مقدمة لسفر إرميا
بدأ إرميا، النبي الكاهن، خدمته خلال الـ 40 سنة الأخيرة من تاريخ مملكة يهوذا، بعد أن هزم الأشوريون مملكة إسرائيل الشمالية بحوالي 100 سنة. وقد بدأت خدمته العلنية في السنة الـ 13 من حكم الملك التقي يوشيا الذي ملك لمدة 31 سنة. واستمرت خدمة إرميا خلال فترة حكم أربعة ملوك أشرار هم: يهوآحاز، ويهوياقيم، ويهوياكين، وصدقيا. وأثناء هذه المدة، بما فيها الفترة التي تولى فيها جدليا الحكم لوقت قصير، وقف إرميا بمفرده - وتعرض للبغضة والاضطهاد.
وبمرور السنين، ضعفت الإمبراطورية الأشورية وأخذت مكانها الإمبراطورية المادية البابلية. ووقعت إسرائيل تحت سيطرة نبوخذنصر بعد أن هزم مصر في كركميش، المدينة الرئيسية في شمال سوريا والتي كانت تحمي طريق التجارة الرئيسي عبر نهر الفرات. وحدث غزو يهوذا بعد حوالي سبع سنوات، وفي السنة الحادية عشر من ملك صدقيا سقطت أورشليم وسرعان ما تحققت للإمبراطورية البابلية السيادة الكاملة على العالم.
وأحداث هذا السفر ليست مرتبة تاريخيا ولكنها مرتبة بحسب ما استحسنه الروح القدس من أجل تنوير إدراكنا الروحي.
الأصحاحات 1-38 هي نبوات جاءت قبل سقوط أورشليم -ابتداء من أيام يوشيا (إرميا 6:3) - وهي مؤرخة طبقا للكلمات الافتتاحية في كل أصحاح. وقد تعين إرميا نبيا للشعوب (إرميا 5:1) وأنذر مملكة يهوذا بأن تتوب عن خطاياها وأن تعبد الرب. الأنبياء يتنبأون بالكذب والكهنة تحكم على أيديهم، وشعبي هكذا أحب! ... من النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب (إرميا 31:5؛ 13:6). (ملاحظة: فشحور في أصحاح 20 ليس هو نفسه فشحور بن ملكيا في أصحاح 1:21 و 1:38).
وقد أدان الرعاة الكذبة (إرميا 34:25) الذين هم آخر أربعة ملوك على يهوذا: يهوآحاز [شالوم]، ويهوياقيم، ويهوياكين [يكنيا]، وصدقيا. وأدان أيضا المعلمين الكذبة (إرميا 1:23-2)، والأنبياء الكذبة (إرميا 9:23)، والكهنة الكذبة (11:23).
الأصحاحان 29-30 موجهان للسبايا الأوائل الذين تم ترحيلهم من مملكة يهوذا إلى بابل قبل دمارها النهائي ببضعة سنوات: أرسل إلى كل السبي ... ها أيام تأتي، يقول الرب، وأرد سبي شعبي إسرائيل ويهوذا (إرميا 31:29؛ 3:30).
وأصحاح 39 مخصص لدمار أورشليم، والقبض على صدقيا، وإطلاق سراح إرميا من السجن.
الأصحاحات 40-44 هي رسالة موجهة إلى بني إسرائيل بعد دمار أورشليم، أولا في يهوذا (أصحاح 40-42) ثم في مصر (أصحاح 43-44).
أصحاح 45 مخصص لباروخ كاتب سفر إرميا.
الأصحاحات 46-51 هو نبوات مختصة بالشعوب الوثنية.
أصحاح 52 مخصص لصدقيا، آخر ملوك يهوذا، والذي قبض عليه وهو يحاول الهرب، فأذلوه واقتلعوا عينيه، وأخذوه مقيدا إلى بابل (2 ملوك 18:24 - 30:25). وهو يذكر السبب الذي أدى إلى دمار مملكة يهوذا المجيدة والتي عاصمتها هي أورشليم: هكذا قال الرب إله إسرائيل: ملعون الإنسان الذي لا يسمع كلام هذا العهد... فلم يسمعوا ولم يميلوا أذنهم (إرميا 3:11،8؛ أيضا 15:30).
مقدمة لسفر مراثي إرميا
يعبر سفر مراثي إرميا عن الحزن العميق بسبب دمار مملكة يهوذا ومدينة أورشليم المختارة من الله، والتي حاول إرميا بكل الطرق أن ينقذها.
كان إرميا يعرف النتائج الحتمية للعصيان: لأن الرب قد أذلها لأجل كثرة ذنوبها؛ ذهب أولادها إلى السبي قدام العدو ... ولكن هذا حدث من أجل خطايا أنبيائها [أي أنبيائها الكذبة] وكهنتها السافكين في وسطها دم الصديقين (مراثي 5:1؛ 13:4).
لذلك أخذ الرب على عاتقه أن يدمر أورشليم تماما: أتم الرب غيظه؛ سكب حمو غضبه وأشعل نارا في صهيون فأكلت أسسها (مراثي 11:4؛ أيضا 1:2-12). وكانت النتيجة أن تعرضت أورشليم لأهوال الحرمان والمرض والألم والجوع (مراثي 19:2؛ 10:4). أكثر من 30 مرة في هذه الأصحاحات القصيرة يذكرنا بأن: الرب سكب غضبه ... أشعل نارا ... قتل ولم يشفق (مراثي 11:4؛ 43:3) - غير تارك أي مجال للشك من جهة من الذي أخرب مملكتهم.
فمن الواضح أن الدمار الذي لحق بهم هو من الرب نفسه كما سبق وأنبأ موسى (تثنية 63:28-65). ولكن النبي كان واثقا تماما في رحمة الرب وإشفاقه وأنه سيرد شعبه مرة أخرى - لأن السيد لا يرفض إلى الأبد (مراثي 31:3-32؛ أيضا 22:4).
غير المؤمن لا يستطيع أن يرى من سقوط الدول سوى نتيجة للظروف البشرية. ولكن لا نجد في أي مكان آخر كما في كتابات إرميا هذا الحق الأساسي واضحا وهو أن سقوط الدول يحدث بسبب إغفالهم لسماع كلمة الرب ... لأن شعبي عمل شرين: تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء (إرميا 4:2،13).
هذا السفر الحزين لا يزال يُقرأ في التاسع من شهر آب (يقابل شهري يوليو وأغسطس) من كل سنة في المجامع في كل أنحاء العالم إذ ينوح اليهود على دمار الهيكل ليس مرة واحدة بل مرتين - في سنة 586 ق.م.، وفي سنة 70 م