الفصل التاسع التــوبـــة

الكل ينادي بالتوبة . لا يجادل في أهميتها أحد .

ولكن التوبة عند الأرثوذكس شئ ، وعند الطوائف الأخري شئ مختلف تماماً ، من جهة ما هيتها ، ومفعولها ، واتمامها ، ولزومها للخلاص ، وما يتعلق بها من أمور أخري . وسنتناول الآن هذه الخلافات  واحداً فواحدا :

1)* التوبة } ســــــر { :

 التوبة في المفهوم الأرثوذكسي هي سر أسرار الكنيسة السبعة اسمه سر التوبة { أما الطوائف البروتستانتية – وهي لا تؤمن بأسرار الكنيسة – فلا تنظر إلي التوبة كسر مقدس . وهناك إذن فرق بين { التوبة}و{ سر التوبة} 

ولهذا الفارق دلالاته ونتائجه اللاهوتية . فما هي ؟

2)* التوبة والاعتراف :

في المفهوم الأرثوذكسي ، يمثل الاعتراف بالخطية جزءاً أساسيا من سر التوبة . ونقصد به الاعتراف علي الأب الكاهن { من يكتم خطاياه لا ينجح ومن يقر بها ويتركها يرحم }{أم13:28}.

وقد مارس الناس الاقرار بالخطية { الاعتراف بها } في العهد القديم { فإن كان يذنب في شئ من هذه ، يقر بما قد أخطأ به ر ويأتي إلي الرب بذبيحة لاثمه }{لا5:5}، والكتاب مملوء بأمثلة من الاعتراف واستمر الأمر إلي آخر نبي في العهد القديم ، او فترة ما بين العهدين ، يوحنا المعمدان ، والذي أتاه الناس من كل موضع { وأعتمدوا منه في الأردن ، معترفين بخطاياهم }{مت6:3}.

وفي العهد الجديد ، مارسوا الاعتراف بالخطية أيضاً .. { وكان كثيرون من الذين آمنوا ، يأتون مقرين ومخبرين بأفعالهم }{أع18:19}{ واعترفوا بعضكم علي بعض بالزلات }{يع16:5}.

أما الطوائف البروتستانتية فلا تعتقد بالاعتراف ، ولا تدخله ضمن نطاق التوبة .

3)* التـــوبـــة والكنيسة :

حقا أن التوبة عمل داخل القلب ، يشمل الندم وتبكيت الضمير والعزم علي ترك الخطية وتركها بالفعل ،قلباً وعملاً . ولكن التوبة تتم داخل الكنيسة بالاعتراف والتحليل …

من جهة الخاطئ ، والاعتراف بالخطية ومن جهة الكاهن ، قراءة التحليل ومنح المغفرة { اقبلوا الروح القدس ، من غفرتم خطاياه تغفر له ، ومن امسكتم خطاياه أمسكت }{يو20: 22،23}.

ويتبع هذا أيضاً الإرشاد الذي يتلقاه التائب من أبيه الروحي ، لكيما يثبت في توبته .

أما الطوائف البروتستانتية ، فتقدم توبة منفصلة تماما عن الكنيسة ، مجرد عمل فردي لا علاقة له بالكهنوت . لن البروتستانتية لا تؤمن بالكهنوت إنما تؤمن بعلاقة مباشرة مع الله . والطوائف البروتستانتية في هذا الأمر علي نوعين :

1)* نوع يهاجم الاعتراف والكهنوت علناً . وهو النوع الأضعف لأنه مكشوف ، يحترس منه الثابتون في العقيدة ، كما أن آراء ظاهرة يمكن الرد عليها  .

2)* النوع الثاني لا يهاجم الاعتراف و لا الكهنوت ولا التناول ، لكنه يريد أن ينسي الناس هذا الأسرار ، بعدم الحديث عنها ، وبتقديم بديل لها ، كأن يقول : أنت محتاج إلي التوبة ، والرجوع إلي الله . اذهب إليه اطرح نفسك عند قدميه ، اترك خطاياك عنده ليمحوها بدمه ، وتخرج في الحال مبرراً . كأن لم يخطئ من قبل . يغسلك فتبيض أكثر من الثلج …

وفي كل هذا ، لا يتحدث عن أهمية الاعتراف والتحليل والتناول ، يتركها لينساها الناس . وفي نفس الوقت يرون أمامهم كلاماً روحياً ، فينخدعون به ، وما أكثر البسطاء ، إنه طريق غير مكشوف ، وواجبنا أن نكشفه للناس .

4)* التوبة والخلاص :

 كثير من البروتستانت يحاولون أن يبعدوا التوبة عن موضوع الخلاص ، في تركيزهم علي دم المسيح ، قائلين للناس ، أنت تخلصون بدم المسيح ، وليس بالتوبة . فالتوبة عمل من الأعمال وأنت لا تخلصون بالأعمال .

ونحن لا ننكر أن الخلاص يتم بدم المسيح . ولكن المسيح نفسه يعلمنا أنه لا خلاص بلا توبة . ويقول في ذلك { إن لم تتوبوا ، فجميعكم كذلك تهلكون }{لو3:13}.

إن التوبة لازمة للخلاص أنه لا يوجد أحد لا يخطئ ، ومادامت هناك خطية فللخطية عقوبة ، واجرة الخطية موت . ولا خلاص من هذا الموت إلا بالتوبة . التوبة تجعلنا مستحقين لدم المسيح . وإن لم تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون .

5)* التوبة وعمل النعمة :

تري كثير من الطوائف البروتستانتية أن التوبة هي عمل من أعمال النعمة ، وإن كل مجهودات الإنسان لا قيمة لها . يكفي أن يلقي الإنسان نفسه تحت قدمي المسيح فيخلصه من خطاياه .

والتعليم الأرثوذكسي يري أن كل حياة الإنسان الروحية هي شركة بين الإنسان والروح القدس . الروح القدس يعين ، ولكن الإنسان لابد أن يجاهد . وإن لم يجاهد يبكته الرسول بقوله { لم تقاوموا بعد حتي الدم مجاهدين ضد الخطية }{عب4:12}.

والكتاب يصور الحياة الروحية حربا إلي سلاح الله الكامل إنها { مصارعة ليست من لحم ودم ، بل مع أجناد الشر الروحية }{أف6}، وهذه الحروب تحتاج بلا شك أن يقاتل الإنسان وينتصر …

هذا القتال ، هو ما عناه السيد المسيح في رسالته إلي ملائكة الكنائس السبع بقوله { من يغلب فسأعطيه }{رؤ3:2}. إن النعمة لا تعمل كل شئ ـ وإلا ما كان الله يقول { ارجعوا إلي أرجع إليكم }.

6)* التوبة والاختبارات :

الفكر البروتستانتي يعتبر التوبة اختباراً ، ويشجع أن يحكوا للناس عن اختباراتهم ، فيسمع منهم عبارة { أنا كنت {كذا } وصرت الآن كذا { ويظل يحكي عن خطاياه القديمة أما الكل بلا خجل ، مغطيا اياها بما وصل إليه من نعمة !

وإنه صمت يقولون له ر احكي اختباراتك }.

أما الأرثوذكسية فتمنع هذه القصص لأنها غالباً ما تحمل افتخاراً بالتغير الذي وصل إليه التائب …..

 7)* التوبة بين الفرح والانسحاق :

تميل الأرثوذكسية إلي انسحاق نفس التائب ، متذكراً ما أساء به إلي الله ، مبللاً فراشة بدموعه كما فعل داود النبي .. أما البروتستانتية فتدعو الناس إلي الفرح الذي لا انسحاق فيه . بل كثيراً ما يتحول التائب حديثا إلي خادم ، بطريقة مباشرة ، لا تعطيه فرصة للحزن الداخلي علي خطاياه . ويعللون ذلك بأنه يجب أن يفرح بالخلاص ..

وردنا علي ذلك أنه ، أنه في تناول خروف الفصح – وسط فرح الشعب بنجاحه من سيف الملاك المهلك ، كان يأكل الفصح علي أعشاب مرة حسب أمر الرب { خر8:12}.

والأعشاب المرة كانت تذكرهم بخطاياهم ، التي بسببها وقعوا في عبودية فرعون .. حقاً إن أكل الفصح يذكرهم بالخلاص وبهجته ، ولكن الفصح يجب أن يؤكل علي أعشاب مرة .

ما هو مركز { الأعشاب المرة } في التوبة بالمفهوم البروتستانتي ؟!

إن أحد الكتب البروتستانتية هاجم حتي مجرد عبارة { يارب ارجم } التي نقولها في صلواتنا ، كما هاجم كل عبارات الانسحاق ، واتهمها بأنها ضد { بهجة الخلاص }!

8)* التوبة والتجديد :

إن ما نسميه في الأرثوذكسية { توبة } كثيرا ما يسميه البروتستانت تجديدا ، أو ولادة جديدة أو خلاصاً .. فيسالون بعضهم بعضاً { هل تجددت ؟ هل خلصت ؟ هل اختبرت الولادة الجديدة !} .

ويكون كل ما يقصدونه هو عملية توبة ، لا اكثر ولا أق . مر بها هذا الشخص …

في المفهوم الأرثوذكسي ، كل هذه التعبيرات : التجديد ، الولادة الجديدة ، الخلاص ، تتم في سر المعمودية . أما التوبة فهي عملية تغيير في سلوك الإنسان .

9)* التوبة تسبق الأسرار :

إنها تسبق سر المعمودية ، كما قال بطرس الرسول { توبوا وليعتمد كل واحد منكم }{أع38:2}. وهي تسبق التنول كما قال معلمنا بولس الرسول { 1كو11: 27-29}. وهي تسبق سر مسحة المرضي { يع5: 14-15}.

وهكذا باقي الأسرار مادامت الأسرار نتعماً من الروح القدس ، ينبغي إذن التمهيد لها بنقاوة القلب بالتوبة .. أما البروتستانت ، فإذ لا يؤمنون بأسرار ، ولا بالتوبة كسر فهذا الكلام كله خارج عن مفاهيمهم .

10)* التوبة – السلوك ، والأعمال :

البروتستانت لا يرون الحياة المسيحية حياة سلوك وعمل ، بل هي حياة نعمة وإيمان ، والأرثوذكسية يهمها الإيمان والنعمة ، ولكنها تنادي مع الرسول { بأعمال تليق بالتوبة }{مت8:3}. وتري أن السلوك المسيحي ، ولازم للخلاص .

فإن كان البروتستانت يصرون علي أهمية الدم لتطهير الإنسان ، فإننا نضع أممهم قول يوحنا الرسول { في علاقة السلوك بالدم }{ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور ، فلنا شركة بعضنا مع بعض ، ودم يسوع ابنه يطهرنا من كل خطية }

{1يو1: 7}… وهذا وضع السلوك كشرط . لا تطهير بالدم بدون التوبة . التوبة شرط أساسي .

الصفحة الرئيسية