4 - براءة محمد والمسيح
لمّا كان محمد فتىً أتى إليه ملاكان وطهرا قلبه? وفي هذا يقول القرآن: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ - سورة الانشراح 94:1-3 - . ومنذ ذلك الوقت أصبح له اللقب الشريف المصطفى فلم يكن صافياً وطاهراً في ذاته. إنما أخذ الملاكان الوزر من قلبه تطهيراً. لقد احتاج محمد إلى عملية جراحية للقلب لتنقية فؤاده قبل أن يصبح نبياً ورسولاً لله.
نقرأ عن ابن مريم في القرآن إنها ستلد غلاماً زكياً حسب الآية: أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً - سورة مريم 19:19 - . وأجمع المفسرون العلماء مثل الطبري والبيضاوي والزمخشري أن كلمة زكياً تعني صافياً ونقياً وبلا خطية. فقبل ولادة المسيح أعلن الوحي أنه يولد طاهراً ويعيش بلا إثم. لم يكن محتاجاً إلى تطهير قلبه لأنه كان قدوساً أصلاً. ولم يستمع ابن مريم إلى كلمة الله فحسب? بل كان هو الكلمة ذاته. فلا فرق بين رسالته وسلوكه? إذ عاش ما قاله? وثبت بلا لوم وبدون خطية.
يشهد القرآن أن لكل الأنبياء والرسل خطايا معينة? ويذكر الأخطاء لبعضهم? ما عدا المسيح? فكان دائماً بريئاً وطاهراً. لقد حفظه روح الله منذ ولادته في القداسة الكاملة رغم طبيعته البشرية. فلم يسقط في التجربة لأنه كان روح الله المتجسد.
اعترف محمد شخصياً ثلاث مرات في القرآن بأن كان يجب عليه استغفار ربه. فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَار - غافر 40:55 - . فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ واللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ - محمد 47:19 - . وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرً ازَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهُ مَفْعُولاً - الأحزاب 33:37 - . ويظهر أن أكثرية المسلمين يرفضون هذه الحقيقة ويؤولونها. إنما القرآن هنا واضح ويتكلم بصراحة.
كان محمد إنساناً طبيعياً مولوداً من والدين طبيعيّين? فعاش حياة الفِطرة? وأخطأ مثلنا واستغفر ربه عن ذنوبه وخطاياه. أما المسيح فوُلد من روح الله وهو كلمة الله المتجسِّد وعاش قدوساً وطاهراً منذ حداثته.