الفصل الثالث التقليد
التقليد الصحيح ، والتقاليد الباطلة
التقليد هو كل تعليم وصل إلينا عن طريق التسليم الرسولي و الآبائي ، غير الكلام الذي ترك لنا كتابة في الكتاب المقدس ، في موضوعات برما لم تذكر في الكتاب ، ولكنها لا تتعارض معه في شئ .
والبروتستانت لا يؤمنون بالتقليد . ولا يلتزمون إلا بالكتاب المقدس وبهذا الوضع يتركون كل التراث الذي تركته الأجيال السابقة للكنيسة : كل ما تركه الآباء الرسل ، آباء الكنيسة الأولي ، والمجامع المقدسة ، والقوانين والنظم الكنسية ، وما في الكنيسة من طقوس ومن نظم ، وما أخذناه من تعليم شفاهي عبر هذه الأجيال الطويلة كلها . وسنبحث هنا موضوع التقليد .
والتقليد هو أقدم من الكتاب ، يرجع إلي أيام أبينا آدم :
لعل أقدم ما وصل إلينا من الشريعة المكتوبة ، كان علي يد موسى النبي ، الذي عاش في القرنين الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد ، ولكن التقليد أقدم هم هذا بكثير .. آلا السنين مرت علي البشرية بدون شريعة مكتوبة . فمن الذي كان يقود تفكيرها : الضمير من جهه { ويسمي الشريعة الأدبية }. والتقليد من جهة أخري وهو تسليم جيل لجيل آخر .
وسنحاول أن نضرب بعض الأمثلة السابقة للشريعة المكتوبة .
1- ورد في سفر التكوين أن هابيل الصديق قدم قرباناً من ابكار غنمه ومن سمانها {تك4:3}. وشرح القديس بولس الرسول هذا الأمر { بإيمان قدم هابيل ذبيحة أفضل من قايين {عب4:11}. وهنا نسأل :
ومن أين عرف هابيل فكرة الذبيحة التي تقدم قرباناً لله ؟ ومن أين أتاه هذا الإيمان ، ولم تكن في زمنه شريعة مكتوبة ؟
لاشك أنه تسلمها بالتقليد من أبيه آدم ، وأبونا آدم تسلمها من الله نفسه ، كل ذلك قبل أن يكتب موسي النبي عن الذبائح والمحرقات بأربعة عشر قرناً من الزمان .
2- ونفس الوضع يمكن أن تقوله عن كل المحرقات التي قدمها آباؤنا نوح وإبراهيم واسحق ويعقوب ، وأيوب أيضاً ..
كلهم عرفوا الذبيحة وتسلموها عن طريق التقليد . وأيضاً تسلموا بناء المذابح كما فعل أبونا نوح بعد الطوفان حينما { بني مذبحاً للرب }{تك20:8}.، وأبونا إبراهيم حينما بني مذبحاً عند بلوطة مورا {تك7:12}. وتتابع معه بناء المذابح ولم يكن هناك كتاب مقدس يأمر ببناء المذابح .
3- يذكر الكتاب أن أبانا نوح بعد الطوفان{أخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة ، واصعد محرقات علي المذبح . فتنسم الرب رائحة الرضا }{تك8: 20،21}.
فمن أين عرف نوح فكرة تقديم الذبائح من الحيوانات الطاهرة ؟
لعله أخذها عن الله مباشرة ، ثم سلمها للأجيال من بعده ، قبل أن يشرح موسى فكرة ووصف الحيوانات الطاهرة ، في التواره.
4- وفي قصة مقابلة أبينا إبراهيم لملكي صادق ، قيل عنه أنه { كاهن الله العلي }{تك18:14}.
فمن أين عرف هذا الكهنوت ، الذي أتاح لملكي صادق أن يبارك أبانا إبراهيم .
والذي جعل أبرآم يقدم العشور لملكي صادق ؟ {تك20:14}. ويعتبر بهذا أكبر منه {عب7: 6، 7}.
وفي ذلك الحين لم تكن هناك شريعة مكتوبة تشرح الكهنوت وعمله وكرامته ومباركته للآخرين . وفي كل الإصحاحات السابقة من سفر التكوين لم ترد مطلقاً كلمة { كاهن }ولا كلمة {كهنوت }…
من أين معرفة الكهنوت إلا عن طريق التقليد …
1- وفي نفس قصة مقابلة أبرآم لملكي صادق ، نسمع أن أبرآم ، أعطاه عشراً من كل شئ }تك20:14}.
فمن أين عرف تقديم العشور للكهنة وقت أبينا إبراهيم ، إلا عن طريق التقليد ..
إن شريعة العشور لم تكن قد وردت بعد في شريعة مكتوبة .
وبنفس الوضع كيف عرف أبونا يعقوب فكرة العشور حينما قال للرب {وكل ما تعطيني ، فإني أعشره لك }{تك22:28}.
قطعاً أبونا يعقوب تسلم شريعة العشور بالتقليد ، إذا تسلمها عن جده إبراهيم من الذي قدم العشور لملكي صادق ، ولم يأخذها إطلاقا من شريعة مكتوبة ..
واضح أن التقليد كان معلماً للبشرية قلب الشريعة المكتوبة .. وبقي بعدها ..
6- وفي قصة هروب أبينا يعقوب من جهه أخيه عيسو حينما رأي سلماً منصوبة علي الأرض ورأسها يمس السماء ، والملائكة صاعدة ونازلة عليها . وكلمة الرب وأعطاه وعداً .. يقول الكتاب أن يعقوب قال {ما هذا إلا
بيت الله وهذا باب السماء }. {ودعا أسم ذلك المكان بيت إيل } { أي بيت الله } {واخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسة ، وأقامه عموداً وصب زيتا علي رأسه }.
فمن أين عرف أبونا يعقوب عبارة } بيت الله {؟
ومن أين عرف فكرة تدشين بيوت الله بصب زيت عليها ؟
ولا شئ من هذا كله ورد له ذكر في شريعة مكتوبة .. وليس له تفسير سوي التقليد ..
7- ولما أعطي الرب الشريعة المكتوبة ، أبقي التقليد أيضاً .
وأوصي الآباء في مناسبات عديدة – أن يوصوا أولادهم ، ليسلموهم التعليم . فقد أمرهم أن يخبروا أولادهم بقصة ومناسبة تكريس كل بكر فاتح رحم للرب {خر13: 14/16}. وقال أيضاً { إنما احترز واحفظ نفسك جداً ، لئلاً تنسي نفسك ما أبصرت عيناك ولئلا تزول من قلبك كل أيام حياتك ، وعلمها أولادك وأولاد أولادك }{تث9:4}.
8- وحتي في المسيحية نري أن بعض كتبة العهد الجديد كتبوا بعض معلومات عن العهد القديم أخذوها بالتقليد .
مثال ذلك بولس الرسول ذكر اسمي الساحرين اللذين قاوما موسي النبي فقال { وكما قاوم ينيس ويمبريس موسى، كذلك هؤلاء ايضاً يقاومون الحق }{2تي8:3}.
ونحن لا نجد هذين الاسمين في أسفار موسى النبي ولا في كل أسفار العهد القديم . ولكن لعل بولس الرسول عرف ذلك عن طريق التقليد .
9- والذي حدث في العهد الجديد هو نفس الذي حدث في العهد القديم . ولكن بنسبة أقل .
إذ مضت مدة طويلة لم تكن هناك فيها أناجيل مكتوبة ولا رسائل مكتوبة .
وكل الناس يتلقون الإيمان كله ، وقصة المسيح كلها ، وتعاليمه ، وعمله الفدائي كل ذلك عن طريق التقليد ، ما يقرب من عشرين سنة …
10- إن السيد المسيح لم يكتب إنجيلاً ، ولم يترك إنجيلاً مكتوباً . ولكنه كان يعظ ويعلم ، ويترك للناس كلامه روحاً وحياة {يو63:6}.وهذا يتناقله الناس وحينما بدأ تعليمه وعمله الكرازي قال للناس {قد كمل الزمان ، واقترب ملكوت الله ، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل }{مر15:1}. ولم يكن هناك إنجيل مكتوب ، إنما كانت هناك كرازة وبشارة مفرحة ، تلك التي تمثل الإنجيل الشفاهي ، أو التعليم الإلهي الذي يتناقلونه بالتسليم .
ونفس المعني يطلق علي قول الرب لتلاميذه {اذهبوا إلي العالم أجمع ، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها }{مر15:16}. كل ذلك خارج النطاق المكتوب .
1- لم يذكر كل ما فعله السيد المسيح ، ولا كل ما قاله .. وإنما الذي حدث هو أن الإنجيليين اختاروا بعضاً من أقوال السيد المسيح ومن أعماله وسجلوها في وقت ما للناس ، وتركوا الباقي . وهذا واضح في أخر إنجيل قد كتب ، إذا يقول القديس يوحنا الرسول { وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع ، إن كتبت واحدة فواحدة ، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة }{يو25:21} كما يقول ايضاً { وآيات آخر كثيرة صنعها يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب . وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح ، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه }{يو20: 30،31}.
لا تظنوا أم معجزات المسيح هي فقط التي وردت في الإنجيل فالآف المعجزات لم تكتب . يكفي لا ثبات هذا قول لوقا البشير{ وعند غروب الشمس ، كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه ، فكتن يضع يديه علي كل واحد فيشفيهم }{لو40:4}.
ما عدد هؤلاء المرضي ؟ كثير جداً . ولم تسجل كل حوادث الشفاء ويقول معلمنا متي البشير { وكان يسوع يطوف كل الجليل ، يعلم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت ، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب }{مت23:4}.
ما هي حوادث شفاء كل مريض ؟ لم تذكر .
وماذا كان تعليم الرب في المجامع وكرازته ؟ لم يذكر أيضاً .
يقول معلمنا مرقس الإنجيلي أن المسيح لما دخل كفر ناحوم دخل المجمع { وصار يعلم فبهتوا من تعليمه لأنه كان يعلمهم بسلطان وليس كالكتبة }{مر21:1}.
ما هو هذا التعليم الذي بهتوا منه ؟ لم يكتب .
وفي معجزة الخمس خبزات والسمكتين ، كان الناس من الصباح حتي بدأ النهار يميل . فماذا كان تعليمه لهم ؟ لم يذكر شئ عنه في الأناجيل .
وما هو التعليم الذي قاله المسيح علي شاطئ البحيرة ؟ وعلي شاطئ النهر ؟ وفي السفينة ؟ وفي الطرقات ؟ لا نعرف ، ولم يذكر في الإنجيل .
ب) وبعد قيامته ، حدث نفس الوضع .. قيل إن السيد المسيح قابل تلميذي عمواس .
{ وبدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يشرح لهم الأمور المختصة به في جميع الكتب {} لو27:24}.كل هذا وغيره لم يكتب في الأناجيل . ولكنه ولا شك وصل إلينا عن طريق التقليد ، أو وصل بعضه علي الأقل .
ج- ثم ماذا عن قترة الأربعين يوماً التي قضاها الرب مع تلاميذه بعد القيامة يتكلم معهم فيها عن الأمور المختصة بملكوت الله {أع3:1}.
ماذا قال الرب عن الأمور المختصة بملكوت الله ؟
لا شك أنها أشياء هامة جداً استحقت من الرب لقاءات له مع تلاميذه بعد القيامة { ولكنها مع كل هذا لم تذكر في الكتاب المقدس .. ولعلها أمور كانت لقادة الكنيسة ، يفهمونها ، ثم يعلمونها للشعب ، حسب قوله لهم {وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به }{مت20:28}. دون أن يذكر ما هو الذي أوصاهم به .
فهل تعاليم المسيح هذه ووصاياه فقد فقدت ، أم وصلت إلينا ؟
إننا نستبعد جداً أن تكون فقد فقدت ولها كل تلك الأهمية . فكيف إذن وصلت إلينا .
فإذا استثنينا بولس الرسول الذي لم يكن واحداً من الأحد عشر ، ولم يحضر لقاءات المسيح مع تلاميذه بعد القيامة ، فإن ما كتبه الأحد عشر الذين قضى معهم الرب 40 يوماً ، كان قليلاً ولا يشمل كل التعليم المسيحي .
بقيت أجابه واحدة ؟ وهي أن تعليم المسيح لتلاميذه وصل إلينا عن طريق التقليد أي التسليم الرسولي .
مارسته الكنيسة كحياة ، حسب قول الرب {الكلام الذي أقوله لكم هو روح وحياة }{يو63:6}. لقد فهموا روح الكلام ، وحولوه إلي حياة ووصل إلينا في حياة الكنيسة .
يمكن أن نقول إذا أن التقليد هو حياة الكنيسة ، أو هو الكنيسة الحية .
وهذه الحياة أودعها الرسل القديسون في الكنيسة بكل ما تعلموه من الرب وكل ما أخذوه منه . ولكنهم لم كتبوه في أناجيل أو رسائل ، إنما تركوه حياً في حياة الكنيسة . ولعل من بين هذا نظم الكنيسة وطقوسها وأسرارها .
هل تظنون أن عظة السيد المسيح علي الجبل {مت7:5}.هي كل عظاته علي مدي أكثر من ثلاث سنوات ؟!
هذا غير معقول طبعاً . ولكن كلام الرب لم يضع حفظه التلاميذ في قلوبهم ، وفي آذانهم وأذهانهم ومن كنز قلبهم الصالح ، ومن ذاكرتهم المقدسة ، أخرجوا أقوال الرب وسلموها للكنيسة . وأودعت فيها بعنوان { التقليد }أو التسليم الرسولي ، والروح القدس الذي حل عليهم ، ذكرهم بما قاله الرب حسب وعده الصادق { يو26:14}.
هذا عن كلام السيد المسيح نفسه .
إن رسلاً كثيرين لم يكتبوا رسائل ، فأين تعليمهم ؟ وأين عمل الوحي الإلهي فيهم ، وعمل الروح القدس الناطق في الأنبياء ؟ وبعض الرسل لا يمكن أن يكون كل تعليمهم هو فقط ما وصل إلينا منهم . لا يمكن أن يكون كل تعليم يعقوب الرسول ، هو تلك الرسالة الواحدة . ولا يمكن أن يكون كل تعليم يهذوا الرسول هو إصحاح واحد . وماذا عن باقي الاثنى عشر الذين لم يصل لنا من تعليمهم حرف
واحد ؟ ماذا كانت كرازتهم ؟ وماذا تركوا للكنيسة ؟
لعل كل هذا أو بعضاً منه وصل إلينا عن طريق التقليد .
كان الرسل يدخلون إلي المجامع ، ويعلمون ويحاججون المعارضين ولم يصل إلينا شئ من هذا . بشروا في أورشليم واليهودية والسامرة ، حتي آمن الكل . ولم تصل إلينا إلا كلمات قليلة من تبشريهم . وبولس الرسول استأجر بيتنا في رومة ، وأقام فيه سنتين كارزاً بملكوت الرب ومعلمًا بكل مجاهرة {أع28: 30،31}. ولم يصل إلينا شئ من هذا ، فأين ذهب ؟
ولا شك أن الرسل قد وضعوا أنظمة للكنيسة . فما هي ؟
هل نعقل أن رسل المسيح ، بكل ما أودعه الرب فيهمن من علم ، تركوا الكنيسة بلا نظم ، ولا قوانين تدبر شئونها . يقيناً إنهم فعلوا ذلك ولكنهم لم يكتبوا في رسائلهم : إما لأنها ليست لعامة الناس ، وإما لأنها ستكون معروفة للكل عن طريق الممارسة .
وهذه كلها بلا شك ، وصلت عن طريق التسليم والتقليد .
هوذا يوحنا الرسول يقول في آخر رسالته الثانية { إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر ، لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم فما لفم }{2يو12}. وكرر نفس الكلام في آخر رسالته الثالثة {3يو14:13} فما هو هذا الكلام الذي قاله فماً لفم ، ولم يكتبه ؟ فكيف وصل إلينا ؟
نلاحظ – فيما اقتبسناه هنا من هاتين الرسالتين ، أن الآباء الرسل كانوا في بعض الأحيان يفضلون الكلام عن الكتابة حيثما توفر لهم ذلك . وتعليمهم الشفاهي ، كان يسلمه جيل إلي جيل ، حتي وصل إلي أيامنا .
أو أنهم ركزوا في رسائلهم بقدر الإمكان علي الأمور العامة الخاصة بالقواعد الأساسية للإيمان . أما عن تفاصيل النظم الكنيسة والطقوس ، فتركوها للترتيب عملياً في الكنائس . وكان الناس يتعلموها ليس عن طريق الكتابة ، إنما عن طريق الحياة والممارسة .
وبولس الرسول يقول في رسالته الأولي إلي أهل كورنثوس { وأما الأمور الباقية ، فعندما أجئ أرتبها }{1كو34:11}. فما هو هذا الترتيب الرسولي الذي لم يصل إلينا بالتقليد ؟
وقال القديس بولس الرسول لتلميذه تيطس أسقف كريت { من أجل هذا تركتك في كريتا لكي تكمل الأمور الناقصة ، وتقيم في كل مدينة قسوساً كما أوصيتك }{تي5:1} ولم يشرح في رسالته هذه طريقة إقامة القسوس هذه :
سواء من جهة الصلوات أو الطقس ، أو الشروط اللازمة . فمن أين عرف تيطس هذا الأمر إلا بالتسليم الشفاهي . لهذا قال له { كما أوصيتك } . هذه الوصية لم تذكر تفاصيلها في الرسالة ، إنما عرفها الاسقف تيطس فماً لفم ، ووصلت إلينا نحن عن طريق التقليد .
ونفس الوضع يفهم مما قاله القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس أسقف أفسس { وما سمعته مني بشهود كثيرين ، أودعه اناساً أمنا ، يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً}{2تي2:2}
هنا سماع وليس كتابة . ولم يذكر ما هذا الذي سمعه منه . ولكن لا شك أن هذا التعليم انتقل من القديس بولس إلي القديس تيموثاوس إلي الأشخاص الأمناء الأكفاء ، الذي أوصلوه إلي آخرين أيضاً . وظل التسليم يتتابع حتي وصل إلينا . إن الذين يصرون علي إثبات كل شئ بآية من الكتاب ، ينسون ما قاله الرسل فماً لفم { 2يو }وما رتبوه في الكنائس دون أن يكتبوه {1كو34:11} وما أوصوا به تلاميذهم {تي5:1} ينسون التعليم الرسولي الذي تحول إلي حياة وممارسة في الكنيسة دون أن يكون نصاً من رسالة أو إنجيل ..
ونذكر مثالاً لذلك تقديس يوم الأحد كيوم للرب .
إن كل المسيحيين الذين يؤمنون بالكتاب المقدس وحده ، ويهاجمون التقليد الكنسي ، كلهم يقدسون يوم الأحد بدلاً من يوم السبت ، ولا يتمسكون إطلاقاً بحرفية الآية التي تقول {اذكر يوم السبت لتقديسه }عملاً من الأعمال لا تعمل فيه } .
ولكن تقديس الأحد كان تقليداً كنسياً مارسه الرسل ، آخذين إياه من تعليم السيد المسيح الذي لم يذكر صراحة في الإنجيل . إنما ذكرت في سفر أعمال الرسل ممارسات توحي بهذا التسليم الإلهي .
بحيث تحول الأمر إلي ممارسة كنسية بها ، دون الحاجة إلي وصية مكتوبة ، وهذا الإجماع علي تقديس الأحد في كل الكنائس ، دليل علي الاعتراف بالتقليد .
في رسائل بولس الرسول ما يشير إلي أنه يتسلم من الرب .
فهو يقول عن سر الأفخارستيا {لأني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً : أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً .. {1كو32:1}.
فهو هنا يتكلم عن تسليم ،أخذه من الرب ، وسلم إلي الكنيسة في كورنثوس ولم يذكر لنا الكتاب كيف ومتي أخذ بولس الرسول هذا السليم من الرب . ولكنه يعطي فكرة عن العقائد الكنسية . ليس من المهم أن يكتبوا هذا إنما أن تحياه الكنيسة وتمارسه . ولكن بولس الرسول ذكر هذا التسليم .
هناك أشياء أخري أخذها الرسل عن طريق التقليد وسجلوها في رسائلهم .
وقد ذكرنا بعضاً منها قبلاً ،ونضف عليها ما ورد في رسالة يهوذا ، من الخصومة مع الشيطان علي جسد موسى ، إذا يقول { وأما ميخائيل رئيس الملائكة ، فلما خاصم ابليس محاجاً عن جسد موسى ، لم يجسر أن يورد حكم افتراء ، بل قال : لينتهرك الرب {يه9}. ولم يرد شئ من هذا كله في العهد القديم . ولعل يهوذا عرفه عن طريق التقليد .
ب- وكذلك في وصف تلقي الشعب للشريعة من جبل مضطرم ، يقول القديس بولس الرسول { وكان المنظر هكذا مخيفاً ، حتي قال موسى : أنا مرتعب ومرتعد }{عب21:12}. وهذه العبارة المنسوبة إلي موسى النبي لم ترد في سفر الخروج ولا في يفر التثنية ة. ولعل بولس الرسول عرفها عن طريق التقليد .
ج- كذلك نضف ما ورد في سفر الرؤيا عن ضلاله بلعام ، هذه التي لم يشرح سفر العدد تفاصيلها{عدد25:24}.
ولكن ورد في سفر الرؤيا { أن عندك قوماً متمسكين بتعاليم بلعام الذي كان يعلم بالاق أن يلقى معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذبح للأوثان ويزنوا }{رؤ14:2}. وقد ذكر سفر العدد أنهم فعلوا ذلك {عد25}. لكن لم يذكر أن ذلك كان من تعليم بلعام . ولعل القديس يوحنا الرائي عرف هذا عن طريق التقليد . كذلك يدخل في هذا الموضوع ما ذكره بطرس الرسول أيضاً عن بلعام {2بط15:2}. وما ذكره يهوذا {يه11} من حيث أنه { أحب أجرة الإثم }.
د- وبنفس الوضع تحدث يهذوا الرسول عن نبوءة لأخنوخ لم ترد في العهد القديم فقال {وتنبأ عن هؤلاء أيضاً اخنوخ السابع من آدم قائلاً : هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ، ليصنع دينونة علي الجميع ويعاقب جميع فجارهم }{يه15:14}. وهذه النبوءة لعل مصدرها التقليد أيضاً .
هـ – نلاحظ أن وصية الختان استلمها أوبنا إبراهيم من الله {تك17} وانتشرت بين الناس عن طريق التسليم قبل أن توجد شريعة مكتوبة تدعو إليها .
1- بالتقليد عرفنا الكتاب المقدس نفسه ، فبالتسليم وصلت إلينا كتب الله ، وما كنا لنعرفها ونميزها بغر هذا الطريق . والمجامع المقدسة هي التي حددت لنا كتب العهد الجديد .
2- بالتقليد وصل إلينا كل تراث الكنيسة وكل طقوسها .
3- التقليد هو الذي حفظ لنا الإيمان السليم . سلمه جيل إلي جيل . ولو ترك كل شخص لنفسه يري ما الذي يفهمه من آيات الكتاب . لوجدت شيع ومذاهب متعددة لا تربطها وحدة في الإيمان . لأن الكتاب المقدس شئ . وطريقة تفسيره شئ آخر .
4- حفظ لنا بعض عقائد وتعاليم ، مثل تقديس يوم الأحد ، ورشم الصليب وشريعة الزوجة الواحدة ، والصلاة علي الراقدين ، وحفظ لنا عمل كل رتب الكهنوت .
إن الذين يرفضون التقليد ، يحتجون علي ذلك بأن السيد المسيح قد رفضه في توبيخ الرب للكتبة والفريسيين
{ أنتم لماذا تتعدون وصية الرب بسبب تقليدكم }{مت3:15} وإدانة في نفس المناسبة لبعض التقاليد الخاطئة {مت15: 4-6}.
وكذلك يحتجون بقول الرسول { انظر أن لا يكون أحد يسبيكم بالفلسفة أو بغرور باطل حسب تقليد الناس .. وليس حسب المسيح {كو8:2}.
ونحن لا نقصد في حديثنا عن التقليد تلك التقاليد الباطلة التي هي من صنع الناي ، أو التي هي ضد تعليم الكتاب أو ضد روحه ، أو كالتقاليد التي اظهر السيد المسيح زيفها ..
التقليد الصحيح والتقاليد الباطلة
إنما نقصد التقليد السليم الذي هو علي أنواع .
1- تعليم الرب نفسه الذي وصل عن طريق التقليد .
2- التقليد الرسولي الذي هو تعليم الرسل وقد وصل إلينا عن طريق التسليم جيل يسلم جيلاً .
3- التقليد الكنسي ، الذي قررته مجامع الكنيسة المقدسة في قوانينها ونظمها أو ما وصل إلينا عن طريق الآباء الكبار معلمي البيعة أو أبطال الإيمان . وهذا ينقلنا إلي نقطة هامة وهي .
هذا السلطان الذي سلمه السيد الرب للآباء الرسل في قوله لهم {ما ربطتموه علي الأرض يكون مربوطاً في السماء . وما حللتموه علي الأرض يكون محلولاً في السماء {مت18:18}. وقد بدأت الكنيسة عملها هذا بعقد مجمع كنسي في أورشليم سنة 45م . وهذا المجمع ناقش موضوع { قبول الأمم في الإيمان }. وقرر فيه الآباء الرسل قبول الأمم من التخفيف عليهم فقالوا{رأي الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة : أن يمتنعوا عما ذبح للأصنام ، وعن الدم والمخنوق والزنا }{أع29:28}.
ثم توالي المجامع المقدسة ، المكانية والمسكونية ، من خلال سلطة التعليم والتشريع والتقنين التي منحها الرب لسلطان الكهنوت وأصدرت هذه المجامع تعليماً ونظماً للكنيسة دخلت ضمن الكنسي .
ويشترط في التقليد السليم :
1- أنه لا يعارض الكتاب المقدس {غل8:1}.
2- أن يكون غير متعارض مع التقاليد الكنيسة الأخري .
3- أن يكون مقبولاً من الكنائس .
والمعروف أنه في كل جيل تظهر أمور جديدة لم تكن معروفة من قبل تحتاج إلي إبداء رأي الدين فيها ، حتي لا يتبلبل الناس وتشتت أراؤهم ولا يعرفون أين الحق من الباطل . ل،ه ليس جميع الناس علماء بالكتاب وبقواعد الدين .لذلك تقوم الكنيسة بسلطانها التعليمي والتشريعي ، بابداء رأي الدين في هذه الأمور ، لأنه من فم الكاهن تطلب الشريعة كما قال الكتاب .
وتوالي الأجيال يتحول تعليم الكنيسة في حيل معين إلي تقليد تتوارثه الأجيال .
سلطة الكنيسة في التشريع
وقد أمر الآباء الرسل بحفظ التقاليد :
فقال الرسول { إذن أيها الأخوة تمسكوا بالتقليدات التي تسلمتوها سواء بالكلام أو برسالتنا }{2تي2:2-15}.
وقال أيضاً { تجنبوا كل أخ يسلك لا ترتيب وليس حسب التقليد الذي أخذه منا }{2تي6:3}.قال لأهل كورنثوس { أمدحكم علي أنكم تذكرونني في كل شئ ، وتحفظون التقليدات التي سلمتها إليكم }{1كو2:11}.وللأسف فإن اخوتنا البروتستانت في الترجمة البيروتية للكتاب ، وضعوا كلمة ؟{تعاليم }بدلاً من كلمة { تقاليد } في الأمور التي تؤيد فكرة التقاليد . واستبقوا كلمة تقاليد في كل ما يدل علي التقاليد الباطلة وترفضه الكنيسة المقدسة .
البروتستانت لهم تقاليد :
وهذه التقاليد ، عبارة عن أنظمة توحد حياة الطائفة في العبادة ، ويمكن أن نراها في كتاب الصلوات الخاص بهم مثلاً .. وفي أقامة القسوس ، والشيوخ ، وما أشبه …
لا يحدث أن كل أحد يقول ما يخطر بباله . أو يفعل حسبما يشاء ، وإنما هناك قواعد متبعة يراعونها .
هذه بلا شك تقاليد ، مهما وضعت لها أسماء أخري .
وعلي أية الحالات ، فإن البروتستانت ، علي الرغم من إنكارهم للتقاليد ، لهم أيضاً تقاليد يحفظونها ،
ويلتزمون بها . ولهم طقوس مع إنكارهم للطقوس . ولهم صلوات محفوظة وقراءات ثابتة في الرسامات وفي أمور الزواج والمعمودية في مناسبات الموت ، علي الرغم من إنكارهم للصلوات المحفوظة .لهم إذن تقاليد … ولكنهم ينكرون التقاليد التي يرونها مخالفة لعقائدهم الخاصة . علي أن التقاليد تراث ثمين ، من الخسارة لأي كنيسة أن تفقده ، وتصبح بلا ماض ، وبلا ضابط يضبط حرية كل إنسان في الفهم والتفسير .
كذلك أخوتنا البروتستانت يراعون أقوال الآباء عندهم .
فبينما نحن في أقوال الآباء{ في الباترولوجي } كتابات القديس يوحنا ذهبي الفم مثلا في التفسير، ونضع في اللاهوت والعقيدة كتابات القديس أثناسيوس والقديس كيرلس والقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات . ويعطون هم أهمية خاصة لكتابات لوثر وكفلن وزو ينجل ومودي ، ومن إليهم من مشاهير الأشخاص الذين لا يسمونهم آباء . ولكن من الناحية العلمية توضع كتاباتهم في علم الباترولوجي ..
وإن كانوا يحترمونهم ، ولكنهم لا يلتزمون بهم .
كتاباتهم لها أهمية ، ولكن يمكن معارضتها وتجاوزها .. كمجرد آراء لها أهمية ، ولكنها غير ملزمة