوارها آية أخرى هى ( ترون اذن أنه بالأعمال يتبرر الانسان ، لا بالايمان وحده ( كذلك راحاب الزانية أيضا ، أما تبررت بالأعمال ، اذ قبلت الرسل وأخرجهم فى طريق آخر ) ( يع 2 : 24 ، 25 ) .

نأخذ آية أخرى :

فهل تعنى هذه الآية أن الله يبرر الفاجر إذا ثبت في فجوره دون عمل التوبة ؟‍‍! حاشا . إذن لكى نفهم هذه الآية فلنضع أمامها آيات أخرى توضحها . ولنبدأ بآية من نفس الرسالة إلي رومية حيث يقول الرسول ( 1 : 18 ) ( لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وأثمهم )

تضيف إليها آية أخرى من الرسالة الثانية لبطرس الرسول : ( واذ رمد مدينتى سدوم وعمورة ،

حكم عليهما بالانقلاب ، واضعا عبرة للعتيدين أن يفجروا ) ( 2 بط 2 : 6 ) وهكذا أظهر لنا الرسول أن الفاجر يشترك فى مصير سدوم وعمورة .

وهذا أيضا يشرحه معلمنا يهوذا الرسول اذ يقول : وتنبأ عن هؤلاء أيضا أخنوخ السابع من آدم ) قائلا : ( هوذا قد جاء الرب فى ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع ، ويعاقب جميع فجورهم ، على جميع أعمال فجورهم التى فجروا بها ) ( يه 14 ، 15 ) .

لا يمكن أن نفهم اذن من الآية التى قالها بولس الرسول أنه يكفى للفاجر أن يؤمن فقط لكى يخلص ، بقائه فى فجوره . فان بولس نفسه أنذرنا فى صراحة تامة قائلا : ( لاتضلوا . لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا فاسقون ، ولا مأبونون ، ولا مضاجعو ذكور .. يرثون ملكوت الله ) ( 1كو 6 : 9 ، 1. ) .

أما عبارة ( لا يعمل ) فلعل المقصود بها هنا أعمال الناموس الطقسية ، كالختان بالذات كما يظهر من باقى النص ( رو 5 : 6 – 12 )

لا يصح مطلقا أيها الأحباء أن نسير بطريقة الآية الواحدة ، فهى طريقة خاطئة وخطر وغير أرثوذكسية .

أن أتاك أحد فى يوم من الأيام بآية من الآيات ، مهما كانت صريحة وواضحة ، فقل له : أنا لا تنفعنى الآية الواحدة ( لنضع أمامنا جميع النصوص الت تتعلق بهذا الموضوع ، ثم نتفاهم معا ( احترسوا من أن تخدعكم الآية الواحدة ، فربما لها مناسبة معينة ، وربما لها تكملة ، وهذه التكملة هى التى توضح معناها ( وسأضرب لكم لذلك بعض الآمثلة :

يقول بولس الرسول فى رسالته الى افسس ( 2 : 9 ) :

( لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالايمان . وذلك ليس منكم ، هو عطية الله . ليس من أعمال كى يفتخر أحد )

هذه آية تبدو صريحة ولكن تمهل قليلا واقرأ الآية التى بعدها مباشرة ( أفسس 2 : 1. ) ، يقول : ( لأننا نحن عمله مخلوقين فى المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعده لكى نسلك فيه ) اذن لا يليلق أن نخطف آية ونجرى قائلين فى خفة : ان الموضوع قد انتهى

لنأخذ مثالا آخر . يقول بولس الرسول :

(فان كان بالنعمة ، فليس بعد الأعمال ، والا فليست النعمة بعد نعمة ( رو 11 : 6 )

ما أجمل أن نتروى قليلا ، ونتابع ما يقوله الرسول فى نفس الاصحاح ، حيث يستطرد : ( ... أنت بايمان ( لا تستكبر بل خف ( لأنه ان كان الله لا يشفق على الأغصان الطبيعية ، فلعله لا يشفق علينا أيضا . فهوذا لطف الله وصرامته ، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا . وأما اللطف فلك ، ان ثبت فى اللطف ، والا فانت أيضا ستقطع ) . ( رو 11 : 1. – 22 )

ما مهنى هذا الكلام ؟ .. معناه أنك نلت خلاصا بدم المسيح . ولكن جب أن تثبت فيه ، والا فانك ستفقده اذا لم تعمل أعمالا تليق بالتوبة . لأن الغصن الذى يقطع من الشجرة يهلك ويموت

مثال آخر ؟ يقول بولس الرسول :

فاين الافتخار ؟ ..قد انتفى ، بأى نامموس ، ابناموس الأعمال ؟ .. كلا ، بل بناموس الايمان . اننا نحسب ان الانسان يتبرر بالايمان دون أعمال الناموس ) ( رو 3 : 27 ، 28 ) .

ان قرأنا آية مثل هذه ، فلا يصح أن نتسرع ، بل نتابع القراءة لنرى ماذا يقول الرسول بعدها .. انه يستطرد قائلا بعد هذه الآية مباشرة : ( أفنبطل الناموس بالايمان حاشا ، بل نثبت الناموس )( رو 3 : 31 )

مثال آخر ، يقول بولس الرسول :

( ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه، لا بأعمال فى بر عملناها نحن ، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ... ) ( تى 3 : 4 –6 )

لاحظوا أن هذه الآية بالذات تتحدث عن الخلاص بالمعمودية وعمل الروح القدس . أما من جهة الأعمال ، فاننا اذا . أكملنا ما يقوله الرسول نجده يستطرد مباشرة ( صادقة هى الكلمة ، وأريد أن تقرر هذه الأمور لكى يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالا حسنة . فان هذه الأمور هى الحسنة والنافعة للناس )( تى 3 : 8 ) .

اننى أيها الاخوة الأحباء لست فى المقدمة أناقش الايمان والأعمال ، فموعده فى هذه المحاضرة لم يأت بعد . انما أريد فقط أن أوجه الاهتمام الى هذه القاعدة وحدها وهى خطورة استخدام الآية الواحدة .

ونحن أنفسنا ، لا نسمح لذواتنا بتاتا أن نستخدم هذه الطريقة الخطرة الضارة .

فمثلا إن وجدنا يوحنا الرسول يقول :

*( إن علمتم أنه بار هو ، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه ) ( 1 يو 2 : 29 ) .

إن قرأنا مثل هذه الآية وحدها ، وانما مع هذه الآية نذكر الإيمان والمعمودية وأسرار الكنيسة التى لم تتضمنها الآية مطلقا من حيث اللفظ .

وبالمثل أيضا إذا قرأنا ليوحنا الرسول قوله :

*( نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة ، لأننا نحب الاخوة ) ( 1يو 3 : 14 )

فلا يمكن أن نتخذ هذه الآية دليلا على أن المحبة وحدها كافية لتخليص الانسان ، ونقله من الموت إلى الحياة ‍‍!! .

وكذلك بنفس الأسلوب لا يمكن أن نستعمل الآية التى تقول :

*( الله محبة . ومن يثبت فى المحبة يثبت فى الله والله فيه ) ( 1 يو 4 : 16 ) .

وبنفس الأسلوب لا يمكن أن نستغل أية آية من الآيات التى تتحدث عن الأعمال وأهميتها ، مثل قول السيد المسيح للشاب الغنى :

*( إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا ) ( مت 19 : 17 ) .

هل مجرد حفظ الوصايا وحده يكفى ، بدون إيمان وبدون معمودية ؟! ، بلا شك . أما الآية فتفهم آخر يتفق مع الملابسات التى أحاطت بها .

وهكذا أيها الأحباء ، علينا أن نتذكر باستمرار – فى تعرفنا على الايمان السليم – تلك الآية الجميلة التى تقول :

* ( لا الحرف بل الروح . لأن الحرف يقتل ، ولكن الروح يحيى ) ( 2 كو 3 : 6 )

فلنبحث اذن عن مفهوم الخلاص مقتادين بروح الكتاب ، لا بحرفه ، محاولين أن نجمع فى صعيد واحد النصوص المتعددة التى تتناول الموضوع . لنطرق موضوعنا من جميع نواحيه لا من زواية واحدة فقط ، ولا من ملابسة معينة فقط .

ونصيحتى لكم أن تبعدوا عن قراءة الكتب الغربية ، التى تبعدكم عن الايمان السليم . ونصيحتى أيضا أن تبحثوا الموضوع فى تواضع كثير ، لأن الاعتداد بالذات ، فى الأمور اللاهوتية ، قاد كثيرين الى الهرطقة .

بعد هذه المقدمة الوجيزة نتحدث عن الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى ووسائطه .

لا إيمان ولا أعمال بدون هذا الدم . ان الإيمان هو إيمان بدم المسيح ، والأعمال هى أعمال مؤسسة على استحقاقات دم المسيح . وكما يقول الرسول بولس : ( بدون سفك دم لا تحدث مغفرة )

( عب 9 : 22 ) .

فما هو اذن مركز دم المسيح فى قضية الخلاص ؟ وما هو مركز الايمان ؟ .. وما هو مركز الأعمال ؟

لا يوجد خلاص الا بدم المسيح ، جميع الأعمال الصالحة مهما سمت ، مهما علت ، مهما كملت ، لا يمكن أن تخلص الانسان بدون دم المسيح .

لذلك فان الأبرار الذين أرضوا الرب بأعمالهم الصالحة فى العهد القديم ، انتظروا هم أيضا فى الجحيم الى أن أخرجهم منه السيد المسيح بعد صلبه .

ان الأعمال الصالحة وحدها لا يمكن أن تخلص الانسان بدون الايمان بدم المسيح والا كان الوثنيون ذوو الأعمال الصالحة يخلصون بأعمالهم ‍‍!! حاشا .

وكقاعدة عامة أقولها لكم :

جميع الآيات التى وردت فى الكتاب المقدس تهاجم الأعمال ، هى عن الأعمال وحدها بدون دم المسيح ، أو عن أعمال الناموس ( الخاصة بشريعة العهد القديم )

لذلك عندما يقول الرسول : ( لا بأعمال فى بر عملناها ) ( تى 3 : 5) ، أو عندما يقول : ( ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد ) ( أف 2 : 9 ) انما يقصد الأعمال وحدها بدون دم المسيح . وهكذا ان وجد انسان يعمل أعمالا صالحة ، وهو غير مؤمن ، فان بر الناموس هذا لا يفيده شيئاً وأعماله الصالحة وحدها لا تخلصه بدون الايمان .

مثل هذا الشخص غير المؤمن ، تقول له : ان أعمالك كلها لا تكفئ آمن بالرب يسوع فتخلص .

هناك فرق جوهرى أساى بين الكلام الذى يقال للمؤمن ، والكلام الذى يقال لغير المؤمن . فى حديثك مع غير المؤمن ، يجب أن تحطم جميع الأعمال، كلها بدون دم المسيح لا تفيد شيئا ، مثل هذا تقول له : أن أعمالك لا تخلصك ... الذى يخلصك هو دم المسيح . ان دم المسيح هونقطة البدء فى موضوع الخلاص .

ولكن بعد أن يؤمن ، ينبغى أن تحدثه عن الأعمال الصالحة التى تليق بايمانه ، لأن الايمان بدون أعمال ميت . ( يع 2 : 2. )

لماذا لا يكون الخلاص الا بدم المسيح ؟ ..

الخطية هى عصيان لله ، وتعد على حقوقه ، وعدم محبة له ...

والله غير محدود ، اذن فالخطية غير محدودة لأنها موجهة ضد الله غير المحدود .

ومهما عمل الانسان فان أعماله محدودة ، لذلك لا تغفر الخطية الا كفارة غير محدودة ..

ولا يوجد غير محدود الا الله . لذلك لم يكن هناك حل لمغفرة الخطية سوى أن يتجسد الله ذاته ويموت . ويكون موته كفارة غير محدودة ، توفى عدل الله غير المحدود ، فى الاقتصاص من الخطية غير المحدودة . الموجهة ضد الله غير المحدود .

هذا الكلام ينطبق على خطيئة آدم كما ينطبق على خطية أى انسان ، لأن الخطية هى الخطية ، وعدل الله هو هو ، وعقاب الخطية تفتقدنا ، وقد افتقدنا فملا وخلصتنا بدم المسيح الذى به وحده الخلاص .

3-من أجل هذا قال معلمنا بولس الرسول : ( متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح ، الذى قدمه الله كفارة بالايمان بدمه لاظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السابقة ) ( رو 3 : 25 ) . وقال أيضا : ( الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة ، لا بمقتضى أعمالنا ، بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا ) ( 2 تى 1 : 9 )

وقال أيضا : ( لا بأعمال فى بر عملناها نحن ، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 4 ، 5 ) . وقال أيضا : ( لأنكم بالنعمة مخلصون ، بالايمان . وذلك ليس منكم ، هو عطية الله . ليس من أعمال كى لا يفتخر أحد ) ( أف 2 : 8 ) .

وقال أيضا : ( فان كان بالنعمة ، فليس بعد بالأعمال ، والا فليست النعمة بعد نعمة ) ( رو 11 : 6 )

اننا نورد هذه الآيات التى يستخدمها البروتستانت ، ولا نخبئها ، لأننا لا ننكر نعمة الله علينا ، ولا ننكر خلاص الله المجانى الذى أعطاه لنا ، ولا ننكر أننا كنا كلنا ( أمواتا بالذنوب والخطايا ( أف 2 : 1 ) .

ولولا دمه الأقدس لهلكنا جميعاً .

ولكننا نضع هذه الآيات فى موضعها الحقيقى ، ونعترف أننا خلصنا بدم المسيح .

4-ولكننا نقول أن دم المسيح شئ ، واستحقاق دم المسيح ش آخر . ان دم المسيح كاف لمغفرة خطايا العالم كله ، فهل حظى العالم كله بالغفران ؟!

لقد ( أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد ) ( يو 3 : 16 ) فهل خلص العالم كله بهذا البذل ، أم خلص فقط ( كل من يؤمن به ) ؟

اذن فدم المسيح موجود ، مستعد ، مستعد أن يخلص ، وكاف للخلاص ، ولكن للخلاص شروطا يجب ان تستوفى حتى يكون الخاطئ مستحقا لهذا الدم الذى به الخلاص .

وهكذا أيضا يقول يوحنا الحبيب فى رسالته الأولى عن المسيح أنه ( كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا ) ( 1 يو 2 : 2 ) كفارة المسيح اذن غير محدودة تكفى لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس فى جميع الأجيال ، فى الماضى وفى الحاضر وفى المستقبل .

ولكن مع وجود دم المسيح هناك أشخاص هلكوا ، وأشخاص يهلكون ، وأشخاص سيهلكون ! ذلك لأن استحقاقات دم المسيح لها شروط معينة .

أريد من جهة هذه الشروط أن أضع أماكم أربعة أمور جوهرية جداً وهى :

الايمان

المعمودية

الأسرار الكنسية اللازمة للخلاص

الأعمال الصالحة

1-شرط الإيمان :

والإيمان شرط أساسى لاستحقاق دم المسيح . وهكذا قال السيد المسيح عن نفسه : ( ... لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ) ( يو 3 : 16 ) .

وتظهر أهمية هذا الشرط لاستحقاق دم المسيح ، من قول الكتاب فى نفس الإصحاح من فم السيد المسيح نفسه :

( الذى يؤمن به لا يدان . والذى لا يؤمن قد دين ، لأنه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد )

( يو 3 : 18 )

ويظهر هذا الشرط أيضا من قول يوحنا الرسول فى خاتمة إنجيله : ( ... وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح هو ابن الله ،

ولكى تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه ) ( يو 2. : 31 ) . هناك شرط إذن وهو أن الخلاص يكون لكم إذا آمنتم .

وبهذا وعظ بولس الرسول فى أنطاكية قائلا : ( ... انه بهذا ينادى لكم بغفران الخطايا . وبهذا يتبرر كل من يؤمن ... ) ( أع 13 : 38 ، 39 ) .

وقد وضح ربنا يسوع المسيح أنه بدون شرط الإيمان هذا لا يمكن أن يكون خلاص بقوله لليهود :

( إن لم تؤمنوا إني أنا هو تموتون فى خطاياكم ) ( يو 8 : 24 ) .

ما أخطر هذه العبارة ( تموتون فى خطاياكم ) ‍ ! دم المسيح موجود ، قادر أن يخلص . ولكنه لا يمكن أن يخلصك بدونك .

يجب أن تقدم شرط الإيمان ، لكى تخلص بدم المسيح . إنه الشرط الأول ، ولكنه ليس الشرط الوحيد . إنه الخطوة التى تؤهلك للمعمودية .

شرط الإيمان هذا ورد فى قول بولس وسيلا لحافظ السجن ( آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك ) ( أع 16 : 31 ) .

2 – ما هو الإيمان ؟ ..

إن كلمة الإيمان كلمة واسعة جداً جداً ، تدخل فيها أمور كثيرة . وإن كان بولس الرسول قد قال اننا ( قد تبررنا بالايمان ) ( رو 5 : 11 ) فماذا يقصد بهذا الايمان قد تبررنا به ؟

لذلك يضع بولس الرسول أمامنا سؤالا خطيراً جداً فى موضوع الايمان . اذ يقول ( جربوا أنفسكم ، هل أنتم فى الإيمان ؟ .. امتحنوا أنفسكم ) ( 2 كو 13 : 5 ) إذن لابد أن نختبر أنفسنا ونرى هل نحن حقا فى الإيمان أم لا . ما هو هذا الإيمان ؟ ..

إيمان حى ...

ان الايمان اللازم للخلاص لابد أن يكون ايمانا حياً . وهذا الأمر وضحه على أكمل وجه معلمنا يعقوب الرسول اذ قال : ( ان الايمان بدون أعمال ميت ) ( يع 2 : 2. ) وكرر هذا المعنى قائلا : ( لأنه كما أن الجسد بدون الروح ميت ، هكذا الايمان بدون أعمال ميت ) ( يع 2 : 26 ) .

ومثل هذا الايمان الميت ، أى الخالى من الأعمال ، لا يقدر أن يخلص أحدا . وهكذا يقول معلمنا يعقوب الرسول : ( ما المنفعة يا اخوتى إن قال أحد أن له إيمانا ولكن ليس له أعمال ؟! هل يقدر الإيمان أن يخلصه ؟! ) ( يع 2 : 14 )

حقا أن الرسول قد قال اننا قد تبررنا بالايمان . ولكن هذا الايمان له صفتان هامتان . ايمان حى وايمان عامل . وفى هاتين الصفتين كلتيهما نرى الأعمال الصالحة .

ولا نظن أحداً من البروتستانت – مهما أنكر الأعمال – يستطيع فى أمر الخلاص أن يعلم بالايمان غير العامل . فالرسول يقول : ( أن الشياطين يؤمنون ويقشعرون ) ( يع 2 : 19 ) .

فهل تقصد بالإيمان أيها الأخ ايمانا من نوع ايمان الشياطين الذين ليست لهم أعمال صالحة ، وانما هم يؤمنون ، ويقشعرون من هول شرورهم وفسادهم ؟!!

إن عبارة الحى العامل قد تتسع فى مداها حتى تشمل الحياة الروحية كلها

كيف يمكن أن تشمل الحياة الروحية كلها ؟ .. أميلوا آذانكم أيها الاخوة الأحباء إلى قول الرسول

الإيمان العامل بالمحبة ..

قال بولس الرسول : ( لأنه فى المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة بل الإيمان العامل بالمحبة ) ( غل 5 : 6 ) فماذا تعنى صفة ( العامل بالمحبة ) ما هى هذه المحبة ، وكيف تكون ؟

ان هذه المحبة شرحها بولس الرسول ، مستدلا عليها بجمهرة من الأعمال الصالحة ، اذ قال : ( المحبة تتأنى وترفق . المحبة لا تحسد . المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ ، ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ، ولا تحقد ، ولا تظن السوء ، ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق ، وتحتمل كل شئ ، وتصدق كل شئ ، وترجو كل شئ ، وتصبر على كل شئ ) ( 1 كو 13 : 4 – 7 )

فاذا كان الايمان هو هذا الايمان العامل بالمحبة ، فانه سيشمل ولا شك هذه هذه الصفات كلها ، وكلها أعمال . هنا تبدو المسيحية فى جوهرها ، أنها ليست مجرد آية ، وانما هى روح وحياة ( يو 6 : 63 ) حقاً كما قال الكتاب أن الحرف يقتل ولكن الروح يحيى ... الحرف يقول لك أن هناك شيئا اسمه الايمان . وأما الروح فيشرح لك كنه الايمان وانه يشمل الأعمال الصالحة كلها .

فهل اخوتنا المعارضون يقصدون الإيمان بهذا المعنى الواسع الذى يشمل الحياة الروحية كلها

الذى أشار اليه بولس الرسول فى الاصحاح الحادى عشر من الرسالة إلى العبرانيين عند حديثه عن رجال الإيمان ؟ .. أم هم يقصدون مجرد الإيمان خلوا من صفاته السابق ذكرها !؟ .

ان كان الأمر هكذا فلنتناقش ، لكى ما نرى هل يقدر هذا الايمان أن يخلصهم حسبما تعجب يعقوب الرسول .

3- الايمان والمحبة ...

ان الذين يقولون أن الإيمان وحده هو الذى يبرر الإنسان ، ويوقفون الإيمان كعنصر قائم بذاته بعيدا عن الأعمال ، هؤلاء لا أوقفهم أنا ، بل يوقفهم بولس الرسول أمام آية جبارة هى قوله : ( أن كان لى الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئا ) ( 1 كو 13 : 2 ) .. فهل تريدون إيمانا أكثر من هذا ؟ ...

وأنت أيها الأخ ، مهما ارتفعت فى الإيمان ، ما هى أقصى درجة ستصل اليها ؟ .. هل ستصل إلى كل الإيمان الذى ينقل الجبال ؟ ..

صدقنى ، حتى لو وصلت الى هذه الدرجة أيضا ، وليست لك محبة ، فلست شيئاً ! لا يستطيع هذا الإيمان أن يخلصك أنت ... ! .. إن كان بولس الرسول بكل إيمانه ليس شيئا بدون المحبة ، فكم بالأولى أنت .

لهذا فان الرسول وضع المحبة فى درجة أعظم من الإيمان . اذ قال : (أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة ، هذه الثلاثة وأعظمهن المحبة) ( 1كو 13 : 13 ) .

4 _ المؤمنون ، والمختارون :

قلنا إن الإيمان ينبغى أن يكون إيمانا حيا وإيمانا عاملا بالمحبة ولكن البعض يبالغ أحيانا فى تعريف كلمة المؤمنين ، حتى ترادف كلمة ( المختارين )

وهكذا ينادى أمثال هؤلاء بأن المؤمن لا يمكن أن يهلك ، وإذا سمعوا أو قرأوا عن مؤمن قد هلك يقولون أن هذا لم يكن مؤمنا حسب مفموهم الخاص !! لا شك أن المختارين لا يمكن أن يهلكوا . ولكن من قال أن المؤمنين هم المختارين ؟! .

إن الكتاب المقدس أعطانا معانى كثيرة لكلمة الإيمان : فذكر مرة : الشياطين يؤمنون ويقشعرون ( يع 2 : 19 ) . وقال بولس الرسول فى تعريفه للايمان أنه هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى ( عب 11 : 1 ) .

وقد شرح .لنا الكتاب أن هناك نوعا من الإيمان الميت .

ومع انه ميت إلا أن الرسول سماء إيمانا . كما أعطانا مثلا عن الإيمان الخالى من الأعمال الذى لا يقدر أن يخلص أحداً ، ألا أن الرسول سماء إيماناً

وقد ذكر الكتاب أن الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله ( رو 3 : 12 ) فهل الجميع لم يكونوا مؤمنين ، وقد خلت الأرض من الإيمان ؟! أم أن الله أطلق لقب الإيمان حتى على الذين يخطئون وهم مؤمنون .

أن أمثال هؤلاء الخطاة لم يحرمهم الرب من لقب المؤمنين .

فقد قال الرب على لسان أرميا النبى ( شعبى عمل شرين : تركونى أنا ينبوع المياه الحية ، لينقروا لأنفسهم آباراً ، آباراً مشققة لا تضبط ماءاً ... شعبى قد نسينى أياماً بلا عدد ) ( أر 2 : 13 ، 22 ) ومع كل هذا سماهم شعبه . كما قال على لسان أشعياء النبى : ( ربيت بنين ونشأتهم أما هم فعصوا على ) ( أش 1 : 2 ) فعلى الرغم من عصيانهم سماهم بنين . ويذكرنا هذا بما قاله عن الابن الضال ( ابنى هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد ) ( لو 15 : 24 ) .

فعلى الرغم من ضلاله وموته الروحى سماه ابنا .

وفىقول الرسول ( وان كان لى كل الإيمان حتى أنقل الجبال وليست لى محبة فلست شيئاً ) ( 1 كو 13 : 2 ) دليل آخر على اطلاق حالة الإيمان على الإنسان الخالى من المحبة الذى هو ليس شيئا ً .

بل ان الرب أطلق لقب المؤمنين على الذين يشبهون البذار التى سقطت على الصخر ولما نبتت جفت . فقال : ( والذين على الصخر هم الذين على الصخر ولما نبتت جفت . فقال : ( والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح وهؤلاء ليس لهم أصل ، فيؤمنون إلى حين ، وفى وقت التجربة يرتدون ) ( لو 8 : 6 ، 13 ) .

وطبعا هؤلاء المرتدين لا يمكن أن نسميهم مختارين مع أن السيد المسيح له المجد فيهم بأنهم كانوا مؤمنين إلى حين . ويشبه هؤلاء طبعاً الذين قال عنهم الرسول : ( ولكن الروح يقول صريحا أنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين ) ( 1تى 4 : 1 ) . وطبعا هؤلاء لا يمكن أن نسميهم مختارين مع انهم عاشوا فى الإيمان قبل أن يرتدوا .

لعله قد وضح الآن كثيرا بأن هناك فرقا بين الكلمتين . إن كل المختارين مؤمنون ولكن ليس كل المؤمنين مختارين ، إذ قد يرتد بعضهم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين .

على أن هذه النقطة أيها الأحباء لنا رجعة إليها بعد حين ،نتركها الآن قليلا لكى نتحدث عن الشرط الثانى للخلاص والمدخل الأساسى له وهو المعمودية .

تظهر أهمية المعمودية من قول السيد المسيح لنيقوديموس ( الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق ، لا يقدر أن يرى ملكوت الله ) ( يو 3 : 3 ) . وقد شرح معنى هذه الولادة ، فأجاب على سؤال نيقوديموس بقوله ( الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 )

وهذه آية صريحة تعنى أنه بدون المعمودية لا يقدر الإنسان أن يدخل الملكوت ، ولا يقدر أن يعاينه . وبهذا يكون الخلاص عن طريق المعمودية التى يمهد لها الإيمان .

وهكذا قال السيد المسيح فى صراحة ووضوح ( من آمن واعتمد خلص ) ( مر 16 : 16 ) وهكذا أيضا عندما أرسل تلاميذه لنشر ملكوته على الأرض قال لهم ( فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس ، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به )

( مت 28 : 19 ، 2. ) وهذه الآية تدل على أن الخلاص يلزمه الإيمان الذى يأتى بالتلمذة ، والمعمودية تدل على أن الخلاص يلزمه الإيمان الذى يأتى بالتلمذة ، والمعمودية التى هى الباب المباشر ، والأعمال الصالحة بحفظ الوصايا . فلو كانت المعمودية غير لازمة للخلاص ، لكان يكفى أن يقول الرب لتلاميذه : ( اذهبوا وبشروا بالإيمان ) بدون ذكر للمعمودية ...

ومعلمنا بولس الرسول يشرح كيف أن الخلاص يكون بالمعمودية ، وكيف أنها هى الميلاد الثانى ، بقوله فى رسالته إلى تلميذه تيطس أسقف كريت ، حيث يقول ( ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه ، لا بأعمال فى بر عملناها نحن ، بل بمقتضى رحمته

خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 4 ، 5 ) .

هذا المبدأ أسسه السيد المسيح ( من آمن واعتمد خلص ) اتبعته الكنيسة منذ البدء ، ففى يوم الخمسين بعد أن وقف بطرس الرسول رافعا صوته بكلمة الإيمان ، ونخس السامعون فى قلوبهم ، ( قال لهم بطرس : توبوا ليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس ) ( أع 2 : 37 ، 38 ) وهذه الآية صريحة فى أنه يكون بالمعمودية مغفرة الخطايا . وكيف يخلص الإنسان بدون مغفرة خطاياه ؟! إذن فالمعمودية لازمة لخلاص الإنسان ،

فبها تغفر خطاياه . وبها يمهد لقبول الروح القدس .

وعطية الروح القدس ، ننالها فى السر الثانى من أسرار الكنيسة ، سر المسحة المقدسة ، أو سر الميرون . والآية السابقة تدل على هذه المعانى كلها .

فى يوم الخمسين بعد أن تكلم بطرس عن المعمودية ( قبلوا كلامه بفرح ، واعتمدوا ، وانضم فى ذلك اليوم نحو ثلاثة ألاف نفس )

فلو كان الإيمان وحده يخلص الإنسان ماذا كانت الحاجة إلى أن يعتمد فى يوم واحد 3... نفس ؟! ما كان أسهل أن يقول لهم الرسل : ( ما دمتم قد آمنم أيها الأخوة ، فاذهبوا على بركة الله ، هذا يكفى ، لقد خلصتم وانتهى الأمر .. ) !! .

وهكذا نرى أيضا أن الخصى الحبشى بعد أن آمن على يد فيلبس ، قال له مباشرة ماذا يمنع أن أعتمد ؟ ) ( أع 8 : 36 ) . وهكذا نزل به فيلبس إلى الماء فعمده ... وذهب فى طريقه فرحاً .

وسجان فيلبى الذى آمن على يدى بولس وسيلا ( اعتمد فى الحال هو والذين له أجمعي )

( أع 16 : 33 ) .

وكرنيليوس أيضا الذى ظهر له ملاك الله ، وقال له صلواتك وصدقاتك صعدت تذكارا أمام الله ، هو أيضا بعد أن كلمه بطرس بكلمة الحياة ، وبعد أن حل الروح القدس على جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة ( حينئذ أجاب بطرس : أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا وأمر أن يعتمدوا باسم الرب ) ( أع 1. : 47 ، 49 ) .

وليديا بائعةالأرجوان ، لما آمنت على يد بولس الرسول ( اعتمدت هى وأهل بيتها )

( أع 16 : 15 )

جميلة تلك العبارة التى قالها بولس الرسول عن العماد ( لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح ) ( غلا 3 : 27 ) . اذن فى المعمودية يلبس الإنسان المسيح . أى خلاص أعظم من هذا ..

أن المعمودية هى الباب الذى يدخل منه الإنسان إلى الخلاص ، والإيمان تمهيد لها .

نقول هذا لأن كثيراً من البروتستانت يظنون أن الإنسان يكفيه أيمانه ليخلصه ! .. أو يظنون أن الميلاد الثانى يأتى بالإيمان وليس بالمعمودية ! لا يرون أن المعمودية هى الميلاد الثانى ، على الرغم من صراحة الآية بغسل الميلاد الثانى ( تى 3 : 5 ) !! .

وأيضا على الرغم من قول الرسول فى رسالته إلى أفسس ( أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها ، لكى يقدسها مطهراً أياها بغسل الماء بالكلمة ، لكى يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ) ( أف 5 : 25 ، 26 ) .

( لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة ) .. والبروتستانت العبارة معناها يقدسها بالكلمة ! تاركين ومن إليهم يدعون أن هذه عبارة غسل الماء كأن لا معنى لها ..

ان ( الكلمة ) هنا تعنى التبشير . فماذا تعنى عبارة ( غسل الماء ) ؟ تعنى المعمودية التى يصل إليها الإنسان بالتبشير أى بالكلمة . وهكذا تنطبق وصية السيد المسيح ( تلمذوهم ... وعمدوهم ... ) . ( تلمذوهم ) بالكلمة . ( وعمدوهم ) بغسل الماء .

ما هو جوهر التعليم المسيحى عن المعمودية كوسيلة للخلاص . لماذا هى لازمة للخلاص ؟ ولماذا لا يمكن لأحد أن يخلص بدونها ؟ المسألة واضحة جداً ، نشرحها فيما يلى :

يقول الكتاب ( أجرة الخطيئة هى موت ) رو 6 : 23 ) اذن لابد من الموت ، ولابد أن طريق الخلاص يبدأ بالموت .. ويستمر الخلاص بالموت ... وآخر مرحلة للخلاص تأتى بالموت . يبدأ الخلاص بالموت ، وينتهى بالموت ، ويستمر باتلموت ، لأن أجرة الخطيئة هى موت . فما معنى هذا الكلام

أ – بدأ الخلاص بالموت :

بدأ الخلاص بموت المسيح على الصليب ، حيث دفع ثمن الخطيئة ،

واشترانا بدمه . وكيف يصل إليك الخلاص ؟ يصل إليك بالموت . وكيف ذلك ؟ .. المسيح بموته أعطى الخلاص .

ولكى يكون لك أنت نصيب فى هذا الخلاص ، لابد أن تشترك مع المسيح فى موته :

تموت مع المسيح ، وتقوم معه ، لكى تتمجد معه . ولذلك يقول بولس الرسول ( لأعرفه وقوة قيامته وشركة الامه ، متشبها بموته ) ( فى 3 : 1. ) .

إن لم تدخل فى هذا الموت ، يلحقك الموت الثانى الذى هو العذاب الأبدى فى بحيرة النار ( رؤ 2. : 14 )

وكيف تدخل فى هذا الموت ؟ كيف تشترك مع المسيح فى موته ؟ إن ذلك يتم بالمعمودية . ولهذا يقول بولس الرسول ( أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح ، اعتمدنا لموته . فدفنا معه بالمعمودية للموت .. ( رو6 : 3 ، 4 ) .

وموتنا مع المسيح ، ودفننا معه ، هو الذى يجعلنا نشترك معه فى أمجاد قيامته . ولذلك يقول بولس الرسول ( لأنه ان كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته ، نصير أيضا بقيامته .. فان كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن أننا سنحيا أيضا معه ) ( رو 6 5 ، 8 ) .

ناخص الموضوع اذن فى الكلمات الآتية :

أجرة الخطيئة هى موت . فلابد أن يموت الإنسان ويدفن .. ولكن المسيح قد مات عنا . وعلينا أن نشترك معه فى موته ، حتى لا نكون بعيدين عن استحقاقات موت المسيح .

لا يجوز أبداً أن نترك المسيح يموت وحده عنا ، دون أن نشترك معه فى موته ، أو على الأقل نتشبه بموته ، ندحل فى شركة آلامه متشبهين بموته ) وهكذا قال الرسول : ( متنا معه .. دفنا معه .. قد صرنا متحدين معه بشبه موته .. انساننا العتيق قد صلب معه .. فان كنا قد متنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضا معه ) ( رو 6 : 3 – 8 )

وهذا الموت شرحه الكتاب أنه يتم بالمعمودية . نغطس فيها تماما كأننا ندفن فى جرن المعمودية ، كما قال بولس : ( دفنا معه بالمعمودية للموت ) ( رو 6: 4 ) . ثم نقوم من هذا الماء فى جدة الحياة ) ( عالمين هذا أن انساننا العتيق قد صلب ليبطل جسد الخطيئة ) .

المعمودية إذن لازمة للخلاص ، لأنها شركة فى موت المسيح ، لأنها إيمان بالموت كوسيلة للحياة ، واعتراف بأن أجرة الخطيئة هى موت .

إن الذين يقولون أن الخلاص يتم بمجرد الإيمان وحده ، بدون معمودية ، لم يفهموا بعد ما هو الإيمان . فلنحاول أن نناقش الأمر معا لنفهمه .

ما هو الإيمان ؟ .. هو أن تؤمن أن الخطيئة أجرتها الموت ، وتؤمن أن المسيح قد مات عنك ، وتؤمن أنك يجب أن تموت معا لتحيا أيضاً معه ... وهكذا يقودك الإيمان إلى ما قلناه :

قلنا أن الخلاص قد بدأ بالموت . موت المسيح . هذا هو الخلاص الذى قد قد دفع ثمنه ، وقلنا أننا بدأنا أن نحصل على هذا الخلاص بالموت ، إذ متنا مع المسيح ودفنا معه بالمعمودية . هذا هو الخلاص الذى نلناه .

نقول أيضاً أن هذا الخلاص يستمر بالموت .

ب _ يستمر الخلاص بالموت :

وهكذا يقول بولس الرسول : ( كذلك أنتم أيضاً ، أحسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطيئة ، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع .. إذن لا تملكن الخطيئة المائت لكى تطيعوها فى شهواته

( رو 6 : 11 ، 12 )

هذا الكلام جميل جداً ، يشرح لنا الإيمان الأرثوذكسى تماما ( لا تملكن الخطيئة فى جسدكم المائت ) . لقد دخلنا الخلاص بالموت . ولابد أن يستمر جسدنا مائتاً عن الشهوات العالمية . وطالما هو مائت ، فان الخلاص يسرى فيه . أما أن بدأت شهوات الجسد تقوم من هذا الموت وتتحرك ، فاننا نكون حينئذ عرضة لأن نفقد الخلاص ، لأن الخلاص لا يتم إلا بالموت .

لذلك فاننا نصلى إلى الله فى قطع الساعة التاسعة ونقول : ( أمت حواسنا الجسمانية أيها المسيح الهنا ونجنا )

ولعل هذا تنفيذ لقول الكتاب : ( ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون )

( رو 8 : 13 ) .

ألا يقول بولس الرسول : ( إذن الموت يعمل فينا ) ( 2كو 4 : 12 ) .

وهكذا يقول بولس الرسول أيضا ( لأننا نحن الأحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع ، لكى تظهر حياة يسوع أيضا فى جسدنا المائت ) ( 2 كو 4 : 11 ) . ويقول أيضا ً : ( إن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطيئة ،وأما الروح فحياة بسبب البر ) ( رو 8 : 1. ) .

كما يقول أيضاً : أننا من أجلك نمات كل النهار . قد حسبنا مثل غنم للذبح ) ( رو 8 : 36 ) . وهكذا نعيش ( حاملين فى الجسد كل حين اماتة الرب يسوع ، لكى تظهر حياة يسوع أيضاً فى جسدنا ) ( 2 كو 4 : 1. ) .

إذن طالما نسير فى طريق الخلاص لابد ان يكون الجسد ميتاً عن الخطيئة ، لابد أن يعمل الموت فينا .

انسان يقول إنه قد خلص ، وهو يحب العالم أو الأشياء التى فى العالم ، هذا بالحقيقة واهم ( لأن محبة العالم عداوة لله ) ( يع 4 : 4 ) .

إن الخلاص يستمر بالموت ، موت أعمال الجسد ، موت شهوات الجسد ،؟ موت عن العالم والمادة وطلباتها المحاربة للروح .

ما معنى ( نخلص بحياته ) ؟ ..

هنا تقف أمامنا الآية التى تقول : ( لأنه إن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه ، فبالأولى كثيراً ونحن مصالحون نخلص بحياته ) ( رو 5 : 1. ) . ما معنى ( نخلص بحياته ) ؟

أما أن يكون معناها أننا نخلص بحياته كشفيع ، ككاهن إلى الأبد على طقس ملكى صادق ( يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله ، إذ هو حى كل حين ليشفع فيهم ) ( عب 7 : 25 ) . فنحن نخلص بحياته كشفيع . لأننا باستمرار نخطئ . وإن أخطأنا ( فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار ) ( 1 يو 2 : 1 )

ونلاحظ هنا أن استمرار شفاعة المسيح فينا ، معناه استمرار احتياجنا إلى الخلاص فى كل حين ، واستمرار عمل الخلاص فينا .

على أن هناك معنى جميلا ً آخر لعبارة نخلص بحياته . وهو قول بولس الرسول : ( مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى )

( غلا 2 : 2. ) يقول : ( مع المسيح صلبت ) ، هذا هو الموت ( صلب الجسد مع الأهواء والشهوات ) كما يقول الرسول ( غل 5 : 24 ) .

الجسد مع الأهواء والشهوات ) كما يقول الرسول ( غل 5 : 24 ) بهذا نخلص ، عندما يكون المسيح هو الذى يحيا فينا . وعبارة ( أحيا لا أنا ) معناها تسليم الإرادة تسليماً كاملاً للرب . بحيث يقول الإنسان باستمرار : ( لتكن لا ارادتى بل ارادتك ) . يكون كأنه ميت ، غير موجود ، يحيا لا هو ، بل المسيح هو الذى يحيا فيه .

يقول للمسيح : اننى أخلص بموتك ، وأخلص بحياتك فى ) وهذه هى الفكرة السليمة عن الخلاص فى المفهوم الأرثوذكسى :

نحن قد خلصنا بموت المسيح عندما متنا معه فى المعمودية . ونخلص أيضاً بحياة المسيح فينا ، بتسليمنا الكامل لمشيئته فى حياتنا ،

قائلين مع الرسول : ( أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى )

ج- يتم الخلاص بالموت :

قلنا أن الخلاص يبدأ بالموت فى المعمودية ، ويستمر بالموت عن شهوات العالم . فالى متى ؟ .. يقول الكتاب : ( كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة ) ( رؤ 2 : 1. ) . وهكذا يستمر فيك ، حتى يموت الجسد فعلا . طالما أنت أنت تميت أعمال الجسد ، لإانت ما تزال سائراً فى الخلاص . ومتى تصل إلى نهاية الطريق ؟ .. تصل إليها عندما تموت ، وتنقل إلى العالم الآخر .

أنت إذن ما تزال سائراً فى الطريق . فهل تقف فى نصفه وتصيح قائلاً ( قد خلصت ) ؟‍! تواضع يا أخى ، واستمع إلى قول الرسول : ( انظروا إلى نهاية سيرتهم ) (عب 13 : 7 ) . لا تفتخر باطلاً ، فكثيرون قد بدأوا بالروح وكملوا بالجسد ( غل 3 : 3 ) .

على أننا سنعرض لهذا الموضوع بالتفصيل إن شاء الله عندما نتكلم على اتمام الخلاص .

هناك أسرار قد لا تلزمك شخصياً لخلاصك . فأنت لا تتزوج ، وإن كنت ثمرة لزواج . وقد لا تصاب بمرض تحتاج فيه إلى سر مسحة المرضى . وقد لا تصير كاهناً وإن كنت تحتاج لسر الكهنوت ليقدم لك عمل الروح القدس فى الأسرار اللازمة لك شخصياً لخلاصك . فأنت يلزمك بلا شك سر المعمودية ، وقد تحدثنا عنه – كذلك يلزمك سر مسحة الروح القدس ( الميرون ) ، وسر التوبة ، وسر الافخارستيا ( التناول ) .

وسنتكلم الأن عن أهمية كل من هذه الأسرار على حدة :

ولما دعا بطرس اليهود للمعمودية ، قال لهم : ( توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس ) ( أع 2 : 38 ) . فما هى عطية الروح القدس هذه ؟ .. وهل هى لازمة فى حياتنا للخلاص وما أهميتها وهل يمكن أن نخلص بدونها .

لا يمكن إطلاقا أن نخلص بدونها ، لأن حياتنا الروحية كلها هى عبارة عن استجابة إرادتنا لعمل الروح القدس فينا . وإن كنا لا نأخذ عطية الروح القدس ، فباطلة وهالكة هى حياتنا عن هذه النعمة التى أخذناها من سر المسحة المقدسة نصرخ باستمرار ونقول : ( روحك القدوس لا تنزعه منا ، ) والا هلكنا .

إن حياتك الروحية لا تعتمد مطلقا على ذراعك البشرى ، وإنما هى شركة الروح القدس كما سنشرح فى الفصل الخاص بالجهاد والنعمة .

لابد إذن من سر المسحة المقدسة ، تلك التي تكلم عنها يوحنا الرسول فقال : ( وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شئ ) ( وأما المسحة التى أخذتموها منه ثابتة فيكم ، ولا حاجة بكم إلى أن يعلمكم أحد ، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شئ ، وهى حق )

( 1 يو 2 : 2. ، 27 )

لكى تعرف أهمية الروح القدس لخلاصك ، نسأل سؤالا وهو : هل تستطيع أن تحيا حياة روحية بدون عمل الروح القدس فيك ؟ .. هل تستطيع أن تسير فى طريق الخلاص بدون عمل الروح القدس معك ؟ .. لا يمكن . إذن لابد من المسحة .

لذلك أهتم الرسل بعطية الروح القدس للمؤمن ، وكانوا ينالونها فى بادئ الأمر بوضع أيدى الرسل ، قبل أن يستخدم الميرون .

نرى ذلك واضحاً فى قصة إيمان السامرة ،

حيث اعتبرت مكملة للايمان والعماد ، يقول الكتاب : ( ولما سمع الرسل الذين فى أورشليم أن السامرة قبلت كلمة الله ، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا ، اللذان لما نزلا صليا لأجلهم لكى يقبلوا الروح القدس ، ؟لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم ، غير أنهم كانوا معتمدين باسم الرب يسوع . حينئذ وضعا الأيادى عليهم ، فقبلوا الروح القدس ) ( أع 8 : 14 – 17 ) ..

إذن لم تكن المعمودية كافية لأهل السامرة ، بل كان لابد لهم أن يقبلوا الروح القدس .

نفس الكلام أيضاً . يمكن أن يقال عن إيمان أهل أفسس .

لما ذهب بولس هناك وجد تلاميذ . فقال لهم : ( هل قبلتم الروح القدس لما آمنتم ؟ .. قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس ) ( أ‘ 19 : 2 ، 3 ) إذ كانوا قد اعتمدوا بمعمودية يوحنا فقط . فلما كلمهم بولس : ( اعتمدوا باسم الرب يسوع . ولما وضع بولس يديه عليهم . حل اروح القدس عليهم ) .

إننا بالمعمودية نشترك مع المسيح فى موته ، وننال البنوة . وبالروح القدس نحيا الحياة اللائقة بنا كبنين وكلا الأمرين لازم لخلاصنا .

لكى ندرك أهمية التناول من جسد الرب ودمه ، يكفى من باب الاختصار أن نذكر قول المسيح : ( الحق الحق أقول لكم ! إن لم تاكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم . من يأكل جسدى ويشرب دمى ، فله حياة أبدية وأنا أقيمه فى اليوم الأخير ... من يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأنا فيه ) ( يو 6 : 53 – 58 ) . هنا نرى الحياة الأبدية متعلقة بالتناول من جسد الرب ، بحيث أن الذى لا يتناول لا تكون له حياة ، أى يهلك ... أتسأل بعد هذا عن لزوم التناول للخلاص ؟ ‍‍!

إن كنا أرثوذكسى ونؤمن بالإيمان الأررثوذكسى ، فنحن إذن نؤمن بما نقوله فى القداس الإلهى عن جسد الرب الذى نتناوله : ( يعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا ، وحياة أبدية لكل من يتناول منه ) أيسأل أحد ويقول : ( هل ممكن الخلاص بدون تناول ؟ أقول كلا ، لا يمكن . لأن جسد الرب يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا وحياة أبدية لكل من يتناول منه .

فكيف نشرح هذا من الناحية اللاهوتية ؟..

إن المعمودية قد خلصتك من الخطيئة الأصلية ، وهذا هو الخلاص الأول الذى نلته . والمعمودية قد صيرتك ابنا لله وجعلتك مستحقاً لنوال استحقاقات الدم . ولكنك فى كل يوم تخطئ ، وتحتاج أن تمحى خطيئتك بالدم ( إن قلنا أنه ليس لنا خطيئة ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ) ( 1يو 1 : 8 ) أنت إذن فى كل يوم تخطئ وتحتاج إلى جسد المسيح المذبوح عنك . تحتاج إلى الذبيحة المقدسة كفارة لخطاياك . وما الذبيحة المقدسة فى سر الافخارستيا سوى امتداد لذبيحة المسيح . لذلك لا يمكن أن تخلص من خطاياك بدونها ، هذه

التى تعطى عنا خلاصاً وغفرانا للخطايا . كما أن بها نثبت فى الرب كما قال .

قد يأتيك إنسان ويقول لك : أتريد أن تخلص ؟ .. اطرح نفسك تحت قدمى المسيح ، وقل له : افبلنى يا يسوع !! هذا الكلام يا اخوتى يحتاج إلى اجراءات تنفيذية ... أتريد أن يقبلك المسيح ؟ .. هناك طريق للخلاص يقبلك به : تموت مع المسيح وتدفن معه بالمعمودية فيقبلك . تمسح بالروح القدس فيقبلك . تأكل جسده وتشرب دمه لكى تثبت فيه وهذا يقبلك . تعترف بخطاياك فيقبلك ..

هذا هو الطريق العملى الذى يقبلك بها الرب . أما أن تطلب منه قبولك دون أنتسير فى طريقه الذى رسمه ، فهذا كلام لائق .

وبالمثل نقول عن عبارة ( سلم حياتكم ليسوع ) ... ! ما أسهل أن يلفظ إنسان مثل هذا الكلام ، وما اصعب أن ينفذه .... ! هل تظنون تسليم الحياة شئ هين ؟! إن كل جهادنا الروحى يتركز فى هذه العبارة ( تسليم الحياة ) ! ففيها يسلم الإنسان إرادته للرب ، ويسلم قلبه وعواطفه ، ويسلم الإنسان إرادته للرب ، ويسلم قلبه وعواطفه ، ويسلم عزيمته ، ويسلم فكره ... أى يعمل أعمالاً تليق بالتوبة .

وإن كنا نتكلم عن سر الافخارستيا فلابد أن نسبقه بكلام عن سر التوبة .

هل تلزم التوبة للخلاص ؟ .. نعم بل انه بدون التوبة لا يكون لك خلاص ... لعلك تسأل : كيف هذا ؟ .. اننى آمنت وتعمدت وتبررت .. .. نعم انك قد تعمدت ، ونجوت من الخطيئة الأصلية ، ولكن ماذا عن خطاياك الفعلية التى ترتكبها كل يوم ، أين تهرب منها ؟ . وكيف تهرب منها ؟ .

هل الإيمان والمعمودية يجعلانك لا تخطئ بعدهما أبدأ ؟! . كلا بلا شك . هوذا يوحنا الرسول يقرر بأنه ( إن قلنا إنه ليس لنا خطيئة نضل أنفسنا وليس الحق فينا ) ( 1 يو 1 : 8 ) . وذلك لأنه ( ليس أحد صالحاً الا واحد وهو الله ) ( مت 19 : 17 ) . لأننا لإى أشياء كثيرة نعثر جميعنا ) ( يع 3 : 2 ) وليس أحد لا خطيئة ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض كما نصلى فى أوشية الراقدين ... فماذا نقول عن هذه الخطايا كلها ؟.. كيف يخلص منها الإنسان ؟ ... أليس بالتوبة ؟ ..

لعل أحد يهمس فى أذنك قائلا : ( آمن فقط .. آمن بالرب يسوع فتخلص أنت وأهل بيتك ) ... ‍‍! إن هذه الآية أيها الأخ الحبيب قد قلناها فيما مضى قبل المعمودية . أما عن خطاياك بعد المعمودية فينصحك بخصوصها يوحنا الرسول قائلاً ك ( إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم ) ( 1يو 1 : 9 ) . وعنها يقول الكتاب : ( من يكتم خطاياه لا ينجح .. ومن يقر بها ويتركها يرحم ) ( أم 28 : 13 ) .. من أجل هذا وضعت لنا الكنيسة المقدسة سر التوبة .

فما دام الإنسان المؤمن معرضاً للسقوط فى كل وقت ، ومعرضاً للهلاك بخطيئته على الرغم من إيمانه ، وما دام الإنسان فى حرب دائمة ضد الخطيئة كثيراً ما يزل فيها ويعثر ويسقط كل يوم ، لذل وضع الله لنا التوبة نتجدد بها ونتظر ونغتسل من خطيتنا . والتوبة عمل لا ينكر أحد من البروتستانت أهميته ولزومه ويدخل فى التوبة الندم والنوح والاعتراف والعزيمة على ترك الخطيئة ، وكلها أعمال .

لا أقول أنه بالتوبة وحدها يخلص الإنسان ، فالتوبة بدون دم المسيح لا فائدة منها . ولكنى أقول ان التوبة تجعل الإنسان مستحقاً لأن يغتسل وتطهر بدم المسيح فيخلص .

دم المسيح مثل كنز عظيم ، ولكننا نقترب إليه بالتوبة ، ونأخذ منه فنغتنى . أما اذا لم نستعمل التوبة ، فان الكنز يبقى كنزا محتفظاً بقيمته ، ونبقى نحن بعيدين عنه ، فقراء نهلك جوع. حنان الأب موجود ، والثوب الجديد موجود والعجل المسمن موجود ، ولكن على الابن الضال أن يقترب الى الآب بالتوبة ليحظى بكل هذه ... فلنعترف اذن بأن : ( الله أعطى الأمم التوبة للحياة ) ( أع 18 ) .

إن أهمية التوبة يوضحها قول السيد المسيح له المجد : ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ) .

فهذه الآية تدل على أن التوبة وسيلة للخلاص تنجى من الهلاك ، وتدل أيضا على أنه بدون التوبة يهلك الإنسان الخاطئ . ( فالله الآن يأمر جميع الناس فى كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل ) ( أع 17 : 3. ) . وليس أن يتوبوا فقط ، وإنما يتبع ذلك أيضاً أن يعملوا ( أعمالا تليق بالتوبة ) ( أع 26 : 2. )

هذه التوبة ينادى بها الرسل والقديسين كوسيلة للخلاص من الهلاك المعد للخطاة .

فبطرس الرسول يقول عن الله أنه ( يتأنى علينا ، وهو لا يشاء أن يهلك أناس ، بل أن يقبل الجميع إلى التوبة ) ( 2 بط 3 : 9 ) فهنا مقابلة بين التوبة والهلاك ، تعنى أن من يقبل إلى التوبة يخلص وينجو من الهلاك ، والعكس بالعكس ...

وبولس الرسول يشرح الغضب المعد لغير التائبين الذين يتعرضون لدينونة الله العادلة فيقول : ( أم تستهين . بغنى لطفه وامهاله وطول أناته ، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة . ولكنه من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضبا ليوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذى سيجازى كل واحد حسب أعماله ) ( رو 2 : 4 – 6 )

هذه التوبة لم يطلبها الله من الأمم فقط ومن غير المؤمنين ،

وإنما طلبها أيضا فى سفر الرؤيا من ملائكة كنائس آسيا .

فقال لملاك كنيسة أفسس ( فاذكر من أين سقطت وتب ، واعمل الأعمال الأولى . وإلا فانى آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب ) ( رؤ 2 : 16 ) وقال لملاك كنيسة ساردس : ( فاذكر كيف أخذت وسمعت واحفظ وتب . فانى إن لم تسهر أقدم عليك كلص ، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك ) ( رؤ 3 : 3 ) . وقال أيضاً لملاك كنيسة لاودكيا : ( كن غيوراً وتب ) ( رؤ 3 : 19 ) .

لا تظن يا أخى إن خطية آدم وحده هى التى كانت تستحق الموت .

وانما عموما أجرة الخطيئة هى موت . وكل خطية ترتكبها بعد معموديتك يمكن أن تكون سبباً فى هلاكك إن لم تتب .

وسر التوبة فى الكنيسة يسمى أيضا سر الاعتراف . فأنت تحتاج أن تأتى وتقر بخطاياك لكى تأخذ عنها حلاً من الكاهن فتغفر لك .

وقد مارست الكنيسة المقدسة سر الاعتراف منذ البدء . ففى أيام الرسل يقول الكتاب : ( كان كثيرون من الذين آمنوا يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم ) ( أع 19 : 18 ) وحتى قبل الرسل يقول الكتاب عن يوحنا المعمدان : ( واعتمدوا منه فى الأردن معترفين بخطاياهم ، ( مت 3 : 6 )

فى طريق خلاصك إذن ، ليتك تستفيد من قول السيد المسيح لتلاميذه : ( .. اقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت ) ( يو 2. : 22 ، 23 )

تكلمنا الآن عن الخلاص بدم المسيح ، وكيف أن استحقاق دم المسيح يلزم له الإيمان والمعمودية ، وسر المسحة المقدسة ، وسر التوبة ، وسر الافخارستيا . وبقى أن نتحدث عن الأعمال ومركزها فى قضية الخلاص . وقد أفردنا لهذا الموضوع فصلا خاصاً لأهميته .

أعمال الإنسان أما صالحة وأما شريرة .

فالأعمال الشريرة تهلك الإنسان وتفقده خلاصه . أما الأعمال الصالحة فهى لازمة للخلاص . عدم وجودها يدل على أن الإيمان ميت ، وعلى أنه لا ثمرة له . ولكن الأعمال الصالحة وحدها لا تكفى للخلاص بدون إيمان وبدون معمودية وبدون استحقاقات دم المسيح .

هذه الأعمال الصالحة هى ثمرة الإيمان

وبرهان على وجود الايمان ، وبها نكمل الإيمان ، كما سنشرح ذلك بالتفصيل فيما بعد . وقد طلب الله هذه الأعمال الصالحة وأمر بها ، وحدد عقوبات على من يهملها .

وستكون الدينونة فى اليوم الأخير بحسب الأعمال .

إن الأعمال الصالحة لا يتم الخلاص بسببها ، ولكنه لا يتم بدونها .

فالخلاص لا يكون إلا بدم المسيح وحده ، ولكن الأعمال تؤهل لاستحقاق هذا الدم .

على أنه يلزمنا أن نوجه الانتباه إلى أمر هام جداً وهو أن

أعمال الإنسان الصالحة تحتاج إلى مؤازرة من النعمة .

فقد قال المسيح له المجد : ( بدونى لا تقدرون أن تعملوا شيئاًً ) ( يو 15 : 5 ) فأعمالنا الصالحة هى نتيجة لاشتراك إرادتنا مع عمل الروح القدس فينا .

إن نصوص الكتاب المقدس التى تقلل من قيمة الأعمال ، هذه

أما أن يكون المقصود منها هو أعمال الناموس كالختان والممارسات الطقسية وحفظ الأيام والشهور وما إلى أن يكون المقصود منها هو مهاجمة الأعمال غير المبنية على دم المسيح وفدائه . كأعمال غير المؤمنين والوثنيين .. الخ .. أما أعمال بدون إيمان . أو أعمال سابقة على الإيمان .

وسنحاول أن نتناول هذه النقاط جميعاً واحدة فواحدة حسبما تعطى نعمة الرب من معونة .

وهذا أمر طبيعى . لأن الله كما انه كامل فى رحمته ، كذلك الأمر هو أيضاً كامل فى عدله .

وما دامت ( أجرة الخطيئة هى موت ) ( رو 6 : 23 ) فلابد أن ينال الخاطئ عقوبة خطيئته . حقيقى أن المسيح قد مات عنا ، ولكن لا يتمتع باستحقاق موت المسيح سوى التائبين .

والا كان هذا الخلاص المجانى باباً مفتوحاً للاستهتار والفساد ،

وتصريحاً بارتكاب الخطيئة دون خوف من عقوبتها ، اعتماداً على دم المسيح وكفارته التى وفت كل شئ !!!

لذلك يقول بولس الرسول فىهذا المعنى : ( فماذا نقول ؟.. أنبقى فى الخطيئة لكى تكثر النعمة ؟‍! حاشا . نحن الذين متنا عن الخطيئة ، كيف نعيش بعد فيها ؟! إّن لا تملكن الخطيئة فى جسدكم المائت لكى تطيعوها فى شهواته ) ( رو 6 : 1. – 12 ) .

ويتابع بولس الرسول فى حديثه فيقول : فماذا إذن أنخطئ لأننا لسنا تحت الناموس بل تحت النعمة ؟! حاشا . ألستم تعلمون أن الذى تقدمون ذواتكم له عبيداً للطاعة أنتم عبيد للذى تطيعونه . أما للخطيئة للموت أو للطاعة للبر ) ( رو 6 : 15 ، 16 ) .

وفى هاتين الآيتين بين لنا الرسول أننا لو أطعنا الخطيئة – ونحن تحت النعمة – فانها تكون طاعة للموت .

وما دامت للموت ، فمعناها فقداننا للحياة الأبدية التى لنا فى المسيح يسوع .

ما أهم هذه الآيات ، وخاصة لأنها كلام الوحى على لسان بولس الرسول الذى هو أكبر رسول يعتمد عليه البروتستسانت فى موضوع النعمة والتبرير بالايمان . وأيضاً لأنها آيات من الرسالة إلى رومية وهى الرسالة الأولى والأساسية التى يعتدون عليها فى هذا الموضوع .

( انظر أيضاً غلا 2 : 17 )

نصوص من رسائل بولس الرسول :

ما أكثر نصوص الكتاب التى تدل على أن الأعمال الشريرة تؤدى إلى الهلاك .

( غل 5 : 19 – 21 ) :

( وأعمال الجسد ظاهرة التى هى زنا ، عهارة ، نجاسة ، دعارة ، عبادة الأوثان ، سحر ، عداوة ، خصام ، غيرة ، سخط ، تحزب ، شقاق ، بدعة ، حسد ، قتل ، سكر ، بطر ، وآمثال هذه التى

سبق فأقول لكم عنها كما سبقت فقلت ان الذين يفعلون هذه لا يرثون ملكوت الله ) . اذن فالايمان مع مثل هذه الأعمال الشريرة – لا يفيد شيئاً ولا يخلص وحده الإنسان ...

( أف 5 : 5 ، 6 ) :

( فانكم تعلمون هذا ، ان كل زان أو نجس أو طماع الذى هو عابد للأوثان ، ليس له ميراث فى ملكوت المسيح والله . لا يغركم أحد بكلام باطل ، لأنه بسبب هذه الأمور يأتى غضب الله على أبناء المعصية ) .

( 1كو 6 : 9 ، 1. ) :

( 2م لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله لا تضلوا . لا زناة ، ولا عبدة أوثان ، ولا فاسقون ، ولا مأبونون ، ولا مضاعجو ذكور ، ولا سارقون ، ولا شتامون ، ولا خاطفون ، يرثون ملكوت الله .

( عب 13 : 4 ) :

( أما العاهرون والزناة فسيدينهم الله ) ...

هذه آيات صريحة يقدم بها بولس الرسول ما يزيد عن عشرين عملا تغلق ملكوت الله أمام المؤمن اذا أخطأ ...

ويتحدث بولس الرسول – رسول النعمة والتبرير – بعنف شديد فى رسالته إلى العبرانيين فيقول :

( فانه ان أخطانا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق ، لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا ، بل قبول دينونة مخيف ، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين ) .

( فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذى قدس به دنساً ، وازدرى بروح النعمة . فاننا نعرف الذى قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب ، وأيضاً الرب يدين شعبه . مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى ) .

ونفس المعنى الموجود فى الآيتين الأولين يقول فى شدة ما يشبهه فى موضوع آخر من الرسالة

( عب 6 : 4 – 8 ) :

( رو1: 8 )

( لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم )

( كو 3 : 5 ، 6 )

( فأميتوا أعضاءكم التى على الأرض : الزنا ، النجاسة ، الهوى ، الشهوة الرديئة ، الطمع الذى هو عبادة الأوثان . الأمور التى من أجلها غضب الله على أبناء المعصية )

( 2تس 1 : 8 ، 9 ) :

( .. معطياً نقمة للذين لا يعرفون الله ، والذين لا يطيعون انجيل ربنا يسوع المسيح ، الذى سيعاقبون بهلاك أبدى من وجه الرب ) .

نلاحظ هنا أنه جعل الهلاك الأبدى عقوبة للأمرين معاً : ترك الإيمان ، وترك الأعمال . فعبارة ( الذين لا يعرفون الله ) خاصة بعدم الايمان ، وعبارة ( الذين لا يطيعون الانجيل ) خاصة بترك الأعمال .

( رو 2 : 8 – 1. ) :

( وأما الذين هم من أهل التحزب ولا يطاعون للحق بل يطاعون للاثم ، فسخط وغضب . شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر ، اليهودى أولا ثم اليونانى . ومجد وكرامة وسلام لكل من يفعل الصلاح ، اليهودى أولا ثم اليونانى ) نلاحظ هنا أيضاً ليس فقط عقوبة الأعمال الشريرة ، بل أيضا مكافأة الأعمال الصالحة .

أوردنا فيما سبق آيات من عقوبة الخطيئة ، وكيف أن المؤمن إذا أخطأ يهلك بخطيئته . وإن الأعمال الشريرة تجعل الذى يخطئ لا يرث ملكوت الله ، ويقع عليه غضب الله ، ويعتبر من أبناء المعصية ، ويتعرض لدينونة مخيفة ، وغيرة نار تاكله ، ويعاقب بهلاك أبدى من وجه الرب ، وتقع على نفسه شدة وضيق ، ويدينه الله .

وكل هذا ذكره بولس الرسول ، الذى تحدث باسهاب عن النعمة والتبرير بالايمان . وقد بدأنا وذكرنا هذه الآيات حتى على ضوئها نفهم الآيات الخاصة بالنعمة والإيمان التى ذكرها بولس الرسول نفسه ..

حتى لا يبدو لأحد أن لبولس الرسول تعليماً آخر ، وإنما هو أيضاً علم – فى كل رسالة تقريباً – بأن الخطايا تغلق ملكوت السموات ... بل أنه علم كذلك بأن الأعمال الشريرة تلغى عمل الإيمان

فقال فى رسالته إلى تيطس .

( يعترفون بأنهم يعرفون الله ، ولكنهم بالأعمال ينكرونه ، إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفضون ) .

نصوص أخرى من غير رسائل بولس الرسول :

( 2 بط 2 : 4 – 22 ) :

( لأنه إن كان لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا . بل فى سلاسل الظلام طرحهم فى جهنم وسلمهم محروسين للقضاء ، ولم يشفق على العالم القديم ... يلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة ، ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين . ولا سيما الذين يذهبون وراء الجسد فى شهوة النجاسة ... فسيلكون فى فسادهم ، آخذين أجرة الاثم ...

الذين قد حفظ لهم قتام الظلام إلى الأبد ... لأنه إن كانوا بعدما هربوا من رجاسات العالم بمعرفة الرب والمخلص يسوع المسيح ، يرتبكون أيضاً فيها فينغلبون ، فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل .

لأنه كان خيراً لهم لو لم يعرفوا طريق البر ، من أنهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم . قد أصابهم ما فى المثل

الصادق : ( كلب قد عاد إلى قيئه ، وخنزيرة مغتسلة إلى مراغة الحماة ) واضح من النصوصو الأخيرة أنه يتكلم عن مؤمنين يهلكون .

( 1بط 4 : 17 ، 18 )

( ... فما هى نهاية الذين لا يطيعون انجيل الله ؟ .. وإن كان البار بالجهد يخلص ، فالفاجر والخاطئ أين يظهران )

( أع 5 : 9 ) :

( فقال لهما بطرس ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب ( هوذا أرجل الذين دفنوا زوجك على الباب وسيحملونك خارجاً . فدخل الشباب ووجدوها ميتة ، فحملوها خارجاً ودفنوها بجانب رجله )

أن هلاك حناينا وسفيرا دليل على أن العمل الشرير يهلك ، وإن الإيمان وحده لا يكفى . فقد كان الاثنان مؤمنين بالمسيح ، ولكن قلبهما لم يكن مستقيماً فهلكا . ويقول الكتاب انه بعد موتهما :

( صار خوف عظيم على الكنيسة ، وعلى جميع الذين سمعوا بذلك )

( رؤ 21 : 8 ) :

( وأما الخائفون ، وغير المؤمنين ، والرجسون ، والقاتلون ، والزناة ، والسحرة ، وعبدة الأوثان ، وجميع الكذبة ، فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذى هو الموت الثانى ) .

( رؤ 18 : 7 )

( بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت ، بقدر ذلك أعطوها عذابا وحزناً )

*( 1يو 3 : 15 ) :

كل من يبغض أخاه فهو قاتل نفس . وأنتم تعلمون أن كل قاتل نفس ليست له حياة أبدية ثابتة فيه ) .

( يع 3 : 1، 2 ) :

( لا تكونوا معلمين كثيرين يا اخوتى ، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم ، لأننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعناً )

( يع 5 : 1 ، 9 ) :

( هلم الآن أيها الأغنياء ابكوا مولولين على شقاوتكم القادمة ...

لا يئن بعضكم على بعض أيها الأخوة لئلا تدانوا . هوذا الديان واقف قدام الباب )

رأينا من النصوص السابقة أن خطايا كثيرة تسبب الهلاك ، وتلقىفى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت ، وتجلب العذاب والحزن ، وتحرم من الحياة الأبدية ، وتلقى إلى الشقاء ، وإلى الدينونة ، سواء منها الخطايا التى تبدو خطيرة ، أو الخطايا التى يستهين بها البعض مثل التعليم الكثير ، والغنى الزائد وبخس الأجراء ، وبغضة الأخ .... الخ

وهذا الأمر هو تعليم السيد المسيح نفسه :

( يو 5 : 28 ، 29 )

( فانه تأتى ساعة يسمع جميع الذين فى القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة ) .

( مت 13 : 4. – 42 )

( فكما يجمع الزوان ويحرق بالنار ، وهكذا يكون فى انقضاء العالم . يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلى الاثم ، ويطرحونهم فى أتون النار . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان ) .

( مت 7 : 19 ، 2. ) :

( كل شجرة لا تصنع ثمراً جيدا ًتقطع وتلقى فى النار . فاذن من ثمارهم تعرفونهم )

نلاحظ فىكل النصوص السابقة انه لم يتكلم عن طرح غير المؤمنين فى النار أو الدينونة وانما ( الذين عملوا السيئات ) و ( من لا يصنع ثمراً جيداً ) .

والنصوص المقبلة تظهر بوضوح ان الإيمان وحده لا فائدة منه للخلاص اذا لم يصحب بأعمال صالحة :

( مت 7 : 21 – 23 ) :

( ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفع ارادة أبى الذى فى السموات . كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يارب يارب ، أليس تنبأنا ، وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات ؟ .. فحينئذ أصرح لهم انى لم أعرفكم قط اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم )

نلاحظ فى هذه الآيات أن هؤلاء الهالكين لم يكونوا مؤمنين فحسب وانما أيضا أصحاب مواهب ومعجزات .

( مت 25 : 41 – 46 ) :

( ثم يقول أيضاً للذين عن اليسار : اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لابليس وملائكته . لأنى جعت فلم تطعمونى ،عطشت فلم تسقونى ، كنت غريباً فلم تأوونى ، عرياناً فلم تكسونى ، مريضاً ومحبوساً فلم تزورونى . حينئذ يجيبونه هم أيضاً قائلين يارب متى ... فيمضى هؤلاء إلى عذاب أبدى ، والأبرار إلى حياة أبدية ) .

نلاحظ هنا أن هؤلاء الهالكين ، لم يكونوا قتلة أو فسقة أو عبدة أوثان . وإنما مجرد عدم اطعام الجائع ، ومجرد عدم زيارة المريض ، كان سبباً فى هلاكهم ...

( لو 13 : 3 ، 5 )

( إن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون ) .

( مت 5 : 29 ، 3. )

( فان كانت عينيك اليمنى تعثرك ، فاقلعها والقها عنك . لأنه خير لك أن يهلك احد أعضائك ولا يلقى جسدك كله فى جهنم ، وإن كانت يدك اليمنى تعثرك ... )

نلاحظ هنا أن سبب الالقاء فى جهنم لم يكن عدم الإيمان ، وانما كانت خطية واحدة من خطايا الجسد ، مثل شهوة العين التى تقود إلى الزنا ، أو السرقة مثلا ً .

( لو 13 : 24 – 28 ) :

( واجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق : فانى أقول لكم إن كثيرين سيطلبون أن يدخلوا ولا يقدرون ، من بعد ما يكون رب البيت قد قام وأغلق الباب . وابتدأتم تقفون خارجاً وتقرعون الباب قائلين يارب افتح لنا . فيجيب ويقول لكم لا أعرفكم من أين أنتم ، تباعدوا عنى يا جميع فاعلى الاثم . هناك يكون البكاء وصرير الأسنان ... )

( هنا يكلم مؤمنين يقولون له يارب يارب ... ولكنهم هلكوا لأنهم كانوا فاعلى اثم ) .

( مت 19 : 24 ) :

( مرور جمل من ثقب ابرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله )

[ أى هناك من سيفقدون الملكوت ، لا بسبب عدم ايمانهم بل بسبب مخاطر الغنى ] .

( مت 12 : 26 )

( ولكن أقول لكم ان كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين ، لأنك بكلامك تبرر وبكلامك تدان )

[إن ايمان الإنسان لا ينفى وقوعه فى الدينونة بسبب كلامه ] .

هنا نتذكر قول معلمنا القديس باسيليوس الكبير : ماذا يفيدنى لو عملت كل البر ، ثم أقول لأخى يا أحمق فأكون مستحقاً نار جهنم ،

لأن ربنا يسوع المسيح يقول : ومن قال لأخيه يا أحمق يكون مستحق نار جهنم ) ( متى 5 : 22 )

هذه حقيقة واضحة تبين أهمية أعمال الإنسان .

فى العهد القديم يقول داود فى المزمور ( لك يارب الرحمة لأنك تجازى الإنسان كعمله ) ( مز 62 : 12 ) ، ويقول سفر الجامعة ( لأن لله يحضر كل عمال إلى الدينونة ، على كل خفى أن كان خيراً أو شراً ) ( جا 12 : 14 ) .

وفى العهد الجديد تأكدت هذه الحقيقة من فم السيد المسيح وأفواه رسله القديسين ، وفى هذا يقول السيد الرب ( فان ابن الانسان سوف يأتى مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله ) ( مت 16 : 27 ) . كما قال أيضاً ( فانه تأتى ساعة فيها يسمع جميع الذين فى القبور صوته . فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة لحياة ، والين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة ) ( يو 5 : 28 ، 29 ) لاحظوا أن يتكلم فى هذه الآية عن الأعمال ( الذين فعلوا الصالحات ...والذين عملوا السيئات ) .

وليست الدينونة على الأعمال فقط ، بل حتى على الكلام . ولذلك بقول ( بكلامك تبرر وبكلامك تدان ) ( متى 12 : 36 ) .

وهذا الأمر واضح واضح فى سفر الرؤيا . اذ أن الرب أرسل إلى كل ملاك من ملائكة الكنائس السبع يقول له ( أنا عارف أعمالك ) ( رؤ 1 : 2 ، 3 ) . كما قال الرب صراحة ( وها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى ، أجازى كل واحد كما يكون عمله ) ( رؤ 22 : 12 ) .

وقد قيل فى هذا السفر ( طوبى للأموات الذين يموتون فى الرب منذ الآن نعم يقول الروح ! لكى يستريحوا من أتعابهم ، وأعمالهم تبعهم ) ( رؤ 14 : 13 ) . وقيل أيضاً ( ودين الأموات مما هو مكتوب فى الأسفار بحسب أعمالهم ) ( رؤ 2. : 12 ) .

وصورة الدينونة التى شرحها لنا الرب يسوع من حيث كلامه الذى قوله للذين عن اليمين ، وكلامه للذين على اليسار ، هى صورة دينونة حسب الأعمال . اذا أنه قال للذين عن اليمين ( جعت فاطعمتونى عطشت فسقيتمونى ، كنت غريباً فآويتمونى .. ) . وبناءاً على هذه الأعمال الصالحة قال لهم تعالوا يا مباركى أبى ، رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم ) ( مت 25 : 31 – 46 ) ...وبالمثل فعل مع الأشرار ، دانهم حسب أعمالهم .

اذن يكفى أن يقصر الإنسان فى اطعام الجياع أو زيارة المرضى ، واذ يخلو قلبه من هذه الرحمة يفقد الملكوت ، مهما كان له من ايمان ، ومهما كان له من ثقة جوفاء فى داخله لا تغنيه شيئاً !! ما أخطر العبارة التى قالها معلمنا يعقوب الرسول ( ما المنفعة يا أخوتى ان قال أحد أن له إيماناً ولكن ليس له أعمال . هل يقدر الإيمان أن يخلصه ؟!. ) " يع 2 : 14 "

وكون الدينونة حسب الأعمال ، حقيقة تكلم عنها بولس الرسول كثيراً . فقال لأنه لا بد أننا جميعاً نظهر أمام كرسى المسيح ، لينال كل واحد ما كان بالجسد يحسب ما صنع خيراً كان أم شراً ( 2 كو 5 : 1. ) . وقال أيضاً : ( ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر نفسك غضباً فى يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة الذى سيجازى كل واحد حسب أعماله ) " رو 2 : 5-7 ".

وتلخيصاً للدينونة حسب الأعمال ، قال بولس الرسول كذلك " فإن الذى يزرعه الإنسان ، إياه يحصد أيضاً . لأن من يزرع لجسده ، فمن الجسد يحصد فساداً . ومن يزرع للروح يحصد حياة أبدية " ( غل 6 : 7، 8 ) . كما قال " فعمل كل واحد سيصير ظاهراً ، لأن اليوم سيبيه وستمتحن النار كل واحد ما هو " ( 1 كو 3 : 13 ) .

وقال أيضاً " كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ، ولم يقل " بحسب إيمانه " أو " بحسب النعمة " ...

وعن الدينونة حسب الأعمال قال بطرس الرسول عن الأب " الذى يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد ، فسيروا زمان غربتكم بخوف " ( 1 بط 1 : 17 ) .

فإن كانت الأعمال على هذه الدرجة من الخطورة – خيراً كانت أم شراً – بحيث يدان الإنسان بموجبها ، فهل يجرؤ أحد أن يقلل من قيمة الأعمال وأهميتها ؟! .

إن كان الله لا ينسى " كأس الماء البارد " فلا يضيع أجره ، ولا ينسى أبداً تعب المحبة ، " إذن يا أخوتى الأحباء كونوا راسخين غبر متزعزعين ، مكثرين فى عمل الرب كل حين ، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً فى الرب "( 1 كو 15 : 58 ) .

إن الأعمال هامة جداً فى طريق خلاصنا ، وهامة فى تحديد مصيرنا الأبدى ، فلنتأمل إذن كم هى لازمة ....

* الأعمال ثمار للإيمان ، الإيمان الحى لا بد أن يثمر ، وهو يثمر أعمالاً صالحة . هذه الأعمال دليل على وجود الإيمان وحيويته . وهى أيضاً ثمار لعمل الروح القدس فينا ، وثمار لازمة لحياة التوبة التى نحياها .

فهل يطلب الله هذه الأعمال ؟ أو يطلب هذه الثمار ؟ نعم يطلبها ، ويشدد فى ذلك ...

وقف يوحنا المعمدان ينادى قائلاً " اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة ، ولا تبتدئوا تقولون فى أنفسكم لنا ابراهيم أباً ... " ( لو 3 : 8 ) . إن اختيار الله لكم ، ليس معناه أن تخلصوا بدون الأعمال . لا بد أن تصنعوا ثماراً تليق بالتوبة . وإن لم نصنع ؟ إن لم تصنعوا ثمراً فنهايتكم تكون الهلاك . وما الدليل ؟.

يستطرد يوحنا المعمدان – أعظم من ولدت النساء – فيقول " والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجرة . فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى فى النار " ( لو 3 : 9 ) أى أن الذى لا يعمل أعمالاً صالحة يهلك . تحتج قائلاً أن لى ابراهيم أباً ، أنا مولود من الله ، أنا تبررت وتقدست وتجددت . أقول لك " أصنع ثماراً تليق بالتوبة " .

هذه الكلام لم يقله يوحنا المعمدان فقط ، لكننا فى العهد الجديد أيضاً نجد بولس الرسول يقول " أخبرت أولاً الذين فى دمشق وفى أورشليم حتى جميع كورة اليهودية ، ثم الأمم ، أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله ، عاملين أعمالاً تليق بالتوبة " ( أع 26 : 2. ) .

وفى رسالته إلى تيطس يقول " صادقة هى الكلمة ، أريد أن تقرر هذه الأمور لكى يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالاً حسنة " . لماذا أيها القديس العظيم ؟ يكمل معلمنا بولس كلامه فيقول " ... وليتعلم من لنا أيضاً أن يمارسوا أعمالاً حسنة .... حتى لا يكونوا بلا ثمر " ( تى 3 : 8 ، 14 ).

الأعمال إذن هى ثمرة الإيمان ، إن كان لك إيمان ، ولا يعطى ثمراً فهو إذن إيمان ميت ، لأنه لو كان حياً لأعطى ثمراً .

وهذه المسألة يشرحها باستفاضة معلمنا يعقوب الرسول فيقول " ما المنفعة يا أخوتى إن قال أحد أن له إيمان ولكن ليس له أعمال . هل يقدر الإيمان أن يخلصه ؟!. " ( يع 2 : 14 ) . أنت مؤمن بالمسيح وتقول أن دم المسيح قد طهرنى وقد جددنى وقد بررنى ، حسن هذا جداً ، ولكن إن لم تكن لك أعمال ، فهل يقدر هذا الإيمان أن يخلصك ؟! لإن يعقوب الرسول يثبت فى صراحة تامة عجز الإيمان عن تخليص انسان ليست له أعمال .

فهل يعقوب الرسول هو الوحيد الذى هاجم مثل هذا الإيمان الميت ؟ كلا ، بل ان بولس الرسول قال أيضاً " إن كان لى الإيمان حتى أنقل الجبال ، ولكن ليس لى محبة فلست شيئاً " ( 1 كو 13 : 2 ) إن كنت حقاً ابناً لله ، وهيكلاً لله ، والروح القدس يحيا فيك ، فينبغى أن تكون لك أعمال هى ثمار الروح فيك . ومعلمنا بولس الرسول يشرح هذه الثمار فيقول : " وأما الروح فهو محبة ، فرح ، سلام ، طول أناة ، لطف ، صلاح إيمان ، وداعة ، تعفف " ( غل 5 : 22 ) فهل توجد فيك هذه الثمار ؟ إن كانت لا توجد ، فما الدليل على أن الروح القدس يعمل فيك ؟!.

إن الشجرة التى لا تثمر ، هى شجرة مائتة . وقد قال السيد المسيح له المجد " كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً ، تقطع وتلقى فى النار ، فإذن من ثمارهم تعرفونهم . ليس كل من يقول لى يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات " ( مت 7 : 19- 21 ) .

وهنا نرى أن السيد الرب قد ربط بين الخلاص والثمر الجيد الذى يدل عليه عمل إرادة الآب .

ولاهمية هذه الثمار قال الرب فى توبيخه لليهود ( لذلك أقول لكم ان ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماراً ) ( مت 21 : 43 ) .

وقد شح لنا الرب كيف أنه أزمع أن يقطع التينة التى لم تصنع ثمراً ، فتوسل إليه الكرام قائلاً ( يا سيد أتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلاً .

فان صنعت ثمراً والا ففيما بعد تقطعها )

( لو 13 : 6 – 9 ) فان كنت تخشى أيها الأخ على نفسك من هذا القطع ، فاسرع الآن واعمل أعمالاً تليق بأبناء الله . لا تستهن بقيمة الأعمال ، فقد وضعت الفأس على أصل الشجرة .

الأعمال برهان على وجود الإيمان :

يقول مار يعقوب الرسول ( أرنى ايمانك بدون أعمالك . وأنا أريك بأعمالى إيمانى )

( يع 2 : 18 ) . أى أن الأعمال تدل على وجود الإيمان . وهذا واضح من قول الكتاب ( من ثمارهم تعرفونهم .. كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة . وأما الشجرة الرديئة فتصنع أثماراً ردية ) ( متى 7 : 16 ، 17 ) .

الأعمال برهان على الولادة من الله :

وذلك لأن الكتاب يقول ( ان علمتم أنه بار هو ، فأعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه ) ( 1يو 2 : 29 ) . ويقول أيضاً ( كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية ) ( 1يو 3 : 9 ) . واعتبر أن هذا هو المميز لأولاد الله ، فقال بعدها ( بهذا أولاد الله ضاهرون ، وأولاد ابليس ( ظاهرون ) ) ( 1يو 3 : 1.)

وهذا يشبه ما قاله الرب لليهود المفتخرين باطلاً ببنوتهم لابراهيم : ( لو كنتم أولاد ابراهيم لكنتم تعملون ابراهيم ) ( يو 8 : 39 ) . فاتخذ الأعمال دليلاً على البنوة .

وقد دافع بولس الرسول أيضاً عن هذه النقطة فقال ( لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أولاد الله ) ( رو 8 : 14 ) .

إن كان أولاد الله هم هؤلاء الأبرار . فبماذا نسمى الخطاة ؟ سماهم الكتاب ( أولاد الأفاعى ) ( متى 3 : 7 ) . وسماهم ( أولاد ابليس ) ( يو 8: 44 ، 1 يو 3 : 1. ) . وسماهم أيضاً ( أبناء الغضب ) و ( أبناء المعصية ) ( أف 2 : 2 ، 3 )

إن أتاك أحد إذن وقال لك اننى ابن لله ، لأنى تجددت وتبررت وتقدست . فقل له ( من ثمارهم تعرفونهم )

الأعمال إذن ثمرة للايمان ، وبرهان على وجود الايمان وبرهان على البنوة لله . وماذا أيضاً ؟ نقول كذلك .

بالأعمال يكمل الإيمان :

فهكذا قال الرسول ( وبالأعمال أكمل الإيمان ) ( يع 2 : 22 ) . لقد بلغ الأمر بيعقوب الرسول

أنه _ عندما تكلم عن الديانة _ قال ( الديانة الطاهرة النقية عند الآب هى هذه : افتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقتهم ، وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم ) ( يع 1 : 27 ) . وكل هذه أعمال ولا شك . ولكننا لا نستغل هذه الآية – كما يفعل البعض – وذلك لايماننا بمبدأ ( خطورة استخدام الآية الواحدة ) .

مادامت الأعمال اذن بهذه الأهمية . فلنتذكر على الدوام قول مار يعقوب ( فمن يعرف أن يعمل حسنا ، ولا يعمل ، فذلك خطية له ) ( يع 4 : 16 ) .

أهمية السلوك والأعمال الصالحة

ويقول البعض ( ما علاقة الخلاص بسلوك الإنسان ؟ إن المسألة مسألة إيمان انثى وليست مسألة سلوك أو أعمال صالحة ) !! لذلك سنبين هنا أهمية السلوك وحفظ الوصايا .

يقول يوحنا الرسول : ( ان قلنا ان لنا شركة معه ، وسلكنا فى الظلمة ، نكذب ولسنا نعمل الحق ولكن إن سلكنا فى النور كما هو فى النور ، فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ) ( 1 يو 1 : 6 ، 7 ) .

اذن سلوكنا فى النور له نتيجتان ، هما الشركة والتطهير .

سلوكنا فى النور ، يجعل لنا شركة مع الرب ومع بعضنا البعض . بعكس سلوكنا فى الظلمة ، فأنه يعطل شركتنا مع الله .

وسلوكنا فى النور يجعلنا مستحقين أن نتطهر بدم المسيح . لأنه يقول ( ان سلكنا فى النور ... دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ) . ( ان سلكنا فى النور ) . هنا شرط . اذن فاستحقاقات الفداء ، والتطهير يستلزم منا أن نسلك فى النور . ما أهم هذا السلوك اذن وما أخطر ) ...

هذا السلوك الحسن ينجينا من الدينونة فى اليوم الأخير .

يقول الكتاب ( اذن لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع ، السالكين ليس حسب الجسد ، بل حسب الروح ) ( رو 8 : 1 ) .

أنك بالمسيح يسوع تنجو من الدينونة ، ولكن بشرط .. بشرطأن يكون سلوكك روحياً .

ونلاحظ هنا أن عبارة القديس بولس الرسول تشمل الناحيتين السلبية والايجابية . فمن جهة ينبغى أن يبعد المؤمن عن الشر ، فلا يسلك حسب الجسد . ومن الجهة الأخرى ينبغى أن يثمر فى الفضيلة ، فيكون سالكاً حسب الروح .

لذلك ما أكثر وصايا آبائنا الرسل عن أهمية السلوك :

يقول القديس بولس فى رسالته إلى أهل غلاطية ( إن كنانعيش بالروح ، فنسلك أيضاً بحسب الروح )( غل 5 : 25 ) . ويشدد على هذه النقطة ( اسلكوا بالروح ، ولا تكملوا شهوة الجسد ) ( غل 5 : 16 ) ويآمر أن نسلك ( فى جدة الحياة ) ( رو 6 : 4 ) .

ويرسل إلى أهل أفسس قائلاً ( أسلكم أنا الأسير فى الرب أن تسلكوا كما يليق بالدعوة التى دعيتم إليها ) ( أف 4 : 1 ) . ويقول لهم أيضاً ( انظروا كيف تسلكون بالتدقيق ، لا كجهلاء بل كحكماء ) ( أف 5 : 15 )

[ انظروا أيضاً 1 تس 2 : 12 ، 4 : 1 ، 1 كو 1 : 1. ، رو 13 : 13 ]

ومن ثم كان آباؤنا الرسل يمنعون الخلطة بالذين يسلكون بلا ترتيب

لذلك يقول مار بولس فى رسالته الثانية إلى تسالونيكى ( ثم نوصيكم أيها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح ، أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب حسب التقليد الذى أخذه منا ) ( 2 تس 3 : 6 ، 11

ويرى أباؤنا الرسل أن السلوك الحسن هو علامة المحبة ، والدليل على الثبات فى المسيح .

فيقول القديس يوحنا الرسول ( وهذه هى المحبة أن نسلك بحسب وصاياه ) ووصاياه ليست ثقيلة ) ( 1 يو 5 : 3 ) . ولعل هذا هو ما قاله الرب نفسه ( الذى عنده وصاياى ويحفظها ، فهو الذى يحبنى ( يو 14 : 31 ) .

أما كونها دليل العلاقة به ، فقد قال الرب أيضاً ( من يصنع مشيئة أبى الذى فى السموات ، هو أخى وأختى وأمى ) ( متى 12 : 5. ) .

إن كان سلوك الإنسان على هذه الدرجة من الأهمية : تتوقف عليه شركتنا مع الله ومع الكنيسة ، ويتوقف عليه تطهيرنا من خطايانا بدم المسيح ، وبه تكون دينونتنا . وهو دليل على محبتنا لله ، وتناتنا فيه وعلاقتنا به ، فهل يصح أن يتجاهله أحد ، قائلاً إن حياتنا ليست مسألة سلوك وإنما إيمان ‍‍‍‍!! ..

إن كانت الأعمال لازمة للخلاص فهل يخلص الإنسان بأعماله أم بنعمة الروح القدس العاملة معه ؟ لقد تطرف كثيرون فى التحمس لأحد الجانبين ، فأخطأوا . وسنحاول فى هذا المجال أن نجيب عن هذا السؤال الهام وهو كيف يخلص الإنسان ؟ بالجهاد أم بالنعمة ، أم بكليهما معاً ؟ .

لا يمكن للإنسان أن يخلص بجهاده وحده . فقد قال السيد المسيح له المجد ( بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً ) ( يو 15 : 15 )

إذن فذراعك البشرى وحده – بدون معونة من الله – لا يمكن أن يخلصك ، مهما جاهدت ومهما تعبت .

وأيضاً النعمة وحدها الجيش لا تشاء أن تخلصك بدون استجابة ارادتكبها . وما أجمل قول القديس يوحنا ذهبى الفم ( ان الله يريدنا أن يكون مستلقين على ظهورنا ويعطينا الملكوت ، لذلك فالنعمة لا تعمل كل شئ وحدها ) . فهى ليست مجالا للكسل والتهاون والتراخى .

فلا تجلس كسلانا ، دون جهاد فى حياتك ، قائلاً فى غير فهم : انى نارك نفسى للنعمة تعمل بى ما تشاء !! إن النعمة فيك يا أخى يسى معناه أن تنام وتتهاون فى أداء واجباتك

مثال يشوع وموسى :

كان يشوع بن نون يقود الجيش ويحارب عماليق ، وفى نفس الوقت كان موسى النبى يقف على رأس التلة رافعاً يديه بالصلاة ... ( خر 17 : 11 )

فهل انتصر الشعب عن طريق جيش يشوع المحارب ، أم عن طريق صلاة موسى ؟ يخطئ من يركز على واحد من الأمرين ويهمل الآخر . لأن يشوع وحده حارب بدون صلاة موسى – أى بدون معونة من الله – ما كان ممكناً أن ينتصر . وصلاة موسى وحدها لم يكن معناها مطلقاً تشجيع الخيش على أن يتراخى أمام العدو معتمداً على صلاة موسى ! الجهاد والصلاة معاً كانا سائرين جنباً إلى جنب . هذا يجاهد فى الحرب ، والآخر يرفع يديه بالصلاة . الأثنان متلازمان .

* هناك عبارة جميلة ، ان فهمناها فهمنا الكثير عن النعمة والجهاد . تقول البركة الرسولية " نعمة يسوع المسيح ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم " ( 2 كو 13 : 14 ) فما معنى عبارة شركة الروح القدس .

إنها شركة بين اثنين يعملان سوياً : الروح القدس والانسان .فالروح القدس يقدر أن ينقذك وينجيك ، ولكنه لا يشاء أن يفعل هذا بمفرده ، وإنما يريدك أن تشترك معه فى تدبير حياتك .... وهذه هى شركة الروح القدس .

لعلك تحتج وتقول : كيف هذا ! ألا يستطيع الروح القدس وحده أن يخلصنى ؟ نعم أنه يستطيع ، ولكنه لا يشاء لأنه ليست فى سياسة الله أن يرغمك على عمل الخير ، لأن العمل الذى لا إرادة لك فيه لا يجوز مطلقاً أن تكافأ عليه .

وأن الروح القدس هو وحده الذى يعمل ، فلماذا إذن وجد أبرار وأشرار ؟ لو أن الأمر يتلخص فى عمل الروح القدس وحده ، ما وجد خاطئ واحد على الأرض . أن الروح القدس يستطيع أن يجعل الخاطئ يتوب ، ولكنه لا يشاء أن يفعل هذا ما لم تتحد إرادة هذا الخاطئ معه .. إنها شركة .

أن مجرد وجود إنسان خاطئ واحد فى العالم ، لا يتوب ، لهو دليل أكيد على أن النعمة وحدها لا تعمل كل شئ .

* هل عمل النعمة معناها إلغاء الحرية الشخصية ؟.

كلا فحريتك قائمة وإرادتك قائمة . تسنطيع أن تستجيب لعمل الروح القدس فيك ، وأن تشترك معه وتنقاد له . ويمكنك أيضاً أن توقف عمل الروح القدس فيك إذا أردت . ولذلك يحذرنا الكتاب المقدس قائلاً : " لا تطفئوا الروح " ( 1تى 5 : 19 ) ، ويقول أيضاً " لا تحزنوا روح الله القدوس " ( أف 4 : 3. ) .

النعمة واقفة على الباب تقرع .... " ها أنذا واقف على الباب وأقرع ، إن سمع أحد صوتى وفتح الباب ، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى " ( رؤ 3 : 2. ) . وإن لم يفتح ، فهو حر ، يحدد مصيره كما يشاء .

النعمة تعرض معونتها عليك . وأنت حر تقبل أتو لا تقبل تعمل أو لا تعمل ...

إذا اشتركت مع الروح القدس فى العمل ، من أجل نفسك ، تصل بنعمة الروح القدس إلى كمال القداسة ، حسب درجة استجابتك وأنقيادك . وإذا رفضت الاشتراك ، فالنعمة لا تشاء مطلقاً أن ترغمك على الخير .

يتطرق إلى كثير من الناس ، لدرجة أن كلمة الجهاد الشخصى تبدو كما لو كانت هرطقة ! كما لو كانت عملاً ضد الإيمان وضد معونة الله ! وهذا كله خطأ .

فالنعمة عبارة عن سلاح مقدم إليك ، تستطيع أن تحارب به وتنتصر أن أردت ، وتستطيع أن تهمله ، وتقابل عدو الخير وأنت أعزل فتنهزم . وأنت كلا الأمرين حر تنفذ مشيئتك ، ومن الخير لك أن تستخدم السلاح المقدم إليك من أجل خلاص نفسك .

وكمثال لهذا الأمر نقول : لو أن جنوداً أخذوا من قيادتهم أثناء الحرب دبابات ومدافع وقنابل وأسلحة ، وقاتلوا وانتصروا : فهل النصر راجع إلى بسالتهم أم إلى الأسلحة ؟ أن بسالتهم وحدها – بدون أسلحة – ما كانت تكفى مطلقاً للأنتصار ، فالحرب تحتاج إلى سلاح . والأسلحة وحدها ، بدون جنود مهرة فى الحروب الروحية هى أشتراك بين إرادة الإنسان وأسلحة الروح .

ضرورة الجهاد :

كثيرة هى النصوص المقدسة التى تشرح ضرورة الجهاد ...نذكر من بينها قول الرسول ( لذلك نحن أيضاً اذ لنا سحابة من الشهود مقدلر هذه محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة ، ولنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا ) ( عب 12 : 1 ) . يقول الرسول هذا ثم يوبخ العبرانيين قائلاً ( لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة ) ( عب 12 : 4 )

فالمروض إذن أن نجاهد ، وليس جهاداً عادياً ، إنما جهاد حتى الدم ضد الخطيئة . وإن سأل أحد : إلى متى هذا الجهاد ؟ نقول إنه جهاد العمر كله . وكما يقول الكتاب ( الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ) ( مت 1. : 22 ) ورسول الحسن ، أكملت السعى ، حفظت الإيمان . وأخيراً قد وضع لى اكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الرب الديان العادل ) ( 2تى 4 : 7 ، 8 ) .

إنه جهاد ، ولكنه ليس جهاداً شخصياً منفصلاً عن عمل الله فيه . بل انه يجمع الأثنين معاً اذ يقول عن كرازته ( الأمر الذى لأجله أتعب أيضاً مجاهداً ، بحسب عمله الذى يعمل فى بقوة ) ( كو 1 : 29 ) .

ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى :

أما الذين يتطوفون فى الحديث عن النعمة بحيث يحتقرون عمل الجهاد ، فانهم يعترضون بالآية التى تقول ( ليس لمن يشاء ولا من يسعى ، بل لله الذى يرحم ) ( رو 9 : 16 ) .

فما معنى هذا ؟ هل معناه أن رحمة الله تعطينا الخلاص المجانى ، وتنقلنا إلى الملكوت ، بدون سعى وبدون مشيئة صالحة ؟! هل معنى هذا أن ينام كل إنسان ويكسل ، ولا يسعى نحو الخير ، ولا يريده ، مكتفيا بأن يرحمه الله وهو فى هذا التراخى ؟! .

مستحيل أن يقصد الرسول . مستحيل أن يقصد هذا المعنى من قوله ولا لمن يسعى ، بينما يقول ( جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعى ... )

ان الذى قال ( ليس لمن يسعى ) ، قد أكمل السعى . ونال اكليل البر نتيجة لهذا السعى ، ونتيجة لجهاده الحسن .

إن الذى قال ( ليس لمن يسعى ) ، هو الذى قال عن نفسه ( ليس أنى قد نلت أو صرت كاملاً ، ولكنى أسعى لعلى أدرك الذى لأجله أدركنى أيضاً المسيح يسوع ... أيها الأخوة أنا لست أحسب نفسى قد أدركت ، ولكنى أفعل شيئاً واحداً ، اذ أنسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام . أسعى نحو الغرض ، لأجل جعالة دعوة الله العليا ) ( فى 3 : 12 – 14 )

إن بولس نفسه يسعى لكى يدرك . فهل هذا هو مجرد اختبار خاص قد مر بك يا بولس ؟ أبداً .. أنه للكل . لذلك يتابع الرسول كلامه فيقول ( فليفتكر هذا جميع الكاملين منا ) ( فى 3 : 15 ) .

إن كنت كاملاً إذن عليك أن تسعى لكى تدرك .

وبولس الرسول نفسه يدعونا جميعاً إلى هذا السعى وهذا الجهاد فيقول : ( ألستم تعلمون أن الذين يركضون فى الميدان جميعهم يركضون ولكن واحد يأخذ الجعالة ، هكذا اركضوا لكى تنالوا ) ( 1كو 9 : 24 )

ما الذى تطلبه منا أيها الرسول العظيم ؟! كيف نركض والأمر ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى ؟! ما الفائدة من أن نركض وأن نجاهد ؟ كفانا أن نجلس كما نحن ، وتأتينا النعمة من عند الله ، فتنقلنا من الموت إلى الحياة ، وتدخلنا مجانا إلى الملكوت ، دون أن نشاء ودون أن نسعى ! ..

أن بولس يكمل كلامه فيقول ( وكل من يجاهد يضبط نفسه فىكل شئ .. إذن أن أركض هكذا .. .. بل أقمع جسدى واستعبده ، حتى بعدما كرزت للآخرين ، لا أصير أنا نفسى مرفوضاً ) ( 1كو 9 : 25 –27 ) –

إذن فهذا الركض وهذا السعى ، ليس لنا فقط نحن المؤمنين الضعفاء وإنما هو للرسل أيضاً . فبولس نفسه يركض . بولس الذى كان ممتلئاً من الروح القدس ، الذى كانت تعمل فيه النعمة أكثر من الجميع ، هو أيضاًَ كان محتاجاً أن يركض ، وأن يسعى ، وأن يكمل السعى ، وأن يجاهد الجهاد الحسن ...

ويدعونا معه أن نركض مثله لكى ننال ...

بل أن بولس العظيم نراه يقمع جسده ويستعبده ، حتى لا يصير هو نفسه مرفوضاً ! فان كان بولس الرسول يجاهد ويخاف أن يرفض فماذا نفعل نحن ؟ .

ما معنى إذن قوله ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذى يرحم ) ؟ معناه أن الملكوت لا تصل إليه بمجرد مشيئتك فقط ، أو بمجرد سعيك فقط ، بدون عمل الله معك ، وبدون معونة من نعمته ، وبدون شركة الروح القدس .

فالجانب الأساسى فى الموضوع يرجع إلى الله الذى يرحم . فالذى يعتمد على مشئته وحده ، وعلى سعيه وحده ، هو مخطئ ، فأنا أسعى والله يرحم . وعندما يبارك الله سعيى ، أرجع الفضل إلى الله وليس إلى هذا السعى

حقيقى ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى ، ولكن الله الذى يرحم . ولكن من هوالذى يرحمه الله ؟ يقول أحد القديسين ( إن الله يرحم الذين يشاءون والذين يسعون )

تذكرنى هذه الآية بقول بولس الرسول أيضاً ( إذن ليس الغارس شيئاً ولا الساقى بل الله الذى ينمى ) 1 كو 3 : 7 ) .

حقيقى أن الفضل لله الذى ينمى . ولكن الله ينمى الغرس الذى غرس وسقى .

ليس معنى الآية أننا لا نغرس ولا نسقى . قائلين فى أنفسنا ليس الغارس شيئاً ولا الساقى ، ثم بعد ذلك فى جهالة ننتظر أن الله ينمى !! بل أننا نغرس ونسقى ، ونقول ليس الغارس شيئاً ولا الساقى بل الله الذى ينمى . تماماً مثلما نشاء ونسعى ، ونقول ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذى يرحم .

فلنتأمل شرح الرسول لهذه الحرب الروحية فى الاصحاح السادس من رسالته إلى أفسس اذ يقول :

أخيراً يا أخوتى ، تقووا فى الرب وفى شدة قوته . البسوا سلاح الله الكامل ، لكى تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد ابليس . فان مصارعتنا .

ليست مع دم ولحم ، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ،

مع أجناد الشر الروحية فى السمويات . من أجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل . لكى تقروا أن تقاوموا فى اليوم الشرير . وبعد أن تتموا كل شئ انثى أن تثبتوا . فاثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق ، ولابسين درع البر ، وحاذين أرجلكم باستعداد انجيل السلام . حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذى به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة . وخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذى هو كلمة الله . مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت فى الروح وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة ... ) ( أف 6 : 1. – 18 ) .

هنا مصارعة ، وهنا حرب روحية ، وجهاد . السلاح هو سلاح الله الكامل .

ولكن ليس معنى هذا أننا لا نجاهد . إنما يجب أن تجاهد ، وتعتمد على الله فى جهادك . لا تكن مثل شخص قدمت إليه أسلحة الله الروحية ، ووقف صامتا لا يستخدمها ، ولا يحارب بها الأسلحة موجودة ، ولكن عليه أن يحارب .

أسلحة الله لها قوتها ، ولكن إن لم تستخدمها فستنهزم .

إن الأشخاص الذين ذكرهم بولس الرسول باكياً فى ( فى 3 ) . كان بامكانهم أن يستخدموا كل تلك الأسلحة ، ولكنهم تركوها ، ومالت نفوسهم نحو الخطيئة واستسلموا لها فهلكوا فى خطاياهم .

على أننا فى تلك الأسلحة الروحية نلاحظ البر ، والحق ، وكلمة الله ، والصلاة والطلبة ، والسهر .. وكل هذه أعمال .

ومعلمنا بطرس الرسول يتكلم أيضاً عن هذه الحرب الروحية فيقول ( اصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو . فقاوموه راسخين فى الإيمان ... ) ( 1 بط 5 : 8 ، 9 ) . أن ابليس عدونا مثل أسد زائر . فماذا نفعل إذن ؟ .

( قاوموه ) ... أى جاهدوا واصمدوا واستبسلوا . ولكن ليس اعتمادا على ذراعكم البشرى ، بل . قاوموه راسخين فى الإيمان ) . هذه الآية تدل على الأمرين معاً : الجهاد فى مقاومة الشيطان ، والنعمة التى يعتمد عليها المجاهد بالإيمان .

ومثل هذا الجهاد يدعو إليه بولس الرسول عندما يوبخ العبرانيين قائلا (لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطيئة ) ( عب 12 : 4 )

هنا جهاد وهنا مقاومة . ولكننا لا نقاوم بقوتنا الخاصة وإنما بسلاح الله الكامل ، راسخين فى الإيمان .

وهكذا يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثيئوس ( جاهد جهاد الإيمان الحسن ) . فهنا جهاد وهنا إيمان ، والأمر أن يسيران معاً .

ويتحدث بولس الرسول عن جهاده فيقول ( جاهرنا فى الهنا أن نكلمكم بانجيل الله فى جهاد كثير ) ( 1 تس 2 :2 ) . ويقول فى رسالته إلى كولوسى ( 2 : 1 ) ( فانى أريد ان تعلموا أى جهاد لى لأجلكم ) .

كيف انتصر داود على جليات ؟ هل انتصر عليه بنعمة الله ومعونته ؟ نعم بلا شك .

لقد كان داود معتمداً على الرب اعتماداً كاملاً . ولذلك قال داود لجليات ( أنت تأتى إلى بسيف وبرمح وبترس ، وأنا أتى إليك باسم رب الجنود ) . ( هذا اليوم يحسبك الرب فى يدى ، فأقتلك وأقطع رأسك ... وتعلم هذه الجماعة كلها أنه ليس بسيف ولا برمح يخلص الرب ، لأن الحرب للرب ، وهو يدفعكم ليدنا ) ( 1 صم 17 : 45 – 47 ) .

عظمة داود فى هذه الحرب أنه أدخل الله إلى ميدان القتال .

قبل مجئ داود لم يكن هنا كلام عن الله . كان الكلام فقط عن الرجل الصاعد ، الرجل الجبار ، الذى يعير الجيش دون أن يهتم . وكان الكلام أيضاً عن مكافأة الملك لمن يقتل هذا الرجل ( 1صم 17 : 25 )

أما داود فأدخل اسم الرب إلى ميدان ( آتيك باسم الرب ...

يحسبك الرب فى يدى ... الرب الذى أنقذنى من يد الأسد ...

لأن الحرب للرب ... ألخ ) . ولكن هل اكتفى داود بأن أدخل اسم الرب إلى الميدان قال : بالايمان سأقتل جليات ، بدون عمل وبدون جهاد ، لأن الحرب للرب وهو سيدفعه ليدنا ... ! بدون عمل وبدون جهاد ، لأن الحرب للرب وهو سيدفعه ليدنا ... !

كلا ، بل إن داود ( انتخب خمسة حجارة ملساء من الوادي وجعلها فى جرابه ، وتقدم نحو الفلسطينى ومقلاعه بيده ) ( 1 صم 17 : 4. ) . وكان لما تقدم جليات للقاء داود ( أن داود أسرع وركض نحو الصف للقائه ، ومد يده إلى الكنف ، وأخذ منه حجراً ، ورماه بالمقلاع ، وضرب الفلسطينى فى جبهته ، فارتكز الحجر فى جبهته وسقط على وجهه إلى الأرض . فتمكن

داود منه بالمقلاع والحجر وضربه وقتله . ولم يكتف بهذا ، وإنما – اذ لم يكن له سيف – ركض ووقف فوق جليات ، وأخذ سيفه واخترطه من غمدة ، وقتله وقطع به رأسه ) ( 1 صم 17 : 48 – 51 )

حقيقى أن الحرب للرب ، وأن الرب هو الذى حبس جليات فى يد داود ، ولكن كان لابد لداود أن يحارب ، وأن يتقدم الصف ويركض وينتخب حجارة معينة ، وأن يضع الحجر فى المقلاع ،ويسدد بمهارة . وكان لابد أيضاً أن يخترط السيف ، ويتمكن من الرجل ويقتله ...

وكل هذه أعمال ...

ومع كل هذه فنحن نرجع الفضل فى هذا الأنتصار إلى الله ، وليس إلى داود . لأنه كان من الممكن أن الحصاة لا تأتى فى موضع قاتل بالنسبة لجليات فلا يموت بها . ومع داود حارب بكل مهارة . وانتصر ، فأننا مع ذلك نردد قول بولس الرسول ( ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى لله الذى يرحم ) . لابد من الجهاد والعمل ، ومع الجهاد والعمل ننسب النصر لله .

الإيمان والعمل معاً :

هكذا أيضاً فى الجهاد الروحى ... هى حرب بلا شك . أنت تحارب بكل ما عندك من قوة ، والقوة التى عندك هى من الله . تحارب بكل ما تملك من سلاح ، وهذا السلاح هو سلاح الله الكامل .

لا تقل : أنى أنام ، وأسبح فى الأحلام ، وفى أحلامى أرى الله ينقذنى بالنعمة ... ! إن الله لا ينقذ الكسالى ، والنعمة ليست تشجيعاً على التراخى والتهاون .

تلميذ لا يذاكر ، ويذهب إلى الكاهن يطلب صلاته لكى ينجح ،

مؤمناً بقوة الصلاة ... ما الحكم على هذا المثال ؟ إن الإيمان بدون أعمال ميت . على التلميذ أن يذاكر ، ويطلب الصلاة أيضا . وهكذا يتحد الإيمان والعمل معاً .

يقول البعض أن الجهاد هو ذراع بشرى

( وملعون من يتكل على ذراع بشر ) . والحقيقة أن الجهاد يصبح ذراعاً بشرياً ، لو اعتمد الإنسان على ذاته فقط ، أى لو اعتبر أنه بمجرد جهاده يخلص دون عمل النعمة معه ! هنا يقف أمامه قول السيد الرب ( لأنكم بدونى لا تقرون أن تفعلوا شيئاً ) ( يو 15 : 5 ) .

إن الحرب بدون سلاح لا تصلح . والسلاح وحده بدون حرب ، وبدون إنسان يستعمله جيداً ، لا يمكن أن يجلب النصر .

الأثنين متلازمان . وقد قال بولس الرسول ( إن كان أحد يجاهد ، لا يكلل إن لم يجاهد قانونياً ) ( 2تى 2 : 5 ) . إذن لابد أن تجاهد ، وتجاهد جهاداً قانونيا ً وبهذا تخلص .

جهاد الرسل والرعاة :

هل الرسل لم يجاهدوا ولم يتعبوا من أجل الإيمان ؟ إن بولس الرسول نفسه يقول ( أنا تعبت أكثر من جميعهم ) ( 1كو 15 : 1.) . كلهم تعبوا ، وبولس تعب أكثر ، تعباً سجله فى رسالته الثانية إلى كورنثوس ( 2 كو 11 : 23 –33 ) فاذا كانت المسألة مجرد نعمة ، لماذا يتعب بولس ؟ وما لزوم الكرزاة والوعظ والنصح والتبشير والرعاية والتعب ؟ وما دامت النعمة تعمل كل شئ !!

لماذا يتعب الراعى ، ويرعى ويفتقد ويجاهد ؟ أليس الله قادر أن يتكلم فى قلوب الناس ويخلصهم وحده ؟! ما لزوم الرسل إذن وارعاة والوعاظ ؟! وما لزوم كل جهاد ؟ وهل نسمى كل هذا ذراعاً بشرية ؟.

لو كانت النعمة تعمل وحدها كل شئ ، فالكاهن إذن ينام ، ويصلى فى قلبه قائلاً : أنت يارب الذى تتولى رعاية شعبك . من أنا حتى أجاهد وأرعى ؟! أليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لك أنت الذى ترعى الشعب !!

والواعظ ، لماذا يعظ ؟ يكفيه أن ينام فى البيت مستريحاً ويقول : نعمتك يارب هى التى تتكلم فى قلوب الناس وترشدهم وتخلصهم !!

وأنت ، لماذا تتعب نفسك فى حياتك الخاصة ، فى الصلاة وفى الصوم وفى الجهاد . استريح معتمداً على أن النعمة تفعل كل شئ ! .

العمل مع الله :

ونقول هذا لأنه كم من أناس ضيعوا آخرين بنصيحة خاطئة يقولون فيها : لا تجاهد ( لماذا تجاهد ؟ إن الله لا يبدأ فى العمل معك إلا عندما تقف أنت ! فأبطل عملك لكى يعمل الله !! .

ما هذاالكلام العجيب القاتل ؟ ما معنى أن تبطل عملك لكى يعمل الله ؟! لماذا لا تشترك فى العمل مع الله ، فيعمل الله معك ، ويعمل الله فيك . كما قال بولس عن نفسه وعن أبلوس ( فاننا نحن عاملان مع الله ) ( 1كو 3 : 9 )

لماذا نفصل عملنا عن عمل الله ؟ لماذا لا نعمل سوياً ، نشترك معه وهو معنا . وهكذا يتكلم يوحنا الرسول عن الرب وعن ( الشركة معه ) ( 1 يو 1 : 6 ) كما يتكلم بولس الرسول عن شركة الروح القدس .

الله بنعمته ، بقوته ، بروحه القدوس ، يقول لك : أنا أريد أن أعمل معك لتخليصك . فان قبلت العمل معى تخلص ، وأن لم تقبل فانك تحرم نفسك من هذا الخلاص .. أنا واقف على الباب ، أعرض نعمتى ومحبتى وقوتى ومعونتى وكل الامكانيات اللازمة لخلاص النفس التى أقرع على بابها . ولكن .. إن فتح أحد الباب لى ، أن قبل أن يعمل معى ، ان سلمنى أحد ذاته لكى أعمل فيها ، أن استسلم أحد لعملى ، حينئذ أشترك معه وهو معى .

مثال من التطرف :

من أسواء ما قرأت فى حياتى عن التطرف فى انكار قيمة الأعمال ، ما كتبه ف.ب. ما ير فى كتابه ( مخلصون ومحفوظون ) إن أشد البروتستانت تعصباً فى محاربة الجهاد ، يقولون أن للانسان جهاداً واحداً فى حياته هو جهاد الصلاة . أما ف.ب. ما ير هذا فانه يحارب أيضاً الجهاد فى الصلاة .

فيقول تحت عنوان ( عندما كففت عم مجهوادتى ) : ( ليس أمامك الا أن تدرك هذه الحقيقة ، وهى أنك طالما كنت تصارع مع الله فانك تخسر أثمن بركاتك !

لقد صارع يعقوب مع الله طول الليل ولم تخسر أثمن بركاتك ! . لقد صارع يعقوب مع الله طول الليل ولم يتقدم خطوة واحدة . وعندما لم يستطيع أن يصارع بعد ، لأن حق فخذه قد انخلع ، وكان على وشك السقوط ، نال البركة التى جعلته رئيساً ) !! .

ويستطرد ما ير فيقول : ( لقد ـاوهت وجاهدت وتوسلت لكن بلا جدوى ( والآن أصمت واسكت !! إن مجهوداتك الجبارة زارت أمورك تعقيداً ) !! ويظل هذا الكاتب البروتستانتى يحارب الصلاة والجهاد والتوسل والصراع مع الله ، إلى أن يقول ( أعلم أن الله قادر أن يخلصك ... لقد كان منتظراً كل هذا الوقت الطويل ليخلصك ، وحالما تنتهى مجهوداتك سيبدأ هو ) !! وهكذا يدعو إلى ابطال السعى ، قائلاً فى باب عنوانه ( لا نسعى بل نتقبل ) : ( انك لن تحصل على البركة التى تتوق إليها بالكفاح والنضال بصرخاتك القوية وصلواتك ، بمزيمتك ومساعيك . بل بأن تهدى نفسك أمام الله وتقبل النعمة ) .

ثم شرح مثلاً لفشل مجهودات الصلاة ، فروى قصة عن إنسان ظل يجاهد سنتين ، رفع فيهما صلوات إلى الله ليهبه للتغلب على تجربته وبدا أن الصلوات لم تسمع . ولما يئس جداً ، ولما أبطل الصلاة ، بدأ الله يعمل ... !!!

هل هذا تعليم يرضى ضمير أحد ؟! والكتاب يدعونا فى كل أسفاره ، أن نجاهد فى الصلاة وأن نصلى بلا انقطاع وأن نسهر ونصلى ... ولكنه التطرف البروتستانتى فى انكار قيمة الجهاد حتى فى الصلاة !! .

التدرايب الروحية :

إن البروتستانت ومن اليهم ممن يحاربون الجهاد والعمل ، يحاربون أيضاً التداريب الروحية ، كما لو كانت هى أيضاً اعتماداً على ذراع بشرية ...

ونحن نقول أنه إذا سلك الإنسان فى التدريب الروحى معتمداً على قوته الخاصة ، فانه يخطئ ولا شك . جيد أن يدرب إنسان نفسه ، ولكن معتمداً على قوة الله ، مردداً قول بولس الرسول ( أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى ) ( فى 4 : 13 ) .

وبولس الرسول يتحدث عن تداريبه فيقول فى سفر الأعمال ( كذلك أنا أيضاً أدرب نفسى ،

ليكون لى دائماً ضمير بلا عثرة من نحو الله والناس ) ( أع 24 : 16 ) . ويقول فى رسالته إلى فيلبى ( فى 4 : 12 ) .. لقد تدرب فى كل شئ ، وأصبحت له الحواس مدربة ( عب 5 : 14 ) .

لا مانه إذن من أن يستخدم المؤمن التداريب الروحية ، بل أن يصلى إلى الله ويقول ( دربنى فى حقك وعلمنى ) ( مز 25 : 9 ) .

ولكن فى كل هذه التداريب يعتمد على قوة الله التى تعينه . وفى كل نجاح له ينسب الفضل لله وليس لشجاعته الخاصة وضبطه لنفسه .

سؤالان يمران باذهان الكثيرين :

ماهى حدود الرجاء فى مراحم الله ؟

هل يحق للمؤمن أن يعتبر نفسه ضامنا للملكوت ؟

فما هى الإجابة عنهما ؟

ما هى حدود الرجاء فى مراحم الله ؟

1- ثقة فى الله ، غير محدودة :

أتسأل : ما هى حدود الرجاء فى مراحم الله ؟ فى الواقع ، ليس لهذا الرجاء حدود . فبمقدار ما تكون مراحم الله ، هكذا يكون الرجاء فيها .

ومادامت مراحم الله غير محدودة ، هكذا أيضاً الرجاء فى مراحم الله غير محدود .

إن الرجاء هو احدى الفضائل الثلاث الكبار ( 1 كو 13 : 13 ) .

وهو – ككل فضيلة – ينمو فى الإنسان حتى يصل إلى كماله النسبى فيه ولا يبلغ الرجاء كماله ، إلا إذا خلا من كل شك ، وتثبيت بكل يقين .

وثقة الرجاء تاتى من أمرين : أحداهما يتعلق بالله ، والثانى بالإنسان نفسه . أما عن الرجاء – من جهة الله – فهو يبنى على الإيمان بصفات الله ، ومعاملاته السابقة ، وكفارة دمه ، وصدق مواعيده .

ومن صفات الله أنه غير محدود فى رحمته وشفقته ومغفرته ومحبته ، وأنه لا يسر بموت الخاطئ ، بل بأن يرجع ويحيا ( حز 18 : 23 ) .

ومعاملات الله السابقة تثبت لنا هذه الصفات ... وكفارة دمه غير محدودة ، كافية لغفران خطايا العالم كله من أول الدهور إلى آخرها . أما وعوده فهى كثيرة وصادقة تفتح أبواب الرجاء واسمه أما التائبين .

هذه هى احدى زوايا الرجاء . ومن ينظر منها إلى الأبدية ، يشع أملاً .

أما الزواية الأخرى فهى الإنسان ذاته . فهل نظرة الإنسان إلى ذاته يمكن أن تجلب الثقة بأنه ضامن للملكوت ؟

ب- عدم ثقة بإرادتنا الخاصة :

لست أميل إلى الترتيلة التى تقول ( إني واثق ... ) هى ترتيلة بروتستانتية بلا شك . وعلى الرغم من أن بعض ألفاظها سليمة وصحيحة ، إلا أنها – فى مجموعة – تعطى تعليماً بروتستانتيا ًغير سليم .

إن سألك أحد ( هل أنت واثق ؟ ) فبماذا تجيب ؟ ...

نعم ، أنا واثق بدم المسيح ، ثقة لا حدود لها . ولكنى لا أثق بنفسى . لا أثق بحرية إرادتي ، التى ربما تميل إلى الشر . وبعدما بدأت بالروح ، ربما أكمل بالجسد ( غل 3 : 3 ) .

ولذلك فان الذين يفقدون الخلاص ، يفقدونه ليس بسبب أن الله عاجز عن أن يخلصهم ، وإنما بسبب أن أرادتهم الحرة قد انحرفت نحو الشر ...

فهل يفقد الإنسان الرجاء ؟ كلا فهذا تطرف وقع فيه قايين – أول خاطئ من بنى آدم – حينما قال ( ذنبى أعظم من أن يحتمل ) ( تك 4 : 13 ) . وفى قطع الرجاء وقع يهوذا أيضاً ، إذ مضى وخنق نفسه ( مت 27 : 5 ) .

وكما يخطئ الإنسان إذا فقد الرجاء ، يخطئ أيضاً إذا اعتمد على رجاء كاذب مبنى على بره الذاتى . ويخطئ كذلك إذا كان فى اعتماده على دم المسيح ، ينسى اجتهاده واحتراسه ، ولا يفعل ما يجعله مستحقاً لفاعلية دم المسيح ...

ويخطئ من يظن أنه لا صلة له بالخطية على الإطلاق ، وأنه قد تجدد وقد تقدس وأصبح فى حياة أخرى لا يمكن فيها أن يخطئ .

هذا أيضاً رجاء كاذب ويختفى وراءه لون من البر الذاتى ، سواء كان يدرى به صاحبه أو لا يدرى ...

إننا نثق بدم المسيح ، ونثق بكفارته وفدائه . ولكننا – فى داخل أنفسنا – نعترف بأننا خطاة ، ونعترف بأنه ما أسهل أن تضيعنا خطيئتنا ...

إن الذى يقول ( أنا ضامن للملكوت ) كأنه يقول : ( أنا ضامن إنني سوف لا أخطئ . وإن أخطأت ، فأنا ضامن إننى سوف أتوب توبة صادقة مقبولة !! أو لعل مثل هذا يحتج على كلامى ويقول : كلا ، سوف لا أتحدث عن التوبة . وإنما إن أخطأت ( فلنا شفيع عند الآب ، يسوع المسيح البار ، وهو كفارة عن خطايانا ) ( 1 يو 2 : 1 ، 2 )

نعم ، يا أخى . هو كفارة عن خطايانا . ولكن هو أيضاً الذى قال ( إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون ) ( لو 13 : 3 ) . هل تظن أنه سيشفع فيك دون أن تتوب ؟! كلا ، إن هذا وهم باطل . فاهتم بأبتديتك إذن وتب .

وأعرف أن الذى لا يتوب ، سوف لا يشفع المسيح فيه . وإنما ينذره قائلاً : ( احفظ وتب . فإني إن لم تسهر ، أقدم عليك كلص ، ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك ) ( رؤ 3 : 3 ) .

تواضع إذن يا أخى . وأستمع إلى قول بولس الرسول منذراً ( ... إذن من يظن أنه قائم ، فلينظر أن لا يسقط ) ( 1 كو 1. : 12 ) .

إنك لست أقوى من الذين سقطوا ، بل ربما لم تصل إلى شئ من درجتهم بعد ، قبل سقوطهم .

أنظر ماذا يقول بولس الرسول وتمعن جيداً فى الصفات التى يوردها . أنه يقول بولس الرسول ، وتمعن جيداً فى الصفات التى يوردها . أنه يقول ( لأن الذين استنيروا مرة ، وذاقوا الموهبة السمائية ، وصاروا شركاء الروح القدس ، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى ، وسقطوا [ عب 6 : 4 – 6 ] .

يا للهول ، ويا للخوف !! هل وصلت يا من تضمن الملكوت إلى هذه الدرجات العالية التى كانت لأولئك ؟! هل استنرت ، وصرت شريكاً للروح القدس ، وذقت الموهبة السماوية وكلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى ؟!

ومع ذلك فإن الذين نالوا كل هذه المواهب قد سقطوا . ولم يسقطوا فقط بل هكوا .

لأن الرسول يقول إنه ( لا يمكن تجديدهم أيضاً للتوبة ) ويشبههم بأرض ( مرفوضة وقريبة من اللمنة ، التى نهايتها الحرق ) ( عب 6 : 6 ، 8 ) .

جـ - هل خلصت أم لم تخلص ؟

قال لى أحد الشبان : ( بماذا أجيب إذن ، إن سألنى شخص قائلاً ( هل خلصت أم لم تخلص ؟ ) ...

أولا يجب أن تدرك أن من يسألك هكذا ليس أرثوذكسياً خالصاً . لابد أن يكون بروتستانتى المذهب ، أو على الأقل بروتستانتياً فى بيئته وثقافته . لأن الذى يتجاهل معموديتك ، وما نلته من الأسرار المقدسة ، ويلقى فى نفسك الشك فى إيمانك ، ودعوك من الآن إلى الإيمان وإلى الخلاص ، كما لو كنت وثنياً فى حياتك السابقة !! مثل هذا ، لا يمكن أن يكون أرثوذكسياً ، فلغته تظهره .

أما الإجابة على سؤاله فهى : نعم ، إننى خلصت فى المعمودية من الخطية الأصلية ، الخطية الجدية الموروثة . نلت هذا الخلاص الأول بدم المسيح وفاعلية كفارته وفدائه . أما الخلاص النهائى ، فنناله بعد أن نخلع هذا الجسد . أننا ما نزال فى حرب ، ( ومصارعتنا ليست مع دم ولحم ، بل مع ... أجناد الشر الروحية ) ( أف 6 : 12 ) . وسننال الخلاص عندما نغلب وننتصر فى هذه الحرب ...

وطالما نحن فى الجسد ، لا نستطيع أن نقول أننا أنتصرنا وخلصنا . لذلك فالكنيسة المقدسة لا تعيد للقديسين فى يوم ميلادهم الجسدى ، ولا فى يوم انضماهم إلى الكنيسة ، وإنما فى يوم نياحتهم ، أو استشادهم ، عملا بقول الكتاب ( انظروا إلى نهاية سيرتهم ، فتملثوا بايمانهم ) ( عب 13 : 7 ) . وهكذا فى مجمع القديسين فى القداس الإلهى ، نذكر نفوس جميع الأبرار الذين كملوا فى الإيمان ، أو اكتملت حياتهم فى الإيمان ...

نذكر هنا قصة نياحة القديس العظيم الأنبا مقاريوس الكبير الذى طاردت الشياطين روحه بعد خروجها من الجسد ، قائلين له ( خلصت يا مقاره ) وكيف لم يقل ( نعم ، بنعمة المسيح خلصت )

إلا بعد أن دخل الفردوس .

5 – لتكن اجابتكم من إيمان الكنيسة :

إن سئلتم سؤالاً عقيدياً ، فلا تجيبوا مطلقاً معتمدين على فكركم الخاص أو فهمكم الخاص . فقد قال الكتاب ( على فهمك لا تعتمد ) ( أم 3 : 5 ) .

أنت ابن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ، جاوب إذن بإيمان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية . إيمانها كما يظهر فى كتبها الكنسية المعترف بها ، وكما يظهر فى أقوال آبائها ، وفى قوانينها وتقاليدها .

وسأنتظر الآن إلى كتابين هامين من كتب الكنيسة هما الخولاجى المقدس والأجبية ، وأرى ماذا يعلماننا فى موضوعنا هذا ...

إنك تصلى كل يوم فى صلاة الغروب وتقول ( إذا كان البار بالجهد يخلص، فأين أظهر أنا الخاطئ ) . ( أحسبنى يا الله مع أصحاب الساعة الحادية عشرة ، لأنى أفنيت عمرى فى اللذات والشهوات ، وقد مضى منى العمر وفات ) . ( لكل إثم بحرص ونشاط فعلت ، ولكل خطية بشوق واجتهاد ارتكبت ، ولكل عذاب وحكم استوجبت ) .

هل فى عبارة واحدة من كل هذا ، ما يدل على أنك قد خلصت وضمنت الملكوت وانتهى الأمر . أم هى صلوات من نفس منسحقة معترفة بخطاياها ، معترفة بأنها تستحق كل عقوبة ، طالما الرحمة من الرب ؟

بنفس هذا الانسحاق تقف أمام الله فى صلاة النوم وتقول ( هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل مرعوب ومرتعب من من أجل كثرة ذنوبى ، لأن العمر المنقضى فى الملاهى يستوجب الدينونة . لكن توبى يا نفس مادمت فى الجسد ساكنة ... ) . وتوبخ نفسك قائلاً ( إذا انكشفت أفعالك الرديئة وشرورك القبيحة ، أمام الديان العادل ، فأي جواب تجيبى ، وأنت على سرير الخطايا منطرحة ، وفى إخضاع الجسد متهاونة !؟ ) ...

إنه انسحاق العشار الواقف أمام الله فى ذلة ، وليست كبرياء الفريسى ... إننا لا نقف كأبرار قد تجدوا وتقدسوا ، ونالوا الخلاص ، وضمنوا الملكوت إنما فى كل صلاة نعترف باستحقاقنا للدينونة ونطلب الخلاص ...

وهكذا فى صلاة ( تفضل يارب ) فى صلاة النوم ، يتضرع كل منا قائلاً : ( أنا طلبت إلى الرب وقلت : أرحمنى وخلص نفسى ، فانى أخطأت إليك . ألتجأت يارب إليك ، فخلصنى ، وعلمنى أن أصنع مشيئتك ) .

وصلاة الساعة السادسة نستهلها بقول المزمور ( اللهم باسمك خلصنى ) ( مز 53 : 1 ) . ونقول فيها ( مزق صك خطايانا ، أيها المسيح إلهنا ونجنا ) .

وهكذا تعلمك الكنيسة أن تتضرع إلى الرب كل يوم أن يمزق صك لخطاياك ، مختتماً هذه القطعة من الصلاة بقولك ( كلامى أقوله فيسمع صوتى ، ويخلص نفسى بسلام )

إنك نلت خلاصاً فى المعمودية من خطيئتك الأصلية ، ومات إنسانك العتيق ، عندما مت مع المسيح ودفنت معه . ولكنك مع ذلك ، ما تزال تخطئ كل يوم . وإن قلت إنك تخطئ تضل نفسك ولا يكون الحق فيك ( 1 يو 1 : 8 )

أنت تخطئ كل يوم ، وأجرة الخطية الموت . إذن فأنت تتعرض للموت كل يوم . وتحتاج فى كل يوم إلى الخلاص . تحتاج إلى دم المسيح يومياً ليطهرك من كل خطية . لذلك تحتاج باستمرار إلى أن تعترف بخطاياك ، وتتوب ، وتتناول من جسد الرب ودمه الذى ( يعطى عنا خلاصاً وغفراناً للخطايا ، وحياة أبدية لكل من يتناول منه ) حسبما تعلمنا صلوات القداس الإلهى .

إنه خلاص يتجدد باستمرار ، تطلبه كل يوم ، وتأخذه فى كل توبة وفى كل تحليل يصليه الكاهن على رأسك ، وفى كل تناول من جسد الرب ودمه .

نرجع بعد هذه المقدمة إلى موضوع الثقة وضمان الملكوت .

* * *

الذين يتكلمون عن ضمان الملكوت ، يعتمدون أولا على قول بولس الرسول ( فاذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم المسيح ... ) ( عب 1. : 19 ) . وكذلك قوله عن نفسه ( لأننى عالم بمن آمنت ، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم ) ( 2تى 1 : 12 ) . وقوله أيضاً ( وأخيراً وضع لى اكليل البر ) ( 2 تى 4 : 8 ) . وغير ذلك من النصوص المقدسة التى يعتمد عليها الكثيرون قائلين أنهم يعيشون فى ( يقين بولس ) !!

وسوف نتناول بنعمة الرب كل تلك النصوص بالشرح والتعليق فى الصفحات المقبلة إن شاء الله .

غير إننا نود أن نفهم أولاً على أى اساس تبنى هذه الثقة .

لذلك لسنا نجد – فى مقدمة موضوعناهذا – خيراً من التوضيح الجميل الذى قدمه لنا معلمنا يوحنا الرسول ، عن شروط الثقة وأسبابها وأساسها .

فما هى الأسس التى تحدث عنها يوحنا الرسول؟ .

شرط راحة الضمير :

يقول القديس يوحنا الرسول ( أيها الأحباء ، إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله ) ( 1 يو 3 : 21 ) . هنا شرط : إن لم تلمنا قلوبنا . أى إن كان ضميرنا لا يلومنا أو لا يبكينا على شئ . إن كنا لا نخطئ فى شئ يجعل قلوبنا تلومنا ...

مصدر الثقة هنا إذن ، وأساسها الذى تبنى عليه ، هو أن قلوبنا تكون راضية من جهة علاقتنا بالله ، لا تلومنا على شئ . أما إذا لا متنا ، فان الثقة بالتالى تتزعزع بلا شك .

إذن تاتى الثقة من راحة الضمير . وكيف تاتى راحة الضمير هذه ؟

يوضح القديس يوحنا هذه الفكرة فيقول ( إن لم تلمنا قلوبنا فلنا ثقة من نحو الله . ومهما سألنا ننال منه ، لأننا نحفظ وصاياه ، ونعمل الأعمال المرضية أمامه ( 1 يو 3 : 21 ، 22 ) .

لقد اتضح إذن مصدر هذه الثقة . وهو اننا نحفظ وصايا الله ، ونعمل الأعمال المرضية أمامه . هذا هو حجر الزواية فى التعليم طالما نحفظ وصايا الله ونعمل الأعمال المرضية أمامه ، فان ضميرنا يكون مستريحاً ، ولا يوجد شئ تلومنا قلوبنا عليه ، وحينئذ يكون لنا ثقة من نحو الله .

ماذا قال معلمنا يوحنا الرسول أيضاً ؟ .

2 _ شرط الثبات فى المسيح :

يقول ( والآن أيها الأولاد ، اثبتوا فيه . حتى إذا أظهر ، يكون لنا ثقة ، ولا نخجل منه فى مجيئه . إن علمتم أنه بار هو ، فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه ) ( 1 يو 2 : 28 ، 29 )

هنا شرط آخر للثقة ، وهو أن نكون ثابتين فى المسيح . فان لم نثبت فى المسيح ، لا تكون لنا ثقة ، ونخجل منه فى مجيئه ... إنه تعليم واضح .

هل تقول إذن : أنا خلصت ، إنى واثق ، أنا ضامن للملكوت !! .

بينما ضميرك يوبخك على سلوك معين ، أو أنت غير ثابت فى المسيح . حينئذ تكون فى موقف من يخدع نفسه ، أو من يتكلم كلاما فى الهواء .

أتريد أن تكون لك ثقة ؟ اثبت فى المسيح . وإن أردت أن تعرف ما معنى الثبات فيه ، تعال بنا نسأل الكتاب ونسترشد به :

يقول بولس الرسول ( اثبتوا إذن فى الحرية التى قد حررنا المسيح بها ، ولا ترتبكوا أيضاً بنير عبودية ) ( غل 5 : 1 ) . أى لا تسمح لآية خطية أن تسعبدك .

وماذا أيضاً فى معنى الثابت ؟ .

يقول يوحنا الرسول موضحاً ( كل من يثبت فيه لا يخطئ . كل من يخطئ ، لم يبصره ولا عرفه ) ( 1 يو 3 : 6 )

إذن إن كنت تخطئ . فأنت غير ثابت فيه . وإن كنت غير ثابت فيه ، فلا تكون لك ثقة . وحينئذ تخجل منه فى مجيئه .

ما أسهل إذن أن تقول إنى واثق ، أو تقول إنى ضامن للملكوت ، دون أن تقدر ما يقوله الكتاب فى شرح معنى هذه الثقة ، التى تتطلب منك أن لا تخطئ ...

يؤكد يوحنا الرسول هذا المعنى ، فيقول فى نفس رسالته :

( من يحفظ وصاياه يثبت فيه ، وهو فيه ) ( 1 يو 3 : 24 ) . هذا هو الثبات المتبادل ، يأتى عن طريق حفظ الوصايا .

ولكن إلى أية درجة يحفظ الإنسان الوصايا ؟ يجيب الرسول :

( من قال إنه ثابت فيه ، ينبغى أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضاً ) ( 1 يو 2 : 6 ) .

من يجرؤ بعد هذا النص الصريح أن يقول إنه ثابت فى الرب ؟! وإن كنا غير ثابتين ، فكيف إذن تكون لنا ثقة ، ولا نخجل منه فى مجيئه .

إذن بدلا من عبارة إنى واثق ، وإنى ضامن ، يحسن بعد هذا كله ، أن نقف مع العشار المنسحق ، ليقرع كل منا قلبه ويقول ( ارحمنى يارب فانى خاطئ ) ( لو 18 : 13 ) .

تستطيع أن تقول إنك واثق وإنك ضامن الملكوت ، إن كنت على الدوام ثابتاً فى المسيح ، كما سلك هو تسلك أنت أيضاً . أو على الأقل إن كنت على الدوام تحفظ وصاياه ، وتفعل فى كل حين ما يرضيه . لأن الرسول يقول ( وأما الذى يصنع مشيئة الله ، فيثبت إلى الأبد ) ( 1 يو 2 : 17 ) . ويقول أيضاً ( إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء فأنتم أيضاً تثبتون فى الابن وفى الآب ) ( 1 يو 2 : 24 ) .

ورب المجد نفسه يشرح لنا أهمية الثبات فيه ، فيقول ( إن كان أحد لا يثبت فى ، يطرح خارجاً كالغصن ، فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق ) ( يو 15 : 6 ) .

أتريد إذن أن تثبت فيه كالغصن ، وتسرى فيك عصارة الكرمة فلا تجف ، ولا تلقى إلى النار فتحترق ، اسمع الرب يقول ، ( من يأكل جسدى ويشرب دمى ، يثبت فى وأنا فيه ) ( يو 6 : 56 ) . وماذا أيضاً يارب ؟ يقول ( ويحيا إلى الأبد ) ( يو 66 : 58 ) .

إذن فمن شروط الثقة : راحة الضمير ، والثبات فى الرب ، بكل ما يحمل هذان الشرطان من تفاصيل . فما هو الشرط الثالث إذن ؟ أنه :

3 – شرط المحبة الكاملة :

قال الرسول إنه من ضمن شروط الثقة ، أن تثبت الإنسان فى الله ، ولكى يثبت فى الله ، ينبغى أن يثشت فى المحبة ، لأن الله محبة . وهكذا قال القديس يوحنا الحبيب ( الله محبة . من يثبت فى المحبة فى الله ، والله فيه ( 1 يو 4 : 16 ) .

فإن ثبت الإنسان فى محبة الله ، وتكاملت محبته ، حينئذ تكون له ثقة . ولهذا يتابع الرسول كلامه فيقول ( بهذا تكملت المحبة فينا ، أن يكون لنا ثقة فى يوم الدين ) ( 1 يو 4 : 17 ) .

وكيف نثبت فى محبة الله ؟ يقول الرب نفسه ( إن حفظتم وصاياى ، تثبتون فى محبتى ، كما إنى أنا قد حفظت وصايا أبى وأثبت فى محبته ) ( يو 15 : 1. ) . لكى نصل إذن إلى المحبة الكاملة التى تجلب الثقة علينا بلا شك أن نكون كاملي فى حفظ وصاياه .

وطبيعى أننا إن وصلنا إلى هذه الثقة كنتيجة للمحبة الكاملة ، حينئذ لا نخاف بل نطمئن

ولهذا يتابع الرسول كلامه فيقول ( لا خوف فى المحبة . بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج ) . ( 1 يو 4 : 18 ) .

فهل وصلت أيها الأخ إلى المحبة الكاملة ؟ هلى اصبحت تحب الرب من كل قلبك ، ومن كل فكرك ، ومن كل قدرتك ؟

وهل فى محبتك لله أصبحت تبغض العالم بكل ملاذه وشهواته وأمجاده ، وتبغض حتى نفسك ؟ إن كنت كذلك ، وإن استمر الحال بك كذلك ، فطوباك . لك أن تثق ، طالما أنت ثابت فى هذه المحبة الكاملة .

إذن فالثقة كما يشرحها معلمنا القديس يوحنا الرسول ، لها شروط .

ومن شروطها أن يحفظ الإنسان وصايا الله ويعمل كل حين ما يرضيه ، حتى يرتاح بذلك ضميره ، ولا يلومه قلبه على شئ . ومن شروطها الثبات فى المسيح ، بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى . ومن شروطها الوصول إلى . المحبة الكاملة من نحو الله ، حتى تستطيع المحبة أن تطرج الخوف إلى الخارج .

إن وصول الإنسان إلى هذه الدرجات ، تكون له الثقة الكاملة ، ويصل إلى ( يقين بولس ) الذى يتغنون به ، والذى سنشرحه الآن .

صدقونى ، إن كثيراً من الذين يقولون إنهم واثقون وضامنون ، تفكيرهم سطحى جداً ، ولم يصلوا إلى الفهم الحقيقى لمعنى هذه الثقة كما شرحها القديس يوحنا الرسول .

يقين بولس واكليله :

يقولون إنهم واثقين من الخلاص لأن بولس الرسول قد قال ( وأخيراً وضع لىأكليل البر ) ( 2 تى 4 : 8 ) . وأيضاً لأنه قال ( لأننى عالم بما آمنت ، وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعته إلى ذلك اليوم ) ( 2 تى 1 : 12 ) .

أ – من قال هذا الكلام ؟ :

أول شئ ينبغى أن نعرفه هو : من قال هذه العبرات ؟ لقد قالها بولس الرسول وهو من أكبر الرسل لا منازع ، بولس الذى قال ( مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فى ) ( غلا 2 : 2. ) .

بولس الذى قال ( فانى متيقن أنه لا موت ولا حياة ، ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ، ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ، ولا علو ولا عمق ، ولا خليقة أخرى ، تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التى فى المسيح يسوع ربنا ) ( رو 8 : 38 ، 39 ) .

لقد قال هذا الكلام بولس الذى اختطف إلى السماء الثالثة ...

الذى أشفق الله عليه من فرط الإعلانات ( 2 كو 12 : 2 ، 7 ) ...

فهل أيها الواثق تشبه بولس الرسول فيما وصل إليه من سمو وروحانية ونعمة ؟‍! لا يجوز مطلقاً أن تأخذ حالة القديسين وتنسبها إلى نفسك ( إن كان بولس موقنا ، فليس معناه أنك كذلك ... ثم هناك نقطة أخرى وهى :

ب – متى قال القديس بولس هذا الكلام ؟ .

قال مار بولس هذه العبارات وهو فى أواخر أيامه لذلك قال قبلها مباشرة ( فانى أنا الآن أسكب سكيباً ، ووقت انحلالى قد حضر ) ( 2 تى 4 : 6 ) . وقال هذا أيضا بعد أن جاهد الجهاد الحسن ، وأكمل السعى ، وحفظ الإيمان ) ( 2 تى 4 : 7 ) .

ولا مانع مطلقاً – بالنسبة إلى إنسان بار قديس فى أواخر أيامه – أن يعطيه الرب ثقة ورجاء ، أو أن يجعله يرى الاكليل الذى ينتظره ،

كما كان بعض الشهداء يرون أكاليلهم قبل سفك دمائهم من أجل المسيح .

ومع ذلك فلنفحص هاتين العبارتين بالتدقيق ، ونرى عاى أى شئ يدلان .

جـ - ( إنى موقن أنه قادر ) :

يقول بولس الرسول أنه موقن بأن الله قادر أن يحفظ وديعته ، فماذا تعنى هذه العبارة ؟ لا شك أن الله قادر على أن يحفظ وديعة أى إنسان ، ولكن ماذا عن الإنسان ذاته ؟ فى أى اتجاه تسير ارادته ؟

إن الله قادر ، وربما أنت لا تريد ... الله قادر أن يحفظ وديعتك ، وأنت وربما تلقيها بحرية إرادتك إلى الجحيم ....

ألم يقل ( كم مرة أردت ... ولم تريدوا ) ( مت 23 : 37 ) .

إن قدرة الله أمر لا يشك فيه أحد . ولكن قدرة الله لا تلغى حرية إرادتك . بالنسبة إلى مار بولس الرسول ، كانت حرية إرادته متفقة اتفاقاً كاملاً مع قدرة الله على حفظ وديعته . فهل أنت كذلك ؟!

نتناول بعد هذه العبارة الأخرى التى قالها الرسول :

د – أخيراً وضع لى أكليل البر) :

قال بولس الرسول ( أخيراً قد وضع لى اكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الرب الديان العادل ) . قال إن الاكليل قد وضع ، ولم يقل أنه قد أخذ الاكليل ، فالكليل موضوع يأخذه البار فى ذلك اليوم .

وكم من أشخاص وضع لهم هذا الاكليل وفقدوه.

لذلك ينذر الرب ملاك كنيسة فلادلفيا ، ، قائلاً له ( تمسك بما عندك ، لئلا يأخذ أحد اكليك ) ( رؤ 3 : 11 )

هـ - ماذا قال الرسول فى نفس رسالته ؟ :

إن بولس الرسول الذى قال العبارات السابقة فى رسالته الثانية إلى تيموثيئوس ، قال أيضاً فى نفس الرسالة ( صادقة هى الكلمة أنه إن كنا قد متنا معه ، فسنحيا أيضا معه . إن كنا نصبر ، فسنملك أيضاً معه . إن كنا ننكره فهو أيضاً سينكرنا ) ( 2 تى 2 : 11 ، 12 )

ففى قوله ( إن كنا ... ) دليل على أن الأمر فى خلاصنا لا يتوقف على الله فقط ، بل علينا نحن أيضاً . إن لله عملاً فى خلاص الإنسان كما أن للإنسان عملاً أيضاً . ولو كان الأمر هو عمل الله وحده ، لزالت بذلك حرية الإنسان .

كما نلاحظ أن عبارة ( إن كنا ننكره ، فهو أيضاً سينكرنا ) ( دليل على أن الإنسان يمكن أن يفقد خلاصه .

2 – الثقة بالدخول إلى الأقداس :

إن الذين يتحدثون عن ضمان الملكوت يعتمدون على قول بولس الرسول ( فاذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع ... لنتقدم بقلب صادق فى يقين الإيمان ، مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ، ومغتسلة أجسادنا بماء نقى ) ( عب 1. : 19 – 21 ) .

إن هذا النص يتحدث عن ثقة الدخول ويقين الإيمان ، بشروط أساسية . فعبارة ( مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ) تدل على ضرورة النقاوة والتوبة ( وعبارة ( مغتسلة أجسادنا بماء نقى ) تدل على ضرورة المعمودية للخلاص .

فهل اكتفى القديس بولس بكلامه هذا ، وبهذين الشرطين فقط ؟ كلا ، إننا إن قرأنا باقى كلامه ، نرى عكس ما يدعيه هؤلاء الواثقون ! . يتابع الرسول كلامه فيقول ( لنتمسك باقرار الرجاء راسخاً ، لأن الذى وعد هو أمين ) . ولنلاحظ بعضنا بعضاً للتحريض على المحبة والأعمال الصالحة .

فما لزوم أهمية المحبة والأعمال الصالحة فى موضوع الثقة هذا ؟ إن القديس بولس يدلل بكلامه على أن الثقة فى ( الدخول إلى الأقداس بدم يسوع ) إنما تعتمد على أعمال الإنسان وسلوكه أيضاً – والا تزعزعت هذه الثقة وانهارت انهيارً مريعاً .

ولذلك يتابع الرسول كلامه محذراً ومنذراً : ( فانه إن أخطأنا باختيارنا – بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا ، بل قبول دينونة مخيف ، وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين ) ( عب 1. : 26 ، 27 ) أين الثقة إذن ، مع وجود هذه الدينونة المخيفة ، إن أخطأنا ؟ الا يستلزم الأمر إذن غاية الاحتراس والحيطة ، والسلوك فى مخافة وانسحاق ، إن كنا نريد أن نتقدم إلى الأقداس فى ثقة .

ذلك لأن الرسول الذى تحدث الذى تحدث عن هذه الثقة بدم المسيح ، نراه لا ينسى مطلقاً عدل الله .

بل يتابع كلامه قائلاً ( فاننا نعرف الذى قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب . وأيضاً الرب يدين شعبه مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى ) ( عب 1. : 3. ، 31 )

إن هذا يذكرنا بما نعرفه عن البروتستانت من خطورة استخدامهم للآية الواحدة .

كان أجدر بهم فى معالجة هذا النص المقدس من أقوال مار بولس الرسول ، أن لا يأخذوا الآية الأولى من الاصحاح مكتفين بها ، دون أن يتابعوا كلام الرسول حتى نهايته .

ليتهم فعلوا ذلك ، إذن لرأوه يقول أيضاً فى موضوع الثقة :

( فلا تطرحوا ثقكتم التى لها مجازاة عظيمة ، لأنكم تحتاجون إلى الصبر ، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد ) ( عب 1. : 35 ، 36 ) . حقاً ( إن الذى وعد هو أمين ) ، ولكن نوال الموعد يتوقف على صنع مشيئة الله ، فاننا بلا شك ، فاننا بلا شك لا ننال الموعد ، ولا تكون لنا ثقة .

( فلا تطرحوا ثقتكم التى لها مجازاة عظيمة ، لأنكم تحتاجون إلى الصبر ، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد ) ( عب 1. : 35 ، 36 ) .

حقاً ( إن الذى وعد هو أمين ) ، ولكن نوال الموعد يتوقف على صنع مشيئة الله ، فاننا بلا شك لا ننال الموعد ، ولا تكون لنا ثقة .

ما معنى هذا ؟ هل معناه أن الله قد رجع فى هباته التى هى بلا ندامة ( رو 11 : 39 ) ؟ . كلا ، إن هبات الله هى حقاً بلا ندامة ، ولكن لها شروطاً . فاذا لم تنل هباته ، لا يكون هو الذى رجع هباته ، وإنما تكون أنت الذى خالفت الشروط .

إن الله أمين فى وعده ولكنه قال لنا على فم رسوله بولس ( إذا صنعتم مشيئة الله ، تنالون لموعد ) ( عب 1. : 36 ) .

وواضح أن عمل مشيئة الله يستغرق العمر كله . لذلك قال الرسول ( لأنكم تحتاجون إلى الصبر ) . ومعنى هذا أن نصبر العمر كله فى مرضاة الله ، حتى ننال موعده ...

يظهر من كلام القديس بولس الرسول فى هذا الاصحاح إذن أن ( الثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع ) تحتاج إلى أمور كثيرة : تحتاج إلى قلب صادق ، وحياة توبة ونقاوة ، وأجساد مغتسلة بماء المعمودية النقى ، كما تحتاج إلى التحريض على المحبة والأعمال الصالحة ، وإلى صنع مشيئة الله ، والصبر على كل ذلك ، والاحتراس من فعل الخطيئة ، والا فان أخطأنا باختيارنا ، نتعرض لدينونة مخيفة ، ومخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى .

3 – الاجتهاد والصبر ، لحفظ الثقة :

إن الصبر الذى تحدث عنه بولس الرسول فى قوله ( فلا تطرحوا ثقتكم التى لها مجازاة عظيمة لأنكم تحتاجون إلى الصبر ، حتى إذا صنعتم مشيئة الله تنالون الموعد ) ( عب 1. ،35 ، 36 ) . يعود فيتحدث عنه مرة أخرى قائلاً :

( .. لكننا نشتهى أن كل واحد منكم يظهر هذا الاجتهاد عينه ليقين الرجاء إلى النهاية ) ( عب 6 : 11 ) . إذن فيقين الرجاء يحتاج إلى اجتهاد يظهره الإنسان ، حتى النهاية . وإلى ماذا أيضاً ؟ يتابع الرسول كلامه فيقول ( لكى لا تكونوا متباطئين ، بل متمثلين بالذين بالايمان والأناة يرثون المواعيد) ( عب 6 : 12 ) .

هنا نرى بولس قد أضاف إلى الإيمان شيئاً آخر ، هو الأناة أى الصبر ، قال بهما ننال المواعيد ...

ألم يقل الرب من قبل ( بصبركم اقتنوا أنفسكم ) ( لو 21 : 19 ) ؟ وقال أيضاً ( من يصبر إلى إلى المنتهى فهذا يخلص ) ( متى 24 : 13 ) .

اننا نلنا خلاصاً بالايمان فى المعمودية . ولكن هذا الخلاص تتضافر قوى كثيرة ضده لكيما تفقدنا أياه : فضده إرادتنا الضيعفة التى تميل كثيراً إلى الشر ، وعدونا الذى ( يجول مثل أسد زائر يلتمس من يبتلعه

هو ) ( 1 بط 5 : 8 ) وضد خلاصنا أيضاً الخطية التى ( طرحت كثيرين جرحى ، وكل قتلاها أقوياء ) ( أم 7 : 26 ) .

ونحن محتاجون فى كل ذلك أن ( نحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا ) ( عب 12 : 1 ) . ولذلك يقول الكتاب ( انظروا إلى نهاية سيرتهم ... ) ( عب 13 : 7 ) .

4 – الذى بدأ فيكم عملاً ، فهو يكمل :

إن الذين ينادون بالثقة وضمان الملكوت ، يعتمدون على قول القديس بولس إلى أهل فيلبى ( واثقاً بهذا عينه ، أن الذى ابتدأ فيكم عملاً صالحاً ، يكمل إلى يوم يسوع المسيح ) ( فى 1 :6 ).

إن الذين ينادون بالثقة وضمان الملكوت ، يعتمدون على قول القديس بولس إلى أهل فيلبى ( واثقاً بهذا عينه ، أن الذى ابتدأ فيكم عملاً صالحاً ، يكمل إلى يوم يسوع المسيح ) ( فى 1 : 6 ) .

نعيد ما قلناه سابقا أن الله قادر أن يمل فينا . ولكن ماذا عن موقفنا نحن ؟! إن الغلاطين الأغبياء كان الله قد بدأ فيهم عملاً صالحاً ومع ذلك فأن بولس الرسول يقول لهم : ( أهكذا أنتم أغبياء ، أبعدما ابتدأتم بالروح ،تكملون الآن بالجسد ) ( غل 3 : 3 ) . إنهم هنا هم الذين سيكملون بالجسد ولا يتركون له فرصة أن يكمل فيهم عملاً صالحاً .

أما من جهة أهل فيلبى ، فمع ثقة بولس الرسول ، نراه يصلى من أجلهم أن تزداد محبتهم ، ويزدادوا فى كل فهم ، لكى يكونوا ( مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح مملوئين من ثمر البر ) ( فى 1 : 9 – 11 )

. فمع أن المسيح قادر أن يكمل ، إلا أن عليهم هم عملاً ، أن يكونوا بلا عثر حتى النهاية ، كما

أوصاهم قائلاً ( عيشوا كما يحق لانجيل المسيح ) ( فى 1 : 27 )

وقال لهم أنه ( قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط ، بل أيضاً أن تتألموا لأجله . إذ لكم الجهاد عينه الذى رأيتموه فى والآن تسمعون فى ) ( فى 1 : 29 ، 3. ) .

فما معنى هذا كله ؟ وما دام الله سيكمل ما بدأه فيهم ، فما لزوم كل تلك النصائح : أن يزداودا فى المحبة والفهم ، وأن يكونوا بلا عثرة ، مملوئين من ثمر البر ، وأن يعيشوا كما يحق لانجيل المسيح ، وأن يتألموا لأجله ، ويكون لهم نفس جهاد القديس بولس ؟! .

ذلك لأنه كما أن على المسيح جانباً فى خلاصهم ، كذلك هم أيضاً عليهم جانب يجب أن يتمموه . لذلك قال لهم ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 ) . إن المسيح سوف لا يكمل العمل وحده ، وإنما سيكمله بهم وفيهم ومعهم . إن الله لا يأخذ الناس عنوة ويلقيهم فى الملكوت ، وإنما لابد أن يعملوا معه .

لذلك نجد أن الرسالة إلى فيلبى هى أكثر يقول فيها بولس الرسول أنه يسعى لكى يدرك ( فى 3 : 12 ، 14 ) .

وقد شرح لهم بولس فى نفس الرسالة مثالاً من أولئك الذين بدأوا ولم يكملوا حسناً ، فكانت نهايتهم الهلاك .

وأصبح الرسول يذكرهم باكياً . وقد طلب منهم بولس الرسول أن يتمثلوا به فى سعيه وجهاده ولا يتمثلوا بأولئك الهالكين ( فى 3 : 17 ) .

كلمة ختامية فى موضوع الثقة :

ما أجمل قول سليمان الحكيم فى هذا المجال ( الحكيم يخشى ويحيد عن الشر ، والجاهل يتصلف ويثق ) ( ( أم 14 : 16 ) .

لذلك فان معلمنا بولس الرسول ينصح قائلاً ( لا تستكبر بل خف ) ( رو 11 : 2. ) .

وقد نصح أهل فيلبى قائلاً : تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 3 : 12 ) ويضم بطرس الرسول صوته إلى هذه النصيحة قائلاً ( إن كنتم تدعون أباً الذى يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد ، فسيروا زمان غربتكم بخوف ) ) 1بط 1 : 17 ) .

ما دامت هناك ثقة ، وهناك يقين ،وهناك ضمان للملكوت ، فما معنى الخوف إذن والرعدة ؟! لماذا لا يعتمد الإنسان على وعود الله ، ولكننا لا نطمئن من جهة أنفسنا .

ولذلك مزج الرسول الحديث عن المواعيد الالهية بالحديث عن المخافة ، فقال ( فاذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء ، لنطهر ذاوتنا من كل دنس الجسد والروح ، مكملين القداسة فى خوف الله ) ( 2 كو 7 : 1 )

يمكن أن يسقط المؤمن :

لعل من أشهر الأمثلة على ذلك بعض ملائكة الكنائس السبع التى فى آسيا ، هؤلاء ولا شك كانوا مؤمنين . وقصص سقوطهم سنشرحها فى الصفحات المقبلة أن شاء الله .

وما أسهل أن نورد العديد من الأمثلة عن الأنبياء والقديسين الذين سقطوا . على أننا سوف لا نطيل فى هذه النقطة لأن غالبية

جماعات البروتستانت وخلاص النفوس والبليموث ، يوافقون على أن المؤمن يمكن أن يسقط . ولكنهم يقولون لا يمكن أن يهلك .

فلتكن هذه النقطة الأخيرة ( امكانية هلاك المؤمن ) هى موضوع بحثنا واثباتنا .

كلمة ( مؤمن ) وكلمة ( مختار ) :

إن المختارين كلهم من المؤمنين ، ولكن المؤمنين ليسوا كلهم مختارين فقد يسقط بعضهم ويهلك . ومغالطة البروتستانت هى انهم – كلما نورد لهم قصة مؤمن هلك – يجادلون قائلين كلا أنه لم يكن مؤمناً . لو كان مؤمنا ، ما كان قد هلك . ( انظروا الفرق بين عبارتى المؤمنين والمختارين ص 33 –36 ) وسنحاول فى هذا البحث أن نثبت أثباتاً قاطعاً إيمان كل مثل من الأمثلة التى نوردها لمن هلكو.

الأثبات الأول

رو 11 ، يو 15

مثال الغصن الذى يقطع :

بعد أن شبه بولس الرسول اليهود بأغصان طبيعية قد قطعت من أصل الزيتونة ودسمها ، قال ( ستقول : قطعت الأغصان لأطعم أنا .

حسناً . من أجل عدم الإيمان قطعت ، وأنت بالايمان ثبت ) ( رو 11 : 19 ، 2. ) . واضح هنا أنه يكلم مؤمنا ، قد ثبت فى الزيتونة ، وطعم فيها ، وصار شريكاً فى أصل الزيتونة ودسمها ) ( رو 11 : 17 ) .

فماذا تراه يقول لهذ المؤمن ؟

إنه يقول لهذا المؤمن ( لا تستكبر بل خف . لأنه إن كان الله لم يشفق على الأغصان الطبيعية فلعله لا يشفق عليك أيضاً . فهوذا لطف الله وصرامته . أما الصرامة فعلى الذين سقطوا . وأما اللطف فلك أن ثبت فى اللطف . والا فأنت أيضاً ستقطع ) ( رو 11 : 2. ، 22 ) .

والعبارة الأخيرة ( أنت أيضاً ستقطع ) هى انذار لهذا المؤمن بامكانية هلاكه ، إن لم يثب فى لطف الله

يشبه هذا المثال ما قاله السيد المسيح فى تشبيه نفسه بالكرمة، وتشبيهنا نحن بالأغصان . فالأغصان التى فى الكرمة تدل على المؤمنين ولا شك . لأن الغصن هو عضو من أعضاء الكرمة ، تسرى فيه عصارتها . فهل يمكن أن يهلك ؟ .

يقول السيد الرب ( كل غصن فى لا يأتى بثمر ينزعه ... إن كان أحد لا يثبت فى يطرح خارجاً كالغصن ، فيجف ، ويجمعونه ويطرحونه فى النار ، فيحترق ) ( يو 15 : 2 ، 6 ) وهذا معناه أن مثل هذا المؤمن غير المثمر سيهلك لا محالة .

( عب 3 وعب 4 ) .

مثال الشعب العاصى فى البرية :

يتحدث مار بولس الرسول فى هذين الأصحاحين إلى ( الاخوة القديسين ، شركاء الدعوة السمائية ) ( عب 3 : 1 . فهل هؤلاء القديسون كانوا من المؤمنين ، أم لم يكونوا ؟

طبيعى أنهم كانوا مؤمنين ولا شك . هؤلاء يحذرهم الرسول من الارتداد عن الله الحى ) ( عب 3 : 12 ) وطبعاً التحذير من الارتداد إنما يوجه إلى المؤمنين ، وليس إلى غير المؤمنين .

هؤلاء الاخوة القديسون ، المؤمنون ، شركاء الدعوة السمائية . يقول لهم الرسول ( لذلك كما يقول الروح القدس :

اليوم إن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم ، كما فى الاسخاط

يوم التجربة فى القفر ) ( عب 3 : 7 ، 8 ) . فما هو يوم الاسخاط هذا ؟ وما الذى حدث فيه ؟ وعلى أى شئ يدل فى قضيتنا هذه ؟ .

إن الذين أسخطوا الرب ، هم الشعب العاصى فى البرية ، الذين مقتهم الرب أربعين سنة وقال ( أقسمت فى غضبى : لن يدخلوا راحتى ) ( عب 3 : 11 ) .وهكذا هلكوا فى البرية ، وسقطت جثثهم فى القفر

هؤلاء الذين سقطوا ، الذين أقسم الله أنهم لن يدخلوا راحته ، الذين أسخطوا الرب فى القفر ، هل كانوا قد نالوا الخلاص قبلاً أم لم ينالوه ؟ يجيب بولس فيقول

( فمن هم الذين إذ سمعوا أسخطوا ؟ أليس جميع الذين خرجوا من مصر بواسطة موسى ) ( عب 3 : 16 ) .

إنهم نالوا الخلاص الأول : انقذهم الرب من العبودية ، وشق لهم البحر الأحمر ، واجتازوا فى وسط الماء – الذى يرمز إلى المعمودية – وعبروا البحر . ولكنهم مع كل ذلك هلكوا فى القفر ، وفقدوا الخلاص الذى نالوه ، وأقسم الرب أنهم لن يدخلوا راحته .

أليس هؤلاء يقدمون مثالاً واضحاً عن المؤمنين الذين يهلكون ؟ إن هؤلاء العصاة يمثلون بلا شك الذين يرتدون بعد الإيمان فيهلكون . وقد هلكوا بسبب العصيان . وأرض الموعد دخلوها أناس آخرون . ( والذين بشروا أولا ، لم يدخلوا بسبب العصيان ) ( عب 4 : 6 ) .

هذا العصيان الذى يمنع من الدخول إلى راحة الرب ، يحذرنا منه الرسول قائلاً ( فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد فى عبرة العصيان هذه عينها ) ( عب 4 : 11 ) .

بل انه يقول أكثر من هذا ( فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته ، يرى أحد منكم أنه قد خاب منه ) ( عب 4 : 1 ) .

إن قصة هذا الشعب العاصى الذى فقد خلاصه الأول وهلك إنما أعطيت لنا مثالاً لنتعظ ، وندرك أنه من الممكن أن يفقد المؤمن خلاصه . ( وهذه الأمور جميعها أصابتهم مثلاً ، وكتبت لانذارنا ، ونحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور . إذن من يظن أنه قائم فلينظر لئلا يسقط ) ( 1 كو 1. : 11 : 12 ) .

إن قصة هلاك هذا الشعب العاصى ، تذكرنا بامرأة لوط التى خلصت من سدوم وهلكت خارجاً . لذلك يقول الكتاب ( اذكروا امرأة لوط ) ( لو 17 : 32 ) .

( عب 1. : 19 – 32 ) .

إن أخطأنا باختيارنا ، بعد معرفة الحق :

يتكلم بولس الرسول مع نفس ( الاخوة القديسين شركاء الدعوة السمائية ) ( عب 3 : 1 )

الذين بعدما أنيروا صبروا على مجاهدة آلام كثيرة ، والذين رثوا لقيود الرسول ، وقبلوا سلب أموالهم بفرح ، عالمين فى أنفسهم أن لهم مالا أفضل فى السموات وباقياً ( عب 1. : 32 ، 34 فماذا يقول لهؤلاء الذين يبدأ حديثه معهم قائلاً ( إذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع )؟

إنه يقول لهم ( فانه إن أخطأنا باختيارنا بعدما أخذنا معرفة الحق لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا ، بل قبول دينونة مخيف وغيرة نار عتيدة أن تأكل المضادين ... فاننا نعرف الذى قال لى الانتقام أنا أجازى يقول الرب وأيضاً يدين شعبه مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى ) ( عب 1. : 26 – 31 )

هذا الانذار بالهلاك لمن يخطئ من هؤلاء الاخوة المؤمنين القديسين يعطينا فكرة عن امكانية هلاك المؤمن .

لأن بولس الرسول يقول فيه ( فكم عقاباً أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله ، وحسب دم العهد الذى قدس به دنساً ، وازدرى بروح النعمة ) ( عب 1. : 29 )

نلاحظ هنا أن عبارة ( دم العهد الذى قدس به ) ، تدل على أن هذا الهالك كان مؤمناً ، قد تقدس قبلاً بدم العهد !

أمثلة من هلاك المرتدين :

هؤلاء المرتدين كانوا من قبل مؤمنين ، ثم ارتدوا وهلكوا . والأمثلة فى الكتاب المقدس كثيرة توضح هلاكهم .

يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثيئوس ( ولكن الروح يقول صريحاً

إنه فى الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين

فى رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم مانعين عن الزواج ، وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر من المؤمنين وعارفى الحق ) ( 1 تى 4 : 1 – 3 ) .

هؤلاء الذين تبعوا أرواحاً مضلة وتعليم شياطين ، قد هلكوا بلا شك ومع ذلك فان عبارة ( يرتد قوم عن الإيمان ) تدل على أنهم كانوا مؤمنين من قبل .

وهذا مثل واضح عن امكانية هلاك المؤمن ، إذا ارتد ، ينطوى تحته جميع الهراطقة والمبتدعين .

* ومن أمثلة المرتدين ما ورد فى مثل الزارع .

إذ قال الرب ( والذين على الصخر ، هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح . وهؤلاء ليس لهم أصل ، فيؤمنون إلى حين ، وفى وقت التجربة يرتدون ) ( لو 8 : 13 ) . لا يمكن أن نصدق أنه يكون خلاص لأولئك الذين على الصخر ، الذين يرتدون وقت التجربة ومع ذلك فقد سماهم المسيح نفسه مؤمنين ، ولو إلى حين .

ومن أخطر أنواع الارتداد ، ذلك الارتداد العام الذى سيحدث قبل مجئ المسيح ثانية . وفى ذلك يقول الرسول عن مجئ المسيح الثانى ( لا يخدعنكم أحد على طريقة ما . لأنه لا يأتى ( أى المسيح ) إن لم يأت الارتداد أولا ، ويستعلن إنسان الخطيئة إبن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل من يدعى إلهاً ) ( 2 تس 2 : 3 ) . ولا شك أنه فى هذا الارتداد العام سيهلك كثير من المؤمنين الذين يرتدون عن الإيمان .

ومن أمثلة الهراطقة المبتدعين الفاسدين ، الذين يرتدون ويهلكون ،

ما قال عنهم بطرس الرسول لأنه إذا كانوا بعدما نجوا من نجاسات العالم بمعرفة الرب المخلص يسوع المسيح ، يرتكبون أيضاً فيها فينغلبون ، فقد صارت لهم الأواخر أشر من الأوائل . لأنه كان خيراً لهم لو لم يعرفوا طريق البر ، من أنهم بعدما عرفوا يرتدون عن الوصية المقدسة المسلمة لهم ) ( 2 بط : 2. ، 21 ) .

( عب 6 : 4- 8 ) .

الذين استنيروا وسقطوا :

يقول بولس الرسول ( لأن الذين استنيروا مرة ، وذاقوا الموهبة السماية ، وصاروا شركاء الروح القدس ، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتى وسقطوا ، لا يمكن تجديدهم أيضاً ( ثانية ) للتوبة ... )

إن الصفات الأولى تدل على إيمان هؤلاء والعبارة الأخيرة تدل على هلاكهم.

وهذا اثبات واضح على امكانية هلاك المؤمن . على ان البروتستانت – للأسف الشديد – يحاولون أن يزعموا أن هؤلاء لم يكونوا مؤمنين !!! على الرغم من استنارتهم وشركتهم مع الروح القدس ومذاقهم المواهب والقوات وكلمة الله !! .

ولسنا نريد أن نجادلهم كثيراً ، وإنما يكفى أن نقول أن نص الآية يدل على إيمانهم . فعبارة ( لا يمكن تجديدهم ثانية ) دليل واضح على أنه قد سبق تجديدهم من قبل ، أى أنهم كانوا مؤمنين .

وهلاكهم واضح فى تشبيه الرسول لهم بأرض ( مرفوضة ، وقريبة من اللعنة التى نهايتها الحريق ) ( نعم 8 ) .

يقين يحتاج إلى ثبات ، وله شروط :

قال القديس بطرس الرسول ( لذلك بالأكثر اجتهدوا أيها الاخوة أن تجعلوا دعوتكم واختياركم ثابتين بالأعمال الصالحة ) ( 2 بط 1 : 1. ) .

إذن فاختيار الله لنا ، ودعوته لنا ، كل ذلك يحتاج منا إلى اجتهاد بالأكثر ، لكى يكون هذا الاختبار ثابتاً ... وإلا ، فأن الاختيار لا يثبت ! ...

يشبه هذا أيضاً قول القديس بولس ( وبيته نحن ، إن تمسكنا بثقة الرجاء وافتخاره ثابتة إلى النهاية ) ( عب 3 : 6 ) .

كان هذه الثقة يمكن أن تثبت أو لا تثبت ، وتحتاج إلى أن تتمسك بها حتى النهاية .

ويعود الرسول فيقول أيضاً ( لأننا قد صرنا شركاء المسيح إن تمسكنا ببداءة الثقة ثابتة إلى النهاية ) ( عب 3 : 14 ) . هنا شرط واجب علينا ، أن نتمسك ، حتى النهاية ... ويتابع الرسول كلامه فيحذرنا من أن نقسى قلوبنا وإلا يحدث لنا كما حدث للشعب العاصى الذى هلك فى القفر .

هذا الشرط الواجب علينا ، يكرره الرسول مرة أخرى فى قوله ( ... ليحضركم قديسين وبلا لوم ولا شكوى أمامه ، إن ثبتم على الإيمان

متأسسين وراسخين وغير متنقلين عن رجاء الإنجيل ) ( 1 : 22 ، 23 )

إنه خلاص من الرب ، لنا رجاء فيه ، ، ولكن الرسول ينذرنا قائلاً ( كيف ننجو أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره ) ( عب 2 : 3 ) .

إذن يمكن أن نهمل الخلاص ، فلا ننجو ...

( رؤ 13 : 7 ) .

ما أخطر ما قيل فى سفر الرؤيا عن الوحش إنه ( أعطى أن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم ) ! .. وعبارة ( قديسين ) تعنى ولا شك أنهم مؤمنون .

فان كان ممكناً أن ينغلب القديسون ، فلنحذر نحن ، ولندوام على الطلبة باستمرار لكى يرحمنا الرب ، فلا نهلك ..

هلاك ديماس مساعد القديس بولس :

كان ديماس أحد مساعدى بولس الرسول ، ذكره فى رسالته إلى مولوسى ( يسلم عليكم لوقا الطبيب الحبيب وديماس ) ( كو 4 : 14 ) . وفى رسالته إلى فليمون قال ( يسلم عليكم مرقس وارسترخس وديماس ولوقا ، العاملون معى ) ( ف 24 ) .

يذكره هنا ضمن ثلاثة من أكبر الكارزين العاملين معه منهما اثنان من الانجيليين الأربعة . واسم ديماس يسبق اسم القديس لوقا الانجيلى فهل مع كل ذلك لم يكن مؤمناً .

ومع كل ذلك ، فان ديماس المؤمن ، الكارز العظيم ، قد هلك . وقال عنه مار بولس ( ديماس قد تركنى إذ أحب العالم الحاضر ) ( 2 تى 4 : 1. ) والبروتستانت يقولون فى كتبهم أنه – بعد تركه القديس بولس – صار كاهنا وثنياً !! .

حرصاً على عدم التكرار ، انظر ما يتعلق بهذا الموضوع من الأدلة التى وردت فى باب ( الدينونة حسب الأعمال ) ...

* * *

+ ( يو 1. : 27 – 29 ) .

لا يقدر أحد أن يخطف من يد أبى

أول اعتراض لهم على امكانية هلاك المؤمن هو قول الرب : ( خرافى تسمع صوتى ، وأنا أعرفها ، فتتبعنى . وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ، ولا يخطفها أحد من يدى . أبى الذى أعطانى إياها هو أعظم من الكل ، ولا يقدر أحد أن يخطفها من يد أبى ) .

فما معنى هذا النص ؟ ليتنا نتأمله جيداً :

أولا : هؤلاء الذين لا يهلكون أول صفة ذكرها عنهم الرب أنهم خراف . والسيد المسيح يشبه الصالحين بالخراف ، كما يشبه الأشرار بالجداء .

كما ذكر فى يوم الدينونة أنه ( يجمع أمامه جميع الشعوب ، فيميز بعضهم من بعض ، كما يميز الراعى الخراف من الجداء فيقيم الخراف عن يمينه ، والجداء عن اليسار . ثم يقول الملك للذين عن يمينه : ( تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم ) ( مت 25 : 32 – 34 )

فما دامت هذه خرافاً ، إذن هى عناصر صالحة . لأنها لو كانت شريرة لسماها جداء .

ثانياً : لقد وصف هذه الخراف بأوصاف البر منها :

أ – يقول إنها تسمع صوتى ، وتتبعنى . وهذا معناه أنها تنفذ الوصايا وتعمل أعمالاً صالحة . وكلنا نوافق على أن الذى يسمع صوت الرب ويتبعه لا يمكن أن يهلك .

ب – وفى نفس الاصحاح وصف هذه الخراف بأنها ( لا تتبع الغريب بل تهرب منه ، لأنها لا تعرف صوت الغرباء ) ( يو 1. : 5 ) وإنها لذلك لم تسمع صوت السراق واللصوص الذين أتوا قبله ( يو 1. : 8 ) .

وهذا كله يعنى أن هذه الخراف الصالحة لا تنقاد وراء الشياطين ، ولا وراء الأشرار .

وكل هذا يدل على الصلاح من ناحيته الايجابية والسلبية : تتبع الرب ولا تتبع الغريب .

تعرف صوت الرب ، وتميزه ، وتسمعه ، وتتبعه . ولا تعرف صوت الغرباء ، ولا تتبعهم ، بل تهرب منهم . لسنا نرى للصلاح أدلة أكثر من هذه ومع ذلك نذكر دليلاً آخر .

ثالثاً : ( يقول خرافى تسمع صوتى وأنا أعرفها ) وهذه المعرفة متبادلة ، لذلك يقول أيضاً فى نفس الاصحاح ( وأعرف خاصتى وخاصتى تعرفنى ، كما أن الآب يعرفنى وأنا أعرف الآب ) ( يو 1.: 14 ) أية معرفة أقوى من هذه ... !! . ويفصل الرب هذه المعرفة بأنه ( يدعو خرافه الخاصة بأسماء ) ( يو 1. : 3 ) .

هذه المعرفة تميز الصالحين عن الأشرار الذين يقول لهم الرب : (إنى لم أعرفكم قط . اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم ) ( مت 7 : 23 ) .

إذن فقد قال الرب عن الاشرار أنه لا يعرفهم ... يؤكد هذا أيضاً قول الرب للعذارى الجاهلات ( الحق أقول لكن إنى ما أعرفكن ) ( مت 25 : 12 ) .

فما دام إذن يعرف هذه الخراف التى سوف لا تخطف من يده ولا من يد الآب ، إذن لابد أن هؤلاء أنقياء القلب صالحون ، لأنهم لو كانوا أشراراً لقال عنهم : إنى لا أعرفكم .

نلخص إذن صفات أولئك المؤمنين الذين سوف لا يخطفون من يد الآب :

إنهم من الخراف لا من الجداء . أى أنهم من الصالحين الأبرار . كما إنهم يطيعون وصايا الله ، فيسمعون صوته ويتبعونه . كذلك هم يبعدون عن الشر والأشرار ، إذ لا يسمعون لصوت الغريب ولا يتبعونه ، بل يهربون منه ، نحن ولا شك نوافق أن مثل هذا النوع لا يهلك .

رابعاً : ماذا يفهم من عبارة لا يقدر أحد ( أن يخطف من يد أبى ) .

معناه أن القوات الخارجية لا تقدر أن تخطف من يد الآب ولكن هذا لا يمنع من أن المؤمن وهو فى يد الآب – كامل الحرية – ممكن بارادته أن يسقط .

إن الله لا يسمح لقوة خارجة أن تنتصر عليك وأنت فى يده . ولكن إرادتك الداخلية يمكن أن تهلكك أن أردت .لو قلت له أعن يارب ضعفى فانه يطرد عنك جميع القوى المعارضة . أما إن أردت بنفسك أن تتركه فانه لا يرغمك على البقاء معه .

ما رأيكم فى بعض خراف كانت فى يد المسيح ، وضلت ، وسقطت ، واحتاجت إلى التوبة وقيل عن البعض إن له اسماً إنه حى وهو ميت ؟‍‍‍‍‍‍‍‍! من أمثلة هؤلاء بعض الملائكة السبعة ورد ذكرهم فى سفر الرؤيا

قال يوحنا الرائى أنه أبصر السيد المسيح فى وسط المنائر السبع التى هى السبع الكنائس . وكان ( معه فى يده اليمنى سبعة كواكب ...

والسبعة الكواكب هى ملائكة السبع الكنائس ( رؤ 1 : 16 ، 2. ) . وأول رسالة بدأها الرب بقوله ( هذا يقوله الممسك السبع الكواكب فى يمينه ) . إذن فهم ليسوا فى يده فقط ، وإنما فى يمينه . وكلمة يمين ترمز إلى القوة ( يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتنى ) ( مز 117 : 15 ، 16 ) .

هؤلاء الذين هم فى يمين الرب ، هؤلاء الجبابرة رعاة الكنائس ، ماذا قال لهم الرب ؟ قال لهم كلاماً مخيفاً ...

قال لملاك كنيسة أفسس ( ... فاذكر من أين سقطت وتب ، واعمل الأعمال الأولى . وإلا فإنى آتيك عن قريب ، وأزحزح منارتك من مكانها ) ( رؤ 2 : 5 ) يا للهول ! .

وقال لملاك كنيسة ساردس ( أنا عارف أعمالك ، أن لك أسماً أنك حى وأنت ميت ) ( رؤ 3 : 1 ) . تصورا أن هذا الملاك العظيم الممسك به الرب فى يمينه كان ميتاً ، واحتاج أن يقول له الرب ( فاذكر كيف أخذت وسمعت ، واحفظ وتب . فانى إن لم تسهر أقدم عليك كلص . ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك ) ( رؤ 3 : 5 ) فليرحمنا الله يا اخوتى كعظيم رحمته . إننا لسنا أقوى من هؤلاء الملائكة السبعة .

اسمعوا أيضاً الكلام المخيف الذى قاله الرب لكلاك كنيسة لاودكيا ( هكذا لأنك فاتر ، ولست بادراً ولا حاراً ، أنا مزمع أن أتقياك من فمى ) ( رؤ 3 : 16 ) . إنه تهديد بالهلاك . ويتابع الرب كلامه فيقول له ( لأنك تقول إنى غنى ، وقد استغنيت ولا حاجة لى إلى شئ . ولست تعلم أنك أنت الشقى والبائس وفقير وأعمى وعريان )

وهكذا أشار الرب عليه أن يشترى ثياباً بيضاء حتى لا يظهر ( خزى عريته ) . وقال له أخيراً ( كن غيوراً وتب ) ( رؤ 3 : 17 – 19 ) .

فلا تعتمد أيها الأخ على إنك فى يد الله وتترك محبتك الأولى . فما أسهل أن تسقط من يمين الله ، إن أردت ذلك . لا يخطفك أحد من يده ، وإنما أنت بارادتك قد تترك يد الله .

+ ( أف 1 : 13 / 14 ) .

ختمتم بروح الموعد القدوس

إنها آية أخرى يعتمد عليها المعترضون . وهى قول بولس الرسول ( إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس ، الذى هو عربون ميراثنا ... ) فاعتبروا أن ختم الروح القدس هو عربون ميراث ابدى لا ينزع من الإنسان .

والرد بسيط إن الذين ختموا بالروح القدس ، ما تزال لهم حرية إرادة . ولذلك يقول لهم الكتاب : ( لا تحزنوا روح الله القدوس الذى به ختمتم ليوم الفداء ) ( أف 4 : 3. ) . ويقول لهم أيضاً ( لا تطفئوا الروح ) ( 1 تس 5 : 19 ) . ويقول أكثر من هذا ( من جدف على الروح القدس فليس له مغفرة إلى الأبد ، بل هو مستوجب دينونة أبدية ) ( مر 3 : 29 ) .

إذن فما يزال الأمر بيد الإنسان الحر فى إرادته . . إن شاء أحزن الروح ، وإن شاء أطفا الروح ، وإن شاء جدف على الروح . لذلك نحن نصلى ونقول مع المرتل ( روحك القدوس لا تنزعه منى ) ( مز 5. ) .

إن شاول الملك الذى اختاره الرب ، ومسحه صموئيل بالدهن المقدس وحل عليه الروح القدس فتنبأ ، وتحول إلى رجل آخر ، حتى تعجب الناس قائلين ( أشاول أيضاً بين الأنبياء ) ( 1 صم 1. " 6 – 11 ) هذا قد عاد الرب فرفضه ، وفارقه روح الرب وبغته روح ردئ من قبل الرب ( 1 صم 16 : 1 ، 14 ) . وهلك شاول مرفوضاً من الله .

ليست العبرة فى اوائل الإنسان إذ يختم بروح الرب ، أو يحل عليه روح الرب ، إنما العبرة كيف تكون أواخره .

مثل هذا الرد نجيب به أيضاً على من يعترضون بقول الرب : ( وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد ) ( يو 14 : 16 ) . إن الروح مستعد أن يمكث معنا . ولكن إذا استمر بنا الحال فى احزان الروح واطفاء الروح ، أو فى التجديف أخيراً على الروح ، فمن الممكن أن ينزع منا

+ ( لو 1. : 2. ) ، ( فى 4 : 3 ) ، رؤ 21 : 27 ) .

أسماؤكم قد كتبت فى السموات

يعترض البعض على امكانية هلاك المؤمن ، بقول الرب لتلاميذه السبعين ( لكن لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم ، بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت فى السموات ) ( لو 1. : 2. ) . وبقول بولس الرسول فى رسالته إلى فيلبى ( وباقى العاملين معى الذين أسماؤهم فى سفر الحياة ) ( فى 4 : 3 ) . أو بقول الوحى الإلهى فى سفر الرؤيا ( ولن يدخلها شئ دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً ، إلا المكتوبين فى سفر حياة الخروف ) ( رؤ 21 : 27 ) .

ما أسهل أن نقول أن هذه النصوص المقدسة ، وخاصة النص الأخير ، إنما يقصد بها المختارون . ولكن أوضح من هذا أن نقول فى صراحة تامة : انه من الممكن أن يكتب أسم شخص فى سفر الحياة ، ثم يمحى اسمه بعد ذلك .

وهذا واضح من كلام الرب لموسى النبى فى سفر الخروج حينما قال له موسى ( والآن إن غفرت خطيئتهم ، والا فامحنى من كتابك الذى كتبت ) . ( فقال الرب لموسى : من أخطأ إلى أمحوه من كتابى ) ( خر 32 : 32 ، 33 )

ويوقل الرب فى سفر الرؤيا ( من يغلب فذلك سيلبس ثياباً بيضاء ولن أمحو أسمه من سفر الحياة ) ( رؤ 3 : 5 ) . إذن فهناك امكانية لمحو اسم إنسان من سفر الحياة : الذى يغلب لا يمحو الرب اسمه ، والذى ينغلب يمكن أن يمحو الرب اسمه من سفر الحياة . وكما قال ( من أخطأ أمحوه من كتابى ) .

وقد قال أيضاً فى آخر سفر الرؤيا ( وإن كان أحد يحذف من أقوال هذه النبؤة ، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ، ومن المدينة المقدسة ، ومن المكتوب فى هذا الكتاب ) ( رؤ 22 : 19 ) .

+ ( غلا 4 : 7 ) .

نحن أولاد الله ، وورثة مع المسيح

يعترضون أيضاً بقول بولس الرسول ( إذن لست بعد عبداً ، بل ابناً فان كنت ابناً ، فوارث لله بالمسيح ) إن هذا الاعتراض يدعونا إلى أن نبحث معاً ما هو المعنى الروحى لكلمة ابن :

يقول يوحنا الرسول فى تعريف كلمة ابن ( إن علمتم أنه بار هو ، فاعلموا عن كل من يصنع البر مولود منه ) ( 1 يو 2 : 29 )

فان قلت إيها الأخ إنك ابن الله ، وبالتالى وارث لله بالمسيح ، فينبغى أن تبرهن على بنوتك ببرك . فان كنت لا تصنع البر فلست مولوداً منه .

يقول يوحنا أيضاً ( كل من مولود من الله لا يفعل خطيئة )

لأن زرعه يثبت فيه . ولا يستطيع أن يخطئ ، لأنه مولود من الله . بهذا أولاد الله ظاهرون ، وأولاد ابليس ( ظاهرون ) . كل من لا يفعل البر فليس من الله ) ( 1 يو 3 : 9 ، 1. ) ويكرر معلمنا يوحنا الحبيب هذا المعنى فى الاصحاح الخامس من رسالته فيقول ( نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ ، بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه ) ( 1 يو 5 : 18 ) .

فهل أنت ابن بهذا المعنى الذى يشرحه يوحنا الرسول ؟ إن كنت كذلك فطوباك ، لاشك إنك وارث لله بالمسيح. أما إن كنت – إذا ناقشك أحد فى آية تتعلق بموضوع الخلاص – تتشاجر وتشتم وترفع صوتك وتقيم ضجة ، ثم بعد ذلك تقول أنا ابن لله !! فاعلم أن أولاد الله لا يشتمون ، لأن الشتامين لا يرثون ملكوت الله ( 1 كو 6 : 1. ) .

لا تفتخر باطلاً أيها الأخ كما افتخر اليهود قديماً ببنوتهم لابراهيم

فأخجلهم السيد المسيح بقوله ( لو كنتم أولاد ابراهيم ، لكنتم تعملون أعمال ابراهيم ) ( يو 8 : 39 ) . فلو كنت أنت ابناً لله ، ووارثاً مع المسيح ( ينبغى كما سلك ذاك هكذا تسلك أنت أيضاً ) ( 1 يو 2 : 6

إن الولادة من الله ليست مجرد لقب زائف نفتخر به . وإنما لها علامات تميزها . يقول الرسول ( لأن كل من ولد من الله يغلب العالم ) ( 1 يو 5 : 4 ) . ويقول أيضاً ( وكل من يحب ، فقد ولد من الله ويعرف الله ) ( 1 يو 4 : 7 ) . فهل ينطبق عليك هذان الشرطان ؟ . وهل أنت ثابت فى المحبة ؟ وهل أنت تغلب العالم ؟ .

علامة جوهرية أخرى للولادة من الله ، تظهر فى قول بولس الرسول إلى أهل رومية ( لأنه إن عشتم حسب الجسد فستموتون ، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون . لأن كل الذين ينقادون بروح الله ، فاولئك هم أبناء الله ) ( رو 8 : 13 ، 14 ) . هنا شرط للبنوة لله ، يحددها الرسول فى الذين ينقادون بروح الله . من هو ابن الله ؟ هو الذى ينقاد بروح الله . فهل ينطبق عليك هذا الشرط أيها الوارث مع المسيح والضامن للملكوت ؟ اسأل نفسك ...

شرط اساسى آخر للولادة من الله ، أن تكون مولودا من فوق مولوداً من الماء والروح .

لأن ربنا يسوع المسيح نفسه قال لنيقوديموس ( الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ) ( يو 3 : 5 ) . فهل أنت أيضاً قد خلصت ( بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس ) ( تى 3 : 5 ) ؟ وهل قدسك السيد المسيح مطهراً اياك بغسل الماء بالكلمة ؟ ( أف 5 : 26 ) .

لا تقل بغير تمعن ( أنا ابن الله ، فوراث للمسيح ، فضامن للملكوت ) وإنما اختبر نفسك هل تحفظ نفسك والشرير لا يمسك ؟ هل أنت تغلب العالم ؟ هل أنت محب وصانع للبر ؟ هل أنت لا تستطيع أن تخطئ ؟ هل أنت تنقاد بروح الله ؟ إن كنت كذلك فأنت ابن حقاً لله ، وأعمالك تدل عليك ( ومن ثمارهم تعرفونهم ) .

أما قول بولس ( لست عبداً بل ابنا ) فيجب أن نضع إلى جواره قول السيد المسيح ( إن كل من يعمل الخطيئة هو عبد للخطيئة ، والعبد لا يبقى فى البيت إلى الأبد . أما الابن فيبقى إلى الأبد . فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ) ( يو 8 : 34 - 36 )

فالبنوة لله إذن من علاماتها التحرر من الخطيئة وعدم العبودية لها . فان كنت ما تزال تفعل الخطيئة فأنت عبد لها وأنت إذن خارج عن قول بولس الرسول ( لست عبداً بل ابناً ) .

إن السيد المسيح يحسم هذا الأمر فيقول ( ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات ) ( مت 7 : 21 ) . ( لأن من يصنع مشيئة أبى فى السموات هو أخى وأختى وأمى ) ( مت 12 : 5. ) هذا هو حقاً الوريث مع المسيح .

نفس الكلام الذى قلناه سابقاً ينطبق على آية بنفس المعنى يستخدمها المعترضون أحياناً وهى :

( فن كنا أولاداً ، فاننا ورثة أيضاً ، ورثة الله ووارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه ، لكى نتمجد أيضاً معه ) ( رو 8 : 17 )

+ ( يو 6 : 37 ) .

من يقبل إلى ، لا أخرجه خارجاً

حقاً إن كل من يقبل إلى المسيح لا يخرجه المسيح خارجاً . ولكن ماذا نقول عن الذى يخرج بارادته من تلقاء نفسه ؟‍‍‍! إن المسيح هو الباب إن دخل أحد به يخلص ويجد مرعى ( يو 1. : 9 ) .

إن كل الذين خرجوا من الحظيرة المقدسة ، هم خرجوا بذواتهم ، بأعمالهم ، بطياشتهم ، بضلالهم . هم ارادوا لأنفسهم الهلاك . عن أمثال هؤلاء يقول يوحنا الرسول ( منا خرجوا . لكنهم لم يكونوا من. لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا ) ( 1 يو 2 : 19 ) . هم الذين خرجوا .

ومن أمثلة هؤلاء أولئك الذين لم يحتملوا كلام السيد المسيح عندما تحدث عن التناول من جسده ودمه .

وفى ذلك يقول الكتاب ( من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه فقال يسوع للأثنى عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا ) ( يو 6 : 66 ، 67 ) فهؤلاء لم يخرجهم الرب خارجاً ، إنما هم الذين تركوه ، بعكس الاثنى عشر الذين ثبتوا معه .

حتى يهوذا الاسخريوطى أيضاً ، لم يطرده الرب ، ولم يخرجه خارجاً ،

إنما هم الذين ترك مجمع التلاميذ ، وترك عشاء الرب وخرج يفعل ما قد تآمر عليه من قبل .

+ ( 1 يو 5 : 11 ، 12 )

من له الإبن ، فله الحياة

يعترض البعض بقول يوحنا الرسول ( وهذه هى الشهادة أن الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هى فى ابنه ، من له الإبن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة ) فيقولون ما دام شخص له الحياة ، وله حياة ابدية فكيف يهلك إذن ؟! .

مفتاح هذه الآية هو فهم المعنى المقصود من عبارة من له الابن . فماذا تعنى هذه العبارة ؟ هل تعنى ( كل من يؤمن به ) كلا طبعاً ،

لأن الابن نفسه يقول ( ليس كل من يقول لى يارب يارب يدخل ملكوت السموات ، بل الذى يفعل إرادة أبى الذى فى السموات ( مت 7 : 21 ) وتابع الرب كلامه قائلاً ( كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم يارب يارب ، أليس باسمك تنبأنا ، وباسمك أخرجنا شياطين ، وباسمك صنعنا قوات كثيرة ؟ فحينئذ أصرح لهم

إنى لا أعرفكم قط ، اذهبوا عنى يا فاعلى الاثم ) .

هؤلاء لم يكونوا مؤمنين فقط وإنما كانا صانعى آيات أيضاً . ومع ذلك لم يكن لهم الابن ( لم يعرفهم قط ) . وذلك لأنهم كانوا فاعلى اثم .

وهكذا العذراى الجاهلات : كن مؤمنات ، وقد ناديته قائلات ( يا سيد يا سيد افتح لنا ) ( مت 25 : 11 ) فأجابهن قائلاً ( الحق أقول لكن إنى ما أعرفكن )

هن أيضاً لم يكن لهم الابن ، على الرغم من ايمانهن . وعلى الرغم من انهن كن ينتظرنه كالحكيمات ، وقد حفظن بتوليتهن ، وأردن أن يدخلن معه إلى العرس .

إذن فعبارة من له الابن ، لا تعنى مجرد الإيمان . فماذا تعنى إذن ما معنى ( من له الابن فله الحياة ؟ ؟ تعنى الآتى :

أولا – معرفة الابن :

وهذا واضح من قول ربنا يسوع المسيح نفسه للآب : ( هذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الاله الحقيقى وحدك ويسوع المسيح الذى أرسلته ) ( يو 17 : 3 ) .

ولكن ما معنى أن نعرف الابن ؟ وما الدليل على أننا عرفناه ؟ .

يجيب يوحنا الرسول نفسه ، وفى نفس رسالته قائلاً : ( بهذا نعرف أننا عرفناه ، إن حفظنا وصاياه . من قال قد عرفته ، وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه.

وأما من حفظ كلمته ، فحقاً فى هذا قد تكملت محبة الله . بهذا نعرف أننا فيه ) ( 1 يو 2 : 3 – 5 )

هذا هو الرد ، لأنه كيف يكون لنا الابن إن كنا لا نعرفه ؟‍! أو كيف نعرفه إن كنا لا نحفظ وصاياه ؟! فان حفظنا وصاياه ندلل بهذا على أننا نعرفه وإن عرفناه تكون لنا الحياة . إذن من يحفظ وصايا الإبن ، يكون له الابن ، وتكون له الحياة . وما حفظ الوصايا سوى أعمال، تبرهن على صدق هذا الحفظ .

ثانياً – الثبات فى الإبن :

إن الذى له الابن ، هو الذى يثبت فى الإبن ، وأفبن نفسه قد قال ( اثبتوا فى وأنا فيكم ... أنا الكرمة وانتم .. أنا الكرمة وأنتم الأغصان ... إن كان أحد لا يثبت فى ، يطرح خارجاً كالغصن ، فيجف ويجمعونه ويطرحونه فى النار فيحترق ) ( يو 15 : 4 – 6 ) .

إذن فالثبات فيه لازم للحياة ، كما أن الغصن لا يحيا إلا إذا كان ثابتاً فى الكرمة ، والذى لا يثبت فيها يجف وتكون نهايته الحريق إذن من يثبت فى الإبن فله الحياة .

فكيف إذن نثبت فيه ؟

يتابع الابن كلامه فيقول ( اثبتوا فى محبتى . إن حفظتم وصاياى تثبتون فى محبتى ، كما إنى أنا حفظت وصايا أبى وأثبت فى م) ( يو 15 : 9 ، 1. ) .

الأمر إذن من هذه الناحية ايضاً يتعلق بحفظ الوصايا انثى

أى بألعمال الصالحة . يؤكد هذا يوحنا الحبيب ايضاً فى نفس رسالته ( من قال إنه ثابت فيه ينبغى أنه كما سلك ذاك ، هكذا يسلك هو أيضاً ) ( 1 يو 2 : 6 ) .

وماذا تعنى عبارة من له الابن ؟ تعنى كذلك :

ثالثاً – الشركة مع الابن :

الذى له الابن ، هو الذى له شركة معه . وفى ذلك يقول يوحنا الرسول نفسه ( وأما شركتنا نحن فهى مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح ) ( 1 يو 1 : 2 ) ويتحدث بولس الرسول كثيراً عن هذه الشركة فيقول ( متنا معه ، دفنا معه ، قمنا معه ، نتمجد معه ) ( رو 6 ) ويقول أيضاً ( لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه ) ( فى 3 ) . ويقول ( مع المسيح صلبت ) ( غل 2 ) .. الخ .

ولكن كيف تكون لنا شركة معه ؟ هنا يجيب القديس يوحنا فى نفس رسالته ( إن قلنا أن لنا شركة معه ، وسلكنا فىالظلمة ، نكذب ولسنا نعمل الحق ، ولكن إن سلكنا فى النور كما هو فى النور ، فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطيئة ) ( 1 يو 1 : 6 ، 7 ) .

الأمر إذن كسلبقه يتعلق بالسلوك أى بالأعمال .

رابعاً – محبة الابن :

لا شك أن الذى له الابن ، هو الذى يرتبط بالابن برابطة الحب فكيف نحبه إذن ؟

يجيب السيد المسيح نفسه علىهذا السؤال بقوله ( الذى عنده وصاياى ويحفظها ، فهو الذى يحبنى . والذى يحبنى يحبه أبى ، وأنا أحبه واظهر له ذاتى ) ( يو 14 : 21 ) . والقديس يوحنا يؤكد هذا أيضاً فى نفس رسالته فيقول ( فان هذه هى محبة الله أن نحفظ وصاياه ) ( 1 يو 5 : 3 ) .

الأمر من هذه الناحية أيضاً يتعلق الوصايا أى بالأعمال .

إذن فعبارة من له الابن – سواء كان معناها : من يعرف الابن ، أو من يثبت فى الابن ، أو من له شركة مع الإبن ، أو من يحب الإبن – فهى تستلزم حفظ الوصايا ، لكى تكون للمؤمن الحياة الأبدية .

إذن فالحياة الأبدية تستلزم سلوكاً دائما بالبر . إن حاد عنه الإنسان يفقد هذه الحياة . لأنه ( إن قلنا إن لنا شركة معه ، وسلكنا فى الظلمة ، تضل أنفسنا ) ...

إن رسالة يوحنا الأولى لها روح خاصة تتمشى فى الرسالة كلها . لذلك إذا حاول البروتستانت أن يعتمدوا على آية منها ، وجدوا فى باقى الرسالة ما يرد عليهم ...

+ ( خر 12 : 23 ، 7 ) .

مثال خروف الفصح

( فحين يرى الدم على العتبة العليا والقائمتين ، يعب الرب عن الباب ولا يدع المهلك يدخل بيوتكم ليضرب ) .

يستغل المعترضون هذه الآية ويقولون إن الذين كانوا يحتمون داخل الأبواب الملطخة بالدم ، كانوا يشعرون بكامل الآمان والاطمئنان مهما كانت حالتهم الشخصية ، ومهما كان تقصيرهم واثمهم ...

لأن خلاصهم كان يعتمد على الدم ، دم خروف الفصح الذى يرمز للمسيح . ولم يكن خلاصهم يعتمد إطلاقاً على أعمالهم . ويقولون إنه يجب أن نكون فى ملء الثقة بدم المسيح ، ناظرين إلى استحقاقات الدم ، وليس إلى أعمالنا .

ونحن لا ننكر أن الخلاص قد تم بدم المسيح وحده ، وإن كفارة دم المسيح غير المحدودة كافية لبعث الاطمئنان فى النفس . ولكن ثقتنا بدم المسيح ، ليس معناها أن نحيا فى الخطيئة ، أو أن نقصر فى أى عمل صالح ، مدعين بأن خلاصنا يتوقف على الدم وليس على برنا وطهارتنا .

وفى مثال خروف الفصح والأبواب المرشوشة بالدم نرى ملاحظة هامة جداً توضح الموقف توضيحاً الموقف توضيحا سليما ً من ناحية الرمز . ذلك أن خروف الفصح كان يؤكل على فطير ( خر 12 : 8) وكان لابد من نزع كل خميرة فى المحلة لمدة سبعة ايام .

وهكذا قال الكتاب ( سبعة أيام تأكل فطيراً ، وفى اليوم السابع عيد للرب ، فطير يؤكل السبعة أيام ، ولا يرى عندك مختمر ، ولا يرى عندك خميرة فى جميع تخومك ) ( خر 13 : 6 ، 7 ) .

وقد شدد الرب تشديداً كبيراً على عزل الخمير من البيوت ، مع توقيع عقوبة القطع على كل من يأكل مختمراً . فقال ( سبعة أيام تأكلون فطيراً . اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم . فان كل من أكل خميراً من اليوم الأول فى اليوم السابع ، تقطع تلك النفس من اسرائيل ) ( خر 12 : 15 ) .

وعاد فشدد على هذه النقطة مرة أخرى فقال ( تأكلون فطيراً ... سبعة أيام لا يوجد خمير فى بيوتكم . فان كل من أكل مختمراً ، تقطع تلك النفس من جماعة اسرائيل ، الغريب مع مولود الأرض . لا تأكلوا شيئاً مختمراً . فى جميع مساكنكم تأكلون فطيراً ) ( خر 12 : 18 – 2. )

فما هى الحكمة فى كل ذا ؟ وإلى أى شئ ترمز ؟ إن أى باحث فى الكتاب المقدس يرى جيداً أن الخمير يرمز إلى الشر والخطيئة ، وأن الفطير يرمز إلى البر والطهارة .

وقد أوضح بولس الرسول هذا الأمر وضوحاً كاملاً حينما قال ( إذن نقوا منكم الخميرة العتيقة ، لكى تكونوا عجيناً جديداً كما أنتم فطير . لأن فصحنا أيضاً قد ذبح لأجلنا . إذن لنعيد ليس بخميرة عتيقة ، ولا بخميرة الشر والخبث ، بل بفطير الاخلاص والحق ) ( 1 كو 5 : 7 ، 8 ) .

وهكذا تتضح أمامنا الصورة : الباب من الخارج مرشوش بالدم ، ومن الداخل قد نزع الخمير ، والكل يأكل فطيراً . إن دم المسيح لا يمكن أن يكون تصريحاً لنا بأكل الخمير والشخص الذى يفلت بواسطة الدم من سيف المهلك ، يمكن مع هذا الخلاص الأول أن تقطع نفسه من الجماعة إذا أكل خميراً . وهكذا يفقد خلاص الدم عن طريق أكله من الخبز المختمر .

كم من أناس خلصوا من الخطيئة الأصلية بدم المسيح ، ونجوا من سيف المهلك . ثم بعد ذلك فقدوا هذا الخلاص ، وقطعوا من جسم الكنيسة ، لأنهم أكلوا مختمراً ، أولئك ( الذين نهايتهم الهلاك ، الذين الههم فى بطهنم ، ومجدهم فى خزيهم ، الذين يفتكرون فى الأرضيات ) ( فى 3 : 19 )

هل بعد هذا تجرؤ أن تقول اننى أنام مطمئناً داخل الأبواب المرشوشة بالدم ، مهما كانت سيرتى ؟! أقول لك : كلا ، إن كان يوجد خمير داخل أبوابك ، فلا يمكن أن تنام مطمئناً ( إن كل من يأكل مختمراً ، تقطع تلك النفس من شعبها ) .

لذلك نقوا منكم الخميرة العتيقة . وعيدوا بفطير الاخلاص والحق . إن سبعة أيام الفطير ترمز إلى العمر كله الذى ينبغى أن يكون طاهراً . لأن السبعة عدد يرمز إلى الكمال . وطالما تعيش أيها الأخ داخل الأبواب المرشوشة بالدم ، احترس طزل حياتك أن تعزل الخمير عن بيتك ، لأن الحكم واضح .

المسيح سدد مطالب الله

يقول المعترضون أن موت المسيح قد سدد مطالب العدل الإلهى من كل جهة . فهل يطالبنا الله بتسديده مرة أخرى ؟

كلا ، إن الله يطالبنا بذلك ، كما أننا أعجز من أن توفى عدل الله .. .

وقد سدد السيد المسيح فعلا كل مطالب العدل الإلهى ، وقدم كفارة غير محدودة لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس فى جميع الجيال ...

ولكننا نكرر هنا سبق أن قلناه أن دم المسيح شئ انثى واستحقاقات دم المسيح شئ آخر . إن كل ما نفعله ، ليس هو أن نسدد مطالب العدل الآلهى ، وانما أأن نوجد أهلاً لا ستحقاقات دم المسيح .

إننا لا نحاول ان نوفى العدل الآفلهى حقه ، فقد تم ذلك على الصليب ، حين سفك الرب دمه عنا ، غنما كل ما نعمله هو أن نكون مستحقين لدم المسيح .

من يسمع كلامى .. له حياة أبدية :

يعترضون ايضاً بقول الرب ( من يسمع كلامى ويؤمن بالذى أرسلنى ، فله حياة أبدية ، ولا يأتى إلى دينونة قد انتقل من الموت إلىالحياة ) ( يو 5 : 24 )

نلاحظ هنا أنه لا يتكلم عن الإيمان فقط ، بل عن الأعنال بالأكثر فى قوله ( يسمع كلامى ) أى من ينقذ وصاياى . ونحن نعتقد أن المؤمن الذى ينقذ وصايا الله حتى النهاية ، فهذا هو الذى يخلص .

ولو أننا تابعنا بقية كلام الرب فى هذه المناسبة ، لوجدناه يقول ( فيقوم الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة ) ( يو 5 : 29 ) ، ولم يقل ( الذين آمنوا ) ، مشدداً على أهمية الأعمال للخلاص .

+ عب 1. : 23 .

الذى وعد هو أمين :

حقاً إن وعد الله موجود ، والذى وعد هو أمين ولكن هذا لا يدعونا إلى الثقة العمياء . بل إن القديس بولس ذاته يحذرنا فى نفس الرسالة قائلاً ( فلنخف إنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته ، يرى أحد منكم إنه قد خاب منه ) ( عب 4 : 1 ) ، كما يقول أيضاً ( إن كنا نذكره فهو أيضاً سينكرنا ) ( 2 تى 2 : 12 ) .

يا اخوتى ، تذكروا باستمرار خطورة استخدام الآية الواحدة .

إن كان المؤمن يمكن أن يسقط ، ويمكن أن يهلك ، وغن كان هناك أناس قد بدأوا بالروح وكملوا بالجسد ، فمتى نقول غذن عن الإنسان إنه قد خلص تماماً ؟ .

نقول ذلك عندما يكمل أيام غربته على الأرض بسلام . ذلك لأننا فى حرب وصراع ، طالما نحن فى الجسد ) ( اف 6 : 1. ) .

نحن فى حرب لم نعرف نتيجتها بعد ، لأنه من الجائز أن يكسب إنسان الجولة الأولى ، ويخسر فى الجولة الثانية . من يضمن ؟! . ولا يستطيع محارب أن يقول أنه انتصر ، إلا بعد نهاية الحرب ، أى بعد خلع هذا الجسد .

لذلك يقول الرسول ( تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ) ( فى 2 : 12 ) . ويقول أيضاً ( انظروا إلى نهاية سيرتهم ) ( عب 13 : 7 ) .

نصوص مقدسة عن خلاصنا المنتظر :

* يقول القديس بولس ( فان سيرتنا نحن هى فى السموات ، التى منها أيضاً ننتظر مخلصاً هو الرب يسوع ، الذى سيغير شكل جسد تواضعاً ليكون على صورة جسد مجده ) ( فى 3 : 2. ) .

هذا هو الخلاص ، عندما نخلع هذا الجسد المائت ، نلبس جسد المجد ... بعد مجئ المسيح الثانى والقيامة العامة .

ويقول كذلك ( هكذا المسيح أيضاً بعدما قدم مرة لكى يحمل خطايا كثيرين ، سيظهر ثانية بلا خطيةللخلاص للذين ينتظرونه ) ( عب 9 : 28 ) . تحدث الرسول هنا أيضاً عن الخلاص النهائى الذى يحدث بعد مجئ المسيح الثانى .

وهكذا يقول القديس بطرس الرسول ( أنتم الذين بقوة الله محرسون بايمان لخلاص مستعد أن يعلن فى الزمان الأخير ) ( 1 بط 1 : 5 )

هذه الحقيقة ذاتها ، وضحها مار بولس عندما أمر بخصوص خاطئ كورنثوس ( أن يسلم مثل هذا الشيطان لهلاك الجسد ، لكى تخلص الروح فى يوم الرب ) ( 1كو 5 : 5 ) .

عن هذا الخلاص المقبل يقول الرسول لأهل رومية ( 13 : 11 )

( فان خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنا ) .

ويقول لتلميذه القديس تيموثيئوس الأسقف ( لحظ نفسك وداوم على ذلك . لأنك إذا فعلت هذا ، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً ) ( 1 تى 164 ) . فهذا القديس كان محتاجاً أن يلاحظ نفسه ، ويلاحظ خدمته ، ويداوم على هذه الملاحظة ، لكى يخلص .

وعن هذا الخلاص المنتظر يقول القديس بطرس الرسول ( إن كان البار بالجهد يخلص ... ) ( عب 1 : 14 )

هذا الخلاص الأخير يحتاج إلى صبر وجهاد حتى ناله فى المجد . وفى هذا يقول القديس بولس ( لأجل ذلك أنا أصبر على كل شئ ، لأجل المختارين لكى يحصلوا هم أيضاً على الخلاص الذى فى المسيح يسوع مع مجد أبدى ) ( 2 تى 2 : 1. )

إذن فهؤلاء المختارين لم ينالوا الخلاص الذى فيه المجد الأبدى ، على الرغم من أنهم نالوا خلاصاً بدم المسيح فى المعمودية . ولكنه مجرد عربون ( أف 1 : 14 ) . يمكن أن نفقده أن أبطلنا جهادنا وانحرفت إرادتنا ...

هذا الخلاص الأخير ، كيف نناله ؟ يجيب الرسول قائلاً ( فلنحاضر بالصبر فى الجهاد الموضوع أمامنا ) ( عب 12 : 1 ) . ومن يصبر إلى المنتهى ، فهذا يخلص .

-1-

هل أختار الله أناساً معينين للخلاص ؟

1-خلاص مقدم للجميع :

يجيب الكتاب أجابة واضحة عن هذا السؤال فيقول ( لأن هذا حسن ومقبول لدى مخلصنا الله ، الذى يريد ان جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ) ( 1 تى 2 : 4 ) . إن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وليست مجموعة معينة منهم . محبة الله قد شملت العالم كله . ولذلك فهو يقول ( إنى أسر بموت الشرير ، بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا ) _ حز 33 : 11 ) .

لهذا فانه فى قضية الفداء يقول الكتاب ( هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد ، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ) .

( يو 3 : 16 ) . هنا نرى أن محبته عامة للجميع ، للعالم كله . والخلاص مقدم بصفة عمومية لكل من يؤمن به فادياً وليس لمجموعة معينة .

وهذا المعنى يكرره أيضاً يوحنا الحبيب فى الحديث عن ذبيحة المسيح الكفارية ، اذ يقول ( وهو كفارة لخطايانا . ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً ) ( 1 يو 2 : 2 ) . إذن فالسيد المسيح قد قدم الخلاص للجميع ، بذل نفسه عن الجميع . هو كفارة لخطايا العالم كله ، يريد أن الجميع يخلصون .

هذه العمومية شرحها معلمنا بطرس الرسول فقال ( بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه . بل فى كل أمة يتقيه ويصنع البر مقبولاً عنده ... هذا هو رب الكل ) ( أع 1. : 34 – 36 ) . ويشبه هذا أيضاً ما قاله بطرس فى يوم الخمسين ( ويكون كل من يدعو باسم الرب يخلص ) .

إذن فالله يريد ان جميع الناس يخلصون . فان لم يخلصوا جميعاً ، فلا يمكن أن يرجع السبب إلى الله ، وإنما إلى الناس ، لأنهم هم لم يريدوا لأنفسهم الخلاص وليس أن الله لم يرد لهم الخلاص .

ب – وضع الله الاختبار فى أيدى الناس :

إن الله كصالح ومحب لا يشاء أن يهلك خاطئ واحد ، بل يريد لكل خاطئ أن يرجع ويحيا . ومع ذلك فقد وضع الاختيار فى أيدى الناس انثى ترك الحرية لكل إنسان لكى يختار لنفسه . وفى ذلك يقول السيد الرب للانسان :

( انظر . قد جعلت اليوم أمامك الحياة والخير ، والموت والشر ...

أشهد عليكم السماء والأرض . قد جعلت قدامك الحياة والموت ، البركة واللعنة ، فاختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك ) ( تث 15 : 19 )

ولو لم يكن الاختيار فى يد الإنسان ، فلماذا غذن أرسل الله الرسل والأنبياء ؟ ولماذا إذن وضع لنا الوصايا وقدم الانذارات ؟ لماذا عين الكهنة والمعلمين ؟ ما فائدة هذا كله لو كان هنا أناس معينين للخلاص ، وآخرون معينين للهلاك ؟‍! .

حـ - نصوص كثيرة تدل على أن الارادة بيد الإنسان :

كثير من وصايا الله المقدسة تبدأ بعبارة ( إن أراد أحد ) أو ( إن أردت ) أو ( إن سمع أحد لصوتى ) .. وأشباه هذه من العبارات ، مما يدل على أن الارادة فى يد الإنسان ، يختار لنفسه ما يشاء ويحدد مصيره حسب عمله . وسنضرب أمثلة لكل هذا :

قال ربنا يسوع المسيح ( إن أراد أحد أن يأتى ورائى ، فلينكر نفسه ، ويحمل صليبه ويتبعنى . فان من

أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلى يجدها ) ( مت 16 : 24 ، 25 ) .

وقال للشاب الغنى ( أن أردت أن تدخل فأحفظ الوصايا أن أردت أن تكون كاملاً ، فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء ) ( مت 19 : 17 ، 21 ) .

وقال فى رسالته إلى ملاك كنيسة لاودكيا ( هاأنذا واقف على الباب وأقرع . أن سمع أحد صوتى وفتح الباب . أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى ) ( رؤ 3 : 2. ) . من جهة الله فانه واقف يقرع على الباب ، ومن جهة الإنسان فهو الإنسان فهو الذى يملك الاختيار : يفتح أو لا يفتح ونتيجة لهذا يتحدد مصيره .

وكثيراً ما يريد الله ، ولا يريد الإنسان ، يريد الله الخير للانسان ، ولا يريد الإنسان الخير لنفسه ، ويتركه الله لحرية إرادته ، يلقى مصيره حسبما يشاء .

مثال ذلك قول الرب فى بكائه على أورشليم ( كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ، ولم تريدوا . هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ) . مت 23 : 37 ، 38 ) . ومثال ذلك أيضاً توبيخ الرب لليهود إذ قال لهم ( ولا تريدون أن تأتوا إلى لتكون لكم حياة ) ( يو 5 : 4. ) .

ويدخل فى هذا النطاق أيضاً مثال العرس والمدعوين ، إذ يقول الرب عن صاحب العرس ( وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس ، فلم يريدوا أن يأتوا ) ( مت 22 : 3 ) إنهم مدعوين إلى العرس وليسوا معدين للهلاك. الله يفتح لهم ملكوته ، ولكنهم يرفضون أن يدخلوا . وفى مثال العرس هذا نجد أن الدعوة تكررت أكثر من مرة ومن مرتين . وفى كل مرة يرسل الرب إلى هؤلاء المدعويين عبيداً آخرين ، ولكنهم لم يريدوا أن يأتوا . لذلك ختمت هذه المأسأة بقول الرب لعبيده ( أما العريس فمستعد ، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين ) ( مت 22 : 8 ) .

من أعمق الأمثلة على مدى اهتمام الله بارادة الإنسان فى تقرير مصيره . أنا السيد المسيح له المجد يقول للمريض قبل شفائه ( أتريد أن تبرأ ؟ ) ( يو 5 : 6 ) أن الطبيب العظيم مستعد أن يشفى ، ولكن مشكلة الذين يهلكون هى أنهم لا يريدون أن يبرأوا .

د – الله مستعد أن يرجع عن حكمه :

هل يوجد أوضح من هذا دليلاً على عمق رغبة الله فى الاهتمام بخلاصنا ؟‍! لا مانع لدى الله فى أن يرجع عن حكمه أن رجع الإنسان عن شره وطلب لنفسه الخلاص .

( وإذا قلت للشرير موتا تموت . فان رجع عن خطيئته وعمل بالعدل والحق ... وسلك فى فرائض الحياة بلا عمل إثم ، فانه حياة يحيا . لا يموت . كل خطيئته التى أخطأ بها لا تذكر عليه . عمل بالعدل والحق ، فحياة يحيا ) ( حز 33 : 14 – 16 ) .

وهذا المعنى ذاته ذكره الله أيضاً فى سفر أرميا النبى ، إذ قال ( تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع والهدم والاهلاك ، فترجع تلك الأمة التى تكلمت عليها عن شرها ، فأندم عن الشر الذى قصدت أن أصنعه بها . و تارة أخرى أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناءوالغرس . فتفعل الشر فى عينى فلا تسمع لصوتى ، فأندم على الخير الذى قلت إنى أحسن إليها به ) ( أر 18 : 7 – 1. ) .

ولنا مثل عملى واضح فى قصة نينوى : لقد أصدر الله عليها حكماً . ولكن أهل نينوى تابوا بمناداة يونان . وهكذا يقول الكتاب ( فلما رأى الله أعمالهم أنهمرجعوا عن طريقهم الرديئة ، ندم الله على الشر الذى تكلم أن يصنعه بهم فلم يصنعه ) ( يونان 3 : 1. ) .

إذن الأمر يتوقف على الإنسان . ولذلك فان معلمنا يعقوب الرسول يقول ( اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم ) ( يع 4 : 8 ) . والله نفسه يقول فى سفر ملاخى النبى ( إرجعوا إلى أرجع إليكم ) ( ملا 3 : 7 ) .

هـ - الرد على بعض الاعتراضات :

نبدأ أولا بقول بولس الرسول فى الرسالة إلى رومية ( ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ، الذين هم مدعوون حسب قصده . لأن الذين سبق فعرفهم ، سبق فعينهم ، ليكونوا مشابهين صورة ابنه ... ) ( رو 8 : 28 – 3. ) ونلاحظ فى هذا النص

ملاحظات هامة وأساسية :

نلاحظ أنه قال ( كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله ) ولم يقل ( للذين يحبهم ) فالأمر متوقف عليهم لا عليه .

وهذا ينطبق أيضاً على قول بولس الرسول ( بل كما هو مكتوب ما لم تره عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه ) ( 1 كو 2 : 9 ) ولم يقل أيضاً ( للذين يحبهم ) لأن الأمر يتعلق فى خلاصهم على ارادتهم هم

ملاحظة ثانية ، وهى أن تعيين الله ليس مرجعه إلى اختيار الله وإنما إلى سبق معرفته . كما قال ( الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ) .

فالله بسبق معرفته ، وبادراكه لما سوف يحدث فى مستقبل الزمان ، عرف من هم الذين سوف يسلكون حسب مرضاته بالبر والاستقامة بكامل اختيارهم . هؤلاء الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم .

هذا الكلام ينطبق أيضاً على قصة يعقوب وعيسو

( كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو ) ( رو 9 :13 ) . فالله بسبق معرفته كان يعرف أن عيسو سيكون إنساناً مستبيحاً ، قاتلاً ، يستهين بالبكورية ويبيعها بأكلة عدس . وكان يعرف أيضاً وداعة يعقوب وحبه للخير .

فاحب الله فى يعقوب ما رآه فيه بسبق المعرفة ، وأبغض فى عيسو ما رأى أنه سيحدث منه بسبق المعرفة أيضاً . ولكننا لا نستطيع مطلقاً أن نقول أن الله عين عيسو للهلاك ، وعين يعقوب للخلاص ، بمعنى أنه كتب على عيسو الهلاك مهما كان اختياره !! واختار يعقوب للخلاص مهما كانت أعماله !! حاشا لله أن يفعل هذا .

يأتى بعد ذلك قول الكتاب ( ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتنى هكذا . أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة اناءاً للكرامة وآخر للهوان ) ( رو 9 : 2. ، 21 ) . نعم أن للفخارى سلطاناً على الطين أن يصنع منه ما يشاء اناءاً للكرامة أو للهوان . وليس للطينة أن تقول له ( لماذا صنعتنى هكذا ) ولكن الفخارى أيضاً حكيم وعادل .

ومن التفسيرات الجميلة التى سمعتها عن هذا الموضوع أن الفخارى – مع كامل حريته وسلطانه – ينظر بحكمة إلى قطعة الطين ويفحصها . فان رآها جيدة وناعمة ولينة وتصلح أن تكون اناءاً للكرامة ، فانه لابد سيجعلها اناءاً للكرامة .

من غير المعقول أن تقع طينة رائعة فى يد فخارى ، فيصنع منها اناءاً للهوان . لأنه فخارى حكيم . أما إذا كانت الطينة خشنة ورديئة ، ولا تصلح أناءاً للكرامة ، فان الفخارى مضطر – بما يناسب حالتها – أن يصنع منها اناءاً للهوان .

فالأمر إذن وقبل كل شئ يتوقف على حالة الطينة ومدى صلاحيتها مع اعترافنا بسلطان الفخارى وحريته .

إن الفخارى ، على قدر امكانه ، يحاول أن يصنع من الطين الذى أمامه آنية للكرامة ، على قدر ما يساعده الطين على ذلك .

ولذلك قال الرب ( هوذا كالطين بيد الفخارى ، أنتم هكذا بيدى يا بيت اسرائيل تارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالقلع والهدم والاهلاك . فترجع تلك الأمة التى تكلمت عليها عن شرها ، فأندم عن الشر الذى قصدت أن أصنعه بها . وتارة أتكلم على أمة وعلى مملكة بالبناء والغرس فتفعل الشر فى عينى فلا تسمع لصوتى ، فأندم على الخير الذى قلت إنى أحسن إليها به ) ( أر 18 : 6 – 1. ) .

يذكرنا هذا بمثل الزارع الذى خرج ليزرع ( مت 13 : 3 – 8 ) الزارع هو نفس الزراع ، والبذار هى نفس البذار . ولكن حسب طبيعة الأرض التى سقطت عليها البذار ، هكذا كانت نتيجتها فى التلف او الأثمار .

إن الزارع لم يعد بذاراً للجفاف أو الاحتراق أو لتختنق بالشوك أو ليأكلها الطير . ولكن طبيعة الأرض هى التى تحكت فى الأمر .

الإنسان حر إذن فى اختيار مصيره . ( لأن من يزرع لجسده ، فمن الجسد يحصد فساداً . ومن يزرع للروح ، فمن الروح يحصد حياة أبدية ) ( غلا 6 : 8 ) .

و – بحث الأمر من الناحية اللاهوتية :

إن مبدأ الأختيار هذا فيه ظلم وفيه محاباة ولا يتفق مع عدل الله الذى ( يجازى الإنسان حسب عمله ) ( 2كو 5 : 1. ) . فاذا كان الله يرحم من يرحم ، ويترأف على من يترأف ، ويترك الباقين للهلاك ، فكيف يتفق هذا مع عدل الله ؟‍‍!

والذين عينهم الله للهلاك ، ما ذنبهم ؟! الا يؤدى هذا إلى أن يقع الخطأة فى اليأس ، شاعرين بأنه لا فائدة من جهادهم ، ما داموا أوانى قد أعدت للهوان . أما الأبرار فأن هذا ولا شك يدفعهم إلى التراخى والتهاون ، شاعرين أنهم مخلصون مخلصون ، جاهدوا أو لم يجاهدوا ... !! .

ثم ما معنى الثواب إذا كان هناك أشخاص مكتوب عليهم الهلاك قبل أن يولدوا انثى

وآخرون مكتوب لهم الخلاص قبل أن يولدوا ؟! فالمختارون إذن ما فضلهم حتى يثابوا ؟ والأشرار ما ذنبهم حتى يعاقبوا ؟ .

وما لزوم الوصية إذن ، إن كان مصير الإنسان محتماً أطاع الوصية أو لم يطعها ! ثم ألا يتعارض مبدأ الاختيار هذا مع إرادة الإنسان الحرة ؟ .

وما جدوى الشيطان أيضاً فى اختبار إرادة الإنسان ؟ ما جدوى تعبه فى إغراء المختارين وهم خالصون لا محالة مهما كانت إغراءته ؟ وما جدوى تعبه فى اسقاط غير المختارين ، ، وهم هالكون حتى إن لم يحاربهم .

وما لزوم الكرازة والتبشير وارعاية والتعليم ، إن كان ذلك سوف لا يغير شيئاً مما كتب على الإنسان من اختبار أو رذل ؟

إن فكرة الاختيار هذه توقع فى بلبة ، وتتنافى مع عدل الله ، كما تتعارض أيضاً مع إرادة الإنسان الحرة

إن الذين يدعون أن الخلاص هو بالايمان وحده ، يتساءلون : أية أعمال صالحة قد عملها اللص اليمين ، وأى جهاد جاهده حتى خلص ؟ .

ونحن نجيب بأن اللص عمل أشياء كثيرة ، أهمها :

أ – آمن اللص بالرب فى ظروف قاسية جداً :

مجرد إيمان اللص لم يكن أمراً سهلا . لو أنه آمن بالرب ، وهو يقيم الموتى ، ويشفى المرضى ، ويمشى على الماء ، وينتهر الريح ، ويعمل المعجزات الخارقة ، لقلنا أن تلك أمور واضحة لا تقبل الشك . ولكنه آمن بالمسيح وهو مصلوب ! آمن به وهو مهان ومحتقر من الناس ، وأمام الكل فى حالة ضعف ! يلطمونه ، ويبصقون على وجهه ، ويستهزئزن به ويقولون له ( تنبأ من لطمك ) ! .

كانت المقاومات كثيرة من كل ناحية أمام هذا الإيمان . ولو أن هذا اللص لم يؤمن لالتمس له الناس الأعذار . فكيف يمكن أن يؤمن برجل مصلوب مهان أنه اله ؟! لابد أن اللص كان محتاجاً إلى جهاد كبير مع نفسه من الداخل إلى هذا الإيمان ، مقاتلاً الشكوك الكثيرة التىتقف أمامه وتكاد تلغى إيمانه ..

كل من يقول إن اللص لم يجاهد ، يبدو أنه لم يتخيل ويتصور الموقف الذى أحاط باللص ...

ذلك الموقف الذى أعثر فيه غالبية الناس ، حتى التلاميذ الذين قال لهم الرب ( كلكم تشكون فى هذه الليلة لأنه مكتوب أضرب الراعى فتتبدد الخراف ) ( مر 14 : 27 ) . وفعلاً تبددت الرعية كلها ! ولم يستطع أن يقف إلى جوار الصليب الا المريمات ويوحنا الحبيب فقط .. وهذا اللص ! .

انشق حجاب الهيكل ، واظلمت الشمس ، وتشققت الصخور فهل كان هذا كافياً للإيمان ؟ إننا نعرف جيداً أنه على الرغم من كل ذلك ،

لم يؤمن رؤساء الكهنة والكهنة والشيوخ والكتبة والفريسون . كما لم يؤمن اللص الآخر أيضاً .. إن إيمان اللص اليمين لم يكن امراً هيناً .

ب _ اعترف بالرب اعترافاً كاملاً :

إن عبارة ( اذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك ) ( لو 23 : 42 ) . تحمل معانى كثيرة : فهو قد اعترف بالمسيح ملكوتاً ، وأنه آت إلى ملكوته ، أى أن ليس للموت سلطان عليه . وآمن أيضاً بأن المسيح يمكنه أن يدخله الملكوت ، أى آمن بأن خلاصه سيكون على يد هذا المصلوب معه .

وكان لهذا اللص رجاء كبير . فعلى الرغم من كل ما فعله فى حياته من شرور بشعة ، آمن أنه يمكن لمثله أن يخلص وأن يدخل الملكوت ، عن طريق المسيح .

ولم يكتف هذا اللص بايمانه ، وإنما اعترف بهذا الإيمان علانية ، أمام الجميع ، بلا خجل ...

الأمر الذى لم يقدر عليه بطرس الرسول وغالبية الرسل والتلاميذ .

إن اللص لم يعترف قط بايمانه بالمسيح ، وإنما :

جـ - اعترف أيضاً بخطاياه :

لم يكتف اللص بالاعتراف بالإيمان ، وإنما ملكته الغيرة المقدسة حينما سمع زميله يجدف على المسيح قائلاً ( إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وايانا ( فأجابه اللص اليمين منتهراً ( أو لا تخاف أنت الله ، إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه . أما نحن فبعدل ( جوزينا ) لأننا ننال استحقاق ما فعلنا . وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس فى محله ) ( لو 23 : 39 – 41 ) .

وهكذا اعترف اللص بخطاياه ، واعترف باستحقاقه للعقاب .

اعترف أنه إذ يموت مصلوباً ، إنما ينال استحقاق ما فعل . فكأنه لم يستعظم الحكم ، وإنما قال ( نحن بعدل جوزينا ) .

وكان هذا اللص روحياً فى مسلكه : فبينما كان اللص الآخر يفكر فى وسيلة للنجاة من الموت والصلب ، قائلاً للمسيح ( خلص نفسك وايانا ) ، كان هذا اللص المؤمن يفكر فى الملكوت

ويتوسل إلى السيد من أجل خلاصه الأبدى ، لا من أجل أن ينقذه من موت الجسد . من جهة موت الجسد فقد رضى اللص اليمين به عقاباً على خطاياه . ولكنه وجد هذه اللحظات لازمة له للتفكير فى أبديته . وانشغل ذهنه بالرب وملكوته ، لذلك نراه أيضاً يدافع عن الرب .

د – دافع عن الرب :

وقف المسيح وحيداً يدافع عنه أحد ممن تنعموا بنعمة ومعجزاته . لم يدافع عنه أحد من رسله ولا من السائؤين وراءه . وباستثناء أسماء قليلة ، ارتفع صوت هذا اللص ، يخجل الالاف من ناكرى الجميل قائلاً ( وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس فى محله ) .

دفاع عجيب من شخص يستقبل الموت ، دل به على أن البشرية ما تزال فيها بقية من خير . لذلك استحق أن يقول له الرب ( اليوم تكون معى فى الفردوس ) .

أيسأل إذن ويقولون : ماذا كان جهاد اللص وما الذى فعله ؟ إننى أسألهم جميعاً سؤالاً آخر يسرنى أن أسمع الإجابة عليه ، وهو : ماذا كان بامكان هذا اللص أن يفعل أكثر من هذا ولم يفعله ؟! .

-3-

كيف خلصوا بدون عماد ؟

هناك بعض قديسين نالوا اكليل الشهادة قبل أن ينالوا نعمة العماد ... كأن يكونوا قد استشهدوا وهم فى صفوف الموعوظين ، بعد إيمانهم ... أو إنهم شهدوا عذابات بعض الشهداء وشجاعتهم فى لقاء الموت وما حدث لهؤلاء الشهداء من معجزات ، فآمنوا واعلنوا إيمانهم ، وقتلهم الولاة قبل أن ينالوا نعمةالعماد . وهنا يواجهنا سؤالا لاهوتى :

يسأل البعض: كيف خلص هؤلاء الشهداء بدون عماد ، وكيف خلص اللص اليمين بدون عماد أيضاً ما دامت المعمودية لازمة للخلاص ؟

الجواب : لقد شرحنا سابقاً أن المعمودية فى جوهرها هى موت مع المسيح . ولذلك قال بولس الرسول ( اعتمدنا لموته . فدفنا معه بالمعمودية للموت ... فإن كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه ) ( رو 6 : 3 – 8 ) فما دامت المعمودية موتاً مع المسيح ، ولذلك قال بولس الرسول ( اعتمدنا لموته . فدفنا معه بالمعمودية للموت ... فان كنا قد متنا مع المسيح ، نؤمن أننا سنحيا أيضاً معه ) ( رو 6 : 3 – 8 ) .

فما دامت المعمودية موتاً مع المسيح ، فأننا نقول فى صراحة ووضوح إن هذا اللص قد مات مع المسيح فعلاً ...

كذلك الشهداء قد ماتوا مع المسيح . اشتركوا معه فى الموت . وفى سفك دمائهم . لذلك تسمى الكنيسة مثل هذا الموت معمودية الدم . ولو أعطيت لهؤلاء فرصة من العمر ، لتمموا معمودية الماء أيضاً .

أرادأراد أراد أن يخلص نفسه يهلكها ، ومن يهلك

 الصفحة الرئيسية