كتاب حروب الشياطين لقداسة البابا شنودة الثالث
قصة هذا الكتاب
كثيرة جدًا هي المحاضرات التي ألقيناها عن الحروب الروحية. أما هذا
الجزء الخاص بحروب الشياطين فقد اعتمدنا فيه على تسع محاضرات، بحسب
التواريخ الآتية:
1 – 2 – محاضرتان عن (حروب الشياطين) في يومي الجمعة 27/3/ 70، 10/ 4/
1970.
3 – 5 – ثلاث محاضرات تأمل في عبارة (نجنا من حيل المضاد) من سلسلة
تأملات في تحليل الغروب، ألقيت في أيام الجمعة 4/ 8/ 72، 11/ 8/ 72،
18/ 8/ 1972.
6 – محاضرة عن حرب الشيطان ألقيت في الصوم الكبير في مساء الجمعة 2/ 3/
1973 عنوانها (نبدأ، ويبدأ معنا).
7 – محاضرة عنوانها إذهب يا شيطان، ألقيت في الصوم الكبير سنة 1974.
8 – محاضرة موضوعها (الحروب الروحية) ألقيت مساء الجمعة 7/ 3/ 1980.
9 – مقتبسات من محاضرات عن حياة النقاوة عن (حروب المسميات)، وأيضًا عن
موضوع (الشيطان يعدل خططه).
الفصل الأول: طبيعة حروب الشياطين
1 طبيعة حروب الشياطين
2 الشيطان لا ييأس
3 إن أقبلت لخدمة الرب، فاثبت على البر والتقوى، وأعدد نفسك للتجربة
4 أنواع من الحروب الروحية
5 الحروب للقديسين والخطاة.. ما الفرق؟
6 التصق بالرب
1- طبيعة حروب الشياطين
الحروب الروحية سمح بها الله لفائدتها... ووراءها أكاليل. وعلى رأى أحد
القديسين الذي قال:
لا يكلل إلا الذي انتصر. ولا ينتصر إلا الذي حارب.
فهي من جهة الله اختبار لحرية إرادتنا، وإعطاؤنا الفرصة التي نستحق بها
خيرات الملكوت، إذا انتصرنا... أما من جهة الشيطان، فمن طبيعته أن
يقاوم ملكوت الله، ويحارب الساعين إليه. وهو يحارب الله في شخص أولاده.
ويشتكى عليهم كما حدث في قصة أيوب الصديق (أى 1، 2). وهو يحسد السالكين
في حياة البر، لكي لا ينالوا البركة الإلهية التي حرم هو منها.
حروب الشياطين هي ضد الكل، لم ينج منها أحد.
ونحن حينما نتكلم عن هذه الحروب، إنما نقصد الحرب التي يثيرها الشيطان
وكل جنوده وأعوانه. منذ أيام آدم وحواء وإبنهما قايين، والشيطان قائم
يحارب، يحاول بكل جهده أن يلقى البشرية تحت حكم الموت الأبدي. وقد أسقط
أنبياء ورسلًا، وأشخاصًا حل عليهم روح الرب مثل داود وشمشون اللذين
تابا، ومثل شاول الملك الذي رفضه الرب، وفارقه روح الله "وبغتة روح ردئ
من قبل الرب" (1صم 16: 14).
فلا تظنوا أن حروب الشياطين هي للمبتدئين فقط أو للخطاة.
كلا، فهو يحارب الكل، مهما كانوا نامين في النعمة، بل يحارب هؤلاء
بالأكثر، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت
في أقسام المقالات والكتب الأخرى. لذلك على كل إنسان أن يحترس، وأن لا
يظن بأنه قد ارتفع فوق مستوى حروب معينة. ولنتذكر أن معلمنا داود النبى
حورب بخطية زنا وسقط فيها، مع أنه كان قد حل عليه روح الرب وصار مسيحًا
له... إن الشيطان يريد أية فريسة. وقد وصفه القديس بطرس الرسول بعبارة
خطيرة قال فيها:
"إبليس خصمكم كأسد زائر، يجول ملتمسًا من يبتلعه هو" (1بط5: 8).
وهو دائم الجولان لصيد فرائسه. ولما سأله الرب (في قصة أيوب) "من أين
جئت؟ "أجاب في صراحة "من الجولان في الأرض ومن التمشى فيها" (أى 1: 7،
2: 2). وطبعًا الغرض من هذا الجولان هو البحث عن أية فريسة يسقطها..
2- الشيطان لا ييأس
والشيطان لا ييأس، مهما كان الذي يحاربه قويًا.
بل قيل عن الخطية إنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم7:
26). والشيطان لم يتورع عن محاربة حتى رسل المسيح الإثنى عشر. وقد قال
الرب في ذلك للقديس بطرس الرسول "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغر بلكم
كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31، 32).
ولتنذكر أن إيليا النبي العظيم الذي أصعده الله إلى السماء، قال عنه
القديس يعقوب الرسول "إيليا كان إنسانًا تحت الآلام مثلنا" (يع 5: 17).
بل إن الشيطان تجرأ أن يجرب السيد المسيح نفسه. فقدم له ثلاث تجارب على
الجبل (متى 4). ولم يثنه عن ذلك كل الذي كان يعرفه عن المسيح. ولم تثنه
الإعلانات الإلهية التي سبقت ذلك وقت العماد (متى3: 13 – 17). بل حاربه
طوال الأربعين يومًا (مر1: 13، لو4: 2). وقيل عن السيد المسيح إنه "كان
مجربًا في كل شيء مثلنا، بلا خطية" (عب4: 15). وإنه "فيما هو قد تألم
مجربًا يقدر أن يعين المجربين" (عب 2: 18). حقًا إن تجارب المسيح من
الشيطان عزاء لنا في كل تجاربنا... إن حلت بك تجربة فلا تتضايق، إن
المسيح قد جرب من قبلك، وكما انتصر المسيح سوف تنتصر أنت أيضًا.
إن حروب الشياطين موجهة ضد الله نفسه وضد ملكوت، وضد هياكله المقدسة
التي هي نحن.
فهو يريد أن يقاوم هذا الملكوت بكافة الطرق. ويفرح إن أمكنه أن يسقط "حتى
المختارين أيضًا" (متى 24: 24). وإن كانت ملائكة السماء تفرح بخاطئ
واحد يتوب (لو 15: 10)، فلا شك أن الشياطين تفرح ببار واحد إذا سقط، بل
تفرح بسقوط أي أحد يخضع لهم. والقديس بولس الرسول، يشرح هذه الحروب
الروحية فيقول: "إلبسوا سرح الله الكامل، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد
مكايد إبليس.
فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين... مع أجناد
الشر الروحية في السماويات..." (أف 6: 11، 12).
وشرح كيف أن هذه الحروب الروحية تحتاج إلى أسلحة روحية لمقاومتها،
ذكرها الرسول في نفس الأصحاح بالتفصيل..، وستجد المزيد عن هذا الموضوع
هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى.
ولابد لها من معونة الله، الذي قال "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا"
(يو 15: 5). وفي هذه الحرب الروحية ما أجمل أن نتذكر قول داود النبي "الحرب
للرب" (1صم 17: 47).
والحروب الروحية حروب دائمة. قد تتنوع، ولكن لا تنتهى.
طالما أنت في الجسد، فأنت معرض لهذه الحروب، التي تظل معك حتى الموت.
ولذلك قال القديس بطرس الرسول "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1 بط 1: 17).
ولا يقصد بالخوف، الرعب من الشياطين... إنما الخوف الذي يدعوا إلى
الحرص والتدقيق. بالنسبة إلى الفرد، الحرب تستمر حتى الموت. وبالنسبة
إلى العالم، تستمر مدى الدهر، إلى نهاية العالم. حتى أن الشيطان حينما
يحل من سجنه، يخرج ليصل الأمم (رؤ 20: 7، 8). وفي نهاية الأيام سيكون
هناك ارتداد عن الإيمان (1 تى 4: 1)، "وستأتى أزمنة صعبة" (2 تى 3: 1).
وقبل مجئ المسيح سيكون الإرتداد العام (2تس 2: 2). وسيبذل الشيطان كل
جهده وسينزل إلى الأرض "وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا بعد"
(رؤ 12: 12).
3- إن أقبلت لخدمة الرب، فاثبت على البر والتقوى، وأعدد نفسك للتجربة
والحرب الدائمة التي للشيطان قد تشتد في الأوقات المقدسة.
فالشيطان يتضايق جدًا، حينما نبدأ في أي عمل روحي. ويسعى بكل الحيل
لئلا تفلت الفريسة من يده. فنحن نبدأ العمل الروحي، ويبدأ هو معنا
حروبه وحيله ومعطلاته الكثيرة.
فنحن نبدأ العمل الروحي، وهو يبدأ المقاومة.
لأنه لا يستريح لأنة صلة لنا مع الله. يظن أن هذه تهدد ملكه بالضياع.
ومن العبارات الجميلة في بستان الرهبان: إنه عندما يدق جرس الصلاة في
نصف الليل، فإنه لا يوقظ الرهبان فقط للصلاة وإنما أيضًا يوقظ الشياطين
لكي يحاربوا الرهبان ويمنعوهم عن الصلاة... ولذلك قال القديس مار أو
غريس:
إذا بدأت الصلاة الطاهرة، فاستعد لكل ما يأتي عليك.
إننا إذا بدأنا في الوسائط الروحية أيًا كانت، سواء في العمل الصلاة،
أو التأمل، أو التسبيح، أو القراءات الروحية، أو المطانيات... فإن
الشيطان لا يقف مكتوف اليدين أو متفرجًا، إنما يعمل هو أيضًا عمله، وله
أنواع حروب يحارب بها. وما أصدق قول الكتاب في سفر يشوع بن سيراخ:
يا إبنى، إن تقدمت لخدمة ربك، فهيئ نفسك لجميع التجارب.
وهذه الآية نقولها ضمن فصل نتلوه في سيامة الراهب الجديد. كما إنها
إحدى قراءات الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة. فالذين
يستعدون لقتال الشيطان، من الطبيعى أن يستعد الشيطان أيضًا لقتالهم.
لذلك لا تتعجبوا للحروب التي تصاحب العمل الروحي. وحذار أن تجعلكم هذه
الحروب تتراجعون... بل اثبتوا في قوة، مهما نالكم من تعب، متذكرين قول
القديس بولس الرسول "كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين ى عمل الرب كل
حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب" (1 كو 15: 58).
نحن نبدأ الجهاد، وهو يبدأ الحرب. تبدأ الروحيات، فيبدأ المقاومة.
الشيطان مثلًا يتضايق من الصوم، لأنك فيه تريد أن تقمع جسدك وتستعبده
(1 كو 9: 27)، لكى ترتفع روحك وتلتقى بالله... والشيطان لا يقبل هذا،
وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. كما إنه يتضايق من الصوم الكبير بصفة خاصة،
لأن الناس يسلكون فيه بنسك شديد، كما أن هذا الصوم يذكر الشيطان بصوم
السيد المسيح وكيف قهر الشيطان فيه (متى 4). لذلك يجاهد الشيطان أن
يعرقل هذا الصوم، أو أن يثير فيه مشاكل، حتى ينشغل الناس بالمشاكل،
ويتركوا العمل الروحي. ولهذا فالبعض يربطون بين هذا الصوم، المشاكل
والتجارب.
ولا شك أن العمل الروحي يثير حسد الشياطين...
إن الشيطان يحسد الإنسان الروحي على صلته بالله، التي حرم هو منها.
ويحسده لأنه هو إنسان ترابي مرتبط بجسد، يحاول أن يجعل روحه تسمو وتعلو،
بينما الشيطان وهو روح (متى 12: 45). بعيد عن الله، وروحه روح نجسة (مر
1: 27)! ومنذ البدء حسد الشيطان أبوينا آدم وحواء وأوقعهما في الخطية
وفي حكم الموت. وهكذا نقول في صلوات القداس الإلهى "والموت الذي دخل
إلى العالم بحسد إبليس".
والشيطان لا يحسد إلا الناجحين في عملهم الروحي.
يحسد المقتربين إلى الله، اللذين لهم دالة عنده. ويحسد التائبين في
حرارة التوبة، والعابدين وهم في عمق الصلة. ويحسد المتضعين والودعاء
والأنقياء. ويحارب كل هؤلاء. أما الخاضعون له وللخطية، والفاترون في
حياتهم الروحية. فلماذا يحاربهم؟! يكفيهم ما هم فيه. أو إنه يضعهم تحت
المراقبة، أو يورطهم في حالة أسوأ.
4- أنواع من الحروب الروحية
وهنا نذكر بعض أنواع من الحروب الروحية.
ونذكر هنا ثلاثة أنواع رئيسية وهى:
أ – حالة إنسان يحاربه الشيطان حربًا خفيفة أو ثقيلة.
ب – إنسان تجاربه شهواته من داخل. ربما الشيطان قد وضع نقطة البدء، ثم
ترك هذه الفريسة المسكينة يحاربها فسادها الداخلى، أو تجاربها عاداتها
المتوطنة فيها، المسيطرة عليها. هناك إنسان يحارب من جسده ومن غرائزه،
وآخر يحارب من نفسه أو من فكره.
ج – أما الحالة الثالثة فهى لإنسان يحاربه إخوة كذبة، أو أناس أشرار،
أو بيئة شريرة تحيط به، ويمكن أن نسميهم جميعًا "أعوان الشياطين"و "كل
جنده"... ولهذا تعلمنا الكنيسة أن نصلى في آخر صلاة الشكر ونقول: كل
حسد، وكل تجربة، وكل فعل الشيطان، ومؤامرة الناس الأشرار، وقيام
الأعداء الخفيين والظاهرين... انزعها عنا سائر شعبك...".
وهناك نوع يمكن أن نسميه إمتحانًا أو اختبارًا، وليس حربًا.
وكمثال لهذا يقول الكتاب "حدث... أن الله امتحن إبراهيم. وقال له... خذ
إبنك وحيدك الذي تحبه إسحق... وأصعده... محرقة..." (تك 22: 1، 2). وهنا
لم يكن الله يحارب أبانا إبراهيم، حاشا... بل كان يمتحن قلبه ليرى عمق
محبته له وعمق طاعته... ونجح أبونا إبراهيم في هذا الاختبار...
5- الحروب للقديسين والخطاة.. ما الفرق؟
القديس والخاطئ كلاهما معرضان للحرب. ولكن ما الفرق بينما؟
الفرق الأساسي هو أن القديس له حرب من الخارج فقط. أما داخله فإنه نقى،
لا يتفق مع الحرب الخارجية بل يرفضها ويقاوم بكل قوته لكي ينتصر عليها.
أما عن الخاطئ أو الشرير فقد تكون الحرب بالنسبة إليه مزدوجة، من
الخارج ومن الداخل معًا. تجاربه إغراءات الشيطان من الخارج، وتجاربه
شهواته من داخل قلبه وفكره. لذلك هو يستلم لحرب الشيطان، ويفتح له
أبوابه الداخلية. ويقبل أفكاره ومقترحاته مرحبًا بها. وإن قاوم -لبقية
ضمير فيه- فإنها تكون مقاومة هزيلة لا تستمر طويلًا، ولا تكون جادة في
صد أفكار العدو الخارجي. وحروب القديسين تظهر فيها قوتهم وانتصارهم.
أما الخطاة فينهزمون..
وقد يسمح الله أحيانًا بانهزام القديسين، مؤقتًا، لفائدتهم...
فالإنسان المنتصر على طول الخط، ربما تُحارِبُه الكبرياء، ويظن في نفسه
أنه شيء!! لذلك سمح الله أحيانًا أن ينهزم القديسون، لكي تنسق قلوبهم
من الداخل، ويعيشوا في اتضاع. ولكي يعرفوا قوة العدو وقسوته في الحروب،
فيشفقوا على أخوتهم المحاربين. كما قال القديس بولس الرسول:
"أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم. و(اذكروا) الذين كأنكم أنتم أيضًا
في الجسد" (عب 13: 3).
إن الإنسان الذي لم يجرب بحروب الشياطين، ربما يدين الذين يسقطون أو
يحتقرهم، بعكس الذي قاسى وتعب، فإنه يحن عليهم ويشفق، ويصلى لأجل
خلاصهم. وكما قال الرسول "عالمين أن نفس هذه الآلام تجرى على أخوتكم
الذين في العالم" (1 بط 5: 9)... حقًا ما أرهب قول الكتاب في سفر
الرؤيا عن الوحش:
"وأعطى أن يصنع حربًا مع القديسين ويغلبهم" (رؤ 13: 7).
بل ما أرهب أيضًا ما قيل بعد ذلك "وأعطى سلطانًا على كل قبيلة ولسان
وأمة. فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض..." (رؤ 13: 7، 8)، وستجد
المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. ولكن لئلا ييأس البعض من ذلك، ذكر أن هؤلاء
الساجدين هم: اللذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر
الحياة... أي أبناء الهلاك... ومع ذلك هم عدد كبير بلا شك يدل على عنف
حرب الشيطان وجنوده... ومما يعزينا في ذلك أيضًا، أن الوحش هو والشيطان
طرحا في بحيرة النار والكبريت (رؤ20: 10)...
ولكننا ذكرنا كل هذا، لكي يكون لدينا حرص.
مادام عدونا بهذه الوحشية، فلنستمع إذن إلى قول الرسول "أنظروا كيف
تسلكون بتدقيق، لا كجهلاء بل كحكماء، مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة"
(أف5: 15، 16). انتصارات الشيطان لا تدفعنا إلى الخوف، بل إلى الحرص
والتدقيق. وأيضًا تدفعنا إلى عدم الاعتماد على أنفسنا، وإنما:
6- التصق بالرب
في حروبنا نلتصق بالرب، لأن من عنده المعونة والنصرة.
هو الذي يحارب الشيطان فينا، وهو الذي يغلب العالم فينا. ألبس هو
القائل "ثقوا، أنا قد غلبت العالم" (يو 15: 33). نعم غلب العالم في حرب
الشيطان معه. ويغلب العالم الآن وكل أوان، في حربه معنا. وكذلك:
"شكرًا لله، الذي يقودنا في موكب نصرته" (2 كو2: 14).
إنه انتصر على الشيطان في طبيعتنا البشرية. فقدس هذه الطبيعة وباركها،
وأعطاها روح النصرة. وهكذا نقول له في القداس الغريغورى "باركت طبيعتي
فيك"... لقد انتصر الشيطان من قبل، على هذه الطبيعة البشرية. ولكن
السيد المسيح أعاد إلى هذه الطبيعة البشرية صورتها الإلهية، وهيبتها في
نظر الشياطين، حينما هزم الشيطان فيها.
فلم يعد الشيطان يرى أن هذه الطبيعة هي لعبته، ينتصر عليها متى يشاء...
وإذ انهزم أمامها، بدأ يخشاها...
وبهذا أيضًا أنقذنا من روح الفشل، وأعطانا قوة من عنده في حروب
الشياطين لنا. وأصبح لنا الرجاء كل حين، أن المسيح يغلب الشيطان فينا،
حينما "يحل المسيح بالإيمان في قلوبنا" (أف 3: 17)، وستجد المزيد عن
هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب
الأخرى. وبسبب هذا نحن لا نتضايق من حروب الشياطين، مادامت يد الرب
تكون معنا فيها، ويحارب عنا وينصرنا...
الله لا يمنع عنا حروب الشياطين، إنما ينصرنا فيها.
هو الذي يحارب عنا، وهو الذي يغلب الشياطين. وبعد ذلك يكللنا، لأننا
سلمناه إرادتنا أثناء حربه عنا ضد الشياطين. هذه مقدمة بسيطة ننتقل
بعدها إلى الحديث عن الشيطان وحيله...
7- صفات الشيطان في حروبه
ينبغى أن نعرف صفات عدونا، وأسلوبه في القتال، لنعرف كيف نحاربه.
فما هي صفات الشيطان؟ كيف يحارب؟ وهل له أسلوب ثابت، أم أنه يتغير في
أساليبه حسب تغير الحالة؟ هذا ما نريد أن نفحصه، حتى نستطيع أن نواجهه.
وكما قال بولس الرسول "لئلا يطمع فينا الشيطان. لأننا لا نجهل أفكاره"
(2 كو 2: 11). ونستطيع أن نعرف مما رواه لنا الكتاب عن الشيطان أنه:
الشيطان صاحب قتال لا يهدأ
الشيطان قوي
الشيطان خبير بالحروب وبنا
الشيطان ذكي وصاحب حيلة
الشيطان كذاب
أبو الكذاب
الشيطان لحوح
الشيطان المشتكي
الشيطان كثير المواهب
الشيطان قاس
الشيطان خبيث في تظاهره بالعطف
الشيطان حسود
الشيطان نهّاز للفرص
الشيطان غير مخلص وغير أمين
8- الشيطان صاحب قتال لا يهدأ
صار عمله منذ سقوطه هو المقاتلة والمحاربة. فهو دائمًا مقاتل fighter
حتى قبل إسقاطه لأبوينا الأولين آدم وحواء، إستطاع أن يسقط مجموعات من
ملائكة السماء، تبعوه وصاروا من جنده من طغمات كثيرة.
ومن ذلك الحين أصبحت هوايته إسقاط الآخرين.
صار يقاتل الكل. وكما أسقط طغمات ملائكية من الكاروبيم والسلاطين
والرؤساء والقوات... كذلك رأيناه يقاتل أنبياء الله ورسله ومسحاءه،
ويقاتل المتوحدين والسواح والرهبان وكل مجى الله، وكل من يسمع أنه في
خير، أو في بر. وقد سمى المعاند والمقاوم، لأنه دائمًا يقاوم ملكوت
الله ويعاند مشيئته. كما سمى أيضًا التنين، والحية القديمة، وإبليس،
والشيطان (رؤ12: 9)، وقبل الصليب كان يسمى رئيس هذا العالم (يو 14:
30).
وهو في قتاله لا يهدأ مطلقًا ولا يمل ولا يستريح.
دائمًا "يجول كأسد يزأر" (1 بط 5: 8). وقد قال للرب مرتين في قصة أيوب
إنه مشغول "بالجولان في الأرض والتمشى فيها" (أى 1 7، 2: 2). إنه ساهر
باستمرار يرقب حالة ضحاياه، ويلقى بذاره في كل مكان. وحيثما يزرع الرب
حنطة، يأتى هو "ويزرع زوانًا وسط الحنطة، فيما الناس نيام" (متى 13:
25).
وليس البشر فقط، بل حتى الملائكة يحاربهم.
فقد وقف ضد الملاك ميخائيل يحاججه من جهة جسد موسى النبي (يه 9). ووقف
ضد أحد الأرباب الذي عمل على أن ينقذ منه يهوشع الكاهن (زك 3: 1، 2).
كذلك وقف واحدًا وعشرين يومًا ضد الملاك الذي أرسله الرب لدانيال النبى،
لولا تدخل رئيس الملائكة ميخائيل لإعانته (دا 10: 12، 13). بل ما أعجب
قول الإعلان الإلهى في سفر الرؤيا:
9- الشيطان قوي
وحدثت حرب في السماء: ميخائيل وملائكته حاربوا التنين... وملائكته (رؤ
12: 7). إنه يحارب في الأرض وفي السماء، مع أن كل حروبه تنتهى أخيرًا
إلى هلاكه وهزيمته ولكنه لا يستطيع أن يبطل الحرب، لأنها صارت جزءًا من
طبيعته. ومن صفات الشيطان أيضًا أنه قوى.
لأنه أحد الملائكة "المقتدرين قوة "حسبما وصفهم المرتل (مز103: 20).
هو كملاك فقد طهارته، لكن لم يفقد طبيعته القوية.
لذلك وصفه الرسول بأنه "أسد زائر" (1 بط 5: 8). وهكذا نراه في سفر أيوب
إستطاع أن "يضربه بقرح ردئ من باطن قدمه إلى هامته" (أى 2: 7)، كما
استطاع أن يثير ريحًا شديدة صدمت زوايا بيت أيوب، فسقط على الغلمان
فماتوا (أى 1: 19)... وهناك دلائل روحية كثيرة على قوته، منها:
إنه استطاع أن يضل العالم كله أيام الطوفان.
ولم تنج من ضلاله سوى أسرة واحدة هي أسرة أبينا نوح (تك6). ورأى الله
أن الحل الوحيد لتطهير الأرض من الفساد، هو إبادة كل نفس حية على وجه
الأرض.
ونفس الوضع نقوله عن مدينة سادوم.
فلم يجد الله فيها عشرة من الأبرار، حتى يرحم المدينة من أجل العشرة
(تك18: 32). ولم يوجد فيها سوى أسرة لوط فقط (أربعة أشخاص). هلكت من
بينهم امرأة لوط خارج المدينة. وأخطأت البنتان بعد خروجهما من سادوم.
ولوط نفسه قيل عنه حينما كان في سادوم إنه "كان بالنظر والسم – وهو
ساكن بينهم – يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة" (2 بط
2: 8).
وقوة الشيطان تظهر في إلقائه العالم كله في الوثنية.
كيف استطاع أن يلقى العالم كله في الوثنية في العهد القديم، ماعدا
شعبًا واحدًا؟! هذا أمر خطير. بل حتى هذا الشعب الواحد وقع في عبادة
الأصنام هو أيضًا، حينما كان موسى النبي على الجبل، إذ صنعوا لأنفسهم
عجلًا ذهبيًا، وقدموا له الذبائح، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في
موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وقالوا "هذه
آلهتك يا إسرائيل من أرض مصر" (خر 32: 1 – 6). وفي أيام إيليا النبي في
عهد آخاب الملك، كان في شعب الله 450 نبيًا للبعل، و400 نبيًا للسوارى
أي ثمانمائة وخمسون نبيًا كاذبًا كانوا يأكلون على مائدة الملكة إيزابل
(1 مل18: 19). وحدث أن كثيرًا من ملوك يهوذا وإسرائيل وقعوا في عبادة
الأصنام "وجعلوا إسرائيل يخطئ "كما تروى لنا أسفار الملوك وأخبار
الأيام.
ومن قوة الشيطان إسقاطه لسليمان الحكيم في عبادة الأصنام.
سليمان أحكم أهل الأرض، الذي أخذ الحكمة من الله نفسه (1مل 3: 12)،
الذي تراءى له الله مرتين (1 مل 3: 5، 9: 2). يقول عنه الكتاب "وكان في
زمان شيخوخة سليمان، أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى... فذهب سليمان
وراء عشتا روت إلهة الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين" (1 مل 11: 4 –
8). حقًا إنها لمأساة عجيبة وخطيرة، ترينا مدى قوة الشيطان.
ومن دلائل قوة الشيطان ما سيفعله في آخر الأيام.
وذلك عندما "يحل من سجنه"، ويخرج ليصل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض
(رؤ 20: 7). بل يضل لو أمكن المختارين أيضًا عن طريق من يرسلهم من
مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، يعطون آيات عظيمة وعجائب (متى24: 24). ومن
خطورة عمله العنيف في تلك الفترة الصعبة قول الرب عنها:
ولو لم تقصر تلك الأيام، لم يخلص جسد" (متى 24: 22). ، "ولكن لأجل
المختارين تقصر تلك الأيام". وفي تلك الأيام سيرسل الشيطان أيضًا من
عنده ضد المسيح، إنسان الخطية المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهًا "الذي
مجيئه بعمل الشيطان، بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة، وبكل خديعة الإثم في
الهالكين" (2 تس 2: 9، 10).
ومن نتائج قوة الشيطان هذه، يحدث الإرتداد العام.
وذلك قبيل مجئ المسيح (2 تس 2: 3). ولكن نشكر الله الذي سيقصر تلك
الأيام الصعبة. وسيبيد هذا الأثيم (ضد المسيح) بنفخة فمه، ويبطله بظهور
مجيئه (2 تس 2: 8)... إلى هذا الحد وصلت قوة الشيطان.
ومن أمثلة قوة الشيطان أيضًا:
إنه استطاع أن يتكلم على فم رسول عظيم كبطرس، فانتهره الرب قائلًا "إذهب
عنى يا شيطان. أنت معثرة لى" (متى 16: 22، 23). ومن أمثلة ذلك أيضًا
أنه غربل الإثنى عشر رسولًا. وقد طلب الرب من أجل بطرس لكي لا يفنى
إيمانه (لو 22: 21، 32). ومن أمثلة قوته أنه أسقط جبابرة مثل داود
وشمشون، وأهلك نبيًا كبلعام، وضيع تلميذًا من تلاميذ بولس كديماس... "وكل
قتلاه أقوياء" (أم 7: 26). حقًا كما قال داود النبي "كيف سقط الجبابرة،
وبادت آلات الحرب" (2 صم 1: 27).
ومن أمثلة وته أيضًا صرعه لأناس كثيرين.
هؤلاء الذين احتاجوا أن يخرج الشيطان منهم، وقيل إنه كانت عليهم أرواح
نجسة. وعنهم قال الرب لتلاميذه "إخرجوا شياطين" (متى 10: 8). وكان على
واحد من المرضى فرقة من الشياطين "لجئون" (مر 5: 9)، "ولم يقد أحد أن
يذلله". وبعض هذه الشياطين لم يقدر تلاميذ الرب وقتذاك على إخراجها.
فقال لهم الرب "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم" (مر
9: 29).
ولعله بسبب قوة الشيطان، قيده الله ألف سنة.
"وطرحه في الهاوية، وأغلق عليه وختم عليه، لكي لا يضل الأمم في ما بعد،
حتى تتم الألف سنة. وبعد ذلك لا بد أن يحل زمانًا يسيرًا" (رؤ 20: 2،
3). ولكن ليس معنى الحديث عن قوة الشيطان، أن تخافوا منه!! كلا
فإن كان الشيطان قويًا، فالله أقوى منه...
10- الشيطان خبير بالحروب وبنا
وليس فقط أن الله أخضعه لنا، بل إن كثيرًا من الآباء قد غلبوه، وكان
يخاف منهم. وسنتحدث هن هذه النقطة في حينما بمشيئة الرب. نقطة أخرى
مهمة في صفات الشيطان كمحارب لنا، وهي أنه:
تصوروا الشيطان يحارب الإنسان منذ أكثر من سبعة آلاف سنة، منذ آدم...
أية خبرة تكون له في حربه مع البشرية. لا شك أنه أقدر مخلوق على فهم
النفس البشرية وطريقة محاربتها. لقد درس النفس البشرية جيدًا، ويعرف
نواحى القوة والضعف فيها. ويعرف الأسلوب الذي يمكنه أن يحاربها به.
أكبر عالم نفسانى، وأكبر محلل نفسانى، هو الشيطان...
علم النفس عنده، ليس مجرد نظريات، إنما هو خبرات، على المستوى العملى
والعلمى أيضًا، وبنطاق واسع جدًا، شمل البشرية كلها. كذلك هو يعرف متى
يحارب، وكيف يحارب؟ ومتى ينتظر؟ ومن أي الأبواب يدخل إلى الفكر أو إلى
القلب.. ؟ من صفات الشيطان الأخرى التي تظهر في حروبه أنه:
11- الشيطان ذكي وصاحب حيلة
Serpent of Old
لقب الشيطان بأنه "الحية القديمة" (رؤ20: 2، 12: 9). وقال الكتاب عن
الحية إنها كانت "أحيل حيوانات البرية" (تك 3: 1). إنه ذكى وحكيم في
الشر. وقد قال الكتاب "كونوا حكماء كالحيات" (متى 10: 16). وحكمة
الشيطان كلها خبث ومكر وحيلة...
ومن مظاهر ذكاء الشيطان أنه قد يغير خططه وأساليبه لتوافق الظروف. ومن
حيله الصعبة: الكذب والخداع والأضاليل، يسبكها بطريقة ذكية لا يشعر بها
الإنسان المحارب، أو أنه يقدم الخطية في أسلوب فضيلة... الخ. ما أكثر
حيل الشيطان. إننا سنفرد لها فصلًا خاصًا في هذا الكتاب، قد يكون الفصل
الأساسى فيه. ومن الصفات البارزة في حروب الشيطان أنه:
12- الشيطان كذاب
لقد كذب على أبوينا آدم وحواء قال لهما "لن تموتا "وكذلك في قوله لهما
"تصيران مثل الله..." (تك 3: 4، 5). وصفة كذاب بارزة في الشيطان، لذلك
قال عنه السيد الرب إنه "كذاب وأبو الكذاب" (يو 8: 44). قال هذا لكي لا
نصدق كل ما يقوله الشيطان، ولا ننخدع به. وليس الكذب عند الشيطان هو
فقط ما يقوله من كلمات، وإنما هناك ما هو أخطر بكثير من كل هذا:
هناك من يرسلهم من أنبياء كذبة ومسحاء كذبة...
ولقد حذرنا الرب من كل هؤلاء، فقال "إن لكم أحد هوذا المسيح هنا أو
هناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء ويعطون آيات عظيمة
وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا" (متى 24: 23، 24). وطبعًا
سيعطون تلك الآيات والعجائب من الشيطان، كما قيل عن المقاوم ضد المسيح
"الذي مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة" (2تس 2: 9).
ومن أمثلة ذلك تكلم الشيطان من أفواه الأنبياء الكذبة:
قوله عن إغواء آخاب الملك ليهلك "أنا أغويه... وأكون روح كذب في أفواه
جميع أنبيائه" (1 مل 22: 22). فكما أن الروح القدس هو الناطق في أفواه
الأنبياء القديسين، كذلك الشيطان هو الناطق في أفواه الأنبياء الكذبة.
كذلك يعلن الشيطان كذبة في الأحلام والرؤى الكاذبة...
وما أكثر الحروب التي تعرض لها الآباء الرهبان، ووردت في بستان الرهبان،
عن هذه الأحلام والرؤى الكاذبة. ومن أمثلتها ظهور الشيطان لأب راهب
وقوله له "أنا الملاك غبريال، أرسلنى الرب إليك "فأجابه الراهب في
اتضاع "إنني إنسان خاطئ، لا أستحق أن يظهر لي ملاك. فلعلك أرسلت إلى
غيري وأخطأت الطريق". وظهر كذب الشيطان، فمضى واختفى عنه، وستجد المزيد
عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات
والكتب الأخرى. أو كمثال آخر قصة الشيطان الذي ظهر لراهب وقال له "أنا
المسيح، فاسجد لي "فقال الراهب في قلبه "أنا في كل يوم أسجد لسيدي
المسيح. فلماذا يطلب هذا منى السجود". وهكذا كشف حيلة وكذب الشيطان،
وانتهره فمضى. وما أكثر الأحلام الكاذبة التي يضل بها الناس ظانين أنها
من الله! وقد قال القديس بولس الرسول عن الرؤى الكاذبة التي من الشيطان:
"لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ
نُورٍ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 11: 14).
وفى قصة الأنبا غاليون السائح ظهرت له الشياطين بهيئة آباء سواح يريدون
ضمه إليهم. ولم يكتشف أنهم شياطين، إلا بعد أن أتاهوه في البرية، ثم
سخروا به وتركوه هازئين به، إلا أن رحمة الرب أدركته من أجل نسكه،
وبساطة قلبه، وماضي تعبه...
وكذب الشيطان يظهر أيضًا في أقوال السحرة والعرافين وأمثالهم.
ولذلك أوصى الرب قائلًا "لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا
يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار، ولا من يعرف عرافه... ولا
ساحر، ولا من يرقى رقية، ولا من يسأل جانًا أو تابعة، ولا من يستشير
الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس، الرب
إلهك طاردهم من أمامك" (تث 18: 9 – 12). ولعل هذه الآية تكشف لنا شيئًا
آخر هو:
كذب الشيطان في استشارة الموتى، أوفى (تحضير الأرواح).
فقد ينطق في أمثال هذه الجلسات، مدعيًا أنه روح فلان من الناس. ويقول
للحاضرين بعض معلومات تخدعهم مما يعرفه عن أخبار ذلك الشخص أو أسرته.
فإذا صدقوه، يبدأ بالتدريج يقول لهم ما يضلهم... وكل هذا من كذب وادعاء
الشيطان ليضل الناس...
ولعل من كذبه أيضًا، ما يقوله على أفواه المنجمين ومدعى معرفة الغيب...
سواء عن طريق التنجيم، أو قراءة الكف، أو ضرب الرمل، أو قراءة فنجان
القهوة، أو معرفة البخت والطالع بأنواع وطرق شتى... وواضح لاهوتيًا أنه
لا يعرف الغيب سوى الله وحده. فمن يدعى معرفة الغيب، لا يكون صادقًا
فيما يدعيه...
13- أبو الكذاب
وإغراءات الشيطان كلها ألوان من الكذب...
حيث يصور للإنسان سعادة تأتيه من وراء الخطية، سواء في لذة أو سلطة أو
مكسب أو جاه أو مجد... وبعد أن يسقط الشخص يجد أن كل إغراءات الشيطان
هي سراب زائل، وأنها أشياء زائفة، كما صوَّر لحواء وآدم أنهما سيصيران
مثل الله... وكما صور لسليمان أنه سيسعد بكثرة ألوان المتعة والترف
التي تحيط به، فوجد أن الكل باطل وقبض الريح (جا 2). ولكن هذا أسلوب
الشيطان دائمًا، يزخرف طريق الخطية، ويضفى عليه أو صافًا من الجمال
تعزى من يسقط في حبائله. وتكون كل زخارفه أكاذيب يخفى بها بشاعة الخطية
ونتائجها السيئة...
أيضًا أحلام اليقظة التي يقدمها لضحاياه، كلها أكاذيب...
ولكنه يقدمها لهم كنوع من اللذة تخدرهم عن العمل الإيجابي النافع،
فيعيشون بهذه الأحلام في خيال غير واقعي، يبنون قصورًا من رمال،
وأمجادًا وأفراحًا ومتعًا. ثم يستيقظون فلا يجدون شيئًا. ويكون الشيطان
بهذا الكذب قد أضاع وقتهم، وعطلهم عن العمل المجدي، وأراحهم راحة كاذبة.
ومن أكاذيب الشيطان إبهامه المنتحر أن الموت سيريحه من متاعبه.
ويظل يركز على هذه النقطة: إنه لا فائدة من هذه الحياة، ولا حل لمشاكله.
والحل الوحيد هو الموت، حيث يتخلص من كل تعبه ويستريح. وإذ يصدقه
المنتحر ويقتل نفسه، لا يجد هذه الراحة، بل يجد نفسه في الجحيم، في تعب
وألم لا نجاة منه، ولا تقاس به كل متاعب الدنيا. ويجد أن الموت ليس هو
نهاية لحياته المتعبة، بل هو بداية لحياة أكثر تعبًا. ويكون الشيطان
بهذا الكذب قد خدعه وضلله وأضاعه...
وتقريبًا غالبية الخطايا، يضع الشيطان وراءها أكذوبة من أكاذيبه.
فهو يوحى للسارق بأن لا أحد سوف يرى أو يكتشف سرقته، وكذلك يوحى للمهرب
وللمرتشى وللغشاش، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا
تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. والشيطان في كل هذا يكذب،
لأنه حتى إن لم ير البشر، فالله يرى وكل شيء مكشوف أمامه. وهو يوحى
للقاتل بأن المقتول يستحق القتل، وحياته خطأ يجب تصحيحه، أو أن القتل
غسل للعار الذي يلوث شرفه، أو أن قتله يريح نفس قريب له قد مات... بل
لعل الإلحاد هو أكبر أكذوبة قدمها الشيطان للبشرية. وقد كذب على
الوجوديين حينما صور لهم أن وجود الله يعطل وجودهم، كما كذب على
الماركسيين إذ صور لهم أن الله يعيش في برج عال ولا يهتم بالمجتمع
الإنسانى، بل يترك فيه الظالم يظلم، والغنى يستعبد الفقير...!!
14- الشيطان لحوح
من صفات الشيطان أيضًا في حروبه أنه:
أى أنه كثير الإلحاح جدًا، لا يمل. وربما الفكر الواحد يظل يعرضه مرات
ومرات. ومهما رفضه الناس، يستمر أيضًا في عرضه.
ربما من كثرة الضغط المستمر والإلحاح، يستسلم الإنسان له ويخضع.
لقد قيل في بستان الرهبان إن الشيطان ظل يحارب راهبًا بخطية واحدة مدى
خمسين عامًا، لا يهدأ، ولا ييأس، ولا يمل... وحتى في حربه مع السيد
المسيح، لم يهدأ بعد فشله في التجربة الأولى والثانية والثالثة. ولما
انتهره الرب ومضى قال القديس لوقا الإنجيلى عن ذلك "ولما أكمل إبليس كل
تجربة، فارقه إلى حين" (لو4: 13). وعبارة "إلى حين "تعنى أنه رجع إلى
تجربته مرةأو مرارًا عديدة.
الشيطان لا ييأس من الفشل أبدًا، ولا يخجل، بل يعود!
لما فشل في التجربة الأولى مع أبوب، رجع مرة أخرى يطلب تجربته بأسلوب
أصعب... ولما فشل مع السيد المسيح في كل التجارب، أتاه وهو على الصليب
يقول له "إن كنت إبن الله، إنزل من على الصليب" (متى 27: 40).
والشيطان في إلحاجه على إسقاط الناس لا يعترف بعقبات.
لا يهمه أن آدم وحواء خلقا على صورة الله ومثاله (تك 1). ولا يهمه أن
داود مسيح الرب، ولا أن سليمان هو أحكم أهل الأرض كلها، ولا أن بطرس
رسول متحمس جدًا للمسيح. ولا يهمه أن يهوشع هو الكاهن العظيم (زك 3)،
ولا أن هارون هو رئيس الكهنة (خر32). ولا أن شمشون هو نذير الرب "وأن
روح الرب يحركه" (قض 13)... لا يهمه مراكز الناس ولا روحياتهم... بل
يضرب ضربته، وليحدث بعد ذلك ما يحدث... إن كان قد تجرأ أن يجرب المسيح
له المجد، فهل يهتم بالبشرية؟!
إنه يلقى سمومه كل حين على كل أحد. وربما الذي لا يهلك بها اليوم، قد
يهلك بها غدًا، أو بعد سنة، أو بعد عشرين.. !
إن الشيطان مثابر، نشيط، لحوح، دائب على العمل، لا يثبط الفشل همته،
وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. ولا ييأس من علو قدر الناس في الروحيات. وهو
ماض في خطته لتحطيم الملكوت، ولكى يضل حتى المختارين أيضًا.. والذي لا
يستطيع أن يدنس جسده، فعلى الأقل يدنس فكره. والذي لا يقبل طعنه في رو
حياته، على الأقل يلطمه بشوكة في الجسد (2 كو 12: 7). وإن لم يستطيع أن
يسقط أولاد الله، فعلى الأقل يشتكى عليهم. لذلك قيل إنه:
15- الشيطان المشتكي
وقد قال عنه سفر الرؤيا إنه "المشتكى على أخوتنا، الذي كان يشتكى عليهم
أمام إلهنا نهارًا وليلًا" (رؤ 12: 10).
إنه يشتكى على القديسين، مدعيًا أنه لم يأخذ فرصته لمحاربتهم!
... أوأن فرصته التي أخذها قبلًا، لم تكن كافية!
وقد وقف في القديم يشتكى على أبوب أمام الله، مدعيًا أنه لم يأخذ فرصة
لمحاربته. وقال الله "ألبس إنك سيجت حوله... باركت أعمال يديه. ولكن
إبسط الآن يدك ومس كل ماله، فإنه في وجهك يجدف عليك" (أى 1: 10، 11).
ومع أن الله واجه الشيطان بقسوته وظلمه في شكواه، وقال له عن أيوب "إلى
الآن هو متمسك بكماله وقد هيجتنى عليه لأبتلعه بلا سبب" (أى 2: 3)،
وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. إلا أن الشيطان استمر في شكواه للمرة الثانية،
وطلب فرصة أوسع، وأخذ سماحًا لضرب أيوب في جسده بقرح ردئ (أى 2: 7)...
عجيب أن الشيطان يفعل كل ما يريد، ويظل يشكو! وهو يشكو على الرغم من
مواهبه العديدة، فهو:
16- الشيطان كثير المواهب
إنه كثير القدرات إلى حد بعيد. يعرف أشياء كثيرة ويتقنها.
فالمواهب التي منحت له وهو ملاك، لم يسحبها الله منه...
معرفته واسعة جدًا في كل مجال. حتى آيات الكتاب المقدس، يعرفها جيدًا
ويحارب بها، وكأنه من اللاهوتيين. وفي التجربة على الجبل، إستخدام
الكتاب المقدس بطريقته الخاصة (متى 4: 6). بل إنه هو صاحب جميع البدع
والهرطقات، وهو الذي وضع أفكارها في أذهان الهراطقة، وقدم لهم مفاهيم
خاطئة لآيات الكتاب. وصدق القديس أثناسيوس الرسولى حينما قال: إن عدونا
ليس هو الأريوسيين، إنما هو الشيطان. والشيطان يعرف الشعر. بل إن
كثيرًا من الشعراء يتحدثون عن شيطان الشعر، أنه ملهمهم أفكارهم... لذلك
ليس غريبًا إن قال أحد علماء الأرواح، إنه استحضر روح شاعر مشهور وسمع
منه قصيدة بنفس أسلوبه... ليس غريبًا أن يكون الشيطان قد تدخل وأملى
الوسيط شعرًا بنفس الأسلوب!
الشيطان يعرف الموسيقى والفن والنحت والرسم والأغانى.
ويمكنه أن يلهم المشغلين بالملاهي كل ما يحتاجونه في فنونهم لإغراء
الناس وإسقاطهم، أو إبعادهم بها عن عملهم الروحي. والشيطان من علماء
النفس البارزين، بل هو في مقدمتهم جميعًا، بسبب خبرته العملية. وهذه
الخبرة تساعده في حروبه. كما أن حروبه أيضًا تزيد من خبرته ومن عمله.
وكما أنه من علماء النفس، هو أيضًا من علماء الأرواح، لأنه روح، يعرف
ما للروح أكثر مما يعرف البشر.
غير أن الشيطان يسير وفق أعراضه.
فالعلم الخالص شيء، واستخدام هذا العلم لتحقيق غرض هو شيء آخر. وغرض
الشيطان معروف وهو مقاومة الله وملكوته. لذلك هو يستخدم كل معارفه
لتحقيق هذا الهدف الشيطاني. ومن صفات الشيطان في حروبه مع الإنسان، أنه:
17- الشيطان قاس
إنه يعمل بكل قسوة، بلا رحمة. وقسوته واضحة جدًا في قصة أيوب الصديق.
كما أنه جر كثيرين إلى الهلاك وأضاعهم، كالذين هلكوا بالطوفان، وربنا
سادوم، والذين ابتلعتهم الأرض أحياء (عد 16). وقسوته واضحة في الذين
يصرعهم، ويصبحون في حالة جنون بسببه. ومثال ذلك مجنون كورة الدريين
الذي "كان فيه شياطين... وكان لا يلبس ثوبًا، ولا يقيم في بيت بل في
القبور... وقد بسلاسل وقيود محروسًا. وكان يقطع الربط ويساق من الشيطان
إلى البراري" (لو8: 26 – 29)، "وكان يصيح ويجرح نفسه بالحجارة" (مر5:
5). وأمثلة هذا المصروع كثيرون...
وتظهر قسوته كذلك في محارباته للقديسين، وفي المناظر المخيفة.
ففى حربه مع القديس أنطونيوس الكبير كان يظهر له في مناظر مفزعة جدًا،
وأحيانًا في هيئة وحوش مخيفة تصيح حوله بأصوات مرعبة. وفي إحدى المرات
ضرب القديس بضربات شديدة مؤلمة للغاية، وتركه بين حى وميت... والذي
يقرأ سيرة القديس قريا قوس السائح، يجد أمثلة أخرى تشبه هذا النوع أو
أشد...
وهو قاس فيما يثيره على العالم من حروب وويلات وجرائم.
ومعروف جدًا نتائج كل هذه... ولكن الشيطان يفرح بكل ويلات العالم،
ويحسب ذلك انتصارًا له، إلى جوار تحطيمه للنفوس وللعقول، وبثه للخصومات
وأسباب الإنشقاق والتمزق. فهو عامل تخريب لا يهدأ، بكل عنف. وهو سعيد
بتخريبه. صدقونى، إننا لو قرأنا عن قسوة الشيطان في حروبه المفزعة
للقديسين، نقول عن أنفسنا إننا لم نحارب أبدًا من الشيطان. فحروبنا
الحالية شيء تافه إلى جوار حروبهم... والعجيب أنه في كل قسوة الشيطان،
يتظاهر بالعطف أحيانًا، ولكنه:
18- الشيطان خبيث في تظاهره بالعطف
عبارات العطف عنده وسيلة ماكرة لإسقاط الناس... فهو (يعطف) عليك حينما
تصوم، ويدعوك إلى الإكل، من أجل صحتك! محذرًا إياك من المرض ومن الضعف!
ويقول لك إحذر من أن تقتل جسدك، فهو وزنة تمجد بها الله. وقد قال
الرسول "إنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه" (أف 5: 29). وهو
يعطف عليك حينما تنشط روحيًا، وتسهر في الصلاة والقراءة والمطانيات،
ويدعوك في عطف إلى النوم من أجل راحتك.
وهو (عطوف) يخشى عليك من (التطرف) فيدعوك إلى الإقلال من الجهاد.
وفى عمق عملك الروحي، يقول لك: لا داعى لكل هذا، فإن الآباء يعلموننا
أن الطريق الوسطى خلصت كثيرين... وهكذا يقول لك: إحترس من التطرف، لئلا
الشيطان يضربك ضربة يمين وهي أقسى، ولئلا تقع في المجد الباطل وهو شر
الرذائل كلها. بل يقول لك: لا شك أن تطرفك هذا في الجهاد هو من عمل
الشيطان، وهو لا يقصد بك خيرًا! فاستمع لقول الكتاب "لا تكن بارًا
بزيادة... لماذا تخرب نفسك؟" (جا 7: 16).
والشيطان (العطوف) يشفق عليك من البكاء على خطاياك..
يقول لك: لماذا تبكى وتحيا في الكآبة. ليس هذا هو طريق الله... أليس أن
خطاياك قد غفرت، ومحاها الرب بدمه؟! لماذا تبكى عليها إذن؟! أتريد أن
تظل في البكاء حتى تتلف أعصابك ونفسيتك، وحتى تنكشف، أمام الناس؟! أليس
أن الكتاب يقول "إفرحوا في الرب كل حين" (فى 4: 4).. ويظل بك حتى تفقد
إنسحاق القلب، وتفقد دموع التوبة، وتفتر حرارتك.. وإذ تفعل هذا، تسهل
عليك الخطية وربما تعود إليها. وطبعًا ينسيك قول الكتاب "بكآبة الوجه
يصلح القلب" (جا 7: 3).
والشيطان (العطوف) يبرر لك أخطاءك، حتى لا يتعبك ضميرك.
إنه يمنع عنك التبكيت، حرصًا على مشاعرك! وإشفاقًا عليك من الحزن ومن
اليأس! ولذلك في كل أخطائك يقدم لك العديد من الأعذار ومن التبريرات،
وينصحك قائلًا: لا تقل على كل شيء إنه خطأ، ولا تبالغ في تبكيت نفسك،
لئلا يقودك هذا إلى الوسوسة... حقًا إن هذا خطأ، ولكنك لم تكن تقصد،
ونيتك طيبة، وهي تشفع لك. والله ينظر إلى النيات... وهذا خطأ، ولكن
ماذا كان بإمكانك أن تفعل؟! الظروف كانت ضاغطة. وصدقنى لو أنا في موضعك
ما كنت أستطيع أن أفعل غير هذا. والله لا يطلب منك فوق طاقتك. لذلك لا
تكتئب.. وبتبرير أخطائك، تجعل ضميرك واسعًا يبلغ الجمل، ويبعدك عن
التوبة وعن الحرص والتدقيق، وعن الأمانة في القليل.. إن (العطف) عند
الشيطان ليس حبًا، إنما وسيلة للإسقاط. فاحترس منه، ولا تسمع له. وكن
حازمًا مع نفسك. واسلك بتدقيق.. وتأكد أن الشيطان في كل حروبه معك يكون
غير مخلص. كل نصائحه غير مخلصة، حتى لو كانت بمظهر الخير. إنه لا يريد
سوى ضياعك.
من صفات الشيطان أيضًا أنه حسود.
19- الشيطان حسود
قلبه لا يستريح مطلقًا أن يرى إنسانًا ناجحًا، أو إنسانًا بارًا، فيعمل
كل ما يستطيعه لإسقاط هذا وذاك.
وفى حسده يضرب ضرباته بلا رحمة...
لقد حسد يوسف الصديق على ما رآه من رؤى، فنقل الحسد إلى قلوب أخوة يوسف
حتى باعوه كعبد. ثم حسده على نجاحه وثقة فوطيفار به، فدبر له حيلة
ألقاه بها في السجن كفاعل إثم... وحسد العالم على إيمان بالله، فألقاه
في الوثنية، وفي تعدد الآلهة وفي الإلحاد. ودبر لذلك كل صنوف الفكر
والفلسفة، وأيضًا العبادات البدائية. وصدق المزمور حينما قال "لأن كل
آلهة الأمم شياطين" (مز 96: 5).
والشيطان يحسد المعرفة والحكمة، ويحسد العفة، ويحسد الاتضاع...
لذلك فهو ينشر في العالم الجهل والزنا والكبرياء، بكل ما عنده من حق.
لقد حول سليمان عن حكمته وأسقطه. وألقى في العالم كثيرًا من المعارف
الخاطئة، حتى "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز14: 1). وأصبح الزنا من
الحروب الخطيرة التي تحارب العالم كله. كما صارت الكبرياء حربًا يقع
فيها من لم يقع في باقى الخطايا ومن يقع فيها أيضًا.
إن حسد الشيطان هو حسد مدمر، وليس مجرد مشاعر.
فهو إذ يحسد، يضرب بكل قوة. كما حسد أيوب على كماله، فضربه بكل قسوة،
واشتكاه أمام الله، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا
تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وكما حسد سكان البرارى
على زهدهم ونسكهم فأثار ضدهم أعنف الحروب. وكما حسد أوريجانوس أعلم أهل
عصره وأستاذ اللاهوت الأول في عصره، فألقاه في كثير من البدع حرمته من
أجلها الكنيسة، حتى قيل عنه "أيها البرج العالى، كيف سقطت؟!"..
لذلك في كل ما تعمله من بر، توقع حسد الشياطين.
وتوقع أنهم لا يبقونك مطلقًا في برك، بل يحاولون إسقاطك بشتى السبل.
فإن ضربوك ضربة في يوم روحي عميق، لا تيأس بل قل: هذا ما كنت أتوقعه:
ولكنى أطلب من رحمة الله أن تعيننى حتى لا أسقط ثانية.
وإن منحك الله موهبة، فتوقع أيضًا حسد الشياطين.
فهم إما أن يحاولوا إسقاطك في الكبرياء، أو استخدام الموهبة في غير
موضعها. وبهذا يكونون قد أضاعوا هدفها الروحي ونفعها لك ولغيرك... من
صفات الشيطان الأخرى أنه:
20- الشيطان نهّاز للفرص
الشيطان يحاول أن يستغل الفرص، ليلقى فيها تجاربه. كما استغل جوع السيد
المسيح بعد صوم أربعين يومًا، لكي يجربه بتجربة الخبز. وكما انتهز فرصة
خوف بطرس ليلقيه في إنكار المسيح. وانتهز أيضًا فرصة تمسك اليهود
بالسبت ليجعلهم ينكرون معجزات للمسيح لم يعملها أحد من قبل، بل يتهمونه
بالخطية (يو9، 11). من صفات الشيطان أيضًا أنه:
21- الشيطان غير مخلص وغير أمين
قلنا قبلأ إن الشيطان قد يأخذ موقف الشفوق على صحتك، سواء من جهة الصوم
أو السهر، أو تعب الجسد جملة. وينصحك في ذلك بالراحة الجسدية، حرصًا
على سلامة صحتك... !
ولكنه ليس أمينًا حقًا من جهة إهتمامه بصحة جسدك.
إنه ينصحك بالراحة، ويمنعك من السهر، إن كان سهرك في الصلاة أو التأمل،
أو القراءة الروحية، أو في ليالى الصلاة. ولكنك إن سهرت في اللهو أو في
وسائل الترفيه المتنوعة، فلا يحدثك عن مضار السهر خوفًا على صحتك!
وإن تعبت في أمور العالم الباطلة، لا ينصحك بالراحة...
إن تعبك في جمع المال، وفي الجرى وراء السهر والجاه، وفي السعى وراء
ملاذك ومتعك، وفي تنظيم الحفلات الصاخبة، وفي اللعب والرياضة، وفي كافة
الأنشطة العالمية... كل هذا لا يثير إشفاقه عليك، ولا يدعوك فيه إلى
الراحة... ! إنما ينصحك بالراحة، إن كان تعبك في أي عمل روحي. جهادك
الروحي فقط هو الذي يثير إشفاقه عليك وعلى صحتك؟
لذلك إن دعاك إلى الراحة وقت جهادك الروحي، فلا تطعه.
أنها في حقيقتها دعوة منه إلى الكسل والتراخى... أما أولاد الله،
فكانوا يفرحون بالتعب، بل ويفتخرون به (1كو15: 10). وكما قال القديس
بولس الرسول "في الأتعاب أكثر... في تعب وكد. في أسهار مرارًا كثيرة"
(2كو11: 23، 27). وقال أيضًا "كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه" (1كو3:
8).
إن عرفت هذا، إتعب من اجل الله، على قدر طاقتك.
واعلم أن نصيحة الشيطان لك بالراحة، نصيحة غير مخلصة، وغير أمينة، وغير
صادقة. لقد تعب القديس الأنبا بولا الطموهى في النسك، إلى أن ظهر له
ربنا يسوع المسيح وقال له "كفاك تعبًا يا حبيبى بولا". فرد عليه القديس
"وماذا يكون تعبى هذا، إلى جوار كل تعبك يا رب لأجل خلاصًا؟!
خير لك أن تتعب ههنا على الأرض، لتنال أكاليل الجهاد.
من أن تستريح ههنا على الأرض، وتتعب هناك في الأبدية... واعلم أن تعبك
هنا ليس منسيًا أمام الله، لأنه "ليس بظالم حتى ينسى تعب المحبة" (عب
6: 10)، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت
في أقسام المقالات والكتب الأخرى. وكل تعب تتعبه ههنا، مكنوز لك هناك
في الأبدية.
ليس ههنا مكان الراحة. إنما هنا مكان الجهاد والتعب.
لذلك حينما يموت إنسان، يقولون إنه تنيح أي استراح... فالشيطان ليس
أمينًا في دعوتك إلى الراحة. إنه يخدعك...
إنه يحدثك عن الصحة وقت النسك، وليس وقت الفساد!
إن صمت، يلبس الشيطان ملابس الأطباء، ويلقى محاضرة مستفيضة عن أهمية
البروتين الحيوانى والأحماض الأمينية الأساسية. ويظهر إهتمامه بجسدك
وسلامته. ولكنه لا يتحدث عن سلامة جسدك إذا داومت على التدخين أو
المسكرات، أو الشهوات الشبابية الضارة بالصحة. إنه ليس مخلصًا في دعوتك
إلى الصحة.
لذلك إن حاربك براحة الجسد وصحته، قل له: ليس هذا وقته.
إن كانت حرب الراحة من الشيطان، فإن حرب الكسل أشد.
إننا حينما نتعب بالجسد، نشعر براحة نفسيه. والعكس صحيح. حينما نكمل
واجباتنا نشعر براحة وفرح، مهما تعبا بالجسد. وانتصارنا على جسدنا في
الصوم والسهر والمطانيات والعفة، يعطينا راحة لا توصف.
22- حيل الشيطان
"نجنا من حيل المضاد..."، "وأبطِل سائر فخاخه المنصوبة لنا". (تحليل
صلاة الغروب)
خطية تلبس ثوب فضيلة
تحطيم فضيلة لاكتساب غيرها
خداع خدمة الآخرين
الانشغال بزحمة الحياة والآخرين
استخدام الفضائل في غير موضعها
التشكيك
حرب اليأس
محاربات اليأس حتى في الأوقات الروحية
لا تستسلم لليأس
الشيطان يغير خططه
تغيير الخطية بخطية
الذين بلا مرشد يسقطون سريعًا في الطريق
شيطان المجد الباطل
الكآبة و الاكتئاب
السرعة
التدرج الطويل
قصة يعقوب المجاهد
العادات والتدرج
الأمور الصغيرة
التأجيل
المشغولية
إنه عالم مشغول
الفهم الخاطئ لمحبة الله
هزّ المبادئ والقيم
حرية الاعتقاد شيء، و الهرطقة شيء آخر
الانقياد للتيار العام
لا تشاكلوا هذا الدير
الإغراءات
التخدير
تحويل الدين إلى فلسفة
فترة راحة من الخطية
الفضائل الجسدية الظاهرة
العنف
المعطلات
الخجل
الوقت الضائع
الشيطان يستخدم أعوانًا
23- خطية تلبس ثوب فضيلة
ما أكثر حيل الشياطين! إنها لا تنتهى. إن لم تصلح حيلة منها، يستبدها
بغيرها، وبثانية وثالثة... إلى أن يصل إلى غرضه. وليست هناك خطة واحدة
أمامه لتوصله. بل هو يتخذ لكل وضع ما يراه مناسبًا، دون أن يتقيد بشئ...
على أنه من أشهر خططه الواضحة المتكررة، بضعة أساليب صارت معروفة
ومحفوظة، نذكر من بينها ما يأتى...
ما أسهل أن يقدم لك الشيطان بعض الخطايا بأسماء غير أسمائها، بأسلوب
يسهل قبوله. بحيث تلبس الخطايا ثياب فضائل...
وكما قال السيد الرب "يأتونكم في ثياب الحملان وهم ذئاب خاطفة" (متى 7:
15). فالتهكم على الناس والإستهزاء بهم، يقدمه على اعتبار أنه لطف وظرف،
ومحبة ودالة، وخفة الروح، ومحاولة للترفيه... ! والدهاء يسميه باسم
الذكاء... ! ويقدم لك القسوة في معاملة أولادك أو إخوتك الصغار، باسم
التأديب والتربية والتقويم. ويجعل ضميرك يوبخك إن لم تؤدبهم. والتزين
غير اللائق والتبرج، يقدمهما لك باسم الأناقة والنظافة.
إن الشيطان لا يقدم الخطية مكشوفة، لئلا يرفضها الإنسان.
بل يقدمها باسم آخر، وهي هى، ولا فارق... يقول إننى سأدخل مع (فلان) في
حرب مسميات، وأسقطه فيما أريد، ربما دون أن يشعر... أو قد يشعر ولكن
ضميره لا يبكته. لو أنني قدمت له الرياء بهذا الاسم المنفر، فلن يقبله.
إذن ماذا أفعل؟ سأجعله مثل القبور المبيضة من الخارج (متى 23)، بحيث
يكون في الداخل شيئًا، وفي مظهره الخارجى عكس ذلك تمامًا. ولكنني سأدعو
الرياء باسم مقبول: أسميه عدم إعثار الآخرين، أو أسميه القدوة الحسنة.
ليس من (الحكمة) أن يسمى الشيطان الخطية خطية، فيكشف حينئذ أوراقه، ولا
يصل إلى هدفه! يقول السيد الرب في حديثه مع تلاميذه:
تأتى ساعة... يظن فيها كل من يقتلكم، أنه يقدم خدمة (قربانًا) لله!!
(يو16: 2).
ويقينًا أن الشيطان قدم خطية القتل إلى هؤلاء، باسم "الغيرة المقدسة
"أو "الدفاع عن الدين "أو "الجهاد المقدس" أو "تطهير الأرض من الخطاة".
وربما كان هذا هو شعور الكتبة والفريسيين وشيوخ الشعب، في تقديمهم
السيد المسيح للصلب. إن الذين انتهروا الأطفال ومنعوهم من الذهاب إلى
المسيح (لو 18: 15)، ما كانت هذه قسوة في نظرهم، أو عدم إهتمام
بالصغار، إنما لبس هذا التصرف ثياب الحملان، وتسمى باسم فضلة، ربما
إسمها "حفظ النظام" أو "حفظ كرامة المعلم الصالح".
والكذب يمكن أن يقدمه الشيطان تحت إسم "الحكمة "!
يقدمه كنوع من حسن التصرف، أو إنقاذ المواقف. والطبيب قد يكذب على
المريض مرات عديدة، ويسميها أمام ضميره "حفظ معنويات المريض"، وحمايته
من الإنهيار، لكي يشفى. والبعض يسمى بعض أنواع الكذب باسم "الكذب
الأبيض". وربما يسميه في أول أبريل باسم: الدعاية أو الفكاهة والتندر،
أو أي إسم مشابه.
وبهذا الشكل، ما أسهل على الشيطان أن يسمى الرقص فنًا!
ويسمى الصور العارية والماجنة فنًا أيضًا. وكذلك التماثيل التي من نفس
النوع، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في
أقسام المقالات والكتب الأخرى. ويدخل تحت هذا الإسم كل ما في السينما
والمسرح من التمثيل مهما كان خاطئًا... وكل ما في الغناء والموسيقى،
مهما كان معثرًا أو مثيرًا... وتحت إسم الفن يخفى الشيطان مجموعة كبيرة
من الخطايا والعثرات، لا تستحق هذا الإسم الجميل!
إلباس الخطية ثوب الفضيلة، هو حيلة ماكرة من حيل الشيطان.
أتراه يدعو البخل بخلًا؟! ما كان أحد إذن يقبله. إنما الشيطان قد يسميه
"حسن تدبير للمال "أو "حفظ المال لحاجة المستقبل "أو يسميه "عدم
التبذير "أو "عدم الإسراف". وإذا أراد الشيطان أن يمنع غنيًا من أن
يدفع للفقراء، يقول له: ليس من الخير أن تعدوهم الشحاذة، أو أن تعودهم
التشرد والتواكل. إن عدم إعطائهم هو حكمة، وعين الحكمة، لكي يبحثوا عن
عمل، ولكي يأكلوا من عرق جبينهم حسب وصية الرب الإله (تك 3: 19).
إعطاء الخطية إسم فضيلة، يجعل الناس يستمرون فيها...
فليس فقط من جهة الماضى، لا يتبكت الإنسان من ضميره. وإنما أيضًا من
جهة المستقبل يستمر الخاطئ فيما هو فيه، بهذا الخداع من الشيطان.
أتراه كان يطلق إسم هرطقة على أفكار أريوس ومقدونيوس وسابيليوس
وأمثالهم؟!
24- تحطيم فضيلة لاكتساب غيرها
كلا، بل كان يقنعهم أن هرطقاتهم هي الدفاع عن الإيمان السليم!! وكان
يزودهم بالتفسير الخاطئ لآيات الكتاب، لكي يقبلوا أفكاره، ولكى يقنعوا
أيضًا غيرهم بها.. إحترس إذن من المسميات الخاطئة، ولا تسمح للشيطان
بأن يخدعك. فإن الخطية هي الخطية مهما اختفت وراء إسم آخر.. كذلك إحترس
من حرب أخرى يلجأ إليها الشيطان، وهى:
إن الشيطان يتضايق من فضائلك الثابتة التي صارت وكأنها من طبيعتك. لذلك
يحاول أن يحطمها بكل حيلة. وليس أسهل من أن يقدم لك فضيلة أخرى جديدة،
إن لم تسلك فيها بإفراز – لقلة الخبرة – تضيع الفضيلة الأولى الثابتة.
ومثال ذلك:
أ – إنسان يحيا في وداعة وهدوء وسكون وسلام قلبى ودماثة خلق...
يريد الشيطان أن يفقده كل ما فيه من رقة، ومن كلمة طيبة، ومن تواضع
قلب. فماذا يفعل؟ إنه لا يستطيع طبعًا أن يذم له الوداعة، أو أن يقول
له: أترك طبعك هذا المحبوب من الكل.. ولكنه يصل إلى ذلك عن طريق
الإحلال.. يقدم له فضيلة بديلة، دون أن يقول له إنها بديلة.. وكيف؟
يشرح له أولًا أهمية الآية القائلة "غيرة بيتك أكلتنى".
وكيف أن داود المشهور بالوداعة (مز 132: 1) هو الذي قالها. وكيف أن
التلاميذ تذكروها حينما صنع السيد المسيح الوديع "سوطًا من حبال، وطرد
الباعة من الهيكل، وطرد الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم"
(يو2: 15، 17). وقال لهم مكتوب: بيتى بيت الصلاة يدعى، وأنتم جعلتموه
مغارة لصوص" (متى 21: 13).
ويدعوه إلى محاربة الأخطاء، ويزوده بكل الآيات اللازمة.
يقول له إن السيد المسيح وبخ الكتبة والفريسيين بشدة، وقال لهم في
أصحاح كامل "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون" (متى 23)،
وواجههم بكل أخطائهم. وقال لهم "أيها القادة العمان "أكثر من مرة. قال
لهم "إنكم تشبهون القبور المبيضة من الخارج". وقال "هوذا بيتكم يترك
لكم خرابًا" (متى 23: 38). ويوحنا المعمدان قال موبخًا قادة اليهود في
أيامه "يا أولاد الأفاعى. من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتى..." (متى
3: 7). ثم يقول له: إسمع قول القديس بولس الرسول. إنه أمر:
يأمرك قلًا "وبخ. إنتهر. عظ" (2 تى 4: 2).
ولا يكمل له الآية "بكل أناة وتعليم". ولا يقول له إنها موجهة إلى
القديس تيموثاوس الأسقف (أسقف أفسس)، وليس لكل أحد. ولا يشرح له كيف
كان القديس بولس نفسه يوبخ. وكيف قال لكهنة أفسس"... لم أفتر أن أنذر
بدموع كل أحد" (أع 20: 17، 31)... وهكذا يلح عليه أن يوبخ وينتهر...
كأنه المسيح أو المعمدان، أو القديس بولس، أو تيموثاوس الأسقف.
ويقتنع هذا "الضحية "المسكين. ويظل يوبخ الكل، وهو لا يعرف الطريقة
الروحية للتوبيخ. ولا من يوبخ من؟ ولا بأى سلطان يفعل هو هذا؟ وفي
توبيخه يقع في إدانة الآخرين، وفي الغضب، وفي القسوة، وفي التشهير،
وتسود صور الناس في نظره، وربما بهذا الأسلوب يبعد الكثيرين عن
الكنيسة.. ويتحول إلى قنبلة متفجرة، تقذف شظاياها في كل اتجاه.. !
وهكذا يفقد وداعته ورقته ودماثته، ويكره الناس ويكرهونه.
ثم ما يلبث أن يتعب من هذا الأسلوب الذي لا يتفق مع طباعه، يحاول أن
يعود إلى حاله الأول، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا
تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. ولكنه لا يجد قلبه نفس
القلب، ولا فكره نفس الفكر. بل يرى أنه قد فقد بساطته ونقاوة قلبه
وفكره، كما فقد حسن علاقاته مع الآخرين، وفقد أمثلته الصالحة التي كان
يستفيد بها غيره.
لقد أطمعه الشيطان في فضيلة لا يعرفها، وأفقده فضيلته الأولى.
فما احتفظ بالأولى، وما كسب الثانية. وصار في بلبلة! وهو يسمح له
بممارسة الثانية، لأنها غير راسخة فيه، ولا تتعب الشيطان الذي يستطيع
أن يزعزعه عنها بسهولة. من أجل هذا، كان آباؤنا ينصحون أولادهم بقولهم:
إن أية فضيلة يقدمها لك الشيطان، ويقصدون بها أن يهدموا فضيلة أخرى
عندك، أرفضها وقل لهم:
هذه الفضيلة جيدة. ولكننى من أجل الله لا أريدها.
حقًا، إن عمل الله لا يهدم بعضه بعضًا. وكل إنسان له شخصيته التي قد
تختلف عن غيره. وقد لا يناسبه ما يناسب غيره. وليس كل أحد له سلطان أن
يرتب وينظم، وأن يوبخ وينتهر، وأن يحكم ويدين. ومن يعطه الله هذا
السلطان، لابد سيمنحه أيضًا كيف يستخدمه حسنًا، دون أن يخطئ... وليس كل
إنسان يستطيع أن يقول "ويل لي إن كنت لا أبشر". فقد قال هذه العبارة
القديس بولس الرسول الذي قال في شرح ذلك "إذ الضرورة موضوعة على
"وأيضًا "قد استؤمنت على وكالة" (1كو9: 16، 17). وأنت، ما هي الضرورة
الموضوعة عليك؟! ومن الذي استأمنك على وكالة، كما استؤمن القديس بولس
من فم المسيح نفسه. وكما أخذ المعمدان رسالته في بشرى الملاك لأبيه
(لو1: 15 – 17). وكما أخذ القديس تيموثاوس مسئوليته بوضع اليد (2تى 1:
6). مثال آخر للفضيلة الجديدة، المقصود بها إضاعة فضيلة أخرى:
25- خداع خدمة الآخرين
ب – إنسان يعيش في نقاوة القلب، بعيدًا عن العثرات الجسدية:
يعيش محترسًا تمامًا، لا يقرأ قراءات تعثره، ولا ينظر إلى أية مناظر
تعثره، ولا يختلط بأية خلطة معثرة، ولا يستمع إلى أية أحاديث معثرة.
وهكذا يحتفظ بأفكاره نقية، لا تدخل إلى قلبه أي شيء غير طاهر... هذا
الإنسان الطاهر، يريد الشيطان أن يحاربه. ولا يستطيع أن يقدم له عثرة
مكشوفة، لأنه سيرفضها حتمًا. فماذا تراه يفعل؟
يفتح أمامه الباب ليكون مرشدًا روحيًا، يقود الشباب للطهارة.
إذ كيف يعيش في الطهارة وحده، ويترك أولئك المساكين يسقطون كل يوم، ولا
يقدم لهم مشورة صالحة تنقذهم مما هم فيه؟! ويقول له استمع إلى قول
الرسول "من رد خاطئًا عن ضلال طريقة، يخلص نفسًا من الموت، ويستر كثرة
من الخطايا" (يع5: 20). ويظل به يقنعه لكي يقبل هذه الخدمة الروحية
الحيوية، حتى يقتنع، ويقبل أن يرشد الذين يأتون إليه.. ثم تأتى بعد هذا
الخطوة الثانية، وهى:
لكى يكون إرشاده عمليًا، لابد أن يستمع إلى مشاكلهم وأخطائهم.
ويظل هؤلاء يضعون في أذنيه أخبارهم وقصص سقوطهم. وقد يقولون كل شيء
بالتفاصيل. وربما يكون في ما يحكون في ما يعثر... ويستمع (المرشد)
الطاهر إلى كل ما كان يبعد عن سماعه، ويعرف ما كان لا يحب مطلقًا أن
يعرفه. وما كان يحاول أن يبعد عنه، أصبح الآن ينصب في أذنيه، بكامل
رضاه... وكل واحد يقدم صورة جديدة، أو صورًا عديدة من الخطأ.
وعن طريق الإرشاد، يجد صاحبنا عقله وقد امتلأ بصور دنسة!
وأصبح يعرف أشياء صارت تشوه طهارة تفكيره، وتدنسه بأخبار وقصص "ذكرها
أيضًا قبيح" (أف 5: 12)... وحتى إن لم تعثره وتغرس فيه إنفعالات خاطئة،
فعلى الأقل ستنجس فكره. وكأنه قد قطف أثمارًا غريبة من شجرة معرفة
الخير والشر...
فإن حاول أن يبتعد، يقال له: ما ذنب هؤلاء الشباب؟
وقد يكونون قد تعلقوا به، واستراحوا إلى إرشاده. وربما يتعبون ضميره
بأنه إن تخلى عنهم سيرجعون إلى خطاياهم مرة أخرى، وستجد المزيد عن هذا
الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب
الأخرى. وقد يلحون عليه في أن يظل يسندهم حتى يقفوا على أرجلهم.. وهكذا
يحدث له ما حدث للوط البار، إذ قيل عنه "إذ كان البار بالنظر والسمع –
وهو ساكن بينهم – يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة"
(1بط 2: 8). وهذا الأخ قد يكون بالسمع فقط وليس بالنظر. وربما ما يسمعه
يضع في ذهنه صورًا لم ينظرها من قبل، وكأنه نظرها فعلًا..
وما أدرانا، ربما هذا الأخ المرشد، يسقط، ولو بالفكر والقلب!
كان يمكن من أول القصة أن يحيلهم إلى أب اعتراف ويريح نفسه. ولكن
الشيطان ورطه، أو قذف به في أول الطريق، فقبل ذلك بسلامة نية، دون أن
يعرف كيف يتطور به هذا الموضوع. وقد ينجح أخيرًا في تحويل هؤلاء إلى
آباء اعتراف. ولكن بعد أن يكون فكره هو قد صار مخزنًا لقصص كثيرة
وأخبار، ضيعت نقاوته الأولى، وأدخلت في ذهنه معلومات جديدة عليه، ينطبق
عليها قول الحكيم "الذي يزيد علمًا، يزيد حزنًا" (جا 1: 8).
26- الانشغال بزحمة الحياة والآخرين
ج – وقد تأتى حيلة الشيطان في الإرشاد بصورة أخرى، يقدم فيها لا
أخبارًا تدنس القلب، بل شكوكًا تتعب العقل.
إذ يكون القلب في بساطة الإيمان، وتكون القراءات كلها روحية تعمق صلته
بالله. ويأتى إليه من يطلبون معونته وارشاده في شكوك تتعبهم. وتتوالى
هذه الشكوك من هنا وهناك، لكي تجد لها حلًا. ويبدأ إيمان هذا (المرشد)
يتحول شيئًا فشيئًا من القلب إلى الفكر والبحث العلمى... وقليلون من
يحتفظن بالإثنين معًا... يجد الشكوك تتكاثر علية. وليست له موهبة الرد
على الشكوك...
وينبغى أن نعرف أنه ليس كل أحد على مستوى الإرشاد.
الذين لهم هذه الموهبة، لا يصيبهم ضرر سواء في المشاكل الروحية وسماع
الخطايا الجسدية، أو في المشاكل العقائدية وسماع الشكوك. ولكن حيلة
الشيطان الماكرة في هذا الأمر أنه:
يقدم الإرشاد للذين ليست لهم الموهبة، ويصيبهم منه ضرر.
ويقدمه بأسلوب ضاغط، يشعرهم به أنه ضرورة ملحة، وأنه واجب مقدس وأن "من
يعرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17). وما أسهل على
القلب المتضع أن يقول في انسحاق "ولكننى هنا لا أعرف"، "أنا الذي لم
أستطع أن أرشد نفسى، كيف يمكننى أن أرشد آخرين؟!"..
والشيطان قد يقدم عملًا روحيًا، ليزيل به تأثير عمل روحي آخر.
فإن رأى إنسانًا قد صلى صلاة روحية عميقة، وانسكب في تأملات حارة أمام
الله، قد يرسل إليه إنسانًا يطلب عمل المصالحة بين متخاصمين. لكيما إذا
جلس وسط هؤلاء المخاصمين، بكل ما في تصفية الجو من ضوضاء أو شوشرة أو
شجار أو عتاب قاس، تزول آثار الصلاة والتأملات. ويعود هذا المصلى إلى
بيته، وليس في ذهنه سوى ما سمعه من مناقشات حامية، ربما تجعل عقله يسرح
إذا صلى. وتحتاج أمثال هذه المواقف إلى إدماج الصلاة فيها، وإلى
تمهيدات روحية بعدها قبل الوقوف أمام الله للصلاة...
وقد يرى الشيطان أن صلاتك حافلة بالتأملات، فيريد تشتيتها:
فماذا يفعل؟ يقول لك وأنت تصلى "إن هذا التأمل عجيب جدًا وعميق، وإن
سمعه آخرون سيستفيدون منه، وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع
الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام المقالات والكتب الأخرى. فلئلا تنساه، قم
الآن واكتبه. وهكذا يكون قد أخرجك من الصلاة إلى الكتابة، وقطع وقفتك
المتخشعة أمام الله، لكي تجلس وتكتب، مهتمًا بالآخرين أكثر من اهتمامك
بالوقوف في حضرة الله.. وفي كل ما يجذبك إليه الشيطان من فضائل أخرى،
يكون هدفه:
يفقدك ما عندك، مغريًا إياك بفضائل أخرى ليست معك.
أو هو يفقدك الثابت الذي في يدك، من أجل وعود في أشياء قد لا تتم. أو
قد يسمح لك ببعضها لكي يسحبه منك فيما بعد...
27- استخدام الفضائل في غير موضعها
يقول الكتاب "الكل أمر تحت السموات وقت" (جا3: 1). فإذا استخدمت
الفضائل في غير وقتها وفي غير موضعها، ربما تأتى بنتيجة عكسية، ولا
تخدم الغرض الروحي. وهذا بعض ما يقدمه الشيطان ضمن حيله الكثيرة.
ففى وقت التوبة، حينما يلزم الإنسحاق، يقدم فضيلة الفرح.
ويورد كل الآيات الخاصة بالفرح، حتى يضيع الندم والإنسحاق والدموع، كل
هذه الأمور اللازمة لحفظ التوبة. وفي نفس الوقت يخفى الآيات الأخرى مثل
"طوبى للحزانى الآن، لأنهم يتعزون" (متى 5: 4).
وفى منهجه هذا، يستخدم طريق الآية الواحدة...
وقد رفض السيد المسيح هذا المنهج. فعندما قال له الشيطان على الجبل"...
لأنه مكتوب... "أجابه الرب "مكتوب أيضًا..." (متى 4: 6، 7). وهكذا
أرانا أن منهج الآية الواحدة الذي يستخدمه الشيطان، لا يمكن أن يوصل
إلى حقيقة روحية سليمة، طالما هناك آيات أخرى توضح الموضع.
وقد يستخدم الشيطان آيات كثيرة في اتجاه واحد يخدم غرضه.
إنه يذكر الآيات الخاصة بالرحمة، حينما يلزم الحزم وتلزم العقوبة.
ويذكر الآيات الخاصة بالعقوبة حينما يلزم العفو والحنو والرحمة. ويحاول
أن يقنع الإنسان بالصمت، ويورد نصوصًا عديدة من الكتاب، مستخدمًا إياها
في الوقف الذي يجب فيه الكلام. كذلك يورد آيات عن فائدة الكلام
وأهميته، في الوقت الذي يحسن فيه الصمت...
كذلك يورد للإنسان آيات لا تناسبه، وهي خاصة بغيره.
فهناك آيات خاصة بالرسل ورجال الكهنوت، لا تنطبق على العلمانيين،
يقدمها لشخص عادى كما لو كانت تخصه هو... مثل قول المسيح لتلاميذه
الإثنى عشر "لا تدعوا لكم أبًا على الأرض..." (متى 23: 9)، وستجد
المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. ومثال ذلك أيضًا ذلك الشخص العنيف الذي كلما
كان يرى شخصًا مخطئًا، كان ينهال عليه ضربًا!! وذلك لأن الشيطان وضع في
أذنيه الآية التي تقول "في أوقات الغدوات كنت أقتل جميع خطاة الأرض،
لأبيد من مدينة الرب جميع فاعلي الإثم" (مز 101: 8). من حيل الشيطان
أيضًا في محاربة البشر:
28- التشكيك
إن الشيطان يزرع الشكوك في كل مجال من مجالات الحياة. لأن الإنسان في
حالة الشك يكون ضعيفًا يمكن للشيطان أن ينتصر عليه.
فهو مثلًا يغرس الشك من جهة التوبة.
سواء من جهة إمكانية التوبة، أو من جهة قبول الله لها. فهو يصور
للإنسان أنه ليس من السهل عليه أن يتخلص من هذه الخطايا، التي صارت
طبيعة فيه، أو عادة من عاداته، أو صارت محبوبة لديه لا يمكنه مطلقًا
الاستغناء عنها. وإذ يغرس فيه الشك الكامل في قدرته، يخفى عنه تمامًا
معونة الله، أو يشككه فيها أيضًا، كما قال داود النبي "كثيرون قاموا
على. كثيرون يقولون لنفسي: ليس له خلاص بإلهه..." (مز3). أما إن صمم
الإنسان على التوبة، فإنه يشككه في قبول الله لتوبته: إما لأنها أتت
بعد فوات الفرصة، أو لأنها توبة غير حقيقية، أو لأن خطاياه بشعة من
الصعب مغفرتها! وتحتاج إلى عقوبات فوق احتماله!
وكل هدف الشيطان هو إلقاء التائب في اليأس.
لكى تخور عزيمته، ويبقى في الخطية حيث هو... وكذلك يشككه الشيطان في
رحمة الله، ويورد له آيات لا تحصى عن عدل الله، وعن عقوباته. وربما
تكون عقوبات عن خطايا أقل من خطاياه هو بكثير. وشكوك الشيطان قد تدخل
في الحياة الشخصية أيضًا.
فهو يغرس الشك في أيهما أفضل: البتولية أم الزواج.
وأى طريق منهما يختاره الإنسان يشككه فيه كذلك. فإن اختار البتولية
يشككه في إمكانية الحياة فيها، وكيف أنها صعبة جدًا، وهي فقط "للذين
أعطى لهم" (متى 19: 11)، "وكل واحد له موهبته الخاصة من الله" (1كو
7:7). فما أدراك أن هذه موهبتك؟! ويشرح له السقطات التي وقع فيها
القديسون. ويقول له: هل أنت أفضل من داود ومن شمشون، وكلاهما حل روح
الرب عليه؟! وإن اختار الزواج، يقول له، لقد فقدت إكليل البتولية. ويضع
أمامه قول القديس بولس الرسول "غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضى
الرب. أما المتزوج فيهتم فيما للعالم كيف يرضى إمراته" (1كو7: 32، 33)،
"ومن لا يزوج يفعل أحسن" (1كو7: 38). وهكذا يتركه في بلبلة لا يعرف أي
الطريقين يختار... !
وهو يغرس الشكوك أيضًا في موضوع الوحدة والخدمة.
إن اختار الإنسان طريق الوحدة، يشرح له أمجاد الخدمة، وكيف أنها طريق
الرسل وأبطال الإيمان، وأن "الذين ردوا كثيرين إلى البر يضيئون
كالكواكب إلى أبد الدهور" (دا 12: 3)، إنه "يوقدون سراجًا ويضعونه تحت
المكيال، بل على المنارة، فيضئ نوركم قدام الناس..." (متى 5: 15، 16).
وإن اختار الإنسان طريق الخدمة، يقول له الشيطان: لقد فقدت طريق
الملائكة الأرضيين، وحياة السكون والهدوء التي يتفرغ فيها الإنسان لله
وحدة. أما أنت فقد اخترت طريق مرثا التىوبخها الرب بقوله "أنت تهتمين
وتضطربين لأجل أمور كثيرة ولكن الحاجة إلى واحد". ولم تختر طريق مريم
التي جلست عند قدمى المسيح، واختارت النصيب الصالح (يو10: 41، 42)،
وستجد المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام
المقالات والكتب الأخرى. ويذكره بالرؤيا التي ظهر فيها أن أرسانيوس
المتوحد كان أفضل من موسى الأسود محب الأخوة وخادمهم. وهكذا يستمر
الشيطان في غرس الشكوك. وكما قال يوحنا الدرجى: الراهب الذي يعيش في
الوحدة، يحاربه الشيطان بمحبة الأخوة وخدمتهم. والراهب الذي يخدم
الأخوة في المجمع، يحاربه الشيطان بمحبة الوحدة وحياة السكون والصلاة
والتأمل.
والشيطان يغرس الشكوك في العلاقات الاجتماعية كلها.
فهو يغرس الشكوك بين الزوج وزوجته، وبين الصديقة، وبين الشركاء في
العمل، وبين الرئيس ومرؤوسيه. يشكك في محبة الواحد للآخر، أو في إخلاص
وأمانة الواحد للآخر. بل يشكك في كل تصرفات الناس وفي نياتهم ومقاصدهم
وكل ذلك لكي يزعزع صلات التاس ببعضهم البعض، ويحولها إلى انقسامات
ونزاعات، ويضيع الحب الذي هو عماد الحياة الروحية والاجتماعية كلها...
حتى الأمور التي يمكن أن تمر ببساطة، يعقدها الشيطان بشكوكه العديدة،
وقد يخلق منها مشاكل عويصة... !
وهو يشك أيضًا في الإيمان ذاته وفي العقائد.
وكل البدع والهرطقات التي قاست منها البشرية هي من صنع الشيطان ومن
أفكار، وكذلك كل المذاهب المتعددة وما بينها من صراعات. والإلحاد أيضًا
هو من صنع الشيطان...
الشيطان أيضًا يشكك في إمكانية الحياة مع الله.
ويشرح أن الحياة الروحية صعبة وغير ممكنة. فمن من الناس يستطيع أن يسير
في الطريق الكرب، أو أن يدخل من الباب الضيق (متى7: 13، 14). ومن
يستطيع أن يصل إلى حياة الكمال التي يطلبها الرب منا (متى5: 48). ومن
يستطيع أن ينجو من حروب الشياطين؟!
وفي ذلك يخفي عمل النعمة وعمل الروح القدس في خلاص الإنسان، ويخفي
معونات الله الكثيرة!!
والشيطان قد يغرس في القلب شكوكًا حول أب الاعتراف.
فيشكك في مدي اهتمام أب الاعتراف بالمعترف، ومدي محبته له، ومدي كتمانه
لأسراره، ويشكك في إرشاداته وصحتها وصلاحيتها للنمو الروح. يشكك في
معرفته، وأيضًا في روحانيته. وهو يريد بكافة الطرق أن يبعد ضحية عن أب
الاعتراف، الذي يكشف له حروب الشياطين وحيلهم ومكرهم. ويبقي المسكين
بلا مرشد فيصبح فريسة سهلة للشياطين.
إنه يشككه في أب الاعتراف، لكي يخالفه، أو يتركه، أو أن يخفي عنه
تدابيره وكلها وسائل خاطئة. وقد يشككه أيضًا في سر الاعتراف ذاته.
ويقول له: لماذا تعترف على إنسان مثلك؟!
وقد يشككه في الفضيلة ذاتها...
فيقول له مثلًا ما لزوم الاتضاع والوداعة؟ إنهما يضعفان شخصيتك! وما
معني أن تترك حقك، ولا تأخذه بالقوة، حتى يتلاعب بك غيرك.. ؟ وهكذا مع
باقي الفضائل. أما أنت فلا تقبل الشكوك. وكلما أتاك شك، قل: هذا من عمل
الشيطان...
ولا تقبل الشك داخلك، ولا تستعمله ولا تدعه يستمر...
إن كنت كفوًا لمناقشة واثبت زيفه، واطرحه خارجًا. وإلا، أطلب من الله
أن يرفعه عنك. وتذكر قول الكتاب "كونوا راسخين، غير متزعزعين" (1كو15:
58).
وأرجو بنعمة الله أن أحدثك عن الشكوك في مناسبة أخري، بنطاق أوسع،
حينما نتحدث عن الحروب الروحية، واحدة فواحدة بالتفاصيل.
سلاح آخر من أسلحة الشيطان في حروبه، وهو:
5 - حرب اليأس
الياس حرب يلجأ إليها الشيطان بعد مقدمات طويلة تمهيدية ..
وربما تكون هذه المقدمات سقطات متتالية يوضع فيها ضحيته ، بلا هوداة ، حتى يصرخ أخيراً ويقول لا فائدة في . من المستحيل أن أخلص طالما أنا هكذا ... !
· وقد تكون هذه المقدمات إيحاءات يغرسها في نفسه باستمرار ، باسم التواضع ! يقول فيها لنفسه كل يوم " أنا ضعيف وعاجز ، وكلي خطية " .... ولكن بدلاً من أم يوصله إلى الإتضاع ، يقوده إلى صغر النفس ، والشعور بأنه لن يقوم ثانية ...
· وربما تكون مقدمة حرب اليأس ، هي سقطة كبيرة ( مثل سقطة يهوذا ) يشعره الشيطان بعدها بأنه لا مغفرة ! أو وقد تكون السقطة بهذه الدرجة ، ولكن ...
· من عادة بأنه لا مغفرة ! أو قد لا تكون السقطة بهذه الدرجة ، ولكن
من عادة الشيطان أن يضخم في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس .
والشيطان ماكر جداً في هذه الناحية . فهو قبل السقوط يسهل موضوع الخطية جداً ، حتى لتبدو شيئاً عادياً ، ويضع لها مبررات ... أما بعد الخطية ، إما أن يستمر في سياسة التهوين لكي تتكرر ، وإما أن يدخل في أسلوب التهويل ليقع صاحبها في اليأس . ويقول له : هل من المعقول أن يغفر الله خطية مثل هذه ؟
وربما يشعر الخاطئ أنه وقع في التجديف على الروح القدس !
وهكذا لا تكون له مغفرة إلى الأبد ( مز3 : 29 ) . وطبعاً لا تكون لتلك الخطية أية علاقة بالتجديف على الروح القدس . فالتجديف على الروح هو طرد الروح القدس من القلب ، طرداً كاملاً دائماً مدي الحياة . وهكذا لا تكون لإنسان توبة ، وبالتالي لا مغفرة . لأن المغفرة مرتبطة بالتوبة ، والتوبة مرتبطة بعمل الروح في القلب .
وقد يجره إلى اليأس ، بإشعاره انه لن يتوب .. !
يقول له : " هل من المعقول أنك ستترك الخطية ؟! مستحيل . لقد صارت تجري في دمك . عزيمتك إنتهت ، وإرادتك إنحلت . بل حتى الرغبة في التوبة أصبحت غير موجودة عندك ... كم مرة حاولت أن تتوب ، وفشلت ؟! كم مرة إعترفت بخطاياك ، ورجعت إليها وربما بدرجة أسوأ ؟ ... " وهكذا يحطم معنوياته إلى أن يستسلم له ، ويتوقف عن المقاومة ...
يقول له : إنك قد صرت بكليتك في يدي . أنقلك من هذه اليد إلى الأخري ، بكل سهولة ، كما أشاء . فلا داعى إذن لصراع فاشل لا تكسب منه شيئاً .
وطبعاً كل هذه تخاويف لا أساس لها ، وتهديدات زائفة ..
فإن الله قادر أن يمنح الإنسان التوبة ، مهما كانت حالته سيئة . والتاريخ يحكى لنا الحالات السيئة جداً التى كانت فيها مريم القبطية ، وبيلاجيه ، وأغسطينوس ، وموسي الأسود . مع ذلك فقط بل صاروا قديسين ...
ومع ذلك فكلما سقط الإنسان ، يحاول الشيطان إلقاءه في اليأس .
ويقنعه بأن هذا سقوط دائم أبدي ! وليس سقوطاً طارئاً .
فما أجمل كلمة العزاء في سفر ميخا النبي " لا تشمتي بي يا عدوتي . ( فإني ) إذا سقطت أقوم " ( مى7 : 8 ) . والكتاب يقول إن " الصديق يسقط سبع مرات ويقوم " ( أم24 : 16 ) . ومع هذا السقوط الكثير ، سماه الكتاب صديقاً ...
ومن وسائل الشيطان في الياس ، ضربه لنا في أوقات روحية .
وهذه من حيلة المشهورة ، حتى باتت معروفة للكثيرين . ومثال ذلك :
تكون فى سهرة روحية طول الليل فى الكنيسة ، فى بدء عام جديد ، وكللك رغبة وتصميم أن
تبدأ بدءاً حسناً بعام مبارك مقدس . وتحضر السهرة والقداس وتتناول . ثم تخرج لكى يرسل لك الشيطان إنساناً متعباً جداً يعكر دمك ويثيرك ، ويجعلك تغضب وتخطئ . وحينئذ يضربك الشيطان باليأس ، فتقول : أبعد كل هذا أسقط ! إذن لا فائدة .
كلا ، لا تيأس فهذه هى حيله المعروفة .
قل كما قال النبى " إنى إن سقطت أقوم " ...واعرف أن الشيطان لا يهدأ فى حربه . فى أول كل عام جديد ، وفي كل يوم روحي ، وبعد كل صلاة روحية ، وفي بداية كل صوم ، وبعد كل تناول .. توقع منه ضربه لإسقاطك فإن فعل ، قل له إلعب لعبة أخري ، فقد صارت ألا عيبك هذه مكشوفة ..
صدقوني إن الحروب في المناسبات الروحية ، لا تحصي .. وقد تكون هذه الحروب مجرد حسد من الشيطان لعملك الروحي أو لنجاحك .
ومن وسائل اليأس ، أن الشيطان يغري الإنسان بمستويات أعلي منه .
يضربه ضربات يمينيه ، ويقنعه بسمتويات روحية لا يستطيع الوصول إليها ، ويشجعه على ذلك بكل قوة . فإن نصحه أب اعترافه بالتدريج حتى يصل ، وأراد أن يقلل من هذا المستوي ، يشككه في أب اعترافه ومستواه الروحي .
وما أسهل أن يسلك الإنسان يومين أو ثلاثة أو أكثر في درجة عالية ، على غير أساس ، ثم لا يستطيع أن يستمر ، ويفشل . وهنا يبدأ الشيطان أن يغيره ويلقيه فى اليأس ، ويقول له : إنك لا تصلح للطريق الروحى ! طبيعتك لا تتفق مع الحياة الروحية السليمة . ويستمر ف تحطيم نفسيته ... بينما لو تدرج ، كما نصحه أب الإعتراف ، لا ستطاع أن يصل إلى هذا المستوى الذى أراده الشيطان أن يبدأ به .
لقد استطاع الشيطان أن يقنع الكتبة والفريسيين بأن يسلكوا بأسلوبه .
فكانوا فى إرشادهم الروحى " يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحمل ، ويضعونها على أكتاف الناس . هم لا يريدون أن يحركون بأصبعهم " (متى 23 : 4) . وهذه الأحمال الثقيلة تدفع أحياناً إلى اليأس ، إذ قد يقول حاملها : من يقدر على هذا ؟ من يستطيع أن يخلص ؟!
أما الرسل القديسون فلم يفعلوا هكذا ، بل رأوا فى قبول الأمم " أن لا يثقل على الراجعين إلى الله من الأمم " (أع 15 : 19) ، وأرسلوا إليهم قائلين " لا نضع عليكم ثقلاً أكثر ، غير هذه الأشياء الواجبة " (أع 15 : 28) . وقد قال القديس بولس الرسول " سقيتكم لبناً لا طعاماً ، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " (1كو 3 : 2) .
لذلك إن أغراك الشيطان بما فوق مستواك ، فلا تقبل .
قل له : إذهب عنى يا شيطان ، فإن لى مرشدى الروحى الذى أسمع له . أما أنت فلا تقصد بى خبراً . ولك طرقك بلا نظام ، ولا توصل . يروى عن القديس الأنبا أنطونيوس أن الشيطان أيقظه ذات ليلة لكى يصلى ، فلم يقبل القديس نصيحته . وقال له : أنا أصلى حينما أريد ، ومنك لا أسمع ... إن الشيطان يرفع الإنسان لكى يسقطه . وإن سقط يدفعه إلى اليأس فى شماتة . وحرب اليأس هامة بالنسبة إلى الشيطان ...
فالإنسان حينما ييأس ، تتحطم روحه المعنوية ، ويفقد ثقته بنفسه ، وثقته
بالله ، وثقته بإمكانية الحياة الروحية ، ويستسلم للسقوط ...
وهذا هو عين ما يريده الشيطان. لكيلا تقاومه فريسته ، فتهلك . وكأنه
يقول لهذا الإنسان اليائس المستسلم له : إنك لن تفلت من يدى . أنت ذاهب
إلى جهنم لآ محالة . فلا فائدة . ولذلك نصيحتى لك أن تتمتع بالدنيا
بضعة أيام ، بدلاً من أن تخسرها دنيا وآخره ...!
يقنعه الشيطان بصعوبة الحياة الروحية ، وبأنه ضعيف وطبيعته فاسدة ! كما يقنعه بأنه لن يفلت من يد ، ولا من العدل الإله ...
هذه هى أكبر أسلحة الشيطان فى حرب اليأس . والرد على كل ذلك بسيط . وهو أننا لا نحارب بإرادتنا الطبيعية ، لأن الحرب للرب (1صم 17 : 47) ، وهو الذى يقودنا فى موكب نصرته (2كو2 : 14) . وإن كنا نحن لا نستطيع ، بسبب ضعيفنا وفسادنا وصعوبة الطريق ، فإننا نستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينا (فى4 : 13) . يسندنا عمل النعمة ، وقوة الروح القدس العامل فينا ، وملائكة مرسلون لمعونتنا (عب 1 : 14) . وتسندنا شفاعة القديسين فينا ... أما الشيطان فلا سلطان له علينا ، ولا نعبأ بتهديده ، وما أجمل قول الرسول " قاوموا إبليس فيهرب منكم " (يع4 : 7) . أما العدل الإلهى فقد وفاه الرب على الصليب ، وقد قدم لنا فى حبه خلاصاً هذا مقداره (عب 2 : 3) . ونحن " إن اعترفنا بخطايانا ، فهو أمين وعادل ، يغفر لنا خطايانا ، ويطهرنا من كل إثم " (1 يو1 : 9) . ويغسلنا فنبيض أكثر من الثلج (مز 50) . وهو الذى قال لنا " إن كانت خطاياكم كالقرمز ، تبيض كالثلج ... " (إش 1 : 18) . إن حرب الشيطان هى اليأس ، بالطرق التى رددنا عليها .
أما الكتاب فإنه يشجعنا . ويجعل الرجاء من الفضائل الكبرى (1كو13 : 13) .
وكثيرة وعود الله لنا وللكنيسة : إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 16 : 18) . وإننا " بقوة الله محروسون " (1بط 1 : 5) وأنه قد نقشنا على كفه ( إش 49 : 16 ).و الكتاب يقول |ن " الله لم يعطنا روح الفشل ، بل روح القوة.." ( 2تى 1 : 7 ).ولذلك نصحنا الرسول أكثر من مرة بأننا " لا نفشل " ( 2كو 4 : 16 ، 1 ، غل 6 : 9 ).
إن كنت ماشيا فى الطريق الروحى ، ووقعت ، لا تظن أنك لا تعرف المشى ، وتيأس ! بل قم وأكمل المسير..
إن الشيطان يحسد خطواتك ويريد أن يعرقلها.فلا تدفعك عراقيله إلى اليأس.بل على العكس ، قم بقوة أكثر.وأعرف أنه لولا نجاحك فى العمل الروحى ، ما كان الشيطان يحاربك ! حقاً ، لمذا يتعب الشيطان نفسه فى محاربة الساقطين ؟! إنه يتصدى بالحرى للقائمين ، وللذين يخاف جهادهم ضده.
إستمع إذن إلى قول الرسول " كونوا راسخين غير متزعزعين " ( 1كو 15 : 58 ).
كن قوى القلب بالله ، ولا تيأس..
لا تياس مهما كانت حروب الشيطان قوية.و لا تيأس مهما سقطت ، مهما نسيت الوصية ، ومهما فشل التدريب.لا تيأس إذا كانت البداءة بدات بها بداءة ضعيفة ، أبداءة ساقطة ، أو بداءة ضائعة.قل لنفسك : كل هذه مجرد حروب ، وأنا سأثبت فى الله.
ساسير نحو الله ، وغن كنت أجر رجلى جراً إليه..
مهما سقطت مائة مرة فى الطريق ، ساقوم وأكمل طريقى..ولن أقبل اليأس مطلقاً.إنه من عمل الشيطان.ننتقل إلى حيلة أخرى من حيل الشيطان وهى أن :
6 - الشيطان يغير خططه
إن الشيطان لا يصر على خط معين فى محاربته للإنسان.إنما ما أسهل أن أن يغير خطه وخططه ، إن كان ذلك يوصله إلى سقاط من يريد.
وسنضرب لذلك بعض أمثلة :
1-شاب كان يحاربه الشيطان بالزنا حرباً عنيفة ويتعبه فيها ويسقطه أحيانا.فبدأ هذا الشاب فى حياة توبة ، واصبح يحترس من هذه الخطية بالذات إحتراساً شديداً : يبعد عن كل أسبابها.ويسد كل الأبواب التى تأتى منها الخطية ، سواء كانت من القراءات أو السماعات أو اللقاءات.وفى نفس الوقت يقوى نفسه من الداخل بكل الوسائط الروحية ، ويصلى إلى الله بدموع لكى ينقذه 0
فماذ يفعل الشيطان إزاء هذا الحرص الشديد من خطية الزنا ؟
يقول : أتركه الآن ، لا أحاربه بهذه الخطية فترة طويلة ، حتى يظن أنه انتصر عليها تماماً ، فلا يحترس من جهتها.و لنحارب حالياً بخطية أخرى 00
ويتركه سنة أو إثنتين أو ثلاثاً ، بلا حروب في هذه الخطية ، بلا عثرات ، بلا أفكار . ويلقيه مثلاً في خطية كالكبرياء ...
يري المسكين أنه نجا من الزنا ، فيفرح . ويغريه الشيطان بمستوي عال في الصوم ، في القراءة ، ثم في الخدمة ، وفيما هو مستريح الفكر من الخطئة ، ومستريح في منهجة الروحي ، يدعوه الشيطان إلى تطبيق هذا المستوي على غيره . ويريه أنهم مقصرون ، وأنه فاقهم بمراحل ، فيوقعه في الكبرياء . ويدعوه إلى توبيخهم وتبكتهم وإدانتهم :
أبوك لا يصلي . أمك لا تصوم . إخوتك لا يتناولون . أسرتك لا تقرأ الكتاب . إذهب ووبخهم ، وبشدة ...
ويمتد نطاق التوبيخ واحتقار الآخرين ، وشتيمة واحتقار هؤلاء وأولئك ، لأنهم بعيدون عن الله ، مع تعالي القلب بما وصل إليه . وفيما هو يحاول أن يخلع الزوان ، يصير هو نفسه زوناً . إذ أصبح باسم الحق يشتم ، ويحتد ، ويدين ويحتقر ، ويتعالي على غيره ، ويسبح في الغرور والكبرياء ، يقول كالفريسي " أشكرك يارب إني لست مثل سائر الناس ... " ( لو18 : 11 ) .
وتسأل الشيطان عن خطية الزنا التي أراح منها هذا الشاب ؟
فيجيب : الذي يهلك بالكبرياء ، كالذي يهلك بالزنا . كلاهما هالك .
أليس أن الذي يموت بالسل ، كالذي بالسرطان ، كالذي في عميلة جراحية ؟ كله موت ... والنهاية واحدة ... " تعددت الأسباب ، والموت واحد " ...
أما حرب الزنا التي يظن هذا الشاب أنه قد نجا منها ، ففي الحقيقية أن لها يوماً تعود فيه إليه ، حينما يقل يفيق منها . وتسأله كيف ؟ فيقول :
في الفترة التي استراح فيها الشاب من حرب الزنا ، ظن أنها فارقته بلا عودة ، ولم يعد لها وجود في حياته ، وأنها من الخطايا التي تحارب المبتدئين فقط . ولا يعقل أن تحارب المستويات العليا التي وصل إليها ! بل إن كثيريرن أصحبوا يسترشدون به في مقاومة هذه الخطية .
وهكذا أصبح يسمع تفاصيل عن هذه الخطية ما كان يسمح لنسه أن يسمعها من قبل . وبعض أمور خافيه عن معرفته صار يقرأ لها كتباً في هذا الموضوع المعثر ، ليرد على أسئلة سائليه ، وما كان يقرأ هذه القراءات مطلقاً فى فترة حرصه واحتراسه ! وهكذا امتلأ ذهبه بأفكار صارت تترك فى نفسه مشاعر وتأثيرات ، تنمو بمرور الوقت وهو لا يدرى . إلى جوار أنه بسبب الكبرياء وإدانة الآخرين ، بدأت النعمة تتخلى عنه . وهنا أتت الساعة التى يضربه فيها الشيطان بهذه الخطية بالذات . ويسهل عليه إسقاطه . وتكون خطة الشيطان قد نجحت على الرغم من تغييرها فى الطريق ...
وهنا يقول الشيطان : إننى أرحته زمناً من هذه الخطية ، لكى لا يستعد لها . وحينما لا يستعد لها ، لا يدقق . وفى عدم تدقيقه يتساهل مع الخطية وأفكارى . وفى هذا التراجى وتساهله مع ، أضربه بالخطية التى استراح منها سنوات . فيسقط بسهولة .
هذا هو الشيطان ... ! قد لا يحاربك الآن بخطية معينة ، ليس محبة منه لك ، إنما لأنه لا يجهز لك فخاً من نوع آخر .
ب - مثال آخر : إنسان آخر ساقط فى الخطية الغضب ، وخطية الإدانة ، وخطايا السب والكلام الجارح . بدأ يستيقظ لنفسه ، ويدخل بقوة فى تداريب صمت ، ليتخلص من خطايا اللسان جملة . فماذا يفعل الشيطان ؟
يقول : لا مانع من أن نغير الخطة . وبدلاً من محاربته بخطايا اللسان والغضب ، نحاربه بخطية الغرور مثلاً ...
بحيث يقتنع تماماً ، أنه لا يوجد إنسان أفضل منه . وكيف ذلك ؟ نريحه من خطايا اللسان تماماً ، فلا نحاربه بها الآن مطلقاً . وننصحه بشئ من النمو الفجائى فى العمل الروحى ، بلون من المغالاة ، ولا نحاربه فى ذلك .ويظن أن لا يوجد مثله ، فيسلك في الغرور . وربما يختلف مع أب اعترافه الذي لا يوافقه على تطرفه وغروره ، فلا يأبه . ويصبح في وضع لا يخضع فيه لأحد ، لا يطيع أحداً ، ولا يستشير أحداً ، ولا يحترم أحداً .
والغرور يسقطه ويهلكه ، بدون السقوط في خطايا اللسان .
ومع ذلك فالغرور سيجعله يصطدم بالآخرين . ولابد سيقع في خطايا اللسان ، حتى بدون شيطان ! فكم بالأولي إذا حاربه الشيطان بها ...
إن الشيطان التي تناسبه . إنه يعرف متي يحارب ، وكيف يحارب ، وبأي نوع .. ؟
والذي لا يسقط بهذه الطريقة يسقط بغيرها .
والذي لا يسقط في هذه الخطية الآن ، مصيره أن يسقط فيها هي بذاتها ، فيما بعد ، والفخاخ كثيرة ، موجودة ومنصوبة .
ج - مثال ثالث في كيف يغير الشيطان خططه :
بدأ الصوم الكبير . وكان الشيطان في العام الماضي يقاتل عن الأطعمة الحيوانية ؟! صم بالأحرى عن الخطية ، وحارب الحيوان الذي في داخلك .. لأنه ما فائدة الصوم بدون طهارة ونقاوة ؟! ألا يكون صومك غير مقبول ؟!
- فأجاب الشاب : بل أنا أنفذ قول الكتاب " إفعلوا هذه ، ولا تتركوا تلك " ( متى23 : 23 ) . فأحاول أن أصوم الصومين معاً . أصوم جسدي عن الطعام ، وأصوم نفسي عن شهوة الخطية " أقمع جسدي وأستعبده " ( 1كو9 : 27 ) بمنعه عن الأطعمة بمنعه عن الأطعمة الشهية ، أتعود بذلك قهر النفس فلا تخطئ .
· قال الشيطان : ولكنك ضعيف ، وصحتك لا تحتمل الصوم . ولابد تحتاج إلى البروتين الحيواني لتعيش ، وبخاصته وأنت في فترة نمو .
- فأجابة الشاب بقول الرب " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " ( متى4 :4 ) . وتذكر أن آدم وحواء كانا يعيشان على الثمار والبقول ، ثم عشب الأرض ( تك1 : 29 ، 3 : 18 ) . ولم يقل الكتاب إنهما مرضا لنقص البروتين الحيواني ! ...
· قال الشيطان : لا مانع إذن من أن تصوم . ولكن لا داعي لأن تصوم الصوم كله من أوله ، فهذا كثير . وأيضاً لا تضغط على نفسك في الصوم ، لئلا يحاربك الشيطان بالمجد الباطل ! وأنت تعرف حروب الشياطين ، وخطورة ضربات اليمين .
- أجاب الشاب : لا أريد أن أتهاون . فالرب يدعونا إلى الكمال ( متى5 : 48 ) . ومهما صمت ، ماذا يكون صومي إذا قورن بأصوام القديسين ؟! إنه لا شئ ... وصام الشاب . وحل الصوم هذا العام ، والشاب في تصميمه .
- ورأي الشيطان أن محاولة منع هذا الشاب عن الصوم ستكون محاولة عقيمة . لذلك بدأ يغير خطته إلى العكس .
· فقال للشاب : ما أفيد الصوم ! إن عمق فائدته تأتي من طول فترة الانقطاع . ومن رأيي أن تنقطع كل يوم إلى الغروب من بدء الصوم .
ولكن لابد أن تستشير أب اعترافك وتأخذ موافقته ( وكأن يعلم يقيناً أن أب الاعتراف لن يوافق ) .. وهنا نصب له فخاً .
ولم يوافق أب الاعتراف ، ودعا الشاب إلى التدرج ...
· وهنا تدخل الشيطان ليقول : إن أب اعترافك هذا ، لا خبرة له بالصوم . وهو بإرشاده يعطل حياتك الروحية . بطريقته هذه لا يمكن أن تنمو ، ولا أن تذوق حلوة الصوم . بل أخشي عليك إذا ضغطت الظروف ، أن ينصحك يوماً بأن تفطر في أسبوع الآلام !! والأفضل أن تغير أب اعترافك . ومن الممكن في أمور الصوم وأمثالها ، أن لا تستشير أب الاعتراف ! أترك هذه الأمور أصرفها معك بنفسي !
وهكذا غير الشيطان خطته ، من تشكيك في الصوم ، إلى تشكيك في أب الإعتراف . ليس المهم عنده نوع الحرب ، إنما أن يسقط من يحاربه .
وبتحويل الشاب عن أب اعترافه ، جعله يسلك حسب هواه بلا مرشد ، مع كبرياء في القلب يظن بها أنه أفضل من مرشده ، مع إدانة لهاذ المرشد .؟ وكل هذه وسائل تجره في طريق السقوط إلى أسفل .
د - مثال رابع : شيطان المجد الباطل :
إنه شيطان يغير أسلوبه باستمرار ، ليطابق أي حال يراه ...
وهو في ذلك غير المكعب الذي لابد أن يستقر على قاعدة معينة . أما المكور فحيثما نقلبه أو توجهه ، يتحرك ، على كل وجه ، كالكرة .
إن كنت جالساً إلى المائدة ولم تأكل ، يقول لك " يعجبني نسكك هذا ، إنك لا تأكل كسائر الموجودين . وإن أكلت مثلهم تماماً ، يقول لك " هكذا القديسون : يتظاهرون بالأكل وهو صائمون ، لكي يخفوا فضائلهم " .
إن تكلمت ، يقول : إنه كلام الحكمة ، موضع إعجاب السامعين ...
وإن صمت ، يقول : الصمت فضيلة فضيلة القديسين مثل القديس أرسانيوس !
فكن حكيماً مع هذا الشيطان . ولا تصدقه فيما يقوله ، ولا تتأثر بكلامه وأحكامه . وإن حاربك بمديح نفسك لنفسك ، تذكر خطاياك وضعفاتك ، وبكت ذاتك عليها . أو تذكر ما ينقصك في حياة البر ، حتى تقيم توازناً مع ما تسمعه من مديح ...
وعموماً - بالنسبة إلى أي شيطان - إذا غير خططه معك ، يمكن أن تغير أنت أيضاً خطتك معه .
ومثال ذلك ، القديس يوحنا القصير : كان الشياطين يمدحونه على ما وصل إليه من فضيلة ، حتى أن الإسقيط كله كان يطلب منه كلمة منفعة . فيجيبهم : ومن أنا المسكين ؟ ألعلى وصلت إليه الأنبا أنطونيوس أو الأنبا بموا ؟! إنني كلي خطية . فإن قالوا له : حقاً إنك خاطئ وستهلك ، يجيبهم : واين ذهبت محبة الله ورحمته ؟!
فكان الشياطين يقولون له " لقد حيرتنا . إن رفعناك إتضعت . وإن وضعناك إرتفعت " .. فكن أنت هكذا في تعاملك مع الشياطين .
إن مدحوك ، تذكر خطاياك . وإن أراحوك من محاربتهم ، قل لعلهم يعدون لي فخاً لا أعرفه . فليرحم الرب ضعفي ...
بل أذكر أنك لم تصل إلى المستوى الذى يحاربك فيه الشيطان . مثل ذلك الأخ الذى شكا للقديس الأنبا بيشوى محاربة الشيطان له . فظهر الشيطان للقديس ، وقال له : من هو هذا الإخ لأحاربه ؟ أنا لم أسمع بعد بأنه قد ترهب ! إن حرب الشياطين الحقيقية حرب شديدة . وربما غالبيتنا لم يتعرضوا لها . والحروب التى تعرض لها القديسون كانت عنيفة ، لا يسمع الله أن نكابدها نحن . إن شيطان المجد الباطل ، يقدم حرباً أساسها المديح . ولكن هناك طريقة عكسية لهذه تماماً يحارب بها الشيطان أحياناً ، وهى : حرب الكآبة ...
7 - الكآبة
هى نوع من المبالغة الشديدة يحارب بها الشيطان التائبين ، أو الشاعرين بخطاياهم ، أو المنسحقين بقلوبهم ، لكى يجرهم إلى الضياع ...
يختار لهم الشيطان من بين كل آيات الكتاب المقدس آية واحدة يضعها أمامهم باستمرار وهى " بكآبة الوجه يصلح القلب " (جا 7 : 3) . ويقول لهم إن الكتاب لم يذكر مطلقاً أن المسيح قد ضحك ، ولكن ذكر أنه بكى مرات ... وكلما يفع هذا الإنسان فى خطية ، أو يحارب بشدة فى خطية ، يظل الشيطان يزيده كآبة . ويقول له : أنت لست إبناً لله ، لأنك خاطئ ، والكتاب يقول إن " المولود من الله لا يخطئ " (1يو3 : 9 ، 5 : 18) .
ويقول له : وليس الله فقط ، بل حتى أب اعترافك القديس لا يستحق أن تكون له إبناً . إنك عار عليه . تسئ سمعته .
والأفضل أن تترك هذا الأب البار ، حتى لا يعيره الناس قائلين : أنظر ، هذه هى عينة أبنائك . وأيضاً أتركه حتى لا يأخذ دينونة بسببك ، وحتى لا تحزن نفسه باستمرار ، كلما يراك هكذا . وهكذا يبعده عن الله ، والشعور بأبوته ، ويبعده عن أب الإعتراف . وحتى إن أمسك الكتاب المقدس ليقرأ ، يقول له : وهل تتجرأ لتمسك كتاب الله بيدك هذه غير الطاهرة . إن كل كلمة فى هذا الكتاب دينونة عليك . لأن السيد المسيح نفسه يقول عنك وعن أمثالك " الكلام الذى تكلمت به هو يدينه فى اليوم الأخير " (يو12 : 48) . وبهذا يملأ نفسه بالكآبة ، حتى يترك الكتاب بنفس مرة يائسه ...
وحتى الخدمة - إن كان خادماً - يبعده عنها كغير مستحق .
فيقول له : إن الخدمة هى عمل القديسين وليس الخطاة . وأنت خاطئ لا تستحق أن تجلس فى مكان المعلمين ، وإلا ستكون عثرة ، كما أن الخدمة ستنسيك خطاياك التى يجب أن تضعها أمامك فى كل حين ، وتكتئب عليها ليلاً ونهاراً . حتى إن وقف يصلى ، يمنعه قائلاً : " صلاة الأشرار مكرهة للرب " (أم 15 : 8 ، 28 : 9) ... ويقول له : هوذا العشار وقف بعيداً ، لا يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق (لو18 : 13) . وأنت بكل استهتار ولا مبالاة ، تتحدث مع الله ، وأنت كاسر لكل وصاياه . ليتك تخجل من نفسك ، وتبعد عن هذه الصلاة الأثيمة !
وهكذا يبعده بالكآبة عن كل وسائط النعمة ، لينفرد به .
ينفرد به وهو وحيد ،بنفس محطمة ، وليس حوله إنجيل ولا صلاة ، ولا أب اعتراف ، ولا خدمة ولا اجتماعات كنسية ، بل ربما وليس حوله أيضاً أصدقاء ، إذ بعدوا عنه بسبب كآبته ، أو بعد هو عنهم ... وهكذا يصير فريسة سهلة للشيطان .
وما أسهل أن يقول له : أترك الوسط الدينى لأنه سبب كآبتك !
أو ما أسهل أن يرسل له هذه العبارة على أفواه أقاربه ، أو على فم طبيب معالج . ويجذبه بالتدريج إلى وسائل من اللهو للترفيه عنه من كآبته ، ولو إلى فترة مؤقتة ، يطيلها الشيطان بحيله الأخرى ، إلى أن يبعده عن الله تماماً ... أو أن الشيطان يسقطه بوسيلة أخرى وهى اليأس . وتكون الكآبة ممهدة لذلك .
وحيلة الشيطان فى الكآبة ، أنه أبعد فريسته عن الرجاء والمغفرة .
أبعده عن وجه الله المحب ، الذى استقبل إبنه الضال بكل ترحاب ، وفرج به ، وجعل الكل يفرحون ، وألبسه الحلة الأولى (لو15 : 22 - 24) . بل إن الرب يقول إنه " يكون فرح قدام ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب " (لو15 : 10) ... حقاً إن القديسين بكوا على خطاياهم ، ولكن ليس بغير رجاء . بل إن الكتاب يقول :
" لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم " (1تس4 : 13) .
الحزن على الخطية ، لا يفصلنا عن الله ، بل يقربنا منه . ويزيد محبتنا له ، لأنه على الرغم من خطايانا ، غفر لنا . بل قال بالأكثر " لأنى أصفح عن إثمهم ، ولا خطيتهم بعد " (أر31 : 34) . والله لا يسر بموت الشرير ، بل بأن يرجع ويحيا (حز18 : 23) .
مشكلة الذى فقد الرجاء بالكآبة ، أنه أخذ مشورة الحية ، الشيطان .
أما كلمة الله ، فإنها مملوءة عزاء . وقلب الله باستمرار مملوء حباً . والكآبة جعلت لكى تقود إلى التواضع والإنسحاق ، وليس إلى اليأس والإنفصال عن الله . أما إذا استخدم الشيطان هذه الكآبة بطرقه الشريرة ، فإنه لا شك يضيع صاحبها . هاهو بطرس الرسول بعد أن أنكر المسيح ، ومع أنه بكى بكاء مراً ، إلا أن السيد المسيح له المجد ظهر له ، " إرع غنمى . إرع خرافى " (يو21 : 15 ، 16) . أى رجاء يمكن أن يقال أكثر من هذا . لذلك فإن كآبة الوجه التى تصلح القلب ، ينبغى ألا تنفصل عن الحب وعن الرجاء . ننتقل إلى نقطة أخرى من حروب الشياطين ، وهى :
8 - السرعة
أعمال الشيطان تتصف بالسرعة ، أو بما يسمونه فى العامية (اللهوجة ) ... بعكس أعمال الله التى تتميز بالهدوء والروية وطول الأناة . وقد تأخذ وقتاً ، ولكنها تكون متقنة وهادئة ، كقصة الخلاص ، ووعود الله ...
الشيطان يقدم لك فكراً ، ويظل يلح ويلح على تنفيذه بسرعة ...
وتشعر حينما يكون الفكر الشيطانى فى داخلك ، بحماس شديد للتنفيذ ، وبنار تقتد فى داخلك ، وحافز يدفعك دفعاً للتنفيذ ، الآن ، وبلا إبطاء ، ودون أن يأخذ الفكر فترة حضانة دخلك ، تناقشه وتفحصه وتبحثه ، وتنظر إليه من جميع الزوايا الأخرى ، وتراجع رأيك فيه ...
إنه يقصد بالسرعة أنك لا تفكر ، وأيضاً لا تستشير .
يريد بالسرعة أن ينفرد بك ، دون أن يدخل أحد بينكما ، تستشيره وتستفيد برأيه وخبرته وروحياته ، لا صديق ولا قريب ، ولا أب اعتراف ، ولا مرشد روحي ، ولا أي إنسان صاحب خبره ، إنما بسرعة عليك أن تنفذ ...
وهو يريد بالسرعة أيضاً ، عدم عرض الأمر على الله بالصلاة .
لا يريد أن يعطيك فرصة تصلي فيها من أجل هذا الموضوع ، وتري ماذا يقول الله فيه ، ولا فرصة ترفع فيها قداساً من أجل الموضوع ، أو تصوم طالباً إرشاد الرب ... إنما يلح عليك بالفكر إلحاحاً ، ويقنعك به كأنه بديهية لا تقبل النقاش ... ولذلك قال الآباء :
كل فكر ، يلح عليك أن تنفذه بسرعة ، هو من الشيطان .
وطبعاً لا يقصد بهذا الرغبة في التوبة والرجوع إلى الله ، والإلتصاق به بالحب ، بل الأفكار الأخري التي تحتاج إلى مناقشة ، وليست عاجلة ( كإنقاذ غريق أو إطفاء حريق ) ... وكم من أمور أسرع الإنسان في تنفيذها . وحينما رجع إلى نفسه ندم على ذلك جداً . وأحياناً تكون أفكار الخطية والشهوة ملحة جداً ، لا تعطي صاحبها فرصة للتفكير وتغيير مجري مشاعره ...
الشيطان يقصد بالسرعة أيضاً ، أنه لا ينكشف ...
ربما تكون وراء فكرته أو اقتراحه كذبة أو حيلة لا يريد لها أن تنكشف بالتفكير أو بالإستشارة أو بالصلاة . فيلح على إتمامها بسرعة قبل كشفها . ولذلك فإن وجود أب الإعتراف مفيد هنا في كشف حيل العدو . وقد قيل " الذين بلا مرشد ، يسقطون مثل أوراق الشجر " . لأنهم ينفذون بسرعة قبل أن يستشيروا . يلح عليهم الشيطان إلحاحاً ، فيتممون فكرة ، قبل أن تنكشف حيلته .
أما أولاد الله ، فإنهم لا يطيعون كل فكر يأتيهم ...
مثال ذلك الفكر الذي جاء للقديس مقاريوس لكي يذهب إلى البرية الجوانية ليري الآباء السواح . يقول القديس " فبقيت مقاتلاً لهذا الفكر ثلاث سنوات ، لأعرف هل هو من الله أم لا " ... ما أعجب هذا الأمر ، بالنسبة إلى قديس عظيم كالقديس مقاريوس الكبير ، وبالنسبة إلى فكر روحي كزيارة السواح ...!
لم ير القديسون في الإبطاء ضرراً ، بل فيه فائدة ...
إنهم لا ينفذون لئلا يكون الفكر من الشيطان . وإبطاؤهم في التنفيذ يعطيهم فرصة للتأكد ، ينتظرون فيها إلى أن يعلن الله رأيه في الموضوع . وهو في ذلك يقولون تلك العبارة الجميلة :
الذي من عند الله يثبت . والذي ليس من الله يزول .
وهكذا نري أن القديس الأنبا غاليون لما ظهر له الشيطان في هيئة راهب ، وقال له إنه أحد السواح ، وأن زملاءه السواح قد ضموه إلى صحبتهم ودعاه للسير معه . وأطاعه الأنبا غاليون ، دون أن يأخذ فرصة لعرض الأمر على الله وعلى أب الإعتراف ... وحدث أن الشيطان الذين ظهروا في هيئة سواح أتاهوه في البرية ، ثم تركوه وهم يهزأون . وقالوا له " ستموت هنا وحدك ، في هذا القفر " لولا أن الله أنقذه ...
هناك حيلة أخري للشيطان غير السرعة ، أو هي عكسها . وهي :
9 - التدرج الطويل
تتعدد وسائل الشيطان في حروبه . وقد يبدو أحياناً شئ من التناقض بين أسلوب وآخر . ولكن يجمعها كلها هدف واحد ، وإن كانت الوسيلة تختلف بحسب نوعية الحالة ... وعموماً فالشيطان لا يحب الوتيرة الواحدة لئلا يألفها الناس .
فهو أحياناً يضرب ضربة سريعة فجائية ، لا يكون الشخص مستعداً لها . وأحياناً يسير فى تدرج طويل ، بحيث لا يشعربه صاحبه ...
والتدرج يلزمه وقت قد يطول . ولكن الشيطان لا يهمه الوقت ، إنما يهمه السقوط والتدرج يصلح غالباً للأشخاص الذين لا يقبلون حطية معينة بسهولة . ولكنه يوصلهم إليها تدريجياً فى هدوء ، بجرعات قليلة ، أو قليلة جداً ، تزداد بالوقت ، حتى تقضى عليهم .
وقد يقسم الخطية إلى مراحل . كل مرحلة تثبت أقدامها بالوقت .
وربما تكون الخطوة الأولى إلى الخطية ، ليست خطية على الإطلاق ، ولا تتعب الضمير . فالمرحلة الأولى فى سقط داود النبى ، كانت فى عدم خروجه إلى الحرب بنفسه : يرسل الجيش ويبقى هو فى بيته . والمرحلة الثانية كانت شيئاً من الترف دخل إلى حياته ، بعد أن كان مشرداً من برية أيام مطاردة شاول الملك له ... وهاتان المرحلتان عبرهما داود دون أن يشعر بخطأ .
ولكن عوامل نفسية كانت تأخذ مجراها داخله وتفقده حرارته الروحية .
ثم دخل فى مرحلة ثالثة وهى الإكثار من الزوجات . وكان محللاً فى أيامه ، ولكنه بلا شك هبط به إلى مستوى الجسد . وإن كان مستوى الحلال ، ولكن ليس مستوى الكمال . وصار للجسد سيطرة عليه شعر أو لم يشعر . المرحلة الرابعة ، أنه صعد إلى السطح ، يتمشى ويتفرج ، ولا مانع من أن ينظر إلى مساكن غيره ، ويبصر خصوصيات الناس . وهنا بدء انحراف . المرحلة الخامسة ، كانت ضربة شديدة من الشيطان أوقعت رجل المزامير العظيم فى خطية الشهوة ، ثم فى خطية الزنا . المرحلة السادسة ، كانت التورط ، الذى أراد به إخفاء خطيئته بجملة من الخطايا أفقدته روحانيته ، وهبطت به من سئ إلى أسوأ .
وربما هذه المراحل ، كان الشيطان يعد لها منذ زمن ..
.إنه يحب - حينما يضرب الضربة - أن تصيب مقتلاً . وهذا يتطلب منه أحياناً تمهيدات طويلة المدي . بحيث حينما يأتي ، يجد البيت مزيناً مفروشاً ، مهيئاً لعمله ، ويجد الضحية جاهزة بلا مقاومة ... وحتى إن قاومت تكون بلا قدرة على الإطلاق ، فتسقط أمامه بسهولة !
قصة يعقوب المجاهد :
إنها تشبه قصة سقوط داود ، في أنها مثلها تعطينا فكرة واضحة عن خطة الشيطان في أسلوب التدرج الطويل . وفيها استطاع ناسكاً عظيماً ، وقديساً له موهبة إخراج الشياطين . ولكن الشيطان هنا أمنه أن يضرب القديس ثلاث ضربات قاتلة ، وكاد يهلكه لولا أن رحمة الله اقتادته إلى التوبة . فكيف حدث ذلك ؟
فتاة ( إبنة ملك ) ، صراعها روح نجس . وعجز الكل عن إخراجه ، فأتوا بها إلى القديس يعقوب المجاهد . فصلي عليها فخرج الروح النجس . ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها مرة أخري . فسافروا وأتوا بها إلى القديس ، فصلي عليها فخرج الروح . ولكن ما أن رجعت إلى بلدها حتى عاد إليها . فسافروا إلى القديس مرة ثالثة .
وتكررت لعبة الشيطان مرات عديدة ، حتى يسوا من كثرة الأسفار .
واخيراً ، قرر الملك أن تبقي الأميرة إلى جوار القديس . فبنوا لها حجرة . وكان الشيطان كلما يصرعها يدخلونها إليه . وتطور الأمر إلى أن أبقوها معه . ولما اطمأنوا على هدوئها تركوها معه . ومضوا ...
وبمرور الوقت تكونت دالة بينهما ، تطورت إلى الخطيئة . ثم حملت الفتاة منه . ورأي أن الخطية الثانية بالكذب . وقال لهم صرعها الشيطان مرة ، فانطلقت بسرعة هاربة في الجبل ولم أستطع اللحاق بها ، واختفت ... وصدقوه لأنه لم يكن موضع شك .
وهكذا ضربه الشيطان ثلاث ضربات ، واوقعه في الزنا والقتل والكذب .
كل ذلك في تدرج طويل ، ما كان أوله يوحي مطلقاً بآخره . ولكنها حيل الشيطان الذي يسبك هذه لها حكمة كبيرة وهي :
وسياسة التدرج هذه لها حكمة كبيرة وهي :
في كل خطوة يقترب الإنسان إلى جو الخطية ، ويعتاده ، ويضعف .
إرادته تكون قوية جداً ، وهو خارج مجال الخطية . وقد يكون نافراً جداً من كل مجالاتها .
وبالوقت يألفها ، ولا تصبح غريبة عليه . وبالتدرج تدخل إلى فكرة ، ثم إلى مشاعره . وفي كل خطوة تضعف إرادته عن المقاومة أحس أو لم يحس ...
ومن أمثلة التدرج الطويل موضوع العادات .
كل عادة مسيطرة على الإنسان ، لم تبدأ هكذا مطلقاً . وربما كان هو المسيطر عليها أولاً ويستطيع إبطالها . ولكن بالتدرج الطويل فقد سيطرته ، ثم سيطرت هي عليه وربما الشيطان في أول خطوة ، قال له عبارة واحدة وهي جرب أو إختبر ... الحياة كلها خبرات . والأمر كله بيدك ، تستطيع أن تمتنع وقتما تشاء . وظل به هكذا إلى أن أتي الوقت الذي فيه سلم إرادته بالتمام ولم يعد يقاوم ، بل لا يشاء أن يقاوم !!
على أن التخلص من العادات ممكن لمن يريد .
الشيطان قد يقول لك لن تستطيع . وإن استطعت ستعود إليها مرة أخري . إنها ضمن حرب اليأس . ولكن لا تستسلم . فإن العادة تكونت نتيجة عمل إرادي متكرر . ويمكن أن تتخلص منها بعمل إرادي عكسي متكرر ، أي تثبت فيه . ونصيحتنا لمقاومة سياسة التدرج هذه من جانب الشيطان ، أن تبعد عن الخطوة الأولي ، بكل حزم ، مهما كانت تبدو بريئة ، أو يقنعك الشيطان بأنها بريئة .
واحترس من كذبه ، إن قال لك إنها خطوة واحدة ولن تتطور .
إن الشيطان لا يقبل على نفسه أن يتركها عند حدود الخطوة الواحدة ، دون أن يتقدم بها باستمرار نحو أغراضه البعيدة ... فاحترس منه .
بل احترس حتى من الخطوة الأولى ، وليس فقط من تطورها ، مهما بدت هذه الخطوة في نظرك من الأمور الصغيرة . وهنا أحذرك من حيل شيطان ماكر ، هو شيطان الأمور الصغيرة
10 - الأمور الصغيرة
هذا يحذرنا منه سفر النشيد قائلاً " خذوا لنا الثعالب الصغيرة ، المفسدة للكروم " ( نش2 : 15 ) . وهنا نجد تحذيراً هاماً وهو :
مع أنها صغيرة ، إلا مفسدة للكروم .
اول خطر لهذه الثعالب الصغار أنها تستطيع الدخول إلى النفس . الثعالب الكبيرة ربما لا تجد في سياج البستان تدخل منها . أما الصغيرة فدخولها سهل . الخطايا الكبيرة ربما يحترس منها الإنسان جداً ، ويبتعد عنها ، وينفر منها ، لذلك فالشيطان قد يؤجل محاربته بها ، مادام هو منتبهاً لها . الأمور الصغيرة ، فيحاربه بها :
يحاربه بها ، لأنه لا يحترس منها ، ولا يهتم بها .
تقول لإنسان مثلاً : إحذر من العثرات . فيقول لك في استغراب : " عثرات ؟! وهل مثلي يخاف من هذه المور الصغيرة ؟! إنها قد تحارب الصغار أو المبتدئين . أما نحن فقد كبرنا عن أمثال هذه الأمور " ... لهذا يحاربه الشيطان بها ...
من كان يظن أن أبانا إبراهيم حبيب الله ، يخاف ويقول عن زوجته ساره إنها أخته ، فيأخذونها ويستبقونه ؟! لاشك أن الخوف والكذب من الأمور الصغيرة بالنسبة إلى رجل روحاني عظيم مثل إبينا إبراهيم أبي الآباء والأنبياء ... !
إن تنجيس الإنسان لا تلزمه خطية كبيرة مثل الزنا ، إنما يكفي لذلك خطية من اللسان الذي " يدنس الجسم كله " ( يع3 : 6 ) .
إنه " عضو صغير " ولكنه " عالم الإثم " ، " شر لا يضبط ، مملوء سماً مميتاً " ( يع3 : 5 ـ 8 ) . إنه ينجس الإنسان ، كما قال الرب " ليس ما يدخل الفم ، فمن القلب يصدر . وذاك ينجس الإنسان ... أما ما يخرج من الفم ، فمن القلب يصدر . وذاك ينجس الإنسان " ( متى15 : 11 ، 18 ) . والعجيب أن خطية اللسان يقنعك الشيطان أنها من الأمور الصغيرة .
حقاً إن شيطان الأمور الصغيرة ، يمكن أن يهلك الإنسان .
فيمكن أن تغرق سفينة بسبب ثقب صغير في قاعها ...
والإنسان لا يشترط أن يكون موته بواسطة وحش كبير يفترسه ، إنما يكفي لموته ميكروب صغير لا يري بالعين المجردة ... لقد قال السيد الرب في عظته على الجبل :
" ومن قال يا أحمق ، يكون مستوجب نار جهنم " ( متى5 : 22 ) .
ما اسهل أن يقنعك الشيطان بأن كلمة ( أحمق ) وأشباهها هي من الأمور الصغيرة ! وربما كان حنانيا وسفيرا يظنان أن خطيتهما أيضاً هي من الأمور الصغيرة ، وقد هلكا بها ( أع5 : 1 - 11 ) . وربما ظن سليمان أن زواجه بالأجنبيات هو من الأمور الصغيرة ، وقد رأينا نتائجه الخطية جداً على خلاص سليمان نفسه ( 1مل11 : 1 - 11 ) .
إن " الأمور الصغيرة " قد لا تكون صغيرة فعلاً .
الشيطان يسميها هكذا ، ولكنها قد لا تكون كذلك ... وربما توصل إلى أخطر النتائج ، كما حدث مع سليمان وداود وحنانيا . وقد تتحول هذه الأمور الصغيرة إلى أشياء خطيرة جداً ...
إن الله يختبر إرادتنا بأي اختبار مهما بدا بسيطاً ، لكنه يكشف نفسيتنا من الداخل ، كما اختبر آدم وحواء بثمرة من ثمار الجنة .
فما هي هذه الأمور الصغيرة ؟ ومن أمثلتها ؟
ربما تكون مثل تمسك الإنسان برأية ، وعدم إستشارته لأحد . وقد يقول له الشيطان " وماذا في ذلك ؟ أي خطأ فيه ؟ وهل لابد أن تستشير ؟ وهل عقلك لا يكفي ؟! " . وقد تكون الأمور الصغيرة مثل قليل من التساهل مع الحواس والقراءات والسماعات ... أو عدم التدقيق في الكلام ، أو عدم لوم النفس في كل أخطائها .
طريقة الخلاص من شيطان الأمور الصغيرة هي حياة التدقيق .
كذلك التمسك بفضيلة " الأمانة في القليل " فالرب يقول " الأمين في القليل ، أمين أيضاً في الكثير " ( لو16 : 10 ) .
تحدثنا عن الأمور الصغيرة . ومن حيل الشيطان أيضاً :
11 - التاجيل
إن الشيطان يريد بكل جهده أن يمنعك عن العمل الروحي .
إما إن وجدك مصراً على العمل ، فإنه يدعوك إلى التأجيل .
يقول لك : لماذا الإسراع ؟ الأمر في يدنا نستطيع أن نعمله في أي وقت . ربما التريث يعطينا فكرة لفحص الأمر أكثر ، أو لاختيار أسهل السبل الموصلة إليه ، أو يعطينا مزيداً من الإقتناع .. على أية الحالات عندنا بعض أمور هامة في أيدينا ، ننتهي منها أولاً . ثم نأتي إلى هذا الموضوع .
والمقصود بالتأجيل هو إضاعة الحماس للعمل ، أو إضاعة الفرصة ، أو ترك الموضوع فترة لعلك تنساها ، أو يحدث ما يغطي عليه ...
كأن تـأتيك مشغولية كبيرة ناخذ كل اهتمامك ووقتك ، أو يحدث حادث يعطلك ، أو تحدث عوائق معينة تضع صعوبات أمامك في التنفيذ ، أو يلقي الشيطان في طريقك بخطية تفتر بها حرارتك الروحية ، فلا تنفذ ما كنت قد نويت عليه وأجلته ...
نتذكر أن الإبن الضال لما أتاه الشعور أن يقوم ليذهب إلى أبيه ، قام فعلاً وذهب ( لو15 : 18 ، 20 ) . ولو أنه أجل ، ما كنا نضمن كيف تنتهي قصته .
ومن أمثلة مضار التأجيل ما حدث لفيلكس الوالي والملك أغريباس :
بينما كان القديس بولس الرسول يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون ، إرتعب فيلكس وقال للقديس بولس " أما الآن فأذهب . ومتى حصل لي وقت أستدعيك " ( أع24 : 25 ) . وبالتأجيل ضاع التأثر الذي كان عند فيلكس هذا . ولم يحصل له وقت ، ولم يستعد بولس .
كذلك أغريباس الملك ، بينما كان القديس بولس يترافع أمامه ، قال له : أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء ؟ أنا أعلم أنك تؤمن . فقال أغريباس لبولس " بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً " . وبالتأجيل ، لم يحصل أغريباس على هذا القليل ليقتنع ولم يذكر الكتاب أنه آمن .
ربما إحدي زيارات النعمة تدعوك ، فإن أجلب ضاع تأثيرها .
إن فرصة في يدك ، والحماس في قلبك ، فأعمل عمل الرب ولا تتهاون ولا تؤجل ، لأن التأجيل بما يكون خطوة إلى الإلغاء . والشيطان يقصد به ذلك . إنه لا يريد أن يمنعك في صراحة . ولكنه في لباقة يمنعك فعلاً ... بالتأجيل . فاحترس منه .
لا تؤجل التوبة ، ولا الصلاة ، ولا عمل الخير جملة .
والكتاب يقول " لا تمنع الخير عن أهله ، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله . لا تقل لصاحبك : أرجع فأعطيك غداً ، وموجود عنك " ( أم3 : 27 ، 28 ) .
هذا عن عمل الخير من نحو الغير . كذلك من نحو نفسك . فكلما يتكلم روح الله في داخلك ، لا تؤجل الإستجابة لندائه . فالرسول يقول أكثر من مرة " إن سمعتم صوته ، فلا تقسوا قلوبكم " ( عب3 : 7 ، 15 ) .
إذن التأجيل لون من ألوان قساوة القلب .
والشيطان يدعوك إلى هذه القساوة ، فيما يدعوك إلى التأجيل ، أو هو يجعلك تعتاد قساوة القلب لتستمر بعيداً عن الله .
ومن ضمن الوسائل التي يقدمها الشيطان كسبب للتأجيل : المشغولية .
12 - المشغولية
بمشغوليات كثيرة يريد الشيطان أن يعطيك عن أى عمل روحى تعمله . هولا يريدك مطلقاً أن تجلس مع الله ، أو أن تجلس مع نفسك . لأنه يخشى أن هذا الأمر بفصلك عنه ويلصقك بالله ، وهذا أخشى ما يخشاه ... فإن رآك الشيطان مواظباً على صلواتك وقراءاتك ، ومواظباً على الإجتماعات الروحية وكل وسائط النعمة التى تنمى محبة الله فى قلبك ، حينئذ يحاربك بالمشغولية . وتكون إما مشغولية مؤقتة لتعطيل عمل معين ، أو مشغولية دائمة ، وهذه أخطر...
قد تكون المشغولية عملاً إضافياً ، يأتيك منه ربح مادى .
بحيث لا توجد معه وقتاً تتفرغ فيه لله . ويقنعك أن هذا العمل لازم جداً لمعيشتك ولا يمكنك الأستغناء عنه . ومثل ذلك أيضاً ما يعرضه على البعض من دراسات عليا ، أو بحوث ، لتحسين مستواه العلمى ، بحيث ينتهى من بحث ليجد آخر أمامه ...
وقد تكون المشغوليات التى يقدمها خدمات كنسية تعطل وقت الصلاة .
الذى يرفض المشغوليات المادية ، يقدم له خدمات كنسية ، ويقنع ضميره بأهميتها . ونحن لا نعارض الخدمة ، إنما المفروض أن تكون فى حدود معينة بحيث لا تعطل الصلاة ولا التأمل ولا القراءة الروحية ، ولا الصلة الخاصة بالله .
ليس فقط من أجل روحانية الخادم ، بل أيضاً لنجاح الخدمة .
فالحادم إذا كثرت مشغولياته بحيث تفتر معها روحياته ، لا تكون خدمته ناجحة ولا تكون لها تأثير قوى . لأن جفاف حياة الخادم الروحية ، يجعل خدمته روتينية أو عقلانية ، لا تدخل إلى أعماق القلب ، ولا تخاطب الروح ... وما أكثر الخدام الذين تجدهم مشغولين كل الوقت بأنواع أنشطة لا تنتهى ، ولا يجدون وقتاً يصلون فيه صلاة ، أو مزموراً ، أو ينفردون فيه مع الله . يعشون على الرصيد الروحى القديم الذى كان لهم ، دون جديد يضيفونه إليه . وحياتهم مهددة بالضياع ...
هنا الشيطان لا يحارب العمل الروحى . ولكن لا يعطيه وقتاً .
لا يمنعك من الصلاة ولا من التأمل والقراءة ، ولا من الترتيل والتسبيح ولا من المطانيات ولا من محاسبة النفس ، بل قد يجعلك تلقي دوساً ومحاضرات عن هذه الوسائط الروحية وفائدتها . ولكنه لا يترك لك وقتاً لممارستها . وتصبح - كما قال أحد الأدباء الروحيين - مثل الأجراس التي تدعو الناس إلى دخول الهياكل ، دون أن تدخل هي إلى الهياكل ، دون أن تدخل هي إلى الهياكل ! حقاً ما أجمل قول أحدهم " قضيب عمرك في خدمة بيت الرب ، فمتي تخدم رب البيت ؟! " ... هذا بالنسبة إلى الخدام . أما الأشخاص العاديون ، فما أكثر مشاغلهم .
هناك مشغوليات الزيارات ، والأحاديث والجدل والمناقشات . ومشغوليات الجرائد والمجلات ، والأخبار والتعليق عليها . ومشغوليات التسلية وهي كثيرة تشمل الكبار والصغار . أنظر إلى مباريات الكرة مثلاً ، وتأمل كم تأخذ من وقت الناس ومن مشاعرهم ومن حماسهم ومن تعليقاتهم ... ! وهناك أيضاً المشغوليات الفكرية والإجتماعية ، ومشغوليات المشاكل وهموم العالم الحاضر ، والمشغوليات المالية والإقتصادية ... حتى الأطفال تشغلهم برامج التلفزيون ، ورواياته ، وقد تعطلهم عن الكنيسة . والكبار أيضاً تشغلهم هذه البرامج وتعطلهم !
إن الله يطل من سمائه على العالم ، فيجده عالماً مشغولاً .
إنه عالم يجري بسرعة ، لا يجد وقتاً يتوقف فيه ليفكر إلى أين هو ذاهب ... ! وهو أيضاً عالم صاخب ، كله أحاديث وضوضاء ومناقشات وانفعالات ... وأين الهدوء اللازم للعمل الروحي ؟ غالباً ما تبحث عنه فلا تجده ... ! حتى أن كثيراً من رجال الإكليروس الذين كرسوا أنفسهم للرب ، وأصبحوا " نصيب الرب " ، تجدهم أيضاً مشغولين عن الرب بأمور كثيرة ! إن حرب ( مرثا ) حرب قائمة ودائمة ، كما يبدو في عالمنا الحاضر " أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة ، والحاجة إلى واحد " ( لو10 : 41 ، 42 ) . أما أنت يا إبن الله وصورته ، فينبغي أن يكون لك الطابع الروحي .
ليكن الله في مقدمة مشغولياتك ، إن لم يكن شاغلك الوحيد .
عملك الروحي ، وصلتك بالله ، وحياتك الروحية ، ينبغي أن تكون باستمرار في مقدمة مشغولياتك وفي توزيع وقتك ، وبعد ذلك كل شئ . ضع خلاص نفسك أولاً ، وأبديتك أولاً . ثم رتب باقي مسئولياتك مهما كانت أهميتها . وتذكر في ذلك قول الرب :
ماذا ينتفع الإنسان ، لو ربح العالم كله وخسر نفسه ! " ( متى16 : 26 ) .
وإن خسرت نفسك ، ماذا تعطي عوضاً عن نفسك ؟! وكل أولئك الذين ماتوا وتركوا هذا العالم ، بماذا نفعتهم مشغولياتهم ؟! ولما تركوا هذه المشغوليات بموتهم ، هل ارتبك العالم ؟ كلا ، طبعاً . هذا العالم قال عنه الحكيم :
" الكل باطل وقبض الريح . ولا منفعة تحت الشمس " ( جا2 : 11 ) .
إبدأ صباحك بالله ، قبل أية مشغولية أخري . ليكن الله " في البدء " . قل له " يا الله أنت إلهي . إليك أبكر . عطشت نفسي إليك " ( مز63 : 1 ) . ونظم وقتك بحيث لا تطغي أية مشغولية على الوقت الذي تقضيه مع الله . ولا تخرج من منزلك قبل أن تقوم بكل واجباتك الروحية . ولا تجعل شيئاً يفوق روحياتك مهما كان ريحه ، ومهما كانت قيمته أو أهميته ...
إن الشيطان دائماً يضخم في أهمية المشغوليات التي تعطلنا .
أو يضخم في إغرائنا بهذه المشغوليات . ولكن لا يوجد مطلقاً ما هو أهم من الله في حياتك . ولا يصح أن تضحي بعلاقتك مع الله من أجل أي شئ ، أو أي شخص ، أياً كان . هوذا الرب يقول " من أحب أباً أو أماً ... أو إبنة أكثر مني ، فلا يستحقني " ( متى10 : 37 ) . فكم هي أقل ، باقي الأمور !
لذلك إن أتتك مشغولية جديدة ، فكر كثيراً قبل قبولها .
لأن الشيطان قد لا يكتفي بمشغولياتك الحالية التي تعطلك ، فيحاول أن يضيف إليها مشغوليات أخري ، لكي ترتبك ... ويقدم لك في كل يوم عروضاً ربما تكون سخية ، ليشغلك بها . أما أنت فكن محترساً . وضع روحياتك أمامك ، قبل كل المشغوليات ... إن كانت المشغولية حيلة من حيل الشياطين ، لتعبدك عن الله ، فهناك حيلة أخري أكثر مكراً وهي :
13 - الفهم الخاطئ لمحبة الله
لا يناقش أحد في محبة الله لنا ، وفي أهمية محبتنا له . ولكن الشيطان قد يقدم مفهوماً خاطئاً لهذه المحبة . بحيث أنه يمكن للإنسان أن يخطئ كما يشاء ، معتمداً على محبة الله ورحمته ومغفرته ، ومعتمداً على الخلاص الذي قدمه على الصليب !
وكأن محبة الله تقود إلى الإستهتار وإلى التراخي !
حاشا ، فإن الكتاب يقول " أم تستهين بغني لطفة وإمهاله وطول أناته ، غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة . ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب ، تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب ... " ( رو2 : 4 ، 5 ) . ويقول أيضاً " هوذا لطف الله وصرامته . اما الصرامة فعلي الذين سقطوا . وأما اللطف فلك إن ثبت في اللطف ، وإلا فأنت أيضاً ستقطع " ( رو11 : 22 )
إن الشيطان يقدم محبة الله ، بأسلوب يضيع مخافته !
ويستغل إلى أبعد الاستغلال - بتفسير خاطئ - قول القديس يوحنا " لا خوف في المحبة . بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج " ( 1يو4 : 18 ) . وهكذا يحاول أن ينزع مخافة الله من قلوب الناس باسم المحبة ، بينما الكتاب يقول " رأس الحكمة مخافة الرب " ( مز111 : 10 ) . هنا وأستاذنكم في طبع كتاب لي عن ( مخافة الله ) ، وعلاقة هذه المخافة بالمحبة . كنت قد جهزته منذ أكثر من عام ، وأعلنت عنه ، ثم أرجأت طبعه . وفي صميمى أري نشره لازماً ، لأن كثيرين يستغلون محبة الله إستغلالاً خاطئاً يبعدون به عن الحرص الروحي ، وربما يقعون به في اللامبالاة . وكل هذا من حيل الشياطين !!
حقاً إن الله محب جداً وغفور ، ولكنه أيضاً عادل وقدوس .
وإن كان الله غير محدود في محبته ، فهو أيضاً غير محدود في عدله ، وغير محدود في قداسته . وقداسة الله لا تقبل الخطية . وعدله يعاقب عليها ...
هذا من جهة محبة الله لنا . وماذا عن محبتنا نحن الله ؟
الشيطان يصور محبتنا لله ، كمجرد مشاعر ، لا أكثر !
بينما محبتنا لله هي في مفهومها السليم ، المحبة العملية " لا نحب بالكلام ولا باللسان ، بل بالعمل والحق " ( 1يو3 : 18 ) . ومن يحب الله ، لا يخالفه ، لا يعصاه ، لا يفعل ما يغضبه . ولذلك إرتبطت محبتنا لله بطاعته وحفظ وصاياه . والرب قد قال " عن حفظتم وصاياي ، تثبتون في محبتي " ( يو15 : 10 ) ، " إن أحبني أحد يحفظ كلامي " ( يو14 : 23 ) . وقد قال القديس يوحنا الحبيب " هذه هي محبة الله ، أن نحفظ وصاياه " ( 1يو5 : 3 ) . ومحبتنا لله ، معناها أننا لا نحب العالم وكل شهواته . لأن الكتاب يقول " إن أحب أحد العالم ، فليست فيه محبة الآب " ( 1يو2 : 15 ) . ويقول أيضاً " محبة العالم عداوة لله " ( يع4 : 4 ) .
فلا يخدعنك الشيطان ويقول لك : يكفي أن تحب الله ، وافعل ما تشاء !
ويقصد تفعل ما تشاء من الأخطاء أو التقصيرات ! إن هذا فكر شيطاني ، يقصد به أنك لا تلوم نفسك على أخطائك ، وبالتالي تبقي فيها غير شاعر بأهميتها ! كما أنه يصور المحبة بمفهوم خاطئ ، كأنها مجرد مشاعر ، بلا عمل يدل عليها . وهو بهذا يهز القيم الروحية في نظرك ...
حيلة أخري من حيل الشياطين هي :
14 - هز المبادئ والقيم
الشيطان يشن على العالم الآن حرباً فكرية ، يريد بها أن يقدم مبادئ جديدة ومفاهيم جديدة ، تخدم أعراضه التى يريدها .
وفى هذه الرب يحاول أن يهدم القيم والتقاليد ، وكل المسلمات .
يشكك الناس فيها كلها . ويتهم كل من يتمسك بالتقاليد القديمة ، بأنه رجعى أو متخلف ، أو " دقة قديمة " غير متحضر !! كما لو كان القديم سبة ينبغى التخلص منها !
إنها ثورة من الشيطان على القيم ، وعلى العقائد أيضاً .
يريد الشيطان أن يكون تياراً عاماً خاطئاً ، كل من لا يسلك بمفاهيمه ، يهاجمه المجتمع ويتهكم عليه ! حتى أصبح كثير من المسلمات موضع جدل ونقاش ! ما هى الفضيلة ؟ وما هو الدين ؟ وما هو الدين ؟ وما هى الحقوق وما هى الواجبات ؟ بل ما هى العلاقة بين الأب وإبنه فى مفهوم الحرية ؟
لقد أعطى الشيطان فى حيلنا مفهوماً منحرفاً للحرية ...
أراد فى هذا المفهوم أن يقنع الإنسان بأنه حر يفعل ما يشاء ، ويعتنق ما يشاء من أفكار أو عقائد ، وينشرها ، بلا أى قيد على الإطلاق ، مهما كانت آراؤه أو معتقداته أو تصرفاته خاطئة ، ومهما كانت خطرة على المجتمع ... ! والمعروف أن الحرية المطلقة لا يوافق عليها أحد ...
فالإنسان له أن يمارس حريته ، بحيث لا يعتدى على حريات وحقوق الآخرين ، وبحيث لا يسئ إلى المجتمع ، ولا يحطم ما فيه من قيم وأخلاقيات .
أما أن يمارس حرية بلا شروط ولا تحفظات ، فإن الحرية حينئذ ستكون مجالاً للإباحية والإستهتار ، ومجالاُ للإنحراف الفكرى ، دون ضابط ! وإن كان الله قد منح الإنسان حرية ، فإنه وضع له إلى جوار هذه الحرية وصايا ينفذها . كما أن الله سيحاسب الإنسان على مدى استخدامه لهذه الحرية ، ويعاقبه إن كان قد أساء بها إلى نفسه أو إلى غيره .
والحرية المطلقة التى يدعو إليها الشيطان ، لها أخطار سلوكية وعقائدية :
فالأخطار السلوكية نذكر كمثال لها الحرية التى أراد أن يسلك بها الهيبز والبيتلز وبعض الوجوديين الملحدين . بحيث لا مانع من أن يسيروا عراة فى الطريق العام ، أو أن يمارسوا الجنس بلا خجل ، ويخدشوا حياء المجتمع ... ! ومثال لهذه الأخطاء أيضاً كل المناهج الإباحية ، وكل العثرات التى يصادفها المجتمع ، وتدفعه دفعاً إلى الفساد . ولا مانع عند الشيطان من ذلك ، باسم الحرية . وفى الواقع هذا خداع . فهناك مفهوم سليم للحرية من الناحية الروحية ...
فالحرية الحقيقية هى أن يتحرر الإنسان من الداخل ، من الأخطاء :
يتحرر من الشهوات والرغبات الخاطئة ، ومن العادات المسيطرة عليه التى تفقده حرية إرادته . أما إن حقق الإنسان رغباته ونزواته بكل ما فيها من انحراف ، واستمر مستعبداً لها ، خاضعاً للجسد وللمادة التى تقوده ، فماذا ستكون النتيجة إذن ؟!
حتماً إن العالم المستعبد لنزواته سيصل إلى كراهية الله الذى يقف ضد هذه النزوات . وهذه هى خطة الشيطان الماكرة !
أن يسعى إلى أن يكره الناس الله ، ويعتبرونه عدواً لهم ، لأنه يضيع حرياتهم ، ويلغى وجودهم ، ويقف ضد رغباتهم ... ! وبدلاً من أن يصححوا رغباتهم ويصيروا أنقياء ، فإنهم يتمسكون بهذه الرغبات ويعادون الله بسببها !
والشيطان أيضاً ينشر حرية بلا قيد في الفهم اللاهوتي .
بحيث أن كل إنسان يفسر الكتاب كما يشاء ، ويفهم منه ما يشاء ، وينشر ما يفهمه . وبهذا تتبلبل الأذهان وسط مفاهيم خاصة . وأمكن بهذه الحيلة أن توجد مئات المذاهب داخل المسيحية . سببها هذه الحرية الخاطئة التي يقولون فيها إن كل إنسان له حرية الإعتقاد دون الخضوع لسلطة دينية !!
إن الكنيسة لها إيمان واحد . وليست هي مجموعة متناقضات .
هذا الإيمان علم به الكتاب المقدس ، فقال " رب واحد ، إيمان واحد " ( أف4 : 5 ) . ولجمهور المؤمنين " قلب واحد ، ونفس واحدة " ( أع4 : 32 ) .
والكنيسة هي جسد واحد ، مهما تعددت أعضاؤه ، وهذا الجسد رأسه المسيح ( أف5 : 23 ) . ومادام راسها هو المسيح ، فباستمرار لها فكر المسيح ( 1كو2 : 16 ) . وفكر المسيح واحد لا تناقض فيه .
فماذا إذن عن حرية الإعتقاد ؟ ما حدودها ؟
نحن لا نعارض أن كل إنسان له حرية الإعتقاد . ومحال أن يعتقد شيئاً على الرغم منه . فالذى له اعتقاد الكنيسة يصير عضواً فى الكنيسة . ومن ليس له اعتقادها يبقى خارجاً عنها ، بكامل حريته . ويبقى للكنيسة إيمانها الواحد . والكنيسة لا تعتدى على حرية أحد ، ولا ترغمه على الأيمان . ولكن :
ليس لأحد أن يدعى عضويته فى كنيسة لا يؤمن بمعتقداتها .
وهنا يكون دفاع الشيطان عن الحرية لا معنى له . فالحرية موجودة . ولكن كل من يقبل أن يكون عضواً فى كنيسة عليه أن يلتزم بعقائدها . وهذا أمر بدهى . فإن لم يلتزم بعقائدها ، يكون قد خرج منها بإرادته . وينطبق عليه قول القديس يوحنا الحبيب " منا خرجوا . ولكنهم لم يكونوا منا . لأنهم لو كانوا منا ، لبقوا معنا " ( 1يو2 : 19 ) . نقول هذا ، لأنه باسم حرية الإعتقاد ، نجد أنه في بعض كليات اللاهوت ، في جهات كثيرة من العالم ، يدرس المحاضرون ما يشاءون دون الإلتزام بعقيدة الكنيسة التي ينتمون إليها ، أو التى يدرسون عقائدها . فيدخل الأستاذ إلى المحاضرة ، ويقول الذي يعجبه !
وهكذا وجد في بعض الكليات أساتذة لاهوت ملحدون !!
وأفلح الشيطان ، باسم الحرية الزائفة ، أن يضرب ضربته وينجح !!
أما الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية ، الملتزمة " بالإيمان المسلم لنا من القديسين " ( ية3 ) ، فلم تسمح بهذا مطلقاً ، بل كانت تحكم بحرم المبتدعين والمنحرفين وإخراجهم ، لكي تبقي الكنيسة بإيمان واحد ، تسلمه سليماً للأجيال المقبلة . وهكذا قال القديس بولس الرسول في قوة :
" إن بشرناكم نحن ، أو ملاك من السماء ، بغير ما بشرناكم به ، فليكن أناثيما " ( غل1 : 8 ) . وقال القديس يوحنا الحبيب " إن كان أحد يأتيكم ، ولا يجئ بهذا التعليم ، فلا تقبلوه في البيت ، ولا تقولوا له سلام . لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة " ( 2يو10 ، 11 ) . إنه حزم شديد من أكثر الرسل حديثاً عن المحبة .
لذلك كانت الكنيسة حريصة على الإيمان ، تدافع عنه ضد أي انحراف . ولا تقبل مطلقاً أي انحراف إيماني يدخل إلى الكنيسة باسم الحرية ! لينشر أفكاراً خاصة ... !
لذلك فإن الشيطان لا يقبل سلطان الكنيسة ، ويحارب السلطان الكهنوتي .
خذوها قاعدة ثابتة على مدي أجيال التاريخ : كل من ينحرف في عقيدته ، إذا لم يتب ، لابد أن يحارب السلطان الكهنوتي ، أي يحارب القوة التي تحكم على انحرافه بسلطان من الله ( متى18 : 18 ، يو20 : 23 ) .
ولما كان الشيطان ينشر أفكاره وانحرافاته في كل ميدان ، وليس في محاربة الكنيسة وحدها ، لذلك فقد لجأ الشيطان إلى حيلة معروفة وهي :
الوقوف ضد السلطة عموماً ، في كل مجالاتها ...
ويقصد طبعاً أن يقف ضد كل سلطة سوف لا تقبل الإنحراف أو الخطأ ، بل تحاربه وتمنعه أو تعاقبه ، وذلك لكي يستمر الخطأ ...
فهو يحارب سلطة الأب في الأسرة ، دفاعاً عن شخصيته الأبناء !
وهو يحارب سلطة المعلم في الكلية أو المدرسة ، لخلق جيل قوي !
وهو يحارب سلطة الدولة ، باسم الديمقراطية وحقوق الشعب !
وهو أيضاً يحارب سلطة الله ، لكي يشعر الإنسان بوجوده هو !
وبالتالي يحارب سلطة الإكليروس ، كوكلاء لله على رعيته ( تى1 : 7 ) .
الشيطان لا يريد وجود رقيب يضبط الأخطاء ويقومها . بينما الله يقول " قد جعلتك رقيباً ... فاسمع الكلمة من فمي ، وانذرهم من قبلي " ( حز3 : 17 ) . يريد الشيطان أن تبقي كل الأمور ، بلا ضابط ، بلا رقيب ، بحرية طائشة ، كما يقول الكتاب عن عهد القضاة : ولم يكن ملك في إسرائيل في تلك الأيام . وكان كل واحد يفعل ما يحسن في عينيه " ( قض17 : 6 ) ... كل واحد يعمل ما يعجبه ، وينشر ما يعجبه من آراء ومعتقدات . وإن وقفت ضده سلطة يهاجمها ، بل يهاجم مبدأ السلطة عموماً !! وهذه خطة الشيطان ...
ومن ضمن خطط الشيطان أيضاً :
15 - الإنقياد للتيار العام
قد يكون التيار العام كله خاطئاً ، يوعوك الشيطان أن تخضع لهذا التيار ، وتكون مثله ! وقد يهمس في أذنيك :
الكل هكذا ... لماذا تشذ أنت ، ويكون لك أسلوب خاص ؟!
والجواب أننا نتبع الحق أياً كان موقعه ، في جانب الأغلبية أو الأقلمية . فإن كانت أغلبية الناس في خطأ ، فإننا لا نتعبها . وهكذا فعل أبونا نوح : كانت كل الناس في عهده أشراراً ، وكان هو وحده البار مع أسرته .
ما أسهل أن تكون الغالبية كلها مخطئة ، أو الجيل كله .
الغالبية في وقت الصلب كانت مخطئة وصاحت أصلبه أصلبه ( لو23 : 21 ) . بل الجيل كله ، قال عنه السيد المسيح " جيل فاسق وشرير " ( متى12 : 39 ) . وغالبية الناس أيام آخاب الملك ، كانت تعبد الأصنام ، إلا سبعة آلاف ركبة فقط من بين مئات الآلاف ( 1مل19 : 18 ) . وفي أيام موسى النبي ، حكم الرب على الشعب كله بأنه متمرد وصلب الرقبة ، ولم يدخل منه إلى أرض الموعد إلا إثنان فقط هما يشوع بن نون ، وكالب بن يفنه ( عد14 : 20 - 30 ) .
وإن رجل الله الثابت في وصاياه ، هو الذي ينشد قائلاً :
سأطيع الله حتى لو أطعت الله وحدي
ولكن الشيطان يدفع دفعاً في التيار العام بطرق شتى :
أحياناً يجعل الناس يجارون الخطأ من باب المجاملة ، أو من باب الخجل ، أو من باب التقليد ، أو خوفاً من تهكم الناس ومن تعييرهم ، أو نتيجة لضغط الظروف الخارجية وإلحاح الآخرين . أو أن يقول لهم الشيطان " هذه المرة فقط ، ولن تتكرر " ! ثم تتكرر طبعاً .. أو أن شخصاً قد يجاري التيار خضوعاً لسلطة أقوي منه أو خضوعاً لرئاسة ... وقد يجاري التيار جهلاً . وقد يقول له الشيطان :
هل من المعقول أن يكون كل الناس مخطئين : وأنت الوحيد المصيب ؟!
هل من المعقول أن كل هؤلاء يعرفون أين يوجد الخير والحق ، وأنت الوحيد الذي تعرف ؟! إتضع يا أخي ... ( ويتضع ) الأخ ! وينجرف في التيار .
وقد يسير في التيار نتيجة لصداقة أو صحبه خاطئة إستطاعت أن تؤثر عليه وتجذبه إلى طريقها ، كما سار سليمان الحكيم في طريق نسائه ( 1مل11 : 4 ) .
وقد يخضع الإنسان للتيار نتيجة لضعف شخصيته ... والعجيب أن أهل العالم يكونون أقوياء جداً في دفاعهم عن طريقهم الخاطئ ، وفي سخريتهم من أولاد الله الذين لا يجارونهم . ويظلون ينعونهم بشتي النعوت ، حتى يضعف هؤلاء ويخضعون ... ! يا للأسف ...
إن أولاد الله يجب أن يكونوا أقوياء في مبادئهم ، ثابتين راسخين ، لا يتزعزعون أما تهكمات الأشرار . وليتذكروا قول الكتاب :
" لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة ، بل بالحرى وبخوها " ( أف5 : 11 ) .
فإن لم يستطيعوا أن يوبخوا أعمال الظلمة ، فعلي الأقل لا يشتركون فيها .. وليكن لهم أسلوبهم المميز في الحياة ، الذي قال عنه القديس يوحنا الحبيب " بهذا أولاد الله ظاهرون ، وأولاد إبليس ( ظاهرون) ( 1يو3 : 10 ) . وكما قيل " من ثمارهم تعرفونهم " ( متى7 : 16 ) . وقيل أيضاً " لغتك تظهرك " ( متى26 : 73 ) . وقد قال القديس بولس الرسول عن عدم الخضوع للتيار العام :
" لا تشاكلوا هذا الدهر " ( رو12 : 2 ) .
أي لا تصيروا شكله . لا تصيروا مثله . لأن شكلكم معروف ، فأنتم صورة الله ومثاله . وما أجمل قول الله في ذلك " نعمل الإنسان على صورتنا ، كشبهنا " ( تك1 : 26 ) . فكيف تتنزل عن صورتك الإلهية ، لتصير كصورة عالم ساقط منحرف .
إن دانيال والثلاثة فتية ، كانوا أقوي من التيار العام .
ليس فقط في انفرادهم عنه بعبادة إلههم ، حتى لو أدي الأمر أن يلقي دانيال في جب الأسود ، ويلقي الثلاثة فتية في أتون النار ... بل حتى منذ بدء تعيينهم في قصر الملك ، إذ رفضوا الطعام الملكي ، ولم يأكلوا مع سائر الفتيان . وما أجمل قول الكتاب " أما دانيال فجعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه " ( دا : 8 ) . صمم دانيال والثلاثة فتية على هذا الأمر ، مع أنهم كانوا أسري حرب ، وتحت سلطان ، يخدمون وهم عبيد في قصر الملك . ولكن قلوبهم وأرواحهم كانت حرة طليقة ، لا تخضع للتيار العام ، بل لمشيئة الرب .
لذلك كن شجاعاً ، وصحاب مبدأ ، قاوم التيار العام إذا أخطأ .
لا تخضع للشيطان وكل نصائحه ، بل وكل مخاوفه . وارفض الخطأ مهما رأيت كباراً يسيرون فيه ! وإن وجدت الذين يسيرون في طريق الحق قليليين ، فلا يضعف قلبك . فهذه هي القلة المختارة . وقد قال الرب " ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة . وقليلون هم الذين يجدونه " ( متى7 : 14 ) . واعلم أنه :
لو وقعت الغالبية في الخطأ ، فهذا لا يجعل الخطأ صواباً .
الخطأ هو الخطأ . ووقوع الأغلبية فيه لا يبرره . والمعروف أن الصواب طريقه صعب ، وقد لا يستطيعه كل الناس ، بل القلة المتميزة بمبادئها . فإن وجدت الشيطان قد ألقي الكل في الخوف ، لا تخف أنت . وإن وجدت الغالبية تعلمت التملق والرياء ، فلا تكن أنت كذلك . وإن وجدت الكل قد استعملوا أساليب العالم في لهوه وترفيهاته ورفاهيته وأزيائه ، فلا تكن كذلك . وإن وجدت لغة الناس قد تغيرت ، وأصبحت ليست كذي قبل ، فلتكن أنت بنفس لغتك الأولي .
وإن ضعفت مقاومتك للتيار ، فقل مع المرتل في المزمور :
نجنا يارب من هذا الجيل ، وإلى الأبد آمين " ( مز12 : 7 ) .
والرب قادر أن ينجيك من التيار العالم ، فلا يجرفك .
حيلة أخري من حيل الشياطين لإسقاط أولاد الله ، وهي :
16 - الإغراءات
منذ الخطية الأولي ، والشيطان يقدم إغرءات ليسقط ضحاياه . وكان أول إغراء قدمه لأبوينا الأولين هو " تصيران مثل الله ، عارفين الخير والشر " (تك 3 : 5) . واستمر يقدم إغراءات للبشر " شهوة الجسد ، وشهوة العين ، وتعظم المعيشة " (1يو2 : 16) . وقدم هذه كلها لسليمان الملك (جا2 : 1 - 10) . وعلى الجبل قدم للسيد المسيح ثلاثة إغراءات : الخبز ، حمل الملائكة له على أجنحتها ، وكل ممالك الأرض ومجدها (متى 4) . ورفض السيد كل هذا ، وأخزى الشيطان وطرده . إن إغراءات الشيطان لا تستقط إلا قلباً يميل إليها ...
أو يمكن أن يميل إليها ... أما القلب القوى فإنه يرفض تلك الإغراءات ، أو قل إنها لا تغريه . إن الملكة إيزابل أرادت أن تؤثر على ياهو الملك وتغريه ، كما كان آخاب الملك تحت سيطرتها من قبل " فكحلت بالإثمد عينيها ، وزينت رأسها " (2مل 9 : 30) أما يا هو ، فلم يغره هذا الجمال الزايف ، بل احتقره وأمر بقتلها ...
والشيطان أحياناً ينتقى إغراءاته ، وأحياناً يجس النبض ...
يجس النبض لكى يرى هل محاربه يضيف أمام هذا الإغراء أم لا . فإن وجده لا يهتم ولا يتأثر ، يجرب إغراء آخر ، كما فعل مع السيد المسيح ، فوجده قوياً أمام كل إغراءاته . ومن خبرة الشيطان الطويلة ، أنه ينتقى لكل نوع من الناس ما يرى أنه يناسبه ...
وقد يغرى بالشئ الذى يرى الشخص محتاجاً إلية .
كما قدم للسيد المسيح تجربة الخبز ، حينما قيل عنه إنه " جاع أخيراً " (متى 4 : 2 ، 3) . وقدم تجربة العرافة لشاول الملك فى الوقت الذى رآه فيه محتاجاً إلى مشورة ولم يجد (1صم 28 : 4 - 7) . وقدم تجربة العجل الذهبى لبنى إسرائيل فى وقت رآه مناسباً ، وقد غاب عنهم موسى النبى ، وغاب معه الإشاد الروحى وهيبة النبوة ( خر 32 : 1 - 4) .
والشيطان يقدم الإغراء قوياً مؤثراً ، ليمنع التوبة والعمل الروحى .
فإن وجد إنساناً قد عزم على التوبة بكل عزم وقوة ، يقدم له خطية كان يشتهيها منذ زمن ، ويبحث عنها فلا يجدها . فيضعها أمامه فجأة تسعى بنفسها إليه من حيث لا يدرى ، فيغريه بها ليسقط ... وإن كان إنسان قد أبطل قراءة كتب معينة معثرة ، لا مانع فى هذا اليوم من أن يرسل إليه صديقاً ، يهديه كتاباً كان هذا (الضحية ) . يشتهى شراءه شهوراً طويلة ولا يجده فى السوق . فيجد نفسه أضعف من الإغراء ، فيقرأ ويسقط . وإن تاب شاب عن الخطية الزنا ، يجد خطية سعت إليه سعياً .
بحيث يظن المسكين أنها فرصة لا تعوض . ويقول له الشيطان : لا تترك هذه الفرصة ، ويمكن أن تتوب بعدها ... !
وهكذا إن وجد الشيطان إنساناً يبعد عن الخطية ، يأتى إليه بأكبر إغراءات للخطية بالنسبة إليه . لأنه يعرف تماماً أين يوجد الجرح الذى يدوس عليه فيؤلمه ... فإن تبت ووجدت خطية تسعى إليك فى إغراء عجيب ...
لا تقل هذه فرصة . بل قل : هذا بلا شك فعل الشيطان .
ليس هذا شيئاً طبيعياً ، ولا هو أتى عن طريق الصدفة . بل هى خطة مدبرة محكمة من عمل الشيطان . ومبارك هو الرب الذى كشفها لى لأهرب منها ... وكما قال الراهب القديس عبد المسيح الأثيوبى المتوحد ببرية شيهيت " فخ يا أباتى فخ " ... نقطة أخرى بارزة فى حرب الشيطان هى ...
17 - التخدير
حينما يكون الأنسان متيقظاً ومتنبهاً لخلاص نفسه ، صاحياً عقلاً وروحاً ، فإنه من الصعب أن يسقط ... ولذلك قال أحد القديسين . إن الخطية يسبقها إما الشهوة ، أو الغفلة ، أو النسيان . فحالة الغفلة والنسيان ، هى تخدير من الشيطان للإنسان ...
فينساق إلى الخطية ، كأنه ليس فى وعيه !
ولذلك حسناً قيل فى توبة الإبن الضال إنه " رجع إلى نفسه " (لو15 : 17) .
وكلمة ( رجع ) تعني أنه لم يكن في وعيه ، أو على الأقل لم يكن في كامل وعية ، طوال فترة الخطية . ولهذا لما رجع إلى نفسه بدأ يفكر بأسلوب آخر ، يختلف عن أسلوبه في الخطية .
الشيطان يخدر الإنسان بحيث ينسي كل شئ ، ما عدا الخطية .
تكون كل حواسه وأفكاره ومشاعره ومركزة في الخطية وحدها . أما كل ما عداها فلا يحس به الإنسان إطلاقاً ، وكأنه قد نسيه تماماً تماماً ...
ينسي أنه صورة الله . ينسى الوصية . ينسي نتائجها . ينسي وضعه الروحي . ينسي تدرايبه الروحية . ينسي عبادته واحتراسه . ينسي وعوده لله وتعهداته ونذوره ينسي إحتراسه . بل قد ينسي أنه صائم ، أو أن هذه أيام مقدسة . وينسي عقوبات الله وإنذاراته ... يكون كأنه مخدر تماماً . والشيطان قد خدره بالخطية ، بحيث أصبح لا يعي شيئاً غيرها ...
ولا يفيق إلا بعد السقوط ، حينما يكون كل شئ قد انتهي .
هكذا كان داود النبي مخدراً ، حينما أخطأ ، وجرته الخطية إلى خطية . ولم يفق من هذا التخدير إلا على صوت ناثان يقول له " أنت هو الرجل " ( 2صم12 : 7 ) . حينئذ فقط أفاق ، وأحس كم كانت أعماق خطيئته !
لعل قايين كان أيضاً مخدراً حينما قام أخية وقتله . ولم يفق إلا على قول الرب له " أين هابيل أخوك ؟ " ( تك4 : 9 ) . حينئذ فقط أفاق ، وشعر ببشاعة ما قد فعل ونتائجه وقال " ذنبي أعظم من أن يحتمل " ( تك4 : 13 ) .
قد يفيق الإنسان بعد الخطية مباشرة ، وربما بعد مدة طويلة .
الإبن الضال لم يفق من تخديره ، إلا بعد أن أنفق كل ماله واعتاز ، وشعر بسوء حالته ( لو15 : 16 ، 17 ) . الغني الذي عاصر لعازر المسكين لم يفق إلا في الجحيم ولكن هناك من يفيق بعد الخطية مباشرة ، مثل القديس بطرس الذي بعد إنكاره بكي بكاء مراً ( متى26 : 75 ) . ويهوذا لم يفق إلا بعد فوات الفرصة .
هناك من يفيق من تخديره فيتوب . وهناك من يفيق فييأس .
الإبن الضال ، وداود النبي ، وبطرس الرسول ، لما أفاقوا تابوا .
أما يهوذا فلما أفاق ، أسلمه الشيطان إلى اليأس " فمضي وخنق نفسه " ( متى27 : 3 - 5 ) . ومات في خطيئته فهلك ...
لذلك هناك نصيحتان أقدمها لك ، إذا خدرك الشيطان :
الأولي ، أن تفيق بسرعة . كما قال المرتل " أنا أستيقظ مبكراً " ( مز57 : 8 ) . واحذر من أن تستمر مخدراً بالخطية إلى أن تصبح عادة ، أو يصير من الصعب عليك أن تفيق ، أو أن تصحو من تخديرك بعد أن تكون قد وصلت إلى نتائج سيئة جداً ...
النصيحة الثانية : هي أنك حينما تفيق ، إنما تفيق إلى توبة حقيقية وسريعة ، وليس إلى يأس أو صغر نفس ... واستغل الندم والإنسحاق لنفعك الروحي .
نقطة أخري أقولها لك في حروب الشياطين وهي :
18 - تحويل الدين إلى فلسفة
السيد المسيح أراد أن يكون الدين روحاً وحياة .
ولذلك قال " الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة " ( يو6 : 63 ) . نفهم روح الكلمة . ونحولها إلى حياة فينا . وهكذا يصير الدين طريقاً لتنقية القلب ، ومرشداً إلى الإلتصاق بالله ، ولكي تكون للإنسان حياة أبدية . ولعل هذا ما أراده الرب بقوله " أتيت لتكون لهم حياة ، وليكون لهم أفضل " ( يو10 : 10 ) .
ولكن الشيطان يريد أن يحول الدين إلى جدل ومناقشات ...
يريد أن العقل يحل محل الروح ، والجدل يحل محل الممارسة . وتصبح الحياة الدينية هي مجرد عقلانية . وكأن المسيحية هي فلسفة تدرس وتحلل ، وتصبح مجرد منهج للتعليم ، وليس حياة نحياها . والعقل لا يضر الشيطان في شئ إن بقي مجرد عقل لا تحركه الروح . وهذا ما يريده الشيطان ...
بودي أن أترجم لكم كتاب ( ضد الأكاديميين ) للقديس أوغسطينوس .
إسم كتابةContra Acadimos ليتني أستطيع أن أترجم لكم بعض فقرات منه كمثال . والمعروف عن القديس أوغسطينوس أن له منهجاً روحياً عميقاً .
والمنهج العقلي الذي يريده الشيطان ، حاربه القديس بولس الرسول .
وهذا واضح جداً في الأصحاحين الأولين من رسالته الأولي إلى أهل كورنثوس ، فهو يقول " أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة " ، " وكلامي وكرازتى لم يكونا بكلام الحكمة ( الإنسانية ) المقنع ، بل ببرهان الروح والقوة " ( 1كو2 : 1 ، 4 ) ، " لا بحكمة كلام ، لئلا يتعطل صليب المسيح " ( 1كو1 : 17 ) . فالتركيز على الصليب المسيح عمل روحي ، يعطله الانشغال بالفكر والجدل .
إن الهرطقات كانت لعبة شيطانية عقلية لتعطيل العمل الروحي .
العمق الروحي الذي عاشته الكنيسة في عصر الإستشهاد ، طوال القرون الثلاثة الأولي ، وفي أوائل القرن الراب ، والعمق الروحي الي كان قد بدأ بالرهبنة منذ أواخر القرن الثالث ، وازدهر في القرنين الرابع والخامس ، بكل ذلك ما فيه من حب لله ، وبكل ما فيه من الإرشاد الروحي من أقوال الآباء .. كل ذلك أثار حسد الشيطان ، فأراد أن يشغل العالم بالجدل والنقاش على مدي قرنين طويلين ... وهكذا ظهرت هرطقات أريوس ، وأبوليناريوس ، وسابيليوس ، ومقدونيوس ، ونسطور ، وأطاخي ، وغيرهم .. كل ذلك في فترة مركزة جداً دوخت العالم فكرياً . وأصبح النقاش حول لاهوت الإبن وطبيعته يدور في الشوارع حتى بين العامة . وألهم الشيطان مفاهيم للهراطقة وتفاسير لآيات الكتاب . وانشغل آباء الكنيسة فترة طويلة بالرد على البدع والهرطقات
والشيطان يتمني أن يشغلنا طول العمر بالحوار الفكري والردود ...
ومازالت هذه هي خطته ، يرسل لنا في كل جيل من يحاول أن يحول الدين إلى نقاش وجدل وفكر وحوار وآراء وردود ... مريداً بهذا أن نعطل العمل الروحي من جهة ، ويثير الإنقسام والخصومات من جهة أخري ، ولو باسم الدين ، وباسم الدفاع عن العقيدة ، وتصبح الكنيسة مذاهب وشيعاً ، ويفرح الشيطان بهذا . من يسقطون في الهرطقات مكسب له ، وم يتعبون من الشكوك مكسب آخر . ومن ينشغلون عن العمل الروحي بهذه السلبيات وإضاعة جهودهم في الردود ، كل ذلك مكسب أيضاً .
ونشكر الله أن الآباء الذين ردوا على الهرطقات كانوا روحيين .
تقرأ مثلاً كتاب ( تجسد الكلمة ) للقديس أثناسيوس فتجده كتاب روح كما هو كتاب لاهوت وعقيدة ... ولكن كثيرين انشغلوا بالفكر .. ونحن نشكر الله أيضاً أن حركة الهرطقات والرد عليها في القرنين الرابع والخامس ، سارت معها جنباً إلى جنب حركة الرهبنة وإرشادها الروحي . فأقامت توازناً مع الدومات الفكرية .
كان الرد على الهراطقة لازماً جداً لحفظ الإيمان . ولكن كان الإنشغال بذلك تعطيلاً للكنيسة . ولكن الله حوله إلى ير بتعميق الإيمان في القلوب وبإزالة الشكوك .
وحتى في الروحيات البحتة ، يحاول الشيطان تحويلها إلى فلسفة .
يمكن أن يجعل حتي الصلاة مثلاً منهجاً له قواعده العقلية . وكذلك يمكن أن يفعل ذلك بالرهبنة ويحولها إلى مدارس تتصارع فكرياً بين الوحدة والعمل ، والتأمل والخدمة . ويتحول الأمر إلى نقاش وإلى صراع ، يسر به الشيطان ويفرح !
حتى صلاة " أبانا الذي " يحولها إلى صراع حول الترجمات .
وإذا بالناس وهم يصلون يقول أحدهم " خبزنا كفافنا " ويصيح آخر بصوت عال " الذي للغد " . وتتصارع الترجمات وتتبلبل الأفكار ، وبدلاً من التأمل في الصلاة يدور الجدل والنقاش أية الترجمات أصح !!
ونفس الوضع قد يدور في القداس الإلهي أيضاً : يريد الشيطان أن يقضي على التأمل والروحيات ، فيثير حرباً من الترجمات .
وفي داخل الكنيسة ما أسهل أن يثير أفكاراً جديدة ...
يجعل البعض يشغف بالجديد ، فيقدم تفسيراً جديداً ، أو معتقداً مغايراً للمفاهيم العامة . ويقول صاحبه وناشره إن كل من سبقوه قد أخطأوا . وبدلاً من استخدام الفكر الديني للحب ولنقاوة القلب ، يحوله الشيطان إلى صراع وإلى حرب بين المتدينين بسبب الفكر والفهم الخاص ، وادعاء كل فريق أنه يدافع ع العقيدة ! وأنه الوحيد الصادق في إيمانه ...
أو على الأقل يعطل الروحيين عن عملهم بالإنشغال بالسلبيات والرد عليها . وإن لم يفعلوا ذلك ، يملأ الجو شكوكاً وبلبلة .
حرب أخري من حروب الشيطان وهي :
19 - فترة راحة من الخطية
إنه لا يحارب باستمرار ، إن وجد للحرب الدائمة أضراراً ...
فهو قد يبطل الحرب فترة ، ليس إشفاقاً منه على من يحاربه ، وإنما لكي يجره إلى التهاون وعدم ثقة في القدرة على حياة البر ، ويقنعه بأنه مهما تاب ، لابد سيعود إلى الخطية مرة أخري
أو قد يبعد الخطية عنه فترة ، ليشتاق إليها .
ربما كثرة ممارسة الخطية تولد الملل منها وكراهيتها . فتكون خطة الشيطان أن يبعدها فترة . ثم بعيدها بعد حين بأسلوب أكثر تشويقاً ، أو أكثر حدة ، أو بأسلوب غير متوقع لكي يسهل السقوط فيها .
وهكذا يستخدم أسلوب المنح والمنع في المحاربة بالخطية .
إنه بهذا يلعب بمشاعر النفس البشرية .. ويجعلها باستمرار في حالة عدم استقرار ، ما بين علو وهبوط . وأولاد الله يدفعهم ذلك إلى مزيد من الحرص والتدقيق ، وإلى مزيد من الإتضاع . ولكن الشيطان يريد أن يجعلهم في جو من الخوف وعدم الثقة ، والشعور بأن البر فوق مستواهم .
ثم يتدرج من الهجوم الفكري إلى هجوم عام يقول فيه : إن المسيحية ديانة سمو وكمال . ولكنه سمو عير عملي ، ليس في مستوي قدرة الإنسان أن يناله . ويخفي في كل ذلك الأمثلة التي قدمتها لنا سير الأبرار في كل زمان ...
حرب أخري من حروب الشيطان هي :
20 - الفضائل الظاهرة الجسدية
يغري الإنسان بالفضائل الظاهرة الجسدية ، بدلاً من الفضائل الروحية الخفية .
ونقصد بالظاهرة ، الظاهرة لصاحبها ، وليس فقط الظاهرة للآخرين . وهذه الفضائل الظاهرة يمكن أن يلقبه بها في الإعجاب بالنفس والغرور ، أو يلقيه في احتقار الآخرين الذين لم يصلوا إلى نفس المستوي .
وهذه الحرب يحارب بها الرهبان كما يحارب بها العلمانيين أيضاً .
فإذا بدأ الراهب جهاده ، يجعله الشيطان يهتم بالصوم ، وبالمطانيات ، والسهر ، والصمت ، والإعتكاف . وكلها أمور ظاهرة .. وفي نفس الوقت لا يهتم بفضائل القلب من الداخل مثل الفرح والسلام والنقاوة والوداعة والهدوء ... ألخ .
وفي الصوم يحارب بالأسلوب الجسداني ويترك الروحي .
فيجعل كل اهتمام الصائم بفترة الإنقطاع وكم نتكون ، وبنوع الأكل ووجوب الإمتناع عن بعض مشتهيات ، والإقلال من كمية الماء التي يشربها . وكل هذه أمور جسدية ، ولا يشغل نفسه أبداً بالفضائل الروحية التي في الصوم مثل : انسحاق القلب ، وسمو الروح ، وضبط النفس في كل الأمور .
والشيطان يعرف أن مثل هذا الصوم الجسدي قد لا يفيد الإنسان روحياً . ويستغل هذا الأمر فيما بعد ، لكي يبعده عن الصوم كلية .
ونفس الوضع بالنسبة إلى المطانيات . المهم هو عددها ، ونمو هذا العدد باستمرار . أما أن الإنسان فيما يسجد ، تلصق بالتراب نفسه ( مز119 ) كما تلصق رأسه بالتراب ، فهذا ما لا يجعله يفكر فيه ! كذلك لا يجعله يهتم بالمشاعر الروحية يهتم بالمشاعر الروحية التي تصحب المطانيات ، وربما تصحبها ايضاً من صلوات ... وكل ما يقصده هو أن تتحول هذه المطانيات - على الرغم من كثرة عددها - إلى عمل جسداني يمكن أن يرهقة دون أن يفيده ، كما يلقيه به في المجد الباطل !
والوحدة أيضاً يهتم بمظهرها وليس بروحياتها .
كإنسان يحيا الوحدة كطقس ، وليس كمنهج روحي يتميز بفضائل معينة ، فيها يكون الفكر منفرداً بالله في حب ، ويكون القلب قد مات كلية عن العالم . ولكن كثيراً ما يجعل الشيطان هذا المتوحد يقنع بمجرد سكني المغارة والبعد عن الدير ، ويملأ قلبه بالكبرياء والسخط على الدير ومن فيه ، دون الإهتمام بالعمل الروحي داخل المغارة . وكما قال ماراسحق " يوجد إنسان قد يسكن في القلاية خمسين سنة وهو لا يعرف طريقة الجلوس في القلاية " .
وما ينطبق على الوحدة ، ينطبق على الصمت أيضاً .
فالمفروض أن هدف الصمت ، و أن يريد الإنسان يبعد عن أخطاء اللسان ، ويعطي نفسه فرصة للحديث مع الله . أما أن يقنع الإنسان بمجرد الصمت ، فهذا عمل جسداني ظاهر . إذ أن كل الأخطاء التي يقع فيها بلسانه ، يمكن أن يقع فيها بفكرة مثل الإدانة والغضب والشتيمة والحدة ... ألخ . فإن كان قلبه خالياً في نفس الوقت من الحديث مع الله . يكون صمته بعيداً عن العمل الروحي .
وبنفس الطريقة قد يقنع الإنسان باختيار البتولية .
ويظن أن البتولية هي ذلك العمل الظاهر الذي هو عدم الزواج . وقد تكون نفسه غير بتوله ، وأفكاره دنسة . والعنصر الإيجابي في البتولية الذي هو توجيه الحب كله نحو الله ، قد لا يكون موجوداً أيضاً . وهكذا يكون قد أخذ من البتولية ظاهرها ، دون روحها ودون فاعليتها داخل القلب ...
المفروض فينا أن نهتم بالعمل الروحي الداخلي ، فهو الأهم .
والرب قد قال " يا إبني أعطني قلبك " ( أم23 : 26 ) . فيبدأ الإنسان بنقاوة القلب ، وبمحبة الله ، وبالفضائل الداخلية . ثم من القلب النقي تخرج الصلاة النقية والمطانيات الطاهرة ، والصوم الروحاني ، وكل فضيلة أخري ...
والعجيب أن المهتم بالفضائل الظاهرة ، كثيراً ما يصطدم بأب اعترافه ، وربما يفكر في تغييره ، بينما حياته هو من الداخل ليست نقية أمام الله !
21 - العنف
إنها حرب يوجهها الشيطان إلى الروحيين كما إلى الخطاة .
يدرب الإنسان على العنف تجاه كل خطأ . وبالتالي يجعله عنيفاً في مقابلة كل من يخالفه في الرأي . وقد تختفي وراء هذا العنف كبرياء وقساوة قلب .
وربما كثير من أهل العالم بالوداعة والهدوء ، ينما نجد من المتدينين من يكونون عنفاء جداً ، باسم الدين ، ساخطين على كل شئ ، شاعرين أنهم هم وحدهم الذين يعرفون الله ويسيرون في طرقه . وبهذا العنف يسقطهم الشيطان في عديد من الأخطاء التي لم يقع فيها العلمانيون . وينسيهم فضائل الوداعة واللطف التي هي من ثمار الروح القدس ( غل5 : 22 ) .
من حروب الشيطان أيضاً :
22 - المعطلات
كل عمل روحي معرض لمعطلات عديدة من الشيطان .
فقد يعزم الإنسان من كل قلبه على عمل روحي . ويقف ضده الشيطان بكل قوة لكي يعطله عن تنفيذ ما يريد . وكما يقول الرسول " الإرادة حاضرة عندي . ولكن أن أفعل الحسني لست أجد " ( رو7 : 18 ) . وهذه المعطلات إما أن تكون ظروفاً خارجية ، أو من نسيان ، أو من عدم توافر الوقت ، أو من مقاومات من أعداء ، أو من أخوة كذبة .. ثم يأتي الشيطان ليقول :
قطعاً هذا العمل ليس من الله . وإلا كان قد سهل سبله !
أو قد يقول للناس عن هذا الإنسان الخير : لو كان هذا الإنسان من الله ، لكان الله قد وفقه في عمله . ويضرب عصفورين بحجر واحد . من حيل الشيطان لإيقاع الإنسان : الخجل .
23 - الخجل
الخجل فضيلة إن أحسن الإنسان استخدامها . ولكن الشيطان كثيراً ما يستخدم الخجل بطريقة تساعد على السقوط ..
كإنسان كان جالساً وسط أناس يتكلمون كلاماً رديئاً من الناحية الخلقية ، أو يتحدثون بالسوء في سيرة إنسان له مكانته ويشهرون به ، أو يسردون قصصاً غير لائقة ... وهذا الإنسان البار الجالس وسطهم ، الذي لم يكن يتوقع كل هذا ، يفكر أن يتركهم وينسحب ... ولكن يأتيه شيطان الخجل ، ويرغمه على البقاء ... فيستمر جالساً ويمتلئ عقله بأفكار ما كان مطلقاً أن تجول بذهنه .
وعن طريق الخجل قد يوقع على تزكية لا يوافق عليها ضميره .
أو يوقع على أي بيان أو قرار ، هو في داخله غير راض عليه ، أو يشترك في مديح إنسان لا يستحق ذلك ... وإن حاول أن يمتنع يقف أمامه الخجل !
وقد يجعل الشيطان فتاة تخجل الشيطان من ملابسها المحتشمة .
وذلك إن كان التيار العام غير ذلك ... أو يجعلها تخجل من تدينها بوجه عام . تخجل من الصلاة ومن الصوم ، أو من معرفة ذلك عنها ... بل قد تخجل من تدينها بوجه عام . تخجل من الصلاة ومن الصوم ، أو من معرفة ذلك عنها ... بل قد تخجل من تعليق صليب على صدرها . أو تخجل من رفض دعوة إلى حفل معين لا تستريح له روحياتها . وبالمثل قد يخجل شاب متدين من رفض سيجارة تقدم له من زميل أو من أستاذ ... وكم من خطايا يقع فيها البعض بسبب شيطان الخجل !
والمفروض أن يرفض المتدين هذا الخجل ويبعد عن مجالاته .
أو يجد له سبباً يخرج به من الإحراج بلباقة . أو أن يكون قوي الشخصية ، يستطيع أن يدافع عن موقفه الروحي بإقناع الآخرين ... أو على الأقل يبعد عن الصحبه التي تحرجه وعن المناسبات التي يتعرض فيها لحرب الخجل .
عجيب أن المتدينين يخجلون من تدينهم ، بينما الخاطئون تكون لهم جرأة وجسارة في أخطائهم وفي انتقادهم للأعمال الروحية .
حرب أخري من حروب الشيطان هي :
24 - الوقت الضائع
كما أن المؤمن قد يحارب أحياناً من شيطان الخجل ، كذلك يحاربه في أحيان أخري شيطان الوقت الضائع .
حياة الإنسان هي وقت ، يحاول الشيطان أن يضيعه .
والوقت الضائع هو الوقت الذي يمر بك بلا أدني فائدة : لا فائدة روحية ، ولا فائدة عقلية أو صحية ، ولا فائدة للآخرين .
لا يهم الشيطان أن يجعلك فيه ترتكب خطية ... بل يكفيه أن هذا الوقت يضيع كجزء من حياتك بلا ثمر لك أو لغيرك .
والأمثلة كثيرة لهذا الضياع ، وهي متنوعة أيضاً .
منها أحاديث قد تطول بالساعات في موضوعات لا فائدة منها ، وتكون بلا نتيجة . ومجادلات ومناقشات لا جدوي منها سوي تعب الأعصاب وضياع الوقت . وزيارات وسهرات ، وترفيهات زائدة عن الحد . ومسليات تأخذ كل الوقت وتعطل إيجابيات هامة في حياتك . ومثل جلوس البعض في المقاهي للعب والكلام ، وقتل الوقت .
إن الذي يقبل ضياع وقته ، تكون حياته رخيصة في عينيه !
25 - الشيطان يستخدم أعواناً
إنه لا يعمل وحده . فله أعوان من جنده الشياطين ، وأعوان من البشر أيضاً . وربما يكون هؤلاء من أحبائك أو أقربائك أو معارفك ، أو من الغرباء عنك .
لقد تكلم الشيطان على أفواه بعض الناس عند الصليب قائلاً للرب " إن كنت إبن الله ، إنزل من على الصليب " ( مت27 : 40 ) .
وقد يستخدم أقرباءك كما قيل " أعداء الإنسان أهل بيته " ( متى10 : 36 ) .
فيوحي إلى أحد الأحباء إليك جداً بنصيحة تتلف حياتك . أو يجعلهم يقفون ضد عملك الروحي ، أو ضد تكريسك ، أو ضد عبادتك أو يستخدمهم للتهكم عليك ... فكن محترساً . وكل ما تسمعه من النصائح لإفحصه جيداً ، وتمسك بالحسن ( 1تس5 : 21 ) . ولكن إحذر من أن تقول لأحد أقربائك ( أنت من أعوان الشياطين ) .
وقد يكون أعوان الشيطان بالنسبة إليك صحبه شريرة .
وكما يقول الكتاب " المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة " ( 1كو15 : 33 ) . لذلك ضع أمامك باستمرار المزمور الأول . فلا تسلك في مشورة المنافقين ، وفي طريق الخطاة لا تقف ، وفي مجلس المستهزئين لا تجلس ( مز1 ) . إن كل هذه هي مجالس الشيطان ، هو يقودها ويدبرها ...
لا تظن أن الشيطان يتراءى لك برؤى العين لكي يحاربك .
فهذه درجة عالية جداً من الحروب لا يسمح بها الله إلا للقديسين الذين يحتملونها . فإن أراد مثلاً أن يثيرك إليك من يثيرك . ويكون هذا الذي أثارك من أعوان الشيطان ، على الأقل في هذه النقطة بالذات . وهكذا كل من يعثرك : كل من يقودك إلى الخطية ، أو يساعدك عليها ، أو يوقعك فيها ...
والأشرار عموماً هم من أعوان الشياطين .
كل أجهزة العبث وكل مسببات العثرات . وكل الفلاسفة الملحدين وكل دعاة الإلحاد . وكل ناشري الشكوك . وكل مسببي الشر ... وعن هذا كان داود النبي ورجاله يصرخون قائلين : أبطل يارب مشورة أخيتوفل ( 2صم15 : 31 ) . وكانت مشورة ضارة جداً بداود ورجاله ، قدمها أخيتوفل لأبشالوم في ثورته على أبيه داود ...
إن الشيطان إذا أراد مثلاً أن يوقع العالم في البعد والشكوك ، فلا يعني هذا بالضرورة أن يفعل هذا بنفسه ، إنما يقدم هذه البدع إلى العالم عن طريق أعوانه من البشر ، ينشرونها ويشرحونها للناس ، ويدعونهم إلى اعتناقها ..
فعلينا أن نصلي كل حين ، أن ينجينا الرب من أعوان الشياطين .
وليس فقط من الشيطان وحده . بل من الشيطان وكل ملائكته وكل جنوده ، وكل أنصاره وأعوانه ، وكل منفذي مشيئته على الأرض .. كل قوات العدو ...
ملاحظة :
أ - من جهة حروب المناظر المخيفة ، وحروب الرؤى والأحلام والضلالات الشيطانية ، فقد تحدثنا عنها في الفصل الثاني الخاص بصفات الشيطان وحروبه ، تحت صفة ( قاس ) وصفة
( كذاب ) .
ب - وهذه النقاط التي ذكرناها ليست هي كل حيل الشيطان .
ولا كل ما نعرفه عنها . فإن جعبة الشيطان لا تفرغ . وحيلة لا تنهتي : القديمة والحديثة ، وما يمكن أن يخترعه الآن وفيما بعد . ولا شك أنه مجدد في حيلة ، رحمنا الله منه ومنها .
من أجل هذا ، نحن نصلي كل يوم في تحليل الغروب :
" نجنا من حيل المضاد . وابطل سائر فخاخه المنصوبة لنا " آمين .
الفصل الرابع
كيفية الإنتصار على حروب الشياطين
كل ما ذكرناه قبلاً من صفات الشيطان وتنوع حيله ، إنما كتبناه لكم ، لا لكى تخافوا منه ، إنما لكى تحترسوا منه . وعلى الرغم من عنف الشيطان ومكره ، إلا أن الإنتصار عليه ممكن جداً ، بل إنه سهل أيضاً .
1- الإنتصار ممكن
إذا وضعت أمامك أن الإنتصار فى حروب الشيطان أمر صعب أو مستحيل ، ستخور قواك وتضعف وتستسلم ، وبالتالى ستسقط . أما أنت فإن حاربك الشيطان ، تأكد تماماً أنه فى إمكانك أن تنتصر وإلا ما كان الله يسمح بحرب غير متكافئة ...
تأمل باستمرار فى سير القديسين الذين انتصروا .
ضع أمامك قصة يوسف الصديق الذى انتصر على الرغم صعوبة التجربة التى تعرض لها . أما داود وشمشون فى سقوطهما ، فخذ درساً من قصة كل واحد منهما . إعرف ماهى أسباب سقوطه وتحاشاها . إن كل قصة سقوط أعطيت لنا ، إنما لفائدتها ، لكى نحترس ونتعلم ...
الكتاب والتاريخ قدما لنا العديد من قصص الإنتصار .
نعرف أن التوبة ممكنة جداً ، مهما كانت الحالة سيئة ، وذلك من قصة توبة مريم القبطية ، وبيلاجية ، وبائيسة ، وأوغسطينوس ، موسى الأسود . وكذلك توبة سليمان الحكيم ، وشمشون . لذلك إن حاربنا الشيطان باليأس من سؤ ما وصلنا إليه نتذكر كل هذا فنتعزى ونتشجع . ونعرف من قصة القديس الأنبا أنطونيوس ، كيف يمكن الإنتصار على الرغم من شدة الحروب وتنوعها وكثرتها . وكذلك من سير باقى القديسين .
كذلك علينا أن نتذكر باستمرار كيف أن الله بارك طبيعتنا .
إنه لما تجسد وأخذ هذه الطبيعة ، باركها . ولذلك نقول له فى القداس الغريغورى " وباركت طبيعتى فيك " . وأصبحت هذه الطبيعة قادرة جداً على قهر الشيطان . يكفى أننا صرنا هياكل للروح القدس ، وروح الله يسكن فينا (1كو3 : 16) . كما صرنا أبناء لله ، بطبيعة مولودة من فوق ، من الماء والروح (يو3 : 3 ، 5) .
وكما نتذكر القوة التى أعطيت لنا ، نتذكر القوة الروحية المحيطة بنا .
نتذكر أننا لسنا وحدنا فى حرب الشيطان . فروع الله القدوس يعيننا ، ويبكتنا على خطية (يو16 : 8) ، ويعلمنا كل شئ (1يو2 : 27) ، ويرشدنا إلى كل الحق (16 : 13) . فكيف يمكن أن ينتصر الشيطان علينا ، ونحن لنا شركة الروح القدس (2كو13 : 14) . وكذلك نعمة ربنا يسوع المسيح معنا (116 : 23) . ولذلك نحيا ، لا نحن ، بل المسيح الذى يحيا فينا (غل 2 : 20) ... يضاف إلى هذا ملائكة كثيرون محيطون بنا ، أرسلوا لخدمتنا لنرث الخلاص (عب 1 : 14) . كما أن سحابة من الشهود الذين انتصروا (من القديسين) محيطة بنا أيضاً " لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة " (عب 12 : 1) .
ولنتذكر أيضاً وعود الله لنا ، لكى نتشجع ...
إنه يقول " ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " (متى28 : 20) . " وإن كان الله معنا فمن علينا " (رو8 : 31) . إنه يقول لكل منا " لا أهملك ولا أتركك ... تشدد وتشجع . لا ترهب ولا ترتعب ، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب " (يش1 : 5 ، 9) ، " أنا معك ، ولا يقع بك أحد ليؤذيك " (أع 18 : 10) .
ولنتذكر وعود الله للغالبين ، لكى تحمسنا فى جهادنا .
لذلك إقرأ وعود الله مثلاً لرعاة الكنائس السبع التى فى آسيا " من يغلب فسأعطية أن يجلس معى فى عرشى ، كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبى فى عرشه " ، " وسيلبس ثياباً بيضاً ... وسأعترف بإسمه أمام أبى وأمام ملائكته " (رؤ3 : 21 ، 5) ، " سأعطيه أن يأكل من المن المخفى " ، " وأعطيه كوكب الصبح " ، " وأعطية إكليل الحياة " ( رؤ 2 : 17 ، 28 ، 10 )..حقا من أذنان للسمع فليسمع هذه الوعود التى تملأ اقلب القلب حماساً وقوة 00
كذلك فلنثق تماماً أن الله هو الذى يحارب عنا.
فهما كان الشيطان قويا ، من هو أمام قوة الله التى لا تحد ؟ وإن كان الشيطان كأسد يزأر ، فإن الله يرسل ملاكه ليسد افواه الأسود ( دا 6 : 22 ).حقا " إن الحرب للرب " ( 1صم 17 : 47 ).هو " يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " ( خر 14 : 14 ).مادام الرب هو الذى يقاتل عنكم ، إذن لا تخافوا مطلقا من الشيطان.
2- لا تخافوا
لا تخافوا مطلقا من الشيطان.فهو على الرغم من كل مواهبه وقوته وحيله ، كائن ضعيف أمام اولاد الله.قال عنه الرب : " رأيت الشيطان ساقطاً متل البرق من السماء " ( لو 10 : 18 )
لقد داسه الرب على الصليب ، ولم يعد " رئيس هذا العالم " كما كان.بل قال عنه الرب قبيل الصليب " الآن دينونة هذا العالم.الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً " ( يو 12 : 31 ) ، " رئيس هذا العالم قد دين " ( يو 16 : 11 ).لذلك قال الرب :
" ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات و العقارب وكل قوة العدو " ( لو 10 : 19 ).إن وعد الرب لنا أن ندوس كل قوة العدو ، هو وعد كله قوة وعزاء ، ينزع الخوف من أى قلب..ومن محبة الكنيسة لهذا الوعد الإلهى ، وضعته لنا فى آخر صلاة الشكر ، نذكره فى
صلواتنا كل قوة العدو.
إذن ليس للشيطان سلطان علينا ، بل لنا سلطان عليه.
حتى الشياطين تخضع لنا باسم الرب ( لو 10 : 17 ).بل جعل الرب إخراج الشياطين فى مقدمة الآيات التى تتبع المؤمنين ( مر 16 : 17 ).وطبعاً موهبة إخراج الشياطين لابد أن يسبقها الانتصار أولاً فى حروب الشيطان صلبا ، يبدأ أن يخافه.ويصير لهذا الإنسان سلطان عليه.
هناك محاضرة جميلة للقديس انطونيوس عن ضعف الشياطين..
سجلها القديس أثناسيوس الرسولى فى كتابة عن حياة القديس انطونيوس ، يمكن أن تقرأوها ، لكى تتقوى قلوبكم فلا تخافوا الشيطان.
وكم من رهبان بسطاء ، لم ينالوا من العلم كثيرا ولا قليلا ، استطاعوا أن يحطموا الشيطان فى البرية.ومنهم القديس بولس البسيط.
كذلك فإن الشهداء و المعترفين استطاعوا أن يحطموا جميع إغراءاته و كل قوته وأسلحته.
و الشيطان لا يسيطر إلا على الذى يخضع نفسه له..
و على رأى المثل " إن العبيد هم الذين يخلقون السادة " ، أى أن ما فى العبيد من ذل و خضوع ، هو الذى يساعد السادة على السيطرة و التعالى.وكذلك الحال مع الخاضعين للشيطان.أما الذين حررهم الابن ، فبالحقيقة هم أحرار ( يو 8 : 36 ).
أكثر شئ يحبه الشيطان ، أن يجدك تخاف منه.
لأنك فى خوفك تضعف أمامه و تضطرب ، و تظن أنك لا بد واقع فى يديه ، فتخور معنوياتك ، وتستسلم له ، عاجزاً عن المقاومة..وهذا عين ما يريده منك ، لأن الخوف يعطيه سلطة عليك.ولكن السيد المسيح نصحنا ألا نخاف مطلقا ، بقوله :
أنا هو.لا تخافوا.لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع ( متى 14 : 27 ، يو 14 : 27 ).
لا تخف إذن.لأن قوة الله العاملة فيك ، هى أعظم بما لا يقاس من قوة الشيطان الذى يحربك من الخارج.وثق أن خوفك فى داخلك هو أكثر ضررا عليك من حرب الشيطان الخارجية.
إن الذين خافوا من جليات الجبار ، ضعفوا أمامه ولم يستطيعوا أن يقاوموه.أما داود الذى لم يخف ، فقد تقدم إليه بجسارة قلب ، معتمداً على معونة الرب ، وانتصر عليه.وقصة داود وجليات تصلح رمزاً لحروب الشياطين.ولعلك تسأل داود عن السر فى عدم خوفه فيقول :
" الرب نورى و خلاصى ممن أخاف ؟ الرب عاضد حياتى ممن ارتعب ؟ ( مز 27 : 1 ) ، ويستطرد " إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى.وإن قام على قتال ، ففى هذا أنا مطمئن ".لذلك أدخل حروب الشياطين بقلب مطمئن ، وحارب حروب الرب و أنت واثق أنك ستنتصر بمعونته.ما أصعب وما أخطر ما قيل فى سفر الرؤيا عن الخوف : " وأما الخائفون وغير المؤمنين و الرجسون و القاتلون و الزناة و السحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة ، فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بنار وكبريت " ( رؤ 21 : 8 ).
وهكذا وضع الخائفين قبل غير المؤمنين و قبل القتلة و الزناة !
ولعلك تسأل لماذا ؟ ربما لأن الذى يخاف من الشيطان ويستسلم له ، يقع فى كل هذه الخطايا.أو لأن الذى يخاف من الشيطان ويخضع له ، يكون خائفاً فى اليوم هذه الخطايا.أو لأن الذى يخاف من الشيطان ويخضع له ، يكون خائفاً فى اليوم الأخير ، لأنه لم يجاهد ويغلب مثل المؤمنين المختارين.
ليتك تقرأ سير القديسين الذين لم يخافوا الشياطين.
إقرأ عن القديس الأنبا انطونيوس الذى كانت الشياطين تظهر له على هيئة أسود ونمور ووحوش مفترسة ، تصبح بأصواتها المرعبة لتخفيفه فيترك البرية ، ولكنه لم يخف ، و كان يجيبها بهدوء.أو إقرأ عن القديس مقاريوس الكبير الذى الذى نام فى مقبرة ، قد وضع جمجمة تحت رأسة.فكلم الشياطين صاحبة هذه الجمجمة بصوت مسموع لكى تقوم معهم.فلم يضطرب القديس ، بل رفع رأسه قليلاً عن الجمجمة ، وقال لها " إن أردت ، قومى واذهبى معهم إلى الجحيم "..
أما انتم فلا تخافوا.لن تحاربكم الشياطين بهذه المخاوف التى حاربت بها القديسين.وهوذا الرسول يطمئنكم قائلا :
الله أمين..لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون ( 1كو 10 : 13 ).
إن الله لا يسمح للشيطان أن يجربكم بما هو فوق احتمالكم " بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا " ( 1كو 10 : 13 ).لهذا لا تخافوا مطلقا من الشياطين وحروبهم ، سواء كانت بمخاوف أو بخطايا.إن الشيطان قد يثير ضجة ليخيف ، ولكنه لا يستطيع أن يعمل شيئا للمؤمن الصامد 0
إنى أشبه ضجيج الشيطان بقصة الثعلب و الطبلة.
كانت هناك طبلة معلقة على شجرة ، تعصف بها الريح فتحدث صوتاً مهولاً.ومر عليها ثعلب وراعه هذا الصوت الضخم فخاف أولاً.ثم تجرأ وهجم عليها ، فرآ ها فارغة من الداخل ، فضحك و احتقرها.يشبه ذلك أيضاً البالونة الكبيرة التى تبدو ضخمة.و لكن شكة دبوس صغير ، تجعلها كلا شئ..
هكذا الشيطان فى حروبه : ضجيج بلا قوة.يحاول أن يخيف ، ولكنه لا يملك قوة.و الشيطان ليس كائنا مطلق الحرية يفعل ما يشاء.
هناك الله ضابط الكل ، يمنع الشيطان حسبما يشاء
وفى قصة أيوب الصديق ، ما كان الشيطان يتصرف حسب هواه ، بل إنه لا يحارب إلا فى النطاق الذى يسمح به الله ( أى 1 ، 2 ).
إنه ليس قوي الشكل الذى تخافه.بل مجرد علامة الصليب فى إيمان ، تجعله يهرب من أمامك
يريد الشيطان أن يوهمك بأنه قوى.ولكن لا تصدقه.
و تذكر باستمرار إنهزاماته المتكررة فى قصص القديسين.وتذكر أولئك الذين كانت لهم قوة أن يخرجوه ممن صرعهم.وكيف كان يصيح فى خوف أمام أولاد الله ويهرب.إن عرفتم ضعف الشيطان ، قاوموه فى شجاعة.
3- قاوموه
ما أجمل أن أن نتذكر قول القديس الرسول : " قاوموا إبليس ـ فيهرب منكم " ( يع 4 : 7 ).
وهنا عبارة " يهرب منكم " تدل على ضعف الشيطان.فالرسول لم يقل قاوموه فيترككم ، إنما قال قاوموه فيهرب منكم..
إن الشيطان يحبس نبض الإنسان ، ليعرف ما هو معدنه.فإن وجده من النوع الذى يخاف ، يبدأ أن يتسلى به ويجعله لعبته.أما إن وجده قويا ويقاوم ، ولا يقبل الهزيمة ، حينئذ يخافه الشيطان ويهرب منه 000 لذلك قاوموه و لا تغركم قوته.فالقديس بطرس الرسول لما قال " إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو " قال بعدها مباشرة :
" فقاوموه راسخين فى الإيمان " ( 1بط 5 : 9 )
أى أن زئيره كأسد لا يخيفكم ، بل قاوموه.ليكن لكم قلب أسد أقوى منه.إن تذكرتم أن الشيطان يزار كأسد ، تذكروا قول دانيال " ألهى أرسل ملاكه فسد أفواه الأسود " ( دا 6 : 22 ).قفوا أمام الشيطان إذن قوة وصمود ، بكل مقاومة..
لا تستسلم ، بل أصمد فى الحرب ، كجندي صالح للمسيح
حارب بكل قوتك ، واطلب معونة الرب.وهنا يعجبنى ما قيل فى سفر النشيد " تخت سليمان حوله ستون جباراً..كلهم قابضون سيوفاً و متعلمون الحرب.وكل رجل سيفه على فخذه من هول الليل " ( نش 3 : 8 ).وكن إذن متعلماً الحرب من كل ما يثيره عليك الشيطان.وليكن سيفك على فخذك.بل كما يقول المرتل فى المزمور " تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار..إستله وانجح واملك " ( مز 45 : 3 ، 4 ).
إن حاربك الشيطان بفكر أو شعور ، لا تستسلم بل قاوم .
لا تقبل كل ما يعرضه عليك . لا تفتح له قلبك ، ولا تفتح له عقلك ، ولا تسلم له إرادتك ، ولا تتساهل معه ، بل قاومه بكل عنف . قاوم كل أفكاره وكل إغراءاته وكل شهواته وكل تجاربه . واحذر أن تتراخي ، لئلا تسمع تأنيب الرسول :
" لم تقاوموا بعد حتى الدم ، مجاهدين ضد الخطية " ( عب12 : 4 ) .
حتى الدم ... حتى لو أدي الأمر أن تستشهد في حربك ضده . كما يقال عن الضابط في الجيش إنه " يحارب إلى آخر طلقة وآخر رجل " . وثق أنك لو فتحت للشيطان ولو ثقب إبره في فكرك أو في إرادتك ، سيظل يتمادي ، ويوسع نطاقه حتى يتعبك . لذلك قاومه واطرده عنك . ومهما أراد أن يتفاهم معك في شرح الخطية ، فلا تقبل .
لا تفاهم مع الشيطان في الخطية . ولا نقاش ولا جدال .
وكما قال أحد القديسين " لا تأخذ وتعط مع إنسان يقاتلك به العدو " . إن الشيطان عندما يعرض عليك الخطية ، إنما يريد أن يتفاهم معك فيها ، أي يريد بقائك في مجال الخطية أطول مدة لتتأثر بها . وفي هذا أنت الخاسر .
لذلك قاومه من أول خطوة ، حينما تكون إرادتك في يدك .
لأنك إن تأخرت في مقاومته ، سيزداد تأثيره عليك ، وستقل إرادتك شيئاً فشيئاً .
وكلما طالت المدة معه تضعف مقاومتك ، مثلما حدث لشمشون مع دليلة ، لأنه لما كثر إلحاحها عليه ضاقت نفسه وأخبرها بسره ( قض13 : 15 - 17 ) .
لا تقل أنتظر على هذا الفكر حتى أعرف نهايته !
صدقني ، أنت تعرف تماماً ما هي نهايته . فلا تخدع نفسك . مجرد فتح أبواب فكرك للشيطان هي خيانة للرب لذلك أبعد كل البعد عن الشيطان وكل طرقه وكل جنده ، ولا تتساهل مع حيلة ، ولا تتأخر . بل أرفضه بحزم وقل له " أذهب يا شيطان " ( متى4 : 10 ) . فيعرف الشيطان أنك جاد في رفضك له .
وبرفضك الحازم لكل أفكاره ، تصير لك هيبة عند الشيطان .
الشيطان يدرك تماماً بذكائه ما هي المقاومة الجادة ، وما هو اتعريج بين الفرقتين ( 1مل18 : 21 ) . يعرف من هو الذي يرفضه بقلب نقي ، ومن هو الذي يرفض من الخارج بينما قلبه متجاوب مع الشيطان يمكنه أن يستنتج من الذي سيقاومه حتى الموت ومن الذي إذا ضغط عليه قليلاً يستسلم . فقاوم بجذبة ، وبكل قوة ومن قلبك .
لست أحب أن يقول عنك الشيطان أنك إنسان طيب .
لا أريد أن يقول عنك : إنه إنسان طيب ، يثور على جداً في أول الأمر . ومع ذلك فإن قلبه أبيض سرعان ما يتصافي . ومع أنه يعارض كثيراً ، إلا أن الأمر ينتهي أخيراً بالموافقة والرضي ، مثل كل مرة ...!
والمقاومة هي رفض الخطية بكل صورها ، ورفض التنازل عن الكمال .
والإصرار القلبي على السير في الطريق الروحي ، ورفض كل مقترحات الشيطان ، بل ومراقبة كل أفكاره من بعيد ، وعدم التفاوض مع شئ منها ، بل طردها من أول وهلة . وغلق كل أبواب النفس والفكر والقلب أمامها . وعدم التساهل في شئ ، وبحجة أن هذا الأمر بسيط ، أو أن هذه العثرة لا تؤثر في !
المقاومة لازمة ولكن كيف ؟ يقول الرسول : قاوموه راسخين في الإيمان .
4 - بالإيمان
أنت تغلب الشيطان بالإيمان . ولكن أي إيمان ؟ إنه :
الإيمان بعمل الله معك . الإيمان بأن الله يستطيع أن يبطل قوة العدو وكل فخاخة المنصوبة لنا . الإيمان بأن الله " يترك عصا الخطاة تستقر على نصيب الصديقين " ( مز125 : 3 ) . الإيمان بأن الله أقوي من كل حيل العدو . وهو الذي يحارب عنا .
الحرب للرب ( 1صم17 : 47 ) ، الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ( خر14 : 14 ) .
تؤمن أن الحرب للرب . فلست أنت الذي تحارب الشيطان ، بل الله هو الذي يحاربه فيك ومعك . هو الذي يعطيك القوة التي تحارب به ، والسلاح الذي تستخدمه ، وهو الذي يعطيك الخبرة في مقاتلة الشياطين ، كما قال داود النبي :
" مبارك الرب ... الذي يعلم يدي القتال وأصابعي الحرب " ( مز144 : 1 ) .
فهل أنت أدخلت الله معك في حروبك وفي تجاربك ومشاكلك ؟ إن كنت مهزوماً ، فربما لأنك لم تدخل الله معك . والله قادر تماماً أن يغلب بك ويتمجد فيك ، مهما كانت قوتك ضئيلة ومقاومتك لا شئ . فالكتاب يقول :
" ليس للرب مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل " ( 1صم14 : 6 ) .
إن حزقيا الملك لما وصله خطاب تهديد من ملك سنحاريب بجيشه الجبار ، وضع الخطاب أمام الله في بيت الرب . وسكب نفسه أمام الله لكي يتصرف . وتدخل الله وأرسل ملاكه فضرب جيش سنحاريب ( 2مل19 : 35 ) .
ونلاحظ كيف أن داود النبي كان ينتصر بالإيمان في حروبه .
إنه يقول " لولا أن الرب كان معنا حين قام الناس علينا ، لا بتلعونا ونحن أحياء ... نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين ... عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض "
( مز124 ) ، " عيوننا إليك يارب ... إحفظني من الفخ الذي نصبوه لي ومن شكوك فاعلي الإثم " ( مز141 : 9 ) ، " .. ضاع المهرب مني ، وليس من يسأل عن نفسي . فصرخت إليك يارب . وقلت أنت هو رجائي وحظي في أرض الأحياء " ( مز142 : 4 ، 5 ) .
بهذا الإيمان انتصر داود في حروبه كما انتصر على جليات .
مهما كان عدوك قوياً ، آمن أن سيخلصك منه . رتل مع داود النبي وقل : صوت الرب يقطع لهيب النار . صوت الرب يزلزل القفر " ( مز29 : 7 ، 8 ) . وفي إيمان قوي ، قاوم الشيطان مردداً قول بولس الرسول :
" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ( فى4 : 13 ) .
وكن راسخاً في هذا الإيمان ، واثقاً تماماً أن الله سيقف إلى جوارك وينصرك في كل حروب الشيطان ، وأنه لن يتخلي عنك . وكما كان مع آبائنا وقادهم في موكب نصرته ، سيكون معك أيضاً ، ولن يسمح أن يقع بك أحد ليؤذيك ( أع18 : 10 ) .
هذا الإيمان سيعطيك قوة قلب في الداخل ، وقوة على الشيطان في الخارج .
ولذلك نري أن الرسول حينما يتكلم عن قتالنا مع الشيطان يقول " أخيراً يا أخوتي ، تقووا في الرب وفي شدة قوته . البسوا سلاح الله الكامل تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس " ( أف6 : 10 ، 11 ) . إذن الأمر لا تصلح له قوتنا الشخصية ، بل " تقووا في الرب " . ولا تصلح له أسلحتنا البشرية ، بل علينا أن نلبس سلاح الله الكامل . ونشعر بقوة الله العاملة معنا .
وبهذه القوة ، لا تكون لنا روح الفشل ولا روح الاستسلام .
ولا تكون لنا روح التخاذل ، ولا روح اليأس ، لأن الله الذي نعتمد عليه قادر أن يحمينا في ككل حروب الشياطين . بهذه القوة استطاع القديس بولس الرسول أن يقول " حاربت وحوشاً في أفسس " ( 1كو15 : 32 ) . وبهذه القوة إستطاع أن يقول " إن الله لم يعطنا روح الفشل بل روح القوة " ( 2تي1 : 7 ) . لذلك أولاد الله لا يضعفون أبداً في حروبهم .
إنهم جبابرة بأس ، لا يقوي عليهم الشيطان ولا الخطية .
ما أجمل التقرير الذي كتبه القديس يوحنا الرسول عن أولاد الله " كل من ولد من الله لا تخطئ ، بل المولود من الله يحفظ نفسه ، والشرير لا يمسه " ( 1يو5 : 18 . كلهم لهم روح الغلبة ونيل المواعيد كما شرح الرب في سفر الرؤيا ( رؤ2 : 3 ) .
أنظروا إلى أيوب الصديق وشهادة الرب عنه " ليس مثله في الأرض ، إنه رجل كامل ومستقيم ، يتقي الله ويحيد عن الشر . وإلى الآن هو متمسك بكماله " ( أي2 : 3 ) . هل مثل هذا يقدر عليه الشيطان ؟! كلا ، بل إن الله تحدي به الشيطان .
دائماً في الحرب ضع أمامك الإنتصار وليس الفشل .
قل : أنا لا يمكن أن أفشل ، مادمت ألجأ إلى الله ، وهو يحارب عني . أنا لا أخاف الشيطان ، بل أقول للرب " إن سرت في وادي ظل الموت ، لا أخاف شراً ، لأنك أنت معي " ( مز23 ) . إنني في يمين الرب ، نقشني على كفه ( أش49 : 16 ) . وقال عن خرافه " أنا أعطيها حياة أبدية ، ولن تهلك إلى الأبد ، ولا يحفظها أحد من يدي ... ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي " ( يو10 : 28 ، 29 ) .
بهذا الإيمان يمكن أن تنتصر . كذلك تنتصر بالإتضاع .
5 - بالإتضاع
كان القديس الأنبا أنطونيوس يغلب الشياطين بالإتضاع :
فحينما كانوا يتكاثرون عليه ، كان يقول لهم باتضاع " أيها الأقوياء ، ماذا تريدون منى أنا الضعيف ؟! " وكان يصلي قائلاً " أنقذني يارب من هؤلاء الذين يظنون أنني شئ ، مع أنني أضعف من أن أقاتل أصغرهم " . ولما كان الشياطين يسمعونه وهو يصلي هذه الصلاة المملوءة اتضاعاً ، ما كانوا يحتملون ، بل كانوا ينقشعون كالدخان .
والقديس مقاريوس الكبير كان يغلب الشيطان أيضاً بالإتضاع .
في إحدي المرات ظهر الشيطان للقديس مقاريوس وقال له " ويلاه منك يا مقاره ! أي شئ أنت تعمله ونحن ما نعمله ؟! أنت تصوم ونحن لا نأكل . أنت تسهر ونحن لا ننام . أنت تسكن البراري والقفار ونحن كذلك بشيء واحد تغلبنا " فسأله القديس ما هو ؟ فأجاب : باتضاعك تغلبنا
الإتضاع يغلب الشيطان لأسباب كثيرة منها :
أولاً : لأن الشيطان غير متضع . والإتضاع يذكره بكبريائه التي أسقطته .
ثانياً : لأن الإتضاع يذكره بصورة المسيح الذي أخلي ذاته وأخذ شكل العبد ، لكي يخلص البشرية . ومجرد هذه الذكري تتعبه ، فيذهب .
ثالثاً : لأن المتضع إذ هو معترف بضعفه يستعين بقوة الله لتعينه في حروب الشيطان . وهذا أخوف ما يخافه الشيطان .
ولهذا كتبت مرة في مذكرتي العبارة الآتية :
قال الشيطان لله : أترك لي الأقوياء فإنني كفيل بهم . أما الضعفاء فإنني لا أقوي عليهم . فإذ يرون أنه ليست لهم قوة ، يحاربونني بقوتك .
إن قصة أنبا صرابامون أبي طرحه تثبت إخراج الشياطين بالإتضاع .
كانت زهرة إبنة الحاكم عليها شيطان ، فجاءوا إلى البابا ليصلي عليها ليخرج . فقال لهم البابا في اتضاع " أنا ليست لي هذه الموهبة . إذهبوا إلى الأنبا صرابامون أبي طرحه " . فذهبوا إليه . فقال لهم في اتضاع " صلاتي لأجلها لا تكفي " . وطلب صليب البابا ليرشمها به ، قائلاً إنه " ببركة هذا الصليب تشفي " . وكان يريد بهذا أن ينسب شفاءها إلى البابا وليس إلى نفسه . وهكذا شفيت ، لأن الشيطان لم يحتمل هذا الإتضاع . تحدثنا عن أهمية الإتضاع في حروب الشيطان ، مع بعض قصص من سير القديسين . وبقي ان نعرض لسؤال هام وهو :
ما هو الأثر العملي للإتضاع للإنتصار في حروب الشياطين ؟
1 - المتضع يعترف دائماً ويطلب من الله المعونة فتأتيه بقوتها . وهكذا ينتصر لأنه لم يعتمد على ذراعه البشري ، بل على معونة الله .
2 - المتضع يحترس من أقل الخطايا ، ويخاف السقوط فيبعد عن جميع العثرات . وبالتالي لا يلقي نفسه في تجربة ولا يتهاون ، وبهذا الحرص الناتج عن الإتضاع ينتصر على الشياطين .
3 - المتضع يكشف حروبه وضعفاته . فيمكن علاجها . وبهذا ينتصر .
4 - المتضع دائماً يصلي . بل إن أصغر خطية يجعلها موضوعاً لصلاته . وهكذا يدخل الله معه في حروبه . وبهذا ينتصر .
5 - نفس الإتضاع : فضيلة لا يحتملها الشياطين فيهربون .
وكما ينتصر الإنسان على الشياطين بالإتضاع ، ينتصر أيضاً بالحكمة والإفراز .
6 - بالحكمة والإفراز
إن أتاك فكر ، لابد أن تفحصه جيداً : هل هو من حروب الشياطين ؟ وأين الحق فيه ، واين الباطل ؟ وهكذا تفعل مع الرؤي والأحلام ، ومع نصائح الآخرين ... ومع كل ضلالات الشياطين ... ومن أجل هذه المعرفة أو التمييز أو الإفراز ، ينبهنا الرسول بقوله ( لا تصدقوا كل روح . بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله ؟ ... " ( 1يو4 : 1 ) .
فما هي مصادر الحكمة هذه والمعرفة والإفراز ؟
هناك إنسان حكيم بطبيعته . خلقه الله هكذا ، ومنحه الذكاء والحكمة والمعرفة ، ويستطيع أن يكشف حرب الشيطان ويميزها ، ويفرزها عن الفكر الروحي . وهناك من يقتني الحكمة عن طريق القراءة في الكتاب المقدس وفي الكتب الروحية وسير القديسين . ونوع ثالث يقتني الحكمة بالخبرة . وفي كل سقوط يأخذ درساً ويعرف حيلة العدو ، فلا يسقط مرة أخري . وفي ذلك قال أحد القديسين :
لا أتذكر أن الشياطين أطغوني في خطية واحدة مرتين . وقد يقتني الإنسان الحكمة عن طريق المشورة والإسترشاد والتعليم .
وإذ يميز حرب الشيطان ويكشفها ، يبعد عنها ، فلا يخدعه العدو .
نقول هذا عن الذي يريد أن ينتصر . لأنه هناك إنساناً يعرف أن هذه حرب من حروب العدو ، ومع ذلك يستمر فيها لأسباب داخل نفسه ، أو لإنحراف ، أو لأنه غير قادر على المقاومة ...
والحكمة كما تكشف حيل الشياطين ، تعطي أيضاً وسيلة للتصرف .
فالإنسان الحكيم يعرف كيف يفلت من حيل الشيطان : كيف يهرب من فخاخه ، وكيف يقوم إذا سقط . وكيف يبعد عن كل سبل الخطية .
وإذا لم يعرف ، تدعوه الحكمة أن يستشير ...
7 - بالمشورة والإعتراف
الإرشاد الروحي يكشف حيل الشياطين ، ويشرح كيفيه النجاة منها .
كما أن المرشد يصلي من أجل النفس التي تكشف أفكارها لتنجو . وفي هذا قال القديس بولس الرسول " أيعوا مرشديكم واخضعوا . لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم كأنهم سوف يعطون حساباً . لكي يفعلوا ذلك بفرح ... " ( عب13 : 17 ) . ولهذا فإن الذي يسلك في الطريق الروحي بهواه ، يمكن أن يسقط في فخاخ الشياطين . وقد قيل :
الذين بلا مرشد يسقطون مثل أوراق الشجر .
من أجل هذا كانت أهمية أب الإعتراف في الكنيسة . تكشف له ما في قلبك وتخجل وتنسحق نفسك أمام الله في حضرته . ويرشك إلى ما ينبغي أن تفعله . والإعتراف يكشف حروباً ربما المبتدئون لا ينتهبون لها .
وكثير من الخطايا منها المعترف بسبب فضيلة الإعتراف .
شياطينها لا تحتمل إنسحاق المعترف في مذلة فتهرب . كما أن الشياطين تحب أن تعمل في الظلمة ، والإعتراف يكشفها . كذلك الإرشاد يكسر فخاخها . والتحليل يضيع تعبها . وهكذا نري أن الإنسان المعترف بخطاياه والمطيع للإرشاد ، يسلك في طريق التوبة ، وينجو من حروب الشياطين . وحتى إن لم تتركه الخطية تماماً ، فإن قوتها تضعف في مهاجمته .
لهذا يحاول الشيطان ان يمنع الإعتراف . ويشكك في أب الإعتراف .
يدخل هنا شيطان الخجل ليمنع الإعتراف . ويدخل شيطان الشهوة ليقول " ما الفائدة إن كنت سأعود إليك ؟! " . ويدخل شيطان الفكر والجدل ليناقش موضوع الإعتراف حمله . ويدخل شيطان الشك ليشك في الإعتراف وأب الإعتراف .
أما أنت فكن ثابتاً . واعترف بكل هذا أيضاً . فلا يجد الشيطان حيلة فيك ، ويعتبرك خصماً متعباً ، فيتركك ...
8 - بالسهر والحرص
لا يكفي أن تعترف وتكشف نفسك وتطلب الإرشاد ، إنما ينبغي أن تكون ساهراً على خلاص نفسك . وهوذا الرسول يقول :
لإصحوا واسهروا ، لأن إبليس خصمكم مثل أسد زائر ... " ( 1بط5 : 8 ) .
إسهروا لأن عدوكم متيقظ وقوي ، لئلا يأخذكم في ساعة غفلة أو تهاون أو ترا خ، أو في ساعة فتور ، أو في حالة نسيان لواجباتكم الروحية وعدم اهتمام بخلاصكم .
والكنيسة توجد لنا مناسبات عديدة تنادينا أن نتيقظ :
هناك أصوام لنا إصحوا واستعدوا . وهناك قداسات لنا تعالوا تناولوا باستحقاق . وعظات وقراءات واجتماعات كلها تنادينا أن نهتم بأبدينا ، ونحارب حروب الرب بكل اهتمام . لذلك علينا أن نتيقظ لأن الكنيسة تدعونا أن نقول للرب في بدء صلاة نصف الليل " إنزع من عقولنا نوم الغفلة ، واعطنا يارب يقظة ... " .
الشيطان يحب أن يكون ( فريسته ) متهاوناً ليسهل القضاء عليه .
إن المتهاون في واجباته الروحية من السهل أن يسقط ، إذ لا يكون محصناً باستعداد روحي ، ولا بالمشاعر الروحية التي تغرسها وسائط النعمة في القلب . لذلك في بعض الأوقات إذا أراد الشيطان إسقاط إنسان ، يبدأ معه بسلاح التهاون ، فيكسل في صلواته وقراءاته واجتماعاته الروحية واعترافه وتناوله . وإذ لا يكون منتبهاً لنفسه يضربه الشيطان فيسقط .
أما الهتم بواجباته الروحية ، فإن الله يكون دائماً أمام عينيه ، فيستحي من السقوط ، كما أن الله يعينه في حروبه .
هناك نوع لا يصحو لنفسه إلا بعد السقوط .
مثال ذلك الإبن الضال ، الذي لم يستيقظ إلا بعد الضياع والإستمرار فيد مدة وكذلك داود النبي حينما سقط لم يكن صاحباً لنفسه . إنما صحا حينما قال له ناثان " أنت هو الرجل " ! وكذلك سليمان الحكيم لم يكن في حكمته حينما سقط . ولم يشعر أن الكل باطل وقبض الريح ، إلا بعد أن أغوته النساء ... !
أما أنت فمادام عدوك يزأر ، إعلن حالة التعبئة العامة .
قل للشيطان قف عند الحدود لا تتعداها . وجهز أنت كل أسلحتك من صوم وصلاة ، وسهر ويقظة قلب ، وتوبة قلب ، وتوبة واحتراس ، وتمسك بالرب . وكن منتبهاً لكل حركة من العدو ، لكل رغبة ، لكل فكر ، لكل حركة من الحواس . وكما يقول الرسول " ستأسرين كل فكر لطاعة المسيح " ( 2كو10 : 5 ) .
وفي سهرك الروحي ، إستمع إلى قول الرسول :
" إلبسوا سلاح الله الكامل ، لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس " ( أف6 : 11 ) . كن ساهراً " وسيفك على فخذك من هول الليل " ( نش3 : 8 ) . نقصد سيف الروح ، ودرع البر ، وترس افيمان ( أف6 ) ، وكل الوسائط الروحية .
وهذا الإحتراس ، أو هذا الإستعداد ، يكون معك مدي الحياة .
إحترس حتى الموت . وكن صاحياً إلى آخر لحظة " لئلا يأتي بغته فيجدك نائماً " ( مر13 : 36 ) . السيد المسيح حورب حتى وهو على الصليب ، حتى قيل له " إن كنت إبن الله إنزل من على الصليب " ... فكن إذن مستعداً باستمرار . ولا تقل ق كبرت ، أو قد خلصت !
واحترس من الشيطان الذي يحارب باللاهوتيات .
لئلا تقول " إرحمني يارب " ، فيأتيك الشيطان وينتهرك قائلاً : لا تقل إرحمنى مطلقاً . فقد رحمك الرب منذ زمان حينما فداك على الصليب وخلصك . إذن ما معني كلمة " إرحمنى " هذه ؟! إنها هرطقة ! قل له : لقد رحمني الرب وخلص نفسي . ولكننى لا أرحم نفسي ، بل كل يوم أضيع خلاصها ، لذلك أصرخ وأقول : ارحمني .
إسهر إذن على خلاص نفسك .
وفي سهرك أسلك بكل جدية وبكل تدقيق .
وكن ميناً جداً حتى في القليل . فإن أمانتك وتدقيقك وجديتك ، تجعل الشيطان يهرب منك ، شاعراً أن حربه معك هي حرب خاسرة .
وهناك سلاح هام للإنتصار ، وهو أهم سلاح ، أعني الصلاة .
9 - بالصلاة والصوم
لما عجز التلاميذ عن إخراج شيطان ، قال لهم الرب :
هذا الجنس لا يخرج بشيء ، إلا بالصلاة والصوم ( مر9 : 29 ) .
وهكذا نري أهمية الصلاة والصوم في الإنتصار على حروب الشياطين ، أو بمعني آخر أهمية إدخال الله في حياتنا وحروبنا ، صارخين إلى الله وقائلين " نجنا من حيل المضاد ، وابطل سائر فخاخة المنصوبة لنا " .
إننا نفشل في حروبنا إن واجهنا الشيطان وحدنا ، بدون الله .
إنما نحن نقول لله : عدونا هذا القوي الذي يجول كأسد يزأر ، عدونا هذا الماكر الواسع الحيلة ، نحن يارب لا نقدر عليه بمهارتنا وذكائنا ، إنما النجاة هي من عندك أنت . نحن على قدر إمكاننا نميز الأرواح ، ونعرف الفكر الذي من عنده ونحترس منه . ولكن القوة تأتي من عندك .
بقدر إمكاننا نجاهد . ولكن أنت الي تقودنا في موكب نصرتك .
في كل خطية كبيرة أو صغيرة ، لا نريد أن نقف وحدنا تجاه الشيطان ، إنما لابد أن يقف الله معنا . ولذلك نقول له في بدء صلاة باكر " نسألك أن تحفظنا في هذا اليوم بغير خطية " ، ونقول له في ختام هذه الصلاة " هب لنا في هذا اليوم الحار أن نرضيك فيه ، واحرسنا من كل شئ ردئ ، من كل خطية ، ومن كل قوة مضادة " ، " أحطنا بملائكتك القديسين ، لكي نكون بمعسكرهم محفوظين ومرشدين " ...
والمفروض أن نطلب معونة الله من أول الطريق .
كثيرون لا يلجأون إلى الله إلا بعد أن تضيق بهم السبل جداً ، كالذي لا يلجأ إلى الطبيب إلا بعد أن يشتد عليه المرض ويصل إلى حالة سيئة للغاية . أما نحن ، فإن الكنيسة تعلمنا أن نصلي من أجل النجاة قبل أن تأتي الحروب ...
وهكذا تكون صلاة وقائية ، قبل اللجوء إلى الصلاة العلاجية .
إننا نطلب من الله أن يبطل كل فخاخ الشيطان المنصوبة لنا . ولا ننتظر حتى نقع في تلك الفخاخ ، ثم نطلب من الله أن يخرجنا منها ! وهكذا في صلاة الشكر نطلب من الله أن يبعد عنا " كل تجربة ، وكل فعل الشيطان ... وقيام الأعداء الخفيين والظاهرين " ... يبعدها عنا قبل أن تجئ ... " ولا تدخلنا في تجربة " .
نحن لا نضطرب أمام حروب العدو ، إنما نطلب معونة الله .
هذا الشيطان الذي له خبرة 7000 سنة في محاربة البشر ، أنا لا أقدر عليه . أما أنت يارب فأزلي ، كائن قبل أن يكون هذا الشيطان . هو صنعه يديك من قبل أن يسقط . وتعرف كل حيلة . وتستطيع أن تربطه وتقيده وتضع له حدوداً ، بل وتطرده طرداً . لذلك نجني منه .
هكذا ألجأ إلى الصلاة . لأنك بدونها لا تخلص .
وإن فشلت في محاربة العدو ، إعرف أنك فاشل في صلواتك .
ولو كانت لك صلاة قوية ، لانتصرت حتماً . وتأكد أن الله إن سمع صراخ المساكين ، لابد أن يستجيب . إنه نفسه يقول " من أجل صراخ المساكين وتنهد البائسين ، الان أقوم - يقول الرب - أصنع الخلاص علانية " ( مز12 : 5 ) . لذلك قل له : " قم أيها الرب الإله ، وليتبدد جميع أعدائك ، وليهرب جميع أعدائك ، وليهرب من قدام وجهك كل مبغضي إسمك القدوس " ( عد10 : 35 ) . قم يارب " فإن البار قد فني ، وقلت الأمانة من بني البشر " ( مز12 : 1 ) . قم إصنع الخلاص علانية " إستل سيفك على فخدك أيها الجبار . إستله وانجح واملك " ( مز45 : 3 ، 4 ) .
إن الشياطين هم أعداؤك يارب ، قبل أن يكونوا أعدائي .
إنهم يحاربون ملكوتك في وفي غيري ، فحاربهم عني وعن الجميع . ولا تتركنا وحدنا في حروب الشياطين ، لأننا بدونك لا نستطيع أن نفعل شيئاً ( يو15 : 5 ) .
إن داود الذي اختبر نصرة الرب في حروبه قال في المزمور :
" يمين الرب صنعت قوة . يمين الرب رفعتني " ( مز118 : 5 ، 6 ) .
فهل جربت يمين الرب في حياتك ؟ هل جربت خلاص الرب ، الذي قال عنه موسي النبي " قفوا وانظروا خلاص الرب ... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " ( خر14 : 13 ، 14 ) . لو أنك اختبرت هذا ، لاستطعت أن تقول أن تقول مع داود النبي " الرب لي معين وأنا أري بأعدائي " ( مز118 ) ، يسقط عن يسارك ألوف ، وعن يمينك ربوات ، وإليك لا يقتربون " ( مز91 : 7 ) .
إنك جربت تفكيرك وذكاءك وعزيمتك وتداريبك ، ومعونات الناس لك ، ولكن هل جربت خلاص الرب ؟ هل جربت الصلاة القوية الممسكة بقرون المذبح ؟ ليتك تفعل ... لا تكن كإنسان يقول للرب :
أتركني يارب أن أعمل . وإن وقعت ولم أقدر أن أقوم ، سأطلبك .
ولماذا تنتظر إلى أن تقع ولا تقدر . أطلبه من الآن ، تجد قوته إلى جوارك لكي لا تقع . طبعً أن وقعت وطلبت الله سيقيمك ، لكنك ستقوم وأنت مجروح ومكسور ! إلجأ إلى اليد الحصينة التي تحميك ، واصرخ إلى الرب قائلاً "نحنا من حيل المضاد ، وابطل سائر فخاخة المنصوبة لنا " ، وحينئذ يتدخل الله لإنقاذك . وحينئذ تغني مع المرتل :
" الفخ انكسر ونحن نجونا . عوننا من عند الرب الذي صنع السماء والأرض " ( مز124 : 7 ، 8 ) . أطلب من الرب إذن أن ينصرك كما نصر المجاهدين قبلك ، وأن يعطيك قوة كما أعطاهم ، وأن يعطيك قوة كما أعطاهم ، وأن يعطيك نعمته وفعل روحه القدوس ، لكي تكون محصناً بقوته الإلهية ... واطلب إليه أن ينتهر الشيطان كما انتهره من قبل ، ويقول له " إذهب يا شيطان " ( متى4 : 10 ) .
10 - إذهب يا شيطان
عبارة ( إذهب يا شيطان ) التي بها انتهر الرب الشيطان ، لم تكن للتجربة على الجبل فقط ، إنما أيضاً لكل حروب الشيطان مع البشر ...
فليتك تختبر قوة هذه العبارة في حياتك ، حينما يتدخل الرب ويطرد الشيطان ، فلا يشتد في حربه عليك ، أو على الأقل يفعل كما فعل في التجربة على الجبل ويتركك إلى حين ( لو4 : 13 ) .
فإن وجدت أن الحرب قد رفعت عنك ، ووجدت أن الأفكار والشهوات لا تتعبك كما كان يحدث قبلاً . وإن فارقك الفتور وأشرق عليك نور جديد ، فأعرف أن الرب قد انتهر الشيطان وطرده ... ليذهب بعيداً عنك .
إن الله لا يسمح أن نكون محاربين باستمرار من الشيطان .
ولا يسمح أن يمسكنا الشيطان بقبضته . وإن كان الله يترك الشيطان أحياناً ليجربنا ، فذلك لكي ننال الفوائد الروحية التي في هذه الحروب . وعندما يضغطنا الشيطان باليأس أو بالإضطراب ، ينتهره الله قائلاً : إذهب يا شيطان .
قد تمر على الإنسان أوقات راحة من حروب الشيطان .
ويجد نفسه طليقاً في مجال الله ، فرحاً بعشرته ، بل يتعجب كيف كان يخطئ قبلاً ويسقط . وفي وسط هذا الجو الروحي والجو المريح ، يشعر أن المسيح له المجد الذي جرب حروب الشيطان ، قد انتهر الشيطان من أجله ... وكأنه يقول للشيطان : أنا قد أعطيتك حرية التجربة والإختيار ، ولكن ليس إلى هذا الحد . فأذهب يا شيطان ...
صدقوني يا أخوتي إن الخطايا التي نقع فيها هي شئ قليل من حروب الشياطين التي كان يمكن أن تضغط علينا بعنف . ولكن الله منعها عنا قبل أن تصل إلينا . ولم يسمح للشيطان أن يجربنا بها . أما الحروب التي سمح بها ، فهي التي تقدر أن تقاومها . ولو سمح بالأخري ما كنت تحتمل
وقد تتعرض أحياناً لحرب قاسية ، وتكون على وشك السقوط ...
ثم تجد أنك نجوت من هذه الحرب بدون أن تشعر .
وذلك لأن الله قد تدخل . وقال للشيطان إذهب ... إنك ضغطت على هذا الإنسان بعنف ... ويذكرنا هذا بأن الله كان يضع للشيطان حدوداً في حربه مع أيوب الصديق : مرة لا يمد يده إليه ( أي1 : 12 ) ، ومرة لا يمد يده إلى نفسه ( أى2 : 6 ) .
إن عبارة " إذهب يا شيطان " فيها عزاء كبير لنا .
تشعرنا أن حروب الشيطان محدودة ، وأنه ليست له حرية مطلقة حتى يفعل بنا ما يشاء ، ويمنعه ويضع له حدوداً وسدوداً وقيوداً ... بل ويطرده . فلنطمئن إذن أن الحروب إذن أن الحروب التي نتعرض لها هي في حدود قوتنا وطاقتنا ومقاومتنا ، وانه بإمكاننا أن ننتصر عليها ، إن أردنا .
إن الله أعطانا سلطاناً على الشيطان ، نقول له إذهب فيذهب .
ولكننا في أحيان كثيرة لا نشاء أن نقول له : إذهب .
أحياناً نتراخي في حربه ، ونعطيه فرصة فينا ومجالاً . وأحياناً نرضخ ونتراخي ونؤجل طرده . وأحياناً نفاوضه ونهادنه ولا نكون حازمين معه . بل أحياناً نستسلم له ، أو نتعاون معه ... ولا نشاء مطلقاً أن نقول له : إذهب ...
بل أخشى أن البعض يفتح له قلبه وحواسه ، ويرحب به !
كثيرون لا يستطيعون أن يطردوا الشيطان بكلمة إذهب يا شيطان . لأن بينهم وبين الشيطان صداقات ومحبة وعشرة . وهناك قيود تربطهم به وتخضعهم لإرادته . بل لو انتهره الرب وذهب عنهم ، قد يسعون هم إليه ، ويتوسلون إليه قائلين : أرجع إلينا وأعنا ...! هم لا يريدون أن يبتعد الشيطان عنهم ! إن القلب النقي هو الذي ينتهر الشيطان ويقول له : إذهب . ويفرح بانتهار الرب له . ولكن البعض له حاجة عند الشيطان يستبقيه من أجلها ، بل ويدافع عنه ! تماماً مثلما فعل أهل أفسس في دفاعها عن آلهتهم أرطاميس وتمثالها ( أع19 : 28 ) . لذلك فإن الرب كان أحياناً - قبل أن يشفي إنساناً - يسأله أولاً : أتريد أن تبرأ ( يو5 : 6 ) .
فإن شاء الرب أن يطرد الشيطان عنك ، إستجب له ...
فلتتحد إرادتك مع إرادة الله في طرد الشيطان من حياتك ، مهما كان ذلك سيكلفك ، ومهما ( أتعبك ) ذهاب الشيطان بعيداً عنك . لأن الكتاب يقول " أمينة هي جراح المحب . وغاشة هي قبلات العدو " ( أم27 : 6 ) . فقد يقبلك الشيطان متظاهراً بالحب ، موهماً إياك أنه يسعدك ويحقق شهواتك ورغباتك ، لكي لا تطرده من حياتك ، بينما هو يعد لك فخاخاً لهلاكك ! فلا تصدقه .
أدخل إلى أعماق قلبك وفكرك ، وقل : إذهب يا شيطان .
وحينما ينتهر الرب هذا الشيطان ، إنتهره معه بكل صدق وبكل حزم وحسم ، مع إلغاء كل ما سبق من علاقات بينك وبينه . ولا تحاول أن تجمع بين الله والشيطان في حياتك . لنه " لا شركة بين النور والظلمة " ( 2كو6 : 14 ) .
لا تصادق عدواً لله ، ولا تشترك معه في أي عمل . واطرد كل متعلقاته في حياتك وفي بيتك وفي مكتبتك . كل صوره ، وكل كتبه ومجلاته ، وكل ملاهيه وأغانيه وقصصه ، وكل أجهزته ، وكل أعوانه . قل له : إذهب يا شيطان ، ومعك كل ما ينتمي إليك . واقفل أمامه جميع الأبواب حتى لا يعود إليك .
وليكن طرداً ، بكل جدية ، طرداً نهائياً ، بتصميم ...
لا طرداً متذبذباً ، متردداً ، قلقاً ... كما يقول المثل العامي " عين في الجنة ، وعين في النار " ! وتأكد تماماً أن بقاء الشيطان بكل حيلة خسارة لك . واحترس من أن تقبل ريحاً عن طريقه - لأن هذا ( الربح ) يكون ثمناً لحياتك وأبديتك ...
ومن الوسائل التي تساعدك في طرد الشيطان :
11 - مقابلة الخطية بالوصية
إحفظ عدداً من الآيات في مواجهة الخطايا التي تحاربك .
فمثلاً إن حاربك الشيطان بالغضب قل له " إن غضب الإنسان لا يصنع بر الله " ( يع1 " 20 ) . أو قول أحد القديسين " ولو أقام الغضوب أمواتاً ، فما هو مقبول عند الله ، ولا يقبله أحد من الناس " .
وإن حاربك العدو بنظر شريرة ، ضع أمامه قول الرب " من نظر إلى امرأة واشتهتاها ، فقد زني في قلبه " ( متى5 : 28 ) . وإن حاربك بالزنا ، تذكر قول الرسول " ألستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس " ( 1كو6 : 19 ) ، " ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح ، أفآخذ أعضاء المسيح ,اجعلها أعضاء زانية ؟! حاشا " ( 1كو6 : 15 ) .
وإن حاربك الشيطان بأخطاء اللسان ، ضع أمامك آيات الكتاب " كثرة الكلام لا تخلو من معصية " ( أم10 : 19 ) ، " ليكن كل إنسان مسرعاً إلى الإستماع ، مبطئاً في التكلم " ( يع1 : 20 ) ، وايضاً قل " ضع يارب حافظاً لفمي ، وباباً حصيناً لشفتي " ( مز141 : 3 ) .
وإن حاربك الشيطان بمحبة العالم الحاضر ، وما فيه من مغريات ، ضع أمام ذلك قول الكتاب " محبة العالم عداوة لله " ( يع4 : 4 ) . وأيضاً " لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم . إن أحب أحد العالم ، فليست فيه محبة الآب " ( 1يو2 : 15 ) ، " العالم يمضي وشهوته معه " ( 1يو2 : 17 ) . وأيضاً تذكر كل ما ورد في سفر الجامعة عن هذا الموضوع ، وبخاصة قول الكتاب " باطل الأباطيل . الكل باطل وقبض الريح . ولا منفعة تحت الشمس " ( جا1 : 2 ، 14 ، 2 : 11 ) . وإن حاربك الشيطان بالكبرياء ، تذكر قول الكتاب " قبل الكسر الكبرياء ، وقبل السقوط تشامخ الروح " ( أم16 : 18 ) . وأيضاً " يقاوم الله المستكبرين . أما المتواضعون فيعطيهم نعمة " ( يع4 : 6 ، 1بط5 : 5 ) .
إن أسلوب مواجهة الخطية بالوصية ، من نصائح القديس مار أوغريس .
وهو موجود بأسلوب واسع جداً في ميامره عن ( حرب الأفكار ) ، تستطيع أن تقرأها في مخطوطات الأديرة . ومع ذلك فأنت تستطيع أن تستخرج لنفسك من الكتاب مجموعة من الآيات تستخدمها في حروبك ، وتحفظها جيداً في ذاكرتك .
إن كلمة الله حية وفعالة ( يع4 : 12 ) ولها تأثيرها .
وثق أنك حينما تتذكرها لابد سيكون لها عمل رادع داخل نفسك . وهكذا قال الرب " كلمتي التي تخرج من فمي لا ترجع إلى فارغة . بل تعمل ما سررت به ، وتنجح في ما أرسلتها له " ( أش55 : 11 ) . جرب إذن قوة كلمة الرب في حروب الشياطين .
الفصل الخامس
فوائد الحروب الروحية
إن الله لا يمنع عنا حروب الشيطان . ولكنه يقف معنا فيها ، وأيضاً يجعلها لفائدتنا الروحية .
ومن أجل هذا ، فإن القديس الأنبا أنطونيوس ، بعد أن عاش معه القديس بولس البسيط فترة محتمياً تحت ظل صلواته ، طلب منه الأنبا أنطونيوس أن يسكن وحده ، لكي يستطيع في الوحدة أن يجرب حروب الشياطين ، ويقتني منها فائدة لنفسه . فما هي الفوائد الروحية التي تقتني من حروب الشياطين ؟ والتى مارسها المتوحدون في البراري والقفار حتى تفرغوا لمحبة الله ، وبالتالي لقتال العدو ؟
1 - الفائدة الأولي هي الإتضاع :
كلما تشتد حروب الشياطين على إنسان في قوة وعنف ، يشعر بضعفه أمامها فيزول عنه انتفاخه ، وينسحق قلبه من الداخل ، ويري أنه معرض للسقوط ، وأن إرادته ليست معصومة من الخطأ . ويعرف أن الخطية " طرحت كثيرين جرحي ، وكل قتلاها أقوياء " ( أم7 : 26 ) .
2 - الصلاة والتمسك بالله وطلب معونته :
الإنسان وهو مستريح ، قد لا يطلب المعونة الإلهية ، وقد لا يشعر انه في مسيس الإحتياج إليها . ولكنه إذا اشتدت عليه الحرب ، يصرخ إلى الله لينصره على عدو قاس وهكذا إذ يشعر بضعفه يتمسك بالرب في صلاة عميقة ، وفي صلات قوية ، هذا الذي قال " أدعني في وقت الضيق ، أنقذك فتمجدني " ( مز50 : 15 ) .
3 - الحروب الروحية تدعو إلى الإشفاق على المخطئين :
الذي لم تحاربه الشياطين ، قد يقسو على المخطئين ويدينهم في سقوطهم . أما الذي حورب . وقد جرب عنف العدو ، فإنه يشفق على كل خاطئ ويصلي لأجله . وكما قال القديس بولس الرسول " أذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم . واذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضاً في الجسد ( عب13 : 3 ) . وقال عن رب المجد " لأنه فيما هو قد تألم مجرباً ، يقدر أن يعين المجربين " ( عب2 : 18 ) .
4 - والحروب الروحية تعطي الإنسان خبرة :
فيتمرس بالقتال ، ويتعلم الحرب ، ويعرف حيل العدو وفنونه ، ويأخذ خبرة سواء من قيامة أو سقوطه . والمعروف أن كل ارتقاء درجة يسبقه امتحان ، من يجتازه يرتفع هذه الدرجة كما يحدث لطلاب العلم . وبهذا نري أن الذين