لماذا
يرفض اليهود كون يسوع هو المسيح بينما
يقر المسلمين بأنه هو المسيح؟
ربما
يكون هذا السؤال ساذجاً من حيث المظهر،
إلا أنه ، في ذات الوقت يلفت انتباهنا إلى
ملاحظة هامة وهي؛ اليهود لا يعتبرون،
يسوع بن مريم العذراء، المسيح. بينما نجد
بأن القرآن- وهو الكتاب المقدس الأول
للأمة الإسلامية- يقر بأن يسوع/ عيسى هو
المسيح. فانطلاقاً من هذه الملاحظة يصبح
السؤال مُبَرر،بل وهام جداً.
وهذا
السؤال يطرح، بداخلة، عدة أسئلة ، ولعل
أبرزها هو:
ما
هو مفهوم كلمة "المسيح" لدى كل من
اليهود والمسيحيين والمسلمين؟
وهنا
سنكتفي بهذا السؤال، وهو الجزء الضئيل من
أسئلة كثيرة ومتشعبة، لأهميته، وأيضاً
لما يمثله من مدخل مناسب لكل من يسعي في
البحث الجاد والمعرفة الأمينة.
أولاً:
مفهوم كلمة " المسيح" لدى كل من
اليهود والمسيحيين:
نضع
هنا؛ البحث عن مفهوم كلمة " المسيح"
عند اليهود والمسيحيين، لما يتمتع به
الاثنان من قاعدة كتابية واحدة لهما وهي
"العهد القديم". فالمسيحيين
الأوائل، وعلى رأسهم يسوع المسيح نفسه،
نشأوا في بيئة يهودية، ومنتمين للطقوس
اليهودية وقتئذ، وهذا ما جعل من المفاهيم
للألفاظ تكاد تكون واحدة. إلا أن بعض
المفاهيم- وبخاصة بعض صلب المسيح ورفعه-
قد تطورت عند الطرفين، مما أدى للافتراق
بيتهما.
وكلمة
" المسيح" تعني عندهما من، حيث اللغة
الطقسية، هي: " كل من يُمسح بالزيت
المقدس، في العهد القديم. وهذه المسحة
كانت خاصة بـ " النبي، والكاهن، والملك".
فنظرة سريعة للعهد القديم نجد تطبيق ذلك؛
فقد مُسح أليشع " نبياً" ( راجع ملوك
الأول 19: 16)، كما مُسح هارون وبنوه "
كهنة" ( خروج 29: 7، 30: 25و 30)، وأيضاً قد
مُسح شاول " ملكاً" ( صموئيل الأول 9:
16، أنظر أيضاً صموئيل الأول 16: 1 و 13).
فالمسيح إذاً هو " الممسوح بالزيت ( أو
بالدهن المقدس) علامة للتكريس لخدمة
إلهية، أي ليكون ممثلاً لله في الأرض في
إحدى هذه الوضائف الثلاث:
1-
المسيح
النبي: النبي
هو من يتكلم بكلام الله نيابة عن الله،
فالله يقول لموسى:" انظر أنا جعلتك
إلهاً لفرعون، وهارون أخوك يكون نبيك"
( خروج 7: 1) أي المتكلم عنك. فالنبي يسمع
الكلام من الله، أو يرى رؤيا، ثم يعلن ما
سمعه أو ما رآه ( التثنية 18: 18)، فكانت
خدمته سلبية حيث أنه يستقبل كلاماً،
وإيجابية حيث أنه يعلن ما وصله من رسالة.
فمع أن الله قد كلم " أبيمالك" (
تكوين 20: 3- 7)، وفرعون في حلم ( تكوين 41: 1- 8و
25)، وكذلك نبوخذ نصر ( دانيال 2: 1- 45)، إلا
أنهم لا يعتبرون أنبياء، لأن الكلام كان
لهم هم وليس لتبليغه لآخرين. كما أن النبي
كان يخبر بأمور هي في طي الغيب ولا تتحقق
إلا في المستقبل.
والعهد القديم، يتنبأ عن المسيح/
المسيا، بأنه سيكون " نبياً" ( راجع
تثنية 18: 15 وقابلها مع أعمال الرسل 3: 22- 23).
وهذا الوصف ينطبق على " يسوع المسيح"؛
إذ أنه كـ"نبي" قد قتم بالدور
الإيجابي والسلبي، مندمجين معاً، مما
يعني بأنه " النبي". كما أن نبؤات
العهد القديم تتطابق معه وحده- وهذا ما
يختلف فيه اليهود مع المسيحيين- وهو ما
سنراه كما يلي:
يتنبأ
العهد القديم بأن المسيح سيكون نبياً،
فنجد بأن السيد المسيح قد أشار إلى نفسه
كنبي ( متى 13: 57، لوقا 13: 33)، وبأنه يُخبر
بما يسمعه من الله الاب ( يوحنا 8: 8: 26- 28، 12:
49- 50، 14: 10). بل أن الناس قد رأوا فيه "
ببياً" ( متى 21: 11و 46، لوقا 7: 16، 24: 19،
يوحنا 3: 2، 4: 19، 6: 14، 7: 40، 9: 17).
2-
المسيح ككاهن: تنبأ العهد القديم عن المسيح بأنه
سيكون كاهناً ( مزمور 40: 6- 8، 110: 4). ويتضمن
عمل الكاهن تقديم الذبائح ( عبرانيين 5: 1-3)
والشفاعة ( التثنية 5: 5، 9: 18، صموئيل الأول
7: 5...الخ)، والسيد المسيح يقوم بالخدمتين
معاً، فقد قدم ذبيحة- ليست من ثيران وتيوس-"
بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس
فوجد فداء أبدياً" ( عبرانيين 9: 11- 13و 25-
28، 10: 5- 14، أنظر أياضً مزمور 40: 6- 8). أما عمل
الشفاعة فهو لا يقوم به في هيكل أرضي بل
أمام عرش الله ( رسالة يوحنا الأولى 2: 1-2،
رومية 8: 34، عبرانيين 7: 25، 9: 24). فلم يكن
كهنوت العهد القديم وذبائحه سوى رموز
للمسيح وذبيحة نفسه على صليب الجلجثة،
فهو " حمل الله الذي يرفع خطية العالم"
( يوحنا 1: 29). والخلاف بين اليهودية
والمسيحية يكمن هنا في أن اليهودية لا
تقبل بالتطور من الرمز ، عن المسيح في
العهد القديم، إلى التطبيق/ التحقيق وهو
ما نراه في العهد الجديد، وتلك نقطة
الخلاف الثانية.
3-
المسيح كملك: وهو ما تراه المسيحية في أن المسيح
يملك الآن على شعبه، على كنيسته، فهو "
ملك القديسيين" ( رؤيا يوحنا 15: 3). ولكنه
سيأتي اليوم الذي سيملك فيه على كل
الخليقة عند مجئه ثانية ( زكريا 14: 9و 16-17،
رؤيا 19: 6، 20: 4-6). فسيأتي في مجد ليملك في
أورشليم ( متى 24: 27- 31، 26: 64، زكريا 14: 8و 9و 16و
17). ولن يكون لملكه نهاية ( 2 صموئيل 7: 15- 16،
مزمور 89: 36- 37، اشعيا 9: 6-7، دانيال 7: 13-14)،
فهو " ملك الملوك ورب الأرباب" ( 1
تيموثاوس 6: 15، رؤيا 17: 14، 19: 16)، وملك
الدهور الذي لا يفنى ( 1 تيموثاوس 1: 17).
وختلف اليهود في نظرتهم للمسيح الملك،
كمخلص خاص لشعبهم، وللتحقيق الحرفي
الأرضي، لكل الرموز التي تشير إلى المسيح
في العهد القديم، وطبعاً هذا يخالف
النظرة المسيحية التي تتخطى الإطار
العنصري، والحرفي للعهد القديم. فمسيح
إسرائيل، هو مسيح العالم كله، كل
الأجناس، فقط من ينتمي إلى آدم الأخير،
الذي هو المسيح.
هذا
عن مفاعيل كلمة " مسح/ مسيح" وهي ،
وكما قدمنا، تعريف بمعنى الكلمة من حيث
هي فعل تكريس. أما لفظة " المسيح " من
حيث هي " اسم" وتطور فهمه لدى اليهود
وكما فهمه المسيحييون فنتناوله كالتالي:
المسيح
كما فهمه وتكلم عنه أنبياء العهد القديم؛
في العهد القديم كانت لفظة المسيح( الذي
مُسح) تُنسب- كما رأينا- أولاً إلى الملك،
ثم أُطلقت أيضاً على شخصيات أخرى، وخاصة
على الكهنة. غير أن هذا الاستعمال-
الاستعمال الأول- هو الذي طُبع آثاره
أكثر من غيره في مفهوم اليهود
الاسكاتولوجي( أي الخاص بالأزمنة
الأخيرة) وفي تبلور رجاء شعب إسرائيل.
أولاً:
من الملك إلى المسيا/ المسيح الملك..
1-
مسيح
الرب في التاريخ:
بفضل المسح بالزيت الذي يرمز إلى تقليد
السلطة من قبل روح الله كان الملك يُكرس( =
يُخصص) لوظيفة تجعل منه نائب الله في
إسرائيل. ويشكل هذا التكريس طقساً هاماً
من طقوس التنصيب الملكي ( راجع سفر القضاة
9: 8). ولذا نجد الكتاب المقدس يذكر هذا
الطقس في تتويج شاول ( 1 صموئيل 9، 10) و
داود ( 2 صموئيل 2: 4، 5: 3) و سليمان ( 1 ملوك 1:
39) ومن ارتقوا من ذريته إلى السلطة
الملكية في إطار أزمة سياسية ( 2 ملوك 11: 12،
23: 30). وبهذه المسحة يصبح الملك " مسيح
الله " ( 2 صموئيل 19: 22، مراثي اميا 4: 20)،
أعني شخصاً مكرساً يجب على كل مؤمن أن
يقدم له إكراماً دينياً ( 1 صموئيل 24: 7و 11،
26: 9و 11و 16و 23، 2 صموئيل 1: 14و 16). ومنذ أن
ركزت نبوة ناثان رجاء إسرائيل في سلالة
داود ( 2صموئيل 7: 12- 16)، يصبح بدوره كل ملك
خارج من صلبه " المسيا/ المسيح" لأهل
زمانه، الذي يتخذه الله لتحقيق تدابيره
نحو شعبه.
2-
مسيح
الرب في الصلاة:
تبرز المزامير التي كُتبت قبل السبي،
بشكل واضح، مكانة هذا المسيح الملكي في
حياة إسرائيل الدينية. إن المسحة التي
قبلها هي علامة تفضيل إلهي ( مزمور 45: 8)،
فهي تجعل منه الابن الذي تبناه الله (
مزمور 2: 7، راجع أيضاً 2 صموئيل 7: 14). ولذا
فهو على يقين من حماية الله له ( مزمور 18: 51،
20: 7، 28: 8). إن التمرد عليه جنون ( مزمور 2: 2)
لأن الله لن يتأخر عن التدخل من أجل
إنقاذه ( حبقوق 3: 13) و " رفع قرنه" ( 1
صموئيل 2: 10). غير أن الناس يتضرعون إلى
الله من أجله ( مزمور 84: 10، 132: 10). وفيما هم
يستندون إلى الوعود التي بذلها الله
لداود، فإنهم يرجون من الله أن يعمل
دوماً على تخليد سلالته ( مزمور 132: 17).
ولذا؛ فكم كان اضطراب الأذهان عظيماً بعد
سقوط أورشليم، عندما أصبح مسيح الرب سجين
الوثنيين ( مراثي ارميا 4: 20). لماذا رذل
الله هكذا مسيحه، حتى أنه تعرض لإهانة
الأعداء ( مزمور 89: 39، 52)؟ فجاء إذلال
سلالة داود محنة للإيمان، وظلت هذه
المحنة قائمة حتى بعد التجديد الذي عقب
زمن السبي. ولكن في الواقع، سرعان ما خيبت
الظروف الرجاء الذي أثاره حيناً زربابل.
فلن يتوج زربابل أبداً ( بالرغم من
تلميحات زكريا 6: 9- 14)، ولن يكون بعد مسيح
ملكي على رأس الشعب اليهودي.
3-
مسيح
الرب في مفهوم اليهود الاسكاتولوجي: كثيراً ما عامل الأنبياء ملوك
زمانهم ( الملك الممسوح) بشدة بسبب ما
كانوا يرونه منهم من عدم أمانة نحو الله.
إلا أنهم وجهوا رجاء إسرائيل نحو الملك
المثالي القادم، مع أنهم لم يسندوا إليه
قط لقب المسيح/ المسيا. لذا؛ فقد أخذ
مفهوم المسيانية الملكية في التوسع بعد
السبي. فالمزامير الملكية، التي تتحدث في
الماضي عن المسيح المعاصر لها، أخذت
تتغنى، في تطلع جديد يجعلها تتعلق
بالمسيح القادم، أي المسيا، بالمفهوم
الصحيح والقوي، إذ تصف مقدماً مجده
وكفاحه ( راجع مزمور 2) وانتصاراته..الخ. إن
الرجاء اليهودي المتأصل في هذه النصوص
المقدسة حي جداً في زمن العهد الجديد،
خاصة لدى الفرقة الفريسية. حيث وضع
المسيح على نفس مستوى ملوك إسرائيل
القدامى. ويحتل ملكه مكانة ضمن إطار
المؤسسات ذات الطابع الإلهي. إلا أن
الناس أخذوا يفهمونه بصورة واقعية
متطرفة تبرز خاصة الجانب السياسي من دوره.
ثانياً:
الحالات الأخرى لا ستخدام لفظة المسيح:
1-
مسحاء
الله بالمعني الواسع: كانت المسحة الإلهية تكرس الملوك من
أجل رسالة مرتبطة بقصد الله نحو شعبه.
يتحدث العهد القديم أحياناً عن مسح إلهي،
بمعني واسع جداً، واستعاري، حيث تقوم فقط
رسالة مطلوب تأديتها، خصوصاً إذا افترضت
هذه الرسالة موهبة الروح الإلهي. وقد
اعتبر كورس مسيح الرب، عندما أرسله الله
ليخلص إسرائيل منقبضة بابل ( اشعيا 45: 1)،
كما لو كان تتويجه الملكي قد أعده
للرسالة التي رتبتها له العناية الإلهية.
ولم يكن الأنبياء عادة مكرسين لوظيفتهم
بمسح الزيت، غير أن الله أمر إيليا بأن
يمسح أليشع نبياً بدلاً منه" (1 ملوك 19:
16). ويمكن أن تشير هذه العبارة إلى عمل
إيليا الذي سيمنح أليشع " سهمين من
روحه" 2 ملوك 2: 9). وفي الواقع، فإن مسح
الروح هذا الذ يحصل عليه النبي هو ما
يتحدث عنه اشعياء 61: 1، عندما كرسه هذا
المسح ليعلن البشرى الحسنة للفقراء. وقد
أطلق مرة لفظ " مسحاء" على أعضاء شعب
الله بتسميتهم " أنبياء الرب" (
مزمور 105: 15) إلا أن هذه اللفظة لا تستعمل
مثل هذه الحالات إلا بطريقة عارضة.
2-
الكهنة
المسحاء:
ليس من نص سابق للسبي يتحدث عن مسح
بالنسبة إلى الكهنة. ولكن بعد السبي، أخذ
نفوذ الكهنوت في الازدياد، في وقت لم يعد
هناك ملك، وأصبح الكاهن الأعظم، رئيساً
للجماعة فدرجت العادة، منذ ذلك الحين، في
منحه المسحة. وترجع النصوص الكهنوتية
المتأخرة هذا الطقس إلى هارون من أجل
إبراز أهميته ( خروج 29: 7، 30: 22- 30، 40: 15).
ومنذ ذلك العصر يصبح كبير الكهنة الممسوح
( لاويين 4: 3و 5و 16)، فهو " المسيح" في
زمانه"، مثلما كان الملك من قبل ( راجع
دانيال 9: 25). وفي خط بعض النصوص النبوية
التي كانت تجعل اتحاداً بين الملك
والكهنوت في الأزمنة الأخيرة ( ارميا 33: 14-
18، حزقيال 45: 1- 8، زكريا 4: 1- 14، 6: 13)، أخذت
بعض الأوساط تنتظر، في آخر الأزمنة، مجئ
مسيحين: مسيح كاهن تكون له السيادة،
ومسيح ملك تقتصر مهمته على تدبير الشئون
الزمنية. ولكن يبدو أن هذه النظرة الخاصة
للرجاء المسياني محصورة في الأوساط
الأسينية التي يتغلب عليها النفوذ
الكهنوتي.
3-
الاسكاتولوجيا
والمسيانية:
يعطي إذن الفكر اليهودي عن الأزمنة
الأخيرة مكاناً هاماً لانتظار المسيح؛
مسيح ملك ينتظره الجميع، ومسيح كاهن في
رأي بعض الأوساط. ولكن مواعيد الكتب
المقدسة لا تنحصر في هذه المسيانية
بمعناها الضيق، التي غالباً ما ترتبط
بأحلام نهضة سياسية، بل إنها تعلن أيضاً
تأسيس ملكوت الله، وتقدم أيضاً صانع
الخلاص المنتظر تحت سمات " عبد الله"
و " ابن الإنسان". ولا يتحقق التناسق
بين كل هذه المعطيات زانتظار المسيح ( أو
المسيحين) بصورة واضحة وبسيطة. إلا أن مجئ
يسوع وحده سوف يبدد في هذا الصدد
الالتباس الوارد في النبوات.
المسيح
في العهد الجديد؛
أولاً؛
يسوع وانتظار المسيح:
1-
الصفة المقررة ليسوع: دهش
الناس بقداسة يسوع وسلطته وقدرته،
وأخذوا يتساءلون قائلين:" ألعله
المسيح؟" ( يوحنا 4: 29، 7: 40- 42)أو ما يفيد
المعنى نفسه:" أليس هذا ابن داود؟" (
متى 12: 23). وألحوا طالبين في أن يعلن هو
بصراحة عن نفسه ( يوحنا 10: 24)، قاسمين
السؤال إلى قسمين ( راجع يوحنا 7: 43)، فمن
جهة اتفقت السلطات اليهودية على أن تطرد
من المجمع كل من يعترف بأنه هو المسيح (
يوحنا 9: 22)، ومن جهة أخرى يعترف الذين
يلجأون إلى سلطته المعجزية برسالته،
ويبتهلون إليه معلنين أنه " ابن داود"
( متى 9: 27، 15: 22، 20: 30- 31).
واعترف
الكثيرون صراحة بأنه المسيح، أولهم
تلاميذه، منذ غداة العماد ( يوحنا 1: 41و 45و
49)، ثم مرثا في الوقت الذي أعلن فيه أنه
" القيامة والحياة" ( يوحنا 11: 27).
وتضفي الأناجيل الإزائية ( متى، مرقس ،
ولوقا) على فعل إيمان بطرس طابعاً رسمياً
خاصاً عند سؤال المسيح وجوابه له:"
وأنتم من تقولون إني أنا؟"، "أنت
المسيح" معرض أن يفهم في إطار تطلع إلى
ملك زمني ( راجع يوحنا 6: 15).
2-
موقف يسوع:
ولذا، يتخذ يسوع في هذا الصدد موقفاً
متحفظاً. لم يقر لنفسه يوماً بلقب
المسيح، ما عدا في يوحنا ( 4: 25- 26) حيث يعبر
اللفظ بلا شك عن إيمان السامريين بأسلوب
مسيحيز بل يدع الناس يسمونه " ابن داود"
حتى أنه يحظر على الشياطين أن يعلنوا أنه
هو المسيح ( لوقا 4: 41).
وتقر
اعترافات الإيمان به، ولكنه، بعد اعتراف
بطرس، يوصي الاثني عشر تلميذاً، ألا
يخبروا أحداً بأنه هو المسيح ( متى 16: 20).
وعلى كل، منذ هذا الوقت، يشرع في تنقية
مفهوم فكرة المسيح لدى
تلاميذه، فيبدأ رسالته على غرار
رسالة " عبد الرب المتألم". وبوصفه
" ابن الإنسان" سوف بدخل في مجده عن
طريق ذبيحة حياته ( مرقس 8: 31، 9: 31، 10: 33- 34)مما
يوقع تلاميذه في حيرة. كما مع اليهود،
عندما يخبرهم عن ارتفاع ابن الإنسان (
يوحنا 12: 34).
غير
أنه يدع الناس يهتفون له عمداً يوم
الشعانين معلنين إياه " ابن داود" (
متى 21: 9). ثم في مجادلاته مع الفريسيين،
يلح في أن " ابن داود" يتفوق على "
داود" نفسه، لأنه هو ربه ( متى 22: 41- 46).
أخيراً؛ في محاكمته الدينية واستحلاف
الكهنة له أن يقول إذا كان هو المسيح، فلم
ينكر هذا اللقب، بل أنه أعطى هذا اللفظ
معنى متسامياً؛ إذ أنه هو " ابن
الإنسان" المزمع أن يجلس عن يمين الله (
متى 26: 63- 64).
وفي
الواقع؛ يتم هذا الاعتراف في القوت الذي
سوف تبدأ فيه الآلام، والذي سيكون السبب
في الحكم عليه ( متى 26: 65- 66). لذلك سيسخر
الناس، خاصة من لقبه كـ " مسيح" ( متى
26: 32، لوقا 23: 35- 39)، وفي نفس الوقت من لقبه
كملك. لكن بعد قيامته فقط، سوف يستطيع
التلاميذ أن يفهموا ما ينطوي عليه هذا
اللقب:" أما كان ينبغي أن المسيح يتألم
بهذا ويدخل إلى مجده" ( لوقا 24: 26).
بالطبع، لم يعد في الأمر مجال لمجد زمني،
وإنما الأمر مختلف عن ذلك تماماً. فبحسب
الكتب المقدسة، ينبغي أن يتألم المسيح
ويقوم من بين الأموات... ويدعى باسمه في
جميع الأمم إلى التوبة لمغفرة الخطايا"
( لوقا 24: 46- 47).
ثانياً:
إيمان الكنيسة بيسوع المسيح
1-
يسوع المقام من بين الأموات هو المسيح:
على ضوء الفصح، تنسب إذن الكنيسة الفتية
إلى يسوع لقب المسيح/ المسيا/ خرستوس، وقد
رفع عنه الآن كل التباس. وتقوم بهذا العمل
لأسباب دفاعية عن عقيدتها، ولاهوتية.
فلابد من أن تُظهر لليهود أن المسيح،
موضوع رجائهم، قد جاء في شخص يسوع. ويرتكز
هذا التدليل على أساس لاهوتي أكيد جداً
ببروز اتصال العهدين، ويرى في العهد
الجديد تتميماً للعهد الأول. ويظهر يسوع
هكذا باعتباره " ابن داود" الحقيقي(
راجع متى 1: 1، لوقا 1: 27، 2: 4، رومية 1: 3،
أعمال الرسل 2: 29- 30، 13: 23)، العتيد منذ
الحبل به بقوة الروح القدس ( لوقا 1: 35)
ليرث عرش داود أبيه ( لوقا 1: 32) ويقود إلى
غايته ملك إسرائيل، بتأسيسه ملكوت الله
على الأرض.
إنها
القيامة التي نصبته في مجده الملكي، الآن
وإذ نال يسوع الروح القدس الموعود به (
أعمال 2: 32)، " قد جعله الله رباً
ومسيحاً" ( أعمال 2: 36). ولكن هذا المجد
هو من ترتيب الخلق الجديد، إلى حد أن
المجد الزمني الخاص بمسحاء الله القدامى
لم يكن إلا صورة باهتة له.
2-
ألقاب يسوع المسيح:
إن
لفظ " المسيح" باتحاده الثابت باسم
" يسوع"، قط اتسع مفهومه اتساعاً
عجيباً، حيث تركز على هذا الاسم كل
الألقاب التي تطلق على يسوع. إن الذي مسحه
الله هو فتاه القدوس يسوع ( أعمال 4: 27- 30)،
هو الحمل الذي لا عيب فيه الذي وصفه اشعيا
53( قابل مع بطرس الأولى 1: 19، وأيضاً
كورنثوس الأولى 5: 7) ولذا كان مكتوباً أنه
سوف يتألم ( أعمال 3: 18، 17: 3، 26: 22- 23). وسبق
مزمور 2 فوصف تحالف الأمم " على الرب
وعلى مسيحه" ( أعمال 4: 25- 27، راجع أيضاً
مزمور 2: 1-2).
ولذا
تقوم بشارة بولس بمثابة إعلان أيضاً عن
المسيح المصلوب ( 1 كورنثوس 1: 23، 2: 2)، الذي
مات من أجل قوم كافرين ( رومية 5: 6- 8)، وكما
تشير رسالة بطرس الأولى أيضاً في الكلام
عن آلامه ( 1 بطرس 1: 11، 2: 21، 3: 18، 4: 1و 13، 5: 14).وقد
سبق كتاب اشعيا ووصف رسالة " عبد الرب"
كرسالة نبي مضطهد. في الواقع، فالمسحة
الوحيدة التي اكتفى يسوع المسيح
بالمطالبة بها هي مسحة روح النبوة ( لوقا
4: 16- 22)، راجع اشعيا 61: 1). ولم يفت بطرس أن
يذكر، كما هو وارد في أعمال الرسل "كيف
مسح الله بالروح القدس والقدرة يسوع
الناصري" ( أعمال 10: 38).
في
عشية موته، كان يسوع يعلن عن كرامته كـ
" ابن الإنسان" ( متى 26: 63- 64)، بل
وتنبئ كرازة الرسل بمجيئة الثاني في
اليوم الأخير، بصفته " ابن الإنسان"،
ليؤسس العالم الجديد ( أعمال 1: 11، راجع 3:
20- 21، متى 25: 31و 34). وهو بهذه الصفة أيضاً،
يجلس عن يمين الله ( أعمال 7: 55- 56، رؤيا 1: 5،
12- 16، 14: 14). وكتاب الرؤيا، ودون أن ينسب
إلى يسوع المسيانية الكهنوتية التي كانت
موضوع آمال اليهودية في عهدها الأخير،
يقدمه مرتدياً ثوب الكهنة ( رؤيا 1: 13) ،
وتشيد الرسالة إلى العبرانيين بكهنوته
الملكي، الذي حل نهائياً بدلاً من كهنوت
هارون الرمزي ( عبرانيين 5: 5 وما بعدها،
والإصحاح السابع كله).
ولم
تتردد الكنيسة الأولى في الاعتراف ليسوع
المسيح بأرفع الألقاب، ألا وهو لقب "
الرب" ( أعمال 2: 36)، فهو " المسيح الرب"
( لوقا 2: 11، 2 كورنثوس 4: 5- 6) ، وهو " ربنا
يسوع المسيح" ( أعمال 15: 26)، بعدما أعلنت
قيامته ببهاء وأنه يحوز مجداً يفوق كل
مجد بشري، فهو " ابن الله" بالمعنى
الحصري ( رومية 1: 4)، وهو " الإله الحق"
( رومية 9: 5، 1 يوحنا 5: 20). وهكذا لم يعد لقب
مسيح بالنسبة إليه لقباً من الألقاب، بل
أصبح إسم علم خاص بالنسبة إليه بدون أل
التعريف ( 1 كورنثوس 15: 12- 23)، وهو يجمع في
ذاته كل الألقاب الأخرى، ويحمل كل الذين
خلصهم " المسيح" بحق اسم "
المسيحيين" ( أعمال 11: 26).
كان
هذا عن المسيح بين اليهودية والمسيحية،
وهو ما ينبئ عن تربة واحد، وتاريخ واحد،
ولاهوت واحد، ولكن بقرأتين مختلفتين.
فالتوحيد يجمعهما، في تاريخ واحد، في
كتاب واحد " العهد القديم"، ولكن
انفتاح المسيحية أمام انحصار اليهودية ،
هو نتاج مدى تجاوب كل منهما مع هذا التراث
الثابت. بل أننا نقول، أن الخبرة
المسيحية، هي أحد أهم الفروق بين
اليهودية والمسيحية، وهي ما تنادي به
المسيحية دون غيرها من باقي الأديان، حيث
أنه لا يصح تسمية أي شخص بلقب " مسيحي"
دون أن يكون له اختبارة الشخصي مع "
المسيح الحي".
ولكن
أين الإسلام من كل هذا؟
ثانياً:
مفهوم كلمة " المسيح" لدى المسلمين: عندما نستخدم، هنا، كلمة "
المسلمين" لا نقصد المسلمين الحاليين،
إذ أن التباين بينهم شاسع، يتمتع اللا
مبالين القسط الأوفر، وهم من اسطلح على
تسميتهم- من قبل اليسار الإسلامي-
بالإسلام الشعبي. ولكننا نقصد بالمسلمين
، الإسلام نفسه، بحسب مرجعياته
الأساسية، والتي يمكن اختزالها في "
القرآن"، حيث لا خلاف إلا في تأويله.
لا
يخفى على أحد بأن الإسلام، وهو المنفصل
تاريخياً ولاهوتياً- إلا من حيث التوحيد
المجرد، وهو المشابه لليهودية، حتى في
الكثير من طقوسها، وتقسيمه الفقهي- عن كل
من اليهودية والمسيحية، يطل علينا،
وكأنه يقدم لنا الجديد في شأن " المسيح"!
ولكننا
وعندما نقترب منه، لا نجد أي تعريف
اصطلاحي، أو لاهوتي، بل استخدام ساذج
للفظة " المسيح". وطبعاً الدارس
للتاريخ الإسلامي، وبخاصة فترة ما قبل
الإسلام، يرى بكل وضوح بأن العلاقة بين
نبي الإسلام، واليهودية والمسيحية
الأرثوذكسيتين، لم يكن بنهما أي علاقة.
إذ ، ومن خلال قراءة القرآن- وهذا ما
بيناه في غير هذا المكان بموقعنا- نجد بأن
كل علاقته هي مع هرطقات مسيحية، ويهوداً
بسطاء يعتمدون على فتاتات تلمودية، أو
تفسيرات مدراشية شعبية. وهو ما أنتج
المناظرات بين نبي الإسلام وعمداء هذه
الفرق البسيطة، وهي مناظرات ساذجة في
محتواها ( المباهلة على سبيل المثال، وهي
عادة جاهلية بدوية، لا تمت بصلة لأصول
دينية ، سواء يهودية أو مسيحية). وبالتالي
فلن نجد هذا التداخل بينه ( الإسلام) وبين
الديانتين الأخريين!
فالقرآن
يقر بيسوع / عيسى هو مسيح الله، بل
ويتعداه إلى الإقرار به " وروح منه "
( اي روح الله). وهو على خلاف اليهودية
التي لا تعترف بالحبل المعجز لمريم
العذراء بالسيد المسيح، نجد أن القرآن
ينصب نفسه مدافعاً عن عذراوية السيدة
العذراء، وهو لا يدري بذلك بأنه يضع نفسه
في مشكل لاهوتي، ستفجر مع بزوغ الفرق
المفكرة، مثل المعتزلة. بل ويقر بموت
المسيح، ورفعه إلى السماء، بل ويجعله "
وجيهاً في الدنيا وفي الأخرة من المقربين"،
وكأننا نرى ظلال لصورة المسيح الجالس عن
يمين الله. ويصر القرآن بنسب المسيح لـ
عيسى، ويقابله لقب " ابن مريم"،
ويسمو به إلى أقصى الدرجات، ولا بلا
قواعد رابطة بينه وبين- حتى من حيث
التاريخ- اليهودية أو المسيحية.
لذا؛
فليس بغريب بأن نرى تخبط المفسرين
الإسلاميين- من أمثال " ابن كثير" أو
" الطبري" أو " الفخر الرازي"،
وانتهاءاً " بمحمد رشيد رضا" خليفة
الإمام" محمد عبده"- حول تفسير أو
تقعيد قاعدة إصطلاحية لكلمة " المسيح"
، والبعض منهم قد أدرك هذه الورطة، فأقر
بها كصفة، واعتمد ما استطاع الوصول إليه
من خلال علاقاته مع اليهود والمسيحيين،
وبخاصة بعد الفتوحات الإسلامية، فنقل كل
المعاني التي استطاع الوصول إليها، وهو
في ذات القوت تجنب المعاني اللاهوتية
والتاريخية لهذه اللفظة.
وهو
ما يمكننا من شئ، فالمسيح هو "نبي الله"،
ويعد من المنازل العليا بين الأنبياء، بل
أنه يوم يبعث سيبعث " أمة وحده". وهو
أيضاً " روح الله" و "روح منه"،
وهو المؤيد " بالروح القدس"، ومشارك
الله في الخلق " إذ يأخذ من الطين ....وينفخ
فيه من روحه"، بل وعالم الأسرار. وحتى
ما لا نكرر ما قد سبق وتناولناه حول هذا
الموضوع بالرجا الرجوع إلى مقالنا " ما
الذي يقوله القرآن عن يسوع
المسيح ؟"
حيث قد تناولناه بالتفصيل. ولكن ما يهمنا
هنا، هو أن الإسلام، وبدون أن يدري- لسبب
غياب العلاقة الامتدادية لكل من
اليهودية والمسيحية- قد وقع في مأزق
لاهوتي إذ أنه يقر بيسوع/ عيسى على أنه هو
المسيح، ولكنه لم يقدم لنا مفهوماً لهذه
اللفظة. ومع أنه يصرح بأنه ناسخ
الديانتين، إلا أن هذا النسخ الذي يقول
به، لا يأتي بجديد لهما أو بدلاً منهما،
بل وحتى بدلاً من الديانات الجاهلية.
ورغم
مرور ما يقرب من الخمسة عشر قرناً على
ظهور الإسلام، إلا أن مشكلات مثل :"
المسيح" و " الروح"، ... ما تزال
معلقة حتى الآن!
فليس
غريباً، إذا أن يلجأ الإسلام ، وبالتبعية
المسلمين إلى تحريم التبشير، ونفي الآخر-
اليهودي، والمسيح- بدلاً من إتاحة الحرية
لهما بالتعبير عن معتقداتهم، إذ أن سلاح
العجز، دائماً، ما يكون القهر.. وتلك هي
القضية.
أول الصفحة
أرغب في توجيه سؤال لكم
صفحات أخرى ذات صلة بالموضوع
سيرة المسيح في القرآن
ماذا عن يسوع؟
على
ماذا تدل ألقاب السيد المسيح
في القرآن ؟
هل
ينكر القرآن لاهوت المسيح؟
الرجوع إلى قائمة " ركن الأسئلة المشهورة"
|