الفصل الثالث : صلب المسيح وموته في الإسلام
كنا قد عالجنا في الفصل الأول
موضوعي الشبيه والكفَّارة في الإسلام. ولكي تستوفي هذه الدراسة حقها من البحث لا بد
أن نعرض لبعض الآيات القرآنية التي عمد المسلمون إلى تشويه معانيها تهرباً من
الاعتراف بصلب المسيح وموته وقيامته.
لا ينفي القرآن أن بعض الأنبياء قد
يكونون عرضة للقتل أحياناً. وقد أشار إلى ذلك في مواضع مختلفة من السُّور نذكر منها
الآيات التالية:
- "أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى
أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً
تَقْتُلُونَ"
(سورة البقرة 2: 87).
- "وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا
عَذَابَ الْحَرِيقِ"
(سورة آل عمران 3:
181).
- "الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنَا
أَلا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ
قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ
فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (سورة آل عمران 3: 183).
- "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ
بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ
حَقٍّ"
(سورة النساء 4: 155).
وبناء عليه فإن القتل لا يمتنع عن
الأنبياء إن كانت تلك هي مشيئة الله. ومن حيث أن الإنجيل المقدس يصرح أن المسيح قد
جاء باختياره الشخصي ليفتدي البشرية، وإطاعة لرغبة الآب السماوي فلماذا لا تنطبق
هذه القاعدة عينها عليه؟
ولكن القرآن يضيف إشارات أخرى تلمح
إلى موت المسيح، وحتى إلى صلبه. أما هذه الآيات فهي:
- "إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ
وَرَافِعُكَ إِلَيَّ" (سورة آل عمران 3: 55).
- "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ
عَلَيْهِمْ"
(سورة المائدة 5: 117).
وقال عيسى في معرض كلامه عن
نفسه:
- "وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ
أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً" (سورة مريم 19: 33).
وهي نفس العبارة التي رددها عن يحيى
(يوحنا المعمدان):
- "وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ
وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً" (سورة مريم 19: 15).
وهناك آيتان أخريان تسعفان على
إيضاح ما غمض من الآيات السابقة وهما:
- "مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَ رَسُولٌ قَدْ
خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ..." (سورة المائدة 5: 75).
- "وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ
قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..." (سورة آل عمران 3: 144).
لقد تناول مفسرو القرآن هذه الآيات
وأوَّلوها تأويلاً إقحاميّاً يبعث على التّساؤل لما في هذا التّأويل من تشويه
للحقيقة، ومخالفة واضحة لاعتبارات اللغة العربية كما فهمها القدامى. وأود هنا أن
أعرض لهذه الآيات وأعالج لفظة "الوفاة" كما وردت فيها.