الذكر المحفوظ
يستفتح أهل القران
على أهل التوراة والإنجيل بان القران حفظ بمعجزة سالما كما نزل على (النبي الأمي )
، ويستعلون عليهم متهمين إياهم بتحريف التوراة والإنجيل بينما هم قد حافظوا على صحة
نقل القران ، ، وسلامة حفظه ، ودليلهم قوله تعالى: (آنا أنزلنا الذكر وآنا له
لحافظون) . قالوا : هذه نبوة عن حفظ
القران ، وفي تواتر نقله سالما عن الرسول معجزة تؤيد تلك النبوة .
سؤال : هل لفظة ذكر في القران مقتصرا على
القران فقط ؟ .
وهل المقصود بآية سورة الحجر 9 : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ) هو القران ؟
وهل تكفل الله في حفظ القران دون سواه ؟ .
أسئلة كثيرة سنجيب عليها من خلال الواقع
القرآني ، الذي أساءوا تاويله وتفسيره أهل العلم لشيئا في نفس يعقوب .
نحن لا ننكر ان تعبير الذكر اطلق
على القران في اكثر من سورة وآية ، كقوله تعالى : وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي
نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّك لمجنون)َ الحج 6
وص 8 . والقمر 25. والنحل 44.و
يس 11. والقلم.
لكننا نكر وبشدة على الذين خصوا وحددوا واقتصروا معنى الذكر على القران
فقط . وفاتهم ان الذكر بحسب الواقع القراني هو الكتاب المقدس قبل
القران .
نعم لقد أطلق القران تعبير الذكر على الكتاب
المقدس بعهديه القديم والجديد .
وعليه نقول ان لفظة (الذكر) لا
تقتصر على القران ، بل هو مرادف للكتاب ، كما ان (أهل الذكر) ، مرادف (لأهل الكتاب)
.
فالذكر، في لغة القران ،مرادف للكتاب. وعلى الحصر، فهو مخصوص بالتوراة،
كقوله : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ
يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) الانبياء 105 .
كما هو مخصوص بالإنجيل كقوله : (
ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ
الْحَكِيمِ) ال عمران 58. الخطاب في
آية آل عمران 58 لعيسى .
فالذكر الحكيم ، خلافا لما يتوهمه العامة ، مرادف للكتاب المقدس
، أي التوراة والإنجيل، وهذا واضح
من تسمية القران ( اهل الكتاب) اهل الذكر : فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ
تَعْلَمُونَ 43 بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل
34-44 والانبياء 7 .
فالذكر على الإطلاق هو الذي عند أهل
الكتاب، أهل الذكر . وما الذكر الذي انزل على محمد سوى تفصيل للذكر الحكيم ، كما ان
القران هو (َتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ) يونس 37 .
دعونا الان نعود لسورة الحجر ، التي
ذكرت آية الحفظ . لنتأمل بها .
(الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ 1 رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ
مُسْلِمِينَ 2
ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ
وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ 3
وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ 4 مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا
يَسْتَأْخِرُونَ 5 وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي
نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ 6
لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 7 مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا
كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ 8 إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ 10 وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ
يَسْتَهْزِؤُونَ 11 كذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ
الْمُجْرِمِينَ 12 لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ
خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ 13 وَلَوْ فَتَحْنَا
عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ 14
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ 15 وَلَقَدْ
جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ 16 وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ 17 إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ
مُّبِينٌ 18 وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا
فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ 19 وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ
لَهُ بِرَازِقِينَ 20
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا
خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ 21وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ
السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِين) 22.
نقول: ترد آية الحفظ في رده تعالى
على المشركين في تهمة النبي بالجنون
!!
فهم يقولون: (وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ
عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ
6
لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن
كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ )
فيرد عليهم رد أول – (مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ
وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ) !
جملة معترضة - إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ
(ويرد عليهم رد ثان) - وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ
الأَوَّلِينَ 10 وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ
إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ 11 كَذَلِكَ
نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ 12 لاَ
يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ.
(ثم يلحقه برد ثالث) -
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ
السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ 14
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ)
الحجر 6-16 .
يعتبر المشركون ادعاء تنزيل الذكر
على محمد جنونا ، ويطلبون شاهدا على صحة ادعائه من إتيان الملائكة معه .
فيرد عليهم اولا بان نزول الملائكة
مع القران سبب بلاء عظيم لهم .
ويرد عليهم ثانيا بان الاستهزاء
بالرسل مرض قديم وان سنة الله هي تعذيبهم بتكذيب أنبيائهم ( راجع الآيات من 10- 13 ) .
ويرد عليهم ثالثا بأنه إذا فتح الله
بابا من السماء فظل الملائكة فيه يعرجون ،
لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا
بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ !
فالأجوبة الثلاثة متناسقة مترابطة
في الرد عليهم . لكن الآية 9 او ايه الحفظ : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ) . ظاهر عليها الإقحام . فهي في غير موضعها .
أي خارجة عن السياق .
فما معنى رده على تهمة جنون النبي (وَقَالُواْ
يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ)
بآية الحفظ؟ سؤال : ما صلة حفظ الذكر في الرد على تهمة الجنون؟
وما معنى ان يجيبهم على قولهم :( لَّوْ مَا تَأْتِينَا
بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ
) بآية
الحفظ؟ . انها جملة معترضة ظاهر عليها الإقحام . فهي في غير موضعها . أي خارجة عن
السياق .
المسالة الثانية : من قال ان
المقصود بلفظة الذكر الواردة في الآية تعني القران؟
نلاحظ الاطلاق في تعبير (الذكر) في
الآية 9 كما في الآية 6 .
فليس التعبير خاصا بالقران حتى يكو
تعهد الله بحفظه خاصا بالقران وحده .
فالذكر على الاطلاق هو الكتاب
المقدس الذي هو عند اهل الذكر : (فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ 43
بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ) النحل 43 .
فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ – (أي اهل
الكتاب)- إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) الانبساء 7.
لذلك عندما يرد لفظ (الذكر) مطلقا ، غير مبين
بقرينة ، فهو يقصد الكتاب المقدس ، كقوله : (فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ) النحل 43 والانبياء 7 .
وكما في هذا القسم الذي يستفتح السورة : ( وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) . س 1 – ان ترادف الاسمين دليل على
انهما اسمان للكتاب المقدس ، اذ لا يصح ان يكون المقسم به والمقسم عليه واحد .
لذلك أيضا فان قوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ ) يقصد الكتاب المقدس قبل القران العربي ،
بسبب اطلاق التعبير ، وقرينة اهل الذكر .
فالذكر على الاطلاق هو الذي عند أهل
الكتاب ، اهل الذكر . وما الذكر الذي انزل على محمد سوى تفصيل للذكر الحكيم ، كما
ان القران هو (وَتَفْصِيلَ
الْكِتَابِ) يونس 37 .
فتعهد الله بحفظ الذكر المنزل إنما
يتعلق أولا بالكتاب ثم بالقران .
فالقران العرب يستخدم اسم الذكر له
، نقل عن اهل الذكر الذي يحيل النبي اليهم
في حالة الاستفسار والشك .
فالذكر اسم مترادف بين الكتاب
والقران : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) الزخرف 44
سؤالنا هنا هو : ما المقصود من حفظ
الذكر ؟ وهل الذكر هنا هو القران ؟
وما هو دليل ذلك؟ .
ان كان القران هو الذكر المحفوظ ؟ فسؤالنا هنا هو : من
ماذا حفظ القران ؟ هل حفظ من النسيان
؟الآية
من المحو ؟ الآية
من التبديل ؟ الآية
من النسخ ؟ الآية
من تمنى الشيطان ؟ الآية
ام حفظ من إحراق نسخه الأصلية على
يد عثمان؟ الآية
ام حفظ من إلغاء أحرفه الست الذي انزل عليها ؟ الآية
ام حفظ من لبشك النبوي ؟ الآية
ان اية سورة الحجر 9 لا تتماشى مع
الواقع القرآني الذي أكد لنا ظاهرة نسيان النبي للقران وذلك بفعل الشيطان .
لا يتماشى مع ظاهرة تمنى الشيطان
في الوحي القراني .
ان تفسير المسلمين لاية الحجر 9 على
ان المقصود من الذكر المحفوظ هو
القران . يعتبر تجني على القران وعلى نصه .