البابا شنوده الثالث
سنوات مع أسئلة الناس
أسئلة لاهوتية و عقائدية "أ"
So Many Years With the
Problems Of People
Theological & Dogmatic Problems (A
)By H.H Pope Shenouda III
الباب الأول : أسئلة حول الله 3-الثالوث المسيحي و ما يدعي بالثالوث الوثني الباب الثاني : أسئلة حول الله الابن ( المسيح ) 13-هل لقب "ابن الإنسان " ضد لاهوت المسيح |
26- ما الفرق بين المسيح ابن الله و نحن أبناء الله ؟ 33-ما معني الجلوس عن يمين الآب ؟ 35-هل معجزات المسيح تمت بالإيحاء ؟ 36-هل معجزات المسيح تمت بالصلاة ؟ 42-كيف مات المسيح بينما لاهوته لم يفارق ناسوته ؟
|
60-هل يحتاج الله في الخلق و الخلاص الباب الثالث : أسئلة حول الروح القدس 71-متي أخذ التلاميذ الروح القدس 73-هل يعمل الروح القدس في غير المؤمنين |
ما أكثر الأسئلة التي تلقيناها في اجتماعاتنا علي مدي سنوات طويلة . و قد اخترنا منها أسئلة نشرناها في عشرة كتب تحت عنوان " سنوات مع أسئلة الناس " .
و كان ما نشرناه 513 سؤالاً حتي الكتاب العاشر من هذه المجموعة الذي صدر في يناير سنة 1998 .
أعيد نشر الكتب العشرة في دمشق في مجلدين كبيرين . و اهتم بذلك نيافة مار يوحنا ابراهيم مطران السريان الأرثوذكس في حلب .
و مرت 3 سنوات علي صدور الكتاب العاشر . و تم نشر أسئلة أخري متفرقة في مجلة الكرازة .
ثم رأينا أن نعيد نشر الكتب العشرة مرتبة موضوعياً .
*الأسئلة الخاصة باللاهوتيات و العقيدة وحدها . و ستصدر في كتابين .
*الأسئلة الخاصة بالموضوعات الروحية .
*و بعدها الأسئلة التي تتعلق بمشاكل كتابية .
ثم مجموعة من الأسئلة تحت عنوان [ متنوعات ] .
و الذي بين يديك الآن ، هو الجزء الأول من الأسئلة الخاصة باللاهوتيات و العقائد ، بليه بعد أسبوعين الجزء الثاني بمشيئة الله .
و سوف نتابع نشر هذه المجموعة ، و كل منها يمثل باباً معيناً من أبواب المعرفة الدينية .
و نرجو أن يكون النشر بهذه الصورة المتخصصة أكثر فائدة .
أبريل 2001 البابا شنوده الثالث
الباب الأول
أسئلة حول الله 1
سؤال في الإلحاد
قدم لي أحد الشبان هذا السؤال ، و أنا علي باب الكاتدرائية :
"يحاربني أحياناً فكر الإلحاد ، و أقاومه فيعود يشكوك كثيرة في وجود الله . فأرجو أن تساعدني علي تثبيت إيماني ، خوفاً من أن تتمكن الشكوك بإيماني ".
إنها حرب مشهورة من حروب الشيطان . و هذه الأفكار التي تحاربك ليست منك ، و إلا ما كنت تقاومها كما تقول . و لكن الشيطان عنيد لحوح ، لا ييأس و لا يهدأ . و كلما يرد الإنسان علي فكر من أفكاره ، يعود مرة أخري و يضغط و يلح . لذلك يقول القديس بطرس الرسول " قاوموه راسخين في الإيمان " ( 1 بط 5 : 9 ) . و مع ذلك فإن وجود الله له إثباتات كثيرة . لعل في مقدمتها ما يسميه الفلاسفة أو المفكرون بالعلة الأولي ، أي السبب الأول .
أي أن الله هو السبب الأول لوجود هذا الكون كله .
و بدون وجود الله ،لا نستطيع أن نفسر كيفية وجود الكون .
و هكذا نضع أمامنا عدة أمور لا يمكن أن يفسرها إلا وجود الله . و هي وجود الحياة ، و وجود المادة ، ووجود الإنسان ، ووجود النظام في كل مظاهر الطبيعة . يضاف إلي كل هذا الاعتقاد العام . و لنبدأ حالياً بنقطة أساسية و هي وجود الحياة .
وجود الحياة :
سؤالنا هو : كيف وجدت الحياة علي الأرض ؟
المعروف أنه مر وقت – كما يقول العلماء – كانت فيه الأرض جزءاً من المجموعة الشمسية ، في درجة من الحرارة الملتهبة التي لا يمكن أي تسمح بوجود أي نوع من الحياة ، لا إنسان و لا حيوان و لا نبات .
فمن أين أتت الحياة إذن ؟ من الذي أوجدها ؟ كيف ؟
هنا و يقف الملحدون و جميع العلماء صامتين حياري أمام وجود الحياة ز و لا أقصد حياة الكائنات الراقية كالإنسان ، بل حتي حياة نملة صغيرة ، أو دابة ، أو أية حشرة تدب علي الأرض ... مجرد وجود حياة واحدة من هذه الحشرات يثبت وجود الله .
بل مجرد خلية حية أياً كانت ، مجرد وجود البلازما ن يثبت وجود الله . لأنه لا تفسير له غير ذلك ...
إن الحياة حديثة علي الأرض ، ما دامت الأرض كانت من قبل قطعة ملتهبة لا تسمح بوجود حياة . فالحياة إذن بعد أن بردت القشرة الأرضية . أما باطن الأرض الملتهب ، الذي تخرج منه البراكين و النافورات الساخنة ، فلا يمكن أن توجد فيه حياة . إذن كيف وجدت الحياة علي الأرض بعد أن بردت قشرتها .
طبيعي أن المادة الجامدة ، التي لا حياة فيها ، لا يمكن أن توجد حياة . لأن فاقد الشئ لا يعطيه ...
و يبقي وجود الحياة لغزاً لا يجد له العلماء حلاً
حله الوحيد هو قدرة الله الخالق الذي أوجد الحياة ... و إن كان هناك تفسير اَخر ، فليقدمه لنا الملحدون أو علماؤهم ... ذلك لأن الكائن الحي لا بد أن يأتي من كائن حي . و مهما قدم العلماء من افتراضات خيالية ، فإنها تبقي مجرد افتراضات لا ترقي إلي المستوي العلمي ز بعد الحياة ، نتكلم عن إثبات اَخر و هو وجود المادة .
وجود المادة :
و نعني به وجود هذه الطبيعة الجامدة و كل ما فيها من مادة ...
لا نستطيع أن نقول أن المادة قد أوجدت نفسها
فالتعبير غير منطقي . إذ كيف توجد نفسها و هي غير موجودة ؟ كيف تكون لها القدرة علي الإيجاد قبل أن توجد ؟ إذن هذا الافتراض مستحيل . لا يبقي إذن إلا أن هناك من أوجدها . فمن هو سوي الله ؟
و لا يمكن أن نقول إنها وجدت بالصدفة كما يدعي البعض ...
فالصدفة لا توجد كائنات. وكلمة ( الصدفة ) كلمة غير علمية و غير منطقية .. ويحتاج إلى تعريف.فما هى الصدفة إذن ؟ و ما هى قدرتها ؟ و هل الصدفة كيان له خواص ، منها الخلق ؟!
كذلك لا يمكن أن نقول إن المادة أزلية ! أو الطبيعة أزلية !
من المحال أن تكون المادة الأزلية . لأن الأزلية تدل علي القوة بينما المادة فيها ضعف .
فهي تتحول من حالة إلي حالة ، و تتغير من حالة إلي أخري . الماء يتحول إلي بخار ، و قد يتجمد و يتحول غلي ثلج . و الخشب قد يحترق و يتحول إلي فحم ، و قد يتحول إلي دخان و يتبدد في الجو . كما أن كثيراً من المواد مركبة . و المركب هو اتحاد عنصرين أو عناصر ، و يمكن أن ينحل و يعود إلي عناصره الأولي .
كذلك فالطبيعة جامدة ،و بلا عقل و لا تفكير ،و بهذا لا يمكن أن تكون مصدراً للخلق .
أم أن كلمه الطبيعة تدل علي قوة جبارة غير مفهومة ؟
إن كان الأمر كذلك ، فلتكن هذه القوة غير المدركة هي الله ،و قد سماها البعض الطبيعة . و يكون الأمر مجرد خلاف حول التسميات ، و ليس خلافاً في الجوهر ز إن كل الملحدين الذين قالوا إن الطبيعة قد أوجدت الكون ، لم يقدموا لنا معني واضحاً لهذه الطبيعة ! نقطة أخري نذكرها في إثبات وجود الله ، و هي الإنسان .
وجود الإنسان :
هذا الكائن العجيب ، الذي له عقل و روح و ضمير و مشيئة و لا يمكن أن توجده طبيعة بلا عقل و لا مشيئة و لا حياة و لا ضمير !! كيف إذن أمكن وجود هذا الكائن ، بكل ما له من تدبير و مشاعر ؟! الكائن صاحب المبادئ ، الذي يحب الحق و العدل ، و يسعي إلي القداسة و الكمال ؟ لا بد من وجود كائن اَخر أسمي منه ليوجده ... لا بد من وجود كائن كلي الحكمة ، كلي القدرة ، بمشيئة تقدر أن توجده ...و هذا ما نسميه الله ...
و بخاصة للتركيب العجيب المذهل الذي لهذا الإنسان .
يكفي أن نذكر بصمة اصابعه ، و بصمة صوته .
عشرات الملايين قد توجد في قطر واحد . و كل إنسان من هؤلاء تكون لأصابعه بصمة تميزه عن باقي الملايين . فمن ذا الذي يستطيع أن يرسم لكل اصبع خطوطاً تميز بصمته . و تتغير هذه الخطوط من واحد لآخر ، وسط آلاف الملايين في قارة واحدة مثل آسيا ، و أو مئات الملايين في قارة مثل افريقيا ؟! إنه عجيب !! لابد من كائن ذي قدرة غير محدودة ، استطاع أن يفعل هذا ...و ما نقوله عن بصمة الأصبع ، نقوله أيضاً عن بصمة الصوت . إنسان يكلمك في التليفون . فنقول له " أهلاً ، فلان " . تناديه بإسمه و أنت لا تراه ، مميزاً بصمة صوته عن باقي الأصوات ...
قدرة الله غير المحدودة تظهر في خلقه للإنسان من أعضاء عجيبة جداً في تركيبها و في وظيفتها ...
المخ مثلاً و ما فيه من مراكز البصر ، و الصوت و الحركة ، و الذاكرة و الفهم ... إلخ . بحيث لو تلف أحد هذه المراكز ، لفقد الإنسان قدرته علي وظيفة هذا المركز إلي الأبد ...! من في كل علماء العالم يستطيع أن يصنع مخاً ، أو مركزاً واحداً من مراكز المخ ؟! إنها قدرة الله وحده . و يعوزنا الوقت إن تحدثنا عن كل جهاز من أجهزة جسد الإنسان ، و عن تعاون كل هذه الأجهزة بعضها مع البعض الآخر في تناسق عجيب . و أيضاً عن العوامل النفسية المؤثرة في الجسد ز و عن النظام المذهل الموجود في تركيبة هذه الطبيعة البشرية . هنا و أحب أن أتعرض إلي نقطة أخري لإثبات وجود الله ، و هي النظام العجيب الموجود في الكون كله .
نظام الكون :
إنك إن رأيت كومة من الأحجار ملقاة في مكان ، ربما تقول إنها وجدت هناك بالصدفة . أما إن رأيت أحجاراً تصطف إلي جوار بعضها البعض ، و فوق بعضها البعض ، حتي تكون حجرات وصالات بينها أبواب و لها منافذ و شرفات ... فلا بد أن تقول : يقيناً هناك مهندس أو بناء وضع لها هذا النظام ...
هكذا الكون في نظامه ، لا بد من أن الله قد نظمه هكذا . حتي ان بعض الفلاسفة أطلقوا علي الله لقب ( المهندس الأعظم ) .
*و لنضرب المثل الأول بقوانين الفلك . و ذلك النظام العجيب الذي يربط بين الشموس الكواكب ، و الذي تخضع له النجوم في حركتها و في اتجاهاتها ، مع العدد الضخم من المجرات و الشهب ... الأرض تدور حول نفسها مرة كل يوم ، ينتج عنها النهار و الليل . و مرة كل عام حول الشمس ، تنتج عنها الفصول الأربعة ز و هذا النظام ثابت لا يتغير منذ اَلاف السنين ، أو منذ خلقت هذه الأجرام السمائية و وضعت لها قوانين الفلك التي تضبطها ... لهذا كان علم الفلك يدرس في كليات اللاهوت ، لأنه يثبت وجود الله ، و بالمثل كان يدرس علم الطب ، لنفس الغرض . نفس قانون الفلك نلاحظه في العلاقة بين القمر و الأرض ، التي تنتج عنها أوجه القمر بطريقة منتظمة من محاق إلي هلال إلي تربيع إلي بدر .. لكل هذا ما أجمل قول المرتل في المزمور :
" السموات تحدث بمجد الله ، و الفلك يخبر بعمل يديه " ( مز 19 : 10 ) .
ليس النظام الذي وضعه الله في الكون قاصراً علي السماء و ما فيها ، إنما أيضاً ما يختص بالحرارة وضغط الهواء و الرياح و الأمطار . و كل هذا يحدث في كل بلد بطريقة منتظمة متناسقة ، مع ما يتبعه من أنظمة الزراعة و النباتات .
بل ما أعجب ما وضعه الله من نظام في طبيعة النحلة و إنتاجها .
إنها مجرد حشرة . و لكنها تعمل في نظام ثابت و مدهش ، و كأنها في جيش منتظم ، سواء الملكة أو العمال ، و تنتج شهداً له فوائد كثير جداً ، و بخاصة نوع غذاء الملكات ذي القيمة الغذائية الهائلة الذي يصنعونه فيما يعرف باسم Royal Jelly و يبيعونه في الصيدليات . و ما أجمل ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي عن مملكة النحل :
مملكة مدبرة بأمرأة مؤمرة
تحمـل في العمـل و الصنـاع عبء السيـطرة
أعـجـب لـعمـال يولون علـيهم قيـــصرة
هذه النحلة في نظامها تثبت وجود الله . و شهدها الذي تنتجه – في عمق فوائده – يثبت هو أيضاً وجود الله . إثبات اَخر لوجود الله هو المعجزات .
المعجزات :
و المعجزات ليست ضد العقل . و لكنها مستوي فوق العقل .
و لكنها سميت معجزات ، لأن العقل البشري عجز عن إدراكها أو تفسيرها . و ليس لها إلا تفسير واحد و هو قدرة الله غير المحدودة . هذه التي قال عنها الكتاب " ز كل شئ مستطاع عند الله " ( مر 10 : 27 ) . و كذلك قول أيوب الصديق " علمت أنك تستطيع كل شئ و لا يعسر عليك أمر " ( أي 42 : 2 ) .
و المعجزات ليست قاصرة علي ما ورد في الكتاب المقدس ، و إنما هي موجود في حياتنا العملية ، و بخاصة من بعض القديسين .
إن لم يكن شئ من هذا قد مر عليك في حياتك أو في حياة بعض أقاربك أو معارفك ، فاقرأ عنه في الكتب التي سجلت بعض هذه المعجزات في أيامنا ، أو في حياة قديسين قد سبقونا مثل الأنبا ابرام أسقف الفيوم ، أو أنبا صرابامون أبو طرحة ، أو ما يتكرر حدوثه كثيراً في أعياد القديسين . فهذه الذكري تثبت الإيمان في قلبك ...
نقطة أخري في إثبات وجود الله و هي الإعتقاد العام .
الاعتقاد العام :
الإعتقاد بوجود الله موجود عند جميع الشعوب ، حتي عند الوثنيين : يؤمنون بالألوهية ، و لكن يخطئون من هو الله ...
بل وصل بهم الأمر إلي الإيمان بوجود آلهة كثيرين – و بعضهم اَمن بوجود إله لكل صفة يعرفها من صفات الألوهية – و عرفوا ايضاً الصلاة التي يقدمونها لله ن و ما يقدمونه من ذبائح و قرابين ...
و الإيمان بالله مغروس حتى في نفوس الأطفال .
فإن حدثت الطفل عن الله ، لا يقول لك من هو .و إن قلت له " لا تفعل هذا الأمر ، لكي لا يغضب الله عليك " ، لا يجادلك في هذا ... إنه بفطرته يؤمن بوجود الله ، و لا يهتز هذا الإيمان في قلبك أو في فكره ، إلا بشكوك تأتي إليه من الخارج : إما كمحاربات من الشيطان أو من أفكار الناس . و ذلك حينما يكبر و يدخل في سن الشك .
علي أن الإلحاد له أسباب كثيرة ليست كلها دينية .
ففي البلاد الشيوعية ، كان سبب الإلحاد هو التربية السياسية الخاطئة ، مع الضغط من جانب الحكومة ، و الخوف من جانب الشعب . فلما زال عامل الخوف بزوال الضغط السياسي دخل في الإيمان عشرات الملايين في روسيا و رومانيا و بولندا و غيرها ز أو أنهم أعلنوا إيمانهم الذي ما كانوا يصرحون به خوفاً من بطش حكوماتهم .
نوع من الإلحاد هو الإلحاد الماركسي . و قد وضعه بعض الكتاب بأنه كان رفضاً لله ، و ليس إنكاراً لوجود الله .
نتيجة لمشاكل إقتصادية ، و سبب الفقر الذي كان يرزح تحته كثيرون بينما يعيش الأغنياء في حياة الرفاهية و البذخ ، لذلك إعتقد هؤلاء الملحدون أن الله يعيش في برج عاجي لا يهتم بالآم الفقراء من الطبقة الكادحة !! فرفضوه و نادوا بأن الدين هو أفيون للشعوب يخدرهم حتي لا يشعروا بتعاسة حياتهم ...
نوع آخر من الإلحاد هو إلحاد الوجوديين الذين يريدون أن يتمتعوا بشهواتهم الخاطئة التي يمنعهم الله عنها .
و هكذا لسان حالهم يقول " من الخير أن يكون الله غير موجود ، لكي نوجد نحن " أي لكي نشعر بوجودنا في حقيق شهواتنا .. و هكذا سخروا من الصلاة الربانية بقولهم " أبانا الذي في السموات " . نعم ليبقي هو في السموات ، و يترك لنا الأرض ...
إذن ليس هو اعتقاداً مبنياً علي أسس سليمة .
إنما هو سعي وراء شهوات يريدون تحقيقها ...
قصة :
أخيراً أحب أن أقول لك قصة أختم بها هذا الحديث .
إجتمع مؤمن و ملحد . فقال الملحد للمؤمن : ماذا يكون شعورك لو اكتشفت بعد الموت أنه لا يوجد فردوس و نار ، و ثواب و عقاب ، بينما قد أتعبت نفسك عبثاً في صوم و صلاة و ضبط نفس
فأجاب المؤمن : أنا سوف لا أخسر شيئاً ، لأني أجد لذة في الحياة الروحية . و لكن ماذا يكون شعورك إن أكتشفت بعد الموت أنه يوجد ثواب و عقاب و فردوس و نار ..؟
أما أنت أيها الابن العزيز ، فلتثبت الرب إيمانك .
من أين أتت الوثنية
ســؤال
من أين أتت الوثنية علي الرغم من أن الإنسان كان في الأصل يعرف الله ؟ و كيف تطورت الوثنية و تشكلت ؟
كان الإنسان منذ خلقه يعرف الله . و لكن بعدما تفرقت الشعوب في الأرض ، بعد برج بابل و تبلبلت الألسنة ، بمضي الوقت نسوا الله ، أو بعدوا عنه ببعدهم عن التقليد السليم .
و لما كان الله غير منظور لهم ، بدأوا يتخيلونه في قوي أخرى منظورة .
إما في قوي هي مصدر الخير لهم ، مثل الشمس مصدر النور و الحرارة ، في علوها و جمالها و إشراقها ... أو مثل النهر ، الذي يعطيهم الماء مصدر الحياة أو الري للإنسان و الحيوان و النبات ... أو صاروا يعبدون ملوكهم ، مظهر القوة و العظمة و السيطرة و الإرادة أمامهم ، الذين كانوا يستطيعون أن يحكموا عليهم بالموت ، أو يبقوهم في الحياة ، أو يمنحوهم من خيرات الدولة و مناصبها . و صاروا أيضاً يعبدون كائنات يخافونها ، و يقدمون لها القرابين استرضاء لها حتى لا تؤذيهم ، مثل النار ، أو الحية ، أو بعض الوحوش ، أو الأرواح ، و ما إلي ذلك ...
و بعضهم كان يتخيل لكل معني هام إلهاً ...
فمثلاً هناك إله للجمال ، و إله للخصب ... و يعطون لكل من هذه الآلهة إسماً ، و يحيكون حوله أسطورة يتداولها الناس ،و تصبح جزءاً من عقيدتهم يسلمها جيل إلي جيل ...
و لكي يثبت الأمر في حسهم ، يتخيلون لهذا الإله صورة ، و ينحتون له تمثالاً .
ثم يقيمون له شعائر للعبادة ن تتفق مع الأسطورة الخاصة به . أما ما يختص بهذه الشعائر من مذابح و ذبائح ، و من صلاة و سجود ، و من بخور و تسبيح و ترتيل ، فكلها أمور تعلموها في جوهرها من فترة ما قبل التشتت و التفرق ، مما كان يقدم للإله الحقيقي وحده من عبادة قبل الطوفان و بعده ...
و هم في الواقع لم يعبدوا التماثيل كأحجار ، و إنما لأنها تمثل اَلهة ...
و هذه الآلهة الوثنية ، ما كانوا فيها يعبدون الحيوان أو الإنسان كحيوان أو إنسان ، و لكي لأنه مثال للإله الذي في ذهنهم بما حوله من أساطير ...
و تمثال الإله الذي تقدم له العبادة يسمي وثناً .
فليس كل تمثال من تماثيل القدماء كان وثناً . إنما الوثن هو التمثال الذي كان يعبد . و بعض هذه الأوثان كانت ضخمة تقام في المعابد . بينما بعضها كان صغيراً يحتفظ به الناس في بيوتهم ، و يأخذونها معهم في أسفارهم . و الآلهة ( بوتو ) أي الحية كان يضعها الفراعنة في تيجانهم ن كجزء من التاج ...
و في تلك الأساطير تخيلوا آلهتهم ، و لهم قصص عائلية كما للبشر .
فمثلاً الإله أوزوريس تزوج الإلهة إيزيس ،و أنجب منها إبنهما الإله حورس . و تخيلوا أيضاً قصص صراعات و حروب تدور بين هذه الآلهة . و البعض منهم يموت ، ثم يوجد من ينتقم له . و هذه الآلهة يوجد منها إله خير و آخر شرير ... لقد اسبغوا علي آلهتهم صوراً من الحياة البشرية التي يحيونها أو يرونها ...
و قصص الآلهة كانت تعبر أحياناً من بلد إلي آخر ، و تأخذ أسماء أخري .
و هذه الحركة في التاريخ يسمونها Cencretism . فمثلاً قصة الإله أوزوريس تعبر من مصر إلي بلاد اليونان ، ليأخذ هذا الإله إسم ديونسيوس ، في قصة شبيهة . و هذا الأمر له قصص تكاد تتشابه بين اَلهة الهند و الصين و بلاد الشرق الأقصى ...
إننا نؤمن بإله واحد ن له كل صفات المثالية .
أما العالم الوثني فتصور لكل صفة إلهية إلهاً .
و هكذا عندهم تعدد الآلهة ، بحيث يمثل كل إله صفة من صفات الإلوهية ، أو عملاً من أعمالها .. و في التاريخ المصري القديم ن حاول اخناتون أن ينشر عقيدة التوحيد ، داخل نطاق عبادة الشمس ، و لكنه لم ينجح طويلاً ، و عاد الآلهة يسيطر علي معتقدات الناس .
و طبعاً هناك فرق كبير بين الوثنية و الإلحاد .
فالإلحاد معناه عدم الإيمان بوجود إله علي الإطلاق ، كما يقول الوحي الإلهي في سفر المزامير " قال الجاهل في قلبه ليس إله " ( مز 14 : 1 ) . أما الوثنيون فكانوا يؤمنون بفكرة الألوهية ز و يعبدون إلهاً ، أو عدداً من الآلهة ، أو أسرة إلهية ، أو عدداً من الآلهة لهم كبير . كما نقول إن زيوس هو كبير آلهة اليونان ، و جوبتر هو كبير آلهة الرومان ، و رع هو كبير آلهة المصريين ...
و الوثنية كانت تنتشر بالخلطة و بالتزاوج .
و لذلك كان الله في العهد القديم يمنع الخلطة بالأمم و التزاوج معهم ، حتى لا يعبد الشعب آلهتهم . و لعل من أخطر الأمثلة في التاريخ لسوء الاختلاط بالأمميين ، هو تزوج سليمان الحكيم بزوجات مواَبيات و عمونيات و صيدونيات .. ( 1 مل 11 : 1 ، 2 ) . و هكذا " بني سليمان مرتفعة لكموش رجس المواَبيين علي الجبل الذي تجاه أورشليم ، و لمولك رجس بني عمون . و هكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن و يذبحن لآلهتهن " ( 1 مل 11 : 7 ، 8 ) .
لكل ذلك أرسل الله الأنبياء ، ليثبتوا الشعب في عبادة الإله الحقيقي .
و زود هؤلاء الأنبياء بالوحي ، و بالمعجزات . و كان سفر الشريعة يقرأ علي الناس في المجامع كل سبت . كما كانت الأعياد و المراسم و الذبائح تذكرهم ايضاً بعبادة الرب حتى لا يضلوا ...
و مع كل ذلك نسمع عن وجود وثنية في أيام الآباء و الأنبياء .
و مع كل ذلك نسمع أن راحيل زوجة أبي الآباء يعقوب، و ابنة أخي رفقة التي تزوجها أبونا اسحق بن ابراهيم ، علي الرغم من أنها من أسرة متدينة ن قيل عنها في مفارقتها لأبيها لابان " فسرقت راحيل أصنام أبيها " ( تك 31 : 19 ) .. و لما زحف لابان وراءهم ، كان مما قاله ليعقوب " لماذا سرقت آلهتي ؟!" ( تك 31 : 30 ) . و نسمع أن بني إسرائيل لما تأخر عليهم موسي النبي علي الجبل مع الله ن اجتمعوا علي هرون و قالوا له " قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا " ( خر 32 ك 1 ) .
و نزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم ، و صنعوا عجلاً مسبوكاً ، و بنوا له مذبحاً ، و أصعدوا محرقات و ذبائح سلامة . و قالوا " هذه اَلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر " . ( خر 32 : 3 – 6 ) ... فماذا تقول في ذلك ، بعد كل المعجزات التي حدثت أمامهم و فعلها الرب علي يد موسي النبي .
أهو جهل ؟ أم تأثير الأمم الوثنية ؟ أم حروب الشيطان و ضلالاته ؟ أم كل ذلك معاً ؟..
و لا ننسي أن الروح القدس لم يكن يعمل في قلوب الناس كما في أيامنا .. كذلك لا ننسي أيضاً في تاريخ الوثنية أمراً آخر يضاف إلي أساطيرها المتوارثة هو :
تأثير الفلسفة الوثنية و أفكارها علي الناس .
و هؤلاء الفلاسفة كان تأثيرهم علي العالم الوثني ، لا يقل عن تأثير الأنبياء علي شعب الله . و كانوا هم الذين يشكلون عقائد الشعب . يضاف إلي هذا تأثير كهنة الوثنية و معلميها ، و تأثير الأسرة علي أبنائها .
و أمر له خطورته في تاريخ الوثنية ، هو سلطة الملوك الوثنيين .
و صدق ما قيل في المثل الشائع عن تلك العصور " الناس علي دين ملوكهم " . و قد شرحنا مثلاً كيف أن اخناتون نشر ديانة جديدة استمرت في أيامه . و سجل الكتاب كيف كان داريوس ملك فارس يصدر أوامره في ما يعبده الشعب ، حتى أن دانيال لما لم يشترك في تلك العبادة ألقي في جب الأسود (دا6) . و تاريخ الإستشهاد معروف كيف أن ديوقلديانوس مثلاً كان يقتل المسيحيين في وحشية إذا لم يعبدوا آلهته . و من قبله نيرون في عصر الرسل و خلفائه طوال حوالي ثلاثة قرون ...
الثالوث المسيحي و ما يدعي بالثالوث الوثني
ســؤال
هل هناك تشابه بين الثالوث المسيحي و ( الثالوث ) الوثني ؟ وإلا فما هو الفرق بينهما ؟ وهل من أسباب انتشار المسيحية في مصر ، التشابه بين عقيدة الثالوث فيها ، وعقيدة ( الثالوث ) فى قصة أوزوريس وإيزيس وحورس ؟
لو كان سبب انتشار المسيحية بسرعة في مصر ، هو التشابه بين عقائدها والعقائد المصرية الفرعونية ....
فما سبب انتشار المسيحية في باقي بلاد العالم ؟ هل هو تشابه أيضاً في العقائد ؟! وإن كان هناك تشابه ، فلماذا اضطهدت الوثنية المسيحية ؟
ولماذا قتل الوثنيون القديس مارمرقس الرسول كاروز الديار المصرية ؟! و لماذا حدث صراع عنيف بين الوثنية و المسيحية علي مدي أربعة قرون ، أنتهي بانقراض الوثنية ، فتركها عابدوها ، و تحطمت الأوثان ..! لا شك أن المسيحية كشفت ما في الوثنية من زيف و خطأ ، و ليس ما بينها من تشابه ! و إلا فما الداعي لدين جديد يحل محل الوثنية ؟و من جهة عقيدة الثالوث ، فالواضح أن الوثنية لا تؤمن بها .
الوثنية تؤمن بتعدد الآلهة في نطاق واسع ، و ليس بثالوث .
فمصر الفرعونية كانت تؤمن بالإله ( رع ) ، الذي خلق الإله ( شو ) و الإلهة ( نفتوت ) . و باقترانهما أنجبا الإله جب ( إله الأرض ) ، و الإلهة نوت ( إلهة السماء ) ، الذين تزوجا و أنجبا أوزوريس ، و إيزيس ، و ست ، و نفتيس ، و بزواج أوزوريس و إيزيس أنجبا الإله حورس... إلي جوار آلهة اَخري كثيرة كان يعبدها المصريون ... فأين عقيدة (الثالوث) في كل هذه الجمهرة من الآلهة ؟!
هل يمكن إنتقاء أية ثلاثة آلهة و تسميتهم ثالوثاً ؟!
و في مثال قصة أوزوريس و إيزيس ، ذكرنا عشرة آلهة مصرية ، لو أردنا أن نأخذ هذه القصة كمثال .. كما أن في قصة تخليص إيزيس لزوجها المقتول أوزوريس ، و إعادته إلي الحياة ، ساعدها تحوت إله الحكمة ، و أنوبيس إله التحنيط ،و أيضاً ساعدتها أختها نفتيس .. فليست القصة ( ثالوثاً ) . و ليست في عقائد المصريين القدماء عقيدة تسمي التثليث علي الإطلاق .. و مع كل ذلك نقول :
إن المسيحية لا تؤمن بتثليث فقط ، إنما بتثليث و توحيد .
و هذا التوحيد لا توافق عليه العبادات المصرية التي تنادي بالتعدد .
ففي قانون الإيمان المسيحي نقول في أوله " بالحقيقة نؤمن بإله واحد " . و حينما نقول باسم الآب و الابن و الروح القدس ، نقول بعدها " إله واحد . اَمين " .و في الرسالة الأولي للقديس يوحنا الإنجيلي يقول " الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدس . و هؤلاء الثلاثة هم واحد " ( 1 يو 5 : 7 ) .
و وردت عبارة " الله واحد " في مواضع كثيرة من الكتاب المقدس .
وردت في ( غلاطية 3 : 20 ) ،و في يعقوب (2 : 19 ) ، و في ( أفسس 4 : 5 ). و في (1 تي 2 : 5 ) . و أيضاً في ( يو 5 : 44 ) ، ( رومية 3 : 30 ) ، ( مت 19 : 17 ) ، ( مر 12 : 29 ،30 ). كما أنها كانت تمثل الوصية الأولي من الوصايا العشر ( خر 20 : 3 ) . و ما أوضح النص الذي يقول " الرب إلهنا رب واحد " ( تث 6 : 4 ). و عبارة الإله الواحد ترددت مرات عديدة في سفر أشعياء النبي علي لسان الله نفسه ، كما في ( أش 43 : 10 ، 11 ) ، ( أش 45 : 6 ، 18 ، 21 ) ، ( أش 46 : 9 ) .
و المسيحية تنادي بأن الأقانيم الثلاثة إله واحد .
كما وردت في ( 1 يو 5 : 7 ) . و كما وردت في قول السيد المسيح " و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) ، حيث قال باسم ، و لم يقل بأسماء و لعل سائلاً يسأل كيف أن 1+1+1 + فنقول 1Ð1Ð1 =1 .
الثالوث يمثل الله الواحد ، بعقله و بروحه ، كما نقول إن الإنسان بذاته ، و بعقله و بروحه كائن واحد ، و إن النار بنورها وحرارتها كيان واحد ...
و لكن أوزوريس و حورس ليسوا إلهاً واحداً بل ثلاثة .
و هذا هو أول خلاف بين هذه القصة و الثالوث المسيحي .
و الخلاف الثاني إنها تمثل قصة زواج إله رجل ( هو أوزوريس ) ، و إلهة إمرأة ( هي إيزيس ) أنجبا إلهاً ( هو حورس ) .
و ليس في الثالوث المسيحي إمرأة ، و لا زواج ، حاشا ..!
و لو كل أب و أم و إبن يكونون ثالوثاً .. لكان هذا الأمر في كل مكان ، و في كل بلد ، و في كل أسرة . و لكنه في كل ذلك لا علاقة له بالثالوث المسيحي .
فالإبن في المسيحية ليس نتيجة تناسل جسداني .
حاشا أن تنادي المسيحية بهذا ، فالله روح ( يو 4 : 24 ) . و هو منزه عن التناسل الجسدي . و الابن في المسيحية هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ز و بنوة الابن من الآب في الثالوث المسيحي ، مثلما نقول " العقل يلد فكراً " و مع ذلك فالعقل و فكره كيان واحد . و لا علاقة لهما بالتناسل الجسداني ...الفكر يخرج من العقل ، و يظل فيه ، غير منفصل عنه . أما في التناسل الجسداني ، فالإبن له كيان مستقل قائم بذاته منفصل عن أبيه و أمه . و كل من الأب و الأم له كيان قائم بذاته منفصل عن الآخر . و هنا نجد خلافاً مع الثالوث المسيحي .
فالأقانيم المسيحية ،لا انفصال فيها لأقنوم عن الآخر .
الإبن يقول " أنا في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11 ) ، "أنا و الآب واحد " (يو 10 : 30) . و لا يمكن أن حورس يقول أنا و أوزوريس كائن واحد ! أنا فيه وهو في ...
كذلك الأقانيم المسيحية متساوية في الأزلية . لا تختلف في الزمن .
الله بعقله و بروحه منذ الأزل. أما في قصة أوزوريس و إيزيس ، فحدث أن ابنهما حورس لم يكن موجوداً قبل ولادته ، و هو أقل منهما في الزمن . كذلك قد يوجد اختلاف في العمر بين أوزوريس و ايزيس . و هما الإثنان لم يكونا موجودين قبل ولادتهما من جب و نوت ..
أما الله في الثالوث المسيحي فهو كائن منذ الأزل ، و عقله فيه منذ الأزل ، و روحه فيه منذ الأزل . لم يمر وقت كان فيه أحد هذه الأقانيم غير موجود . لكل السباب السابقة لا يمكن أن نري لوناً من التشابه بين الثالوث المسيحي ، و ما في الوثنية من تعدد الآلهة ،و اختلاف في الجنس بين الآلهة ، هذا ذكر و تلك أنثي ، و ايضاً ما في الوثنية من تزاوج بين الآلهة ، و إنجاب ...
اَية خاصة بالتثليث
ســؤال
الآية الخاصة بالتثليث (1 يو 5 : 7 ) التي تقول " الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة : الآب و الكلمة و الروح القدس . و هؤلاء الثلاثة " هم واحد " ... هذه الآية في إحدي الترجمات العربية محاطة بقوسين ، و مكتوب في الحاشية أنها غير موجودة في بعض النسخ . فهل هذا يهدم عقيدة التثليث؟
إن كانت هذه الآية لم توجد في بعض النسخ ، فلعل هذا يرجع إلي خطأ من الناسخ ، بسبب وجود اَيتين متتاليتين ( 1 يو 5 : 7 ، 8 ) متشابهتين تقريباً في البداية و النهاية هكذا :
الذي يشهدون في السماء ... و هؤلاء الثلاثة هم واحد .
و الذين يشهدون علي الأرض ... و الثلاثة هم في الواحد .
و مع ذلك هذه الآية موجودة في كل النسخ الآخري ، و في النسخ الأثرية .
هذه نقطة . و النقطة الأخري هي أن العقيدة المسيحية لا تعتمد علي اَية واحدة . إذ توجد عقيدة التثليث في العهد الجديد . و من الآيات الواضحة قول السيد الرب لتلاميذه عن هم في التبشير :" و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) .
و هنا يقول " باسم " و لم يقل ( باسماء ) مما يدل علي أن الثلاثة هم واحد ، و هذا يشابه نفس معني الآية ( 1 يو 5 : 7 ) . و يقول الكتاب أيضاً " نعمة ربنا يسوع المسيح و محبة الله و شركة الروح القدس مع جميعكم " ( 2 كو 13 : 4 ) . و هنا أيضاً يذكر الأقانيم الثلاثة معاً . و عن الوحدة بين الأقانيم ، يقول السيد المسيح :
" أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 30 ) .
أي واحد في الجوهر ، و في الطبيعة ...و من جهة الروح القدس ،هو روح الله نفسه ، و طبيعي أن الله و روحه كيان واحد . فلا يمكن ان ينفصل الله عن روحه ، أو أن يكون الله غير روحه . هما إذن واحد . و في ( أع 5 : 3 ، 4 ) في توبيخ القديس بطرس لحنانيا يقول له " لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب علي الروح القدس ... أنت لم تكذب علي الناس بل علي الله " . فهو يقول إن الكذب علي الروح القدس هو الكذب علي الله . لأن الله و روحه لاهوت واحد . و ما أكثر الآيات التي يمكن ان نوردها في هذا المجال . و لكننا نجيب هنا في اختصار للتوضيح و لا داعي لأن يقول البعض إن إحدى النسخ سقطت منها آية ، لأن نسخ الكتاب كانت بالآلاف و بعشرات الآلاف في العصور الأولي ، و قبل اختراع الطباعة ...
إنها طريقة تشكيك ، لا تتفق مع روح الكتاب .
و العقيدة المسيحية الراسخة منذ العصر الرسولي ، ما كانت تخفي عليها آيات الكتاب المقدس ، بل هي مؤسسة علي آيات الكتاب .
الله لم يره أحد
ســؤال
ما معني الآية التي تقول "الله لم يره أحد قط " ( يو 1 : 18 ) ألم يظهر الله لكثير من الأنبياء و يكلمهم ؟
الجـواب
المقصود بعبارة ( لم يره أحد قط ) اللاهوت . لآن اللاهوت لا يري . و الله – من حيث لاهوته – لا يمكن رؤيته بعيوننا المادية التي لا تري سوي الماديات ، و الله روح ...لذلك فإن الله ، عندما أردنا أن نراه ، ظهر في هيئة مرئية ، في صورة إنسان ، في هيئة ملاك . وأخيراًَ ظهر في الجسد ، فرأيناه في إبنه يسوع المسيح ، الذي قال " من راَني فقد رأي الآب " .
و لهذا فإن يوحنا الإنجيلي ، بعد أن قال " الله لم يره أحد قط " استطرد بعدها " الإبن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " ( أي قد خبراً عن الله ) .
كل الذين يصورون الآب في شكل مرئي ، إنما يخطئون ،و ترد عليهم هذه الآية بالذات .. كالذين يصورون الآب في ايقونة للعماد ، يقول " هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت " بينما الآب لم يره أحد قط .
طالما نحن في هذا الجسد المادي ، فإن ضبابه يمنع رؤية الله ، إننا " ننظر كما في مراَه " كما يقول بولس الرسول " أما في الأبدية ، عندما نخلع الجسد المادي ، و نلبس جسداً روحانياً نورانياً ، يري ما لم تره عين " فحينئذ سنري الله
كيف رأوا الله ؟!
ســؤال
قال الكتاب " دعا يعقوب اسم المكان فنيئيل قائلاً : لأني نظرت الله وجهاً لوجه " ( تك 32 : 30 ) فكيف يحدث هذا بينما الكتاب يقول أن الرب قال لموسي في سفر الخروج " لا تقدر أن تري وجهي . لأن الإنسان لا يراني و يعيش " ( خر 33 : 20 ) .
اللاهوت لا يمكن أن يراه أحد ، لأنه لا يدرك بالحواس . و لذلك عندما أراد الله أم نراه ، رأيناه في صورة إبنه متجسداً ، كما قيل " عظيم هو سر التقوي : الله ظهر في الجسد " ( 1 تي 3 : 16 ) .
في العهد القديم كانوا يرون الله في ظهورات . إما علي هيئة ملاك كما ظهر لموسي النبي في العليقة ( خر3 : 2 – 6 ) . و إما علي هيئة أحد الرجال كما ظهر لأبينا ابراهيم عند بلوطة ممرا ( تك 18 : 2 ، 16 ، 17 ) . أما بالنسبة إلي أبينا يعقوب فقد ظهر له في هيئة إنسان صارعه حتي طلوع الفجر ( تك 32 : 24 ) . و قد عرف أنه الله ، لأنه لما باركه قال له " لأنك جاهدت مع الله و الناس و غلبت " ( تك 32 : 28 ) .
هل كل شئ من الله ؟
ســؤال
هل إحساسي خطأ أم صواب ، حينما أشعر أن كل ما يحدث لي هو من الله ؟ و أن الله يضع الناس في طريقي ، و يحركهم في اتجاهات معينة ؟ ...
الجـواب
كل ما يحدث حولك أو لك من الخير هو من الله .
روح الله القدوس يحرك الناس إلي الخير ، يرشدهم إلي حياة البر . يضعهم في طريقك لفائدتك . و يقول الكتاب " كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله " ( رو 8 : 28 ) . و لكن ماذا عن الشر الذي يحدث لك ، أو يحدث من حولك ؟
هل نجرؤ و نقول إن الله قد حرك الناس لفعله ؟! حاشا ...
إذن الشر الذي يحدث لك ، ليس هو من الله . لأن الله لا يحرك الناس لفعل الشر ...
إنه - تبارك - إسمه – قد منح الناس حرية إرادة . و قد تنحرف حرية إرادتهم نحو الشر . ليس لأن الله يحركهم إليه ، و إنما لأن الشر الذي في قلوبهم هو السبب في ما يرتكبونه من أخطاء نحوك أو نحو غيرك .
و الله لا يريدهم أن يخطئوا . و لكنه يسمح أن يحدث هذا ، و يعاقب عليه .
فهو لا يشاء الشر ، و لا يحرك الناس إليه ، و لكنه في نفس الوقت لا يسير الناس نحو الخير ،و لا يرغمهم عليه . بل يحثهم عليه ، و لكنه يترك لحرية إرادتهم أن تشترك مع المشيئة الإلهية .و إن رفضت ذلك ، لا يرغمها . إلا في حالات الإنقاذ التي تتدخل فيها إرادة الله لمنع شر عن احبائه ...
فلا تبالغ ، و لا تقل إن كل شئ يحدث لي هو من الله .
بل قل : و أما الشر فهو من الشيطان أو من الناس الأشرار
و مع ذلك ، فالله قادر أن يحول الشر إلي خير .
كما حدث في قصة يوسف الصديق مع إخوته . " الشر الذي فعلوه به ن كان منهم هم ، من حسدهم و غيرتهم و قساوة قلوبهم . و لكن الله حول الشر إلي خير . و لذلك قال يوسف لأخوته " أنتم أردتم لي شراً . أما الله فأراد به خيراً " ( تك 50 : 20 ) . الله لم يحرك إخوة يوسف نحو الشر . ولكنه حول شرهم إلي خير . و بنفس الأسلوب نقول إن الله لم يحرك يهوذا إلي خيانة معلمه . و لكنه حول نتيجة هذه الخيانة إلي الخير .
عدل الله و رحمته
ســؤال
قرأت في أحد الكتب : هل حدث علي الصليب أنه اصطلح عدل الله مع رحمته ؟
الجـواب
ليس هناك خلاف إطلاقاً بين عدل الله و رحمته ، لأنه لا يمكن أن يوجد تناقض بين صفات الله تبارك إسمه . فالله رحيم في عدله ، و عادل في رحمته .
عدل الله مملوء رحمة . و رحمة الله مملوءة عدلاً . و يمكن أن نقول إن عدل الله عدل رحيم ، و رحمته رحمة عادلة . و نحن لا نفصل إطلاقاً بين عدل الله و رحمته .
و حينما نتكلم مرة عن العدل ، و أخري عن الرحمة . فلسنا عن الفصل نتكلم ،و إنما عن التفاصيل
أما عن ميمر العبد المملوك الذي يتخل نقاشاً و جدلاً بين عدل الله و رحمته ، فهو ليس دقيقاً من الناحية اللاهوتية ، و عليه مؤاخذات كثيرة . فلم يحدث طبعاً مثل هذا النقاش ، إنما مؤلف هذا الميمر أراد أن يشرح تفاصيل الموضوع بأسلوب الحوار . و هو أسلوب ربما يكون أديباً مشوقاً . و لكنه ليس أسلوباً لاهوتياً دقيقاً .
أما علي الصليب ، فكما قال المزمور العدل و الرحمة تلاقيا أو الرحمة و الحق تلاقيا . ( و ليسا تصالحا !! ) .
إن كلمة مصالحة ، تعني ضمناً وجود خصومة سابقة . و حاشا أن يوجد هذا في صفات الله ! و حتي عبارة التلاقي ، تعني هذا التلاقي أمامنا نحن ، في مفهومنا نحن . أما من الناحية اللاهوتية ، فهناك التلاقي بين العدل و الرحمة منذ الأزل . و كما قلنا عن الله أن عدله مملوء رحمة ، و رحمته مملوءة عدلاً .
و علي الصليب رأينا نحن هذا التلاقي بين العدل و الرحمة . و هو تلاق دائم . و لكننا نحن كبشر ، رأيناه علي الصليب ...
رأينا هذه الصورة الجميلة ، التي أعطت لعقولنا البشرية مفهوماً عن تلاقي العدل و الرحمة .الله و الجحيم ؟
ســؤال
هل الله موجود في الجحيم ؟
الله موجود في كل مكان ، و لا يخلو منه مكان . الشمس تشرق بأشعتها حتى في الأماكن التي توجد بها قاذورات . و لكنها لا تتأذى بتلك القاذورات ،كذلك الله . و مع ذلك فالجحيم مجرد مكان انتظار . و السيد المسيح نزل إلي هناك ، لكي يبشر الراقدين علي رجاء ، و ينقلهم إلي الفردوس .لاحظ في قصة الثلاثة فتية في أتون ، أنه كان معهم رابع قيل إنه شبيه بابن الآلهة (دا3 : 25 ) . و لم يتأذ بالنار ، و لم يسمح للنار أن تؤذي الثلاثة فتية . الوجود في أي مكان ، ليس هو مشكلة ، إنما المشكلة هي التأذي من مكان . و الله فوق التأذي ، لا يتفق ذلك مع طبيعته . و لو كان الله لا يوجد في مكان ما !! لكان ذلك ضد صفة عدم المحدودية التي يتصف بها !! و لكان ذلك سبباً للطعن في معرفته بما يدور في ذلك المكان ... حاشا أن نفكر في شئ من هذا .
هل كان الله يخاف اَدم ؟
ســؤال
هل كان الله يخاف أن يصير آدم نداً له بأكله من شجرة الحياة ، لذلك منعه عنها ،و جعل ملاكاً يحرسها ؟! ( تك 3 : 22 ) .
الجـواب
طبعاً إن الله لا يمكن أن يخشي أن يكون هذا المخلوق الترابي نداً له . فإلله غير محدود في كل كمالاته . فلماذا منع الإنسان عن شجرة الحياة ؟
لقد منعه عن شجرة الحياة ، لأن الحياة لا تتفق مع حالة الخطية التي كان فيها الإنسان .
الخطية هي موت روحي ، و جزاؤها هو الموت الأبدي . يجب التخلص أولاً من حالة الخطية ، و من عقوبة الخطية ، حتى يحيا الإنسان الحياة الحقيقية إلي الأبد . بدليل أن الله و عد الغالبين في الجهاد الروحي بأن يأكلوا من شجرة الحياة . بدليل أنه قال في سفر الرؤيا :
" من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في فردوس الله " ( رؤ 2 : 7 ) . و ما أكثر الوعود الأبدية التي في الكتاب المقدس ... و لكنها وعود للتائبين و للمنتصرين في حياتهم الروحية ، و ليس للناس وهم في حالة الخطية كما كان أبونا آدم وقتذاك . و كأن الله يقول لآدم :
مادمت في حالة الخطية ، فأنت في هذه الحالة ممنوع عن الحياة . لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) . أنت لا تستحق الحياة في هذا الوضع ، و ليس من صالحك أن تستمر حياً في هذا الوضع ... إنما انتظر التوبة و الفداء . و بعد ذلك ستحيا إلي الأبد . إنه منع الحياة عن المحكوم عليه بالموت . و عدم ربط الحياة الأبدية بالخطية .
هل كان الله لا يعرف ؟!
ســؤال
هل الله لم يكن يعرف حينما قال لآدم " أين أنت ؟" " هل أكلت من الشجرة " .. هل من المعقول أن يجهل الله شيئاً حتى يسأل غيره عنه ؟!
الجـواب
ليس معني السؤال : أن من يسأل يجهل ما يسأل عنه !! فعلم ( البيان ) يشرح كيف أن السؤال يخرج عن معناه الأصلي إلي معان أخري .
و الأمثلة علي ذلك كثيرة جداً منها قول الشاعر :
و أبي كسري علا إيوانه أين في الناس أب مثل أبي
فهو هنا لا يسأل " أين " ؟ . و إنما المقصود بالسؤال الافتخار ، و أنه لا يمكن أن يوجد مثل أبيه في العلو ... و كذلك سؤال آخر يقصد به الشاعر التحقير ، بقوله :
فهو لا يقصد أن يسأل : هل طنين أجنحة الذباب يسبب ضرراً أم لا ! فالإجابة معروفة . إنما يقصد تشبيه تهديد عدو له بطنين أجنحة الذباب الذي لا يمكن أن يضر . و في علم البيان يقال إن هذا سؤال خرج عن معناه الأصلي إلي الإستهزاء أو التهكم أو التحقير . و ليس المقصود به معرفة الجواب . و كذلك يخرج عن معني السؤال للمعرفة البيت التالي :
فكل إنسان لا ينسي أنه مخلوق من تراب ، و لا يمكن أن ينسي ذلك . إنما السؤال " هل سينسي " مقصود به الإستحالة ، استحالة النسيان ، فهو تعبير بياني .
و بنفس الوضع سأل الله تبارك اسمه قايين بعد قتله لأخيه هابيل ، قائلاً " أين هابيل أخوك " ( تك 4 :9 ) .
سأله و هو يعرف أين هو ..بدليل أنه قال لما أنكر " صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض . فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك " ( تك 4 : 10 ، 11 ) .
إنما سأله ليوقفه أمام جريمته التي ارتكبها ، ليتذكر ماذا فعل ، ليعترف بالجرم ..
و بنفس الوضع سأل أبانا آدم " أين أنت ؟ هل أكلت ؟" .
لكي يشعره بما فعله من ذنب ، و بأنه خاف و اختبأ بعد عصيانه لله و أكله من الثمرة المحرمة ... و لا يمكن أن يكون سبب السؤال هو عدم المعرفة حاشا ... السؤال قصده فتح الحديث مع آدم ،لكي يعترف بما فعل . و لكي يشعر بأن الله لن يترك عصيان آدم بلا محاسبة و بلا محاكمة .
و بنفس الوضع سأل الرب أيوب . لما حورب بالمجد الباطل .
سأله لكي يشعره بجهله و ضعفه . أين كنت حين أسست الأرض ؟! أخبر إن كان عندك فهم ( أي 38 : 4 ) ليس المقصود طبعاً معرفة أين كان وقت الخلق ، لأنه لم يكن قد ولد بعد . إنما السؤال يقصد به التعجيز ، و إشعاره بجهله .
و هكذا استمر الله في أسئلته لأيوب " هل في أيامك أمرت الصبح ..؟ هل تربط أنت عقد الثري ؟ ( أي 38:12 ،31 ) .
كلها أسئلة ليس المقصود بها طلب المعرفة .
كذلك حتى أسلوبنا نحن مع الله دائماً يختلف .
فمثلاً حينما تقول يا رب اغفر لي و سامحني . كلمة ( اغفر ) في اللغة العربية فعل أمر ، و كذلك سامح . ولكننا لا نأمر في الصلاة بل نتوسل ...
أسئلة حول الله الابن(المسيح)
حــول لاهــوت المسيـح
ســؤال
هل توجد آيات صريحة في الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح ؟ يسرنا إيراد بعض منها ..
الجـوابنعم ، توجد آيات كثيرة ،نذكر من بينها :
قال بولس الرسول عن اليهود " .. و منهم المسيح حسب الجسد ، الكائن علي الكل إلهاً مباركاً إلي الأبد آمين " ( رو 9 : 5 ) . مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً . إذ ورد فيها :
" في البدء كان الكلمة ، و الكلمة كان عند الله ، و كان الكلمة الله " ( يو 1 : 1 ) . و في نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ ، فيقول " كل شئ به كان . و بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) . و عن لاهوت المسيح و تجسده يقول بولس الرسول في رسالته الأولي غلي تيموثاوس " و بالإجماع عظيم هو سر التقوى ، الله ظهر في الجسد " ( 1 يو 3 : 16 ) . و عن هذا الفداء الذي قدمه المسيح كإله يقول الرسول إلي أهل أفسس " أحترزوا إذن لنفسكم و لجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة ، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه " ( أع 20 : 28 ) و طبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتني الكنيسة بدمه ، لولا أنه أخذ جسداً ، سفك دمه علي الصليب .
ولقد اعترف القديس توما الرسول بلا هوت المسيح ، لما وضع أصبعه علي جروحه بعد قيامته ، و قال له " ربي و إلهي " ( يو 20 : 28 ). و قد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلا هوته . و قال له موبخاً شكوكه " لأنك رأيتني يا توما آمنت . طوبى للذين آمنوا و لم يروا " . و حتي إسم السيد المسيح الذي بشر به الملاك ، قال " و يدعون اسمه عمانوئيل ، الذي تفسيره الله معنا " ( مت 1 : 23 ) .
و كان هذا إتماماً لقول النبي أشعياء " و لكن يعطيكم السيد نفسه آية . ها العذراء تحبل و تلد ابناً ،و تدعو اسمه عمانوئيل " ( أش 7 : 14 ) ، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء .
و ما أكثر الآيات التي تنسب كل صفات الله للمسيح .
ســؤال
لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بأبن الإنسان ؟ هل في هذا عدم إعتراف منه بلا هوته ؟و لماذا لم يقل إنه ابن الله ؟
الجـواب
السيد المسيح إستخدم لقب ابن الإنسان . و لكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ...
قال هذا عن نفسه في حديثه مع المولود أعمي ، فاَمن به و سجد له ( يو 9 : 35 – 38 ) .و كان يلقب نفسه أحياناً [ الابن ] بأسلوب يدل علي لاهوته كقوله " لكي يكرم الجميع الإبن ، كما يكرمون الآب " ( يو 5 : 21 – 23 ) . و قوله أيضا " ليس أحد يعرف من هو الإبن إلا الآب . و لا من هو الآب إلا الابن ، و من أراد الابن أن يعلن له " ( لو 10 : 22 ) . و قوله ايضاً عن نفسه " إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار " ( يو 8 : 36 ) .
و قد قبل المسيح أن يدعي ابن الله ، و جعل هذا أساساً للإيمان و طوب بطرس علي هذا الإعتراف .
قبل هذا الإعتراف من نثنائيل ( يو 1 : 49 ) ، و من مرثا ( يو 11 : 27 ) ، و من الذين رأوه " ماشياً علي الماء " ( مت 14 : 33 ) . و طوب بطرس لما قال له " أنت هو المسيح ابن الله " . و قال " طوباك يا سمعان بن يونا . إن لحماً و دماً لم يعلن لك ، لكن أبي الذي في السموات " ( مت 16 : 16 ، 17 ) .
و في الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله .
إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح إبن الله " ( مر 1 : 1 ) . و كانت هذه هي بشارة الملاك للعذراء بقوله " فلذلك القدوس المولود منك يدعي إبن الله " ( لو 1 : 35 ) . بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد ( مت 3 : 17 ) ، و علي جبل التجلي ( مر 9 : 7 ) ، (2 بط 1 : 17 ، 18 ) . و قول الآب في قصة الكرامين الأردياء " أرسل إبني الحبيب " ( لو 20 : 13 ) . و قوله أيضاً " من مصر دعوت إبني " ( مت 2 : 15 ) . و كانت هذه هي كرازة بولس الرسول ( أع 9 : 20 ) ، و يوحنا الرسول ( 1 يو 4: 15 ) ، و باقي الرسل .
إذن لم يقتصر الأمر علي لقب ابن الإنسان .
بل إنه دعي ابن الله ، و الابن ، و الابن الوحيد . و قد شرحنا هذا بالتفصيل في السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله ،و بنوة المسيح لله . بقي أن نقول :
استخدم المسيح لقب ابن الإنسان في مناسبات تدل علي لاهوته .
1-فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا .
و هذا واضح من حديثه مع الكتبة في قصة شفائه للمفلوج ، إذ قال لهم : و لكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً علي الأرض أن يغفر الخطايا ، حينئذ قال للمفلوج قم إحمل سريرك و إذهب إلي بيتك ( مت 9 : 2 – 6 ) .
2- وهو كابن الإنسان يوجد في السماء و الأرض معاً .
كما قال لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) . فقد أوضح أنه موجود في السماء ، نفس الوقت الذي يكلم فيه نيقوديموس علي الأرض . و هذا دليل علي لاهوته .
3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت .
فلما لامه الفريسيون علي أن تلاميذه قطفوا السنابل في يوم السبت لما جاعوا ، قائلين له " هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبوت " شرح لهم الأمر و قال ط فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً " ( مت 12 : 8 ) . و رب السبت هو الله .
4- قال إن الملائكة يصعدون و ينزلون علي ابن الإنسان .
لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب في رؤيته تحت التينة و قال له " يا معلم أنت ابن الله " لم ينكر أنه ابن الله ن غنما قال له " سوف تري أعظم من هذا .. من الآن ترون السماء مفتوحة ، و ملائكة الله يصعدون و ينزلون علي ابن الإنسان " ( يو 1 : 48 – 51 ) . إذن تعبير ابن الإنسان هنا ، لا يعني مجرد بشر عادي ، بل له الكرامة الإلهية .
5- و قال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة و يأتي علي سحاب السماء .
فلما حوكم و قال له رئيس الكهنة " استحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله ؟ أجابه " أنت قلت . و أيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة و اَتياً علي سحاب السماء " ( مت 26 : 63 – 65 ) . و فهم رئيس الكهنة قوة الكلمة ، فمزق ثيابه ، و قال قد جدف . ما حاجتنا بع إلي شهود ! و نفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال في وقت استشهاده " ها أنا أنظر السماء مفتوحة ،و ابن الإنسان قائم عن يمين الله " ( اع 7 : 56 ) .
6- و قال إنه كابن الإنسان سيدين العالم .
و المعروف أن الله هو " ديان الأرض كلها " ( تك 18 : 25 ) . و قد قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ) . و نلاحظ هنا في قوله " مع ملائكته، نسب الملائكة إليه و هم ملائكة الله .
ونلاحظ في عبارة ( مجد أبيه ) معني لاهوتياً هو :
7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه ، فيما هو ابن الإنسان .
ابن الإنسان يأتي في مجد أبيه ، اي في مجد الله أبيه . فهو إبن الإنسان ، و هو إبن الله في نفس الوقت . و له مجد أبيه ، نفس المجد .. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كإبن الإنسان إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...
8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم ، يخاطب بعبارة ( يا رب ) .
فقال : و متي جاء ابن الإنسان في مجده ، و جميع الملائكة القديسين معه ، فحينئذ يجلس علي كرسي مجده ، و يجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه ،و الجداء عن يساره . فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم ..فيجيبه الأبرار قائلين : يا رب متي رأيناك جائعاً فأطعمناك .."( مت 25 : 31 – 37 ) . عبارة ( يا رب ) تدل علي لاهوته . و عبارة ( أبي ) تدل علي أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان . فيقول " إسهروا لأنككم لا تعلمون في اية ساعة يأتي ربكم " ( مت 24 :42 ) . فمن هو ربنا هذا ؟ يقول " إسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم و لا الساعة التي يأتي فيها ابن الإنسان " ( مت 25 : 13 ) . فيستخدم تعبير ( ربكم ) و ( ابن الإنسان ) بمعني واحد .
9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته ،و المختارين مختاريه ، و الملكوت ملكوته .
قال عن علامات نهاية الأزمنة " حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء . و يبصرون ابن الإنسان اَتياً علي سحاب السماء بقوة و مجد كثير . فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت ، فيجمعون مختاريه .." ( مت 24 : 29 – 31 ) . و يقول أيضاً " هكذا يكون في إنقضاء هذا العالم : يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر و فاعلي الإثم ، و يطرحونهم في أتون النار " ( مت 13 : 40 –41 ) . و واضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله ( يو 1 : 51 ) ،و الملكوت ملكوت الله ( مر 9 : 1 ) ، و المختارين هم مختارو الله .
10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان ، نفس العبارات التي قالها عن الإيمان به كإبن الله الوحيد .
قال " و كما رفع موسي الحية في البرية ، ينبغي أن يرفع ابن الإنسان ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية . لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل ابنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 14 – 16 ) . هل ابن الإنسان العادي ، يجب أن يؤمن الناس به ،لتكون لهم الحياة الأبدية . أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد .
11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معني لاهوته .
إذ قال عنه " و كنت أري رؤيا الليل ، و إذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان . أتي وجاء إلي قديم الأيام فقربوه قدامه . فأعطي سلطاناً و مجداً و ملكوتاً . لتتعبد له كل الشعوب و الأمم و الألسنة . سلطانه سلطان ابدي ما لن يزول . و ملكوته ما لن ينقرض " ( دا 7 : 13 ،14 ) . من هذا الذي تتعبد له كل الشعوب ، و الذي له سلطان أبدي و ملكوته أبدي ، سوي الله نفسه .. ؟!
12 – قال في سفر الرؤيا إنه الألف و الياء ، الأول و الآخر ...
قال يوحنا الرائي " و في وسط المنائر السبع شبه ابن الإنسان .. فوضع يده اليمني علي قائلاً لي : لا تخف أنا هو الأول و الآخر ، و الحي و كنت ميتاً . و ها أنا حي إلي أبد الآبدين اَمين " ( رؤ 1 : 13 – 18) .و قال في اَخر الرؤيا " ها أنا اَتي سريعاً و أجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله . أنا الألف و الياء . البداية و النهاية . الأول و الآخر " ( رؤ 22 : 12 ، 13 ) . و كل هذه من ألقاب الله نفسه ( أش 48 : 12 ، أش 44 : 6 ) .
مادامت كل هذه الآيات تدل علي لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان ، و يركز علي هذه الصفة ؟
دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان في الفداء .
إنه لهذا الغرض قد جاء ، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية ، وقد أوضح غرضه هذا بقوله " لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك " ( مت 18 : 11 ) . حكم الموت صدر ضد الإنسان ، فيجب أن يموت الإنسان . و قد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً للإنسان ، ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت .
لهذا نسب نفسه إلي الإنسان عموماً ..
إنه ابن الإنسان ، أو ابن البشر .و بهذه الصفة ينبغي أن يتألم و يصلب و يموت ليفدينا . و لهذا قال " ابن انسان سوف يسلم لأيدي الناس ، فيقتلونه ، و في اليوم الثالث يقوم " ( مت 17 : 23 ، 24 ) ( مت 26 : 45 ) .
و ايضاً " ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ،و يرفض من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة ، و يقتل و بعد ثلاثة ايام يقوم " ( مر 8 : 31 ) .
حقاً ، إن رسالته كابن الإنسان كانت هي هذه .
ابن الإنسان قد جاء لكي يخلص ما قد هلك ( مت 18 : 11 ) .
ما معني : أبي أعظم مني ؟
ســؤال
يسئ الأريوسيون فهم الآية التي قال فيها سيدنا يسوع المسيح " أبي أعظم مني " ( يو 14 : 28 ) . كما لو أن الأب أعظم من الابن في الجوهر أو في الطبيعة !! فما تفسيرها الصحيح ؟
هذه الآية لا تدل علي أن الآب أعظم من الابن ، لأنهما واحد في الجوهر و الطبيعة و اللاهوت .
و أحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة .
فالذي يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل ، يجب أن يفهمه ككل ، و لا يأخذ آية واحدة مستقلة عن باقي الكتب ، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله ، و ينتافض مع باقي الإنجيل . و يكفي هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح :
" أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 30 ) .
واحد في اللاهوت ،و في الطبيعة و في الجوهر . و هذا ما فهمه اليهود من قوله هذا ، لأنهم لما سمعوه " امسكوا حجارة ليرجموه " ( يو 10 : 31 ) . و قد كرر السيد المسيح نفس المعني مرتين في مناجاته مع الآب ، غذ قال له عن التلاميذ " أيها الآب احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ، ليكونوا واحداً كما أننا واحد " ( يو 17 : 11 ) . و كرر هذه العبارة أيضاً " ليكونوا واحداً " ، كما أننا لاهوت واحد و طبيعة واحدة .
و ما أكثر العبارات التي قالها عن وحدته مع الآب .
مثل قوله " من راَني فقد رأي الآب " ( يو 14 : 9 ) .
و قوله للآب " كل ما هو لي ، فهو لك ، فهو لي " ( يو17 : 10 ) .و قوله عن هذا لتلاميذه " كل ما للآب ، هو لي " ( يو 16 : 15 ) . إذن فهو ليس أقل من الآب في شئ ، ما دام كل ما للآب هو له ... و أيضاً قوله " إني في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11 ) ( يو 10: 37 ، 38 ) ، و قوله للأب " أنت أيها الآب في ، و أنا فيك " ( يو 17 : 21 ) ... و ماذا يعني أن الآب فيه ؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن " فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً " ( كو 2 : 9 ) .
إذن ما معني عبارة " أبى أعظم مني " و في أية مناسبة قد قيلت ؟ و ما دلالة ذلك ؟
قال " أبي أعظم مني " في حالة إخلائه لذاته .
كما ورد في الكتاب " لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله . لكنه أخلي ذاته ، أخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس .." ( في 2 : 6، 7 ) . أي أ، كونه معادلاً أو مساوياً للآب ، لم يكن أمراً يحسب خلسة ، أي يأخذ شيئاً ليس له . بل و هو مساو للآب ، أخلي ذاته من هذا المجد ، في تجسده ، حينما أخذ صورة العبد . و في إتحاده بالطبيعة البشرية ، صار في شبه الناس ...
فهو علي الأرض في صورة تبدو غير ممجدة ، و غير عظمة الآب الممجد .
علي الأرض تعرض لانتقادات الناس و شتائمهم و اتهاماتهم . و لم يكن له موضع يسند فيه رأسه ( لو 9 : 58 ) . و قيل عنه في سفر أشعياء إنه كان " رجل أوجاع و مختبر الحزن " " محتقر و مخذول من الناس "
" لا صورة له و لا جمال ، و لا منظر فنشتهيه " ( أش 53 : 2 ، 3 ) . و قيل عنه في الآمه إنه " ظلم ، أما هو فتذلل و لم يفتح فاه " ( أش 53 : 7 ) . هذه هي الحالة التي قال عنها " أبي أعظم مني ".لأنه أخذ طبيعتنا التي يمكن أن تتعب و تتألم و تموت .
و لكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا ، أخذ هذه الطبيعة البشرية التي حجب فيها مجد لاهوته علي الناس ، لكي يتمكن من القيام بعمل الفداء .. علي أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية ، كان عملاً مؤقتاً انتهي بصعوده إلي السماء و جلوسه عن يمين الآب .. و لذلك قبل أن يقول " ابي أعظم مني " قال مباشرة لتلاميذه :
" لو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون لأني قلت أمضي إلي الآب ، لأن أبي أعظم مني " ( يو 14 : 28 ) .
أي أنكم حزانى الآن لأني سأصلب و أموت . و لكنني بهذا الأسلوب : من جهة سأفدى العالم و أخلصه . و من جهة أخري ، سأترك إخلائي لذاتي ، و أعود للمجد الذي أخليت منه نفسي . فلو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون إني ماض للآب ... لأن أبي أعظم مني .
أي لأن حالة أبي في مجده ،أعظم من حالتي في تجسدي .
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد و حالة ما قبل التجسد . و لا علاقة لها مطلقاً بالجوهر و الطبيعة و اللاهوت ، الأمور التي قال عنها " أنا و الآب واحد " ( يو 10 : 3 ) . فلو كنتم تحبونني ، لكنتم تفرحون أني راجع إلي تلك العظمة و ذلك المجد الذي كان لي عند الآب قبل كون العالم ( يو 17 : 5 ) .
لذلك قيل عنه في صعوده و جلوسه عن يمين الآب إنه " بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي " ( عب 1 : 3 ) .
و قيل عن مجيئه الثاني أنه سيأتي بذلك المجد الذي كان له .
قال إنه " سوف يأتي في مجد أبيه ، مع ملائكته . و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ). و مادام سيأتي في مجد أبيه ، إذن ليس هو أقل من الآب ...
و قال ايضاً إنه سيأتي " بمجده و مجد الآب " ( لو 9 : 26 ) .
و يمكن أن تؤخذ عبارة " أبى أعظم مني " عن مجرد كرامة الأبوة .
مع كونهما طبيعة واحدة و لاهوت واحد . فأي ابن يمكن أني يعطي كرامة لأبيه و يقول " ابي أعظم مني " مع أنه من نفس طبيعته و جوهر . نفس الطبيعة البشرية ، و ربما نفس الشكل ، و نفس فصيلة الدم .. نفس الطبيعة ، و نفس الجنس و اللون ز مع أنه مساو لأبيه في الطبيعة ، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبي أعظم مني .
أي أعظم من جهة الأبوة ، و ليس من جهة الطبيعة أو الجوهر .
أنا – في البنوة – في حالة من يطيع .
وهو – في الأبوة – في حالة من يشاء .
و في بنوتي أطلعت حتى الموت موت الصليب ( في 2 : 8 ) .
هل الابن أصغر ؟
ســؤال
نقول إن المسيح ابن الله . فهل هو أصغر منه ، لأن الابن عادة يكون اصغر من الآب . و قد رأيت أيقونة في كاتدرائية بالخارج . فيها صورة الآب بلحية بيضاء ، و الابن بلحية سوداء .
أولاً : الأيقونة التي رأيتها في الخارج ، فيها اكثر من خطأ :
أ-الخطأ الأول هو تصوير الآب . بينما الإنجيل يقول " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر " ( يو 1 : 18 ) .
و لذلك لما أراد الآب أن نراه ، رأيناه في ابنه الظاهر في الجسد ( 1 تي 3 ك 16 ) . و هكذا قال السيد المسيح " من راَني فقد رأي الآب " ( يو 14 : 9 ) .
ب- الخطأ الثاني هو تصوير الآب بلحية بيضاء ، و الابن بلحية سوداء ، مما يوحي بأن الآب أكبر من الابن سناً . و هذا خطأ لاهوتي ، لأنهما متساويان في الأزلية . و لم يحدث في وقت من الأوقات أن الآب كان بغير الابن . فالابن اللوجوس Logos هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ( الكلمة ) .و عقل الله كان في الله منذ الأزل . بلا فارق زمني . و لهذا فإنني عندما رأيت هذه الصورة في مشاهدتي لكنائس الفاتيكان سنة 1973 – قلت للكاردينال الذي يرافقني " هذه الصورة أريوسية . ربما الفنان الذي رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة . و لكن بغير دراسة لاهوتية سليمة " ...
ثانياً : الابن يكون أصغر من الآب في الولادة الجسدانية ، و لكن ليس في الفهم اللاهوتي . و ممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمني .
فمثلاً الحرارة تولد من النار ، بدون فارق زمني . لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها . إنها ولادة طبيعية ، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً .
مثال اَخر هو ولادة الشعاع من الشمس ، بلا فارق زمني علي الإطلاق .
هذه هي خصائص الولادة الطبيعية ، و هي غير الولادة الجسدية الزمنية .
إنها كولادة النبض من القلب ، و ولادة الفكر من العقل ، و القياس مع الفارق ...
مجـدنـي أنـت أيهـا الآب
ســؤال
قال السيد المسيح " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " ( يو 17 : 5 ) . و هنا يسأل الأريوسيون : هذا الذي يطلب من الآب أن يمجده ، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذي يمجده ؟
1-هذه العبارة ذاتها تثبت لاهوت المسيح .
فهو يقول " المجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ". إذن فهو موجود قبل كون العالم ، و موجود في مجد . ذلك لأن العالم به كان ، بل كل شئ به كان ( يو 1 : 10 ، 3 ) . أما هذا المجد الذي كان له عند الآب ،فهو أنه " بهاء مجده ، و رسم جوهره " ( عب 1 : 3 ) . و لاشك أن هذا يعني المساواة ...
2- إن كان الآب يمجد الابن ، فالابن يمجد الآب أيضاً .
فهو قبل عبارة " مجدني " يقول " أنا مجدتك علي الأرض " ( يو 17 : 4 ) إذن هو تمجيد متبادل بين الآب و الابن . لذلك هو يقول في بدء هذه المناجاة " أيها الآب قد أتت الساعة . مجد ابنك ، ليمجدك ابنك أيضاً " ( يو 17 : 1 ) .
3- و هنا نسأل ما معني التمجيد ، إذا ذكر عن الآب أو عن الابن ؟!
بل ما معني أن البشر أنفسهم يمجدون الله ؟ كما يقول الرسول " مجدوا الله في أجسادكم و في أرواحكم التي هي لله " ( 1 كو 6 : 20 ) . أو كما يقول الرب في العظة علي الجبل " ليروا أعمالكم الحسنة ، و يمجدوا أباكم الذي في السموات " ( مت 5 : 16 ) .
4- تمجيد الله لا يعني اعطاءه مجداً ليس له !! حاشا . إنما معناه الاعتراف بمجده أو اظهار مجده .
فعبارة " أنا مجدتك علي الأرض " معناها : أظهرت مجدك ، أعلنته ، جعلتهم يعترفون بمجدك . عرفتهم اسمك . أعطيتهم كلامك " ( يو 17 ) .
تماماً مثل عبارة " باركوا الرب " أي اعترفوا ببركته ، أو اعلنوا بركته . و هكذا قول السيد المسيح " أيها الآب مجد اسمك " ( يو 12 : 28 ) ، أي أظهر مجده ، أعلنه ز و بنفس الوضع إجابة الآب " مجدت ، و أمجد أيضاً " ، أي أظهرت ذلك . كذلك عبارة " مجدني " لا تعطني مجداً جديداً ، فهو مجد كان لي عندك قبل كون العالم . فما معناها ؟
5- تعني إظهر هذا المجد الذي احتجب بإخلاء الذات ( في 2 : 7 ) .
حينما أخذت شكل العبد ، و صرت في الهيئة كإنسان " لا صورة له و لا جمال . محتقر و مخذول من الناس " ( أش 53 : 2 ، 3 ) . إذن يتمجد يعني يسترد المجد الذي أخلي ذاته منه ، الذي حجبه بتجسده . اسمح الآن – بعد الصليب ، وفي الصعود – أن فترة الإخلاء تنتهي لأن " العمل الذي أعطيني لأعمل قد أكملته " ( يو17 : 4 ) .
6- اسمح أن الناسوت يشترك مع اللاهوت في المجد .
و هكذا يشير الرسول إلي " جسده مجده " ( في 3 : 21 ) ... هذا الجسد الممجد الذي صعد به إلي السماء ليجلس عن يمين الآب .
7-مجده ، يشير أيضاً إلي صلبه .
الذي اتحد فيه مجد الحب الباذل ، ومجد العدل المتحد بالرحمة . مجده حينما ملك علي خشبة ( مز 95 ) ، و اشترانا بثمن . و هكذا نرتل له يوم الجمعة العظيمة قائلين " لك القوة و المجد .. عرشك يا الله إلي دهر الدهور " ( مز 45 : 6 ) ( عب1 : 8 ) . لهذا لما خرج يهوذا ليسلمه قال " الآن تمجد ابن الإنسان ، و تمجد الله فيه " ( يو 12 : 31 ) . أي بدأ مجده كمخلص و فاد و محب .. و قال بعدها " فإن كان الله قد تمجد فيه ، فإن الله سيمجده في ذاته ، و يمجده سريعاً " .
8- نلاحظ ذلك ايضاً في علاقة الابن بالروح القدس :
قال عن الروح القدس " ذاك يمجدني ، لأنه يأخذ مما لي و يخبركم " ( يو 16 :14 ). يمجدني هنا ، لا تعني أن الروح القدس أكبر من الابن فيعطيه مجداً ، لأن الابن يقول عنه " يأخذ مما لي " . و لا تعني أن الابن أعظم ، فهما أقنومان متساويان . إنما تعني يظهر مجده للناس .
9- وظهر ذلك أيضاً من جهة استجابة الآب للصلاة عن طريق الابن .
إذا قال الرب لتلاميذه " و مهما سألتم باسمي ، فذاك افعله . ليتمجد الآب بالابن " ( يو 14 : 13 ) . يتمجد الآب تعني يظهر مجده في استجابته ز و عبارة بالابن ، لأن الصلاة باسمه ، اي عن طريقه ...
10- إن الله لا يزيد و لا ينقص .
سواء من جهة المجد أو غيره . لا يزيد ، لأنه لا يوجد أزيد مما هو فيه . لا يأخذ مجداً أزيد ، لأن طبيعته لا حدود لها . و لا ينقص ، لأن هذا ضد كمال لاهوته ...
فعبارة مجدني لا تعني أعطني مجداً ليس لي ، إنما أظهر مجدي الأزلي و بالمثل عبارة " مجدتك " ، و كل تمجيد متبادل بين الأقانيم .
أبي .. و أبيكم - و إلهي ..و إلهكم
ســؤال
في فصل من الإنجيل في عيد القيامة ( يو 20 ) سمعنا قول السيد المسيح له المجد لمريم المجدلية : " لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي . و لكن اذهبي إلي أخوتي و قولي لهم إني أصعد إلي أبي و أبيكم ، و إلهي و إلهكم " . فما تفسير ذلك ؟
في تفسير القديس أوغسطينوس لهذا الفصل ، قال في شرح " لا تلمسني ، لأني لم أصعد بعد إلي أبي " أي لا تقتربي إلي بهذا الفكر ، الذي تقولين فيه " أخذوا سيدي ،و لست أعلم أين وضعوه " ( يو 20 : 2 ، 13 ، 15 ) ، كأنني لم أقم ،و قد سرقوا جسدي حسب إشاعات اليهود الكاذبة .
لأني لم اصعد بعد إلي ( مستوي ) أبي في فكرك .
و معروف أنها قد لمسته ، حينما أمسكت بقدميه وسجدت له ، في زيارتها السابقة للقبر مع مريم الأخرى ( مت 28 : 1 ، 9 ) .
و الملاحظة الأخرى التي أوردها القديس أوغسطينوس هي :
قال : إلي أبى و أبيكم ، ولم يقل إلي أبينا . و قال : إلي إلهي و إلهكم ، و لم يقل إلهنا مفرقاً بين علاقته بالآب ، و علاقتهم به .
فهو أبي من جهة الجوهر والطبيعة و اللاهوت ، حسبما قلت من قبل " أنا و الآب واحد ط ( يو 10 :30 ) . واحد في اللاهوت و الطبيعة و الجوهر . لذلك دعيت في الإنجيل بالابن الوحيد ( يو 3 : 16 ، 18) ( 1 يو 4 : 9 ) . أما أنتم قد دعيتم ابناء من جهة الإيمان " و أما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه " (يو 1 : 12 ) . و كذلك أبناء من جهة المحبة كما قال يوحنا الرسول " انظروا أية محبة أعطانا الآب ، حتى ندعي أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 ) . و باختصار هي بنوة من نوع التبني ، كما قال بولس الرسول "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف ، بل أخذتم روح التبني ، الذي به نصرخ يا أبانا ، الآب " ( رو 8 : 15 ) . و قيل " ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني " ( غل 4 : 5 ) [ أنظر أيضاً ( رو 9 :5 ) ، (أف 1 : 5 ) ] .
إذن هو أبي بمعني ، و أبوكم بمعني آخر .
و كذلك من جهة اللاهوت .
هو إلهكم من حيث هو خالقكم من العدم .
و من جهتي من حيث الطبيعة البشرية ، إذ أخذت صورة العبد في شبه الناس ن و صرت في الهيئة كإنسان ( في 2 : 7 ، 8 ) .
هنا المسيح يتحدث ممثلاً للبشرية ، بصفته ابن الإنسان .
يبدو أن حماس الكل للاهوت المسيح ، يجعلهم أحياناً ينسون ناسوته . فهو قد اتحد بطبيعة بشرية كاملة ، حتي يقوم بعمل الفداء . و شابه ( أخوته ) في كل شئ ، حتي يكفر عن خطايا الشعب ( عب 2 : 17 ) . قال القديس بولس لتلميذه تيموثاوس " يوجد إله واحد و وسيط واحد بين الله و الناس ، الإنسان يسوع " ( 1 تي 2 : 5 ) . هنا يقوم بعمل الوساطة كإنسان ،لأنه لا بد أن يموت الإنسان . و نفس التعبير يقوله أيضاً في الرسالة إلي كورنثوس في المقارنة بين اَدم و المسيح " الإنسان الأول من الأرض ترابي ، و الإنسان الثاني الرب من السماء " ( 1كو 15 : 47 ) . فهنا يتكلم عنه كإنسان ، و رب . اتحد فيه الناسوت مع اللاهوت في طبيعة واحدة هي طبيعة الكلمة المتجسد .
من حيث الطبيعة البشرية ، قال : إلهي و إلهكم ، مميزات العلاقتين .
و الدليل علي أنه كان يتكلم من الناحية البشرية إنه قال للمجدلية
" اذهبي إلي أخوتي " فهم أخوة له من جهة الناسوت ، و ليس من جهة اللاهوت . و كذلك قوله " اصعد إلي أبي و أبيكم " ، فالصعود لا يخص اللاهوت إطلاقاً ، لأن الله لا يصعد و لا ينزل ، لأنه مالئ الكل ، موجود في كل مكان . لا يخلو منه مكان فوق ن بحيث يصعد إليه . فهو يصعد جسدياً . كما نقول له في القداس الغريغوري " و عند صعودك إلي السماء جسدياً .." .كذلك هو يكلم أناساً لم ينموا في الإيمان بعد .
يكلم امرأة تريد أن تلمسه جسدياً ، لتتحقق من قيامته و تنال بركة و يتكلم عن تلاميذ لم يؤمنوا بقيامته بعد ( مر 16 : 9 – 13 ) ... فهل من المعقول أن يحدثهم حينئذ عن لاهوته ؟!
هل قال المسيح أنه إله ؟
ســؤال
كيف نصدق لاهوت المسيح ، بينما هو نفسه لم يقل عن نفسه إنه اله ،و لا قال للناس أعبدوني ؟
لو قال عن نفسه إنه إله ، لرجموه .
و لو قال للناس " أعبدوني " لرجموه أيضاً ، و انتهت رسالته قبل أن تبدأ ... إن الناس لا يحتملون مثل هذا الأمر . بل هو نفسه قال لتلاميذه " عندي كلام لأقوله لكم ، و لكنكم لا تستطيعون أن تحتملوا الآن " ( يو 16 : 12 ) .
لذلك لما قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " ، قالوا في قلوبهم " لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف ؟!، من يقدر أن يغفر الخطايا إلا الله وحده " ( مر 2 : 6 ، 7 ) . لذلك قال لهم السيد المسيح " لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم ؟ أيهما ايسر أن يقال للمفلوج مغفورة لك خطاياك ، أم أن يقال قم أحمل سريرك و امش ؟! و لكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً علي الأرض أن يغفر الخطايا ، قال للمفلوج : لك أقول قم ، و احمل سريرك و اذهب إلي بيتك . فقام للوقت و حمل السرير ، و خرج قدام الكل حتي بهت الجميع و مجدوا الله ... " ( مر 2 : 8 – 12 ) . كذلك لما قال لليهود " أنا و الآب واحد " تناولوا حجارة ليرجموه ( يو 10 : 30 ، 31 ) متهمين إياه بالتجديف و قائلين له " لأنك و أنت إنسان تجعل نفسك إلهاً " ( يو 10 : 33 ) .
إذن ما كان ممكناً عملياً أن يقول لهم إنه إله ، أو أن يقول لهم اعبدوني و لكن الذي حدث هو الآتي :
لم يقل إنه إله ، و لكنه اتصف بصفات الله .
و لم يقل أعبدوني ، لكنه قبل منهم العبادة .
و الأمثلة علي ذلك كثيرة جداً .و نحن في هذا المجال سوف لا نذكر ما قاله الإنجيليون الربعة عن السيد المسيح ، و لا ما ورد في رسائل الآباء الرسل ، إنما سنورد فقط ما قاله السيد المسيح نفسه عن نفسه ، حسب طلب صاحب السؤال . فنورد الأمثلة الآتية ك
*نسب السيد المسيح لنفسه الوجود في كل مكان ، و هي صفة من صفات الله وحده :
فقال " حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي ، فهناك أكون في وسطهم " ( مت 18 : 20 ) . و المسيحيون يجتمعون باسمه في كل أنحاء قارات الأرض . إذن فهو يعلن وجوده في كل مكان . كذلك قال " ها أنا معكم كل الأيام و إلي إنقضاء الدهر " ( مت 28 : 20 ) و هي عبارة تعطي نفس المعني السابق . و بينما قال هذا عن الأرض ، قال للص التائب " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو 23 :43 ) . إذن هو موجود في الفردوس ، كما هو في كل الأرض . و قال لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) . أي أنه في السماء ، بينما كان يكلم نيقوديموس علي الأرض …
و بالنسبة إلي الأبرار قال إنه يسكن فيهم هو و الآب ( يو 14 : 23 ) . أما عن الإنسان الخاطئ فقال إنه يقف علي باب قلبه و يقرع حتي يفتح له ( رؤ 3 : 20 ) .
*ونسب نفسه إلي السماء ، منها خرج و له فيها سلطان .
فقال " خرجت من عند الآب ، و أتيت إلي العالم " ( يو 6 : 28 ) . و قال إنه يصعد إلي السماء حيث كان أولاً " ( يو 6 : 62 ) . و في سلطانه علي السماء قال لبطرس " و أعطيك مفاتيح ملكوت السموات " ( مت 16 : 19 ) . و قال لكل تلاميذه " كل ما تربطونه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء "( مت 18 : 18 ) .. و قال " دفع إلي كل سلطان في السماء و علي الأرض " ( مت 28 : 18 ) .
*ونسب إلي نفسه مجد الله نفسه .
فقال " إن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته . و حينئذ يجازي كل واحد حسب عمله " ( مت 16 : 27 ) . و هو نسب لنفسه مجد الله ، و الدينونة التي هي عمل الله ، و الملائكة الذين هم ملائكة الله . و قال أيضاً أنه سيأتي " بمجده و مجد الآب " ( لو 9 : 26 ) . و قال ايضاً " من يغلب فأسعطيه أن يجلس معي في عرشي ، كما غلبت و جلست مع أبي في عرشه " ( رؤ 3 : 21 ) . هلي يوجد اكثر من هذا أنه يجلس مع الله في عرشه ؟!
* كذلك تقبل من الناس الصلاة و العبادة و السجود .
قال عن يوم الدينونة " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم : يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا ،و باسمك أخرجنا شياطين ، و باسمك صنعنا قوات كثيرة " ( مت 7: 22 ) . و قبل من توما أن يقول له " ربي و إلهي ،و لم يوبخه علي ذلك . بل قال له : لأنك رأيتني يا توما اَمنت . طوبي للذين اَمنوا و لم يروا " ( يو 20 : 27 – 29 ) . كذلك قبل سجود العبادة من المولود أعمي ( يو 9 : 38 ) ، و من القائد يايرس ( مر 5 : 22 ) . و من تلاميذه ( مت 28 : 17 ) ... و من كثيرين غيرهم . و قبل أن يدعي رباً . و قال إنه رب السبت ( مت 12 : 8 ) و الأمثلة كثيرة .
كيف أن المسيح يسأل ؟
ســؤال
هل يتفق مع لاهوت المسيح ، أنه يسأل ليحصل علي معلومات ؟!
?فعندما أقام لعازر من الموت ، سأل " اين وضعتموه " ؟ ( يو 11 : 34 ) .
?و في معجزة إشباع الجموع ، سأل " كم رغيفاً عندكم "؟ ( مر 6 : 38 ) .
?و في معجزة شفاء المرأة نازفة الدم ، سأل قائلاً " من الذي لمسني " ؟ ( لو 8 : 45 ) .
?كذلك سأل التلاميذ " من يقول الناس إني أنا ..؟ و أنتم من تقولون إني أنا ؟" ( مت 16 : 13 ، 15 ) .
و أسئلة أخري كثيرة من هذا النوع .. و قد فسر البعض ذلك ن بأنه كإنسان لم يكن عارفاً بكل شئ . لأن المعرفة بكل شئ ليست من اختصاص البشر . فهل هذا التفسير صحيح ؟ .
كلا ، فليس كل سؤال بقصد طلب المعرفة .
إن الله في العهد القديم سأل قايين " أين هابيل أخوك ؟" ( تك 4 : 9 ) و لم يكن قصده أن يعرف أين هابيل . بدليل أنه قال لقايين بعد ذلك ( حينما أنكر ) : " صوت دم أخيك من يدك " ( تك 4 : 10 ، 11 ) . و بنفس الوضع سأل الرب اَدم قائلاً " أين أنت ؟" هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منه " ؟ ( تك 3: 9 ، 11 ) . و لم يكن قصد الرب من السؤال أن يعرف ... إنما بالسؤال أعطي لآدم فرصة أن يعترف بما فعله .
و في علم البيان – في أدب اللغة – كثيراً ما يخرج الإستفهام من معناه الأصلي إلي معان أخري كثيرة :
فمثلاً حينما يقول الشاعر مستهيناً بمن هدده :
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري أطنين أجنحة الذباب يضير
قطعاً هو لا يقصد أن يسأل : هل طنين أجنحة الذباب يمكنه أن يضر أحداً ؟! بل المقصود بالإستفهام هنا التحقير و الإزدراء .
?و كذلك حينما يقول الشاعر معتزاً بنسبه :
و أبي كسري علا أيوانه أين في الناس أب مثل أبى
هولا يقصد بلا شك إجابة عن سؤاله ( أين ؟) ، إنما يقصد بالسؤال الإفتخار ، و أنه لا يجد من يماثل اباه في العظة .
و علي هذا النحو ، كان السيد المسيح يسأل و هو يعرف !
و لم يكن مطلقاً يسأل لكي يعرف !
V فحينما قال عن جسد لعازر المدفون " أين وضعتموه ؟" ، لم يكن يقصد معرفة مكان القبر . فالذي كان يعرف مكان روح لعازر التي فارقت جسده ، و يعرف أن يأمرها بالرجوع إلي جسدها فترجع ... أكثير عليه أن يعرف أين دفنوا الجسد ؟! بل المقصود بسؤاله : هيا بنا إلي المكان الذي فيه وضعتم الجسد .. و هذا هو الذي حدث بعد سؤاله .
و حينما قال لتلاميذه : من يقول الناس إني أنا ؟
إنما كان يريد أن يفتح معهم هذا الموضوع ، لكي يخبروا بما في قلوبهم و أفكارهم . و يقودهم إلي الإيمان السليم و يطوبهم عليه .. لأن السيد المسيح بلا شك ، كان يعرف ما يقول الناس عنه . و من غير المعقول أن تكون معرفته اقل من معرفة تلاميذه ! فيسأل تلاميذه ليعرف منهم ! و إن كان يعرف ما يدور في أفكار الناس .. كما عرف ما دار في أفكار الكتبة ، حينما قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " ( مر 2 : 5 – 8 ) .. و إن كان قد عرف ما كان يجول في نفس سمعان الفريسي ، لما وقفت الخاطئة عند قدمي الرب باكية ، و بدأت تبل قدميه بالدموع و تمسحهما بشعر رأسها ( لو 7 : 38 – 40 ) .. أفكثير عليه أن يعرف ما يقوله الناس بألسنتهم ؟! و لكنه سأل – لا لكي يعرف – إنما لكي يصل بتلاميذه إلي حقيقة الإيمان به ..
Vو في معجزة إشباع الجموع ، لما سأل ماذا عندهم من الخبز ؟
لم يكن يقصد أن يعرف ، إنما قصد إعلان ذلك القليل الموجود عندهم ( خمس خبزات ) .. لكي تثبت عند الناس مقدار البركة التي حلت . لأنه لو لم يعرف ما عندهم ، ربما ظن البعض أن عندهم مؤن كثيرة مخزونة ، منها قد أخذوا ما أشبع الجموع و ما تبقي ..
و عندما سأل : من لمسني ؟( لو 8 : 45 ) .
كان يريد أن يشرح الناس أن قوة قد خرجت منه لتشفي المرأة . و بسؤاله " جاءت المرأة مرتعدة ، و خرت أمامه و أخبرته قدام الجميع لأي سبب لمسته ، وكيف برئت في الحال " ( لو 8 : 47 ) .
ما معني أن المسيح يصلي و أنه يتعب ؟
ســؤال
هل ضد لاهوت المسيح ، أنه كان يصلي ، و أنه كان أحياناً يتعب ظ كيف نفسر صلاته و تعبه و أمثال تلك الأمور ؟
أصحاب هذا السؤال يركزون علي لاهوته المسيح ، و ينسون ناسوته !
إنه ليس مجرد إله فقط ، و إنما أخذ طبيعة بشرية مثلنا ، ناسوتاً كاملاً ، بحيث قال عنه الكتاب إنه شابهنا في كل شئ ما عدا الخطية ( عب 12 : 17 ). و لو أنه أخذ طبيعتنا ، ما كان ممكناً أن يوفي العدل الإلهي نيابة عنا .
إنه صلي كإنسان ، و ليس كإله .
لقد قام لنا الصورة المثلي للإنسان . ولو كان لا يصلي ، ما كان يقدم لنا ذاته مثالاً لذلك صلي ..
و في صلاته علمنا أن نصلي ، و علمنا كيف نصلي .
و أعطانا فكرة عملية عن أهمية الصلاة و قيمتها في حياتنا .. و في بعض صلواته – كما في بستان جثسيماني ، عرفنا كيفية الجهاد في الصلاة ( لو 22 : 44 ) .
و لو كان المسيح لا يصلي ، لاعتبرت هذه تهمة ضده .
و لاعتبره الكتبة و الفريسيون بعيداً عن الحياة الروحية ، و صار لهم بذلك عذر في أن لا يتبعوه ، إذ ليست له صلة بالله !
و بنفس الطبيعة البشرية كان يتعب و يجوع و يتألم .
لأنه لو كان لا يتعب و لا يجوع و لا يعطش و لا يتألم ، و لا ينعس و ينام ،ما كنا نستطيع أن نقول أنه ابن الإنسان ، و إنه أخذ الذي لنا ، و أخذ نفس الطبيعة المحكوم عليها بالموت ، لكي بها ينوب عنا في الموت ، و يفدي الإنسان .
إنه لم يتعب كإله . فاللاهوت منزه عن التعب .
و لكن هذه الطبيعة البشرية التي اتحد بها لاهوته ، و التي لم ينفصل عنها لحظة واحدة و لا طرفة عين ، هي التي تعبت ، لأنها طبيعة قابلة للتعب .. و السيد المسيح لكي يكون تجسده حقيقة ثابتة ، يمكنها القيام بالفداء ، سار علي هذه القاعدة :
لم يسمح أن لاهوته يمنع التعب عن ناسوته .
و ذلك لكي يدفع ثمن خطايانا ،و يكفر عن خطايا الشعب ( عب 2 :17 ) . و نحن نشكره إذ تحمل التعب و الألم لأجلنا .
و بتعبه قدس التعب ، و صار كل إنسان يكافأ بحسب تعبه ( 1 كو 3 : 8 ) .
البشارة بميلاد المسيح
ســؤال
لماذا لم تذكر البشارة بميلاد المسيح ، إلا في إنجيل لوقا ؟
ليس من الضروري أن نذكر كل شئ في كل الأناجيل . و مع ذلك فإنجيل مرقس بعثه للرومان أصحاب الدولة الرومانية. و أولئك الرومان لا يهمهم أن يولد طفل ابناً لداود ابناً لابراهيم ، لذلك بدأ مارمرقس انجيله بعبارة " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله "( مر 1 : 1 ) . و بهذه البداية المعلنة للاهوته ،ما كان يهم أن يذكر البشارة بميلاده الجسدي . أما إنجيل يوحنا فقد كتب بعد سنة 90 م و كانت قصة البشارة و الميلاد معروفة للكل . فاهتم يوحنا بتسجيل الميلاد الأزلي فقال " في البدء كان الكلمة ( اللوجوس ) ، و الكلمة كان عند الله . و كان الكلمة الله "( يو 1 : 1 ) . و مجرد الميلاد ، ذكره في عبارة مختصرة تدل علي لاهوته ايضاً . فقال : " و الكلمة صار جسد ، و حل بيننا و رأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب " ( يو 1 : 14 ) . و انجيل متي اكتفي بالبشارة للقديس يوسف النجار ( بعد الحبل المقدس ) : إذ قال له ملاك الرب " .. لأن الذي حبل به فيها هو الرب من الروح القدس . فستلد إبناً و تدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم .." ( مت 1 : 20 – 23 ) .
و هذه بلا شك بشارة ، تضاف إلي البشارة في إنجيل لوقا .
ولادة المسيــح المعجــزية ؟
ســؤال
يقول البعض : إن كان المسيح قد ولد من أم بغير أب ، فإن اَدم قد ولد من غير أب و لا أم ، فهو في ذلك أعظم . فما رأيكم .
اَدم لم يولد ، و إنما خلق .
و هنا لا توجد مقارنة بين ولادتين ، و إنما بين ولادة و خلق .
و طبيعي أن كل الكائنات الأولي قد خلقت ، لأنها ليست أزلية . و لم تكن هناك مخلوقات أخري قبلها تلدها ... و ينطبق هذا الأمر حتي علي الطيور و الأسماك و الحشرات ، كلها لم يكن لها أب و لا أم ، و لم تأت عن تناسل طبيعي . و إنما خلقت من العدم ، فهل هي افضل ، أو هل العدم أفضل ؟!
فلما بدأت الولادات الطبيعية كان السيد المسيح هو الوحيد الذي ولد بطريقة معجزية .
هذه الولادة المعجزية انفرد بها المسيح وحده . لم يولد أحد قبله ، و لا ولد أحد بعده بمثل هذه الولادة المعجزية . حل روح الله القدوس علي مريم العذراء لأجل الولادة المعجزية . إذ قال لها الملاك و هو يبشرها بميلاد المسيح " الروح القدس يحل عليك ، و قوة العلي تظللك ، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو 1 : 35 ) .
التجسد و الظهور
ســؤال
هل كان لله تجسدات في العهد القديم ، قبل تجسده من القديسة العذراء مريم في العهد الجديد ؟ و هل كان ظهوره لكثير من الأنبياء مثل ابراهيم و موسي ، واشعياء و حزقيال و دانيال أنبياء الله كانت كلها تجسدات ؟
يجب أن نفرق تماماً بين التجسد و الظهورات .
عبارة تجسد ،معناها أخذ جسداً . أما الظهورات فمعناها أخذ شكلاً ظهر به . و قد أخذ الرب شكل ملاك الرب ظهر به لموسي في العليقة (خر 3 : 2 ،3 ) . و أخذ أيضاً شكل ملاك الرب ظهر به لمنوح حينما بشره بميلاد شمشون ( قض 13 : 3 ) . و ظهر أيضاً علي عرشه و حوله السارافيم ، كما ظهر لأشعياء ( أش 6 : 1 ، 2 ) و ظهر بشكل ابن إنسان كما راَه دانيال ( دا 7 : 13 ) . و ظهر أيضاً لبينا ابراهيم كإنسان و معه رجلان عند بلوطة ممرا ( تك 18 : 2 ) . كذلك ظهر لأبينا يعقوب بهيئة إنسان صارعه حتي الفجر ( تك 32 : 24 ،30 ) .
و لكن هذه كلها ظهورات .. أما تجسده من العذراء مريم فهو ناسوت كامل ، أخذ كل مراحل الحمل . و بعد الولادة أخذ كل مراحل النمو كإنسان ( لو 2 : 52 ) .
و هذا لم يحدث بالنسبة إلي ظهوره لأحد من الآباء و الأنبياء . و إنما هو شكل ظهر له ثم اختفي . أما كون الشكل له وجه أويد و ما إلي ذلك ، هذا من لوازم الشكل الذي ظهر به ... أما عن كيف صارع يعقوب ، فهذه قوة من الله شعر بها يعقوب ، و لكنها ليست تجسداً .
أما من جهة تجسده من العذراء ، فكان له طبيعة الجسد : و منها تألمه و سفك دمه ، و موته ، و قيامته و صعوده .
و أيضاً بعد قيامته رآه تلاميذه ، و جسوه بأيديهم كما في ( لو 24 : 39
) ، ( يو 20 : 27 ) . و هكذا تظهر الطبيعة البشرية كاملة . كما أن هذا
الناسوت عاش مع الناس سنوات طويلة ، وليس مثل ظهورات كان يبدو فيها
أمام الناس لمدة لحظات أو دقائق ثم يختفي و لا يرونه بعد ..
كذلك فتجسده من العذراء باق لم يفن و لم يزل .
و قد قال للص اليمين " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو 23 : 43 ) . و قال بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق و أكون مع المسيح ، ذاك أفضل جداً " ( في 2 : 23 ) . و قد رآه يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا أكثر من مرة .أما الظهورات قد انتهت بوقتها ، و ليست لها استمرارية كالتجسد . لعله قد وضح بعد كل هذا أن هناك فرقاً أو فروقاً عديدة بين التجسد و الظهورات التي في العهد القديم .
هل للمسيح أخوة بالجسد ؟
ســؤال
من هو يعقوب أخو الرب ؟ و هل كان السيد المسيح أخوة من مريم العذراء ؟ و إلا فمن هم أخوته هؤلاء ؟
يعقوب أخو الرب هو يعقوب بن حلفي ، و هو في نفس الوقت إبن خالة المسيح حسب الجسد ، إبن مريم زوجة كلوبا ( كلوبا نطق آخر لحلفي ) .
و أولاد الخالة كانوا يعتبرون أخوة لشدة القرابة ، حسب عادات اليهود في التحدث عن هذه القرابة الشديدة .
و من أمثلة هذا الموضوع ما قيل عن قرابة يعقوب بخاله لابان يقول الكتاب " فكان لما أبصر يعقوب راحيل بنت لابان خاله و غنم لابان خاله ، أن يعقوب تقدم و دحرج الحجر ، و سقي غنم لابان خاله . و قبل يعقوب راحيل و رفع صوته و بكي . و أخبر يعقوب راحيل أنه أخو أبيها و أنه إبن رفقة " ( تك 29 : 10 – 12 ) .
و نحن نري أنه مع أن لابان كان خال يعقوب ، اعتبر أخاً له .
و نفس هذا التعبير استعمله لابان مع يعقوب حينما طلب إليه أن تكون له أجرة في رعي غنمه ، فقال له " أ لأنك أخي تخدمني مجاناً ؟ أخبرني ما أجرتك " ( تك 29 : 15 ) .
و نفس الوضع حدث في التعبير عن القرابة بين ابراهيم و لوط .
كان ابرام عم لوط . و لذلك قال الكتاب عن تاريخ أبو أبرام و هاران ( والد لوط ) " و أخذ تارح أبرام ابنه ، و لوطاً ابن هاران ، ابن ابنه " ( تك 11 : 31 ) . و مع ذلك فإنه لما سبي لوط من سدوم في حرب كدر لعومر ، قال الكتاب " و أخذوا لوطاً ابن أخي أبرام و أملاكه و مضوا ...فلما سمع أبرام أن أخاه سبي جر غلمانه المدربين " ( تك 14 : 12 ،14 ) . بحسب هذه العادات القديمة دعي أولاد خالة المسيح ، أولاد مريم زوجة كلوبا أخوة له . أما مريم هذه فهي التي قيل عنها في إنجيل يوحنا " و كن واقفات عند صليب يسوع : أمه و أخت أمه مريم زوجة كلوبا و مريم المجدلية " ( يو 19 : 25 ) . و مريم هذه قيل عنها في إنجيل مرقس " و كانت أيضاً نساء ينظرون من بعيد بينهن مريم المجدلية ،و مريم أم يعقوب الصغير و يوسي و سالومة " ( مر 15 : 40 ) .
يعقوب و يوسي و سالومة هؤلاء ، أبناء مريم زوجة كلوبا هم الذين ورد ذكرهم في قول اليهود عن المسيح " أليس هذا هو إبن النجار ؟ أليست أمه تدعي مريم ، و أخوته يعقوب و يوسي و سمعان و يهوذا " ( مت 13 : 55 ) ( مر 6 : 3 ) .
أما العذراء مريم فلم تلد غير المسيح ، و عاشت بتولاً طول حياتها . و " أخوة المسيح " ليسوا أولادها ، و إنما أولاد أختها .
و يعقوب الصغير ( بن حلفي ) سمي الصغير ن لتميزه عن يعقوب الكبير ( بن زبدي ) أخي يوحنا الحبيب .
هل المسيح للكل ؟!
ســؤال
يقول البعض أن المسيح قد جاء لليهود فقط ، بدليل أنه قال لتلاميذه " إلي طريق أمم لا تمضوا ، و مدينة للسامرين لا تدخلوا " " بل اذهبوا بالحري إلي خراف بيت إسرائيل الضالة " ( مت 10 : 5 ، 6 ) و أيضاً قوله " ما جئت إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة " ( مت 15 : 24 ) .
عبارة " إلي طريق أمم لا تمضوا ، ومدينة للسامرين لا تدخلوا " قالها السيد المسيح لتلاميذه في بدء إرساليتهم ، في دورة تدريبية .
و ذلك لأن تبشير السامريين كان صعباً عليهم في بادئ الأمر ، لأن اليهود ما كانوا يعاملون السامريين ( يو 4 : 9 ) . حتى أن السيد المسيح نفسه ، في إحدى المرات أغلقت إحدى قري السامرة بابها في وجهه ، لمجرد أن وجهه كان متجهاً نحو إسرائيل . حتى قال له تلميذاه يعقوب و يوحنا " أتريد يا رب أن تنزل نار من السماء فتفنيهم " ( لو 9 : 53 ، 54 ) .
و لكن فيما بعد ، حينما بدأ السيد يعمل في السامرة و قبلوه و آمن كثيرون ، حينئذ قال لتلاميذه " ارفعوا عيونكم وانظروا الحقول ، إنها قد ابيضت للحصاد ... أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه " ( يو 4 : 35 ، 38 ) . و قبل صعوده إلي المساء قال لهم " و لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم . و حينئذ تكونون لي شهوداً في أورشليم و في كل اليهودية و السامرة و إلي أقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) .
و عبارة " إلي أقصي الأرض " تعني إلي العالم كله .
و هكذا قال لهم " إذهبوا و تلمذوا جميع الأمم ، و عمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس . و علموهم جميع ما أوصيتكم به " ( مت 28 : 19 ، 20 ) . و قال لهم أيضاً " اذهبوا إلي العالم أجمع ، و أكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها . من آمن و اعتمد خلص " ( مر 16 : 15 ، 16 ) .
و لكن في بادئ الأمر ، كان الذهاب إلي الأمم صعباً عليهم .
لأن الأمم سيرفضون ، كما أن اليهود أنفسهم كانوا يرفضون الأمميين ، فلا داعي لأن يبدأوا بصعوبة تجعلهم يفشلون . إذن عبارة " إلي طريق أمم لا تمضوا " كانت نصيحة أو وصية مرحلية مؤقتة ، إلي حين أن يمهد لهم المسيح من جهة ، و إلي أن ينالوا الروح القدس من جهة أخري .
أما الذهاب إلي اليهود فكان أمراً سهلاً .
هؤلاء الذين قال عنهم القديس بولس الرسول " أخوتي و أنسبائي حسب الجسد ، الذين هم إسرائيليون ، و لهم التبني و المجد و العهود و الاشتراع و العبادة و المواعيد ، ولهم الآباء ، ومنهم المسيح حسب الجسد ..." ( رو 9 : 3 – 5 ) ... هؤلاء الذين ينتظرون مجئ المسيح . وعندهم في العهد القديم نبوءات كثيرة عنه ، و بخاصة في سفر اشعياء النبي ( أش 7 : 14 ) " ها العذراء تحبل وتلد إبناً ، و تدعو اسمه عمانوئيل " .. و كذلك ( أش 9 : 6 ، 7 ) . و لديهم أيضاً في التوراه رموز كثيرة ترمزا إليه ...
كان إذن البدء الطبيعي هو الاتجاه إلي اليهود . و بعد ذلك الأمم .
يبدأون أولاً بخراف إسرائيل الضالة ، في أورشليم و في كل اليهودية . ثم يتجهون بعد ذلك إلي السامرة و كل الأرض ... و هكذا مهد السيد المسيح الطريق . و قال عن قائد المئة الأممين " الحق أقول لكم لم أجد في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا . و أقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق و المغارب و يتكئون مع ابراهيم و اسحق و يعقوب في ملكوت السموات . و أما بنو الملكوت في فيطرحون إلي الظلمة الخارجية " ( مت 8 : 11 ) . و بهذا أشار إلي أن الأمم من المشارق و المغارب سيدخلون ملكوت السموات ، في وقت يرفض فيه اليهود الذين هم بنو الملكوت ( من قبل ) .
و السيد المسيح نفسه بدأ بخراف بيت إسرائيل الضالة .
و دعاهم خاصته ، لنهم أبناء ابراهيم و لهم المواعيد . و هكذا قيل " غلي خاصته جاء ، و خاصته لم تقبله . و أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله ، اي المؤمنون باسمه " ( يو 1 : 11 ، 12 ) . و عبارة " ما جئت إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة " ( مت 15 : 24 ) قالها للمرأة الكنعانية ليشعرها أنهم من شعب ملعون منذ أيام نوح ، شعب غير مستحق . فلما أظهرت إتضاعها ، طوبها قائلاً " يا إمرأة عظيم هو إيمانك " ( مت 15 : 28 ) . و شفي ابنتها ... والسيد المسيح نفسه كرز في بلاد الأمم .. و يكفي أنه قبل أن يكرز في بلاد اليهود ، جاء إلي بلادنا مصر ( مت 2 ) و صنع فيها عجائب و معجزات ، و هي إحدي بلاد الأمم .
ما الفرق بين :المسيح ابن الله ، و نحن أبناء الله ؟
ســؤال
نحن أبناء الله ، و نصلي قائلين " أبانا الذي في السموات ". و المسيح أيضاً ابن الله . فما الفرق بين بنوة المسيح لله ،و بنوتنا نحن لله ؟
المسيح ابن الله من جوهره و من نفس طبيعته الإلهية .
لذلك فإن له نفس لاهوته ، بكل صفاته الإلهية ...
و بهذا المفهوم استطاع أن يقول " من راَني فقد راَي الآب " ( يو14 : 9 ). وكذلك قال " أنا و الآب واحد "(يو 10 :30) . فأمسك اليهود حجارة ليرجموه . لأنه بهذا يجعل نفسه إلهاً " ( يو 10 : 31 ، 33 ) . و هذه الحقيقة أكدها يوحنا الإنجيلي بقوله " و كان الكلمة الله "( يو 1 : 1 ) .
و المسيح ابن الله منذ الأزل ، قبل الزمان .
إنه مولود من الآب قبل كل الدهور . و قد قال في مناجاته للآب " مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك ، بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم "(يو 17 : 5 ) . و لأنه قبل كون العالم ، و لأنه عقل الله الناطق ، لذلك قيل " كل شئ به كان ، و بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ).
أما نحن فبنوتنا لله نوع من التبني و التشريف ، و مرتبطة بزمان .
قال القديس يوحنا الحبيب " أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتي ندعي أولاد الله " (1 يو 3 : 1 ) . إذن دعينا هكذا كعمل من أعمال محبة الله لنا . و قيل ايضاً أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه " ( يو 1 : 12 ) . إذن ليست هي بنوة طبيعية من جوهره ، و إلا صرنا آلهة !! كما أنها بنوة مرتبطة بزمن ، و لم تكن موجودة قبل إيماننا و معموديتنا .
و لأن بنوة المسيح للآب بنوة طبيعية من جوهره . لذلك قيل عنه إنه ابن الله الوحيد ..
أي الابن الوحيد الذي من جوهره و طبيعته و لاهوته ... و قيل في ذلك " هكذا احب الله العالم ، حتى بذل ابنه الوحيد ..." ( يو 3 : 16 ) . و تكرر هذا التعبير " ابن الله الوحيد " في (يو 3: 18 ) . و قيل أيضاً " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن أبيه ، هو خبر " ( يو 1 : 18 ) . و قيل كذلك " بهذا أظهرت محبة الله فينا ، أن الله قد أرسل إبنه الوحيد إلي العالم لكي نحيا به " ( 1 يو 4 : 9 ) . و ما دام هو الإبن الوحيد ، إذن بنوته للآب غير بنوتنا نحن .
لهذا كانت بنوته للآب تقابل منا بالإيمان و السجود .
ففي قصة المولود أعمي لما قابله المسيح بعد أن طرده اليهود من المجمع ، قال له المسيح " أتؤمن بابن الله ؟" أجاب ذاك و قال " من هو يا سيد لأؤمن به ؟" . فلما عرفه بنفسه قال " أؤمن يا سيد " و سجد له ( يو 9 : 35 – 38 ) . فلو كان إبناً لله كبنوة الجميع ، ما احتاج الأمر إلي إيمان و سجود ... و نقول أكثر من هذا :
إن الإيمان بهذه البنوة ، كان هدف الإنجيل .
يقول القديس يوحنا في آخر الإنجيل تقريباً " و آيات أخر كثيرة صنع يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب . و أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ن و لكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه " ( يو 20 : 30 ، 31 ) .و لما اعترف بطرس بهذا الإيمان قال له " أنت هو المسيح ابن الله " اعتبر الرب أن هذه هي الصخرة التي تبني عليها الكنيسة ( مت 16 : 16 ، 18 ) .
و لانفراد المسيح ببنوته الطبيعية للآب ، قيل إنه الابن .
و ورد ذلك في آيات تدل علي لاهوته ...
مجرد عبارة " الابن " وحدها ، تعني المسيح ،و لنأخذ أمثلة :
" لأنه كما أن الآب يقيم الأموات و يحيى ، كذلك الإبن أيضاً يحيى من يشاء .. لأن الآب لا يدين أحداً ، بل قد أعطي كل الدينونة للابن . لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب " ( يو 5 :21 – 23 ) .
" إن حرركم الابن ، فبالحقيقة تكونون أحراراً " ( يو 8 : 36 ) .
" الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية . و الذي لا يؤمن بالابن لن يري حياة ، بل يمكث عليه غضب الله " ( يو 3 : 36 ) .
" الصانع ملائكته أرواحاً ، و خدامه لهيب نار . أما عن الابن ( فيقول ) كرسيك يا الله إلي دهر الدهور " ( عب 1 : 7 ، 8 ) .
و الأمثلة كثيرة ، و كلها تدور في نفس المعني .
و هو كابن ، تسجد له كل ملائكة الله .
يقول الرسول عن عظمة المسيح " و متي أدخل البكر إلي العالم ، يقول : لتسجد له كل ملائكة الله " ( عب 1 : 6 ) .
و قيل عن المسيح إنه ابن الله في مناسبات معجزية .
قائد المائة و الذين معه حول الصليب ، لما رأوا الزلزلة و ما كان " خافوا و قالوا حقاً كان هذا ابن الله " ( مت 27 : 54 ) . و نثنائيل ، لما قال له المسيح إنه رآه و هو تحت التينة ، آمن و قال " يا معلم أنت ابن الله ، أنت ملك إسرائيل " ( مت 14 : 33 ) . و لما قال المسيح لمرثا قبل إقامته أخيها لعازر " أنا هو القيامة و الحياة . من آمن بي و لو مات فسيحيا ... أجابته : نعم يا سيد أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلي العالم " ( يو 11 : 27 ) . و كانت هذه هي شهادة يوحنا المعمدان وقت العماد في كل عجائبه " وأنا قد راَيت و شهدت أن هذا هو ابن الله " ( يو 1 : 34 ) .
من كل هذا يتضح إنها ليست بنوة عادية .
ليست بنوة عامة يشترك فيها جميع المؤمنين .
أنواع بنوة غير جسدية
ســؤال
يعترض البعض علي بنوة المسيح لله ، و كأنها ولادة جسدية !! مثل ولادة حورس من أيزيس و أوزوريس ! فهل هناك أنواع أخري من البنوة تكون بغير التناسل الجسدانى ؟
توجد أنواع كثيرة من البنوة غير الجسدية نذكر منها :
1- بنوة روحية :
مثل البنوة للآباء الرسل أو الكهنة أو بنوة التلمذة .
و في ذلك نري القديس يوحنا الرسول يقول " يا أولادي ، اكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا " ( 1 يو 2 : 1 ) . و المعروف أن يوحنا كان بتولاً . و من يسميهم أولاده من المؤمنين بنوتهم له بنوة روحية . و بالمثل فإن القديس بولس البتول يقول عن تيموثاوس" الابن الحبيب " ( 2 تي 1 : 2 ) و عن تيطس " الابن الصريح حسب الإيمان المشترك " ( تي 1 : 3 ) . و يقول لفليمون " أكتب إليك لأجل إبني أنسيموس الذي ولدته في قيودي " ( فل 10 ) .
و بالمثل نقول عن آباء الرهبنة : أبونا الأنبا أنطونيوس ، و أبونا الأنبا باخوميوس ، و آبا مقار .. إلخ .و نقول كتب أقوال الآباء Patrology . فهم آباء مع أن غالبيتهم كانوا بطاركة و أساقفة غير متزوجين .
2- بنوة حسب السن :
مثلما قال القديس بطرس الرسول عن القديس مرقس الرسول " مرقس إبني " ( 1 بط 5 : 13 ) .و مثلما قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس " لا تزجر شيخاً بل عظه كأب و العجائز كأمهات " ( 1 تي 5 : 1 ) ...
3- بنوة في الإيمان :
مثلما قال عن أبينا ابراهيم إنه " أب لجميعنا " ( رو 4 : 16 ) ليس فقط لليهود ، و إنما ليكون أبا للذين يؤمنون و هم في الغرلة " ( رو 4 : 11 ) " للذين ليسوا في الختان فقط ، بل أيضاً يسلكون في خطوات إيمان أبينا ابراهيم " ( رو 4 : 12 ) .
4- بنوة من جهة المركز :
مثلما قال داود لشاول الملك " أنظروا يا أبي ، طرف جبتك في يدي " ( 1 صم 24 : 11 ) . قال له هذا بحكم المركز و السن ، و لأنه مسيح الرب .
5- بنوة تشريفية ، أو بنوة محبة :
حسبما قال الرسول " أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعي أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 ) . و كما ورد في الإنجيل " أما الذين قبلوه أعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه " ( يو 1 : 12 ) .
6- بنوة التبني ( بنوة شرعية ) :
كان قديماً إن مات لأحد أخ دون أن ينجب نسلاً ، يأخذ أخوه إمراته ليقيم نسلاً لأخيه . و الابن البكر الذي يولد منها يدعي باسم أخيه الميت ( تث 25 : 5 – 7 ) .و تصبح بنوة شرعية تنسب إلي المتوفى .
7- بنوة سلالة من الجدود :
كما قيل " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم " ( مت 1 : 1 ) ليس من نسلها مباشرة ، و إنما كجدود .
8- بنوة للزمان و المكان :
كما نتكلم عن أبناء وطن واحد . فنقول أبناء النيل ، ابن البلد ... و من جهة الزمان نقول أبناء هذا الجيل . أو نقول فلان لما كان ابن سنتين .. أو أبناء القرن العشرين .
9- بنوة وصفية أو نسبية :
كما قال المسيح للآب " الذين أعطيتني حفظتهم ، و لم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك " ( يو 17 : 11 ) . و كما قال يوحنا المعمدان عن الأشرار " أولاد الأفاعي " ( مت 3 : 7 ) . و كما قال السيد المسيح لليهود المعاندين " أنتم من أب هو إبليس ،و شهوات أبيكم تريدون أن تعملوا " ( يو 8 : 44 ) . و كما نقول في التسبحة " قوموا يا بني النور ، لنسبح رب القوات ". و قال السيد المسيح " لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم " ( لو 16 : 8 ) .
10- بنوة عقلية :
مثلما نقول إن العقل يلد فكراً . أو تقول إن هذه القصة من بنات أفكاري ، أو تقول : فلان لم ينطق ببنت شفه ( أي لفظة ) .
11- بنوة سببية :
مثلما قيل : الشهوة إذا حبلت تلد خطية ( يع 1 : 14 ) . و الخطية تلد موتاً . و بالمثل تقول : الحسد يلد كراهية . أو التوبة تلد إنسحاقاً في القلب .. إلخ . أما ولادة المسيح من الآب فهي ولادة طبيعية مثل الحرارة من النار و هي فوق الوصف – كولادة العقل من الذات . و الله روح ( يو 4 : 24 ) منزه عن التولد الجسداني
المحدود و اللا محدود
ســؤال
في عقيدة التجسد ، يقدم البعض سؤالاً و هو :
" كيف يشق الله لنفسه طريقاً من اللامحدودية إلي المحدودية ، مع بقائه غير محدود في ذاته ؟! أليست في هذا محاولة لإخضاع الله لعقول البشر ؟
في التجسد ن لم يتحول الله من اللامحدودية إلي المحدودية . و إنما بقي غير محدود . و مع أنه أثناء الحمل ، كان في بطن العذراء ، إلا أنه كان في نفس الوقت مالئ السموات و الأرض . ها نحن الآن – أنا و أنت – كل منا في حجرة محاطة بجدران ، مغلقة بنوافذ و أبواب فهل الله موجود في هذه الحجرات ، أم غير موجود ؟
لا شك أنه موجود طبعاً ، لأنه لا يخلو منه مكان . فهل وجوده في حجرة مغلقة ، يمنع وجود في كل مكان آخر ، و في السماء و الأرض ؟!
هكذا حينما كان في بطن العذراء أثناء الحمل الإلهي .
و هكذا كان في كل وقت أثناء فترة تجسده علي الأرض .
كان يكلم نيقوديموس في أورشليم . و مع ذلك قال له " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو3 : 13 ) أي أنه كان في السماء ، حينما كان يكلم نيقوديموس علي الأرض ، في أورشليم . و بالمثل حينما كلم الله ابانا أبراهيم . و حينما كلم موسي النبي و سلمه لوحي الشريعة . و كان ذلك في بقعة معينة من الأرض ، بينما هو يملأ السموات و الأرض . و بالمثل حينما كلم آدم في جنة عدن . و بالمثل حينما يقول الكتاب " أنتم هياكل الله ، و روح الله يسكن فيكم " ( 1 يو 3 ك 16 ) . فهل وجود الله فينا ، يمنع وجوده في كل مكان ؟! طبعاً لا . هو موجود في كل مكان علي حده ، و هو موجود في العالم كله ، و في السموات ، و لا يحده مكان .
و أنت حينما تقول " الله في قلبي " .. هل يمنع هذا وجوده في قلوب المؤمنين جميعاً ، و وجوده في كل مكان في السماء و علي الأرض ؟! طبعاً لا ... و هوذا الشاعر يقول للرب في ذلك :
لم يسعك الكون ما أضيقه كيف للقلب إذن أن يسعك ؟!
السيد المسيح قبل التجسد
ســؤال
أين كان السيد المسيح قبل أن يتجسد من العذراء مريم ؟ و ماذا عن وجوده قبل التجسد ؟
قبل التجسد كان موجوداً بلا هوته منذ الأزل .
نعرفه باسم ( إقنوم الابن ) ثابتاً في الآب و الروح القدس .
إسم ( المسيح ) عرف به في تجسده ،و تدل عليه بعض النبوءات مثل " روح السيد الرب علي ، لأنه مسحني " ( أش 61 : 1 ) . أما عن سؤالك " أين كان ؟ " . فإنه في كل مكان ، و ما كان يسعه مكان . و لكنه عبر عن علو مكانه بعبارة السماء ، كما نقول أيضاً عن الآب " أبانا الذي في السموات " . فقال أثناء تجسده لنيقوديموس " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، ابن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) .
أما عن تجسده ، فكان من القديسة العذراء ، في ملء الزمان ( غل 4 : 4 ) .
و لكنه بلاهوته ، كان موجوداً قبل أن يولد بالجسد . كان قبل أن يوجد الكون . بل أن " كل شئ به كان ، وبغر لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) .
هـل الـتـجسـد يعنـي الـتحـيــز ؟
ســؤال
هل تجسد الرب يعني أن الرب صار يحده حيز معين ، فيتحيز ، بينما الله غير محدود ...!
التجسد ليس معناه التحيز . فالله لا يحده حيز من المكان . و إنما عندما كان بالجسد في مكان ، كان بلاهوته في كل مكان .
مثلما نقول أن الله كان يكلم موسي علي الجبل ،و مع ذلك لم يكن في حيز الجبل ، إنما في نفس الوقت كان في كل مكان ، يدير العالم في كل قاراته .. و هكذا حينما كان الله يكلم ابراهيم ،و حينما ظهر لغيره من الأنبياء . كان في نفس الوقت في كل مكان . و أيضاً حينما يقال إن الله علي عرشه ، لا يعني أنه تحيز علي هذا العرش بل هو موجود هنا ، و موجود في كل مكان . عرشه السماء ، و عرشه كل مكان يوجد فيه . هو في السماء و السماء و السماء لا تسعه ...
هكذا كان السيد المسيح يكلم نيقوديموس في أورشليم . و قال له " ليس أحد صعد إلي السماء ، إلا الذي نزل من السماء ، إبن الإنسان الذي هو في السماء " ( يو 3 : 13 ) . أي أنه كان في السماء ، بينما كان يكلم نيقوديموس في أورشليم ز
كان في الجسد في كل مكان ، أي مرئياً بالجسد فيه .
و في نفس الوقت ، غير مرئي في باقي الأمكنة ، باللاهوت .
هو بلاهوته في كل موضع .و لكن يراه الناس بالجسد في مكان معين . و هذا لا يمنع من وجود باللاهوت في كل الأرض و السماء ، لأن اللاهوت غير محدود ...
هل المسيح لليهود فقط ؟
ســؤال
هل جاء السيد المسيح لليهود فقط ، لخراف بيت إسرائيل الضالة ؟ و بذلك تكون ديانته قاصرة علي اليهود و ليست للعالم أجمع ؟ و هل الديانة اليهودية أيضاً قاصرة كذلك علي اليهود ؟
الديانة هي طريق الناس إلي الله . تعلمهم معرفة الله و وصاياه . و طريقة عبادتهم له ، و تشرح لهم علاقته به .
لذلك كان لابد للديانة ، اية ديانة ، أن تكون للعالم أجمع . لأن الله للكل . و طريق واحد للجميع .
و هكذا كانت المسيحية . و هكذا أيضاً كانت اليهودية قبلها . ففي اليهودية لم يكن الله لليهود فقط ، بل للعالم أجمع . و لكن الأمم – من غير اليهود – هم الذين لم يؤمنوا به ، بسبب اندماجهم في عبادتهم الوثنية و تعلقهم بآلهة أخري . و لذلك فإن كل الذين أقبلوا إلي الله من الأمم ، العصر اليهودي ، لم يرفضوا الله بل قبلهم .
و ليس أدل علي هذا من قصة نينوي ، و هي مدينة أممية و ليست يهودية . و قد أرسل الله لها يونان النبي .
و لما تابت نينوي و آمنت بمناداة يونان ز قبل الله توبتها و إيمانها ، وقال ليونان " أفلا اشفق أنا علي نينوي المدينة العظيمة ؟ " ( يون 4 : 11 ) . راحاب الأممية التي من أهل أريحا ،و راعوث الأممية التي من المواَبيين ، كلاهما قبلهما الله ، و صارتا من جدات المسيح ( مت 1 ) .كذلك دخلت في الإيمان ملكة سبأ التي تزوجها سليمان الحكيم ،و انجب منها منيليك كما يقول التقليد الأثيوبي ، و المرأة الكوشية التي تزوجها موسي النبي ( عدد 12 : 1 ) . كما دخل في الإيمان بحارة السفينة التي ركبها يونان ( يون 1 : 16 ) . و الأمثلة عديدة في العهد القديم عن قبول الأمم .
أما في العهد الجديد ، فواضح أن المسيحية كانت للعالم أجمع .
فرسالة المسيح هي الخلاص . و الخلاص لكل العالم . و لذلك قيل في الإنجيل " هكذا أحب الله العالم .. لكي لا يهلك كل من يؤمن به . بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) . ويوحنا المعمدان لما رأي السيد المسيح قال " هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم " ( يو 1 : 29 ) . و هذا ما كرره القديس يوحنا الإنجيلي ( 1 يو 2 : 2 ) . و يكفي في فهم رسالة السيد المسيح ، قوله لتلاميذه القديسين :
إذهبوا إلي العالم أجمع . و أكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ( مر 16 : 16 )
، وقوله لهم ايضاً " إذهبوا و تلمذوا جميع الأمم ، وعمدوهم باسم الآب و الابن و الروح القدس " ( مت 28 : 19 ) ، و قوله لهم كذلك " وتكونون لي شهوداً في أورشليم و في كل اليهودية و السامرة ، و إلي أقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) . و قد اختار بولس الرسول ، ليحمل اسمه بين الأمم ( غير اليهود ) ،و قال له " ها أنا أرسلك بعيداً إلي الأمم " ( أع 22 :11 ) .و قال له ايضاً " كما شهدت لي في أورشليم ، ينبغي أن تشهد لي في رومية أيضاً " ( أع 23 : 11 ) ز.و قال عن البشارة بالإنجيل " و يكرز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم " ( مت 24 : 14 ) .
و قد امتدح الرب إيمان قائد المائة الأممي ، قال " لم أجد في إسرائيل كله إيماناً مثل إيمان هذا الرجل " ( مت 8 : 10 ) .و امتدح إيمان المرأة الكنعانية بقوله لها " عظيم هو إيمانك " (مت 15 : 28 ) . و ضرب السيد المسيح مثلاً في العمل الطيب بالسامري الصالح و أظهر أنه كان أفضل من الكاهن و اللاوي ( بو 10 : 30 – 37 ) . و قال " إن أرامل كثيرات كن في إسرائيل في أيام إيليا .. و لم يرسل إيليا إلي واحدة منهن ، إلا إلي أرملة صرفة صيدا " ( لو 4 : 25 ، 26 ) . و بنفس الوضع شفاء نعمان السرياني علي يد أليشع " ( لو 4 : 27 ) .
و سمح الرب بإدخال كرنيليوس الأممي إلي الإيمان .
بل أفاض عليه هو و كل الذين معه موهبة الروح القدس فتكلموا بألسنة ( أع 10 : 46 ) . و سمح الرب لفيلبس أن يعمد الخصي الحبشي ( أع 8 : 27 –38 ) . و إجتمع مجمع الآباء الرسل في أورشليم ، و تحدثوا عن قبول الأمميين في الإيمان و طريقة معاملتهم ( أع 15 ) . و ما كان ممكناً أن يقرروا شيئاً ضد مشيئة الرب .
و سفر أعمال الرسل يسجل الكرازة الواسعة بين الأمم .
و كيف نشر الرسل الإيمان في آسيا الصغرى و قبرص و اليونان و إيطاليا ، و وصلوا إلي أسبانيا ، و غير ذلك من البلاد غير اليهودية . و هكذا انتشرت المسيحية في بلاد العالم أجمع ، و وصلت غلينا نحن وغيرنا .
أما الكرازة لليهود ، فكانت مجرد مقدمة ن مجرد نقطة بدء ، علي اعتبار أن عندهم الشريعة و الرموز و أقوال الأنبياء .
و لكن لم تقل المسيحية مطلقاً ، أن الإيمان يقتصر علي نقطة البدء هذه و لا يتعداها ..! و قد كرز المسيح أولاً وسط خراف بيت إسرائيل الضالة ، وسط أولئك الذين كان لهم الآباء و الأنبياء و عندهم الناموس فرفضوه ، و قال الكتاب :
أما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله .
أي المؤمنون باسمه ( يو 1 : 12 ) . و عبارة " كل الذين قبلوه " لا تعني اليهود فقط . و في الإرسالية التدريبية الأولي ، أرسل السيد المسيح تلاميذه لليهود فقط ، لا للأمم و لا للسامريين ، لأنهم ما كانوا يحتملون ذلك في بدء خدمتهم .كان الأمم يرفضونهم و يحتقرونهم ،و السامريون لا يتعاملون معهم .
بل قد أغلقوا أبوابهم مرة في وجه المسيح نفسه ( لو 9 : 53 ) . و مثل هذا الرفض و هذه المعاملة العدائية من جانب السامريين و الأمم ، ما كانت تناسب الرسل المبتدئين في الخدمة ، لئلا يستصعبوا العمل و يفشلوا فيه .
علي أن السيد المسيح أعد لهم الطريق إلي خدمة السامرة .
فبشر المرأة السامرية ، و أهل السامرة ، و قبلوه . و قال لتلاميذه " أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه " ( يو 4 : 38 ) . و قال لهم " لا تبرحوا أورشليم حتي تلبسوا قوة من الأعالي " و لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم . و حينئذ تكونون لي شهوداً في أورشليم و كل اليهودية و السامرة و إلي أقصي الأرض " ( أع 1 : 8 ) . و نلاحظ هنا التدرج ، الذي أوصل كرازتهم إلي أقصي الأرض .و الواضح أن قبول الأمم ( غير اليهود ) كان منذ ميلاد المسيح .
رمز إليه إيمان المجوس ، و تقديمهم هدايا ، و قبول الرب لهم .
اَدم و المسيح ...
ســؤال
سمعت من يقول إن آدم أعظم من المسيح . لأنه إن كان المسيح قد ولد من إمرأة بغير رجل ، فإن آدم لم يولد من رجل و لا من إمرأة ؟ فما رأيكم ؟ و أيهما أعظم ؟
لا وجه للمقارنة إطلاقاً بين آدم و السيد المسيح . و علي الرغم من ذلك سنذكر النقط الآتية :
1-حقاً إن السيد المسيح قد ولد بطريقة معجزية لم يولد بها أحد من قبله و لا من بعده . أما اَدم فلا عاقة له مطلقاً بالولادة . إنه قد خلق من تراب الأرض .و طبعاً للتراب مرحلة أقل . اَدم مخلوق من تراب ، من أديم الأرض ، لذلك سمي اَدم . أما السيد المسيح فمولود غير مخلوق .
2-المسيح هو كلمة الله ( يو 1 : 1 ) . أما اَدم فهو مجرد عبد لله .
3- السيد المسيح يتميز عن اَدم بالقدسية و الكمال . فقد أخطأ اَدم ، و جر العالم كله معه إلي الخطية . أما السيد المسيح فهو الوحيد الذي لم يخطئ ، لذلك سمي قدوساً ( لو 1 : 35 ) . إنه الوحيد الذي تحدي جيله قائلاً " من منكم يبكتني علي خطية ؟! " ( يو 8 : 46 ) .
4- اَدم نتيجة لخطيئته طرد من الجنة . أما المسيح فجاء ليخلص اَدم و بنيه ، و يعيدهم إلي الفردوس مرة أخري . فهل يعقل أن الذي طرد من الفردوس ، يكون أعظم من الذي أعاده إليه ؟!
5- اَدم مات ، و تحول إلي تراب بعد أن أكله الدود . و لا يعرف له أحد قبراً و لا مزاراً . أما السيد المسيح ، فإن جسده لم ير فساداً . و لم يقل أحد أن الدود قد أكل جسده ، بل إنه صعد إلي السماء و جلس عن يمين الآب .
6- اَدم لم يقم من الموت حتى الآن .و لا يزال ينتظر القيامة العامة . أما السيد المسيح فقد قام بمجد عظيم ، و هو سيأتي في آخر الزمان للدينونة ، ليدين الأحياء و الأموات .
7- لم نسمع عن اَدم أنه كانت له رسالة في هذا العالم . بل لا نعرف له تاريخاً سوي أنه خلق و أخطأ و طرد من الجنة و مات . و كان أحد بنيه هو أول قاتل في العالم . أما السيد المسيح فقد كانت له رسالة عظيمة هي الخلاص ، غذ حمل خطايا العالم كل و مات فداء عنه . كما أنه صحح الأوضاع الخاطئة في جيله ، و قام بهداية الناس في جيله . و لم يعمل اَدم شيئاً من هذا .
8- كان السيد المسيح معلماً ، ترك أعظم التعاليم لجيله و لكل الأجيال . و قد بهت الناس من تعليمه ( لو 2 : 47 ) . أما أبونا اَدم ، فلم يترك لنا أي تعليم ، و لا أية كلمة أو نصيحة !
9- السيد المسيح عمل معجزات لم يعملها أحد : منها إقامة الموتى ، و الخلق ،و معجزات شفاء عجيبة كشفاء المولود أعمي ( يو 9 ) . و لم نسمع عن إبينا اَدم أنه صنع معجزة واحدة ! ..فهل يمكن مقارنته بالسيد المسيح الذي قال عنه القديس يوحنا الحبيب إنه صنع معجزات أخري لو كتبت واحدة فواحدة ، ما كان العالم يسع الكتب الموجودة ( يو 21 : 25 ) .
10-و كانت للسيد المسيح صفات القيادة . و كانت الآلاف تتبعه . أما اَدم فما قاد أحداً حتى امرأته . بل علي العكس قادته هذه المرأة ، حينما أعطته من الثمرة المحرمة فأكل مخالفاً للوصية .
11- كل هذا من الناحية البشرية . اما من الناحية اللاهوتية الخاصة بالسيد المسيح فلا نستطيع أن نقارن إنساناً مخلوقاً بهذا الذي " كل شئ به كان ، و بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 ك 3 ) . و هذه النقطة وحدها تحتاج غلي كتاب خاص في لاهوت المسيح .
12 – حقاً إن ابانا اَدم هو أبونا كلنا . و لكن هذا شئ ، و كنه أعظم من المسيح شئ آخر لا يقبله عقل .بل أن كثيراً من أبناء اَدم كانوا أعظم منه ! مع توقيرنا لأبوته ..
ما معني الجلوس عن يمين الآب ؟
ســؤال
ما المعني اللاهوتي لعبارة " صعد إلي السماء ، و جلس عن يمين الآب " ؟ و هل الله مثلنا له يمين و يسار ؟
المقصود بصعود المسيح إلي السماء ، أنه صعد بالجسد . لأن اللاهوت لا يصعد و ينزل . فهو موجود في السماء و الأرض و ما بينهما ، مالئ الكل . إنما الصعود بالجسد و هذا ما رآه التلاميذ يوم الصعود ( أع 1 : 9 ) .
و من جهة الجلوس ، الله ليس له يمين و يسار.
عبارة يمين و يسار تقال عن أي كائن محدود بيمين و يسار . أما الله فهو غير محدود . و من ناحية أخري لا يوجد فراغ حوله يجلس فيه أحد ، لأنه مالئ الكل و موجود في كل مكان . و كذلك لو جلس الابن إلي جواره ، لكانا متجاورين . و هذا ضد قول الابن " أنا في الآب ، و الآب في " ( يو 14 : 11 ) .
إنما كلمة ( يمين ) ترمز إلي القوة و العظمة و البر .
كما نقول في المزمور " يمين الرب صنعت قوة ، يمين الرب رفعتني . يمين الرب صنعت قوة ، فلن أموت بعد بل احيا " ( مز 117 ) . و مثل وقوف الأبرار عن يمينه ، و الأشرار عن يساره في يوم الدينونة ( مت 25 ) . فكون المسيح عن يمين الآب أي في عظمته و بره ز لذلك قال السيد المسيح لرؤساء الكهنة " من الآن تبصرون ابن الإنسان عن يمين القوة " ( مت 26 :64 ) .و كلمة ( جلس ) هنا ، تعني استقر .. استقر في هذه القوة . أي أن عبارة " أخلي ذاته " ( في 2 : 7 ) ، قد انتهت بالصعود . و ما كان يسمح به من إهانات البصق و اللطم و الجلد و ما أشبه ن قد انتهي . وقد استقر الآن في عظمته . حتى إنه حينما يأتي في مجيئه الثاني ، سيأتي في مجده و جميع الملائكة القديسين معه ( مت 25: 31 ) . علي سحاب السماء ، كما صعد ( أع 1 : 11 ) .
عن يمين الآب
ســؤال
ما هي الأدلة علي صعود الرب و جلوسه عن يمين الآب ؟ و أين وردت هذه المعجزة ؟
وردت هذه المعجزة أولاً في الإنجيل ، لمعلمنا القديس مرقس :
فقد جاء في آخره " ثم أن الرب بعد ما كلمهم ، ارتفع إلي السماء ، و جلس عن يمين الله " ( مر 16 : 19 ) .
و ورد ذلك في سفر الأعمال ، في أكثر من موضع :
فبعد لقاء الرب الأخير مع تلاميذه ،و قوله لهم " لكنكم ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم ، و حينئذ تكونون لي شهوداً …" " لما قال هذا ، ارتفع و هم ينظرون ، و أخذته سحابة عن أعينهم " .. ثم قال لهم الملاكان " إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلي السماء ، سيأتي هكذا كما رأيتموه مطلقاً إلي السماء " (أع 1 : 11 ) . كذلك في رؤيا القديس اسطفانوس الشماس وقت رجمه " شخص إلي السماء و هو ممتلئ من الروح القدس ، فرأي مجد الله ،و يسوع قائماً عن يمين الله . فقال ها أنا أنظر السموات مفتوحة ،و ابن الإنسان قائماً عن يمين الله " ( أع 7 : 55 ، 56 ) .
و ما أكثر الدلالات في الرسالة إلي العبرانيين :
فقد ورد في أولها عن السيد المسيح إنه " بعد ما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي " ( عب 1 : 3 ) . و في حديث القديس بولس عن السيد كرئيس كهنة قال " و أما رأس الكلام ، فهو أن لنا رئيس كهنة مثل هذا ، قد جلس في يمين عرش العظمة في السموات" ( عب 8 : 1 ) . و في أواخر الرسالة يقول " ناظرين إلي رئيس الإيمان و مكمله يسوع ، الذي من أجل السرور الموضوع أمامه ، احتمل الصليب مستهيناً بالخزي ، فجلس في يمين عرش الله " ( عب 12 : 2 ) .
و قد وردت نبوة عن هذا في سفر المزامير .
إذ يقول داود النبي بالروح " قال الرب لربي : اجلس إن يميني ، حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك " ( مز 110 :1 ) . إن جلوس السيد عن يمين الآب ، حقيقة شرحنا معناها في سؤال سابق .
هل معجزات المسيح تمت بالإيحاء ؟
ســؤال
ما رأيكم في عبارة أن معجزات المسيح تمت بالإيحاء ؟
الإيحاء هو تأثير علي النفس و الفكر لتقتنع بشئ ما . و لكن :
1-هل يمكن أن توجد علاقة بين الإيحاء و إقامة الموتى ؟!
ممكن لشخص أن يوحي إلي إنسان حي ، و يؤثر علي نفسيته و فكره . أما بالنسبة إلي الميت ، فالتأثير معدوم .و قد أقام السيد المسيح بعض الموتى مثل إبنة يايرس ( مر 5 : 41 ، 42 ) ،و ابن أرملة نايين ( لو 7 : 11-17 ) . و لعازر ( يو 11 : 17 – 44 ) . و كلها طبعاً بعيدة عن الإيحاء . غبن الأرملة أقامة المسيح ، و هو محمول في نعش في الطريق . و لعازر أقامة بعد أربعة أيام ،و هو في القبر ، وسط المعزين . فهل الإيحاء شمل المعزين و المشيعين جميعهم ؟ أم دخل إلي الميت في قبره أو في نعشه ؟!
2- نقطة أخري و هي أن الإيحاء لا علاقة له بالمجانين و المصروعين .
كيف توحي غلي عقل إنسان مجنون لا يتحكم في تفكيره و مشاعره ؟! أو مصرع تتحكم فيه الشياطين ؟ و قد شفي المسيح مجانين كثيرين : مثل المجنون الأعمي الخرس الذي صار سليماً من كل أمراضه ( مت 12 : 22 ) . و مثل مجنون كورة الجرجسيين الذي كان هائجاً جداً لدرجة أنهم كانوا يربطونه بسلاسل ، وكان تصرعه فرقة من الشياطين [ لجيئون ] ( لو 8 : 29 ، 32 ) . هل يمكن الإيحاء لإنسان مثل هذا .
3- كذلك الإيحاء لا علاقة له بإخراج الروح النجس .
فالروح النجس لا توحي إليه .. و أمامنا مثل عجيب للروح النجس . الذي كان في رجل و كان يصيح فانتهره السيد المسيح قائلاً " اخرس و اخرج منه " . فخرج . و تحير الناس " لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه " ( مر 1 : 25 – 27 ) . أي إيحاء هنا ؟! و كانت تلك المعجزة في مجمع كفر ناحوم ،و أمام كل الناس في المجمع . و قد شعروا بالقوة و السلطان .و نفس الوضع بالنسبة إلي شفاء المجنون الأخرس ، الذي أخرج منه الشيطان و تكلم فتعجب الجموع قائلين " لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل " ( مت 9 : 32 ، 33 ) . و في معجزة شفاء أخري ، انتهر السيد المسيح الروح النجس قائلاً : " أيها الروح النجس الأصم ، أنا آمرك أخرج منه و لا تدخله أيضاً " ( مر 9 : 25 ، 27 ) . فشفي الرجل من تلك الساعة ( 17 : 18 ) .
4- الإيحاء ايضاً لا علاقة له بالطبيعة كالبحر و الرياح و الشجر .
فإن كان ممكناً الإيحاء إلي كائنات عاقلة ، فلا يمكن مطلقاً أن يوحي أحد إلي كائنات لا حياة لها و لا تعقل . شجرة التين التي تمثل الرياء ، التي لعنها السيد المسيح و قال " لا يأكل أحد منك ثمراً إلي الأبد " ( مر 11 : 14 ) . فيبست في الحال ( مت 21 : 19 ) . هل يبست بالإيحاء ؟ و البحر الذي أهاجت الريح أمواجه فغطت السفينة ( مت 8 : 24 ) ، يقول الكتاب إن المسيح " قام و انتهر الريح . و قال للبحر أسكت و ابكم . فسكتت الريح و صار هدوء عظيم ( مر 4 : 39 ) . هل هنا إيحاء ؟ أم هذا سلطان علي الطبيعة . فليأت أعظم علماء النفس في العالم لكي يسكتوا بحراً هائجاً بالإيحاء !
و يمكننا أن نضم إلي معجزات الطبيعة ، معجزات صيد السمك .
المعجزة الأولي مع بطرس الرسول قبل دعوته . و قد سهر الليل كله و لم يصطد شيئاً و لكن بكلمة المسيح ظل الصيد يتزايد حتى امتلأت السفينتان سمكاً و كادتا تغرقان من كثرة الكمية ( لو 5 :1 – 7 ) . و المعجزة الثانية بعد القيامة ( يو 21 : 10 – 14 ) . و طبعاً لم يحدث بالإيحاء إلي السمك أن حضر دفعة واحدة بعد كلمة المسيح !!
5- الإيحاء أيضاً لا يمكن أن ينطبق في شفاء الغائب .
لقد شفي المسيح إبنة المرأة الكنعانية بطلب أمها ، و هذه الإبنة في البيت لم تتعرض لإيحاء من أحد . قال رب المجد للمرأة الكنعانية أذهبي قد خرج الشيطان من إبنتك . فذهبت إلي بيتها و وجدت الشيطان قد خرج من إبنتها ( مر 7 : 29 ) . و بنفس الوضع قال السيد لخادم الملك " إذهب إبنك حي " ( يو 4 : 50 ) . فتعافي من ذلك الساعة . و كان في بيته ، و لم ير المسيح و لم يتعرض لإيحاء ... و بالمثل شفاء غلام قائد المائة . ذهب إلي بيته بعد كلمة السيد المسيح ، فوجد غلامه قد برئ في تلك الساعة ( مت 8 : 13 ) .
6- كذلك عمليات الخلق ، لا يمكن أن تتم بالإيحاء .
فإشباع أربعة آلاف غير النساء و الأطفال ، من سبع خبزات و قليل من السمك ( مت 15 : 32 – 38 ) لا يمكن أن يكون بالإيحاء ، علماً بأنه فاضت من الكسر سبعة سلال مملوءة .. هنا مادة جديدة قد خلقت لم تكن موجودة .كذلك معجزة إشباع خمسة آلاف رجل غير النساء و الأطفال من خمس خبزات و سمكتين . من المحال أن يتم هذا بالإيحاء ! و حتي لو شعروا كلهم أنهم قد شبعوا بالإيحاء ، كيف يفضل عنهم من الخمس خبزات إثنتا عشرة قفة مملوءة ( مت 14 : 20 ) . من أين جاءت هذه الكمية إلا بمعجزة خلق ، و ليس بإيحاء ...
و نفس الوضع في معجزة إبصار المولود أعمي .
خلق له المسيح عينين . و هذا لا يمكن أن يتم بالإيحاء . و بخاصة أن الطريقة التي استخدمها معه المسيح لا توحي بهذا بل بعكسه ! وضع في عينيه طيناً ، الأمر الذي يمكن أن يعمي البصير ! ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام ( يو 9 : 6 ، 7 ) . و ما أسهل أن هذا الإغتسال يزيل الطين ، ل أن يثبت في حدقته عيناً بأنسجة و أعصاب !! و ما كان ممكناً أن الطين في عيني الرجل يوحي له بالإبصار ..!
و بنفس المنطق معجزة تحويل الماء خمراً .
لقد خلق مادة لم تكن موجودة ، لأن الماء ليست فيه مركبات الخمر . و فعل ذلك بدون أية عملية . قال لهم املأوا الأجران .. ثم قال لهم استقوا . و تمت معجزة الخلق بمجرد مشيئته . و لا يوجد هنا إيحاء ، لن المدعون الذين شربوا ، ما كانوا يعملون عن هذا الأمر شيئاً . إن الذين رأوا و نفذوا هم الخدام و ليس أحد من المدعوين . فأين الإيحاء إذن ؟!
7- كذلك شفاء العاهات الثابتة لا يمكن أن يتم بالإيحاء .
لا يمكن بالإيحاء أن يبصر أعمي ، أو تنبت رجل لأعرج . و لا يمكن بالإيحاء أن يشفي أخرس أو ابكم أو أصم .. و قد أجري السيد المسيح كثيراً من أمثال هذه المعجزات . فمن جهة شفاء العميان : شفاء بارتيماوس الأعمي ( مر 10 : 52 ) و معه آخر ( مت 20 : 34 ) . و شفاء أعمي في بيت صيدا ( مر 8 : 22 – 26 ) . و مجنون كان أعمي و أخرس ( مت 12 : 22 ) . و شفاء أعميين ( مت 9 : 32 – 33 ) ، ( لو 19 : 42 ) .. و الأمثلة كثيرة . و يمكن أن نضم إليها إبراء أذن ملخس عبد رئيس الكهنة ، بعد أن قطعها أحدهم بالسيف ( لو 22 : 50 ، 51 ) .
8- كذلك شفاء البرص لا يمكن أن يتم بالإيحاء .
فالأبرص كانوا يخرجونه خارج المجمع .و إذا شفي لابد أن يراه الكاهن و يفحصه . و إذا وجد أنه قد برئ ، يسمح له بالدخول إلي الجماعة بعد تقديم ذبيحة . و قد شفي المسيح أبرص بمجرد أن لمسه . و للوقت طهر برصه ( مر 1 : 41 ) ، ( مت 8 : 2 ، 3 ) . و شفي عشرة من البرص دفعة واحد ( لو 17: 11 – 19 ) . و كانوا يذهبون إلي الكهنة . فهل وقع الكهنة أيضاً تحت الإيحاء ؟! و مع البرص نضم كثيراً من الأمراض المستعصية التي شفاها المسيح .
9- الإيحاء أيضاً لا ينطبق علي كثرة المعجزات و كثرة مشاهديها .
يمكن أن إنساناً يتعرض للإيحاء ، أو يؤثر فيه الإيحاء . أما إذا كان الشفاء لمئات من الناس ، بأنواع مختلفة من الأمراض ، مع اختلاف نفسية و عقلية كل من هؤلاء ، فحينئذ الأمر يختلف . و معجزات المسيح كانت هكذا . يقول معلمنا لوقا الإنجيلي " و عند غروب الشمس كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه . فكان يضع يديه علي كل واحد فيشفيهم . و كانت الشياطين تخرج من كثيرين و هي صارخة .." ( لو 4 : 40 ، 41 ) . و يقول معلمنا متي الإنجيلي عن السيد إنه كان " يشفي كل مرض و كل ضعف في الشعب " ( مت 4 : 23 ) . و يقول معلمنا مر قس الإنجيلي " قدموا إليه جميع السقماء و المجانين .. و كانت المدينة كلها مجتمعة علي الباب . فشفي كثيرين كانوا مرضي بأمراض مختلفة .و أخرج شياطين كثيرة " ( مر 1 : 32 – 34 ) . فهل كل هؤلاء كانوا تحت الإيحاء ؟! و هل مشاهدوهم كذلك ؟!
10- كذلك المعجزات التي حدثت في حياة المسيح نفسه .
قيامته من الأموات – ظهوره للأحد عشر و لعدد كبير من التلاميذ – التجلي – ميلاده العذراوي .. كل ذلك هل فيه عنصر الإيحاء ؟!
ننتقل من موضوع الإيحاء و ندخل في سؤال مشابه :
هل معجزات المسيح تمت بالصلاة ؟
ســؤال
هل كان المسيح يصلي قبل إجراء المعجزة ، لكي يتمم الله المعجزة ، فيستجيب لصلاته ؟
الذي يدرس معجزات السيد المسيح ، يجد عكس هذا الكلام .
بالأمر كان يشفي كثيراً من المرضي ، بدون صلاة .
الرجل المفلوج قال له " إحمل سريرك و امش " ( مت 9 : 7 ، 8 ) فقام صحيحاً و حمل سريره ز و مريض بيت حسدا الذي ظل مريضاً 38 سنة ، قال له نفس العبارة أيضاً " قم إحمل سريرك و امش . و للحال برئ و حمل سريره " ( يو 5 : 8 ، 9 ) .و الرجل صاحب اليد اليابسة ، قال له مد يدك فمدها فصارت سليمة ( مر 3 : 5 ) .و في شفاء حماة بطرس بحمي شديدة . إنتهر الحمي فتركتها في الحال ( لو 4 :38 ) ، و أمسك بيدها و أقامها . فقامت و خدمتهم ( مر 1 : 31 ) .
و بالأمر كان يمارس سلطانه علي الأرواح النجسة و علي الطبيعة .
الأرواح النجسة كان يخرجها بالأمر " أيها الروح النجس أنا آمرك ، أخرج منه " ( مر 9 : 25 ، 27 ) .و انتهر الروح الأخرس فخرج و تعجب الناس قائلين " إنه بسلطان يأمر الأرواح النجسة فتطيعه " (مر 1 :27 ) .. فأين الصلاة هنا ؟! و قد انتهر الريح و البحر الهائج ، فحدث هدوء عظيم ( مر 4 : 39 ) .
و حتي الموتي كان يقيمهم بالأمر .
ابن ارملة نايين و هو في نعشه ، قال له " أيها الشاب لك أقول قم " فجلس الميت و ابتدأ يتكلم ( لو 7 : 14 ، 15 ) . و بنفس الأمر قال لإبنة يايرس الميتة " يا صبية قومي " فقامت ( مر 5 : 41 ) ( لو 8 : 54 ، 55 ) .و هنا لا يرد ذكر لأية صلاة .
و هناك مرضي كان يشفيهم بوضع يديه .
كما قيل في إنجيل معلمنا لوقا ( 4 : 40 ) : " كان يضع يديه علي كل واحد فيشفيهم " . و في شفاء الرجل الأصم ، و ضع أصابعه في اذنيه ، و قال له إفثا أي انفتح ، فانفتح سمعه و شفي ( مر 7 : 35 ) . و لما وضع يديه علي أعمي في بيت صيدا ، أبصر ( مر 8 ك 25 ) . كذلك بوضع يديه شفي المرأة المنحنية من 18 سنة ( لو 13 : 14 ) . و ملخس عبد رئيس الكهنة ، لما قطعت أذنه " لمس أذنه و أبرأها " ( لو 22 : 51 ) .. و لم يذكر الكتاب في كل هذه المعجزات أنه صلي . و في شفاء الأعميين ، لمس أعينهما فللوقت أبصرت أعينهما و تبعاه ( مت 20 : 34 ) .
مجرد لمسه كان يشفي المريض ، بدون صلاة .
نازفة الدم التي ظلت مريضة إثنتي عشرة سنة ،و انفقت كل أموالها علي الأطباء بلا فائدة ، مجرد أن لمست هدب ثوبه " جف ينبوع دمها و برئت " ( مر 5 : 29 ) .و ما أجمل قول إنجيل معلمنا مرقس " و حيثما دخل إلي قري و مدن أو ضياع ، و ضعوا المرضي في الأسواق ،و طلبوا إليه أن يلمسوا و لو هدب ثوبه . وكل من لمسه شفي " ( مر 6 : 56 ) . مجرد لمسه . لا صلاة من السيد المسيح ،و لا من المريض .
بل مجرد كلمة منه كانت تشفي المريض .
ففي شفاء الأبرص صرخ الأبرص قائلاً له " إن أردت تقدر أن تطهرني " . فتحنن و مد يده ولمسه ، و قال له " أريد ، فاطهر " ( مر 1 : 41 ) و للوقت طهر برصه ( مت 8 : 2 ، 3 ) . أين الصلاة هنا . إنها مجرد إرادته .
و بمجرد إرادته تحول الماء إلي خمر ، وخلقت مادة جديدة .
فقال لهم إملأوا الأجران ماء . ثم قال لهم استقوا . و إذا هي خمر جيدة ( يو 7 : 2، 8 ) . لمجرد أنه أراد ذلك ن بدون صلاة .
كذلك أين الصلاة في معجزات قراءته للأفكار و معرفته الغيب .
في معجزة شفائه للمفلوج ، قرأ أفكار الكتبة المحتجين عليه ، و رد علي أفكارهم ( مر 2 : 6 – 11 ) .و كذلك رد علي فكر سمعان الفريسي لما مسحت المرأة الخاطئة قدمي المسيح بشعر رأسها ( لو 7 : 39 – 47 ) .و كثيراً ما كان يرد علي افكار التلاميذ ... كذلك أية صلاة في معرفته بالغيب ، كما في معرفته الأستار الذي في بطن سمكة في البحر ( مت 17 : 24 – 27 ) . و كمعرفته بنثنائيل تحت التينة ( يو 1 : 48 ، 49 ) .
المعجزة الوحيدة التي قيل إنه صلي فيها ، هي إقامة لعازر .
( يو 11 : 41 ، 42 ) . و لعل السبب في ذلك ، أنه أراد إخفاء لاهوته عن الشيطان ، و كان بينه و بين الصليب أيام قلائل . كما أنه إن وجدت في كل هذه المعجزات العديدة جداً معجزة واحدة فيها صلاة ، فلعلها لتعليمنا أن نصلي ، و لعل فيها رد علي أعدائه الذين كانوا يتهمونه باستخدام قوة الشياطين في معجزاته . و مع ذلك فإنه في إقامة لعازر إستخدم الأمر أيضاً ، فصاح بصوت عظيم " لعازر هلم خارجاً " ( يو 11 : 43) .
و في معجزة إشباع الجموع ، قيل إنه نظر إلي فوق ، و إنه شكر و بارك ( مر 6 : 41 )
( مت 15 : 36 ) .
و لم يذكر في إحدى هاتين المعجزتين أنه صلي . أما النظر إلي فوق و مباركة الطعام قبل التناول منه ، فلعل هذا لتعليمنا .من صلب المسيح ؟
ســؤال
لماذا نقول إن اليهود هم الذين صلبوا السيد المسيح ؟ ألسنا نحن الذين صلبناه بخطايانا ؟
من أجل غفران خطايا الناس صلب المسيح ، إذ مات عنا لكي نحيا نحن . هذا حق . " كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلي طريقه ، و الرب وضع عليه إثم جميعنا " ( أش 53 : 6 ) .
نحن إذن السبب في صلبه . و لكن اليهود كانوا هم المنفذين .
هم الذين تآمروا علي صلبه . و هم الذين قدموه لبيلاطس الوالي الروماني و صاحوا قائلين أصلبه أصلبه ، بينما كان هذا الوالي يقول " لست أجد علة في هذا البار " فقالوا له " دمه علينا و علي أولادنا "
نحن السبب . و هم المنفذون .و لكن الدافع الأكبر هو محبة الله .
" لأنه هكذا أحب الله العالم ن حتى بذل إبنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) . لكن اليهود لم يقدموا المسيح للموت ، من اجل الفداء ن بل خيانة منهم و غدراً أو حسداً و جهلاً ...
فهم يحاسبون علي غدرهم و حسدهم و حقدهم و تآمرهم ، و يحاسبون علي ضغطهم علي بيلاطس الوالي لكي يصلبه ، بينما كان يريد أن يطلقه .
كيف يمت و هو الله ؟
ســؤال
كيف يموت المسيح علي الرغم من لاهوته ؟ هل الله يموت ؟ و هل موت المسيح كان ضعفاً ؟ و من كان يدير الكون أثناء موته ؟
إن الله لا يموت . اللاهوت لا يموت .
و نحن نقول في تسبحة الثلاثة تقدسيات " قدوس الله ، قدوس القوي ، قدوس الحي الذي لا يموت " . و لكن السيد المسيح ليس لاهوتاً فقط ، إنما هو متحد بالناسوت . لقد أخذ ناسوتاً من نفس طبيعتنا البشرية ، دعي بسببه " إبن الإنسان " . و ناسوته مكون من الجسد البشري متحداً بروح بشرية ، بطبيعة مثل طبيعتنا قابلة للموت . و لكنها متحدة بالطبيعة الإلهية بغير إنفصال ...
و عندما مات علي الصليب ، إنما مات بالجسد ، بالناسوت .
و هذا ما نذكره في صلاة الساعة التاسعة ، و نحن نصلي قائلين " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة " .
و موت المسيح لم يكن ضعفاً . و لم يكن ضد لاهوته .
لم يكن ضد لاهوته ، لأن اللاهوت حي بطبيعته لا يموت ، كما أنه شاء لناسوته أن يموت كمحرقة سرور ، و ايضاً لفداء العالم .
و لم يكن موته ضعفاً ، للأسباب الآتية :
1- لم يكن موته ضعفاً ، و إنما حباً و بذلاً . و كما يقول الكتاب " ليس حب أعظم من هذا ، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه " ( يو 15 : 13 ) .
2- السيد المسيح تقدم إلي الموت باختياره ، فهو الذي بذل ذاته لكي يفدي البشرية من حكم الموت . و ما أعظم قوله في الدلالة علي ذلك " أنا أضع ذاتي لآخذها ايضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي . لي سلطان أن اضعها ، و لي سلطان أن آخذها ايضاً" ( يو 10 : 17 ، 18 ).
إن ضعف الإنسان العادي في موته ، يتركز في أمرين :
أ- أنه يموت علي الرغم منه ، و ليس له سلطان أن يهرب من الموت . أما المسيح فقد بذل ذاته ، دون أن يأخذها أحد منه .
ب- الإنسان العادي إذا مات ، ليس في إمكانه أن يقوم إلا إذا أقامه الله . أما المسيح فقام من ذاته . و قال عن روحه " ولي سلطان أن آخذها أيضاً " . و هذا كلام يقال من مركز القوة و ليس من مركز الضعف .
و من دلائل قوة المسيح في موته :
3-أنه في صلبه و موته " إذا حجاب الهيكل قد انشق إلي إثنين من فوق إلي أسفل . و الأرض تزلزلت ، والصخور تشقق ، و القبور تفتحت ، و قام كثير من أجساد القديسين " حتى أن قائد المائة الذي كان يحرسه خاف – بسبب هذه المعجزة – هو و جنوده و قالوا : حقاً كان هذا ابن الله ( مت 27 : 51 – 52 ) .
4-دليل آخر ، أنه في موته كان يعمل ، إذ فتح الفردوس و أدخل فيه آدم و باقي الأبرار و اللص .
5-من دلائل قوته في موته ، أنه بالموت داس الموت ( 2 تي 1 : 10 ) ( عب 2 : 14 ) . و اصبح الموت حالياً مجرد قنطرة ذهبية يصل بها الناس إلي الحياة الأفضل . فيقول بولس الرسول " أين شوكتك يا موت " ( 1 كو 15 : 55 ) .
من كان يدير الكون إذن أثناء موته ؟
لاهوته كان يدير الكون . اللاهوت الذي لا يموت ، الذي لم يتأثر إطلاقاً بموت الجسد ... اللاهوت الموجود في كل مكان ، الذي هو أيضاً في السماء ( يو 3 : 13 ) .
نوعية موت المسيح
ســؤال
لقد تعلمنا منكم أنه عندما حكم علي الإنسان بالموت ، كانت هناك أنواع من الموت هي : الموت الروحي و هو الإنفصال عن الله ،و الموت الأدبي ، و هو فقدان الصورة الإلهية ، و الموت الجسدي و هو إنفصال الروح عن الجسد .
و نحن نقول إن السيد المسيح قد فدانا و مات نيابة عنا .و لكن السيد المسيح مات موتاً جسدياً فقط . و بقي الموت الروحي و الأدبي بلا فداء !
هناك نوع رابع من الموت لم تذكره ، وهو الموت الأبدي ، و هذا هو الذي تعلق بالخلاص الذي قدمه السيد المسيح بالفداء علي الصليب .. و الموت البدي يعني الهلاك الأبدي . فكلنا كنا تحت حكم هذا الموت الأبدي . و كما قال القديس بولس الرسول " كنتم أمواتاً بالذنوب و الخطايا " ( أف 2 : 1 ) . و قال ايضاً " و نحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح " (أف 2 : 5 ) .
هذا الموت الأبدي . فدانا منه السيد المسيح بموته . إذ كانت كفارته كافية لغفران جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور .
أما من جهة الموت الأدبي و الموت الروحي فهذا شأن الخطاة ، و ما كان ممكناً أن يموته المسيح ، لأنه قدوس بلا خطية . و لو كانت له خطية . ما كان ممكناً أن يفدينا . لأن الذي له خطية يموت عن خطيته . أما الذي بلا خطية ( المسيح ) فيمكن أن يموت عن الآخرين . غذ ليست له خطية يدفع ثمنها بالموت ، فهو إذن يدفع ثمن خطايا الآخرين .
و الموت الروحي ، الذي هو الإنفصال عن الله ، يمكن أن يتخلص منه الإنسان بالرجوع إلي الله ، اي بالتوبة .
أما فقدان الصورة الإلهية ن فقد جاء السيد المسيح في كمال بره و قداسته ليعيد إلينا الصورة الإلهية ، حتى نتمثل به فيها .
لماذا مات مصلوباً ؟
ســؤال
قرأت في أحد الكتب هذه العبارة " أول ما يتبادر إلي الذهن عندما نقف أمام صورة المسيح المصلوب " لماذا مات مصلوباً " ؟ و لم يمت بطريقة أخري ؟ ألم يرد في سفر التثنية أن المعلق علي خشبة ملعون ( تث 21 : 23 ) . فهل يطلق هذا الوصف علي المسيح ؟
اللعنة لم تصب علي المسيح ، لكنه حمل اللعنة المحكوم بها علي الإنسان في شريعة العهد القديم ( تث 27 : 28 ) . كما أن المسيح لم يخطئ أبداً ، و لكنه حمل كل خطية الإنسان لكي يمحوها بدمه . فهو لم يكن خاطئاً ، ولكنه كان حامل خطية . و هكذا حمل لعنتنا لكي يحمينا من لعنة الناموس . كان لابد أن يموت الإنسان عقوبة علي خطيئته ، فمات المسيح نيابة عنه لكي يفديه .
و اختار موت الصليب ، لأنه أبشع الميتات ، و فيه يستوفي أقسى الآلام التي يستحقها الإنسان .
هناك ميتات تتم في لحظة أو لحظات و تنتهي . كأن يضرب إنسان بالسيف أو باَلة حادة علي رأسه فيموت في لحظة . و هكذا الذي يخنقونه فيموت للتو ، و الذي يرجمونه ليموت في لحظات . أما المصلوب فيقاسي اَلاماً مرة ، تتمزق فيها أنسجته وأعصابه ،و يتصفي دمه ، وماء جسده من التعب و الإرهاق . و هكذا تحمل المسيح أقسى الآلام ، لأجل الإنسان الذي ينبغي أن يتألم .
كذلك كانت عقوبة الصلب فيها العلانية و التشهير مما يتعب النفس .
فالمعلق علي خشبة واضح أمام الناس ، لم يقتل في الخفاء ، إنما أمام الكل ، وخارج المحلة حتى لا ينسجها ! و كل من يراه يعرف أنه لابد مستحق الموت بسبب خطايا بشعة قد ارتكبها .و احتمل السيد المسيح كل هذا العار ، لأجلنا لكي يفدينا .
لماذا الصليب ؟
ســؤال
لماذا مات المسيح عن طريق الصليب ، و لم يمت بطريقة أخري ؟
لقد كان الموت بالصليب يعتبر عاراً ، فاختار الرب أشنع الميتات و أكثرها عاراً في ذلك الزمان . و لذلك في ( عب 12 : 2 ) يقول الرسول عن الرب إنه " احتمل الصليب مستهيناً بالخزي " .
إذن في الصليب خزي . و لذا يقول " فلنخرج إليه إذن خارج المحلة حاملين عارة : لأن الصليب كان معتبراً عاراً .
و في العهد القديم ، كان الصليب يعتبر لعنة ، إذ قيل " ملعون كل من علق علي خشبة " . و السيد المسيح أراد بالصليب أن يحمل كل اللعنات التي وقعت علي البشرية . و أشار إليها الناموس ( تث 28 ) ، لكي يمنحنا بركة ، و لا تكون هناك لعنة فيما بعد .
و كان الصليب يعتبر عثرة بالنسبة لليهود ( 1 كو 1 : 18 ) . فاختار المسيح هذا العار ، و حول الصليب إلي قوة ... و كان الصليب أيضاً من أكثر أنواع الموت إيلاماً ، إذ تتمزق فيه أنسجة الجسد بطريقة مؤلمة جداً ، كما يجف الماء الموجود في الجسد لكثرة النزيف و الإرهاق الجسدي . و المسح بهذا حمل الآلام التي كانت تستحقها البشرية . و الصليب كان ميتة يرتفع فيها من يموت علي الأرض ، وهكذا قال المسيح " و أنا إن ارتفعت ، أجذب إلي الجميع " . و هكذا كما ارتفع علي الصليب ، ارتفع إلي المجد في صعوده ،و رفعنا عن مستوي الأرض و التراب بصلبنا معه ...و كان في موته باسطاً ذراعيه لكل البشرية ، إشارة لقبوله الكل .
كيف مات المسيح بينما لاهوته لم يفارق ناسوته ؟
ســؤال
ألسنا نقول غن لاهوت المسيح لم يفارق ناسوته لحظة واحدة و لا طرفة عين ؟ كيف إذن مات ؟
موت المسيح معناه إنفصال روحه عن جسده . و ليس معناه انفصال لاهوته عن ناسوته .
الموت خاص بالناسوت فقط . إنه إنفصال بين شقي الناسوت ، الروح و الجسد ، دون أن ينفصل اللاهوت عن الناسوت .و ما أجمل القسمة السريانية التي تقولها في القداس الإلهي ، والتي تشرح هذا الأمر في عبارة واضحة هي :
إنفصلت نفسه عن جسده . و لاهوته لم ينفصل قط عن نفسه و لا عن جسده .
إنفصلت الروح البشرية عن الجسد البشري . و لكن اللاهوت لم ينفصل عن أي منهما ، و إنما بقي متحداً بهما كما كان قبل الموت . و كل ما في الأمر أنه قبل الموت ، كان اللاهوت متحداً بروح المسيح و جسده ( أي الروح و الجسد ) متحدان معاً . أما في حالة الموت ، فكان اللاهوت متحداً بهما و هما منفصلان عن بعضهما البعض . اي صار متحداً بالروح البشرية علي حدة ،و متحداً بالجسد علي حدة .
و الدليل علي اتحاد اللاهوت بروح المسيح البشرية أثناء موته
، أن روح المسيح المتحدة بلاهوته استطاعت أن تذهب إلي الجحيم ، و تطلق منه كل الذين كانوا راقدين فيه علي رجاء – من أبرار العهد القديم – و تدخلهم جميعاً إلي الفردوس و معهم اللص اليمين ، الذي وعده الرب علي الصليب قائلاً " اليوم تكون معي في الفردوس " ( لو 23 : 43 ) .و الدليل علي اتحاد اللاهوت بجسد المسيح أثناء موته ،
أن هذا الجسد بقي سليماً تماماً ، و استطاع أن يقوم في اليوم الثالث ، و يخرج من القبر المغلق في قوة و سر ، هي قوة القيامة .و ما الذي حدث في القيامة إذن ؟
حدث أن روح المسيح البشرية المتحدة باللاهوت ، أتت و أتحدت بجسده المتحد باللاهوت . و لم يحدث أن اللاهوت فارق الناسوت ، لا قبل الموت ، و لا أثناءه ،و لا بعده .
لماذا تأخر عمل الفداء ؟
ســؤال
لماذا لم يقم الله بعمل الفداء منذ أيام آدم ، حسب وعده الإلهي له ؟ لماذا تأخر آلاف السنين ، حتى أتم هذا الفداء ؟
لم يكن القصد مجرد عمل الفداء . و إنما بالأكثر إيمان الناس بهذا الفداء ، و بالمخلص الذي يفديهم .و بهذا يخلصون .
و هذا الأمر كان يلزمه مدي زمني لشرح عملية الفداء و تدريب الناس علي قبولها و علي محبة الله الذي يفديهم . و لو أن الأمر قد تم منذ آدم ما كان أحد قد فهمه و لا قبله . ثم من الذي يموت من أبناء آدم عوضاً عن الكل ؟!
كان كل البشرية إذن أن تفهم فكرة الفداء ذاتها و هي :
1- مبدأ الكفارة أي أن نفساً تموت عوضاً عن نفس .
علي شرط أن تكون النفس التي تقوم بعملية الكفارة نفساً بارة بلا خطية . لأن النفس الخاطئة تموت عن خطيتها فلا تفدي أحداً . أما النفس البارة فيمكنها أن تموت عن غيرها . و لم يكن في البشرية أحد بار ، إذ الجميع زاغوا و فسدوا و أعوزهم مجد الله ( مز 14 : 1 ، 2 ) .
2-كان عليهم أن يعرفوا أن الخطية موجهة ضد الله . ومادام الله غير محدود ، إذن فالخطية الموجهة ضده غير محدودة .و الكفارة التي تبذل لمغفرتها ينبغي أن تكون غير محدودة .و لا يوجد غير محدود إلا الله ، لذلك كان يجب أن يقوم الله بهذه الكفارة . فيعطي مغفرة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور .
3- و هذا الأمر كان يعني عقيدة التجسد ...
4- و كل هذا كان يلزمه مدي زمني طويل لشرحه و تدريب الناس عليه . و هكذا بدأ الله يعلمهم فكرة الذبائح و لزومها لمغفرة الخطايا . و أخذ الناس يمارسون تقديم الذبائح حتى صارت هذه عقيدة مستقرة عندهم .
5- و كان يلزم أن يولد الفادي من عذراء ، حتى يكون قدوساً في ميلاده ، بغير زرع بشر ، فلا يرث الخطية الأصلية التي فسدت بها كل البشرية ، واستحقت العقوبة .
6- إذن كان يجب الإنتظار حتى تولد تلك العذراء القديسة التي تحتمل هذا المجد العظيم ، أن تكون وعاء للتجسد الإلهي .. و طبعاً انتظرت البشرية حتى تولد هذه القديسة .
7- و أيضاً كان لابد من انتظار فترة تتكامل فيها النبوات من جهة هذا المولود الفادي ،و الظروف الخاصة به ، حتى يمكن أن تتعرف عليه البشرية و تعرف أن هذا هو المسيا المنتظر الذي سوف يخلصهم و يفديهم ، و يؤمنوا به فادياً و مخلصاً .
8- و كان لابد ايضاً الإنتظار حتى يولد المعمدان الذي يهيئ الطريق قدامه بمعمودية التوبة .و احتاج هذا أيضاً إلي زمن .
9- و كان لا بد من نقل النبوات إلي لغة عالمية لكي يعرفها بها الناس . بل لا بد أن توجد تلك اللغة العالمية أولاً ( أي اليونانية ) التي ترجمت إليها كل كتب العهد القديم و ما تحمله من نبوءات و رموز . و كان ذلك في عهد بطليموس الثاني ( فيلادلفوس ) في القرن الثالث قبل المسيح .
10-و كان لا بد من الإنتظار أيضاً حتى يولد أولئك الذين يحملون مسئولية الكرازة و توصيلها إلي العالم كله بكل أمانة و دقة . و طبعاً استغرق كل ذلك وقتاً .
11-لهذا قال القديس بولس الرسول عن التجسد الإلهي " و لكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله إبنه مولوداً من إمرأة تحت الناموس ، ليفتدي الذين تحت الناموس " ( غل 4 : 4 ) .
هذا هو ملء الزمان ، الذي كملت فيه كل النبوءات و الرموز الخاصة بمجئ المسيح للفداء ، و كمل فيه استعداد البشرية لقبول رسالة الفداء ، و كمل إعداد الأشخاص الذين يخدمون الرسالة و نقلها إلي كل الناس .
و بهذا حينما يتم الفداء يفهمه الناس و يؤمنون به . و من يؤمن به ينال الخلاص الذي اراد الله تقديمه للناس بالكفارة . و هكذا شرح السيد المسيح لتلاميذه جميع ما تكلم به الأنبياء من جهته و ابتدأ من موسي و من جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب ( لو 24 : 26 ، 27 ) . و أراهم " أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنه في ناموس موسي و الأنبياء و المزامير .. أنه كان ينبغي أن المسيح يتألم و يقوم من الأموات في اليوم الثالث ، و أن يكرز باسمه بالتوبة و مغفرة الخطايا لجميع الأمم " ( لو 24 : 44 – 47 ) .
تري لو كان الأمر قد بدأ قبل عصر الأنبياء ،و قبل إنتشار فكرة الكفارة و الذبيحة و الفداء ، من كان سيعرف ؟ و من كان سيؤمن ؟!
أم هل المقصود أن يتم الفداء ، و لا يلاحظه أحد ،و لا يدركه أحد ، و لا يؤمن به أحد؟! و لا يعرف أحد أنه " هكذا أحب الله العالم ، حتى بذل إبنه الوحيد ، لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) .
إن أعمال الله كلها بحكمة ...ولست السرعة هي الهدف . إنما الهدف هو إيمان الناس بالفداء حينما يقوم به الله ، لكي بهذا الإيمان يخلص الجميع .و لكي يعرفوا مقدار محبة الله لهم التي جعلته يفديهم و يخلصهم . وفي هذا قال القديس يوحنا الرسول في رسالته الأولي " في هذا هو المحبة : ليس أننا نحن أحببنا الله ، بل أنه هو أحبنا ، و أرسل إبنه الوحيد كفارة عن خطايانا " ( 1 يو 4 :10 ) . و من له أذنان للسمع فليسمع .
هل انتهي عمل المسيح بالفداء ؟
ســؤال
جاءنا هذا السؤال من أحد أبنائنا يقول : هل انتهي عمل السيد المسيح بالفداء ، إذ أتم خلاص العالم ؟ و قال " قد أكمل " ، و أرسل لنا الروح القدس ، و أصبحت الكنيسة الآن في يد الروح القدس ..؟
عمل السيد المسيح في الفداء قد أكمل . و لكن عمله في الرعاية لا يزال مستمراً ، و يبقي إلي الأبد . وله عمل آخر في نهاية الزمان و هو الدينونة و تسليم الملك للآب .
فبعد إتمام الفداء ، قام السيد المسيح بعمل آخر ، وهو تثبيت إيمان التلاميذ ،و إزالة شكوكهم ، فظهر لهم و أراهم شخصه و جسده القائم ، إذ ظنوه روحاً أ خيالاً ( لو 24 : 36 – 43) . و كذلك ظهر لتوما و عالج شكه ، وقال له " هات يدك وضعها في جنبي ، و لا تكن غير مؤمن .. " ( يو 20 : 26 – 29 ) . وفتح ذهن التلاميذ ليفهموا ما في الكتب " ( لو 24 : 45 ) .و قضي معهم أربعين يوماً ، يظهر لهم و يحدثهم عن الأمور المختصة بملكوت الله ( أع 1 :3 ) . وهكذا وضع لهم أسس الإيمان .
عمل الروح القدس في الكنيسة ، لا يعني إطلاقاً عدم عمل المسيح فيها :
فالروح القدس يعمل .. و المسيح أيضاً يعمل . و قد شرح لنا الكتاب أعمالاً كثيرة قام بها المسيح بعد إرساله الروح القدس في يوم الخمسين ... و حقق وعده للتلاميذ في قوله لهم :
" ها أنا معكم كل الأيام ، و إلي إنقضاء الدهر " ( مت 28 : 20 ) .
و من أوضح الأمور علي هذا قول الكتاب " ثم أن الرب بعد ما كلمهم إرتفع إلي السماء و جلس عن يمين الله .و أما هم فخرجوا و كرزوا في كل مكان .و الرب يعمل معهم ، و يثبت الكلام بالآيات التابعة " ( مر 16 : 20 ) . و واضح أنهم لم يكرزوا إلا بعد حلول الروح القدس عليهم " ( أع 1 : 8 ) . و ظل الرب بعد ذلك يعمل معهم ...
و من أمثلة ذلك عمله مع بولس الرسول :
هو الذي ظهر له في الطريق إلي دمشق ، و عاتبه ،و دعاه ليكون رسولاً للأمم ... و هو الذي أرسله إلي حنانيا . وهو الذي ظهر لحنانيا و كلمه بشأنه ( أع 9 : 1 – 16 ) .و هو الذي قال لبولس " اذهب فإني سأرسلك بعيداً إلي الأمم " ( أع 22 : 21 ) . و هو الذي ظهر له في كورنثوس برؤيا في الليل و قال له " لا تخف ، بل تكلم و لا تسكت . لأني أنا معك و لا يقع بك أحد ليؤذيك . لأن لي شعباً كثيراً في هذه المدينة " ( أع 18 : 9 ، 10 ) . و هو الذي وقف ببولس و قال له " كما شهدت بما لي في أورشليم ينبغي أن تشهد في رومية أيضاً " ( أع 23 :11 ) .
و لا ننسي وقوف الرب في وسط الكنائس السبع في اَسيا :
كما رآه يوحنا في سفر الرؤيا ، وهو وسط المنائر السبع ،و قد أمسك في يمينه سبعة كواكب التي هي ملائكة الكنائس السبع ( رؤ 2 : 1 ) . و كيف أن الرب أرسل إلي هذه الكنائس التي في اَسيا سبع رسائل أمر رسوله يوحنا بكتابتها لهم ( رؤ 2 : 3 ) ، مما يدل علي عمله ، و مراقبته لهم و رعايته لهم ، بل مكافأته و عقوباته أيضاً . إ،ه يقول لواحد منهم " أذكر من أين سقطت و تب ... و إلا فإني آتيك عن قريب و أزحزح منارتك من مكانها " ( رؤ 2 : 5 ) . أليس هذا عملاً ؟ كذلك ما يفعله بالخاطئة إيزابل ( رؤ 2 : 22 ) ... و ما أكثر أعمال الرب التي يشرحها سفر الرؤيا ...
و من عمل الرب في الرعاية ، قوله أيضاً :
" ها أنا واقف علي الباب و أقرع . من يفتح لي أدخل و أتعشي معه .."
( رؤ 3 : 20 ) .إن السيد المسيح الذي أدخل اللص إلي الفردوس بعد الفداء حسب وعده ( لو 23 : 43 ) هو الذي تقبل روح الشهيد اسطفانوس بعد حلول الروح القدس بسنوات ( أع 7 : 59 ) .وهو أيضاً الذي وعدنا بقوله :"حيثما إجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي ، فهناك أكون في وسطهم " ( مت 18 : 20 ) .
بل إنه يقول أيضاً " إن أحبني أحد يحفظ كلامي ، و يحبه أبي . و إليه نأتي ، وعنده نصنع منزلاً " ( يو 14 : 23 ) . أي يحل في قلبه ، مع الآب .ولعله إثباتاً لهذا قال بولس الرسول :
" أحيا لا أنا ، بل المسيح يحيا في " ( غل 2 : 20 ) . فإن كان المسيح يحيا في أتقيائه ، فكيف نقول أن عمله قد أنتهي ؟! و إن كان يقرع علي أبواب الآخرين ، فكيف يقال إن عمله قد إنتهي . بل هو الذي يمنح القوة للعاملين ، كما قال بولس الرسول :
" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( في 4 : 13 ) .
إنه يعمل فينا كما قال " أبى يعمل حتى الآن ، و أنا أيضاً أعمل " ( يو 5 : 17 ) . و هو يعمل ايضاً في سر الإفخارستيا ، الكائن معنا كل يوم علي المذبح . و هو يعمل في ظهوراته المستمرة لقديسيه ، كما حدث مع القديس الأنبا بيشوي ، و القديس الأنبا بولا الطموهي ، و مع عديد من الشهداء و الرعاة ...
و هو يعمل من خلال نعمته .
كما يقال في البركة " نعمة ربنا يسوع المسيح .. مع جميعكم " ( 2 كو 13 : 14 ) . و يمكن تتبع عبارة نعمته هذه في رسائل القديس بولس مثلاً .
كذلك سيعمل في المجئ الثاني و الدينونة .
حيث يأتي في مجده و مجد أبيه مع ملائكته القديسين ( لو 9 : 26 ) و يجلس علي كرسي مجده و يدين الأمم و الشعوب ( مت 25 : 31 – 46 ) و يجازي كل واحد بحسب أعماله ( مت 16 : 27 ) . وتفاصيل كل هذا كثيرة في الكتاب . وفي كل ذلك يرسل ملائكته ليجمعوا مختاريه ( مت 24 : 31 ) و يجمعوا المعاثر و الخطاة ( مت 13 : 41 ) .
إنه يعد لنا مكاناً ، ويأتي ليأخذنا إليه ( يو 14 : 2 ، 3 ) .
و بعد أن يخضع كل شئ . يسلم الملك للآب ( 1 كو 15 : 24 ) . متي أبطل كل رئاسة و كل قوة و كل سلطان ،و يخضع جميع أعدائه تحت قدميه ... أخيراً أقول لك : إن الآب يعمل ،و الابن يعمل ،و الروح القدس يعمل ... و لا يوجد عمل لاقنوم يوقف عمل أقنوم آخر ...
هل نحن نشترك في اَلام المسيح الفادية
ســؤال
قرأت أيضا أنه من الخطأ أن نقول عن السيد المسيح إنه " صلب عنا " ، بل نقول " نحن صلبنا معه " فالمسيح لم يصلب وحده ؟
فما معني هذا ؟ و ما معني قول الرسول " مع المسيح صُلبت " ( غل 2 : 20 ) ؟ و هل كل ما نناله من آلام و ضيقات و اضطهادات ، عبارة عن " شركة في آلام المسيح الفادية " و " شركة في صميم الفداء " و " شركة في الفداء الذي أكمله بالآمه " ...
كما يقول صاحب الكتاب نفسه " إن كل آلام و أتعاب و ضيقات الجسد و النفس التي نعيشها لحفظ قداسة سيرتنا و طهارة قلوبنا .. هي شركة في آلام المسيح الفادية من الخطية و الموت . هي عمل لتكميل قوة الفداء في الجسد " النسك المسيحي هو ممارسة فعلية للفداء " " لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية " ( عب 12 : 4 ) .
" إن آلامنا و أحزاننا الآن جزء لا يتجزأ من الفداء " .
فأرجو أن تشرح لي المعني ، لأني ارتبكت في معني الفداء !!
معني كلمة الفداء ، أن نفساً تموت عن نفس أخري .
فالسيد المسيح فدانا من الموت ، بمعني أنه مات بدلاً منا ، مات عنا .و بموته وهبنا الحياة ... و في هذا يقول القديس بولس الرسول في رسالته إلي أهل أفسس " كنتم أمواتاً بالذنوب و الخطايا " ( أف 2 : 1 ) " ونحن أموات بالخطايا ، أحيانا مع المسيح . بالنعمة أنتم مخلصون " (أف 2 : 5 ) .
فإذا اشترك الإنسان في عمل الفداء ، فعن من يموت ؟ و يفدي من ؟ هل يفدي نفسه ؟!
1-عبارة " يفدي نفسه " عبارة غير منطقية .
لأن الفادي إنما يفدي غيره و ليس نفسه . فإدخال البشر في فداء البشر ، لا هو يتفق مع العقيدة ،و لا هو يتفق مع المنطق .
إن مات الإنسان إذن ، يموت عن استحقاق ،و ليس عن فداء .
2- كذلك الفادي ينبغي أن يكون بغير عيب ، بلا خطية .
فإذا هو بلا خطية يموت بسببها ، فهو يموت إذن عن غيره .و هذا ما فعله السيد المسيح . و هكذا كانت كل ذبائح العهد القديم ، يشترط فيها أن تكون بلا عيب ، كرمز للمسيح . أما البشر ، فقد قيل عنهم " الجميع زاغوا و فسدوا ، و أعوزهم مجد الله . ليس من يعمل صلاحاً ، ليس و لا واحد . إذن استبعاد البشر من الاشتراك في عمل الفداء ، أمر لازم و جوهري . بل سر الفداء ، أن الإنسان كان عاجزاً عن إيفاء العدل الإلهي حقه ،وكان محتاجاً إلي من يفديه ...
3- أما كون المسيح إتحد بجسد كل البشرية ، فهذا أمر غير سليم ، لأن جسد كل البشرية كان فاسداً ، و وارثاً للخطية التي أجرتها الموت .
لذلك اختار السيد المسيح أن يتحد بجسد طاهر ، لا علاقة له بوراثة الخطية الأصلية ، و هو جسد نقي من كل خطية فعلية .و كان هذا هو عمل الروح القدس في تقديس مستودع العذراء أثناء الحبل المقدس منذ أول لحظة . و هكذا قال لها الملاك " القدوس المولود منك يدعي ابن الله " ( لو 1 : 35 ) .
أما القول بأن السيد المسيح أخذ جسداً هو جسد كل الخطاة ، جسد كل خاطئ فهي عبارة غير مقبولة لاهوتياً .
هو انفرد بجسده القدوس .و لكن لأنه أخذه من نفس طبيعتنا و لكن بغير خطية ، لذلك أمكن أن يلقب بابن الانسان ،وبابن البشر ، لأنه يمثل البشر ، غير أنه لم يتحد مطلقاً بطبيعتهم التي تدنست و التي حكم عليها بالموت . بل بالطبيعة البشرية في حالة من القدسية ، لا يمكن أن نقول عنها " جسد كل الخطاة " !! إن البعض يخلطون أحياناً بين محاولة التأمل ، و المعني اللاهوتي الدقيق . بينما يجب أن يكون التأمل مبنياً علي فهم لاهوتي سليم .
4- إذن ما معني عبارة " مع المسيح صلبت "؟
و عبارة " مع المسيح صلبت ، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في " ( غل 2 : 20) لم يقلها بولس الرسول إطلاقاً عن الفداء ، و إنما عن الحياة مع الله .و سبقها بعبارة " لأني مت بالناموس للناموس ، لأحيا لله " ( غل 2 : 19 ) . و يشبهها ما قاله في نفس الرسالة "و لكن الذين هم للمسيح ، قد صلبوا الجسد مع الشهوات " ( غل 5 : 24 ) . إن عبارة أن المسيح قد أخذ جسد البشرية كله و مات فيه . فمات كل الناس فيه ، هي ضد عقيدة الفداء . ربما تكون المشكلة في صميمها ، هي في قراءة بعض الكتب الغريبة و الغريبة ، والاقتناع بها و نشر ذلك !!
5- إن آلام المسيح الفادية هي خاصة به وحده .
و كل آلامنا لا تدخل في موضوع الفداء .
لقد تألم القديس بولس الرسول من أجل الكرازة و نشر الإيمان . هي آلام لأجل الإنجيل ، و ليست شركة في الفداء الذي قدمه المسيح لأجل خلاصنا . و قد تألم الشهداء و المعترفون و تعذبوا لأجل المسيح ،و لكن لا علاقة لآلامهم بالفداء المقدم علي الصليب . كذلك تألم النساك و المتوحدون في احتمال الصوم و الوحدة و الغربة و ضبط النفس ، و لكن لا علاقة لآلامهم بعمل الفداء .و نفس الوضع يقال عن كل آلام أخري لأجل البر ، تلك التي قال عنها القديس بطرس الرسول " إن تألمتم لأجل البر ، فطوباكم " ( 1 بط 3 : 14 ) . كل هذه لا علاقة لها بآلام الفادي علي الصليب و لا علاقة لها بخلاص البشر الذي تم بآلام المسيح الفادية ...
إن اشتراك البشر في آلام المسيح الفادية ، يعني اشتراكهم في عمل الخلاص الذي قدمه المسيح بدمه الكريم !!
إن المسيح في عمل الفداء قد اشترانا بدمه ، فصرنا له . عبارة ( اشتريتم ) ذكرها القديس بولس الرسول في قوله " لأنكم اشتريتم بثمن . فمجدوا الله في أجسادكم و في أرواحكم التي هي لله " ( 1 كو 6 : 20 ) . و قال أيضاً " قد اشتريتم بثمن . فلا تصيروا عبيداً للناس " ( 1 كو 7 : 23 ) .
فإن اشترك بشر في الفداء الذي قدمه المسيح ، هل يكونون قد اشتركوا في شرائنا أيضاً ؟! كما اشتركوا في شراء أنفسهم !!
نقطة أخري أقولها ،و هي أن السيد المسيح كان له نوعان من الآلام : آلام في تجسده :
في اخلائه لذاته و أخذه شكل العبد ( في 2 : 7 ) .و في كل ما تحمله من حياة الفقر و الجوع و تعب الجسد ،و في كل ما تحمله من اضطهادات الناس و شتائمهم و مؤامراتهم و تعييراتهم . حتى قيل عنه في سفر اشعياء إنه :
" محتقر و مخذول من الناس رجل أوجاع و مختبر الحزن " ( أش 53 : 3 ) .
قيل عن ( تقدمة الدقيق ) التي ترمز إلي حياة المسيح في الجسد أنه تكون " وقود رائحة سرور " ( لا 2 : 2 ) و أنها تكون " مشوية بالنار " ( لا 2 : 14 ) . كل هذا عن اَلام الجسد في الحياة العادية ، قبل الصلب و الفداء . أما عن اَلام الصلب و الفداء .فاستخدم نفس التعبير في الكلام عن خروف الفصح الذي يرمز إلي المسيح كذبيحة ( 1 كو 5 : 7 ) . قيل إنه يكون " مشوياً بالنار " ( خر 12 : 9 ) . هذا عن آلامه الفادية ...
فلا نخلط بين النوعين من اَلام المسيح .
إننا نشترك في اَلامه في الخدمة ، وليس في اَلامه الفادية .
و هكذا قال القديس بطرس الرسول " بل كما اشتركتم في اَلام المسيح ، افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده " ( 1 بط 4 : 13 ) . أي اشتركتم في اَلامه من جهة اضطهاد الناس له ، و تعييره ، و تعبه في الخدمة .
أما الآلام الفادية فلم يشترك فيها أحد من البشر .
إن الشهداء لم يفدوا و يخلصوا أحداً بآلامهم ،و لا النساك افتدوا أحداً بنسكهم . و لا المطرودين من أجل البر قد افتدوا أحداً باحتمالهم الطرد ،و بنفس الوضع من تألموا لأجل طريق الفضيلة و البر و ضبط النفس .
لذلك يا أخوتي ينبغي ألا يرتئي أحد فوق ما ينبغي ، بل يرتئي إلي التعقل . فهكذا قال الرسول ( رو 12 : 3 ) .
أقول هذا لأن البعض يحاول أن يرتفع أكثر من هذا فيسئ فهم قول القديس بطرس الرسول : " شركاء الطبيعة الإلهية ، هاربين من الفساد " ( 2 بط 1 : 4 ) .
ربما هذا الموضوع يكون لنا معه و معكم لقاء اَخر . " و من له أذنان للسمع فليسمع " ( مت 13 : 43 )
قوة المسيح في اَلامه
ســؤال
يسال البعض ، كيف أن نحل تناقضاً بين قوة المسيح في لاهوته0،و بين الضعف الذي يبدو في تجسده وصلبه و اَلامه ؟
لا أريد هنا أن أحدثكم عن قوته كاقنوم " كل شئ به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) ... و لا عن قوته في المعجزات التي لم يعلمها أحد من قبل ( يو 15 : 24 ) .. و لا عن قوته في الاقناع و في افحام مجادليه ( مت 22 : 34 ، 46 ) . و إنما أريد أن أسرد بعض مظاهر قوته في تجسده وآلامه ...
1-قوته العجيبة في إخلائه لذاته .
إذ أخذ شكل العبد و صار في الهيئة كإنسان ( في 2 : 7 – 9 ) . كل شخص يجب أن يرفع ذاته و يمجدها . أما إخلاء الذات فيدل علي قوة ... و بخاصة إن كان إخلاء من كل شئ بميلاد فقير ،و في مزود بقر ... ثم بعد ذلك إخلاء الذات في الهروب من هيرودس إلي مصر ، وكان بإمكانه إهلاك هيرودس ..! كذلك إخلاء ذاته في قبول التجربة من الشيطان ( مت 4 ) و منحه الحق في اختيار مكان التجربة .
2-أيضاً قوته العجيبة في الإحتمال :
و حسب قول الرسول : أطلب إليكم أيها الأقوياء أن تحتملوا ضعف الضعفاء ( رو 15 : 1 ) .. كل إنسان يستطيع أن يخطئ إلي غيره أو يسئ إليه . لكن القوي هو الذي لا يسئ ، و إنما يحتمل الإساءة ... و هذا هو الذي حدث مع المسيح " ظلم ، أما هو فتذلل و لم يفتح فاه .." ( أش 53 : 7 ) في القوت الذي كان فيه يستطيع ...
3- قوة أخري في مقابلة الموت :
ذهب إلي المكان الذي سيقبض عليه فيه . و بقوة قال لمن جاءوا للقبض عليه " أنا هو " فوقعوا علي الأرض . و بقي هو واقفاً ( يو 18 : 5 ، 6 ) . كذلك في موته نري قوة الحب و قوة البذل . إذ هو يقدم نفسه للموت لنحيا نحن .و الجميل في بذله لذاته قوله " إني أضع نفسي لأخذها أيضاً . ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها من ذاتي . لي سلطان أن أضعها ،ولي سلطان أن آخذها أيضاً " ( يو 10 : 17 ،18 ) . من الذي يستطيع أن يتكلم هكذا . كذلك لا ننسي أنه أثناء صلبه اظلمت الشمس ، وتزعزعت الأرض ،و انشق حجاب الهيكل ،و تفتحت القبور " ( مت 27 : 51 ، 52 ) ( مر 15 : 33 ) . و في موته " صرخ بصوت عظيم ، و اسلم الروح " ( مت 27 : 50 ) من أين هذه القوة ، لشخص تصفي دمه و عرقه ؟!
4- أيضاً قوته بعد الموت :
إذ نزل إلي الجحيم ، و اصعد الراقدين علي الرجاء (أف4 : 8 ) . و فتح باب الفردوس ، و أدخلهم و أخل اللص اليمين .
5- قوته في القيامة و بعدها .
قام بذاته دون أن يقيمه أحد ، وخرج من القبر وهو مغلق . و دخل العلية علي التلاميذ و الأبواب مغلقة ( يو 20 :19 ، 26 ) .و ظهوره للتلاميذ و اختفاؤه عنهم .
6- قوة الصفح و المغفرة بالنسبة إلي التلاميذ .
قوة في مغفرته لبطرس الذي أنكره ، بل بالإضافة إلي هذا ثبته في الرعاية ( يو 21 : 15 – 17 ) . و مغفرته أيضاً لتوما في شكه ( يو 20 : 27 ) .
7- قوته في الصعود (أع 1 : 9 ) ( لو 24 : 51 ) .
هنا منتهى القوة . و أمر لم يحدث لأحد غيره . صعد بذاته . يضاف إلي هذا جلوسه عن يمين الآب ، في العظمة ( عب1 : 3 ) . و للمزيد اقرأ كتابنا ( لك القوة و المجد ) .
هل الله هكذا
ســؤال
قيل عن المسيح إنه مات فهل الله يموت ؟
و قيل إنه تألم ( مت 16 : 21 ) ، و أنه جاع ( مت 4 : 2 ) ، و إنه عطش ( يو 19 : 28 ) . و إنه تعب ( يو 4 : 6 ) .و إنه نام ( لو 8 : 23 ) فهل الله يتألم ؟! و هل الله يجوع و يعطش ، ويتعب و ينام ؟! و حينما كان ميتاً أو نائماً ، من كان يدبر أمور العالم ؟
بديهي أن الله طبيعته الإلهية غير قابلة للموت .
و نحن نقول عن الله في الثلاثة تقديسات " قدوس الحي الذي لا يموت " . و لا يمكن أن ننسب إلي الطبيعة الإلهية الموت . و لكن الذي حدث في التجسد الإلهي ، أن طبيعة الله غير المائتة أتحدت بطبيعة بشرية قابلة للموت .
و هذه الطبيعة البشرية هي التي ماتت علي الصليب .
انفصلت فيها الروح عن التجسد ، ولكن اللاهوت ظل متحداً بالروح ،و متحداً بالجسد ، و هو حي لا يموت . و لذلك نحن نقول في صلاة الساعة التاسعة " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة من أجلنا نحن الخطاة " .
و لأننا لا نفصل الطبيعتين ، نسب الموت إلي المسيح كله .
فالإنسان مثلاً يأكل و يشرب . الجسد هو الذي يأكل ،و ليس الروح . و الجسد هو الذي يشرب ،و ليس الروح . و مع ذلك نقول إن الإنسان هو الذي أكل و شرب ،و لا نقول بالتحديد إن جسد الإنسان قد أكل . كذلك في الموت : روح الإنسان لا تموت بل تبقي حية بعد الموت .و لكن الجسد هو الذي يموت بانفصاله عن الروح .و لا نقول إن جسد الإنسان وحده قد مات ، بل نقول إن الإنسان قد مات ( بانفصال روحه عن جسده ) . وكذلك في القيامة . إنها قيامة الجسد ، لأن الروح لم تمت حتي تقوم . و مع ذلك نقول إن الإنسان قام من الأموات .
الطبيعة البشرية – المتحدة بالإلهية – هي التي ماتت . و لكن طبيعة الله لا تموت .
لو كان المسيح إلهاً فقط ، غير متحد بطبيعة بشرية ، لكان صاحب السؤال له حق فيما يقول " هل الله يموت ؟ " .. أما ما دام قد اتحد بطبيعة بشرية ، فإن الموت كان خاصاً بها . و نفس الوضع نقوله عن باقي النقاط .
الله لا ينام و نقول عنه في المزمور إنه " لا ينعس و لا ينام " ( مز 120 ) .
و لكنه نام بطبيعته البشرية .و كذلك أكل وشرب بطبيعته البشرية ،وتألم وتعب بطبيعته البشرية .. إلخ . ولكن طبيعته البشرية كانت متحدة بلاهوته اتحاداً كاملاً فنسب ذلك إليه كله كما سبق و شرحنا ...
أما عبارة " بكي يسوع " و باقي المشاعر البشرية .
فنقول إن الطبيعة البشرية التي اتحد بها ، كانت تشابهنا في كل شئ ما عدا الخطية . فلو كان بلا مشاعر ، ما كان إنساناً . و هو سمي نفسه " ابن الإنسان " لأنه أخذ طبيعة الإنسان في كل شئ ما عدا الميل إلي الخطية .و كإنسان كانت له كل ما ينسب إلي الإنسان من مشاعر ، ما عدا النقائص و الأخطاء ...و طبعاً ليس في المشاركة الوجدانية خطأ . ليس في البكاء خطأ ، بل هو دليل علي رقة الشعور ، و علي الحب و الحنو .
و ماذا إذن عن الصلاة ؟
لو كان المسيح لا يصلي ، لكانت رسالته عرضة للفشل ن إذ يقولون عنه إنه غير متدين. و أيضاً ما كان يقدم قدوة صالحة لغيره في الفضيلة و الحياة الروحية .
هو إذن – كإنسان – كان يصلي .
كانت هناك صلة بين ناسوته و لاهوته .
و الصلاة هي صلة . صلة بين طبيعتنا البشرية ،و بين الله .
لماذا نحتفل باَلام المسيح ؟
ســؤال
عهدنا أن نحتفل بالأعياد و المواسم .ولكن كيف نحتفل بالآلام ؟ يمكن أن نحتفل بقوة المسيح و معجزاته . و لكن كيف نحتفل بآلامه ؟و كيف نجلس في الكنيسة حزانى طوال هذا الأسبوع ؟
و الجواب هو أن آلام المسيح هي سبب خلاصنا ، لأنه دفع عنا ثمن عقوبة الموت التي وقعت علينا بسبب الخطية . فنحن إذن نحتفل بهذا الخلاص .
و لذلك نرتل – فيما نتذكر اقتراب المسيح من الصلب – ونقول " قوتي و تسبحتي هو الرب و قد صار لي خلاصاً " ( مز 117 ) . و نحن نري أن آلام المسيح تدل علي قوته . لأنه بآلام الصلب حطم كل قوة الشيطان و هزم مملكته ، وخلص البشر منه . لذلك قال فيما يقترب من الصليب عن الشيطان الذي ملك العالم : " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو 16 : 11 ) .
و قال قبلها " رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 ) . إننا باستمرار نري اَلام السيد المسيح دليلاً علي قوته ، دليلاً علي قوة محبته للبشر ، فليس حب أعظم من هذا ، أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه ( يو 15 : 13 ) . هنا قوة الحب و البذل ، و أيضاً قوة الإحتمال ، وقوة التواضع . و القوة التي هزم بها الشيطان و التي الإحتمال ، و قوة التواضع . و القوة التي هزم بها الشيطان و التي أبطل بها الموت "داس الموت بموته " و لهذا نقول له طول فترة البصخة :
لك القوة و المجد و البركة و العزة.." ثوك تادي جوم ...
إنه كان يعتبر ضعفاً ، لو أن المسيح تألم و صلب و مات و انتهي الأمر . أما قيامته بعد ذلك ، بقوة لاهوته ، فهذا دليل علي أن موته لم يكن ضعفاً ، و إنما كان حباً و بذلاً .
كذلك فإن السيد قد قدس الألم باَلامه .
و أصبح الألم من أجل البر هو الطريق إلي المجد ، كما قال الرسول " إن تألمتم من أجل البر فطوباكم " ( 1 بط 3 : 14 ) . و كما قيل أيضاً " إن كنا نتألم معه ، فلكي نتمجد أيضاً معه " ( رو 8 : 17 ) . مبارك هو الرب في اَلامه ، وفي حبه و بذله ، و في موته عنا لكي يحيينا ، و يرفع عنا حكم الموت .
معني الخلاص و التجديد
ســؤال
ما معني كلمة ( خلاص ) في الكتاب المقدس ؟ و هل هو أنواع ؟
و ما معني كلمة ( التجديد ) ؟ و هل لها أكثر من معني ؟
كلمة ( الخلاص ) في الكتاب لها أكثر من معني :
منها الخلاص المادي أي الخلاص من الأعداء ، كعبارة " خلاص من أعدائنا و من أيدي جميع مبغضينا " ( لو 1 : 7 ) . و مثل قول الكتاب عن عصر القضاة " و أقام الرب قضاه فخلصوهم من أيدي ناهبيهم " ( قض 2 : 16 ) .
*أما الخلاص بمعناه الروحي فيشمل معنيين هما :
الخلاص من الخطية ، و الخلاص من العقوبة .
و الخلاص من الخطية يأتي بالتوبة الحقيقية و رجوعنا إلي الله .
أما الخلاص من عقوبة الخطية ، فقد قدمه السيد المسيح علي الصليب بسفك دمه عنا ، بالكفارة و الفداء . و نحن نستحق فاعلية هذا بتوبتنا ،وبأن " نصنع ثماراً تليق بالتوبة " ( مت 3 : 8 ) . و إن أردت تفصيلاً عن موضوع الخلاص ، اقرأ كتابين قد أصدرتهما لكم هما الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي ،و بدعة الخلاص في لحظة .
أما عن التجديد ، فله معنيان : تجديد الطبيعة ، و تجديد الذهن .
تجديد الطبيعة يتم في المعمودية التي " يصلب فيها الإنسان العتيق ، ليبطل جسد الخطية " و ندخل بها في " جدة الحياة " ( رو 6 : 6 ، 4 ) . و عن هذا التجديد قال القديس بولس الرسول عن الخلاص الذي نلناه بالمسيح : ".. بل بمقتضي رحمته خلصنا : بغسل الميلاد الثاني ،و تجديد الروح القدس " ( تي 3 : 5 ) . أما عن تجديد الذهن ، أي تغيير نظرتنا إلي الأمور ، بحيث تفكر عقولنا بأسلوب جديد روحي ، فقد قال عنه الرسول " لا تشاكلوا أهل هذا الدهر . بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم " ( رو 12 : 2 ) .
الخلاص من الخطية
ســؤال
إن كان المسيح قد جاء ليخلص الناس من الخطية ، فلماذا نري أن الناس لا يزالون يخطئون ؟!
أولاً إن المسيح جاء يخلص الناس من عقوبة الخطية .
و هكذا فداهم ، و دفع الثمن عنهم بدمه الطاهر . و إن كانت " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) ، فقد مات المسيح عنا ، حتى ننجو جميعاً من عقوبة الخطية .
أما عن الخلاص من الخطية ذاتها .
أي من فعل الخطية ، فنحب أن نقول إن فعل الخطية مرتبط بالحرية . فمادام الإنسان حراً ، يمكنه أن يفعل الخطية أو لا يفعل . طريق الخير مفتوح أمامه ، وطريق الشر كذلك .و هو بحريته يختار ما يشاء . و هكذا يكون له الثواب أو العقاب من الله .
فعصمة الإنسان من الخطية ، معناها إلغاء حريته .
و الله لا يلغي نعمة الحرية ، بمنحه العصمة .
إنما يريد أن يسمو الإنسان عن فعل الخطية بكامل حريته . و للوصول إلي هذا ، فإن السيد المسيح منح الناس إمكانيات للبر ز منحهم نعمته العاملة فيهم ( 1 كو 15 : 10 ) ، و روحه القدوس الذي يسكن فيهم ( 1 كو 3 : 16 ) . و منحهم تجديداً لطبيعتهم (أف 4 : 24 ) بحيث تكون قادرة علي فعل الخير و مقاومة الشر أكثر من ذي قبل ،و بهذا يخلصهم من الخطية . كذلك فتح لهم باب التوبة يتخلصون من الخطية .
الخلاص و الخطية
ســؤال
إن كان السيد المسيح قد جاء ليخلص الناس من الخطية ، فأين هذا الخلاص ، بينما الناس مازالوا يخطئون ؟!
هناك فرق بين الخلاص من عقوبة الخطية ، و الخلاص من فعل الخطية . فالخلاص من عقوبة الخطية تممه المسيح بدفع ثمن الخطية .
حمل خطايانا ، و مات عنا علي الصليب ، فداء لنا ... و كما تنباً عنه إشعياء النبي قائلاً : كلنا كغنم ضللنا . ملنا كل واحد إلي طريقه .و الرب وضع عليه إثم جميعنا " ( إش 53 : 6 ) . و ما دامت " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) و " بدون سفك لا تحدث مغفرة " ( عب 9 : 22 ) . لذلك هو سفك دمه من أجلنا علي الصليب ، و مات نيابة عنا . " لكي لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية " ( يو 3 : 16 ) .
و هكذا تم الخلاص من عقوبة الخطية ، لكل من يؤمن بفداء المسيح له .
أما عن الخلاص من فعل الخطية ، فقد قدم المسيح إمكانيات لذلك .
أعطانا تجديداً في الطبيعة ، وقدرة علي الانتصار في الحرب ضد الخطية . أعطانا النعمة العاملة فينا ، وحينما تكثر الخطية ، تزداد النعمة جداً ( رو 5 : 20 ) .و أعطاناً أيضاً سكني الروح القدس فينا ، فصرنا هياكل للروح القدس ( 1 كو 3 : 16 ) . و ننال قوة من الروح القدس ( أع 1 : 8 ) . و هو يبكتنا علي الخطية ( يو 16 : 8 ) و يقودنا في الحياة الروحية ( رو 8 : 14 ) . مع سائر بركات العهد الجديد ...
و مع كل تلك الإمكانيات ، تركنا علي حريتنا في استخدامها أم لا ...
ذلك لأن نعمة الإمكانيات الروحية ، لا يجوز أن تلغي نعمة الحرية .
ليس منطقياً أن نعمة تلغي نعمة أخري ...
فنعمة البنوة لله ، و نعمة الطبيعة الجديدة ، ونعمة عمل الروح القدس فينا ، و نعمة أسرار الكنيسة و فاعليتها .. كلها لا تلغي نعمة حرية الإرادة . لأننا لو فقدنا الحرية ، لا نكون علي صورة الله كما سبق و خلقنا ( تك 1 ) . و لا نكون مستحقين للمكافأة في الأبدية ، لأن النعيم الأبدي إنما نناله مكافأة علي اتجاه إرادتنا بكامل حريتها نحو الخير ...
إن الله لا يريدنا أن نكون مسيرين نحو الخير ، بل نفعله بإرادتنا . لذلك لم يخلصنا من الخطية بغير إرادتنا . و إنما تركنا لنجاهد في التخلص منها مسنودين بنعمته . حتى تكون لنا مكافأة علي هذا الجهاد الروحي .
ففي مثل ( الحنطة و الزوان ) نجد أن الله ألقي في الحقل " زرعاً جيداً " هو الحنطة ( القمح ) . ثم جاء عدو الخير ، فألقي زواناً في وسط الحنطة .و لما جاء خدام الرب ، و قالوا له : أتريد أن نذهب و نقلع الزوان ؟ أجابهم : لئلا تقعلوا الحنطة مع الزوان ... دعوهما ينميان كلاهما معاً إلي الحصاد " ( مت 13 : 24 – 30 ) .
و هكذا نجد الخير ينمو في العالم ، والشر أيضاً ينمو .
أمثلة كثيرة في العالم لنمو والخير ، و أمثلة أخري كثيرة لنمو الشر . و الرب تارك الناس علي حريتهم .و نعمته تعمل .و الناس أيضاً أحرار في قبول عمل النعمة فيهم ، أو عدم قبوله .و يكون الخلاص من الخطية نتيجة لإشتراك الإرادة البشرية و الحرية البشرية مع نعمة الله العاملة لخلاصهم .
أما متي يخلص الناس نهائياً من الخطية ؟ فذلك في الأبدية .
حينما يكلل الناس بالبر إلي الأبد ،و لا تكون خطية فيما بعد ... و يفرح الناس بنتيجة جهادهم .و نذكر هنا قول القديس بولس الرسول " جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الإيمان . و أخيراً وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل .و ليس لي فقط ، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضاً " ( 2 تي 4 : 7 ، 8 ) .
هذا هو إكليل البر ، يتكلل به الأبرار في يوم الدينونة ، بعد القيامة العامة . و يقول عنهم الرب " يكونون كملائكة الله في السماء " ( مت 22 : 30 ) .
أما الحياة علي الأرض ، فهي فترة لإختبار إرادتنا . و هي فترة جهاد ضد الخطية ، و ضد الشيطان و أعوانه ( أف 6 : 10 – 18 ) . و طوبى للغالبين . فقد وعد الرب بوعود عظيمة جداً لكل من يغلب ( رؤ 2 ، 3 ) . و وبخ الرسول من يتكاسلون في جهادهم قائلاً " لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية " ( عب 12 : 4 ) .
كفارة عن أية الخطايا
ســؤال
هل السيد المسيح علي الصليب ، قدم نفسه ذبيحة كفارة عن الخطية الجدية ، أم عن كل الخطايا .
السيد المسيح قدم نفسه كفارة عن خطايا العالم كله . كما قال معلمنا القديس يوحنا الرسول "و إن أخطأ أحد ، فلنا شفيع عن الآب ، يسوع المسيح البار .و هو كفارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط ، بل لخطايا كل العالم أيضاً " ( 1 يو 2 : 1 ، 2 ) .
إنه كفارة عن الخطية الجدية التي ارتكبها أبونا الأولان .و هو كفارة عن خطايا جميع الناس في جميع العصور إلي اَخر الدهور .
و نحن ننال بركة الكفارة عن الخطية الجدية في سر المعمودية ،و بركة الكفارة عن خطايانا الفعلية في سر التوبة .
و يكون حساب كل هذه الخطايا في دم المسيح ، الذي يغفرها و يمحوها ، كما قال الوحي الإلهي في سفر أشعياء النبي " كلنا كغنم ضللنا . ملنا كل واحد إلي طريقه ،و الرب وضع عليه إثم جميعنا " ( أش 53 : 6 ) .
فإذا آمن شخص ،و تعمد و هو كبير السن ، تغفر له في المعمودية الخطية الجدية ، و كل الخطايا الفعلية السابقة للمعمودية ، بشرط التوبة . وهكذا قال القديس بطرس الرسول في يوم الخمسين ، لليهود الذين آمنوا : " توبوا و ليعتمد كل واحد منكم علي إسم يسوع لغفران الخطايا .." (أع 2 : 38 ) ... أما الخطايا التي يرتكبها الإنسان بعد المعمودية فتغفر في سر التوبة .
لماذا : إغفرلهم يا أبتاه ؟
ســؤال
أليس السيد المسيح له سلطان أن يغفر الخطايا ، كما قال للمفلوج " مغفورة لك خطاياك " ( مر 2 : 5 ، 10 ) . فلماذا و هو علي الصليب ، طلب المغفرة للناس من الآب قائلاً " يا أبتاه أغفر لهم .." ( لو 23 : 34 ) .
السيد المسيح كان علي الصليب ممثلاً للبشرية المحكوم عليها بالموت .
و هو كإبن للإنسان قد مات عن البشرية – علي الصليب – لكي يخلصها . ذلك بأن يدفع للعدل الإلهي ، ثمن الخطية الذي هو الموت ( رو 6 : 23 ) . فلما دفع هذا الثمن بسفك دمه علي الصليب ، قال " يا أبتاه أغفر لهم " بمعني :
الآن و قد استوفي العدل الإلهي حقه ، يمكن أيها الآب أن تغفر لهم .
أنا دفعت لك ثمن خطيتهم ، و قد وضعت علي إثم جميعهم ( أش 53 : 6 ) . و ما دمت قد مت عنهم ، لم يعودوا هم مستحقين للموت . فاغفر إذن لهم .و ما دام الابن الوحيد قد بذل نفسه عنهم ، إذن هم لا يهلكون بعد ( يو 3 : 16 ) . فقد محيت خطاياهم الدم .
و ما دامت خطاياهم قد محيت بالدم ، إذن قد استوفي العدل الإلهي حقه ،وأصبحوا مستحقين للمغفرة . فاغفر لهم ، لأنهم أصبحوا يرتلون قائلين عني :
" الذي أحبنا ، و قد غسلنا من خطايانا بدمه " ( رؤ 1 : 5 ) . و طبعاً هذه المغفرة التي طلبها الفادي من الآب ، أو من عدله الإلهي ، لا تعطي إلا للذين يؤمنون ( يو 3 : 16 ) ، و يعتمدون ( مر 16 : 16 ) ، (أ‘ 2 : 38 ) ،و يتوبون ... إلخ .
كما أن السيد المسيح قد قدم لهم عذراً .
قائلاً " لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون " ( لو 23 : 34 ) ، أي لأنهم لا يعرفون أن هذا المصلوب هو إبن الله الوحيد . وكما قال الرسول " لإنهم لم عرفوا ، لما صلبوا رب المجد " ( 1كو 2 ك 8 ) . هنا السيد المسيح يتكلم باعتباره الفادي ، النائب عن البشرية الذي يموت عنها ،و يقدم نفسه ذبيحة للآب عنها .
هل تناول يهوذا ؟
ســؤال
هل يهوذا الأسخريوطي تناول مع التلاميذ يوم خميس العهد ؟
يري الآباء أنه اشترك في الفصح ،و ليس في سر الإفخارستيا .
و هذا واضح من قول السيد المسيح عن مسلمه " هو واحد من الإثني عشر . الذي يغمس معي في الصفحة " ( مر 14 : 20 ) . و عبارة " يغمس في الصفحة " تتفق مع الفصح ،و ليس مع التناول من جسد الرب و دمه ، الذي فيه كسر الرب خبزة و أعطي ، و ذاق من الكأس و أعطي ( 1كو 11 : 23 – 25 ) . و في إنجيل يوحنا " فغمس اللقمة و أعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي . فبعد اللقمة دخله الشيطان ... فذاك لما أخذ اللقمة ، خرج للوقت و كان ليلاً " ( يو 13 : 26 – 30 ) .و طبعاً في سر التناول ، لا يغمس لقمة ، و إنما كان هذا في الفصح ... و مع أن يهوذا لو كان قد تناول من الجسد و الدم ، كان يتناول بدون استحقاق ، غير مميز جسد الرب ،و يتناول دينونة لنفسه ( 1 كو 11 : 27 – 29 ) . إلا أن الآباء يقولون إنه اشترك في الفصح فقط ، و خرج ليكمل جريمته . و أعطي الرب عهده للأحد عشر ...
لماذا لم يغفر ليهوذا ؟
ســؤال
لماذا لم يغفر الرب ليهوذا ، مثلما غفر لصالبيه و لبطرس الذي أنكر ؟و إن كان يهوذا قد انتحر ، ألا يجوز أن نعتبر أنه لم يكن حينذاك متمالكاً لعقله ، بحيث يغفر له ضمن الذين لا تقع عليهم مسئولية بسبب حالتهم العقلية ؟
كما أنه أليس الشيطان هو المحرك ليهوذا ، فلماذا يتحمل الدينونة ؟
عجيب يا أخي كل هذا الدفاع عن يهوذا ، الذي يثبت أنه هلك !!
فقد قال عنه الرب " ويل لذلك الرجل الذي به يسلم إبن الإنسان . كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " ( مت 26 : 24 ) . و في مناجاته للآب قال " الذين أعطيتني حفظتهم و لم يهلك منهم أحد ، إلا إبن الهلاك ليتم الكتاب " ( يو 17 : 12 ) . و في كلامه مع بيلاطس ، قال له " .. لذلك الذي أسلمني إليك له خطية أعظم " ( يو 19 : 11 ) . و عندما غسل الرب أرجل تلاميذه ، قال لهم " أنتم طاهرون ،و لكن ليس كلكم . لأنه عرف مسلمه .."(يو 13 : 10 ، 11 ) . و عندما اختار الآباء الرسل بديلاً ليهوذا ، تذكروا ما قيل عنه في سفر المزامير " لتصر داره خراباً ،و لا يكون فيها ساكن ، و ليأخذ وظيفته ( أسقفيته ) آخر " ( أع 1 : 20 ) ( مز 69 : 25 ) .
أما عن أن الشيطان كان المحرك ليهوذا :
فهذا صحيح ، إذ قيل عنه يوم الفصح الأخير " فبعدما أخذ اللقمة دخله الشيطان .." و أنه بعد ذلك " خرج للوقت و كان ليلاً " ( يو 13 : 27 ، 30 ) . و الشيطان كما حرك يهوذا ، حرك رؤساء الكهنة ايضاً . وهو يحرك أعوانه في كل زمان و مكان . وهو الذي حرك حواء في الخطية الأولي ( تك 3 : 1 – 7 ) .
و لكن كان علي يهوذا عدم الخضوع لمشورة الشيطان .
و الكتاب يقول " قاوموا إبليس فيهرب منكم " ( يع 3 : 7 ) . و يقول أيضاً " قاوموه راسخين في الإيمان ، عالمين أن نفس هذه الآلام تجري علي أخوتكم الذين في العالم " ( 1 بط 5 : 9 ) . الشيطان عمله أن يحرك الناس نحو الخطية . و لكن عليهم ألا يستسلموا له ، بل يقاوموه بكل قوة . و الرسول يوبخ علي عدم الجدية في المقاومة فيقول " لم تقاوموا بعد حتي الدم ، مجاهدين ضد الخطية " ( عب 12 ك 4 ) .
أما عن المقارنة بإنكار بطرس ، فنقول : هناك فرق بين خطية الضعف و خطية الخيانة .
بطرس الرسول كان يحب المسيح من كل قلبه . و قد أنكره عن خوف في حالة ضعف . و بعدها بكي بكاءً مراً ( مت 26 :75 ) . و بعد القيامة قال للسيد " يا رب ، أنت تعلم كل شئ . أنت تعلم أني أحبك " ( يو 21 : 17 ) . أما يهوذا فقد كان خائناً ، إ باع سيده بالمال ، وأسلمه إلي أيدي أعدائه بنفسية رخيصة . و لم يبال بكل الإنذارات التي أنذره بها الرب و هي كثيرة !! و قد قيل في حقارة نفسيته : " حينئذ ذهب واحد من الإثني عشر يدعي يهوذا الأسخريوطي و قال : ماذا تريدون أن تعطوني و أنا أسلمه إليكم ؟ فجعلوا له ثلاثين من الفضة . و من ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه " ( مت 26 : 14 – 16 ) .
فعل هذا ، و كان واحداً من تلاميذه ، و في موقع المسئولية .
إذ كانت في يده عهدة الصندوق ، ليدفع منه للفقراء . و للأسف لم يكن يبالي بالفقراء ، " و كان الصندوق عنده ،و كان يحمل ما يلقي فيه " ( يو 12 : 6 ) .و لا شك أن الرب كان يعرف ، و لم يشأ أن يكشف سرقته للناس .. و لأنه كان واحداً من الخاصة ، قيل عن الرب إنه " جرح في بيت أحبائه " ( زك 13 : 6 ) . و قيل عنه في المزمور " الذي أكل خبزي رفع علي عقبه " ( مز 41 : 9 ) . حقاً ما أخس الخيانة ، حين تأتي من الأصدقاء و من المحسن إليهم !!
حقاً ، إنه ندم ، و لكن بعد فوات الفرصة .
بعد أن حكم مجلس السنهدريم بإدانة الرب يسوع وأنه مستحق الموت " و أوثقوه و دفعوه إلي بيلاطس البنطي الوالي " . حينئذ لما رأي يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ، ندم ورد الثلاثين من الفضة ... قائلاً : أخطأت إذ أسلمت دماً برئياً .."( مت 27 : 1 – 4 ) ... سهل علي الإنسان أن يحتمل احتقار الآخرين له . و لكن من الصعب أن يحتمل احتقار نفسه . و هذا ما حدث مع يهوذا ... وصل يهوذا إلي احتقاره لنفسه . و لم يحتمل . " فمض و خنق نفسه "( مت 27 : 5 ) .
و لم يخنق نفسه ، و هو فاقد العقل ... !
بكل عقل حكم علي نفسه أنه قد أخطأ إذ أسلم دماً بريئاً ،و بعقل أعاد المال إلي رؤساء الكهنة ،و اعترف بخطيئته .و لما رفض الكهنة إلغاء الصفقة التي بينهم و بينه ، " طرح الفضة في الهيكل و انصرف " ( مت 27 :5 ) . وليست هذه تصرفات إنسان فاقد العقل . بل بكل عقل فعل هذا . و بعدها " مضي و خنق نفسه " .
أما قول الرب " يا أبتاه اغفر لهم ، لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون " ( لو 23 : 34 ) ، فإنها لا تنطبق عليه .
إنه بلا شك كان يدري كل ما فعل ...
أما الذين صلبوا السيد المسيح ، فقد قال عنهم الرسول " لأنهم لو عرفوا ، لما صلبوا رب المجد " ( 1 كو 2 : 8 ) . ومع ذلك فقول السيد لم يكن يعني أن خطاياهم قد غفرت . إنما يعني أن باب الغفران قد فتح أمام الجميع بصلبه . و مع ذلك كان للغفران شروط : منها الإيمان ( يو 3 : 16 ) ،و التوبة و المعمودية ( أع 2 : 38 ) ( مر 16 : 16 ) . و لمزيد من الشرح ، يمكن أن تقرأ كتابنا ( الخلاص في المفهوم الأرثوذكسي ) .
المجـئ الثانـي ...
ســؤال
هل السيد المسيح في مجيئه الثاني ، يعيش معنا مرة أخري علي الأرض ؟
السيد المسيح سيأتي علي السحاب كما يقول الكتاب . و سيأتي للدينونة ، و ليس لكي يحيا معنا علي الأرض .
و هذا ما نقوله في قانون الإيمان " يأتي في مجده ، ليدين الأحياء و الأموات " . و هذا ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس .
"هوذا يأتي علي السحاب ، و سنتظره كل عين " ( رؤ 1 : 7 ) .
و عن المجئ الثاني ورد أيضاً في الإنجيل في الحديث عن نهاية العالم " و للوقت بعد ضيف تلك الأيام ، تظلم الشمس ، و القمر لا يعطي ضوءه ، و النجوم تسقط من السماء ، و قوات السماء تتزعزع . وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء .. و يبصرون ابن الإنسان اَتياً علي سحاب السماء بقوة و مجد عظيم ، فيرسل ملائكته ببوق عظيم ، فيجمعون مختاريه من الأربع رياح ، من أقصاء السماء إلي اقصائها .." ( ( مت 24 : 29 ، 31 ) .
و مجئ المسيح للدينونة ورد بالتفصيل في ( مت 25 : 31 – 46 ) .
و قال السيد المسيح أيضاً " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ، و حينئذ يجازي كل واحد حسب أعماله " ( مت 16 : 27 ) . و قال في تفسير مثل ( الحنطة و الزوان ) " .. هكذا يكون في إنقضاء العالم ، يرسل ابن الإنسان ملائكته ، فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر و فاعلي الإثم ، و يطرحونهم في أتون النار . هناك يكون البكاء و صرير الأسنان " ( مت 13 : 40 – 42 ) .
و قال القديس بولس الرسول عن المجئ الثاني :
" لأن الرب نفسه ، بهتاف بصوت رئيس ملائكة و بوق الله ، سوف ينزل من السموات و الأموات في المسيح يقومون أولاً . ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحاب لملاقاة الرب في الهواء . و هكذا نكون كل حين مع الرب " ( 1 تس 4 : 16 ، 17 ) . أين إذن الحديث عن الأرض ؟! أو أن الله يكون معنا هنا علي الأرض ؟! بينما سيأتي علي السحاب ، في مجده للدينونة . و نرتفع نحن معه في السحاب ، و ليس هو ينزل إلينا ليبقي معنا علي الأرض ..!
و الرب نفسه يقول في سفر الرؤيا :
" ها أنا آتى سريعاً و أجرتي معي ، لأجازي كل واحد كما يكون عمله " ( رؤ 22 : 12 ) .
علاقة القيامة بالخلاص
ســؤال
من المعروف أن السيد المسيح مات علي الصليب كذبيحة حب غير محدودة عن خطايا البشر ، أي أنه كان لابد أن يموت عن الإنسان المحكوم عليه بالموت ليخلصه . و لكن ما علاقة القيامة بالخلاص من الناحية اللاهوتية ؟
لكي يؤمن الناس أن المسيح ذبيحة غير محدودة ، لابد من إثبات لاهوته ، فاللاهوت هو غير المحدود ، الذي يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة ، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس في جميع العصور . وهذا هو السبب في التجسد الإلهي . و لكن إن كان المسيح قد مات و لم يقم ، فسوف يعتبره الناس شخصاً عادياً ، أمكن للموت أن ينتصر عليه ، بل أمكن للذين قدموه إلي الموت أن ينتصروا عليه . و هنا لا يثبت لاهوته ، و بالتالي لا تثبت قضية الخلاص ...من أجل هذا قال القديس بولس الرسول في إصحاح القيامة " .. و إن لم يكن المسيح قد قام ، فباطل هو إيمانكم . أنتم بعد في خطاياكم . إذن الذين رقدوا في المسيح أيضاً قد هلكوا " ( 1 كو 15 : 17 ، 18 ) . و لهذا أيضاً كانت القيامة هي مركز تبشير الرسل الإثني عشر بعد يوم البندكستى ( أع 1 : 22 ) (أع 4 : 2 ) " وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ، ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم " ( أع 4 : 33 ) ... فلما قام السيد المسيح ، كانت قيامته برهاناً عظيماً علي لاهوته ، إذ أنه الوحيد الذي قام بذاته من بين الأموات ، دون أن يقمه أحد ، في اليوم الثالث كما سبق و قال .و خرج من القبر المغلق الذي كان عليه حجر عظيم جداً ( مر 19 : 4 ) و كان مختوماً و عليه حراس ( مت 27 : 66 ) . نقطة أخري و هي أن خطية الإنسان كانت عقوبتها الموت ، وكان لابد لخلاصنا أن يدفع ثمن الخطية الذي هو الموت . و بعد أن يخضع للموت ، ينتصر علي الموت . لأنه لا يكفي فقط أن يخلصنا من الخطية ، بل أن يخلصنا أيضاً من الموت . و هكذا قيل " .. مخلصنا يسوع المسيح ، الذي ابطل الموت ،و أنار الحياة و الخلود " ( 2 تي 1 : 10 ) ... فبموته داس الموت " و ناقضاً أوجاع الموت ، إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه " ( أع 2 : 24 ) . و بقيامته أعطي الطبيعة البشرية الرجاء أن تقوم من الموت . و كما قال القديس بولس الرسول " لأنه كما في آدم يموت الجميع ، هكذا في المسيح سيحيا الجميع .. المسيح باكورة ، ثم الذين للمسيح في مجيئه " ( 1 كو 15 : 22 ، 23 ) .
موقفنا من دم المسيح
ســؤال
قال لي أحدهم إن دم المسيح هو لجميع الناس . و هو قد غفر للكل ، حتى للملحدين أو الأشرار . لذلك يجب أن نكون مطمئنين لكفاية دمه ، بغض النظر عن حالتنا نحن ، لأنه ليس المهم موقفنا من المسيح ، إنما المهم هو موقف المسيح منا .. فما رأيكم في هذه العبارة ؟
حقاً إن دم المسيح هو لجميع الناس ، و يجب أن نكون مطمئنين لكفاية دمه ، فقدم قدم لنا فداء
يكفي لمغفرة خطايا جميع الناس في جميع الأجيال و لكن ...
عبارة " ليس المهم هو موقفنا من المسيح " عبارة خاطئة تماماً ، و لا تتفق مع تعليم المسيح نفسه .
أولاً : هناك مسألة الإيمان بالمسيح و دمه ، و قبول الإنسان للمسيح و فدائه .و لا شك أن الذي لا يؤمن بالمسيح سيدان ( مر 16 : 16 ) . لا تقل إذن ليس المهم هو موقفنا من المسيح ..لأننا إن لم نؤمن بالمسيح و بفاعلية دم المسيح ، فلا يمكن أن ننال فداء أو مغفرة .و مع أن دم المسيح هو لجميع الناس ،و خلاص المسيح هو للجميع ، إلا أنه سوف لا ينال هذا الخلاص إلا المؤمنون به . و هذه الحقيقة وضحها الكتاب بقوله :
" .. لكي لا يهلك كل من يؤمن به " ( يو 3 : 16 ) .
لم يقل " كل العالم " ، و إنما قال " كل من يؤمن به " . لذلك فإن عبارة " قد غفر للكل ، حتى للملحدين و الأشرار ، لا يمكن قبولها إذا استمر الملحدون ملحدين ،و إذا استمر الأشرار أشراراً .
فلا مغفرة إذن للملحدين ، إلا أذا تركوا إلحادهم ،و اَمنوا بالمسيح .
و هذا موقف يجب أن يتخذوه حيال المسيح . يجب أن يؤمنوا ،و أن يقبلوا المسيح حاملاً لخطاياهم ، و مخلصاً لهم . و بدون قبولهم المسيح لن ينالوا غفراناً . و في هذا قال الكتاب " أما الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله " ( يو 1 : 12 ) . موقف المسيح منك واضح . و لكن يبقي موقفك أنت منه .
إنه يريد أن يخلصك .و لكنه لا يفعل ذلك بدون إرادتك . موقفه إنه واقف علي الباب يقرع .و موقفك هو أن تفتح له .
إنه يقول " أنا واقف علي الباب أقرع . من يفتح لي ، أدخل و أتعشي معه " ( رؤ 3 : 20 ) . فإن لم تفتح له – و هذا موقف منك – لن تنال خلاصاً . ما أسهل أن يتركك لعنادك ، فتصرخ قائلاً " حبيبي تحول و عبر ... طلبته فما وجدته " ( نش 5 : 6 ) . لا تقل إذن : ليس المهم هو موقفنا . المهم هو موقف المسيح !
فلو كان الأمر يتوقف علي المسيح وحده ، لخلص جميع الناس .
لأنه " يريد أن الجميع يخلصون . و إلي معرفة الحق يقبلون " ( 1 تي 2 : 4 ) . و لكن هناك إستجابة بشرية يجب أن تتم . و إلا يقول الرب كما قال لأورشليم " كم مرة أردت .. و لم تريدوا . هوذا بيتكم يترك لكم خراباً " ( مت 23 : 37 ) . كيف يعقل أن موقف الإنسان لا يهم ؟! هوذا المسيح يقول :
" من ينكرني قدام الناس ، أنكره أنا أيضاً قدام أبي الذي في السموات " ( مت 10 : 33 ) . هذه نتيجة لموقف الإنسان .
إذن فقبول المسيح ، و الإيمان به و بفدائه ، أمر جوهري ، و موقف أساسي يجب أن يتخذه الإنسان ، فلا يقف من المسيح موقفاً سلبياً .. و ماذا أيضاً ؟
يقول الرب " من آمن و اعتمد خلص " ( مر 16 : 16 ) .
لا يكفي فقط أن تؤمن لكي تنال من استحقاقات دم المسيح ، إنما يجب أن تعتمد معه . لهذا قال حنانيا لشاول الطرسوسي ، بعد أن قبل المسيح و آمن به " أيها الأخ شاول ، لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد و اغسل خطاياك " ( أع 22 : 16 ) . هل تقول . ولماذا أعتمد ؟ المهم هو موقف المسيح من ؟! إنك باعتمادك تلبس المسيح ، كما قال بولس الرسول " لأنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ، قد لبستم المسيح " ( غل 3 : 27 ) .
هناك أمور أخري خطيرة من جهة موقفك ، كالتناول مثلاً :
يقول الرب " إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان و تشربوا دمه ، فليس لكم حياة فيكم .. من يأكل جسدي و يشرب دمي ، يثبت في و أنا فيه " ( يو 6 : 53 ، 56 ) . هل تقول : لا اَكل جسده و لا أشرب دمه . المهم هو موقفه مني ؟!
هل تظن الحياة مع الله موقفاً سلبياً من جهتك ؟!
هل تريد أن الله يعمل كل شئ ، بينما أنت في موقف سلبي ؟! كما لو كنت مسيراً نحو الخير ، أو غير مشترك مع الله في العمل ؟! إذن ما الفرق بين الأبرار و الأشرار ؟ إن السيد المسيح يقول " من يصنع مشيئة أبي الذي في السموات ، هو أخي و أختي و أمي " ( مت 12 : 49 ) .
إذن لا بد أن تحدد موقفك منه ، بصنعك لمشيئته .
هل تريد أن تكون من أهل بيت الله ، و أنت لا تصنع مشيئته ، مكتفياً بموقفه منك ؟! هوذا الكتاب يقول " كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً ، تقطع و تلقي في النار " ( مت 3 : 10 ) . فهل أنت تصنع ثمراً ، أم تكتفي بموقف الذي شاء فغرسك في كرمه .
موقف هو أنه غرسك في كرمه . و موقفك أن تصنع ثمراً .
هل تكتفي بمحبة الله لك ، أم يجب أن تحبه أنت أيضاً ؟ و كيف تحبه ؟ إنه يقول " الذي عنده وصاياي و يحفظها ، فهو الذي يحبني ..إن أحبني أحد يحفظ وصاياي " ( يو 14 : 21 : 23 ) .
إذن من موقفك ، أن تحبه و تحفظ وصاياه .
و هو يطلب هذا منا فيقول " أثبتوا في محبتي . إن حفظتم وصاياي ، تثبتون في محبتي " ( يو 15 : 9 ، 10 ) . لا بد إذن أن تأخذ موقفاً من المسيح ، فتحبه كما أحبك . ولا تكون المحبة من جانب واحد فقط هو جانب المسيح الذي أحبك و بذل دمه عنك . و إن كنت تحبه لا تخطئ إليه . و إن عشت قبلاً في الخطية ، يجب أن تحدد موقفك الآن بأن تتوب .
و التوبة موقف لازم منك ، لتستفيد من دم المسيح .
هوذا الرب نفسه يقول " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 3 ) . أتراك لا تتوب ، و تقول : المهم هو موقف المسيح مني ؟! إن عبارة المسيح هذه تمثل موقفه من غير التائبين " يهلكون " ... موقف المسيح منك ، إنه يريد أن يمحو خطاياك بدمه ، و لكن بشرط أن تتوب ،و إلا فلن تستفيد من دم المسيح .
هل الخاطئ له نصيب في دم المسيح ؟
نعم .و لكن بشرط أن يتوب .؟ موقفه إذن مهم
متبررين مجاناً بالنعمة ..
ســؤال
ما دام الكتاب يقول " متبررين مجاناً بالنعمة " ( رو 3 : 24 ) . ، إذن فهو خلاص مجاني . لماذا إذن نربطه بالمعمودية و هي عمل ؟!
عبارة " متبررين مجاناً " تعني أننا لاندفع ثمناً لهذا التبرير . ذلك لأن " أجرة الخطية هي موت " ( رو 6 : 23 ) ، كما ورد في نفس الرسالة إلي رومية .. وهذا الثمن دفعه المسيح بموته ، بسفك دمه علي الصليب .
و نحن نتبرر بدون دفع هذا الثمن ، أي مجاناً .
أما المعمودية فهي ليست الثمن ، إنما الوسيلة .
مثال ذلك حينما يقول الأخوة البروتستانت إننا نخلص بالإيمان . فالإيمان هو الوسيلة ، و ليس هو الثمن . لأن الثمن هو دم المسيح و ليس غير ، كما يقول الكتاب " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " ( عب 9 : 22 ) .و قد جمع السيد المسيح هاتين الوسيلتين معاً ، الإيمان و المعمودية في قوله : " من آمن و اعتمد خلص " (مر 16 : 16 ) . لسنا نحن إذن الذين نربط الخلاص بالمعمودية ، إنما السيد المسيح نفسه ، وأيضاً رسله القديسون مثلما قال القديس بطرس الرسول عن فلك نوح " الذي فيه خلص قليلون ، أي ثماني أنفس بالماء ، الذي مثاله يخلصنا نحن الآن أي المعمودية " ( 1 بط 3 : 20 : 21 ) . و كذلك قال القديس بولس الرسول أيضاً " .. بل بمقتضي رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني و تجديد الروح القدس " ( تي 3 : 5 ) .
و لعلك تحتج و تقول : و هل إذا لم أعتمد أهلك ، و المسيح قد مات من أجلي ؟!
نعم إن المسيح قد مات من أجلك . و لكن ينبغي أن تسلك في الوسيلة التي وضعها السيد المسيح نفسه لخلاصك ، الوسيلة التي تنال بها الخلاص الذي قدمه لك المسيح مجاناً ..
فعلي الرغم من دم المسيح هل يمكن أن تخلص مثلاً بدون توبة ؟
دم المسيح موجود وكاف للخلاص . و لكن موجود أيضاً قول السيد المسيح " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 3 ، 5 ) . و التوبة ليست ثمناً للخلاص ، إنما هي وسيلة ضرورية لازمة تتبرر بها مجاناً بدم المسيح . و المعمودية هي أيضاً وسيلة ضرورية لازمة تتبرر بها مجاناً بدم المسيح . و السيد المسيح نفسه قد قال " إن كان أحد لا يولد من الماء و الروح ، لا يقدر أن يدخل ملكوت الله "( يو 3 : 5 ) . و الإيمان أيضاً وسيلة ضرورية و لازمة لنوال التبرير المجاني الذي تم بدم المسيح .
إذن ينبغي أن نفرق بين الثمن و الوسيلة .
ثمن التبرير هو دم المسيح وحده .
و الوسيلة الضرورية اللازمة هي الإيمان و المعمودية و التوبة .
و قد ربط القديس بطرس الرسول بين هذه الوسائط الثلاث في يوم الخمسين بعد أن اَمن اليهود و نخسوا في قلوبهم ، و سألوا ماذا نعمل ؟ فأجابهم الرسول القديس :
" توبوا ،و ليعتمد كل واحد منكم علي إسم يسوع المسيح لغفران الخطايا ، فتقبلوا عطية الروح القدس " ( أع 2 : 38 ) . أمامنا هنا الثلاث وسائط : إيمان علي إسم يسوع المسيح ،و توبة و معمودية ...
كلها وسائط ، و الثمن الوحيد للتبرير هو دم المسيح ، و قد دفعه المسيح وحده لأجلنا .
و نحن ننال هذا التبرير مجاناً ، لأننا لم ندفع ثمنه ، أي الدم . نناله بالإيمان و التوبة و المعمودية : الثلاث وسائط معاً .. كلها وسائط ، الثمن الوحيد للتبرير هو دم المسيح . ثم ندخل في العمل البار ، الذي هو ثمر للإيمان و ثمر للتوبة ، و ثمر لعمل الروح القدس فينا الذي نلناه بسر الميرون ،و ثمر للتجديد و للبنوة الذين نلناهما في المعمودية ...و يقول القديس يوحنا الرسول عن هذا البر :
" إن علمتم أنه بار هو ، فاعلموا أن كل من يفعل البر هو مولود منه " ( 1 يو 2 : 29 ) .
إن السيد المسيح قد دفع ثمناً لتبريرك هو دمه . و قدم لك هذا التبرير مجاناً – أي بدون دفع الثمن مرة أخري – وبقي عليك أن تسلك في الوسائط التي حددها الرب نفسه ...و لتفسير ذلك ، أقول لك مثلاً : لنفرض أن معك شيكاً بمبلغ كبير جداً من المال ، حصلت عليه مجاناً نتيجة لميراث مثلاً ، غير أنك لم تذهب إلي البنك لتقبض قيمة هذا الشيك ، ستظل طبعاً بدون هذا المبلغ ، مع أنه موجود لصالحك . و لكنك لم تسلك في الوسيلة ... نقولها مرة ثالثة : إن الثمن الوحيد للتبرير هو دم المسيح لا غير . ونحن ننال هذا التبرير مجاناً عن طريق الإيمان و المعمودية و التوبة .
هل يحتاج الله في الخلق و الخلاص ؟
ســؤال
سمعت ناقداً يقول : هل الله يحتاج في الخلق إلي المسيح ليخلق به ، و يقال " كل شئ به كان و بغيره لم يكن شئ مما كان " ( يو 1 : 3 ) .
و هل يحتاج إليه في الخلاص به العالم ؟
هل في هذا وصف لله بالعجز ؟
لو كان الله قد احتاج إلي غيره ، لاعتبر عاجزاً !!
و لكنه تبارك اسمه ، تنزه عن أنه يحتاج إلي غيره . ففي الخلق ، خلق كل شئ بكلمته ن باقنوم الكلمة أو اللوجوس ، الذي هو عقل الله الناطق ، أو نطق الله العاقل ... قبل التجسد ،و قبل خلق اَدم و حواء و الكون كله .
و مادام الله قد خلق الكل بعقله ، أو بحكمته ، أو بكلمته ، لا يكون قد احتاج إلي غيره ليخلق به .
فعبارة إن الله خلق العالم ، أو أن عقل الله قد خلق العالم ، أو أن الله خلق العالم بعقله ، كلها تؤدي معني واحد . فالله و عقله كائن واحد .و نفس الوضع بالنسبة إلي الخلاص .
فالله هو الذي خلص العالم ، دون أن يحتاج إلي غيره .
و لو كان غير الله قد خلص العالم ، لما كان الخلاص غير محدود ، ليكفي لجميع خطايا لجميع الناس في كل العصور ...
أما المشكلة الحقيقية بالنسبة إلي هذا الناقد ، فهي التجسد .
و التجسد موضوع طويل . ليس مجاله الآن ،و ليس هو موضوع النقد . و جهة النقد أن الله احتاج إلي غيره ،و الاحتياج إلي الغير عجز . و الإجابة هي أن الله لم يحدث أنه احتاج إلي غيره سواء في الخلق أو الفداء . فهو الذي خلق الكل ،وهو الذي فدي الكل ...
الصعود و الجاذبية الأرضية
ســؤال
هل في صعود الرب ، قد داس علي قانون الجاذبية الأرضية ؟
للجواب علي هذا السؤال نذكر نقطتين :
1-إن القوانين الطبيعية قد وضعها الله ، لتخضع لها الطبيعة ، و ليس ليخضع هو لها .
2-إن قانون الجاذبية الأرضية ، تخضع له الأمور المادية ، التي من الأرض . أما السيد المسيح فإنه في صعوده ، لم يصعد بجسد مادي ، أو بجسد أرضي ، يمكن أن يخضع للجاذبية الأرضية .
جسده ، جسد القيامة و الصعود ، هو جسد ممجد ، جسد روحاني ، جسد سمائي ، لأنه إن كنا نحن سنقوم هكذا ( 1 كو 15 : 43 – 50 ) ، فكم بالأولي السيد المسيح ، الذي قيل عنه من جهتنا إنه " سيغير شكل جسد تواضعنا ، ليكون علي شبه جسد مجده " ( في 3 : 21 ) . هذا الجسد الممجد ، الذي قام به السيد المسيح وصعد ، لا علاقة له إذن بقانون الجاذبية الأرضية .هنا و يقف أمامنا سؤال هام و هو :
هل إذن لم تكن هناك معجزة في صعوده ؟
نعم ، كانت هناك معجزة . و لكنها ليست ضد الجاذبية الأرضية .
إنما المعجزة هي في تحول الجسد المادي ، إلي جسد روحاني سماوي يمكن أن يصعد إلي فوق .
إذن لم يكن الصعود تعارضاً مع الطبيعة ، إنما كان سمواً لطبيعة الجسد الذي صعد إلي السماء . كان نوعاً من التجلي لهذه الطبيعة . وكما أعطانا الرب أن نكون علي شبهه و مثاله عندما خلقنا ( تك 1 : 26 ، 27 ) ، هكذا سنكون أيضاً علي شبهه و مثاله في القيامة و الصعود .
سيحدث لنا هذا حينما " تتمجد معه " و نصعد معه في المجد .
حينما نقوم " في قوة " " في المجد " . الأحياء علي الأرض في وقت القيامة ، سوف يتغيرون " في لحظة ، في طرفة عين ، عند البوق الأخير " ، " و يلبس هذا المائت عدم موت " ( 1 كو 15 : 52 ، 53 ) . " ثم نحن الأحياء الباقين ، سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء . و هكذا نكون في كل حين مع الرب " ( 1 تس 4 : 17 ) .
... فقد رأي الآب
ســؤال
حينما اشتهي فيلبس أن يري الآب ، قال له السيد المسيح " الذي راَني فقد رأي الآب " ( يو 14 : 9 ) . و قال له أيضاً " أنا في الآب ، و الآب في " . فهل السيد المسيح هو الآب أيضاً ؟
كلا ، فهذه هي طريقة سابليوس ، الذي اعتقد أن الآب هو الابن هو الروح القدس أقنوم واحد !! فحرمته الكنيسة . و لكن لأن الآب لا يري ، فقد رأيناه في إبنه ، الذي هو " صورة الله غير المنظور " ( كو 1 : 15 ) ، و هو " بهاء مجده و رسم جوهره " ( عب 1 : 3 ) . و عن هذا يقول لنا إنجيل يوحنا " الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الكائن في حضن الآب هو خبر " ( يو 1 : 18 ) أي أعطانا خبراً عن الآب ، أي رأينا صورة الآب في إبنه . إن كان الآب هو الابن ، لا يكون هناك تثليث ...
الخطية بعمد و قصد
ســؤال
قرأت في أحد كتبنا التي تعرضت لموضوع الفداء و الذبائح العبارات الآتية :
" لا توجد للخطية العمد التي تستحق الموت في ناموس العهد القديم كله أية ذبيحة تعويضية بأي حال . فكل الذبائح هي عن خطايا السهو فقط ( لا 4 : 1 – 35 ) " .
" جميع ذبائح الخطية التي نص عليها العهد القديم تصح فقط في حالة السهو ، أي بدون قصد . اما خطايا العمد أو التي عن قصد و بالإرادة ، فلا ذبيحة لها علي الإطلاق في كل ناموس موسي .. وبمعني اَخر أوضح أن يستحيل إحلال أو إستبدال نفس بنفس في حالة الخطية العمد " . " هنا يستحيل أن تحسب ذبيحة المسيح إنها عوض الخاطئ ، أو عن الخاطئ ، أو بدلاً من الخاطئ ، لأن الخطية هي خطية عمد .و الخاطئ يتحتم أن يموت موتاً ، و لا يمكن أن تقدم عنه ذبيحة من أي نوع " . " ذبيحة المسيح هي موت الخاطئ بالفعل !! المسيح أخذ جسداً هو في حقيقته جسد الإنسان ككل ، جسد كل الخطاة .. هو هو بعينه جسد كل خاطئ ، و اقتبل في هذا الجسد خطية كل الخطاة " . إلي أي حد اقبل هذا الكلام أو أفهمه .أرجو الشرح و التوضيح عن كيفية مغفرة الخطية العمد ؟ و كيفية مغفرة الخطية السهو ؟ و ما موقف السيد المسيح من خطايا السهو "
أوضح لنا الكتاب أنه ليست فقط خطية العمد هي التي تستحق الموت ، بل كل الخطايا ، حتي خطايا السهو .
و لهذا كانت خطايا السهو أيضاً تقدم عنها ذبائح ، و يسفك دم تلك الذبائح ، و يصب إلي أسفل المذبح ( لا 4 : 18 ، 30 ) . إنه دم يرمز إلي دم السيد المسيح . ( و يكفر الكاهن ) عن خطايا السهو بكل أنواعها . و قد تكررت هذه العبارة كثيراً في سفر اللاويين ( لا 4 ، 5 ) .
و عندما أسهب سفر اللاويين ( 4 ، 5 ) في الكلام عن خطايا السهو ، إنما أراد أن الشعب لا يستهين بها .
فإن كانت خطية السهو يلزم تقديم ذبيحة عنها ، فخطايا العمد و القصد من باب أولي . و إلا سيقع الناس في بلبلة من جهة قيمة الذبيحة في التكفير و المغفرة . و يتحير الخاطئ الذي يخطئ عن عمد ، إذ لا يجد ذبيحة أمامه يقدمها عن خطاياه !! و كل المؤمنين في العهد القديم كانوا يثقون بارتباط المغفرة بتقديم الذبيحة ... و حتى الآن نحن نقول في صلاتنا " حل و اغفر . و اصفح لنا يا الله عن سيئاتنا التي صنعناها بإرادتنا ،و التي صنعناها بغير إرادتنا . التي فعلناها بمعرفة ،و التي فعلناها بغير معرفة الخفية و الظاهرة " .
أما من جهة الذبائح عن خطايا العمد ، فلعل أبرزها ما كان يقدم في يوم الكفارة العظيم ( لا 16 ) .
حيث يقول " و يقدم هرون ثور الخطية الذي له ،ويكفر عن نفسه و عن بيته ،و يذبح ثور الخطية الذي له " ثم يذبح تيس الخطية الذي للشعب .. و يكفر عن القدس من كل نجاسات بني إسرائيل ، ومن سيئاتهم مع كل خطاياهم " فيكفر عن نفسه و عن بيته و عن كل جماعة إسرائيل " ( لا 16 : 11 ، 15 – 17 ) .
فهل كل تلك الخطايا و السيئات و النجاسات ، التي لهرون و كل بيته و كل جماعة إسرائيل ، لم تكن فيها خطايا عمد ؟!
مستحيل !! من يصدق أن يوم الكفارة العظيم كان فقط عن خطايا السهو ؟! و نفس الوضع كان يعمله مع تيس عزازيل الحي الذي يرمز إلي عزل الخطايا عنهم ، و كان يرمز إلي السيد المسيح ، كان هرون يقر علي رأسه بكل ذنوب بني إسرائيل و كل سيئاتهم مع كل خطاياهم " ( لا 16 : 21 ) . أكانت تلك الذنوب و السيئات و الخطايا ، كلها سهو و عن قصد ؟! عجباً ما هي تلك الجرأة التي يقال بها " لا توجد للخطيئة العمد التي تستحق الموت في ناموس العهد القديم كله أية ذبيحة تعويضية بأي حال ! فكل الذبائح هي عن خطايا السهو !! إن بولس الرسول في شرح ذلك يقول في رسالته إلي العبرانيين " كل رئيس كهنة .. يقام لأجل الناس في ما لله ، لكي يقدم قرابين و ذبائح عن الخطايا .. يلتزم أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب ، هكذا أيضاً لأجل نفسه " ( عب 5 : 1 ، 3 ) .
فهل رئيس الكهنة يقام ليقدم قرابين و ذبائح فقط عن خطايا السهو التي يرتكبها الشعب ؟!
هوذا نحميا في تصحيح الأوضاع بعد الرجوع من السبي ، تكلم عن " ذبائح الخطية للتكفير عن إسرائيل " ( نح 10 : 33 ) . و المعروف أنهم كانوا بعمد و قصد ، قد تزجوا بنساء غريبات مما جعل عزرا الكاهن يبكي و ينتف شعر رأسه و يمزق ثيابه ( عز 9 : 3 ) . و يصلي لأجلهم ،و يفصلهم عن كل تلك الزيجات .. مع اصلاحات أخري كثيرة تتعلق بخطايا عمد و قصد ، و اتصالهم بشعوب الأرض حسب رجاساتهم ( عز 9 : 1 ) . إن أشعياء النبي يتكلم عن ذبيحة المسيح لأجلنا فيقول عنه " مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل اَثامنا .. كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلي طريقه ،و الرب وضع عليه إثم جميعنا " ( أش 53 : 5 ، 6 ) .
فهل كل معاصينا و آثامنا ، كانت خطايا سهو ؟!
إن داود النبي حينما وقع في الزنا ،و في القتل العمد ، ثم قال " أخطأت إلي الرب " أجابه ناثان " و الرب نقل عنك خطيئتك . لا تموت " ( 2 صم 12 : 13 ) .و معني " نقل عنك خطيئتك " أنه نقلها لحساب المسيح .. ألم تكن خطية داود عمداً ليس في زناه فقط ، إنما أيضاً في قوله ليواَب قائد الجيش عن مقتل أوريا الحثي " لا يسوء في عينيك هذا الأمر ، لأن السيف يأكل هذا وذاك " ( 2 صم 11 : 20 ) .
خطية العمد التي وقع فيها داود ، حملها المسيح .
يقينا أن المسيح مات عن كل خطايا العمد .
فقد قال عنه الكتاب " هو كفارة لخطايانا . و ليس لخطايانا فقط ، بل لخطاياكم كل العالم أيضاً " ( 1 يو 2 : 2 ) . و قال إن الله أحبنا " و أرسل ابنه كفارة عن خطايانا " ( 1 يو 4 : 10 ) .
فهل كفارة المسيح عن جميع الخطايا ، لا يوجد في العهد القديم كله رمز واحد لذبيحته عن خطايا العمد التي حملها ؟!
أما التعبير الخاص بأن الخاطئ عمداً و قصداً كان لابد أن يموت . و قد مات في المسيح ، فإن هذا لا يتعلق بذبيحة الصليب ، إنما نحن قد متنا مع المسيح في المعمودية ،و ليس علي الصليب . و هكذا يقو الكتاب .
" دفنا معه بالمعمودية للموت " ( رو 6 : 4 ) .
" مدفونين معه في المعمودية " ( كو 2 : 12 ) .
لم يحدث أن البشرية قد صلبت مع المسيح في يوم الفداء العظيم ، إنما هو قال عن نفسه " قد دست المعصرة وحدي . و من الشعوب لم يكن معي أحد " ( أش 63 :3 )
ينـمـو في الـنعـمــة و الـقـامـة
ســؤال
ما معني أنه قيل عن السيد المسيح إنه كان ينمو في النعمة و القامة ( لو 2 : 52 ) . فهل هذا يتفق مع لاهوته ؟
طبعاً هذا قيل عنه من الناحية الناسوتية فقط . لأن اللاهوت لا ينمو ، إذ هو في الكمال المطلق . و المقصود أن كمال المسيح ، كان كمالاً في كل مرحلة . فكماله و هو طفل ، غير كماله و هو رجل . هناك نمو و النعمة تعمل معه في كل مرحلة .
أيقونة القيامة
ســؤال
ما رأيكم في الأيقونة التي تصور قيامة السيد المسيح ، خارجاً من صندوق خشبي و ترفع الملائكة غطاءه ، بينما الجند الحراس في خوف ؟
الذي رسم هذه الأيقونة وقع في خطأين . هما :
1- السيد المسيح لم يدفن في صندوق ، بل في حفرة أو مغارة في صخرة . كما قيل عن يوسف الرامي الذي كفن الجسد : " فأخذ يوسف الجسد ،و لفه بكتان نقي . و وضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة . ثم دحرج حجراً كبيراً علي باب القبر و مضي " ( مت 27 : 59 ، 60 ) .
2- لم يأت ملاكان إذن لكي يرفعا غطاء الصندوق ليخرج المسيح . إنما خرج السيد المسيح ، و القبر مغلق عليه ، في وقت لم يعرفه الحراس . أما الملاك الذي دحرج الحجر عن فم القبر و جلس عليه " و حدثت زلزلة ، و من خوفه ارتعد الحراس و صاروا كأموات " ( مت 28 : 2 ، 3 ) . فكان ذلك لكي يمكن النسوة القديسات من رؤية القبر الفارغ . لا لكي يمكن المسيح من القيامة ، إذ كان قد قام و خرج من القبر قبل ذلك . لهذا علي الفنانين الذين يرسمون الأيقونات أن يكونوا علي معرفة بالكتاب المقدس ، و بما يسمونه ( لاهوته الأيقونة ) أي المعلومات اللاهوتية و العقائدية الخاصة بالأيقونة .
من ظهر لمنوح ؟
ســؤال
من الذي ظهر لمنوح في تبشير بميلاد ابنه شمشون ؟ قيل إنه ملاك الرب . و لما سأله منوح عن اسمه ، أجابه " لماذا تسأل عن اسمي و هو عجيب ؟" ( قض 13 : 17 ، 18 ) .
هو الرب و قد ظهر في هيئة " ملاك الرب " . أما قوله " لماذا تسأل عن اسمي و هو عجيب " فإنه يذكرنا بنبوءة سفر اشعياء عن السيد المسيح : " و يدعي اسمه عجيباً ، إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام " ( أش 9 : 6 ) . و الدليل علي ذلك أنه لما صعد ذلك ( الملاك ) في لهيب المذبح ، قال منوح لإمرأته " نموت موتاً لأننا قد رأينا الله " ( قض 13 : 20 ، 22 ) . و أجابته امرأته " لو أراد الرب أن يميتنا ، لما أخذ من يدنا محرقة و تقدمة ، و لما أرانا كل هذه " ( قض 13 : 23 ) .
اليوم تكون معي في الفردوس
ســؤال
هل صحيح أن اللص اليمين هو أول من دخل الفردوس حسب وعد الرب له ( اليوم تكون معي في الفردوس ) ؟
لقد وعده الرب بأن يكون معه في الفردوس في نفس اليوم . و لكن لم يعده بأن يكون أول من يدخل الفردوس . و ليس من المعقول أن يكون اللص التائب هو أول من يدخل الفردوس قبل جميع الآباء و الأنبياء ! أي قبل نوح و موسي و داود و دانيال و ابراهيم و اسحق و يعقوب و باقي الآباء الذين لا شك أنهم دخلوا قبله .
1- و تفسير ذلك أن السيد المسيح له المجد أسلم الروح الصليب في وقت الساعة التاسعة من يوم الجمعة الكبيرة كما ورد في الإنجيل المقدس ( لو 23 : 44 – 46 ) ، ( مر 15 : 34 ، 37 ) ( مت 27 : 46 – 50 ) . و نحن نقول في صلاة الساعة التاسعة من الأجبية " يا من ذاق الموت بالجسد في وقت الساعة التاسعة " .
2- و بعد موت السيد المسيح نزل إلي " أقسام الأرض السفلي و سبي سبياً " ( أف 4 : 9 ، 10 ) . و أخذ أرواح القديسين الذين رقدوا علي رجاء القيامة و أصعدهم من الهاوية و دخل بهم إلي الفردوس .
3- كل ذلك و كان اللصان علي الصليب لم يموتا بعد كما ورد في إنجيل يوحنا " ثم إذ كان استعداد فلكي لا تبقي الأجساد علي الصليب في السبت ، لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً . سأل اليهود بيلاطس أن تكسر سيقانهم و يرفعوا . فأتي العسكر و كسروا ساقي الأول و الآخر المصلوب معه . أما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات " ( يو 19 : 31 – 33 ) .
4- اللصان قد ماتا بعد كسر أرجلهما و أنزلا من علي الصليب و كان ذلك في وقت الساعة الحادية عشرة من النهار .
5- في الفترة ما بين موت السيد المسيح و موت اللص اليمين ، أي في الساعتين ما بين التاسعة و الحادية عشرة ، كان السيد المسيح قد نقل أجساد القديسين الراقدين علي رجاء و فتح لهم باب الفردوس و أدخلهم . ثم في الساعة الحادية عشرة لما مات اللص اليمين نقله السيد المسيح إلي الفردوس .
6- و بهذا لم يكن اللص اليمين هو أول من دخل الفردوس بل دخل في الساعة الحادية عشرة بعد موته .
الباب الثالث
أسئلة حول الروح القدس
الروح القدس
ســؤال
هل الروح القدس هو روح ملاك ، باعتبار أن الملائكة أرواح ؟
و هل هو روح إنسان ، نبي مثلاً فيما بعد ؟
الروح القدس هو روح الله القدوس ( أع 5 : 3 ، 4 ) .
لذلك فهو يحل في قلوب جميع المؤمنين ، كما قيل في الكتاب " أما تعلمون أنكم هيكل الله ، و روح الله يسكن فيكم " ( 1 كو 3 : 16 ) و أيضاً ( 1 كو 6 : 19 ) . و كذلك قال عنه السيد المسيح " و أما أنتم فتعرفونه ، لأنه ماكث معكم ،و يكون فيكم " ( يو 14 : 17 ) .
و محال أن ملاكاً أو إنساناً يحل في جميع البشر و يسكن فيهم .
و مما يثبت أنه ليس إنسان قول الإنجيل عنه " روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ، لأنه لا يراه و لا يعرفه " ( يو 14 : 17 ) . فلو كان إنساناً أو نبياً ، لكان الناس يرونه و يعرفونه . و كذلك قال لهم عنه " يمكث معكم إلي البد " ( يو 14 ك 16 ) . و لا يوجد إنسان يمكث مع تلاميذ المسيح إلي الأبد !
كذلك ينسب إلي الروح القدس القوة علي الخلق .
كقول المزمور للرب عن المخلوقات " ترسل روحك فتخلق " ( مز 104 : 30 ) . و قيل لتلاميذ المسيح ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم " (أع 1 : 8 ) . و قد حل في اليوم الخمسين .
كذلك أمرهم أن يعمدوا باسم الآب و الابن و الروح القدس ( مت 28 : 19 ) .
و من غير المعقول أن يعمدوا باسم ملاك أو إنسان مع الآب و الابن ...
أسئلة حول الروح القدس
ســؤال
قرأت في كتاب عن العنصرة أنه حدث في يوم الخمسين " اتحاد غير منظور بين طبيعة إلهية و طبيعة بشرية " و أنه " ماذا تكون الطبيعة الإلهية إلا جسد المسيح السري بالذات الذي سبق المسيح السري بالذات الذي سبق المسيح و أشار إلي أخذه و أكله و الاتحاد به و الثبات فيه "
فما رأيكم في الاتحاد بالطبيعة الإلهية ؟ وما رأيكم في عبارة " نحن إذن أمام عليقة مشتعلة بالنار " و عبارة " غاية التجسد الإلهي كملت في يوم الخمسين " و " اكتسبت الكنيسة كل ما للمسيح " ؟
السيد المسيح هو الوحيد الذي اتحدت فيه الطبيعة الإلهية ( أي اللاهوت ) بالطبيعة البشرية ( أي الناسوت ) . فإن كان المؤمنون يحدث لهم نفس الوضع ( إتحاد طبيعة إلهية بطبيعة بشرية ) ، فماذا يكون إذن الفارق بين أي إنسان و المسيح ؟ .
هناك طريقان لمحاربة لاهوت المسيح : إما الإقلال من شأن المسيح ، و إنزاله إلي مستوي الناس العاديين كما فعل أريوس .. و إما الإرتفاع بمستوي الناس إلي نفس مستوي المسيح ، بطريقة ما يسمونه ( بتأليه الإنسان ) كهذا الأسلوب الذي ورد في سؤالك . و المحصلة في الحالتين واحدة : أن المسيح كباقي البشر . و الكنيسة لا يمكن أن تكتسب كل ما للمسيح . لأن كلمة ( كل ) لاهوته أيضاً . إن المسيح أعطي الكنيسة حبه ، و لكنه لم يعطها الإلوهية ، فمجده لا يعطيه لآخر . إن التعبيرات اللاهوتية تحتاج باستمرار إلي دقة شديدة . و لو كان الإنسان يتحول إلي " عليقة مشتعلة بالنار " ، لكان الأنبياء يقفون أمامه في خشوع ليسمعوا لصوت الله ، كما فعل موسي ( خر 3 ) . إن الإنسان لم يتحول في يوم الخمسين إلي إله . ولم يكمل فيه التجسد الإلهي الذي كان للمسيح وحده ... أما عبارة " و ماذا تكون الطبيعة الإلهية إلا جسد المسيح السري ، فهي إما أن تكون عبارة أو طاخية ، فيها يضيع الناسوت ، و إما إن كانت الطبيعة الإلهية هي الجسد ، إذن فليس هناك لاهوت ...!ثم ما هو جسد المسيح السري ؟ هل هو الكنيسة ؟ إن كان كذلك ، فلا يمكن أن تكون الكنيسة هي الطبيعة الإلهية . و لا يمكن أن تكون الكنيسة هي جسد المسيح الذي اشار إلي أخذه و أكله . و نحن في القداس الإلهي لا نأكل الكنيسة . هنا خلط بين الجسد الذي أخذه السيد المسيح من مريم العذراء ،و بين الكنيسة بمعني جسد المسيح . أم أن هذا الجسد هو الجسد في سر الإفخارستيا ، الذي يأمرنا الرب بأخذ هو أكله ؟ إن كان الأمر هكذا ، فليس هذا الجسد هو الطبيعة الإلهية ،و إلا سنعود إلي فكرة أو طاخي ! نحن نقول " هذا هو الجسد المحيي الذي أخذه إبنك الوحيد .. من سيدتنا و ملكتنا كلنا القديسة الطاهرة مريم .. و جعله واحداً مع لاهوته . و هنا أيضاً يبرز أمامنا سؤال خطير و هو : هل الحديث في يوم الخمسين هو عن الأقنوم الثالث ( الروح القدس ) أم الأقنوم الثاني ( الإبن ) الذي تجسد من أجلنا ،و قال " خذوا كلوا هذا هو جسدي " ؟ ما شأن سر الإفخارستيا بيوم الخمسين ، يوم حلول الروح القدس كألسنة نار ..؟
تبقي في سؤالك بعض نقاط يجب التعليق عليها و هي :
أ- هل الذي حدث في يوم الخمسين هو حلول أم اتحاد ؟ الكتاب يتحدث بلا شك عن حلول الروح القدس . و يقول السيد المسيح " ستنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم " ( أع 1 : 8 ) .
ب- هل كانت ( العليقة المشتعلة بالنار ) ترمز إلي التجسد الإلهي ؟ أم كانت ترمز إلي يوم الخمسين ؟ و هل التجسد الإلهي في طبيعته و غايته و نتائجه ، هو نفس ما حدث للتلاميذ في يوم الخمسين ، بحيث أن " غاية التجسد الإلهي تكون قد بلغت ذروتها في يوم الخمسين " .
ج – و هل الأقنوم الثالث حدث له تجسد مع البشر في يوم الخمسين ،بحلول عليهم أو إتحاده بهم حسبما قرأت ؟
التجديف علي اروح القدس
ســؤال
تزعجني جداً الآية التي تقول " كل خطية و تجديف يغفر للناس .و أما التجديف علي الروح فان يغفر للناس " ( مت 12 : 31 ) .و أحياناً أظن أنني وقعت في خطية التجديف هذه ، فأقع في اليأس . أرجو أن تشرح لي ما معني التجديف علي الروح القدس ؟ و كيف أنه لا مغفرة لها في هذا الدهر و لا في الدهر الآتي ؟و عدم المغفرة هذا ، كيف يتفق مع رحمة الله و مع وعوده الكثيرة ..؟!
مخاوفك هذه هي محاربة من الشيطان ليوقعك في اليأس . فاطمئن .. أما معني التجديف علي الروح ، و الخطية التي بلا مغفرة ، فسأشرحه لك بمعونة الرب ... ليس التجديف علي الروح القدس هو عدم الإيمان بالروح القدس و لاهوته و عمله ،و ليس هو أن تشتم الروح القدس . فالملحدون إذا آمنوا ، يغفر الله لهم عدم إيمانهم القديم و سخريتهم بالله و روحه القدوس . كذلك كل الذين تبعوا مقدونيوس في هرطقته و إنكاره لاهوت الروح القدس ، لما تابوا قبلتهم الكنيسة و أعطتهم الحل و المغفرة . إذن ما هو التجديف علي الروح القدس ؟و كيف لا يغفر ؟
التجديف علي الروح القدس ، هو الرفض الكامل الدائم لكل عمل للروح القدس في القلب ، رفض يستمر مدي الحياة .
و طبعاً نتيجة لهذا الرفض ، لا يتوب الإنسان ، فلا يغفر الله له .
إن الله من حنانه يقبل كل توبة و يغفر . و هو الذي قال " من يقبل إلي ، لا أخرجه خارجاً " ( يو 6 : 37 ) . و صدق القديسون في قولهم :
لا توجد خطية بلا مغفرة ، إلا التي بلا توبة .
فإذا مات الإنسان في خطاياه ، بلا توبة ، حينئذ يهلك ، حسب قول الرب " إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون " ( لو 13 : 5 ) . إذن عدم التوبة حتى الموت ، هي الخطية الوحيدة التي بلا مغفرة . فإن كان الأمر هكذا ، يواجهنا هذا السؤال :
ما علاقة عدم التوبة بالتجديف علي الروح القدس ؟
علاقة واضحة ز و هي أن الإنسان لا يتوب ن إلا بعمل الروح فيه . فالروح القدس هو الذي يبكت الإنسان علي الخطية ( يو 16 : 8 ) . و هو الذي يقوده في الحياة الروحية و يشجعه عليها .و هو القوة التي تساعد علي كل عمل صالح ...
و لا يستطيع أحد أن يعمل عملاً روحياً ، بدون شركة الروح القدس .
فإن رفض شركة الروح القدس ( 2 كو 13: 14 ) ، لا يمكن أن يعمل خيراً علي الإطلاق . لأن كل أعمال البر ، وضعها الرسول تحت عنوان " ثمر الروح " ( غل 5 : 22 ) . و الذي بلا ثمر علي الإطلاق ، يقطع و يلقي في النار كما قال الكتاب ( مت 3 : 10 ) ، ( يو 15 : 4 ، 6 ) .
الذي يرفض الروح إذن : لا يتوب ،و لا يأتي بثمر روحي ...
فإن كان رفضه للروح ، رفضاً كاملاً مدي الحياة ، فمعني ذلك أنه سيقضي حياته كلها بلا توبة ، و بلا أعمال بر ، و بلا ثمر الروح . و طبيعي أنه سيهلك . وهذه الحالة هي التجديف علي الروح القدس . إنها ليست إن الإنسان يحزن الروح ( أف 4 : 30 ) ،و لا أن يطفئ الروح ( 1 تس 5 : 19 ) ، و لا يقاوم الروح ( أع 7 : 51 ) ، إنما هي رفض كامل دائم للروح ، فلا يتوب ، و لا يكون له ثمر في حياة البر . و هنا يواجهنا سؤال يقوله البعض ، و يحتاج إلي إجابة :
ماذا إن رفض الإنسان كل عمل للروح ، ثم عاد و قبله و تاب ؟
نقول إن توبته و قبوله للروح ، و لو في آخر العمر ، يدلان علي أن روح الله مازال يعمل فيه ،و يقتاده للتوبة . إذن لم يكن رفضه للروح رفضاً كاملاً دائماً مدي الحياة . فحالة كهذه ليست هي تجديفاً علي الروح القدس ،حسب التعريف الذي ذكرناه . إن الوقوع في خطية لا تغفر ، عبارة عن حرب من حروب الشيطان .
لكي يوقع الإنسان في اليأس ،و يهلكه باليأس . و لكي يوقعه في الكاَبة التي لا تساعده علي أي عمل روحي . أما صاحب السؤال فأقول له : مجرد سؤالك يدل علي اهتمامك بمصيرك الأبدي . و هذا من عمل الروح فيك . إذن ليست هذه حال تجديف علي الروح . بقي أن نجيب علي الجزء الأخير من السؤال :
هل تتفق عدم المغفرة ، مع مراحم الله ؟
أقول إن الله مستعد دائماً أن يغفر ،و لا يوجد شئ يمنع مغفرته مطلقاً . و لكن المهم أن يتوب الإنسان ليستحق المغفرة ... فإن رفض الإنسان التوبة ، يظل الرب ينتظر توبته و لو في اَخر لحظات الحياة ، كما حدث مع اللص اليمين . فإن رفض الإنسان أن يتوب مدي الحياة ، و رفض كل عمل للروح فيه إلي ساعة موته ، يكون هو السبب في هلاك نفسه ،و ليس الله الرحوم هو السبب ، تبارك إسمه ...
متي أخذ التلاميذ الروح القدس ؟
ســؤال
متي أخذ التلاميذ الروح القدس ؟
هل حينما حل عليهم كألسنة نار في يوم الخمسين (أع 2 ) .
أم حينما نفخ الرب فيهم قائلاً " إقبلوا الروح القدس " ( يو 20 ) ؟
لقد قبلوا السكني الدائمة للروح القدس فيهم ، يوم الخمسين .
و حينئذ تحقق وعد الرب لهم أن " يلبسوا قوة من الأعالي " ( لو 24 : 49 ) .و تحقق قوله أيضاً " إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي . و لكن إن ذهبت ، أرسله إليكم " ( يو 16 :7 ) . و واضح من هذا النص ، أنهم سيأخذون الروح القدس بعد صعود السيد إلي السماء . و هذا ما حدث في يوم الخمسين ( أع 2 : 2 – 4 ) .
أما حينما نفخ الرب فيهم ، فقد أعطاهم سر الكهنوت .
و في هذا الكتاب " نفخ و قال لهم إقبلوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه تغفر له . و من أمسكتم خطاياه أمسكت " ( يو 20 : 22 ، 23 ) . أي أنه أعطاهم بالروح القدس سلطان مغفرة الخطايا . أو أنه أعطاهم الروح الذي به يغفرون الخطايا ، فتكون المغفرة من الله .
و نفخة الروح هنا خاصة بهم ، وليست لجميع المؤمنين .
إنما هي تخص من المؤمنين من يعملون عمل الكهنوت من تلاميذ الرسل و من خلفائهم . أما حلول الروح القدس الذي نالوه يوم الخمسين فهو للكل . و كان الرسل يعطونه للناس بوضع اليد ( أع 8 : 17 ) . ثم بالمسحة المقدسة ( 1 يو 2 : 20 ، 27 ) . و هي التي نمارسها حالياً في سر المسحة بالميرون المقدس ، لجميع المؤمنين .
و الرسل إذن أخذوا الكهنوت حينما نفخ الرب فيهم ،
و مارسوا هذا الكهنوت يوم الخمسين بتعميد الناس ...
كان الرب يعلم أنهم يحتاجون إلي الكهنوت المقدس ، ليعمدوا الأعضاء الجدد في الكنيسة ، و يمارسوا الحل و الربط و باقي الأسرار ، لذلك منحهم الروح القدس الذي يعطيهم سلطان الكهنوت هنا ، قبل منحه لهم السكني الدائمة للروح فيهم ، اللازمة لخدمتهم و حياتهم أيضاً ...
علاقة الرسل بالروح القدس
ســؤال
هل كل رسول هو مؤيد بالروح القدس ؟و علي هذا الأساس يكون السيد المسيح مثل باقي الرسل في علاقته بالروح القدس ؟
الرسل لهم علاقة بالروح القدس ، لأن الروح القدس – كما ورد في قانون الإيمان – هو الناطق في الأنبياء . و لكن السيد المسيح يتميز عن الجميع بأن علاقته بالروح القدس علاقة أقنومية و علامة أزلية ، و علاقة تساو ...
علاقة المسيح بالروح القدس ، هي قبل خلق العالم ، و قبل كل الدهور ، و قبل الزمن ، هي منذ الأزل ،و لا يوجد رسول هكذا ...
هو ثابت في الروح القدس ، و الروح القدس ثابت فيه ، و كلاهما ثابتان في الجوهر ، نفس الطبيعة .. و في هذا يختلف عن الكل . ثم أنه هو الذي أرسل الروح القدس لتلاميذه القديسين ، فحل عليهم في اليوم الخمسين و منحهم التكلم بألسنة . و لا يستطيع رسول أن يقول إنه أرسل الروح القدس .
هل يعمل الروح القدس في غير المؤمنين ؟
ســؤال
قرأنا في قصة عماد كرنيليوس ، أنه بينما كان بطرس يتكلم " حل الروح القدس علي جميع الذين كانوا يسمعون الكلمة " حتي أن المؤمنين اندهشوا " لأن موهبة الروح القدس انسكبت حتي علي الأمم أيضاً " ( أع 10 : 44 ، 45 ) .
فهل الروح القدس يمكن أن يعمل في غير المؤمنين ؟
الروح القدس يعمل في غير المؤمنين لكي يؤمنوا .
إذ كيف يمكن أن يؤمنوا ، إن لم يعمل الروح القدس فيهم ؟! و هوذا الكتاب يقول : لا يستطيع أحد أن يقول إن المسيح رب إلا بالروح القدس ( 1 كو 12 : 3 ) .
و عمل الروح للإيمان ، غير سكناه الدائمة في المؤمن .
إن الروح القدس يمكن أن يعمل في قلب إنسان غير مؤمن ليدعوه إلي الإيمان ، أو يجري معه معجزة أو أعجوبة تكون سبباً في إيمانه . و لكن بعد أن يؤمن ، لا بد أن ينال الروح القدس بالمسحة المقدسة في سر الميرون المقدس ، ليعمل الروح فيه علي الدوام .
و ممكن أن يعمل الروح في غير المؤمنين لخير الكنيسة .
كما قال الكتاب " نبه الرب روح كورش ملك فارس " ( عز 1 : 1 ) . و ذلك لبناء بيت الرب في أورشليم ... و الحوادث من هذا النوع كثيرة في الكتاب ، و في التاريخ ...
هل الروح القدس هو الملاك جبرائيل ؟
ســؤال
سمعت من أحدهم أن الروح القدس هو الملاك ( جبرائيل ) ، فهل هذا صحيح ؟ و البعض يقول إنه روح ( نبي ) فهل هذا صحيح ؟
الجـواب
الروح القدس هو روح الله ،و ليس روح ملاك أو نبي . لأن الملاك أو النبي محدود . أما الروح القدس – فكما علمنا الإنجيل – غير محدود .
فهو يحل في جميع المؤمنين ، كما قال الكتاب " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم " ( 1 كو 6 : 19 ) . فهل يعقل أن ملاكاً أو نبياً يحل في كل إنسان مؤمن أي في مئات و آلاف المؤمنين ؟!
و قيل أيضاً في الإنجيل عن الشهداء " لا تهتموا كيف أو بما تتكلمون . لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به . لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم " ( مت 10 : 20 ) . فهل كان ممكناً لملاك أو نبي أن يتكلم في أفواه اَلاف الشهداء في بداية العصر المسيحي يستشهدون في اماكن كثيرة متباعدة في نفس الوقت ؟
قال السيد المسيح عن الروح القدس إنه " يمكث معكم إلي الأبد ، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه و لا يعرفه " ( يو 15 : 16 ، 17 ) . و طبعاً لا يمكن أن ينطبق هذا الكلام علي نبي ، لأنه لا يمكث مع الناس إلي الأبد ، كما أن الناس يمكن أن يروه و يعرفوه ، و بالتالي لا يمكن أن ينطبق علي ملاك ن لنه لا يمكث مع جميع المؤمنين إلي الأبد لأنه محدود .
و يتابع الكتاب قوله " أما أنتم فتعرفونه ، لأنه ماكث معكم و يكون فيكم " ( يو 15 : 17 ) . فمن هو هذا الملاك أو النبي ، الذي يمكث مع جميع الناس و يكون فيهم ، إلي الأبد ؟!
قـدوس أم مقـدس ؟
ســؤال
البعض يقول " أيها الثالوث المقدس ارحمنا " فهل هذا صحيح ؟ و هل صحيح أن نقول الملائكة المقدسين ؟
بالنسبة إلي الله نستعمل كلمة قدوس .
فنقول " أيها الثالوث القدس ، ارحمنا " . و قال الملاك جبرائيل في تبشير العذراء مريم بميلاد المسيح : " لذلك القدوس المولود يدعي ابن الله " ( لو 1 : 35 ) . و في تسبحة السارافيم قال " قدوس رب الجنود " ( أش6 : 3 ) .و في تسبحة الملائكة للرب في سفر الرؤيا ، قالوا له " من لا يخافك يا رب و يمجد إسمك ، لأنك أنت وحدك قدوس " ( رؤ 15 : 4 ) .
أما الملائكة فنقول عنهم الملائكة القديسين و ليس الملائكة المقدسين . لأنهم قديسون بطبيعتهم و ليسوا مجرد مقدسين من البشر .
و إن كنا نصف بعض من البشر بكلمة قديسين ، فلا شك أن الملائكة أولي : و قد قيل عن الرب إنه " ملك القديسين " ( رؤ 15 : 5 ) .