الفصل السادس الصوم
واضح أن الصوم لم يكن رمزاً ، أنما هو وصية قائمة في العهد القديم ، كما هي قائمة في العهد الجديد ، والبروتستانت لا ينكرونه بصفة مطلقة ، إنما يلغونه تقريباً من الناحية العملية .
وهنا سوف لا أتكلم عن الصوم بصفة عامة ، وأهميته وفائدته ،وروحانياته فهذا كله يمكن قراءته في كتابنا {روحانية الصوم } . إنما أريد أ، أركز على نقط الخلاف
بيننا وبين البروتستانت في موضوع الصوم .
3- لا يوافقون فى الصوم على الطعام النباتي ، والأمتناع عن الأطعمة الحيوانية ويتهموننا بأننا فى ذلك ينطبق علينا على الأقل الجزء الأخير من الآية التي تقول { في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الأيمان ... مانعين عن الزواج ، وأمرين أن يمتنع عن أطعمة خلقها الله لتتناول بالشكر }
4- { 1تى 4: 1-3 } . أعتراض الصوم في الخفاء
الصوم فى الخفاء خاص بالعبادة الفردية وليس بالعبادة الجماعية . لأنه يوجد هذان النوعان من العبادة ...
أ- ففي الصلاة مثلاً : توجد الصلاة الفردية ، التي تصليها في مخدعك ، ولأبيك الذى يرى في الخفاء . وهذا لا يمنع من وجود الصلاة الجماعية التي تصليها معاً كل جماعة المؤمنين بروح واحدة ونفس واحد ة وصوت واحد . وأمثلتها كثيرة في العهد الجديد . منها صلاة المؤمنين بعد إطلاق الرسولين بطرس ويوحنا من السجن { فلما سمعوا رفعوا بنفس واحدة ، صوتاً إلى الله وقالوا } { أع 4 : 24 } .طبعاً مثل هذه الصلاة لا تنطبق عليها وصية الرب الخاصة بالصلاة في الخفاء { مت 6 : 6} .
ب- كذلك في الصدقة : يوجد عطاء في الخفاء كعمل فردى ، لا تجعل فيه شمالك تعرف ما تفعله يمينك { متى 6: 3 } . ولكن هذا لا يمنع العطاء العام الذي يجمع من الكل ، كما جمع داود النبي من أجل بناء الهيكل وذكر ما قدمه هو بالتفصيل ، وما قدمه رؤساء الآباء ، ورؤساء الأسباط ، ورؤساء الألوف والمئات ، ورؤساء أشغال الملك } {1 أى29 :3-9 } .. ومثل هذا العطاء ما كان الناس يضعونه في الخزانة ، كالتى وضعت فلسين في الصندوق{لو 21 : 1 ،2 } .
ج- كذلك في الصوم : يوجد الصوم الفردي في الخفاء . وهذا لا يمنع الصوم العام ،لكى يشترك كل المؤمنين معاً فى صومهم .فهل الصوم الجماعي تعليم كتابى أم لا ؟اعتراض الصوم الجماعي
هناك أمثلة كثيرة في الكتاب عن الصوم الجماعي ، ومنها :
أ- صوم الشعب أيام أستير :
الشعب كله صام معاً ، في وقت واحد ، من أجل غرض واحد ، وبصلاة وطلبة واحدة إلى الله . وقبل الرب صومهم ، واستجاب لهم { أس 4 } .
ب- صوم أهل نينوي :
يقول نحميا { وفى اليوم الرابع والعشرين من هذا الشهر ، اجتمع بنو إسرائيل بالصوم ، وعليهم مسح وتراب } { نح 9: 1 } .
ويقول عزرا { وناديت بصوم على نهر أهوا ، لكى نتذلل أمام إلهنا ، لنطلب منه طريقاً مستقيمة ، لنا ولأطفالنا ولكل ما لنا } { عز 8: 21 .
د- الصوم أيام يوئيل :
ورد فيه { الآن – يقول الرب – ارجعوا إلى بكل قلوبكم – و بالصوم والبكاء والنوح } {قدسوا صوما نادوا باعتكاف . اجمعوا الشعب ، قدسوا الجماعة ليخرج العريس من مخدعة ، والعروس من حجلتها ... } { يوئيل 2 : 12 – 17 } . هـ – وفى العهد الجديد صوم الرسل :لما سئل السيد المسيح لماذا لا يصوم تلاميذه ؟ أجاب بأنه { حين يرفع عنهم العريس ،
حينئذ يصومون } { متى9 : 15 } . وقد صاموا فعلا ، معاً و ليس في الخفاء .
و قبل الله صومهم . ومن أمثلة صوم الآباء الرسل ، قول الكتاب { وفيما هم يخدمون الرب ويصومون ، قال الروح القدس : افرزوا لى برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليهما . فصاموا حينئذ وصلوا ، ووضعوا عليهما الأيادى } { أع 13: 2 ، 3 } .
و- والقديس بولس الرسول صام صوماً كثيراً وكل أهل السفينة} أع 27 : 21 { .
الصوم الجماعي مقبول إذن ، وهو تعليم كتابي ، ويدل على وحدانية الروح في العبادة وفي التقرب إلى الله ، وبخاصة إذا كان غرض الصوم أمراً يهم الجماعة كلها ، أو إذا كانت تشترك في الصوم ، كما في الصلاة ، بروح واحد .
اعتراض على مواعيد الصوم
إن الصوم في مواعيد محددة هو أيضاً تعليم كتابي ، كما حدد الرب – في سفر زكريا النبي –صوم الشهر الرابع ، وصوم الشهر الخامس ، وصوم السابع ، وصوم العاشر { زك 8: 19 } .ولعل الحكمة فى تحديد مواعيد الصوم هو تنظيم العبادة الجماعية .
وفي المسيحية أخذت مناسبات الصوم طابعاً مسيحياً ، لكل منه حكمته وتأثيره و هدفه الروحي .
لم يقل الرسول { لا يحكم أحد عليكم في صوم } إنما قال { لا يحكم أحد عليكم في أكل أو شرب ... وكان المقصود بذلك المحرمات فى الأطعمة بالنسبة إلى اليهود ، كأصناف الطعام التي كانوا ينجسونها .
وهذا يذكرنا بالرؤيا التي رآها القديس بطرس الرسول في قصة هداية كرنيلنوس ، لما رأى ملاءة عظيمة وعليها كل أنواع الأطعمة ، وسمع صوتاً يقول له اذبح و كل .
فقال بطرس { لا يارب ، لأنى لم آكل قط شيئاً دنساً ، أو نجساً ، فصار إليه الصوت ما طهره الله لاتدنسه أنت } { أع 10 : 11- 15 } . عن هذه الأطعمة المعتبرة نجسة ودنسة ، قال بولس الرسول { لايحكم عليكم أحد فى أكل وشرب } . وذلك لأنه
في مبدأ الإيمان بالمسيحية ، كان أول من دخل المسيحية هم اليهود ، فأرادو تهويد المسيحية أى أن تدخل فى المسيحية كل العادات اليهودية مثل النجاسات والتطهير .
و كذلك ما يخص اليهودية من حفظ السبت والاحتفال بالخلال وأوائل الشهور ، والأعياد اليهودية كما هى { مثل ، والفطير ، والأبواق ، والمظال ، ويوم الكفارة }
فاراد بولس مقاومة تهويد المسيحية . ولذلك قال { لا يحكم أحد عليكم فى أكل أو شرب أو من جهة عيد أو هلال أو سبت التي هى ظل الأمور العتيدة }
{ كو 2 : 16، 17 }.
إذن لم تكن مناسبة حديث عن الصوم ، إنما عن العادات اليهودية التي يريدون ادخالها إلى المسيحية .
اعتراض الصوم النباتي
I- نحب أن نقول أولاً أن الصوم فى كنيستنا ليس هو مجرد طعام نباتى ، إنما هو انقطاع عن الطعام فترة معينة يعقبها أكل نباتى { خال من الدسم النباتي} .
ب- الطعام النباتي كان الطعام الذي قدمه الرب ،لآدم وحواء فى الفردوس .
{ تك1: 29} وبعد الخطية أيضاً { تك 3: 18 } . وكانت الحيوانات كلها تأكل طعاماً نباتياً هوالعشب { تك1: 30 } .
ج- لم يسمع الكتاب بأكل اللحم إلا بعد فلك نوح { تك 9: 3 } وكان العالم قد هبط مستواه جدأ للدرجة التى ألجأت الرب إلى الطوفان .
د- لما قاد الرب شعبه في برية سيناء ، قدم لهم طعاماً نباتياً هو المن .
{ عدد 11 : 7، 8 } ولم يسمح بأكل اللحم { السلوى } إلا بعد تذمرهم وبكائهم و هبوط مستواهم . ومع عطية اللحم ضربهم ضربة شديدة . فمات منهم كثيرون{ عدد 11 : 33 } وسمى ذلك المكان قبروت هتأوه { أى قبور الشهوة } ،لأنهم هناك اشتهوا أكل اللحم
هـ – و نلاحظ أن الطعام النباتي هو الطعام الذي أكله دانيال النبي والثلاثة فتية ،و بارك الرب طعامهم ، وصارت صحتهم أفضل من كل غلمان الملك { دا 1: 12 – 15 } .ولعل الحكمة في استخدام الطعام النباتي هي أمران : استخدام الأطعمة الخفيفة البعيدة عن الشهوة والتي لا تثير الجسد ، كما أن الطعام النباتي كان النظام الأصلي الذي وضعه الله للإنسان .
أعتراض" مانعين عن أطعمة "
الكتاب في النص الذي اعتمد عليه البروتستانت ، لا يتحدث عن نظام في الكنيسة ، إنما يقول { يرتد قوم عن الإيمان ، تابعين أرواحاً مضلة وتعاليم شياطين مانعين عن الزواج وآمرين أن يمتنع عن أطعمة قد خلقها الله للتناول بالشكر {1تي4: 1-3}.
ولعل المقصود بهذا المانعين والمونتانيين الذين حرموا الزواج ، وحرموا اللحم ، وحرموا الخمر ، وقد حرمتهم الكنيسة وشجبت كل ما نشروه من بدع .
والكنيسة لا تحرم اللحوم وما ينتمي إليها ، إنما تمتنع عنها في الصوم نسكاً وليس لأنها نجسة . بدليل أن الصائمين يأكلون هذه الأطعمة حينما يفطرون .
إن دانيال أكل القطاني فقط وامتنع عن باقي الأطعمة ، ولم يقع تحت حكم هذه الآيات . وكذلك يوحنا المعمدان في كل ما امتنع عنه من أطعمة وكذلك النساك في كل زمان ومكان .
عن النسك – ولوقت محدد – شئ ، وتحريم الأطعمة شئ آخر…
تنظيم الصوم وسلطة الكنيسة
بقي أن نقول نقطة أخيرة هامة وهي :
إن الكنيسة نظمت الصوم ، ووضعت له أسسه الروحية ، ومواعيده الثابتة المبنية علي قواعد روحية ليس الآن مجالها . وهكذا احتفظت بالصوم ، وبقي كعمل روحي لا يستغني عنه احد .
والكنيسة من حقها أن تنظم ، بل من واجبها أن تنظم ، من أجل صالح جماعة المؤمنين لكي يعبدوا الله جميعاً روح واحدة . وهي تعتمد في ذلك علي قول الرب لقادتها { ما ربطتموه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء . وما حللتموه علي الأرض يكون محلولاً في السماء }{مت18:18}.
وهكذا يستند التنظيم الكنسي علي نص كتابي .
أما الأخوة البروتستانت ، فمن أجل حرية الفرد ، اضاعوا فائدة الجماعة كلها واختفي الصوم تقريباً عندهم . وهو ووساطة روحية لا ينافس أحد في مدي نفعها .
والنظام عموماً نافع للفرد ، ولا يعتبر مانعاً لحريته ، بل هو منظم لاستخدامها .